المحاكم والمجالس القضائية
موضوع بعنوان :مبدأ الشرعية في القانون الجزائي
الكاتب :stardz


بحث مبدأ الشرعية في القانون الجزائي المبحث الأول:مفهوم و تاريخ مبدأ الشرعية الجزائية

المطلب الأول : تعريف مبدأ الشرعية الجزائية
المطلب الثاني : نشأة مبدأ الشرعية
المبحث الثاني : أهمية مبدأ الشرعية الجزائية و نتائجه
المطلب الأول : أهمية مبدأ الشرعية الجزائية
المطلب الثاني : نتائج مبدأ الشرعية الجزائية
المبحث الثالث : تقييم مبدأ الشرعية و موقف المشرع الجزائري
المطلب الأول : تقييم مبدأ الشرعية
المطلب الثاني : موقف المشرع الجزائري
خاتمة


المقدمة
يحدد النص في قانون العقوبات و القوانين المكملة له الأفعال المحظورة، التي بعد اقترافها بشروط معينة جريمة من الجرائم و تتعدد هذه النصوص بتعدد الأفعال التي يحظرها القانون، و تسمى نصوص التجريم، فالفعل لا يمكن اعتباره جريمة إلا إذا انطبق عليه أحد هذه النصوص .
و معنى ذلك، أن النصوص المذكورة هي التي تحدد كل الجرائم و تحتكرها فلا يجوز لغيرها من النصوص القانونية أن تشاركها في هذا العمل و بذلك ينحصر التجريم و العقاب في نصوص قانون العقوبات
– و القوانين المكملة له- الذي عليه أن يحدد ماهية الجرائم بدقة و يبين عقوباﺗﻬا، و ﺑﻬذا الحصر ينشأ مبدأ أساسي يسمى بمبدأ قانونية الجرائم و العقوبات أو مبدأ شرعية الجرائم و العقوبات و مقتضى هذا المبدأ أن الجريمة لا ينشؤهاإلا نص قانوني و أن العقوبة لا يقررها إلا نص قانوني و على هذا الأساس يتبادر إلى ذهننا عدة تساؤلات و لعل أهمها :

ما المقصود من هذا المبدأ و ما مدى أهميته في اﻟﻤﺠتمع؟ و ما موقف المشرع الجزائري من هذا المبدأ فهل تراه يدعمه أم يرفضه؟
و هو ما سنحاول دراسته في بحثنا هذا الذي ارتأينا تقسيمة إلى ثلاثة مباحث و هي كالآتي
:

في المبحث الأول سوف نتعرف إلى مفهوم مبدأ المشروعية الجزائية و نشأته أما في المبحث التالي سوف نثحدث عن أهميته و نتائجه كما خصصنا مبحثا ثالثا لتقييم المبدأ و موقف المشرع الجزائري منه.

المبحث الاول : مفهوم و تاريخ مبدأ الشرعية الجزائية.
تتحقق الجريمة بالفعل الصادر عن الإنسان فيتخذ صورة مادية معينة، و تختلف الأفعال المادية باختلاف نشاطات الإنسان، و هذا ما يجعل المشرع يتدخل لتحديد الأفعال الضارة أو الخطرة على سلامة اﻟﻤﺠتمع فنهى بموجب نص قانوني جزائي يجرم هذه الأفعال و يحدد عقوبة من يأتي على ارتكاﺑﻬا و للتفصيل أكثر قررنا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين. بالمطلب الأول سنحاول أن نوضح مفهوم مبدأ الشرعية الجزائية، و بعد ذلك سنمر إلى المطلب الثاني الذي خصصناه للتعرف على نشأة هذا المبدأ.


المطلب الأول : مفهوم مبدأ الشرعية الجزائية.
يعني هذا المبدأ أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني.
أي مصدر الصفة غير المشروعة للفعل هو نص القانون ويقال لهذا النص "نص التجريم" وهو في نظر القانون الجزائي يشمل قانون العقوبات والقوانين المكملة له والقوانين الجزائية الخاصة .

