logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





look/images/icons/i1.gif السلطة التقديرية لقاضي شؤون الاسرة في الزواج وإنحلاله
  12-12-2015 10:34 صباحاً  
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 13-08-2015
رقم العضوية : 1926
المشاركات : 306
الجنس :
تاريخ الميلاد : 3-4-1988
الدعوات : 4
قوة السمعة : 150
المستوي : ليسانس
الوظــيفة : طالب
الفصل الثـاني : السلطة التقديرية للقاضي في الآثار المترتبة على نشوء الرابطة الزوجية وانحلالها

المبحث الأول : السلطة التقديرية للقاضي في الآثار المالية للزواج وانحلاله
آثار الزواج المالية هي حقوق مالية للزوجة على الزوج وهذه الحقوق نوعان فمنها ما يجب مرة واحدة لا أكثر وهو المهر، ومنها ما يستمر باستمرار الزوجية وهو النفقة وقد تناولنا موضوع النفقة دون موضوع المهر لكون تدخل القاضي في هذا الأخير يعتبر محدودا مقارنة بالنفقة.
كما أننا تناولنا الآثار المالية الناتجة عن انحلال الزواج وحاولنا تبيان دور القاضي في ذلك وهذا في مطلبين اثنين.

المطلب الأول : الآثار المالية الناتجة عن الزواج وتقدير القاضي لها.
المقصود بآثار عقد الزواج هو النتائج القانونية التي تترتب على العقد بمجرد انعقاده، وتعتبر النفقة من أهم الآثار المالية المترتبة على عقد الزواج الصحيح المستوفي لجميع أركانه حسب نص المادتين 9 و 9 مكرر من قانون الأسرة الجزائري.
ويقصد بالنفقة ما يصرفه الزوج على زوجته وأولاده وأقاربه من طعام وكسوة ودواء ومسكن وكل ما يلزم من ضروريات الحياة وذلك بحسب المتعارف عليه بين الناس وحسب قدرة الزوج المالية .
وقد نصت المادة 74 من قانون الأسرة أنه تجب نفقة الزوجة على زوجها بالدخول بها أو دعوتها إليه ببينة مع مراعاة أحكام المواد 78، 79، 80 من هذا القانون.
والسبب المباشر لوجوب النفقة للزوجة على زوجها هو حق الزوج في احتباسها ودخولها في طاعته واستيفائه لحقوقه الزوجية.
ومن خلال ما جاء في مواد قانون الأسرة يتضح لنا أن الشروط الواجب توافرها حتى تجب نفقة الزوجة على زوجها هي:
1- الدخول بالزوجة.
2- أن يكون عقد الزواج صحيحا.
3- أن تكون الزوجة صالحة للمعاشرة.
ولقد نص المشرع الجزائري في المادة 78 من قانون الأسرة على أنه : " تشمل النفقة : الغذاء والكسوة والعلاج، والسكن أو أجرته، وما يعتبر من الضروريات في العرف والعادة".
وبهذا يجب على القاضي الذي سيحكم، بمثل هذه النفقة للزوجة، أن يضع نصب عينيه كل هذه العناصر مجتمعة عندما يقرر الحكم بالمبلغ المناسب للنفقة المطلوبة.
وحسنا فعل المشرع الجزائري في قانون الأسرة عندما نص على أنه يدخل في النفقة ما يعتبر من الضروريات في العرف والعادة وفي إطار المستوى العام للحياة الاجتماعية في حدود طاقة الزوج بلا إسراف ولا تقصير، ذلك أن ما اعتبره المشرع من الضروريات في العرف والعادة يتغير حسب الزمان والمكان وأحوال الناس لأن ظروف الحياة في تغيير مستمر، فقد يصبح ما لم يكن مطلوبا في وقت لازما في وقت لاحق، وما يعتبر من الضروريات في منطقة معينة هو من الكماليات في منطقة أخرى، وهذا ما يبرز لنا السلطة الواسعة التي أعطاها المشرع للقاضي في تقدير النفقة على حسب عادات وأعراف المنطقة وكذا حالة الأطراف من عسر أو يسر.
كما أن المادة 79 من قانون الأسرة منحت للقاضي سلطة تقديرية واسعة في تقدير النفقة على أن يراعي حالة الطرفين وظروف المعاش ولا يراجع تقديره قبل مضي سنة من الحكم، وعليه مراعاة ظروف المعيشة وغلاء الأسعار من يوم الطلب، على ألا تقل قيمة مبلغ النفقة عن الحاجات الضرورية مهما كان وضع الزوج من العسر ، ومن هنا كان من الجائز الزيادة أو الإنقاص في قيمة النفقة حسب تغير حالة الزوج المالية أو الأسعار في البلد غير أن القانون قيد القاضي بعدم مراجعة قيمة النفقة قبل مضي سنة على فرضها إلا في الحالات الاستثنائية، وأكدت المحكمة العليا ذلك في القرار الصادر بتاريخ 23/04/1996 الذي جاء فيه " من المقرر قانونا أنه لا يجوز للقاضي مراجعة النفقة بعد مضي سنة من الحكم ولا يجوز الطعن بحجية الشيء المقضي فيه في النفقة تبعا للمستجدات التي تطرأ على المعيشة والنفقات بصفة عامة" ، ويتبين أن هذه المدة معقولة حيث أن الأسعار لا تتغير في أقل من مدة سنة حتى وإن كان هناك تغيير فإنه لا يكون تغيرا كبيرا.
ورغم أن طالب النفقة قد يتجرأ على طلب مبالغ ضخمة من المكلف بدفع النفقة، حيث تصل أحيانا إلى مبالغ خيالية لا يحكمها عقل ولا منطق وفي انعدام مراقبة الضمير فإن القاضي ستكون مهمته صعبة في تقدير مبلغ النفقة وفق ميزان عادل ، ومع ذلك ستكون سهلة نوعا ما إذا حكم ضميره، واعتمد في تقديره على مراعاة الأيسر و الأسهل على الزوج في الدفع، ذلك أن الهدف من إصدار الأحكام القضائية هو الوصول إلى حسن تنفيذها فإذا كان في حكم القاضي نوع من الإرهاق للمكلف بالنفقة وتحميله مالا طاقة له به فهنا نجده يمتنع عن آدائها وبالتالي تضيع الحكمة من الحكم بإلزام الزوج قضائيا بها، حيث أنه من المقرر شرعا وقانونا أن تقدير النفقة يكون حسب وسع الزوج أي على القاضي أن يقدر المبلغ المستحق وفق قدرة المكلف، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 16/01/1989 والذي جاء فيه "من المقرر شرعا وقانونا أن تقدير النفقة يكون حسب وسع الزوج إلا إذا ثبت نشوز الزوجة ومن المقرر أيضا أن يراعي القاضي في تقدير النفقة حال الطرفين وظروف المعاش ولا يراجع تقديره قبل مضي سنة من الحكم."
وما تجدر الإشارة إليه أنه يصح أن تفرض النفقة سنويا أو شهريا أو أسبوعيا أو يوميا حسب ما هو ميسور للزوج، والمتعارف عليه الآن وجاري به العمل في المحاكم هو فرض أجرة شهرية للنفقة بكل أنواعها بدون تفصيل مع مراعاة الكفاية في الطعام والكسوة والسكن حسب حالة الزوجين.
بالنسبة لنفقة السكن، مما تقدم عرفنا أن النفقة تشمل السكن، فيجب إذن على الزوج إعداد مسكن مستوفي للشروط الشرعية، كما يتضح من نص المادة 78 من قانون الأسرة، وإذا لم يقم بذلك فرض القاضي للزوجة أجرة المسكن إذا طلبت ذلك، وعليه أن يراعي في هذا المسكن ملاءمته لحال الزوج المالية وبيئته وأن تأمن فيه الزوجة على نفسها ومتاعها وأن يكون مشتملا على كل ما يلزم للسكن من أثاث وفراش ومرافق ضرورية، وأن يكون المسكن خاليا من سكن الغير ولـو كان من أهل الزوج، أي على القاضي عند حكمه على الزوج
بتوفير سكن للزوجة أو بدفع بدل الإيجار أن يراعي أولا حال الزوج كما تم بيانه، ثم ينظر في الشروط السابق ذكرها في السكن.
بالإضافة إلى ما تقدم بخصوص مشتملات النفقة هناك ثمن الدواء والعلاج الذي يقع ضمن النفقة المقررة للزوجة على زوجها وذلك وفقا لنص المادة 78 من قانون الأسرة.
بالنسبة لتاريخ استحقاق النفقة، فقد نصت المادة 80 من قانون الأسرة بأنه : " تستحق النفقة من تاريخ رفع الدعوى وللقاضي أن يحكم باستحقاقها بناء على بنية لمدة لا تتجاوز سنة قبل رفع الدعوى"، ويتضح من خلال نص هذه المادة أن تاريخ استحقاق النفقة يبدأ من تاريخ رفع الدعوى وتسجيلها في كتابة ضبط المحكمة، إلى تاريخ صدور الحكم، ولا يجوز للقاضي أن يحكم بنفقة لما قبل الدعوى كقاعدة، ولكن يحدث في الواقع أن ترفع الزوجة دعوى قضائية ضد زوجها طالبة النفقة لها ولأولادها لمدة طويلة سابقة قد تمتد إلى شهور وسنوات وتقديرها من طرف القاضي يكون بمبالغ خيالية، وعادة ما يكون الزوج عاجزا عن دفعها، ولقد أحسن المشرع الجزائري صنعا عندما منع القاضي من الحكم للزوجة بكل ما تطلبه من نفقة متراكمة عن مدة سابقة بل يجب أن يحكم لها بما تستحقه هي وأولادها في حدود ما بعد رفع الدعوى وابتداءا من تاريخ تسجيلها في كتابة ضبط المحكمة إلى تاريخ صدور الحكم كقاعدة عامة، إلا أن المادة 80 من قانون الأسرة سمحت للقاضي بأن يحكم بالنفقة المتراكمة لمدة سنة واحدة سابقة لتاريخ رفع دعوى النفقة التي تستحقها هي وأولادها شرعا، بشرط أن تثبت عدم الإنفاق، والإثبات هنا يكون بكل طرق الإثبات.
كما أن المادة 57 مكرر من نفس القانون نصت على أنه "يجوز للقاضي الفصل على وجه الاستعجال بموجب أمر على عريضة في جميع التدابير المؤقتة ولاسيما ما تعلق منها بالنفقة... والمسكن"، وتقدير حالة الاستعجال يخضع للسلطة التقديرية للقاضي.
فنتيجة الإهمال في عدم رفع الدعوى لا يعني سقوط الحق، فتبقى ذمة الزوج مشغولة بنفقة ما قبل هذه المدة، إن لم يكن قد أداها، ولو أدى هذه النفقة مما وراء المدة يعتبر مؤديا حقا وليس له استرداده.

أما بخصوص مراجعة تقدير النفقة فإن المادة 79 من قانون الأسرة تقرر بوضوح إمكانية ذلك بعد مضي سنة من تاريخ الحكم، إذا تغير حال الزوج الذي أتخذ أساسا لتقدير النفقة أو تغيرت الأسعار تغيرا كبيرا زيادة أو نقصا، فيجوز لكل من الزوجين الذي يتأثر حقه بهذا التغير أن يطلب تعديل النفقة زيادة أو نقصا، ومجال تدخل القاضي في هذه النقطة واسع جدا فهو الذي يقدر مدى تأثير تغير حال الزوج أو الأسعار على المبالغ المحكوم بها.

