logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





look/images/icons/i1.gif حركة عدم الإنحياز (بحث)
  05-04-2013 01:47 صباحاً  
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 23-01-2013
رقم العضوية : 104
المشاركات : 36
الجنس :
قوة السمعة : 30
المستوي : بكالوريا
الوظــيفة : طالب
المبحث التاسع : العوامل التي أدت إلى تراجع حركة عدم الانحياز
تتعدد عوامل الضعف الكامنة في حركة عدم الانحياز التي تؤثر على إمكانية ممارستها لمهامها لكن المشكلة الرئيسية التي تواجهها حالياً هو مفهوم عدم الانحياز ذاته، والذي تطور منذ أوائل الستينيات وأصبح غير مقصور على معني الالتزام السلبي الذي يحوي في جوهره انتهاج سياسة خارجية مستقلة سعت إليها الدول حديثة الاستقلال، واكتسب هذا المفهوم عبر مراحل متعددة رؤية متكاملة لما يجب أن تكون عليه العلاقات الدولية في مجالاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من تكافؤ ومساواة، إلا أن فاعلية حركة عدم الانحياز لا يمكن تحقيقها إلا من خلال التغلب على عوامل الضعف الكامنة حتى يمكنها التعامل مع النظام العالمي الجديد وفقاً لمبادئها وأهدافها. ويتوقف علاج أسباب الضعف في حركة عدم الانحياز على سعي دول حركة عدم الانحياز لتحديث الحركة من خلال إعادة ترتيب أولوياتها التي تعاني منها الحركة حالياً، وهو الأمر الذي يتطلب مجموعة من السياسات الموحدة التي يمكن أن تتخذها دول عدم الانحياز من خلال إحياء حوار الشمال والجنوب والاعتماد على الذات بإيجاد نوع من التمايز في التعاون فيما بينها، وفي سبيل ذلك طرحت الحركة خططها المستقبلية لمواجهة التحديات التي تواجهها، وتحددت ملامح المتطلبات التي تحتاجها الحركة خلال المرحلة القادمة في التركيز على المشاكل الاقتصادية والتركيز على قضايا التنمية إضافة إلى التركيز على القضايا الملحة والخاصة بحقوق الإنسان وحماية البيئة وتعزيز دور الأمم المتحدة.

وضح أهمية تطوير مبادئ وأهداف حركة عدم الانحياز لتواكب التطورات العالمية فبدأت الاتصالات الداخلية فيما بين أعضاء الحركة بهدف وضع إستراتيجية مستقبلية تتناسب مع هذه المتغيرات العالمية ودعم المناخ الدولي الإيجابي، ويعتبر علاج أسباب ضعف حركة عدم الانحياز سبيلاً نحو تحقيق إسهام الحركة في صياغة نظام عالمي جديد لم تتحدد معالمه بدقة بعد، إلا أن علاج بعض أسباب ضعف الحركة يمكن أن ينفذ على المدى القريب وبعضها على المدى البعيد، إلا أن الأمر يتوقف بقدر كبير على ما سوف تقرره حركة عدم الانحياز من ترتيبات وارتباطات إزاء النظام العالمي الجديد، كما يتضح أهمية دور حركة عدم الانحياز في إصلاح الأمم المتحدة وإعادة هيكلتها والتي يجب أن تتسع من خلالها عضوية مجلس الأمن وتحقيق مزيد من الشفافية في ممارسات مجلس الأمن وتحقيق التوازن بين أنشطته وأنشطة الجمعية العامة، باعتبار أن ذلك إسهاماً في صياغة النظام العالمي الجديد.

ولذلك فإن حركة عدم الانحياز تواجه تحديات هامة ومتعددة تحتم عليها ضرورة الدخول في حوار حقيقي مع كافة الأطراف الدولية من أجل توفير احتياجاتها والمساهمة الفعلية في رسم خريطة النظام العالمي الجديد، الذي يتحقق في إطاره السلام العادل والشامل والمتكافئ والذي يلبي حقوق ومصالح الأمم والشعوب، مع طرح مفهوم جديد للأمن الدولي يقوم على مبدأ تكافؤ الفرص في المصالح والثقة المتبادلة والتعايش السلمي.

منذ ظهور حركة عدم الانحياز اتخذت القوتان العظميان موقف الحذر والترقب منها، مع أن حركة عدم الانحياز لم تكن تمتلك القوة المادية الذاتية التي تنافس بها الدول العظمى، خاصة وأن الحركة تحدد دورها في التوفيق بين القوتان العظميان والمساهمة في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، ولم تكن سلبية حركة عدم الانحياز هي التي أدت إلى تراجع مسيرة الحركة، وحدت من الدور الذي كان يجب أن تقوم به سياسياً بل كان هناك العديد من الأسباب الذاتية الداخلية التي أدت في مجملها إلى تراجع حركة عدم الانحياز وتختلف هذه العوامل في الآتي:

أولاً: التوجه نحو مفهوم عدم الانحياز ذاته
إن سياسة عدم الانحياز وجدت من يعارضها منذ البداية في الدول المؤسسة للحركة ذاتها فالبعض رأي هذه السياسة بمثابة تطوير لمفهوم الحياد، ونظراً لأن سياسية الحياد قبل الحرب العالمية الثانية لم تحقق فعالية بالنسبة للأمن الوطني لبعض الدول المحايدة فمن ثم لا توجد أهمية أو جدوى من انتهاج هذه السياسة، إلا أن المشكلة المطروحة حالياً تتمثل في مفهوم عدم الانحياز والذي يعتبره البعض التزام سلبي، بينما الحقيقة أن المفهوم ذاته قد تطور منذ أوائل الستينيات وحتى نهاية التسعينيات، بما جعله لا يقتصر على معني الالتزام السلبي الواضح من تعبير عدم الانحياز ذاته، وذلك لأن المفهوم في جوهره يعني انتهاج سياسة خارجية مستقلة وهو ما سعت إليه الدول النامية، كذلك تطور مفهوم عدم الانحياز وأصبح التقدم الاقتصادي خلال منتصف الستينيات جزءاً من هذا المفهوم، وبذلك أصبح مفهوم عدم الانحياز يتضمن رؤية متكاملة لما يجب أن تكون عليه العلاقات الدولية في مجالاتها المختلفة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وكذلك الثقافية من عدل ومساواة وتكافؤ، لكن نقص فاعلية حركة عدم الانحياز في ظل علاقات القوى الدولية أصبحت مشكلة قائمة منذ بداية ظهور نظام عالمي جديد.

ثانياً: مشكلة تعامل حركة عدم الانحياز مع القوى الدولية
تواجه حركة عدم الانحياز مشكلة أساسية في إطار العلاقات الدولية، حيث ظهرت بعض التوجهات التي ترى أن مفهوم عدم الانحياز إذا كان صالحاً للتفاعلات الدولية أثناء مرحلة الاستقطاب الدولي إلا أنه لم يعد صالحاً بعد ذلك، ومن ثم أصبحت سياسة عدم الانحياز ليست ذات جدوى إلا لمرحلة معينة من مراحل النظام الدولي القديم قبل انهياره، ورغم أن هذا الرأي لم يجد مؤيدين له إلا أنه لا يخلو من التجني على أهمية حركة عدم الانحياز، فهناك مجموعات من القواعد والترتيبات المتعارف عليها في العلاقات الدولية، ونظراً لأن حركة عدم الانحياز تعد بمثابة تنظيم دولي، وليس منظمة دولية تسهم في وضع القواعد والترتيبات للتعامل، فإن دور حركة عدم الانحياز يظل له أهميته وحيويته في ظل التغيرات الدولية الحالية.

ثالثاً: تباين التوجهات وزيادة حدة الصراعات
1. أن تكوين حركة عدم الانحياز يضم وحدات سياسية ذات قدرات متفاوتة، كما تتعدد القوى في عدد كبير من الدول، ليس بينها قوى تنظم الاتصال والتنسيق بين الوحدات السياسية للوصول إلى إستراتيجية مشتركة تعمل في إطارها دول حركة عدم الانحياز، ومن ثم لا تعتبر حركة عدم الانحياز كتلة سياسية قائمة بذاتها، واستمرت حركة عدم الانحياز تعمل بصورة غير منتظمة كمجموعة من الدول غير المكتملة إيديولوجياً واقتصادياً وسياسياً، كما كانت ذات توجهات مختلفة بين أيديولوجية شيوعية وأيديولوجية رأسمالية، إلا أن دول حركة عدم الانحياز كان يجمعها فقط مفهوم اللاانحياز لأي من القوتين العظميين، وعدم الارتباط بأي من المعسكرين.

2. لقد استمرت حركة عدم الانحياز كتجمع سياسي لم يستطع فرض تواجده في النسق الدولي كقوى سياسية لها تواجدها ورأيها، مع أن دول عدم الانحياز استطاعت فرض تواجدها الدبلوماسي وليس المشاركة الإستراتيجية.

3. إن حركة عدم الانحياز مازالت محكومة بنظرية الصراعات بين دول الحركة، التي مكنت النسق الدولي العالمي من فرض سيطرته وهيمنته عليها، ويتضح ذلك في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تدور العديد من الصراعات بين كياناتها السياسية، ولذلك تمكن العديد من القوى الخارجية إثبات تواجدها العالمي بتدخلها في هذه الصراعات، وأصبحت التوترات المحلية والإقليمية ذات أبعاد عالمية، كما أن التوازنات بين دول عدم الانحياز بصفة عامة والدول المتصارعة بصفة خاصة لم يكن محلياً أو إقليمياً فقط، بل يتأثر وفقاً للعلاقات الدولية.

4. نظراً لأن تكوين حركة عدم الانحياز غير متجانس وغير متكافئ في تركيبته السياسية، كذلك غير مرتبط بمفهوم أيديولوجي واضح سوى بالسياسة التوفيقية اللاانحيازية، ومن ثم لا يوجد لحركة عدم الانحياز مصلحة قومية واحدة، بل مازالت تتجاذبها مصالح متعددة في إطار توجهات الكيانات السياسية التي يتكون منها، حيث تحكمها العديد من الصراعات المختلفة سواء كانت صراعات فردية أو صراعات بدعم من قوى خارجية.