وبالتالي يحدد في كل نص الشروط التي يتطلبها في الفعل كي يخضع لهذا النص ويستمد منه الصفة غير المشروعة ويحدد العقوبة المقررة لهذا الفعل وبالتالي فإن القاضي لا يستطيع أن يعتبر فع ً لا معنيًا جريمة إلا إذا وجد نصًا يجرم هذا الفعل فإذا لم يجد مثل هذا النص فلا سبيل إلى اعتبار الفعل جريمة ولو اقتنع بأنه مناقض للعدالة أو الأخلاق أو الدين .

و أساس هذا المبدأ هو حماية الفرد و ضمان حقوقه و حريته و ذلك بمنع السلطات العامة من اتخاذ أي إجراء بحقه ما لم يكن قد ارتكب فعلا ينص القانون عليه و فرض على مرتكبيه عقوبة جزائية .


المطلب الثاني : نشأة مبدأ الشرعية
سادت البشرية فترة طويلة من الزمن كانت أهواء الحاكم و إرادته هي القانون في ظل حكم مطلق و حكام مستبدين يزعمون أن إرادﺗﻬم من إرادة الله، و في ظل هذه الأنظمة الإستبدادية لم يكن من الممكن صيانة حقوق الأفراد أو وضع حد للسلطة،و بالتالي فلا وجود لمبدأ يعبر عن سيادة القانون
و بانحصار الطغيان و الاستبداد و ظهور الدولة القانونية، أخذ المبدأ في الظهور تكريسا, و تدعيما لديمقراطية الحكم، و تعبيرا عن مبدأ الفصل بين السلطات بعد أن اﻧﻬارت الأنظمة القديمة التي كانت تخلط بين إرادة الحاكم و و يربط المؤرخون هذه الفترة بنهضة أوروبا في القرن الثامن عشر، و ما كان لآراء فلاسفة هذا القرن من تأئير عظيم هز أوروبا، و ساعد على هدم الآراء القديمة، و انتشار الأفكار النيرة الداعية إلى احترام حقوق الإنسان و التي توجت بانتصار الثورة الفرنسية نقطة التحول الكبرى في التاريخ الأوروبي بمجمله .

على أن ذلك لا يعني أن المبدأ لم يعرف الظهور قبل الثورة الفرنسية، فمن الشراح من يرى أن المبدأ يمتد بجذوره إلى القانون الروماني، و إلى القوانين الإنجليزية، و ما أدت إليه من انتشار في أمريكا الشمالية و في بعض الدول الأوروبية، و قد عرف مع الثورة الفرنسية قفزة نوعية بعد أن تبناه رجال الثورة و أعطوه صياغة واضحة، و محددة في إعلان حقوق الإنسان و المواطن الصادر في 26 أغسطس 1789 ، وقد دأبت القوانين بعد ذلك على الأخذ بالمبدأ فنص عليه دستور الجمهورية الفرنسية بعد سقوط
الملكية بتاريخ 24 يوليو سنة 1793 (م 14 ) و أعيد النص في قانون نابوليون، و انتشر المبدأ بعد ذلك فنصت عليه الدول في دساتيرها، و قوانينها العقابية و أيدته
المؤتمرات الدولية و تبنته الأمم المتحدة في اعلان حقوق الإنسان الصادر سنة 1948 م 11 ف 2


مبدأ الشرعية الجزائية في الشريعة الاسلامية
إذا كان هذا المبدأ لم يتعمم الأخذ به في التشريعات الوضعية إلا في أعقاب القرن الثامن عشر، فلقد عرفته الشريعة الإسلامية مند أربعة عشر قرنا، و الأدلة على تقرير المبدأ فيها كثيرة، سواءا في نصوصها الأصلية أو قواعدها العامة، و من هذه النصوص قوله تعالى (و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) سورة الاسراء،آية 5

المبحث الثاني : أهمية مبدأ الشرعية الجزائية و نتائجه
لمبدأ الشرعية الجزائية دور عظيم في حماية و تنظيم الفرد و اﻟﻤﺠتمع، و كذا فرض التوازن بينهما و ذلك بحفظ الحق لكل طرف فلا تطغى الحكومة و تستبد على الشعب كما كان في العصور القديمة، و لا يتسلط الشعب على مرؤوسيه فيخرب النظام و يتعدى القانون، و يفعل في الأرض ما يشاء، و كما لمبدأ شرعية الجرائم و العقوبات أهمية، له أيضا نتائج تترتب عنه و نظرا لأهمية هذا الجزء من دراستنا فقد خصصنا له مبحثا كاملا قسمناه إلى مطلبين بالأول نتحدث عن أهمية هذا المبدأ، ثم يليه المطلب الثاني الذي سنرى من خلاله النتائج المترتبة عن مبدأ الشرعية الجزائية .