بالنسبة لمسقطات النفقة على الزوج، فإذا تحققت شروط وجوب النفقة استحقتها الزوجة لها ولأولادها بالتراضي أو بالتقاضي ولا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء، كما تجوز المقاصة، فإذا كان للزوج دين ثابت على زوجته جاز أن يطلب منها إسقاط ما يقابل دينه من النفقة المفروضة، فالنفقة على الزوجة واجبة بتوفر عقد صحيح حسب نص المادة 74 من قانون الأسرة كما اشرنا إلى ذلك، ولا بد أن تكون الزوجة صالحة للمعاشرة لتحقيق أغراض الزواج، وإذا فقد شرط من هذه الشروط فلا تستحق النفقة وذلك ما يظهر في الزوجات الآتية:
- المعقود عليها بعقد فاسد، وكذلك المدخول بها بناءا على شبهة بغير عقد، فهاتان لا نفقة لهما لفقدان إحدى الشروط الأساسية لوجوب النفقة وهو عقد الزواج الصحيح وكذا انعدام الاحتباس المشروع .
- الزوجة المريضة قبل أن تزف ولم يدخل بها، وعلى عكسها من ذلك الزوجة المريضة تستحق النفقة مع بقائها في بيت الزوجية .
- الزوجة الناشز وهي التي خرجت عن طاعة زوجها بدون حق شرعي، والتي خرجت من بيت زوجها بلا إذنه وبغير وجه شرعي، وبالتالي فقد فوتت حق الاحتباس على الزوج. وعلى العموم فإن سقوط النفقة على الزوجة الناشز لا يكون إلا بعد تقدير القاضي وفقا لما يتمتع به من سلطة تقديرية في تقرير النشوز من عدمه، وبعد تبليغها بالحكم النهائي القاضي برجوعها لبيت الزوجية، وثبوت إمتناعها عن تنفيذ هذا الحكم .
كل هذا بالنسبة لنفقة الزوجة أما نفقة الأولاد والأقارب، فكافة الأحكام السابقة في تقدير النفقة من طرف القاضي للزوجة تنطبق على الأولاد إلا بعض الاستثناءات وبعض الأحكام التي خص بها المشرع الجزائري في قانون الأسرة الأولاد والأقارب بحيث نص في المادة 75 من قانون الأسرة أنه:
" تجب نفقة الولد على الأب ما لم يكن له مال، فبالنسبة للذكور إلى سن الرشد والإناث إلى الدخول وتستمر في حالة ما إذا كان الولد عاجزا لآفة عقلية أو بدنية أو مزاولا للدراسة وتسقط بالاستغناء عنها بالكسب".
أما المادة 76 منه فقد نصت على أنه: "في حالة عجز الأب تجب نفقة الأولاد على الأم إذا كانت قادرة على ذلك ". ومنه نتوصل إلى النتائج التالية:
1- أن نفقة الولد واجبة على والده كمبدأ عام، ولا تسقط عنه إلا إذا أثبت أن لهذا الولد ما يمكن أن ينفق منه على نفسه، وذلك بغض النظر عن كون الولد موسرا أو معسرا ، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر في 16/03/1999 والذي جاء فيه :"... النفقة على الابن واجبة على الأب تجاه ابنه المحضون ..." .
2- إن مدة وجوب النفقة للأبناء على الآباء مدة مؤقتة أحيانا ومستمرة أحيانا أخرى، فهي تنتهي بالنسبة إلى الولد الذكر السليم عند بلوغه سن الرشد المدني وهو سن 19سنة، وتنتهي بالنسبة للفتاة السليمة عند زواجها ودخولها إلى بيت زوجها ، وفي قرار صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 16/02/1999 جاء فيه :"أن القضاة لما قضوا بحرمان البنتين من النفقة دون توضيح السبب المعتمد عليه في حكمهم مع أن نفقة البنت تبقى على عاتق والدها إلى أن تنتقل لبيت الزوجية أو حصولها على كسب وعليه فإن القضاة بقضائهم كما فعلوا خالفوا أحكام المادة 75 من قانون الأسرة" .
أما إذا تعلق أمر وجوب النفقة بولد أو فتاة ممن أعجزهم المرض العقلي أو البدني عن الكسب أو كانوا ممن يزالون التعليم والدراسة، فإن وجوب النفقة على الأب يبقى مستمرا ولا يسقط هذا الواجب على الأب إلا بشفاء المريض، وانقطاع الطالب عن طلب العلم أو باستغناء أي منهم عن النفقة بالكسب الحلال وبالوسائل المشروعة ، وهذا ما جاء في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 17/02/1998 الذي جاء فيه: "من المقرر قانونا بأنه يلزم الأب بالإنفاق على الولد الذي ليس له كسب ومتى تبث- في قضية الحال- أن الولد المنفق عليه معوق ويتقاضى منحة شهرية فإن القضاة بقضائهم بحقه في النفقة لأن المنحة التي يتقاضاها مجرد إعانة لا تكفي حاجياته طبقوا صحيح القانون" .
3- إن مبدأ وجوب نفقة الأبناء على الآباء يستلزم بالضرورة أن يكون الأب موسرا وقادرا على الكسب، والابن فقير وعاجز على الكسب أيضا، أما إذا أصبح الأب فقيرا وعاجزا عن الكسب وتوفير المال اللازم بالإنفاق على نفسه وعلى زوجته وأولاده فإن واجب الإنفاق على الولد الصغير الذي ليس له مال ينتقل من على كاهل الأب إلى كاهل الأم، وتصبح هي الملزمة بالإنفاق على أولادها سواء بصفة مؤقتة أو بصفة مستمرة، ولكن هذا الواجب لا ينتقل إلى الأم إلا إذا كانت ذات مال وذات مدخول .
ويتضح مما تقدم أن للقاضي من خلال ما يتمتع به من سلطة تقديرية دورا مهما وحساسا في تقرير وتقدير قيمة النفقة للزوجة والأولاد، وأن مجالها واسع خاصة في البحث عن قدرة الزوج وظروف وحالة الطرفين والبيئة التي يعيشون فيها وتغير ظروف المعيشة وغلاء الأسعار وانخفاضها، كل هذا يفرض على القاضي المختص أن يكون باحثا اجتماعيا واقتصاديا يعلم بكل التغيرات الواقعة بالإضافة إلى احترام القواعد التي وضعها المشرع في قانون الأسرة من خلال المواد 74 إلى 80 وكذا أحكام الشريعة الإسلامية حسب ما جاء في نص المادة 222 من قانون الأسرة حتى يستطيع الوصول إلى قرار سديد وعادل لا يظلم فيه أحد.
وقد استقر اجتهاد المحكمة العليا أن تقدير النفقة يكون بنفقة شهرية بكل مشتملاتها بدون تفصيل مراعيا في ذلك الكفاية في الطعام والكسوة وكل ما هو من الضروريات حسب حالة كل من الزوجين، كما أنها اعتبرت -المحكمة العليا- أن تقدير النفقة يعد مسألة موضوعية من اختصاص وتقدير قضاة الموضوع.