5. يعتبر تزايد الصراعات بين دول حركة عدم الانحياز من السمات الأساسية لحركة عدم الانحياز وذلك أمر طبيعي، ويعكس ذلك التركيبة السياسية الضعيفة في إطارها التنظيمي متسع العضوية وغير المتجانس، فالاختلافات السياسية بين الدول غير المنحازة لها عدة مظاهر، إلا أن غالبها يقوم على مفهوم المصلحة الوطنية، ولا يمكن إحداث التوافق بينهما، وخاصة أن العديد من دول عدم الانحياز متجاورة، ويوجد بينها العديد من الخلافات السياسية الحادة بسبب المشاكل الحدودية التي يرجع تاريخها إلى التخطيط التحكمي للحدود خلال مرحلة الاستعمار، وخلال نضال الشعوب للحصول على استقلالها، ويتمثل ذلك في أفريقيا وبدرجة محدودة في آسيا، ولذلك إن التهديد بالانفصال عن الحركة والمطالبة بضم أو تحرير بعض المناطق والعودة للحدود الاستعمارية سيبقى ذات أهمية خاصة لحركة عدم الانحياز، فالصراعات الحدودية زادت حدة مع تزايد القيمة الاقتصادية لبعض المناطق المتنازع عليها، كما أن التباين في مستويات النمو الاقتصادي بين دول عدم الانحياز يثير العديد من الصراعات فيما بينها، وذلك نتيجة مباشرة للاختلافات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

6. تعتبر الصدامات بين الأنظمة التقدمية والأنظمة المحافظة من مصادر الصراعات بين دول عدم الانحياز، فهذه الصدامات لها ارتباط وثيق بالسياسات الداخلية المتقلبة في دول عدم الانحياز، فبعض الأنظمة تسعى للقيام بدور بارز في منطقة محددة، وفي إطار سعيها لتحقيق هذا الطموح تدخل في صراعات مع الدول غير المنحازة في ذات المنطقة، وهي صراعات تأخذ شكل مواجهة أيديولوجية تكون في الغالب ذات مصالح مادية، أو بغرض فرض السيطرة والزعامة الإقليمية، وينعكس ذلك على مبدأ التعايش السلمي، ويتناقض مع تعدد النظم السياسية والأيديولوجية لحركة عدم الانحياز بعيداً عن مبادئها.

7. لفترة طويلة اعتبرت دول عدم الانحياز أن الصراعات فيما بينها عارضة وغير أساسية بالمقارنة مع الصراع ضد الاستعمار، والحاجة الملحة إلىبناء نظام سياسي واقتصادي عالمي جديد على أساس ديموقراطي، يتحقق فيه التنمية والعدالة وإقرار السلام العالمي ونزع السلاح الشامل، كذلك كان من المعتقد أن الدول غير المنحازة وقد ألزمت نفسها باتباع سلوك مبدئي، قادرة على تسوية الخلافات فيما بينها وفقاً للمبادئ المتفق عليها، ولذلك كان يعتقد أن صراعات المصالح لا يجب أن تخلق صعوبات أمام العلاقات بين دول عدم الانحياز، ولقد أدى ذلك إلى عدم اهتمام وتركيز الدول غير المنحازة لتسوية واحتواء الصراعات فيما بينها، اعتماداً على مبادئها الأساسية، إلا أن تزايد وتصاعد حدة الصراعات أكد عدم الإخلاص لهذه المبادئ، بل كانت اجتماعات دول الحركة تفستغل لدعم مواقفها وتحقيق مصالح قومية محددة لا تعبر عن التعاون والتضامن، ولذلك فإن فاعلية حركة عدم الانحياز في تحقيق التسوية السلمية للمنازعات بين أعضائها هي من عوامل نجاحها واستمرارها.

رابعاً: عدم وجود آلية لتسوية الصراعات
1. يعتبر عدم وجود آلية ثابتة محدودة لتسوية الصراعات واحتوائها بين دول حركة عدم الانحياز من عوامل زيادة حدة المشاكل، ورغم ظهور توجهات مطالبة بتكوين لجنة لتسوية نزاعات الحدود القائمة بين الدول الأعضاء، إلا أن العديد من دول الحركة عارضت ذلك لعدم موافقتهم على أي شكل من أشكال تسوية المنازعات، متمسكين بحقوق السيادة التي تحقق لهم حرية اختيار وسائل تسوية صراعاتهم مع الدول الأخرى، رافضين بذلك أي إجراءات إجبارية يمكن أن تفرض عليهم، ولا يرجع عدم مقدرة الحركة في تسوية النزاعات بين أعضائها بسبب عدم وجود آلية محددة لتسوية المنازعات، ولكن يرجع كذلك إلى عدم وجود رغبة صادقة من الدول المتصارعة لتسوية هذه المنازعات، كذلك الضغوط والتدخلات الخارجية التي تهدف إلى زيادة حدة الصراعات بين أعضاء حركة عدم الانحياز.