المطلب الأول : أهمية مبدأ الشرعية الجزائية
لهذا المبدأ أهمية كبيرة سواء على الصعيد الدولي أو الدستوري أو الإقليمي أوالعملي
أولا : الأهمية الدولية :
نرى أن هناك كثير من الإتفاقيات و البروتوكولات أكدت على أهمية هذا المبدأ ، كما جاء في المادة الثانية الفقرة الثالثة في البروتوكول رقم 4 لإتفاقية حقوق الإنسان الصادر في 16 تشرين الثاني عام 1963”لا يجوز وضع قيود على ممارسة هذه الحقوق غير تلك التي تطابق القانون و تقضيها الضرورة في مجتمع ديمقراطي لمصلحة الأمن القومي أو الأمن العام , للمحافظة على النظام العام أو منع الجريمة أو حماية الصحة و الأخلاق أو حماية حقوق و حريات الآخرين

كما جاء في إعلان حقوق الإنسان و المواطن الصادر عام 1789 الذي أصدرته الجمعية التأسيسية : “ لا يجوز اﺗﻬام أحد أو توقيفه إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون و بحسب المراسيم المحددة فيه”

ثانيا : الأهمية العملية
لهذا المبدأ أهمية كبيرة من الناحية العملية للأسباب التالية :
1 - يعد من أسس الحرية الفردية أي صمام الأمان للحريات الفردية ويضمن حقوق الأفراد بحيث يحدد الجرائم ويحدد العقوبات المقررة لها بشكل واضح حتى لا يترك ثغرات في القانون ويكون وسيلة تسلط بيد القضاة وبالتالي القاضي لا يستطيع الحكم بالإدانة إلا إذا وجد في القانون سندًا على الجريمة والعقوبة فهو لا يملك أن ينشئ جريمة من أمر لم يرد نص قانوني بتجريمه مهما رأى فيه من الخطورة على حقوق الأفراد أو مصالح الجماعة فهو يرسم حدًا فاص ً لا بين المشروع وغير المشروع بحيث يكون الأفراد أحرارًا في إتيان الأفعال المشروعة وإن كانت ضارة وبالتالي السلطات العامة لا تستطيع ملاحقة هذا الشخص لأنه غير مسؤول جزائيًا.

2 - يعطي العقوبة أساس قانوني بحيث يجعلها مقبولة من قبل الرأي العام كونه توضع في سبيل المصلحة العامة بحيث يطبق على جميع الأشخاص الذين تتوافر فيهم الشروط المنصوص عليه في هذا النص دون التميز بينهم.

3 - الدور الوقائي للقانون وهذا الدور يتمثل بأن يكون الفرد على علم بالأفعال التي تعد جريمة والأفعال الغير مجرمة بحيث يمكن أن نعتبر القانون بمثابة إنذار مسبق للأفراد بعدم اقتراف الأفعال المنصوص عليه وهذا يجعل الأفراد أقرب إلى الامتثال من العصيان

4-يحمي جميع الأفراد في اﻟﻤﺠتمع اﻟﻤﺠرمين وغير اﻟﻤﺠرمين بحيث يحمي اﻟﻤﺠرم من نفسه بأن لا يقترف جريمة عقوبتها أشد من الجريمة المرتكبة وتحمي غير اﻟﻤﺠرمين من الأفعال التي قد يرتكبها اﻟﻤﺠرم