المطلب الثاني: الآثار المالية الناتجة عن انحلال الزواج وتقدير القاضي لها
لاشك وأن الطلاق يرتب أضرار لأحد الزوجين ولومن باب خدش الشعور، هذا ما نص عليه المشرع الجزائري في عدة مواد من قانون الأسرة مثل المواد 52 ،53 مكرر، 55 من هذا القانون، وترك للقاضي سلطة تقدير الضرر والحكم للطرف المتضرر بتعويض عادل، وما دام الأشخاص يختلفون باختلاف البيئة والثقافة والتربية والمكانة فيمكن القول بأن معيار الضرر ومسبباته تتباين بدورها بتباين طبائع الأشخاص وعاداتهم وتقاليدهم وسننهم في الحياة، وعليه فالمعيار المعتمد هنا هو المعيار الشخصي وما دام كذلك فإن تقدير الضرر عنصر واقعي في الدعوى أي واقعة مادية، لذلك فتقدير القاضي للضرر يندرج ضمن تقديره للوقائع وتقدير الوقائع من طرفه يعتبر إحدى المراحل الأساسية للحكم القضائي.
والطلاق قد يكون بإرادة الزوجين أو بإرادة الزوج وحده، أو بإرادة الزوجة إذا توافرت لها الأسباب المقررة قانونا، وعليه فإن درجة الضرر الحاصلة لإحدى الزوجين من الطلاق تختلف بحسب الطرف الذي طلب إنهاء الرابطة الزوجية، وبحسب الأسباب التي دفعت إلى ذلك.
ففي حالة الطلاق بالتراضي: إذا اتجهت إرادة الطرفين إلى الطلاق واتفقا على ذلك بأن أدركا استحالة استمرار العشرة الزوجية بينهما فإن القاضي لا يملك سوى الإشهاد لهما على الاتفاق الحاصل بينهما، فإذا تنازلت المطلقة على حقها في التعويض فإنه يشير إلى ذلك في الحكم وقد يعرض عليها المطلق مبلغ مالي مقابل الطلاق بالتراضي فتقبل به وعليه ذكر ذلك في الحكم.
أما في حالة الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج فهل أن مجرد طلب الزوج للطلاق يجعل الطلاق تعسفيا ويترتب عليه إلزامه بدفع التعويض؟ إن العصمة الزوجية بيد الزوج وعليه فإذا طالب بالطلاق وأصر عليه رغم محاولة الصلح التي يجر يها القاضي والحكمين، فإن القاضي لا يملك سوى الإستجابة لطلبه ولكن انطلاقا من قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" وحتى لا تحس المرأة المطلقة أن هناك إجحاف في حقها وأن مصيرها لعبة في يد الرجل يتصرف فيه كيفما شاء، فإن المشرع قد منح لها الحق في طلب التعويض إذا ما أصابها ضرر من هذا الطلاق طبقا لنص المادة 52 من قانون الأسرة التي نصت على أنه: " إذا تبين للقاضي تعسف الزوج في الطلاق حكم للمطلقة بالتعويض عن الضرر اللاحق بها "، فالرجل وإن كانت العصمة بيده فإنه لابد أن يبرز الدوافع التي أدت إلى مطالبته بالطلاق، فإن كانت المبررات جدية حسب تقدير القاضي المختص فإن طلاقه لا يعد تعسفيا، وبالتالي فالسؤال المطروح هو هل أن الزوجة تستحق التعويض عن الطلاق إذا كان مبررا من طرف الزوج؟.
بالرجوع إلى القاعدة العامة فإن التعويض يكون لجبر الضرر الحاصل للطرف المتضرر وانطلاقا من المادة 124 من القانون المدني الجزائري فإن كل من أحدث ضرر للغير بخطئه يلزم بالتعويض، واستنادا على المادة 124 مكرر التي تنص على التعسف في استعمال الحق، فإنه يجب إثبات الضرر والخطأ، لكن بالنسبة لقضايا الطلاق والضرر الناتج عنه فيلاحظ أن المعمول به في الغالب هو أن عنصر الضرر مفترض دون حاجة إلى إثباته متى كان الأساس الذي اعتمد عليه الزوج لطلب الطلاق غير جدي، أو منعدم تماما لأنه إذا انعدم التبرير أو كان غير كاف فإن ذلك يفهم منه أن الزوج تعسف في استعمال حقه في الطلاق.
لكن قد يكون طلب الزوج للطلاق بسبب من الزوجة التي امتنعت عن الرجوع إلى بيت الزوجية رغم صدور حكم قضائي بإلزامها بالرجوع، فمتى أثبت الزوج أن حكم الرجوع قد أصبح نهائيا وأنه سعى لتنفيذه إلا أنها امتنعت، فهنا يستجاب لطلبه المتضمن الطلاق ويكون ذلك بسعي منه وبتظليمها لنشوزها وفي هذه الحالة فإنها تحرم من حقها في التعويضات.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو هل أن التعويض ونفقة المتعة شيئان مختلفان أم أنهما شيء واحد؟.
لم يأت المشرع الجزائري ضمن نصوص قانون الأسرة بأي مادة قانونية تشير إلى ما يسمى بالمتعة بل أشارت فقط لحق المطلقة طلاقا تعسفيا في التعويض في نص المادة52 من قانون الأسرة، ونص في المادة 53 مكرر أيضا أنه يجوز للقاضي في حالة الحكم بالتطليق أن يحكم للمطلقة بالتعويض عن الضرر اللاحق بها.
وعن موقف الإجتهاد القضائي بخصوص نفقة المتعة فإن المحكمة العليا أصدرت قرار جاء فيه: " إذا كانت أحكام الشريعة الإسلامية تقرر للزوجة التي طلقها زوجها متعة تعطى لها تخفيفا عن ألم فراق زوجها لها وهي في حد ذاتها تعتبر تعويضا" .
فالمحكمة العليا قررت أن نفقة المتعة هي نفسها التعويض.
هناك إشكال أخرى وهو ما مدى استحقاق المطلقة قبل البناء للتعويض عن طلاقها، من المقرر شرعا وقانونا أن المطلقة قبل البناء تستحق نصف المهر، فهل يسمى هذا المهر تعويضا عندما يمنحه القاضي في حكمه؟ المشرع الجزائري لم يشر في قانون الأسرة إلى حقوق المطلقة بصفة عامة، وبما أن التعويض هو جبر للضرر الحاصل للمطلقة فإنه لا يعقل أن يأخذ نفس تسمية المهر ذلك أن المهر هو حق شرعي للزوجة، وبالرجوع إلى قرارات المحكمة العليا وجدنا القرار الصادر بتاريخ 23/04/1996 والذي جاء فيه: "... ولما ثبت –في قضية الحال- أن القضية تتعلق بزواج تام الأركان، إلا أن الزوج تأخر عن الدخول بزوجته لمدة 5 سنوات فإنه بذلك يعتبر تعسفا في حقها ويبرر التعويض الممنوح له..." .
وبالتالي نحن نرى أن المطلقة قبل البناء زيادة على نصف مهرها، لها الحق في الحصول على تعويض عن الأضرار التي قد تصيبها من جراء هذا الطلاق.
وتجدر الإشارة إلى أن المطلقة تحرم من التعويض إذا كان الطلاق بتظليمها، فإذا تأكد القاضي أنها هي المتسببة في الطلاق بتصرفاتها وإذا تبين له نشوزها، فإنها تحرم من التعويض، كذلك إذا كان الطلاق بواسطة الخلع فإنها لا تستحق أي تعويض، وهناك حالات تحرم فيها المرأة من التعويض وعلاوة على ذلك تلزم بدفع التعويض لزوجها في حالة الطلاق، ذلك أنه إذا ثبت نشوزها كان من حق الرجل المطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر و هذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 27/04/1993 والذي جاء فيه: " متى كان من المقرر قانونا أن يحكم القاضي بالطلاق و بالتعويض للطرف المتضرر عند نشوز أحد الزوجين فإن القضاء بغير ذالك يعد خرقا للقانون، ومن تم فإن عدم وجود أي سبب واضح يجعل من الزوجة في قضية الحال تلجأ إلى طلب التطليق بعد نشوزها فإن ذالك يعدد سببا كافيا لاعتبار الزوج متضررا من هذا الطلاق وعليه فإن قضاة الموضوع قد أخطأوا حين قرروا أن الضرر و التعويض عنه يكون للزوجة وحدها مما يستوجب نقض قرارهم " .
بالنسبة لتقدير التعويض المستحق للمطلقة فهو من صلاحيات القاضي الذي يفصل في قضية الطلاق وهو يخضع لسلطته التقديرية ولا يمكن تقييده أو حصره، وعلى القاضي أن يأخذ بعين الاعتبار بعض المعطيات وهي مدخول الرجل وظروف المعيشة وحتى عدد سنوات العشرة الزوجية التي قضياها معا، وبالرجوع إلى القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 18/06/1991 والذي جاء فيه: "إن تحديد مبالغ المتعة والتعويض ونفقة العدة ترجع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع، غير أنهم ملزمون بذكر أسباب تحديدها".
وعليه فحتى وإن كان تقدير التعويض يخضع للسلطة التقديرية للقاضي إلا أنه ملزم بذكر أسباب تحديده.
وفي نهاية هذا المطلب ارتئينا معالجة نفقة العدة، فوجوب العدة على المطلقة يعتبر من الآثار المترتبة عن انحلال الرابطة الزوجية، و هي أجل ضربه الشارع لانقضاء ما بقي من آثار الزواج أو شبهته، وقد تناول المشرع موضوع العدة في المواد من 58 إلى 61 من قانون الأسرة وسنركز دراستنا حول آثار العدة وسلطة القاضي التقديرية في ذلك حيث نص المشرع في نص المادة 61 من قانون الأسرة بأنه: "لا تخرج الزوجة المطلقة ولا المتوفى عنها زوجها من السكن العائلي ما دامت في عدة طلاقها أو وفاة زوجها إلا في حالة الفاحشة المبينة ولها الحق في النفقة في عدة الطلاق".
ومن خلال استقراء نص هذه المادة نجد أن المشرع أعطى الحق لكل مطلقة أو متوفى عنها زوجها في النفقة من مال زوجها طيلة مدة عدتها، وذلك يعتبر من مبادئ العدل على أساس أن المعتدة في هذه المرحلة تكون محتبسة عن الزواج بأمر الشرع لمصلحة النظام العام ولمصلحة الرجل الذي تعتد لصيانة النسب إليه، ولذلك على المحكمة أن تحكم بها وتحددها وتشير إليها في نفس الحكم الذي تقضي فيه بالطلاق حتى وإن كان ذلك بتظليمها وذلك للعبرة المذكور أعلاه، وهذا ما أخذت به المحكمة العليا في قرارها الصادر في 22/10/1984 والذي جاء فيه "متى كان من المقرر شرعا أن نفقة العدة تظل واجبة للزوجة على زوجها سواء كانت ظالمة أو مظلومة، فإن القضاء بما يخالف أحكام هذا المبدأ يعد خرقا لأحكام الشريعة الإسلامية" .
وحق نفقة العدة ربطه المشرع بمكوث الزوجة في بيت زوجها أي أن هذا الحق يسقط إذا تركت المطلقة مقر الزوجية ولم تقضي العدة فيه دون مبرر شرعي، وتعتبر وكأنها ناشز، وعلى القاضي أن يحكم بنفقة العدة سواء طلبتها الزوجة أو لم تطلبها وذلك لاعتبار أن النفقة هي حق ثابت شرعا من حقوق الزوجية ولا تسقط إلا إذا أسقطها الشارع في بعض الأحوال المحددة شرعا، أو تنازلت عنها الزوجة صراحة، وعلى القاضي كذلك أن يراعي حال الطرفين عند تحديده لمبلغ النفقة وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 18/06/1991 المذكور أعلاه.
ونستنتج من خلال استقراء نصوص المواد 58، 59، 60 من قانون الأسرة أنه على القاضي عند تقديره لقيمة نفقة العدة أن يأخذ بعين الاعتبار مدتها حسب ما هو مقرر شرعا وقانونا وألا يفوق في تقديرها مدة 10 أشهر من تاريخ الوفاة أو الطلاق على اعتبار أن المشرع اعتبرها أقصى مدة للحمل، أما المعتدة من وفاة فنجد أن المشرع لم ينص على حقها في نفقة العدة على اعتبار أنها لا تستحقها لكن هناك من يرى أن للمتوفى عنها زوجها الحق في نفقة عدة تأخذها من تركة زوجها.
بالنسبة لنفقة الإهمال التي يحكم بها القاضي يجب عليه أن يراعي في ذلك حال الطرفين في تقديرها والمدة التي بقيت خلالها الزوجة دون إنفاق بحيث تشمل النفقة الغذائية والكسوة وغيرها كما تم بيانه في المطلب الأول من هذا المبحث أي تطبق عليها كافة الأحكام التي تعرضنا لها في هذا المطلب.

المطلب الثالث: مجال تدخل القاضي في النزاع حول متاع البيت
يعتبر النزاع حول متاع البيت من الآثار المهمة لانحلال الرابطة الزوجية وقد عالجه المشرع الجزائري بنص واحد وهو المادة 73 من قانون الأسرة والتي تطرح مجموعة من الإشكالات على القاضي عند تطبيقها وفيها مجال واسع لإعمال سلطته التقديرية، وقد نصت هذه الأخيرة على أنه: "إذا وقع النزاع بين الزوجين أو ورثتهما في متاع البيت وليس لأحدهما بينة فالقول للزوجة أو ورثتهما مع اليمين في المعتاد للنساء والقول للزوج أو ورثته مع اليمين في المعتاد للرجال، والمشتركات بينهما يقتسمانها مع اليمين".
من خلال نص هذه المادة نجد أن المشرع قد وضع لنا قاعدة عقلانية يعتمد عليها القاضي في تقدير ملكية أثاث البيت بحيث أنه إذا كان لأحد المتنازعين بينة حكم له القاضي بمقتضى البينة، وإن لم تكن لأحدهما بينة على دعواه فالقول قول من يشهد له الظاهر بذلك، أي ما يصلح للرجال عادة كأدوات الصيد وأدوات التجارة وما يتعلق بمهنته، وطلبه الزوج ونازعت فيه الزوجة وأنكرت ملكيته له دون بينة، فإنه يحكم به للرجل مع يمينه، وأن ما يصلح لاستعمال النساء عادة كالحلي وأدوات الخياطة وما شابه ذلك وطلبته الزوجة دون بينة فنازع فيه الزوج وأنكر ملكيتها له فإنه رغم ذلك يحكم به لها مع يمينها وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 17/03/1992 الملف رقم 81455 وكذا القرار الصادر بتاريخ 27/01/1986 ملف رقم 39775 عن غرفة الأحوال الشخصية.
ومن خلال تربصنا الميداني على مستوى المحاكم وجدنا أن النزاع يثور حول ملكية المتاع الذي تجلبه الزوجة معها في عرسها والذي اشترته بالمهر المقدم لها على اعتبار أن العادات تلزم على الزوجة أن تشتري بعض الأثاث من صداقها، رغم أن هذا الصداق ملك لها، فهنا لا يجد القاضي معيارا لتحديد المشترك من الأثاث وما هو معتاد للنساء أو للرجال، ويمكننا القول أن هذا المهر قدم للزوجة نحلة ومنه كافة الأثاث والمتاع الذي أحضرته معها واشترته من المال المقدم لها كصداق هو ملك لها وعلى القاضي أن يحكم، ما لم يثبت الزوج خلاف ذلك بالبينة.
وفي حالة ما إذا كان متاع البيت المتنازع عليه يحتمل أن يصلح لاستعمال الرجل والمرأة وليس لكلاهما بينة على امتلاكه فنجد هنا رأيين:
- الرأي الذي ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 16/01/1989 والذي جاء فيه: "إن أثاث البيت المخصص للاستعمال الثنائي بين الزوجين يعتبر ملكا للزوج ما لم تثبت الزوجة بالبينة أن ذلك ملك لها اشترته أو هو من جملة صداقها فإن لم يكن هذا فالزوج أحق به مع يمينه" .
- والرأي الثاني أنه إذا وقع النزاع حول بعض متاع البيت ولم يكن لأحد الخصمين بينة ولم يتمكن القاضي من التفريق بين ما يصلح لاستعمال النساء وما يصلح لاستعمال الرجال، فإن حل هذا النزاع لا يمكن أن يتم إلا بالحكم بتقسيم متاع البيت بينهما مناصفة.
ونحن نرى أنه على القاضي أن يعمل سلطته التقديرية في تحكيم العرف، ويقضي بما يقضي به عرف تلك المنطقة في المعتاد أن تأتي به الزوجة عند زواجها فيحكم لها به وإن تعذر عليه ذلك يأخذ بما جـــاءت به المادة 73 فقرة 2 من قانون الأسرة بأن المشتركات بين الزوجين يقتسمانها مع اليمين. وهذا ما أخذت به المحكمة العليا في قرار صادر بتاريخ 21/04/1998 تحت رقم 189245.
ويشترط في المتاع موضوع النزاع أن يكون موجودا ومشاهدا سواء أكان موجودا بمسكن الزوجية أو غيره من الأماكن، وبذلك فإنه لا يمكن إقامة دعوى على متاع غير موجود أي محل إنكار من المدعى عليه بناءا على نص المادة 73 المذكورة أعلاه، كأن يقدم أحد الزوجين قائمة تكون محل إنكار من الزوج الآخر، فهنا لابد من إقامة الدليل على هذه القائمة وإلا توجه يمين النفي للمدعى عليه.
أما في حالة عدم إنكار المدعى عليه لموضوع الدعوى ذاكرا بأن المدعية قد تسلمت أمتعتها فقد انقلب إلى مدع وبذلك فقد أصبح مطالبا بإقامة الدليل على دعواه، ويقصد بالدليل، البينة أو شهادة الشهود لإثبات ملكية المتاع لأحد الزوجين وعلى القاضي أن يقدر هذه الشهادة، ويسجلها في محضر، والدليل الكتابي في إثبات ملكية المتاع المتنازع عليه هو الفواتير التي تثبت الشراء، وعلى القاضي أن يطلب من المدعي تحديد قيمة الأشياء المتنازع فيها كل على حدى وإذا اختلف في تحديد قيمة الأمتعة بين الزوجين فهناك رأيان الرأي الأول يرى أن للقاضي سلطة في تحديد ذلك ولا يجوز له أن يحول سلطته إلى شخص آخر، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 11/04/1988 الذي جاء فيه: "من المقرر قانونا أنه إذا اختلف الزوجان حول قيمة الأمتعة فللقاضي سلطة في تحديد ذلك، ولا يجوز له تحويل سلطته إلى شخص آخر ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون" .
أما الرأي الثاني فيرى أن هذه المسألة تعود لأهل الخبرة وهو ما أخذت به المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 18/05/1999 والذي جاء فيه:" تقيم مبالغ المتاع مسألة فنية ترجع إلى أهل الخبرة من الصناع والتجار وليس إلى القضاة" .
ونحن نميل إلى الرأي الأخير لأن تحديد قيمة المتاع خاصة عندما تكون المبالغ المطلوبة مرتفعة، مهمة لابد من اللجوء فيها إلى أهل الخبرة ولا تكفي السلطة التقديرية للقاضي وحدها لتحديدها.
وكما تم ذكره أنه في حالة عدم وجود بينة جعل المشرع العرف دليل القاضي باعتباره المصدر الثالث للتشريع فنصت المادة 73 من قانون الأسرة على "المعتاد" فهذا اللفظ يقصد به ما جرى عليه العرف في تحديد ما يصلح للنساء من متاع البيت وما يصلح للرجال، فإذا كان المتاع ما يصلح للرجال عرفا يحكم له به القاضي بعد أداء اليمين من الزوجة والعكس، وإن نكل فهو للزوج الآخر.
إذا تخلف الدليل لدى الزوجة لإثبات إدعائها بوجود المتاع ببيت الزوجية عليها أن تحتكم إلى ضمير زوجها وتوجه إليه اليمين الحاسمة، إلا أن للقاضي سلطة تقديرية في ذلك فيستطيع منع الخصم من إساءة استعمال هذا الحق وله أن يرفض توجيه اليمين، إذا كانت الواقعة موضوع الحلف ليست متعلقة بشخص الحالف أو ليست منتجة في النزاع.
وما لاحظناه كذلك أنه عند حضور الزوج أو ورثته أمام القاضي قد يدعون أن الزوجة أخذت المتاع من بيت الزوجية عند خروجها أي ينكرون وجوده بالبيت الزوجي فيرجع القاضي هنا للقواعد العامة للإثبات أي إثبات أن الزوجة أخذت المتاع إما بالكتابة وذلك عن طريق محضر إثبات حالة يحرره المحضر القضائي يشهد فيه بأن الزوجة سلمت متاعها، أو بشهادة الشهود ويجب أن تكون هذه الشهادة واضحة ودقيقة حتى يمكن الاعتداد بها، بأنهم شاهدوا الزوجة وهي تحمل أثاثها إلى بيت أهلها، و في حالة عدم وجود أي دليل يدعم إدعاءه فيمكن له أن يلجأ إلى آخر وسيلة للإثبات وهي توجيه اليمين الحاسمة لزوجته فإن حلفت سقطت دعواه وإن نكلت أو وردت عليه اليمين وحلفها كسب دعواه.
أما في الحالة العكسية أي في حالة إدعاء الزوجة بأنها تركت متاعها ببيت الزوجية وطالبت الزوج بإرجاعه لها، فإنها تكون بذلك هي المدعية ويقع عليها عبئ إثبات هذا الإدعاء، إما بالكتابة أو شهادة الشهود إذا لم يكن للزوجة دليل كتابي أو باليمين الحاسمة، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 16/03/1999 والذي جاء فيه: "إن المدعى عليه إذا أنكر الأمتعة المطالب بها، يفرض على قضاة الموضوع توجيه اليمين له على أساس إنكاره لوجود المتاع المطالب به عنده" ، واليمين التي يوجهها القاضي تؤدي أمامه بالجلسة وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 10/06/1997 الذي جاء فيه: "إن اليمين المنصوص عنها ضمن المادة 73 من قانون الأسرة تؤدي بالجلسة أمام قاضي الأحوال الشخصية الفاصل في موضوع النزاع وأن الحكم بأدائها بالمسجد الكبير يعد خطأ في تطبيق القانون" ومسألة إثارة اليمين تعد من النظام العام يمكن لأي طرف التمسك بها في أي مرحلة تكون عليها الدعوى في شكل دفع ولو للأول مرة أمام المجلس القضائي ولا يمكن وصف ذالك على أنه طلب جديد، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في اجتهادها الصادر بتاريخ 19/07/1994 الذي جاء فيه: "من المقرر قانون أن الدفع المتعلق بعدم تأدية اليمين بشأن الأثاث لا يعتبر طلبا جديدا، بل هو دفع يثار في أي درجة من درجات التقاضي" .
وإذا وجهت اليمين إلى الخصم في نزاع أوردت عليه فإن الخصم يقوم بحلف اليمين بنفسه في الجلسة ويمكن تأديتها بحضور محامي الخصم لأن حضور هذا الأخير يغني عن حضور الخصم وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 07/12/1987 والذي جاء فيه: "كان مؤدى المادة 433 من قانون الإجراءات المدنية أنها توجب حلف اليمين بحضور الخصم الآخر أو بعد تبليغه لحضور الجلسة، فإن حضور محاميه أثناء تأدية اليمين يغني عن حضور الخصم ..." .
وتجدر الإشارة أن اليمين التي جاءت في نص المادة 73 من قانون الأسرة هي يمين متممة تتمم بداية الدليل.