2. نظراً لعدم وجود آلية مناسبة داخل حركة عدم الانحياز لتسوية الصراعات فيما بين أعضائها، فوضحت الحاجة للقيام بدور غير رسمي تقوم به الحركة لاحتواء هذه الصراعات، ويعتمد هذا الدور على الترتيبات المناسبة لكل حالة على حدة، ولذلك يتحدد دور حركة عدم الانحياز في مساعدة الأطراف المتصارعة لاتباع الطرق السياسية لإنهاء الصراع، كما تشجع المفاوضات بين الأطراف وهو ما قد يترتب عليه إمكان التوصل لحل مناسب لطرفي الصراع، ومن ثم فإن حركة عدم الانحياز لا تتدخل في المفاوضات، وهذا ما قد اتففق عليه في مؤتمر وزراء خارجية حركة عدم الانحياز في عام 1981م وفقاً لورقة العمل اليوغسلافية التي قدمت، وبرغم ما جرى التوصل إليه إلا أن هذه الوسيلة محدودة وغير مضمونة النجاح. وفي ذات الوقت وضحت أهميتها لأن مزيداً من تدهور العلاقات بين أعضاء حركة عدم الانحياز وزيادة الصراعات بينها يهدد بقائها ذاته، فلاشك أن الحركة تفتقر إلى القدرة على التعامل بشكل حاسم وكافي في العديد من القضايا، ولكنها توفر فرصة أكبر للتفاوض والتشاور، كما يمكن في إطارها أن تففصل الصراعات المحلية والإقليمية عن التدخلات الأجنبية غير المرغوبة.

خامساً: الإطار التنظيمي لحركة عدم الانحياز وأثره في تراجع مسيرتها
1. يعتبر الإطار المؤسسي لحركة عدم الانحياز من المشاكل والصعوبات التي تهدد مسيرة الحركة من الداخل، فعلى الرغم من أن عضويتها كانت خمس وعشرون دولة عند تأسيسها إلا أنها كانت تمثل ثلثي سكان العالم، لكن زيادة العضوية بعد ذلك كانت تشمل دول محدودة السكان وذات اقتصاد ضعيف، ولقد انعكس ذلك على الثقل السياسي للحركة، ومن ثم بدأ يتضح اختلاف الرأي حول المعايير التي تحدد قبول عضوية الدول في الحركة، إلا أن الغلبة كانت لعدم التحديد الدقيق لهذه المعايير حتى لا تكون عائقاً أمام توسيع نطاق الحركة، وتمثلت المشكلة الأساسية في العضوية خلال فترة من الفترات في العضوية الدائمة وغير المشروطة، وذلك بغض النظر عن التطورات التي حدثت في التوجهات السياسية للعديد من دول عدم الانحياز، ولذلك تعددت الخلافات حول إذا ما كانت العضوية في حركة عدم الانحياز للدول أم عضوية للحكومات، خاصة مع التغيرات المستمرة لحكومات دول عدم الانحياز، ومن ثم يكون هل استمرار العضوية في الحركة مرتبطة أساساً بمدى تمسك الحكومات بسياسة عدم الانحياز، وكذلك استمرار هذه الحكومات في السلطة، أو إذا تغيرت هذه الحكومات ولم تعد ملتزمة بسياسة عدم الانحياز، ومن ثم يتضح العديد من المشاكل حول استمرار عضوية هذه الدول أو سقوطها عنها أو على الأقل تعلق بصور مؤقتة.

2. يمثل إنشاء جهاز دائم أو أمانة عامة أو ما شابه ذلك من المشاكل التي تهدد مسيرة الحركة، حيث إن هذا الجهاز له ضرورته وحيويته حيث يقوم بالتنسيق لكافة النشاطات المشتركة لأعضاء حركة عدم الانحياز، خاصة في الفترات بين انعقاد مؤتمر القمة، إلا أنه كان هناك معارضة شديدة لفكرة إنشاء هذا الجهاز الدائم من منطلق أن حركة عدم الانحياز ليس الهدف منها تكوين كتلة أو مجموعة بالمعني المتفق عليه دولياً، بل لا يعدو أن يكون بمثابة تحالف ديموقراطي موسع لدول تعمل على دعم سياسات محدودة، ومن ثم وجدت هذه التوجهات عند إنشاء الحركة أن مثل هذا الجهاز الدائم أو الأمانة العامة قد يعرض الحركة لخطر الانقسام أو الخضوع للسيطرة، ولذلك جرى الاستغناء عن فكرة إقامة مثل هذا الجهاز عند بداية تأسيس حركة عدم الانحياز.