ثالثا : الأهمية الدستورية
و فوق ذلك فان المبدأ يرتبط بمبدأين أساسيين من مبادئ الدولة الحديثة و هما مبدأ سيادة القانون و مبدأ الفصل بين السلطات، فالدولة الحديثة على اختلاف أشكالها تعتبر نفسها دولة قانونية، أي تعترف بسيادة القانون كأحد أهم الدعائم الدستورية الكبرى في نظام الدولة الديمقراطية، و معناه التزام الحاكم و المحكوم بقاعدة القانون فاذا كان القانون يطبق على أفراد اﻟﻤﺠتمع فهو يطبق أيضا على جميع أجهزة الدولة و هو الحكم بين تصرفات الدولة و تصرفات الأفراد العاديين، فأساس العقاب (المسؤولية) و هو الخروج عن مبدأ الشرعية، كما يستند حق الدولة في العقاب الى القانون بعيدا عن التعسف و
الطغيان، و يدعم هذا المبدأ مبدأ الفصل بين السلطاتحيث يظهر في اﻟﻤﺠال العقابي أن المبدأ


يقيم حاجزا بين سلطات الدولة الثلاث، فلا يسمح بافتراء احداها على الأخرى.

رابعا : الأهمية الإقليمية
نرى أن هناك كثير من الاتفاقيات و البروتوكولات أكدت على أهمية هذا المبدأ، فقد جاء في المادة الثانية في الفقرة الأولى من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان حق كل إنسان في الحياة يحميه القانون ولا يجوز إعدام أي إنسان عمدا إلا تنفيذا حكم قضائي بإدانته في جريمة يقضي فيها القانون بتوقيع هذه العقوبة و قد جاء في المادة السابعة الفقرة الأولى منه
“ لا يجوز إدانة أي شخص بسبب ارتكابه فعلا أو الامتناع عن فعل لم يكن يعتبر وقت وقوع الفعل أو الامتناع جريمة في القانون الوطني أو القانون الدولي ولا يجوز توقيع عقوبات أشد من تلك المقررة وقت
ارتكاب الجريمة ”

و قد جاء في الفقرة الثانية “ لا تخل هذه المادة بمحاكمة أو عقوبة أي شخص بسبب ارتكابه فعلا أو امتناعه عن فعل يعتبر وقت فعله أو الامتناع عن فعله جريمة وفقا للمبادئ العامة لقانون في الأمم المتحضرة. “

المطلب الثاني : نتائج مبدأ الشرعية الجزائية
تعتمد النتائج التي تترتب على الأخذ ﺑﻬذا المبدأ و يمكننا أن نوجزها فيما يلي :
1 حصر مصادر التجريم و العقاب في النصوص التشريعية :
نتيجة لمبدأ قانونية الجرائم و العقوبات فإن القاعدة الجنائية تتميز عن غيرها من قواعد القوانين
الأخرى بأن مصدرها الوحيد هو القانون المكتوب. و عليه فإن المصادر الأخرى مستبعدة في نطاق القوانين الجنائية فلا مجال لتطبيق المصادر المعروفة في القوانين الأخرى كالشريعة الإسلامية أو العرف أو مبادئ العدالة و القانون الطبيعي.


2 إلتزام التفسير الكاشف للنصوص :
إن الخطة المتبعة بشان تفسير النصوص الجنائية قوامها البحث عن إرادة المشروع، و عليه فإن التفسير الكاشف المسموح به للقاضي يجب أن يبقى في الحدود التي لا تصل إلى حد خلق الجرائم و العقوبات.

3 حظر القياس :
تنحصر مهمة القاضي في تطبيق القانون لا خلق الجرائم، فلا يجوز للقاضي أن يحرم فعلا لم يرد نص بتجريمه قياسا على فعل ورد نص بتجريبه بحجة تشابه الفعلين، أو بكون العقاب في الحالتين يحقق نفس المصلحة الإجتماعية مما يقتضي تقرير عقوبة الثاني على الأول ، لإن في ذلك إعتداء صريح على مبدأ الشرعية في الجرائم لا يقررها إلا المشرعن و القاضي لا يملك ذلك قانونا فإذا فعل يكن قد نصب من نفسه مشرعا و هو ما لا يسمح به القانون.