المبحث الثاني : سلطة القاضي التقديرية في النسب والحضانة :
تعد الأسرة الخلية الأساسية في المجتمع تجب المحافظة على متانتها ووحدتها لقيامها على أسس منظمة، ولما كان الأولاد في هذه الحياة هم عماد المستقبل أولاهم التشريع الإسلامي عناية كبيرة وخصتهم الشريعة الإسلامية بجانب كبير من الاهتمام فشرعت كثيرا من الأحكام المتعلقة بالطفل، إبتداءا من الزواج كوسيلة لإنجابهم وإيجادهم فإذا ما ولد الطفل حافظت عليه من الذل وحضنته من الضياع وأبعدته عن العار، فأثبتت له النسب من والديه، وهذا أول حق يثبت له بعد انفصاله عن أمه، فإذا تبث نسب الولد من والديه تفرع منه العديد من الحقوق الخاصة بالطفل مثل حقه في النفقة والميراث، ويتقدم كل هذه الحقوق حق الطفل في الحضانة لضمان تربيته ورعايته والقيام بكل شؤونه.
وتعتبر الحضانة واحدة من أهم المسائل التي أقرتها الشريعة الإسلامية، وكذا قانون الأسرة الجزائري لأجل توفير الحماية والرعاية المادية والمعنوية للطفل وذلك نتيجة ال




وتعتبر الحضانة واحدة من أهم المسائل التي أقرتها الشريعة الإسلامية، وكذا قانون الأسرة الجزائري لأجل توفير الحماية والرعاية المادية والمعنوية للطفل وذلك نتيجة الوفاة أو الطلاق الذي يمكن أن يحدث بين الزوجين والذي من شأنه أن يؤدي إلى التنازع في مسألة الحضانة بالنسبة للأطفال الناتجين عن هذه العلاقة الزوجية التي لم تستمر والمشاكل التي تطرحها حول مصيرهم ومن يكفلهم وكيفية الاعتناء بهم؟
سنركز في دارستنا على سلطة القاضي التقديرية في إثبات النسب ونفيه، وكذا تقديره للحضانة وهذا في نقطتين أساسيتين:
1- تقدير ثبوت النسب ونفيه.
2- تدخل القاضي في الحضانة.

المطلب الأول : تقدير القاضي لثبوت النسب و نفيه
تناول المشرع الجزائري موضوع النسب في الفصل الخامس من القسم الثالث من الباب الأول في الكتاب الأول من قانون الأسرة وذلك في المواد من 40 إلى 46 منه وسنحاول إبراز مجال تدخل القاضي في نقطتين أساسيتين:
- أسباب ثبوت النسب.
- طرق إثبات النسب.

الفرع الأول: أسباب ثبوت النسب:
نص المشرع الجزائري في المادة 40 من قانون الأسرة على أن النسب يثبت بالزواج الصحيح أو بالبينة أو بنكاح الشبهة أو بكل زواج تم فسخه بعد الدخول ومن خلال نص هذه المادة فالنسب يثبت بالزواج الصحيح، فالعقد الصحيح سبب شرعي لثبوت نسب الولد سواء أثناء قيام الزوجية أو بعد انقضائها بالطلاق أو الوفاة متى كان الاتصال بين الزوجين ممكنا، و لم يكن الزوج قد نفاه بالطرق المشروعة، و يكون العقد صحيحا إذا كان مستوفيا لجميع أركانه و شروطه التي نص عليها المشرع في المواد 09و09 مكرر في قانون الأسرة والزواج الصحيح يسمى في الفقه الإسلامي بالفراش، فالولد لصاحب الفراش أي الزوج.
وقد نص المشرع الجزائري في المادة 41 من قانون الأسرة على أن الولد ينسب لأبيه متى كان الزواج شرعيا وأمكن الاتصال ولم ينفه بالطرق المشروعة وتعني إمكانية الاتصال بين الزوجين حدوث التلاقي بينهما فعلا كما قال أصحاب المذاهب الثلاث المالكية والشافعية والحنبلية، كما يشترط أن يكون الزوج ممن يأتي منه الحمل بأن يكون بالغا أو مراهقا على الأقل وخاليا من العيوب التي تحول دون الاتصال بالزوجة بصفة كلية.
إضافة إلى أن المشرع الجزائري نص في المادة 45 من قانون الأسرة على جواز اللجوء للتلقيح الاصطناعي وقيده بمجموعة من الشروط لا تخالف الشريعة الإسلامية.
كما يشترط حسب نص المادة 42 من قانون الأسرة أن يولد الجنين بين أدنى مدة الحمل وهي ستة أشهر وأقصاها وهي عشرة أشهر لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ما هي الشهور المعتمدة في حساب أقصى مدة الحمل هل هي الشهور القمرية مثلما قال به الفقهاء أم هي الشهور الشمسية؟ لم يجب المشرع الجزائري عن هذا السؤال إلا أن القضاء الجزائري يعتد بالأشهر الشمسية وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 17/11/1998 .
إضافة إلى شرطي إمكانية الاتصال وولادة الولد بين أدنى وأقصى مدة الحمل، أضاف المشرع الجزائري شرطا ثالثا لثبوت النسب بالزواج الصحيح وهو عدم نفي نسب الولد من قبل الزوج بالطرق المشروعة، وهذا ما نصت عليه المادة 41 من قانون الأسرة، غير أن المشرع لم يحدد الطرق المشروعة لنفي النسب لذا وجب على القاضي الرجوع لأحكام الشريعة الإسلامية طبقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة و بالرجوع لهذه الأحكام نجد أنها حصرت نفي النسب في طريق واحد يتمثل في اللعان .
و يعرّف اللعان على أنه كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به أو إلى نفي الولد ، و يشترط الفقهاء لصحته أن تتوافر فيه الشروط الآتية .
1- قيام الزوجية الصحيحة بين المتلاعنين، سواء دخل بها أم لا، وبذلك لا يقع اللعان إذا كان الزواج باطلا أو فاسدا.
2-أن يكون كل من الزوجين عاقلا، بالغا، و ألا يكون هذا النفي سبقه إقرار بهذا الولد سواء كان إقرارا صريحا أو ضمنيا بالقول أو بالفعل.
3-ألا يكون للزوج بينة أخرى لإثبات زنا زوجته وأن تكون الزوجة ناكرة لذلك إنكارا صريحا واضحا، و إذا تم اللعان، يفرق القاضي بين الزوجين فرقة مؤبدة وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
لكن ما يأخذ على نص المادة 41 من قانون الأسرة أنها لم تبين الإجراءات الواجب إتباعها في طريقة نفي الولد باللعان كما أنها لم تحدد المدة التي يتم فيها اللعان و لا المكان الذي يتم فيه بالرجوع لأحكام الشريعة الإسلامية يتم اللعان بأن يحلف الزوج بالله أربع مرات أنه لصادق فيما يتهمها به أن الولد ليس منه، و يقول في الخامسة أن غضب الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم بعد ذلك تحلف الزوجة أربع مرات بالله أنه لمن الكاذبين فيما اتهمها به وتقول في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين .
أما عن مدة اللعان فقد قررت المحكمة العليا في القرار الصادر بتاريخ 20/10/1989 "أن نفي النسب يجب أن يكون عن طريق رفع دعوى اللعان التي حددت مدتها في الشريعة الإسلامية والاجتهاد بثمانية أيام من يوم العلم بالحمل أو رؤية الزنا" ، إلا أننا وجدنا قرارا آخر للمحكمة العليا صادر بتاريخ 25/02/1985 قرر "أن دعوى اللعان لا تقبل إذا أخرت ولو ليوم واحد بعد علم الزوج بالحمل أو الوضع أو رؤية الزنا" .
ونحن نميل إلى الرأي الذي أخذت به المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 20/08/1998 حيث تعطي للزوج مدة معقولة للقيام بالإجراءات اللازمة لرفع الدعوى.
بالنسبة لمكان الملاعنة فقد ذهبت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 28/10/1997 إلى أن اللعان لا يتم أمام المحكمة بل أمام المسجد العتيق.
وعلى مستوى التربص الميداني لاحظنا أن القاضي يصدر حكما قبل الفصل في الموضوع بتعين محضر قضائي لحضور جلسة اللعان مع تحديد المسجد وتاريخ الجلسة وتوضيح صيغة اللعان.
والسؤال الذي سيطرح نفسه هل يمكن نفي النسب بواسطة الطرق العلمية للإثبات وهل تدخل هذه الأخيرة ضمن الطرق المشروعة التي نصت عليها المادة 41 من قانون الأسرة؟ بالرجوع إلى نص المادة 40 نجد أنها أجازت للقاضي اللجوء للطرق العلمية لإثبات النسب لكنها لم تتكلم عن نفيه و نحن نرى أنه بمفهوم المخالفة لهذا النص يمكن للقاضي اللجوء للطرق العلمية لنفي النسب و سنبين الطرق العلمية التي يمكن للقاضي اللجوء إليها عند تناولها لمسألة طرق إثبات النسب.
كل هذا عن ثبوت النسب عند قيام الرابطة الزوجية، أما مسألة ثبوت النسب بعد انحلال الرابطة الزوجية لابد أن نشير لمسألة ثبوت ولد المطلقة بعد الدخول فالمشرع أشار في المادة 43 من قانون الأسرة أن الطلاق لا يثبت إلا بحكم، وأشار في المادة 43 من قانون الأسرة أن الولد ينسب لأبيه إذا وضع الحمل خلال 10 عشرة أشهر من تاريخ الانفصال أو الوفاة، في حين أن المادة 60 من قانون الأسرة أشارت أن أقصى مدة الحمل 10 عشرة أشهر من تاريخ الطلاق أو الوفاة والسؤال الذي يطرح نفسه هل المدة القصوى للحمل يبدأ حسابها من تاريخ صدور الحكم بالطلاق أو من تاريخ الانفصال الفعلي بين الزوجين، نحن نرى أنه طبقا للقواعد الشرعية يبدأ حساب هذه المدة من تاريخ الانفصال الفعلي بين الزوجين.
وما تجدر الإشارة إليه أنه على القاضي أن يتأكد قبل إلحاقه للنسب من توافر أركان وشروط الزواج وهذا ما لاحظناه على مستوى التربص الميداني في قضايا إثبات الزواج العرفي وإلحاق النسب.
إضافة أن نكاح الشبهة يمكن أن يثبت النسب به حسب نص هذه المادة، وما يمكن ملاحظته في هذا الصدد أن المشرع كان يتكلم عن الوطئ بشبهة، فنحن نرى أن عبارة النكاح بشبهة لم تكن في محلها لأن هذا الأخير ما هو إلا صورة من صور الزواج الفاسد والذي هو أيضا سبب من أسباب ثبوت النسب.