3. خلال انعقاد مؤتمر وزراء خارجية دول حركة عدم الانحياز في مدينة جورج تاون عام 1972م، وضحت الرغبة في إنشاء لجنة دائمة لحركة عدم الانحياز تتكون من سبع دول بمهمة مراجعة كافة الأعمال التحضيرية للاجتماع الوزاري السنوي، وفي مؤتمر قمة دول عدم الانحياز عام 1973م جرى توسيع عضوية اللجنة الدائمة بتشكيل مكتب تنسيق أكبر، تكون في هذه المرحلة من سبعة عشر دولة بما فيهم رئيسا مؤتمري القمة السابق واللاحق، على أن يمارس مهامه خلال الثلاث سنوات الفاصلة بين مؤتمري القمة، ومنذ عام 1974م تحول مكتب التنسيق ليكون بمثابة الجهاز الدائم لحركة عدم الانحياز، وخلال مؤتمر دول عدم الانحياز الذي عفقد عام 1976م في كولومبو جرى اتخاذ عدة توصيات تحدد سلطة مكتب التنسيق خلال انعقاد مؤتمرات القمة، تحقيقاً لهدف وضع قراراتها موضع التنفيذ، كما جرى توسيع عضوية المكتب ليشمل خمسة وثلاثون عضواً يجري اختيارهم بواسطة رؤساء الدول أو الحكومات، مع الوضع في الاعتبار مبادئ التوزيع الجغرافي العادل والاستمرار والتناوب، كما تقرر أن تكون اجتماعات المكتب مرة في السنة على مستوى الممثلين الدائمين للدول غير المنحازة، واتففق على أن يتولى رئاسة مكتب التنسيق رئيس مؤتمر القمة السابق، وهو في ذات الوقت رئيس الدولة المضيفة، وتحددت مهام وسلطات رئيس المكتب في عقد اجتماعات المكتب وكذلك تنسيق اجتماع لجنة عدم الانحياز في الأمم المتحدة، على أن تصدر قرارات المكتب بالإجماع، وتكون اجتماعاته مفتوحة لجميع الأعضاء وتوزعت مقاعد المكتب الخمسة وعشرون ليكون لأفريقيا ثلاث عشر مقعداً، وآسيا ثمانية مقاعد، بينما أمريكا اللاتينية تخصص لها أربعة مقاعد، وأوروبا مقعد واحد، وتقوم كل من الأقاليم منفردة باختيار الدول التي تشغل المقاعد المخصصة لها.

4. مع تزايد المخاطر التي هددت حركة عدم الانحياز وافتقاد أعضائها إلى التضامن، جرى خلال الاجتماع الوزاري لمكتب التنسيق عام 1979م الاهتمام بتسوية المنازعات بين أعضاء الحركة، ولكن رغم ذلك فإنه لا يعتبر مكتب التنسيق جهازاً حاكماً، حيث يتعارض ذلك والطبيعة الديموقراطية لحركة عدم الانحياز، وتلى ذلك توسيع عضوية مكتب التنسيق إلى ستة وأربعون دولة. ثم أصبحت عملية الانضمام إلى عضوية المكتب مفتوحة كما وضح ضرورة الأخذ بمنهج أكثر ديموقراطية فيما يتصل بعلاقات مكتب التنسيق بكل من الدول الأعضاء واللجان والتنظيمات، بهدف تحديد مهامه وحقوقه والتزاماته تحديداً دقيقاً أثناء وبعد انعقاد مؤتمرات القمة.

5. مع تزايد عضوية حركة عدم الانحياز وضح أهمية التطوير في الإطار التنظيمي لحركة عدم الانحياز حتى تتحقق الفاعلية، كما يجب أن يعاد النظر في تكوين حركة عدم الانحياز وتحديد الخطوط الرئيسية لأهدافها في ضوء الظروف والمتغيرات الدولية الجديدة، وكذلك يلزم إعادة تحديد وتوصيف مبادئ عدم الانحياز، كما يجب احتواء المنازعات الداخلية، وإذا كانت حركة عدم الانحياز قد قامت أساساً على فكرة أو عقيدة معينة قفبلت من كافة الدول الأعضاء طواعية، وبغض النظر عن الاختلافات القائمة بينها، فإن حركة عدم الانحياز في وصفها الحالي مطالبة بالالتزام بهذه القواعد الأساسية، وهذا يفرض عدم التدخل في سياسات أعضاء الحركة طالما هم ملتزمون بصفة عامة بمبادئ عدم الانحياز، ونظراً لأن مكتب التنسيق لحركة عدم الانحياز ليس هو الجهاز الفعال الذي من خلاله تستطيع الحركة إصدار أحكامها وقراراتها في شأن الدول الأعضاء، لذا يلزم تشكيل الجهاز المناسب الذي يعمل على دعم سياسة عدم الانحياز بطريقة واعية وبأسلوب ديموقراطي.