على أن القياس المحظور هو القياس الخاص بالتجريم، و يعني ذلك أن القياس غير محظور في نطاق الأعمال التي تقرر للإباحة أو مانعا من موانع المسؤولية أو العقاب ، طالما أن الأمر لا يحمل معنى الإعتداء على الحريات الفردية و بالتالي لا يتعارض مع مبدأ الشرعية


المبحث الثالث : تقييم مبدأ الشرعية و موقف المشرع الجزائري
و قد خصصنا مطلبين لدراسة هذا المبحث المطلب الأول تقييم مبدأ الشلرعية الجزائية و المطلب الثاني لمعرفة موقف المشرع الجزائري منه

المطلب الأول : تقييم مبدأ الشرعية
عرف مبدأ الشرعية انتقادات منذ أواخر القرن التاسع عشر ، ومن أهم هذه الإنتقادات إن مبدأ الشرعية قاعدة رجعية إزاء النظم الحديثة في العقاب كوﻧﻬا تحدد العقوبة على أساس الجريمة دون النظر إلى شخص الجاني و قد نادى أصحاب هذا الرأي المنتقد ، و هم ينتمون إلى المدرسة الوضعية ، بتقسيم
اﻟﻤﺠرمين بدلا من تقسيم الجرائم ، فليس الأهم في نظرهم هو الفعل اﻟﻤﺠرم وإنما المتهم
الذي يجب أن يكون محور الدعوى الجزائية.
ولا يتسنى للمشرع تقدير العلاج المناسب للمتهم مسبقا وإنما هذا من صميم العمل القضائي، و من ثم وجب أن تكون للقاضي سلطة تقديرية واسعة و إن كانت هذه الإنتقادات لا تخلو من الصواب فإﻧﻬا لا تتعارض مع مبدأ الشرعية و إنما هي مكملة له، كما أﻧﻬا ساعدت من جهة أخرى على التلطيف من جمود مبدأ الشرعية بجعل العقوبة مناسبة لظروف الجاني تحقيقا للعدالة وهكذا و بفضل انتقادات المدرسة الوضعية رجعت معظم التشريعات عن نظام العقوبات المحددة إلى نظام تفريد العقوبة حيث أصبحت العقوبة تتراوح بين حدين أقصى و أدنى، كما رخص القاضي بالأخذ بالظروف المخففة و بوقف تنفيذ العقوبة و غير ذلك من النظم المستحدثة.


وأما الإنتقاد الثاني الموجه لمبدأ الشرعية فيتمثل في كون هذه القاعدة تجافى في كثير من الأحوال المبادئ الأخلاقية بحيث تجعل القاضي عاجزا عن مجازاة العابثين بالأمن و النظام بحجة عدم وجود نص يتناول سلوكهم، فكثيرا ما تقع أفعال منافية للأخلاق لا يجرمها القانون، و من هذا القبيل العلاقات الجنسية الرضائية بين بالغين لا تربطهما علاقة زواج، الأكل أو الشرب في شهر رمضان بدون مبرر شرعي، و تحويل مال الغير إذا سلم بناءا على عقد من العقود غير الواردة قي نص المادة 376 من قانون العقوبات كما هو حال من استلم شيئا على سبيل التبادل أو البيع أو القرض من أجل الإستهلاك ... الخ.

و نحن لا نرى في هذه الحجة ما يبرر الخروج من على مبدأ الشرعية، ففضلا عن اختلاف وجهات النظر بخصوص ما يعد خطرا اجتماعيا فما على المشرع إذا تبين له أن فعلا يشكل خطورة على اﻟﻤﺠتمع ألا يجرمه بنص وخلاصة القول أن الإنتقادات التي وجهت إلى مبدأ الشرعية لم تنل منه وظل صامدا.

المطلب الثاني : موقف المشرع الجزائري
يؤكد المشرع الجزائري على احترام المبدأ و العمل بمقتضاه من خلال النصوص الدستورية و نصوص قانون العقوبات أيضا .