الفرع الثاني : طرق إثبات النسب
الإقرار هو طريق من طرق إثبات النسب ويوجد هناك الإقرار بالبنوة والأبوة والأمومة كأن يدعي أب أو أم بنوة ولد معين أو يقوم ولد بإدعاء أمومة امرأة معينة أو أبوة رجل معين، وهناك الإقرار في غير الأبوة والأمومة ومثال ذلك أن يقر شخص بأن شخصا آخر أخوه أو ابن عمه، والفرق بين النوعين أن النسب يثبت مباشرة بالإقرار المجرد مادامت شروط الإقرار الذي ليس فيه تحميل النسب على الغير قد توافرت، أما الإقرار الذي فيه تحميل النسب على الغير فلا يثبت به النسب مباشرة وإنما لابد من البينة.
بالنسبة لإثبات النسب عن طريق البينة فقد رفضت المحكمة العليا في القرار الصادر بتاريخ 15/06/1999 إجراء فحص الدم واعتماده كدليل لإثبات النسب وهذا معناه أنها لم تأخذ بالمعنى العام للبينة كونه يشمل الكتابة والقرائن، وأخذت بالمعنى الخاص، أي شهادة الشهود دون غيرها من الأدلة، لكن بعد التعديل الأخير الذي طرأ على نص المادة 40 من قانون الأسرة أضاف المشرع الطرق العلمية كدليل لإثبات النسب.
بالنسبة لإثبات النسب بالطرق العلمية فالمشرع لم يحدد لنا هذه الطرق ولم يحصر لنا صورها علما أن الأبحاث العلمية في هذا المجال أثبتت وجود نوعين من الطرق العلمية يتصف الأول منها بأنه ظني الثبوت ولا يقدم سوى مجرد إحتمالات ومثال ذلك نظام فحص الدم، وهناك طرق أخرى قطعية الإثبات كالبصمة الوراثية وهذه الأخيرة هي التي قصدها المشرع في رأينا.
والسؤال الذي يمكن طرحه في هذا الصدد، هل يوجد تعارض بين لجوء الزوجة لاستخدام الطرق العلمية لإثبات نسب مولودها من الزوج وبين طلب الزوج إجراء اللعان؟.
نحن نرى أن الإجابة على هذا التساؤل متعلقة بالقاعدتين الأصوليتين التاليتين "أن اليقين لا يزول بالشك" وقاعدة "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" وعليه يمكن القول أن اللعان ليس من لزومه نفي النسب، لأن اللعان يقوم بنفي النسب على الشك لا على اليقين، على عكس ما تؤكده البصمة الوراثية.
بقيت مسألة غاية في الأهمية متعلقة بسلطة القاضي في تقدير الطرق العلمية لإثبات النسب ومدى حجيتها.
فطبقا للقواعد العامة فالخبرة القضائية بالنسبة للقاضي من المسائل التي تخضع لسلطته التقديرية، فله أن يصادق على تقرير الخبير كليا أو جزئيا كما له أن يحكم من دونه، لكن يرى البعض إمكانية الخروج عن هذه القاعدة فيما يتعلق بالخبرة العلمية في مجال إثبات النسب استنادا إلى القيمة العلمية لهذه الطرق ونتائجها القطعية كالبصمة الوراثية مثلا، ونحن نساند هذا الرأي.
وفي ختام هذا المطلب لابد أن نشير أن هناك قاعدة فقهية اعتمدتها المحكمة العليا في العديد من قراراتها تمكّن من إثبات النسب حتى مع الشك، فعلى القاضي أن يبحث بشتى الطرق وأن يحاول إثبات نسب الطفل بذلك لأن النسب حق من حقوق الله وحتى لا نترك هذا الصغير من دون نسب لأن في ذلك آثار جد وخيمة عليه وعلى المجتمع وهذه القاعدة هي قاعدة إحياء الولد.

المطلب الثاني : مجال تدخل القاضي في الحضانة
الحضانة هي القيام بتربية الطفل الذي لا يستقل بأمره وذلك برعاية كافة شؤونه من تدبير طعامه وملبسه وتنظيفه ووقايته مما يعرضه للهلاك والضرر، وقد عرفتها المادة 62 من قانون الأسرة الجزائري بنصها "الحضانة هي رعاية الولد وتعليمه والقيام بتربيته على دين أبيه والسهر على حمايته وحفظه صحة وخلقا.
ويشرط في الحاضن أن يكون أهلا للقيام بذلك"
وقد نظم المشرع الجزائري مسألة الحضانة كأثر من آثار الطلاق في الفصل الثاني من الباب الثاني من الكتاب الأول في قانون الأسرة الجزائري وذلك في المواد من المادة 62 إلى المادة 72.
وباستقراء مجمل نصوص هذه المواد نجد أن المشرع الجزائري فتح الباب واسعا للقضاة لإعمال سلطتهم التقديرية باعتماده أساسا على مصلحة المحضون كمعيار أساسي لمعالجة القضايا المتعلقة بالحضانة.
لذلك سنحاول إبراز دور القاضي في مسألة الحضانة وذلك في النقاط التالية:
أولا: إسناد الحضانة
ثانيا: إسقاط الحضانة
ثالثا: مجال تدخل القاضي في ترتيب أصحاب الحق في الحضانة وتنظيم حق الزيارة.