سادساً: غياب القادة المؤسسين للحركة وانكشاف التركيبة الهشة
كان لوجود القادة التاريخيين وفي مقدمتهم نهرو دوراً بارزاً في تكوين التجمع الدولي الأفرو ـ آسيوي للدول التي استقلت حديثاً، بالإضافة إلى تيتو في يوغسلافيا وجمال عبدالناصر في مصر، ومن خلال فكرة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز جرت مواجهة القطبين الشرقي والغربي، واستطاع الزعماء الثلاثة أن يحققوا توازناً مقبولاً مما سمح لهذه الدول من مواجهة القوى العظمى، وأن يدافعوا عن حق دول عدم الانحياز، وكذلك الدفاع عن حق الشعوب الصغيرة التي طالبت في تقرير مصيرها في الأمم المتحدة، كذلك جرت مساعدتهم اقتصادياً وعسكرياً، كما كان لوجود الزعماء التاريخيين أثره الواضح في تجميد ووقف الصراعات المحلية، مما منح حركة عدم الانحياز قوة خلال الفترة ما بين نشأتها وحتى عام 1973م، إلا أن هذه القوة بدأت تتلاشى بسبب غياب هؤلاء الزعماء المؤسسون للحركة، كذلك كان الترهل الكمي في عدد دول عدم الانحياز والذي كان معظمهم منحازاً، والذي أدى في النهاية إلى انكشاف التركيبة الهشة للحركة وخاصة بعد انعقاد قمة دول عدم الانحياز في هافانا عام 1979م، وغياب تيتو من الساحة السياسية بوفاته في 5 مايو 1980م.

سابعاً: توزيع القوى داخل الحركة وانعكاسه على تراجع دورها السياسي
1. كان لصورة توزيع القوى السياسية في النسق الدولي انعكاسها الواضح والمؤثر في تراجع حركة عدم الانحياز عن دورها السياسي، حيث بدأت تظهر داخل الحركة صورة مشابهة لتوزيع القوى بين دول عدم الانحياز من خلال قيام العديد من دول الحركة بالارتباط اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً إما بدائرة السلام السوفيتية أو دائرة العالم الحر الأمريكية، وحتى عام 1979م استطاعت حركة عدم الانحياز وقف الاختراق السوفيتي إليها، وكذلك الحد من محاولات التسرب التي قامت بها العديد من الدول الكبرى الغربية، ولذلك نجحت دول الحركة في مقاومة الضغوط التي استهدفت اجتذابها إلى التكتلات الدولية، إلا أنه في بداية الثمانينيات كانت هناك بعض المحاولات لتوجيه حركة عدم الانحياز في اتجاه التحالف الوثيق مع الكتلة الشرقية ولقد تزعمت هذا الاتجاه كوبا إلا أنه منذ عام 1983م استطاعت حركة عدم الانحياز العودة إلى سياستها التوفيقية غير المنحازة إلى أي من القطبين الدوليين وهذا الاتجاه تبنته قمة عدم الانحياز السابعة في الهند ودعمته يوغسلافيا والدول المؤسسة للحركة، كما كان هناك اتجاه يطالب إعادة فرز أيديولوجي، وأنه يجب استبعاد الدول المحافظة من التجمع بحيث تنضم الدول الثورية في تحالف طبيعي مع الاتحاد السوفيتي.

2. لقد عارض أغلب أعضاء حركة عدم الانحياز هذه التوجهات، فالتحالف المباشر أو غير المباشر مع أي من التكتلات الدولية يمثل انهيار لأحد المفاهيم الأساسية التي تقوم عليها حركة عدم الانحياز، كما أن مفهوم عدم المساواة بين التكتلات الدولية سيصل بالحركة إلى إنهاء دورها الفاعل، ويقضي على مستقبل الحركة في علاقاتها الدولية المعاصرة، في الوقت ذاته فإن حركة عدم الانحياز لم تزل تمثل الطريق الرئيسي والوحيد للنضال من أجل عالم أكثر ديموقراطية، وإقرار نظام سياسي واقتصادي عالمي أكثر عدلاً، إلا أن الدور الخارجي لحركة عدم الانحياز قد شهد اختلاف كبير بين تقييمات إيجابية مبالغ فيها، وكذلك تقييمات سلبية، فلقد رأت التقييمات الإيجابية أن العديد من دول عدم الانحياز قد شهدت تطورات تقدمية في نظامها الداخلي، اكتسبت خلالها قوة دافعة على عكس ما كان متوقعاً، أما التقييمات السلبية فقد رأت أن حركة عدم الانحياز تمر بأزمة حادة بسبب الصراعات الداخلية، كما أن الضغوط الخارجية تزداد عليها بهدف تغيير مسار الحركة وتهدد السمات الجوهرية لها، كما يعتبر أسلوب إيجاد حلول مناسبة للنزاعات وتنفيذها مبدأ أساسي من مبادئ الحركة، لكن تتباين اتجاهات دول عدم الانحياز تجاه هذه المشكلة، فهناك اتجاه يطالب بإنشاء أسلوب دائم يتيح للحركة إيجاد الحلول السلمية، أما الاتجاه المحافظ يرفض تحديد أي نوع من الأساليب، ولقد ترتب على هذا الانقسام في الرأي تبلور اتجاه داخل الحركة يطالب بإيجاد حل ملائم يؤيده غالبية دول حركة عدم الانحياز.