في الدستور :
أكد الدستور الجزائري لعام 1989 في عدة نصوص منه على احترام الشرعية و هو بذلك يرتفع بالمبدأ من مبدأ قانوني إلى مبدأ دستوري، و ﺑﻬذا يستفيد المبدأ من كافة الضمانات التي يمنحها الدستور لمبادئه فقد جاء في الدستور :
المادة 28 : “ كل المواطنين سواسية أمام القانون“ المادة 42 : “ كل شخص يعتبر بريئا حتى تثبت جهة قضائية نظامية إدانته، مع كافة

الضمانات التي يتطلبها القانون “
المادة 43 : “ لا إدانة إلا بمقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل اﻟﻤﺠرم“
المادة 44 : “ لا يتابع أحد أو يوقف أو يحجز إلا في الحالات المحددة بالقانون، و طبقا للأشكال التي نص عليها“
المادة 131 : “ أساس القضاء مبادئ الشرعية و المساواة الكل سواسية أمام القضاء، و
هو في متناول الجميع و يجسده احترام القانون“

المادة 133 : “ تخضع العقوبات الجزائية إلى مبادئ الشرعية و الشخصية “

و من جهة أخرى، فقد جعل الدستور حق التشريع من اختصاص اﻟﻤﺠلس الشعبي الوطني بوصفه السلطة التشريعية الذي له السيادة في إعداد القانون و التصويت عليه مادة 92 من الدستور وقد حددت المادة 155 اﻟﻤﺠالات التشريعية التي تدخل ضمن اختصاص اﻟﻤﺠلس الشعبي الوطني و من ضمنها القواعد العامة للقانون الجزائي و الإجراءات الجزائية، لاسيما تحديد الجنايات و الجنح، و العقوبات المختلفة لها، و العفو الشامل، و تسليم اﻟﻤﺠرمين“

في قانون العقوبات :
أما في قانون العقوبات فقد نصت المادة الأولى على مضمون مبدأ الشرعية بنصها :
”لا جريمة و لا عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون ” و تأكيدا لمبدأ الشرعية، فقد جاءت النصوص اللاحقة لتدعم مضمون المادة الأولى، فنصت المادة الثانية على مبدأ عدم رجعية
وهو من أهم المبادئ الداعمة لمبدأ الشرعية على ما سنرى- كالآتي :

”لا يسري قانون العقوبات على الماضي إلا ما كان منه أقل شدة”، و نصت المادة الثالثة على تحديد نطاق قانون العقوبات على النحو التالي : “يطبق قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراضي الجمهورية“


كما يطبق على الجرائم التي ترتكب في الخارج اذا كانت تدخل في اختصاص المحاكم الجزائية طبقا لأحكام قانون الإجراءات الجزائية .

خاتمة
على الرغم من الانتقادات الموجهة لمبدأ الشرعية إلا أنه مازال صامدًا إلى وقتنا الحالي ويجد تطبيقًا له في كثير من الدول بل اعتبره بعض الدول من المبادئ الدستورية ونص عليه في دساتيرها نظرًا للأهمية العملية لهذا المبدأ سواء بالنسبة للأفراد أو للقضاء فأما بالنسبة للأفراد تمثل هذا المبدأ إنذار مسبق للعلم بالأفعال اﻟﻤﺠرمة والعقوبة المقررة لها وبالتالي ترك الحرية للأفراد بإتيان الأفعال الغير منصوصة عليه، أما بالنسبة للقضاء فإﻧﻬم يجدون في مبدأ الشرعية الأساس القانوني لتجريم الأفعال وتحديد العقوبات، فض ً لا على أنه أفضل حل لمنع تسلط القضاة في الأحكام .

المراجع
- د/ أحمد فتحي سرور ، القانون الجنائي الدستوري (الشرعية الدستورية في قانون العقوبات، الشرعية الدستورية في قانون الإجراءات الجزائية )، الطبعة 2002 ، دار الشروق 2008 دار هوما ،
- د/ لحسن بوسقسعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، الطبعة 6
الجزائر
- د/ عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات الجزائري، القسم العام، الجزء الأول الجريمة " ديوان المطبوعات الجامعية بن عكنون الجزائر، الطبعة السادسة 2005