الفرع الأول: دور القاضي في إسناد الحضانة:
بالرجوع إلى نص المادة 62 من قانون الأسرة المذكورة أعلاه في فقرتها الثانية نجد أن المشرع الجزائري حصر شروط الحضانة في الأهلية ولا يقصد هنا بلوغ سن الرشد أي 19 سنة. فالأهلية هنا هي القدرة على القيام بمهمة شاقة ومحفوفة بالمخاطر تتعلق بحضانة الطفل والقاضي هو الذي يحدد الشروط ومدى توافرها في الشخص الذي تستند إليه الحضانة وذلك وفقا لما يتمتع به من سلطات واسعة في هذا المجال، والمشرع لم يحدد له شروطا ومواصفات محددة وما عليه إلا الاعتماد على نص المادة 222 من قانون الأسرة والرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية.
وبالرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية نجد أنها فصلت في شروط الحاضن ونذكر منها:
شرط العقل: وهذا الشرط يتماشى والمنطق فلا يعقل أن يتولى المجنون حضانة طفل لأنه في حد ذاته في حاجة إلى من يتولاه ويرعى شؤونه وبالتالي لا يكون له تولى شؤون غيره.
وعليه فلابد أن يتأكد القاضي من السلامة العقلية للحاضن وألا يحرم صاحب الحق في الحضانة منها إلا بعد إن يثبت بالدليل عدم سلامته العقلية وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 13/02/2002 والذي جاء فيه "إن إسناد الحضانة للأب بحجة مرض الزوجة عقليا دون إثبات هذا المرض يعد انعداما في الأساس القانوني ومخالفة للقانون ينجر عنه النقض دون إحالة" .
شرط البلوغ: الصغير الذي لا يتولى شؤون نفسه لا يمكن الاعتماد عليه لتولي شؤون غيره لأن الحضانة مهمة شاقة وليست بالأمر الهين، لذلك يشترط في الحاضن أن يكون بالغا والمقصود بالبلوغ في القانون الجزائري هو سن الرشد المدني وهو تمام 19 سنة حسب نص المادة 40 من القانون المدني.
وتجدر الإشارة هنا أن القاصرة التي تحصلت على الترخيص بالزواج من طرف رئيس المحكمة تعتبر أهلا لتحمل المسؤولية الناتجة عن الزواج ويمكنها حضانة أولادها إذا توفرت فيها باقي الشروط وهذا استنادا على نص المادة 7 من قانون الأسرة التي جاء في فقرتها الثانية "يكتسب الزوج القاصر أهلية التقاضي فيما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات"
شرط الأمانة على لأخلاق: الأمانة على الأخلاق شرط يجب توفره في الحاضن حتى يكون أهلا لممارسة الحضانة، فالحاضن الذي لا يقيم وزنا للأخلاق لا يكون أهلا للحضانة لأنه غير أمين على نفس الطفل وخلقه، فالأم التي ترتكب جريمة الزنا مثلا تسقط حضانتها على أولادها وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 30/09/1997 والذي جاء فيه "من المقرر شرعا وقانونا أن جريمة الزنا من أهم المسقطات للحضانة مع مراعاة مصلحة المحضون.
ومتى تبين – في قضية الحال- أن قضاة الموضوع لما قضوا بإسناد حضانة الأبناء الثلاثة للأم المحكوم عليها من أجل جريمة الزنا، فإنهم بقضائهم كما فعلوا خالفوا القانون وخاصة أحكام المادة 62 من قانون الأسرة" .
وعليه لابد أن يتأكد القاضي من استقامة الحاضن وحسن سلوكه وأخلاقه قبل منحه الحضانة.
شرط القدرة: يقصد بالقدرة الاستطاعة على صيانة المحضون في كل الجوانب والاعتناء بشؤونه والسهر على سلامته الجسدية والخلقية فلا تكون الحضانة مثلا لمسن عاجز عن القيام بشؤون نفسه فما بالك بشؤون الغير أو المريض بمرض يقعده الفراش كالمشلول مثلا، أو مصاب بمرض معدي وخطير من شأنه أن يؤذي المحضون، وقد تكلم القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 9/7/1984 عن شرط القدرة وجاء فيه "من المقرر في الفقه الإسلامي وجوب توافر شروط الحضانة ومن بينها القدرة على حفظ المحضون ومن ثمة فإن القضاء بتقرير ممارسة حق الحضانة دون توفر هذا الشرط يعد خرقا لقواعد الفقه الإسلامي.
ولما كان الثابت - في قضية الحال- أن الحاضنة فاقدة البصر، وهي بذلك تعد عاجزة عن القيام بشؤون أبنائها، ومن ثم فإن قضاة الاستئناف بإسنادهم حضانة الأولاد لها وهي على هذا الحال، قد حادوا عن الصواب وخالفوا القواعد الفقهية ومتى كان كذلك استوجب نقض وإبطال القرار المطعون فيه تأسيسا على الوجه المثار من الطاعن بمخالفة هذا المبدأ".
شرط الإسلام: أكدت المادة 62 من قانون الأسرة على أن يربى المحضون على دين أبيه والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل يشترط أن يكون الحاضن مسلما.
اختلفت آراء الفقهاء في هذه المسألة فمنهم من قال بحرمان الحاضنة من الحضانة لاختلاف الدين كالحنابلة والشافعية ومنهم من قال أن المحضون يبقى مع الحاضنة الكافرة إلى انتهاء مدة الحضانة شرعا، فإن خيف على المحضون من الحاضنة أعطي حق الرقابة إلى أحد المسلمين ليحفظ الولد من الفساد وهذا الرأي هو رأي الإمام مالك" .
ونحن نميل إلى رأي الإمام مالك، لأن مناط الحضانة هو الشفقة وهي لا تختلف باختلاف الدين وهذا هو الرأي الذي أخذت به المحكمة العليا في العديد من قراراتها ومثال ذلك القرار الصادر بتاريخ 13/3/1989
الذي جاء فيه: "من المقرر شرعا وقانونا أن الأم أولى بحضانة ولدها ولو كانت كافرة، إلا إن خيف على دينه وأن حضانة الذكر للبلوغ وحضانة الأنثى حتى سن الزواج ومن ثمة فإن القضاء بخلاف هذا المبدأ يعد خرقا لأحكام الشرعية والقانونية"
من خلال هذا فالقاضي هو الذي يقدر تأثير الحاضنة على دين المحضون، فإن تبين له ذلك اسقط الحضانة عنها وإن تبين انه لا خوف على دينه فيعطيها الحضانة ولو كانت كافرة.
إذا كان الحاضن رجلا يشترط أن يكون محرما للمحضون إن كانت أنثى، لم يتطرق المشرع الجزائري إلى هذا الشرط إلا أن فقهاء الشريعة الإسلامية فصلوا فيه تفصيلا وافيا، فقد حدد الحنابلة والحنفية سن المحضونة بسبع سنين تفاديا للخلوة بها لعدم المحرمية وإن بلغت البنت حد الفتنة لم تعط له بالاتفاق لأنه في حالة بلوغها هذه المرحلة لا يكون لغير المحرم حضانة البنت ومثال ذلك حضانة ابن العم لبنت عمه، وأجازها الحنفية إذا لم يكن لبنت العم غير ابن العم وإبقائها عنده بأمر القاضي إذا كان مأمون عليها، ولا يخشى عليها الفتنة منه والخوف من الفتنة أو عدمه يحدده القاضي وفقا لمعطيات كل قضية مطروحة بين يديه.

الفرع الثاني : سلطات القاضي في إسقاط الحضانة
بالرجوع إلى قانون الأسرة الجزائري نلاحظ أنه حدد حالات سقوط الحضانة وسنحاول التطرق لبعض الحالات مبرزين الدور الهام الذي يلعبه القاضي في ذلك.
نصت المادة 66 من قانون الأسرة على ما يلي "يسقط حق الحضانة بالتزوج بغير قريب محرم، وبالتنازل ما لم يضر بمصلحة المحضون" من استقراء نص هذه المادة يمكن أن نطرح بعض التساؤلات فهل سقوط الحضانة عن الحاضنة بزواجها بغير قريب محرم يكون في كل الحالات؟ وهل يعتبر هذا الزواج تنازلا اختياريا عن الحضانة أم أنه غير اختياري؟ وفي حالة التنازل على الحضانة هل يمكن إجبار المتنازل عليها؟.
المشرع الجزائري لم يعطي إجابة واضحة على هذه التساؤلات وما على القاضي إلا أن يجيب عليها وفقا لما له من سلطة تقديرية.
إن زواج الحاضنة بغير قريب محرم يعد سببا من أسباب سقوط الحضانة وهذا حسب نص المادة 66 من قانون الأسرة وحسب العديد من القرارات الصادرة عن المحكمة العليا ومثال ذلك القرار الصادر 5/5/1986 والذي جاء فيه "من المقرر في أحكام الشريعة الإسلامية أنه يشرط في المرأة الحاضنة ولو كانت أما. أحرى بغيرها أن تكون خالية من الزواج أما إذا كانت متزوجة فلا حضانة لها لانشغالها عن المحضون، فإنه من المتعين تطبيق هذا الحكم الشرعي عند القضاء في مسائل الحضانة".
لكننا نرى أن سقوط الحضانة يكون بزواج الحاضنة بغير قريب محرم كقاعدة عامة، إلا أن لهذه القاعدة استثناءات فالقاضي لا يحكم بسقوط الحضانة مباشرة بمجرد زواج الحاضنة وإنما عليه أن يراعي مصلحة المحضون، فلو لم يقبل المحضون غير حاضنته- أما كانت أو غيرها-وأصر على البقاء معها فهل إسقاط الحضانة عنها فيه مصلحة للمحضون، نحن نرى انه لا مانع من عدم إسقاط الحضانة عن الحاضنة لزواجها بغير قريب محرم إذا كان في ذلك مصلحة للمحضون وتأكد القاضي من تمسك المحضون بالحاضنة وكان الزوج رجلا مستقيما محمود الأخلاق لا يخشى منه على المحضون، أو انه ليس للمحضون حاضن غير أمه التي تزوجت بغير قريب محرم أو له حاضن آخر غير أمين عليه وهناك استثناء وضعه المالكية على سقوط الحضانة عن الحاضنة التي تزوجت بغير قريب محرم وهو أن تكون هذه الأخيرة- الحاضنة- وصية على المحضون، لأن حق الوصاية لا تسقطه الزوجية ويحصرون هذا الاستثناء في الأم الحاضنة فقط، فقد قال الإمام مالك إن المرأة الوصي على أولادها لا تسقط حضانتها بتزوجها ولا ينزع منها، وهذا هو الرأي الغالب وقال رأي بامتداد هذا الحكم ولو كانت المرأة الوصي غير الأم.
بالنسبة لمسألة اعتبار زواج الحاضنة بغير محرم تنازلا اختياريا عن الحضانة أو تنازلا غير اختياري وبالتالي حقها في المطالبة بالحضانة بعد سقوطها عنها من عدمه مسألة لم يتطرق إليها المشرع الجزائري وحتى المحكمة العليا لم تستقر على رأي واحد فهناك قرارات تعتبر أن هذا الزواج تنازل اختياري عن الحضانة ومثال ذلك القرار الصادر بتاريخ 25/02/1990 والذي جاء فيه "...ولما كان من الثابت في قضية الحال – أن الأم أسقطت حضانتها بعد زواجها بأجنبي فإن المجلس لما قضى بإسناد الحضانة إليها بالرغم من أن زواجها بالأجنبي يعد تصرفا رضائيا واختياريا يكون قد خالف القانون"
وهناك قرارات أخرى تعتبر أن سقوط الحضانة بعد طلاق الأم من أجنبي غير محرم لا يمنعها من المطالبة باستعادة الحضانة واعتبرت أن هذا الزواج هو سبب غير اختياري لسقوط الحضانة ومثال ذلك القرار الصادر بتاريخ 21/07/1998 والذي جاء فيه "من المقرر قانونا أنه يعود الحق في الحضانة إذا زال بسبب سقوطها غير الاختياري.
ومتى تبين - في قضية الحال- أن المطعون ضدها قد تزوجت بغير قريب محرم ثم طلقت منه ورفعت دعوى تطلب فيها استعادة حقها في الحضانة، فإن قضاة المجلس بقضائهم بحقها في الحضانة طبقا لأحكام المادة 71 من قانون الأسرة قد طبقوا صحيح القانون"
من خلال هذا فهل زواج الحاضنة من غير قريب محرم يعد سببا اختياريا لسقوط الحضانة أم أنه سبب غير اختياري لذلك؟ وهل يحق للحاضنة التي سقطت عليها الحضانة أن تطالب بها بعد طلاقها أو وفاة زوجها؟ طبقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة وبالرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية نجد أن آراء الفقهاء اختلفت في هذه المسألة كالمالكية الدين انقسموا إلى فئتين فمنهم من قال لا تعود الحضانة لمن سقطت حضانتها بالتزويج بعد الطلاق لها أو موت زوجها وهذا لأن الحضانة حق للحاضن حسب هذا الرأي.
وهناك رأي يقول أن زواج الحاضنة بأجنبي عن المحضون أنما يسقط حقها في حال تزوجها فإن طلقها الزوج أو مات عنها، رجعت في ولدها لأن تزوجها ليس رضا منها بترك الولد، لأن النكاح مما تمس الحاجة إليه كالطعام والشراب فأشبه إذا مرضت وضعفت عن الحضانة، أن الولد يأخذ منها لهذه العلة، فإذا ارتفعت العلة عادت الحضانة إليها وأخذت ولدها.
أما عن رأي الأحناف والحنابلة والشافعية فقد اتفقوا على أن من سقطت حضانتها بالتزويج يعود إليها حقها في الحضانة إذا ارتفعت الزوجية.
وعليه فاختلاف قرارات المحكمة العليا حول اعتبار الزواج سببا اختياريا لإسقاط الحضانة أم لا مرده الاختلاف بين الفقهاء، ونحن نرى أن الرأي القائل بحق المرأة التي تسقط حضانتها بالزواج من غير محرم في المطالبة بالحضانة بعد الطلاق أو وفاة الزوج، أكثر ملائمة للظروف التي نعيشها اليوم فليس من السهل على المرأة أن تعيش مطلقة أو أرملة دون أن يكون لها رجل يساعدها على مجابهة مصاعب الحياة كما أن هذا الرأي ليس فيه أي إحجاف لحق المرأة واتفق عليه غالبية الفقهاء.
فإذا تزوجت سقط حقها في الحضانة وإن زال هذا الزواج لسبب من الأسباب عاد لها حقها وهذا اعتمادا على القاعدة الفقهية التي تقول إذا زال المانع عاد الممنوع، والقاضي هنا له مطلق السلطة التقديرية في إعادة الحضانة للأم من عدمه فلو رأى أن المحضون كبر وترعرع في كنف أبيه بعد زواج أمه لعدة سنين مثلا، أو أن المحضون يرفض العودة لأمه والعيش من أبناء رجل آخر خوفا منهم فالقاضي هنا لا يعيد الحضانة للأم إذ قدر أن مصلحة المحضون تقتضي بقاءه مع والده، فالقاضي يصدر الحكم وفقا لمعطيات كل قضية وطبقا لمصلحة المحضون.
بالنسبة لمسالة إجبار المتنازل عن الحضانة عليها، فالقاعدة أن حق الحضانة يسقط إذا تنازل عنه صاحبه اختياريا ولا يقبل طلب استرجاعها وهذا ما أكدته المحكمة العليا في العديد من قراراتها ومثال ذلك القرار الصادر بتاريخ 27/03/1989 والذي جاء فيه "من المقرر فقها وقانونا أن المتنازلة عن الحضانة باختيارها لا تعود إليها ولا يقبل منها طلب استرجاع الأولاد لها، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا للقواعد الفقهية والقانونية.
ولما كان من الثابت - في قضية الحال- أن الطاعنة تنازلت عن حضانتها باختيارها دون أن ترغم على ذلك، فإن قضاة الاستئناف الذين قضوا بإلغاء الحكم المستأنف لديهم ومن جديد القضاء برجوع المطعون ضدها أم الأولاد عن تنازلها عن حقها في الحضانة وبإسناد من كان منهم في حضانة النساء إليها، فإنهم بقضائهم كما فعلوا خالفوا الفقه والقانون".
إلا أن لهذه القاعدة استثناءات، فلو كان في هذا التنازل إضرار بالمحضون يرفضه القاضي ويجبرها على الحضانة ومثال ذلك أن يكون المحضون رضيعا في حاجة ماسة إلى أمه أو في حالة عدم وجود حاضن آخر غير الأم وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في العديد من قراراتها ومثال ذلك القرار الصادر بتاريخ 19/12/1988 والذي جاء فيه "من المقرر شرعا وقانونا أن تنازل الأم عن حضانة أولادها يقتضي وجود حاضن آخر يقبل منها تنازلها وله القدرة على حضانتهم، فإن لم يوجد فإن تنازلها لا يكون مقبولا وتعامل معاملة نقيض قصدها، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا لأحكام الحضانة".
وبناء على هذا فالقاضي إذا طرحت أمامه مسألة التنازل على الحضانة فعليه أن يبحث عن الآثار المترتبة عن هذا التنازل على المحضون وله مطلق السلطة التقديرية في قبول هذا التنازل من عدمه وفقا لما يراه مناسبا لمصلحته –المحضون-.
هناك حالة أخرى منح فيها المشرع للقاضي مطلق السلطة التقديرية في إثبات الحضانة أو إسقاطها وهي حالة الشخص الموكول له حق الحضانة الذي يريد أن يستوطن في بلد أجنبي فقد نصت المادة 69 من قانون الأسرة على ما يلي "إذا أراد الشخص الموكول له حق الحضانة أن يستوطن في بلد أجنبي رجع الأمر للقاضي في إثبات الحضانة له أو إسقاطها عنه مع مراعاة مصلحة المحضون".
وعليه فعلى القاضي عند النظر في هذه المسألة أن ينظر إلى رأي الأبوين وظروفهما ومصلحة المحضون، وهذا ما جاء في القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 23/06/1993 والذي جاء فيه "من المقرر قانونا أنه إذا رغب الشخص – الموكول له حق الحضانة – الإقامة في بلد أجنبي أن يرجع للقاضي لإثبات الحضانة له أو إسقاطها عنه مع مراعاة مصلحة المحضون.
ولما ثبت -في قضية الحال- أن قضاة المجلس عند تـأيدهم لحكم المحكمة، القاضي بإسناد الحضانة بالجزائر بالرغم من عدم معارضة الأب عن إقامة ابنه بفرنسا لكونه هو نفسه يقيم بفرنسا، وعليه كانت تجب مراعاة حال الطرفين ومصلحة المحضون قبل وضع أي شرط، وما دام قضاة الموضوع لم يلتزموا بأحكام القانون فإن قرارهم استوجب النقض الجزئي."
كما على القاضي أن ينظر إلى الدولة التي سينتقل إليها الحاضن بالمحضون ومدى تأثير المجتمع الجديد على هذا الأخير وما إذا كانت هذه الدولة مسلمة أم لا، وهذا ما جاء في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 25/12/1989 والذي جاء فيه "من المقرر قضاءا في مسألة الحضانة أنه في حالة وجود الأبوين في دولة أجنبية غير مسلمة وتخاصما على الأولاد في الجزائر فإنه من يوجد بها أحق بهم ولو كانت الأم غير مسلمة...".
لكن هناك نقطة متعلقة بسفر الحاضن بالمحضون داخل التراب الوطني لم يتطرق إليها المشرع الجزائري ولم يبين إذا كان ذلك من أسباب سقوط الحضانة أم لا، لكن بالرجوع إلى قرارات المحكمة نجد أنها تناولت هذه المسألة في العديد من قراراتها وصدر عنها اجتهاد قضائي بتاريخ 22/09/1986 جاء فيه "من المستقر فقها وقضاءا أن بعد المسافة لصاحب الزيارة والرقابة على الأطفال المحضونين لا يكون أكثر من ستة برود، ومن ثم فإن القضاء بما يخاف هذا المبدأ يعد خطا في تطبيق القانون."
والمسافة الواردة في الاجتهاد القضائي الوارد أعلاه هي التي قال بها المالكية في أحد أقوالهم والبريد الواحد يساوي 12 ميلا، والميل عبارة عن 1852 متر فتكون الستة برود 6 ×12×1852= 130 كيلومتر و 400 متر.
كما أنه عند الرجوع إلى آراء الفقهاء نجد أنهم دائما يتشرطون مسافة قريبة، والعلة في ذلك هي تمكين الأب من ممارسة حقه في رعاية ابنه والمحافظة عليه.
ولا يغير من واقع هذه المسافة، تغير وسائل المواصلات وسرعتها فالمقصود من تحديد المسافة كما يظهر من أقوال الفقهاء هو القرب، حيث أن رؤية المحضون من قبل الأب ليست هدفا لذاتها لكنها جزء من الهدف، وإنما المقصود من الرؤية هو الإشراف والتعليم والتأديب ومتابعة مصالح الصغير، وكل هذا لا يأتي بمجرد وصول الأب ليشاهد ابنه لوقت قصير ثم يعود. لذا يجب على القاضي قبل الفصل في مسألة إسقاط الحضانة من عدمه أن يراعي كل هذه الاعتبارات مع تركيزه على مصلحة المحضون.