3. يرتبط الموقف الذي يجب أن تتخذه دول عدم الانحياز تجاه تدخل إحدى دول عدم الانحياز في الشؤون الداخلية لدولة أخرى تدخلاً عسكرياً، وبرغم أن جميع دول الحركة تعلن رفضها هذا التدخل إلا أن مواقفها الفعلية تختلف من حالة لأخرى، فبينما يكون هناك تفسير لبعض التدخلات على أنها عملاً من أعمال المساندة والتضامن مع الدولة التي جرى التدخل في شؤونها، وقد يكون هناك إدانة لجميع أعمال التدخل من حيث المبدأ، وبذلك يكون حركة عدم الانحياز غير قادرة على التوصل إلى تحقيق موافقة أغلبية أعضاءها بشأن عملية التدخل في الشؤون الداخلية لأعضاء حركة عدم الانحياز.

ثامناً: عدم اتخاذ حركة عدم الانحياز قرارات مصيرية ملزمة
1. من الملاحظ أن حركة عدم الانحياز لم تتخذ قرارات حاسمة وملزمة حتى في النزاعات التي تفجرت بين أعضائها، فمعظم قراراتها كانت توفيقية في إطار توصيات عامة ويرجع ذلك لعدم امتلاكها القوة المركزية التي تخطط لها دبلوماسياً واستراتيجياً وتعتمد عليها في تنفيذ قراراتها. كذلك لم يكن لها قوة عسكرية تعتمد عليها في احتواء الصراعات المحلية ولقد حالت دون تحقيق ذلك عدة صعوبات، تمثلت في أسلوب تشكيل هذه القوة وأسلوب السيطرة عليها وأماكن تواجدها، ولقد تعددت أمثلة عجز حركة عدم الانحياز في اتخاذ قرارات هامة خاصة بالأزمات الدولية ومنها الحرب الأهلية النيجيرية عام 1967م، وانحياز موسكو إلى الهند في الحرب الهندية ـ الباكستانية في ديسمبر 1971م، كذلك أحداث أفغانستان عام 1979م، وكذلك عجز حركة عدم الانحياز عبر لجنة وساطة في إنهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات بداية من عام 1980م، كذلك لم يكن هناك تحرك فعال لحركة عدم الانحياز تجاه الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م، وكذلك في غزو العراق للكويت في أغسطس 1990م

2. يجب ألا يغفل الدور الذي تمارسه حركة عدم الانحياز في الأمم المتحدة، حيث يتضح دورها البارز في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صدر في عام 1982م والذي يقضي بانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان وفق قراري مجلس الأمن رقمي 508 و509، كما أن الجمعية العامة للأمم المتحدة وبضغط من دول عدم الانحياز وافقت عام 1982م على ثلاثة مشروعات قدمتها دول عدم الانحياز تؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وأخيراً كان تحرك دول عدم الانحياز داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي أدانت في قراراتها الاستخدام المفرط للقوة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين منذ سبتمبر عام 2000م.

تاسعاً: التغيير المستمر في السلطة السياسية وأثره على فاعلية الحركة
نظراً لأن حركة عدم الانحياز لا تجمعها مصلحة قومية ثابتة ولافتقادها للتجانس والترابط فإن الصراعات المحلية كانت ومازالت أحد سماتها الأساسية، ونظراً لأنها تتكون من كيانات سياسية متعددة ومتداخلة، اتخذت الحرب الباردة بين القوتين العظميين منها مسرحاً لصراعها، فقد شهدت العديد من دول الحركة تحولات في طبيعة أنظمتها السياسية ساعد تدخل المعسكرين في زيادة مشاكلها المحلية، ودفع بهذه المشاكل إلى أن تصبح أحد عوامل تراجع دور عدم الانحياز عن دوره السياسي، كما كان تخلف قطاع السياسة الخارجية في الكثير من دول حركة عدم الانحياز، خاصة وأن الدول الصغرى هي التي تشكل غالبية دول حركة عدم الانحياز، ومن ثم لجأت هذه الدول إلى قوى خارجية لرعاية مصالحها وتوفير الحماية لها، ولقد كان ذلك من أخطاء سياستها الخارجية خاصة في إطار علاقاتها الدولية والتي ألحقت بها أضراراً بالغة سواء داخلية أو خارجية.

عاشراً: مصادر التسليح وانعكاسه على مبادئ وأهداف الحركة
لقد كان ارتباط دول عدم الانحياز بأحد القطبين الرئيسيين بهدف الحصول على الأسلحة جعلها بصورة غير مباشرة ترتبط بدائرة العالم الحر الغربي أو بدائرة السلام السوفيتي، مما أوجد حالة من التناقض بين حركة عدم الانحياز وأهدافها الرئيسية التي تأسست من أجلها بعد أن أصبحت دولاً منحازة تابعة لإحدى القوى الكبرى بسبب سياسة التسليح، وكذلك سياسة تقديم المعونات الاقتصادية، مما أفقدها بعضاً من أهدافها ودورها بما يهددها مستقبلاً.