الفرع الثالث : مجال تدخل القاضي في ترتيب أصحاب الحق في الحضانة وتنظيم حق الزيارة
لقد أورد المشرع الجزائري ترتيب الحاضنين في المادة 64 من قانون الأسرة وذلك بنصها على أن "الأم أولى بحضانة ولدها، ثم الأب، ثم الجدة لأب، ثم الخالة، ثم العمة، ثم الأقربون درجة مع مراعاة مصلحة المحضون في كل ذلك وعلى القاضي عندما يحكم بإسناد الحضانة أن يحكم بحق الزيارة".
وهذا الترتيب لا يجوز مخالفته إلا استثناءا وبناءا على مصلحة المحضون وقد أكدت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 17/03/1998 ذلك والذي جاء فيه " من المقرر قانونا أنه لا يجوز مخافة الترتيب المنصوص عليه في المادة 64 من قانون الأسرة إلا إذا أثبت بالدليل من هو أجدر بالقيام بدور الحضانة..."
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا قصد المشرع بعبارة الأقربون درجة؟ وما هو الترتيب الذي يعتمده القاضي بينهم – الأقربون درجة- ؟.
ما على القاضي إلا الاعتماد على نص المادة 222 والرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية وبالرجوع إلى هذه الأحكام وجدنا اختلافا كبيرا بين الفقهاء في هذه المسألة، فمنهم من يرى أن لذوي الأرحام حضانة، ومنهم من ينفي حضانة ذوي الأرحام، ومنهم من يقدمون الأشقاء أولا ثم الذين لأم ثم الذين لأب، ومنهم من يقدم الذين لأب على الأخوة لأم، وهذا ما يجعل مهمة القاضي صعبة للغاية في تحديد معنى عبارة الأقربون درجة الواردة في المادة 64 من قانون الأسرة، ونحن نرى أن القاضي عند نظره في هذه المسألة عليه أن ينظر إلى مصلحة المحضون بالدرجة الأولى، أما عن المذهب الذي يعتمده فما دام المشرع أحاله في المادة 222 من قانون الأسرة إلى الشريعة الإسلامية بمختلف مذاهبها، فه حر في اختيار المذهب الذي يراه مناسبا وفقا لما له من سلطة تقديرية ونحن نميل إلى الرأي الذي أخذ به شيخ الإسلام ابن تيمية وذلك لوضوح حجته فهو يرى أن في الحضانة يقدم أقرب الأقارب من الطفل، وأقومهم بصفات الحضانة، فإذا اجتمع اثنان فأكثر، فإن استوت الدرجة قدمت الأنثى على الذكر، فتقدم الأم على الأب والجدة على الجد والعمة على العم والأخت على الأخ، فإن كانا ذكرين أو أنثيين قدم أحدهما بالقرعة عند استواء درجتهما، وعند اختلاف الدرجة إن كانا من جهة واحدة قدم الأقرب فتقدم الأخت على ابنتها وهكذا، ولا حضانة للأخ لأم بحال لأنه ليس من العصبات وكذلك الخال"
لكن كان من الأفضل لو أن المشرع ضبط ترتيب أصحاب الحق في الحضانة في مادة قانونية واضحة على غرار بعض القوانين العربية كالقانون المصري في المادة 20 والقانون السوري في المادة 139.
كما أن المشرع ألزم القاضي في نفس المادة -المادة 64- عند الحكم بإسناد الحضانة أن يحكم بحق الزيارة لكنه لم يبين لنا كيفية ممارسة هذا الحق ولا ضوابطه.

ونحن نرى أن كل هذا يرجع لتقدير القاضي حسب معطيات كل ملف ولا بد أن يكون تحديد حق الزيارة تحديدا مرنا وفقا لما تقتضيه حاله المحضونين، ومن المفيد الإشارة هنا إلى القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 16/04/1990 والذي جاء فيه" متى أوجبت أحكام المادة 64 من قانون الأسرة على القاضي حينما يقضى بإسناد الحضانة أن يحكم بحق الزيارة، فإنه من الواجب أن يكون ترتيب هذا الحق ترتيبا مرنا وفقا لما تقتضيه حالة الصغار فمن حق الأب أن يرى أبناءه على الأقل مرة في الأسبوع لتعهدهم بما يحتاجون إليه والتعاطف معهم.
ومن ثم فإن القرار المطعون فيه القاضي يترتب حق زيارة الأب مرتين كل شهر يكون قد خرق القانون" ، كما أنه يجب على القاضي عند ترتيبه لحق الزيارة ألا يضع شروطا قد تتعارض مع الهدف من هذا الحق ومثال ذلك تحديد مكان ممارسة حق الزيارة بيت الزوجة المطلقة، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 15/12/1998".
وبالرجوع إلى أحكام الشرعية الإسلامية فالفقهاء لم يضعوا طريقا لتنظيم حق الرؤية (الزيارة) ولذلك يجب – دفعا للضرر- أن يراعي القاضي عادات الناس وعرفهم في استعمال هذا الحق ، وأن ينظر إلى مصلحة صاحب الحق في الزيارة حتى يتمكن من مراقبة المحضون والاطمئنان على أحواله وإشباع غريزته العاطفية من التمتع برؤية ولده كما يجب عليه النظر إلى مصلحة المحضون.
كما لابد أن نشير إلى ما ورد في المادة 65 من قانون الأسرة بخصوص المدة المحددة لممارسة الحضانة وسلطة القاضي في تمديدها إلى 16 سنة بالنسبة للذكر إذا كانت الحاضنة هي الأم، ولم تتزوج.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل يستطيع القاضي تمديد حضانة الذكر إلى 16 سنة إذا لم تكن الحاضنة أمه وكانت مصلحته تقتضي ذلك؟
نحن نرى أنه يمكن للقاضي ذلك وفقا لما يتمتع به من سلطة تقديرية في هذا المجال لأن الأساس الذي تقوم عليه الحضانة هو مراعاة مصلحة المحضون بالدرجة الأولى.
من خلال كل ما تقدم فالمتمعن في جل مواد قانون الأسرة المتعلقة بالحضانة، وكذا أغلب إن لم نقل كل قرارات المحكمة العليا المتعلقة بنفس المسألة، يجد عبارة مصلحة المحضون واردة فيها إلا أنه لا يجد تعريفا واضحا لها.
ويمكن إرجاع صعوبة عدم وضع تعريف لقاعدة مصلحة المحضون لكونها تتعلق بمادة وثيقة الصلة بالحياة يصعب وضعها في إطار محدد، لكن بالرغم من ذلك فإن لهذه القاعدة مميزات وخصائص يمكن إبرازها فيما يلي:
1. قاعدة مراعاة مصلحة المحضون هي قاعدة ذاتية شخصية، بمعنى تتعلق بكل طفل على حدى، وعلى هذا الأساس ينظر القاضي إلى حالة كل طفل بمنظار يخصه ويحدد مصلحته، فما كان يصلح لطفل حديث العهد بالولادة لا يصلح بالضرورة لمن بلغ سن السادسة أو السابعة من عمره.

2. قاعدة مراعاة مصلحة المحضون قاعدة قابلة للتغير فما كان يصلح للمحضون في وقت معين قد لا يصلح له في وقت آخر، وعلى هذا الأساس وضع المشرع حالات من خلالها يمكن إسقاط الخضانة على الحاضن مراعاة لتغير مصلحة المحضون.
وقاعدة مصلحة المحضون يحكمها عنصران أساسيان هما:
تغليب المصلحة المعنوية على المصلحة المادية للمحضون، وتحقيق الأمن والاستقرار النفسي والعاطفي للطفل.
فمناط الحضانة هو المصلحة المعنوية بالدرجة الأولى ولا يختلف اثنان على أن الطفل حتى ينموا نموا سليما سواء جسديا أو عقليا أو نفسيا لا بد أن نؤّمن له الاستقرار النفسي ونلبي حاجته الفطرية للعطف والحنان.
ومن هنا فالطفل الذي يغير مسكنه من مكان إلى آخر، ويتغير حاضنه من حاضن إلى آخر سيعيش اضطرابا نفسيا حادا لا محالة، والقاضي هنا عليه أن يكون محلا نفسيا قبل أن يكون قاضيا وعليه أن يضع نصب عينية مصلحة الصغير عند الحكم بالحضانة وخاصة عند إسقاطها عن شخص ومنحها لشخص آخر.

فالمشرع الجزائري جعل قاعدة مراعاة مصلحة المحضون هي الأسمى وفوق كل اعتبار وأعطى للقاضي كامل الصلاحيات للوصول إلى ما هو أصلح للمحضون وخير دليل على ذلك الاجتهاد القضائي الصادر عن المحكمة بتاريخ 18/02/1997 والذي جاء فيه "من المستقر عليه قضاءا أن الحضانة تمنح حسب مصلحة المحضون.
ولما كان ثابتا –في قضية الحال- أن الحضانة أسندت إلى الأب مرعاة لمصلحة المحضون واعتمادا على تقرير المرشدة الاجتماعية التي تؤكد ذلك فإن قضاة الموضوع أعمالا لسلطتهم التقديرية فقد طبقوا القانون، مما يستوجب رفض الطعن".
وحتى يتمكن القاضي من تكوين قناعته وتقدير مصلحة المحضون تقديرا سليما يمكنه اللجوء إلى العديد من الوسائل قبل إصدار حكمه ونذكر منها:
- التحقيق و المعانية: للقاضي الاستماع إلى أطراف النزاع وتحديد أيهم أصلح لمراعاة مصلحة المحضون، كما له الاعتماد على الوثائق المقدمة من الأطراف وذلك بالاستناد على نص المادة 43 من قانون الإجراءات المدنية، وهذا لجمع أكبر قدر من المعلومات التي تساعده للوصول إلى القرار الصائب.
- الاستعانة بالخبراء: ويمكن للقاضي الاعتماد على نص المادة 47 وما يليها من قانون الإجراءات المدنية والتي تناولت موضوع الخبرة ومن قبيل الخبراء الذين يمكن للقاضي الاعتماد عليهم المرشدة الاجتماعية، وذلك لتحديد مصلحة المحضون بل أن تعين المرشدة الاجتماعية قد يكون إلزاميا في بعض الحالات وهذا جاء في اجتهاد المحكمة العليا الصادر بتاريخ 18/05/1999 الذي جاء فيه "من المقرر قانونا أنه في الحكم بإسناد الحضانة أو إسقاطها يجب مراعاة مصلحة المحضون.
ومتى تبين – في قضية الحال- أن الزوجة أسندت لها حضانة أبنائها الأربعة بأحكام مع الحكم على والدهم بتوفير سكن لممارسة الحضانة، وبعد مماطلة المطعون ضده (الأب) في عدم توفير السكن، أصبح يدفع بكون الطاعنة لم تسع في التنفيذ (ممارسة الحضانة) مدعيا أنه يمارس الحضانة الفعلية.
فإن القضاة بقضائهم بإسقاط الحضانة على الأم طبقا لأحكام المادة 68 من قانون الأسرة وعدم استعانتهم بمرشدة اجتماعية لمعرفة مصلحة الأولاد وعدم الإشارة لجنس الأولاد وأعمارهم، فإنهم بقضائهم كما فعلوا أخطئوا في تطبيق القانون وعرضوا قرارهم للقصور في التسبيب، مما يتعين نقص القرار المطعون فيه".
-الاستماع إلى أحد أفراد العائلة: يجوز للقاضي أن يطلب حضور، أقارب الخصوم، أو أصهارهم، أو زوج أحد الخصوم إضافة إلى أخوة وأخوات وأبناء عمومة الخصوم وغيرهم من الأقارب كل هذا من أجل جمع أكبر قدر من المعلومات للتحديد الأمثل لمصلحة المحضون وهذا عملا بأحكام المادة 64 من قانون الإجراءات المدنية.
ولابد أن نشير هنا أنه من الأفضل استبعاد شهادة الأطفال المحضونين لأنهم لا يستطيعون تقدير ما هو أصلح لهم، إضافة إلى أن شهادتهم قد يدلون بها بنوع من الخوف أو تحت تأثير الضغط، وهذا بدوره قد يؤثر على الاختيار الموفق.
كما أن الطفل عادة يختار من يساعده على اللعب وعدم الاكتراث وفي هذا الصدد صدر قرار عن المحكمة العليا بتاريخ 21/10/1982 نقض قرار صادر من مجلس قضاء قسنطينة والذي اعتمد على رفض المحضونين الالتحاق بأمهما وعلى رغبتهما في البقاء عند جدتهما لأبيهما، فاعتبرت المحكمة العليا هذا الموقف مخالف لقواعد الشريعة والقانون الوضعي.


خــــاتمـــــة
ما يمكن أن نخلص إليه في نهاية هذا الموضوع أن قانون الأسرة الجزائري له العديد من المميزات التي تميزه عن أغلب القوانين العربية والإسلامية المتعلقة بالأحوال الشخصية، فهذا القانون فتح المجال واسعا أمام القاضي لحل كل نزاع قد يطرح أمامه بما له من سلطة تقديرية واسعة في هذا المجال فالحلول القضائية وإن كانت تعبر عن إرادة المشرع أو تهدف إلى ذلك إلا أن للطابع الشخصي وقدرات القاضي نصيب فيها، إضافة إلى مرونة جل نصوصه وعدم أخذه بمذهب محدد من المذاهب الفقهية المختلفة وإنما استنبط أحكامه من أغلب المذاهب وهذا ما يسميه فقهاء الشريعة الإسلامية بالاجتهاد الانتقائي، كما أنه أحال القاضي في حالة عدم وجود النص القانوني إلى الشريعة الإسلامية بمختلف مذاهبها أيضا، وهذا وإن كان نقطة إيجابية تسمح للقاضي بإيجاد الحلول المناسبة إلا أنه يجعل من مهمته صعبة ومعقدة للغاية خصوصا وأننا – كقضاة – يعوزنا التكوين الفقهي الكامل والشامل في كل مذاهب الشريعة الإسلامية.
فمهمة قاضي شؤون الأسرة الجزائري ليست بالمهمة البسيطة فإضافة إلى وجوب تمكنه من القانون بكل فروعه فعليه التعمق في دراسة الشريعة الإسلامية بمختلف فروعها ومذاهبها كما عليه معرفة عادات وتقاليد وأعراف المنطقة التي يمارس بها مهامه إضافة إلى وجوب تمكنه من الغوص في أغوار النفس البشرية لأن مهمته متعلقة بأمور شديدة الصلة بالأمور النفسية، فهو إضافة إلى كونه قاضيا عليه أن يكون فقيها ومحللا نفسيا واجتماعيا واقتصاديا.
فنصوص قانون الأسرة الجزائري وإن كانت مرنة في غالب الأحوال كما اشرنا إلا أنها جاءت جد مقتضبة ويشوبها الكثير من الغموض والأمثلة التي تناولناها كثيرة في هذا المجال ومثال ذلك النصوص المتعلقة بالخطبة والتحكيم في الشقاق بين الزوجين والنشوز وترتيب أصحاب الحق في الحضانة...
أما القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية في الدول العربية والتي تمكنا من الإطلاع عليهما فإنها جاءت وافية شاملة في غالب الأحوال ولم يتقيد جلها بمذهب معين من مذاهب الشريعة الإسلامية مثلها مثل المشرع الجزائري إلا أن بعضها أحال القضاة في حالة غياب النص التشريعي إلى مذهب محدد ومثال ذلك القانون الأردني الذي أحال إلى مذهب أبي حنيفة وذلك في المادة 183 منه.
وقد لاحظنا في تربصنا الميداني على مستوى مختلف المحاكم والمجالس القضائية في مختلف ربوع الوطن انتشارا رهيبا لقضايا الطلاق بمختلف أنواعه على جداول المحاكم إضافة إلى كثرة الجرائم المرتكبة ضد الأسرة ، كل هذا يحتم على القضاة التشمير على سواعدهم لمحاولة إيجاد الحلول الملائمة لمعالجة هذا الخلل الذي يهدد كيان الأسرة الجزائرية وبالتالي كل المجتمع الجزائري.
كما أننا لاحظنا انتشارا واسعا لظاهرة الزواج العرفي -الزواج الشرعي- من خلال كثرة قضايا إثبات الزواج العرفي على جداول المحاكم وهذا الأخير-الزواج العرفي- تترتب عليه الكثير من المشاكل التي يصعب حلها، ويمكننا القول انه يلغى الكثير من أحكام قانون الأسرة كوجوب الحصول على ترخيص رئيس المحكمة لزواج القصر أو في تعدد الزوجات، فالقاضي يجد نفسه أمام واقع مفروض عليه، فالكثير من الأشخاص يلجئون لهذا النوع من الزواج للهروب من أحكام قانون الأسرة، ثم يرفعون دعاوى لإثبات الزواج العرفي وما على القاضي إلا أن يحكم بذلك إذا توافرت الشروط المنصوص عليها قانونا، إضافة إلى كثرة عديمي الضمير من الرجال في وقتنا الحالي والذين ينكرون هذا الزواج الذي قد تعجز المرأة عن إثباته، وبالتالي تضيع حقوق المرأة والأولاد وتصبح أحكام النسب والنفقة والحضانة وغيرها في مهب الريح، كل هذا جعل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تصدر تعليمة تمنع بموجبها الأئمة من إبرام عقود الزواج الشرعية إلا بعد إبرام العقد المدني كما أن بعض المناطق في الوطن قننت ذلك في مواثيق عرفية ومثال ذلك ميثاق أعراف الزواج الصادر عن بعض أئمة وأعيان ولاية بسكرة من طرف الزاوية العثمانية بتاريخ 24 ماي 2007.
وفي الختام هناك مجموعة من التوصيات نراها ضرورية:
1. إعادة نظر شاملة في أحكام قانون الأسرة الجزائري تجعلها أكثر وضوحا وشمولا ولعل الكثير من التوصيات التي جاءت في ملتقى قضايا المرأة والأسرة بين المبادئ الإسلامية ومعالجات القانون الوضعي المنعقد في 11، 12، 13 سنة 1999 بمقر المجلس الإسلامي الأعلى كانت في محلها، والتي أخذ المشرع ببعضها في التعديل الأخير لقانون الأسرة بموجب الأمر 05/02.
2. إحالة قاضي شؤون الأسرة في حالة عدم وجود النص التشريعي إلى مذهب محدد من مذاهب الشريعة الإسلامية لتسهيل المهمة على القاضي، وعدم تضارب واختلاف الأحكام القضائية.
3. إقامة دورات تكوينية خاصة بقضاة شؤون الأسرة في مجال الشريعة الإسلامية.
4. اتخاذ إجراءات من شأنها الحد من انتشار ظاهرة الزواج العرفي كتوعية أفراد المجتمع عن طريق وسائل الإعلام، أو اعتماد نظام المأذون الذي أخذت به جمهورية مصر العربية.



الساعة الآن 07:55 AM