حادي عشر: عدم وجود سياسة إعلامية موحدة للحركة
إن غياب السياسة الإعلامية الموحدة المواكبة للتحديات التي تواجهها حركة عدم الانحياز، بالرغم من المؤتمرات التي يعقدها المجلس الحكومي لتنسيق شؤون الإعلام بين دول عدم الانحياز، والتي كان هدفها مناقشة وضع إستراتيجية إعلامية موحدة لدول عدم الانحياز، ومن ثم فإن النشاطات التي شهدها التجمع على مستوى اجتماعات المجلس الحكومي لتنسيق شؤون الإعلام في حركة عدم الانحياز، كذلك اجتماعات رابطة التنسيق بين وكالات الأنباء في دول الحركة، واجتماعات الهيئات العامة للإذاعة في دول الحركة، وهذه النشاطات ينقصها وضع القرارات التي اتخذتها موضع التنفيذ لخدمة أهداف الحركة، ورغم أن ذلك يجري بصورة غير مخططة أو منسقة وبهدف منع وسائل الإعلام المضادة من اختراق حركة عدم الانحياز، إلا أنه يتضح أهمية بناء المؤسسات الإعلامية العامة والخاصة في دول الحركة أولاً، ثم المساهمة في تكوين رأي عالمي مقبول خارج حركة عدم الانحياز لمناصرتها وتأييدها، ودفعها إلى مجال التقدم من خلال تأسيس الاتحاد العام للصحفيين غير المنحازين، والاتحاد العام للهيئات الإعلامية للإذاعة والتليفزيون، وبذلك يمكن تكوين تجمع عام حاشد داخل دول عدم الانحياز، كما يمكن كسب التأييد الخارجي أن أمكن ذلك.

ثاني عشر: انكماش سياسة عدم الانحياز أمام سياسة الوفاق الدولي
لقد بدأت سياسة عدم الانحياز في التراجع كلما ازداد التقارب بين الكتلتين وهدأت الحرب الباردة بعد أن ضمن القطبان تحقيق مبدأ التوازن في حروب الوفرة الاقتصادية في الدول النامية بصفة عامة ودول عدم الانحياز بصفة خاصة بعد غياب القادة التاريخيين للحركة، ولذلك بدأ الرابط المشترك للكفاح ضد الاستعمار ينحسر بعد السبعينيات، ولذلك فإن سياسة عدم الانحياز كنظرية وتطبيق دخل مرحلة مصيرية منذ الثمانينيات، فإما أن تستمر في فقدان الشعور والحماس الجماعي المشترك، ومن ثم تصبح في عداد النظريات السياسية التي فقدت هويتها ووجودها، وإما أن تجري مواجهة التحديات التي تواجهها حركة عدم الانحياز، وتعيد خصوصيتها وأهدافها، إلا أن ذلك صعب التحقيق دون توفر رأي عام مؤيد لسياسية عدم الانحياز سواء كان ذلك في إطاره التنظيمي المؤسسي أو في إطار دول عدم الانحياز كوحدات سياسية لها أهدافها وتطلعاتها السياسية.

ثالث عشر: الواقع الاقتصادي ومساهمته في تراجع دور الحركة سياسياً
يعتبر الواقع الاقتصادي لحركة عدم الانحياز وحاجة معظم دوله إلى موارد التنمية الاجتماعية والاقتصادية سبباً رئيسياً في تراجع حركة عدم الانحياز عن أداء دورها السياسي التوفيقي، ولقد أدت حاجة معظم دول الحركة للدعم الاقتصادي إلى الارتباط بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالقوى العظمى أو الكبرى، والتزامها إما بدائرة العالم الحر الرأسمالي أو دائرة السلام السوفيتية وإن كانت معظم دول عدم الانحياز قد تبنت الارتباط بالأحلاف العسكرية والتمسك بسياسة عدم الانحياز مع قبول المساعدات الاقتصادية غير المشروطة، إلا أن هذا الوضع بدأ في التغير مع انتهاء الحرب الباردة، في ظل سياسة الوفاق التي تعاني بسببها العديد من دول عدم الانحياز من ضغوط خارجية.

رابع عشر: تعدد تجمعات العالم الثالث وانعكاسه على مسيرة الحركة
لقد كان تعدد تجمعات العالم الثالث دون صفة دقيقة ومحددة ومتفق عليها للتنسيق بين هذه التجمعات، والتي تمثلت في مجموعة الخامسة عشر إلى مجموعة السبعة والسبعون، وكذلك تعدد التجمعات الإقليمية، إلى تراجع أهمية حركة عدم الانحياز، ورغم وجود بعض التوجهات المطالبة بدمج حركة عدم الانحياز مع مجموعة السبعة والسبعون، إلا أن ذلك لم يجد سبيله إلى التطبيق إلا جزئياً من خلال قرار قمة عدم الانحياز في جاكرتا عام 1992م بإنشاء لجنة مشتركة للتنسيق بين حركة عدم الانحياز ومجموعة السبعة والسبعون، ولكن يلاحظ أن معظم تجمعات العالم الثالث لازالت بدون إطار تنسيق فعال يربطها فيما بينها، بهدف مواجهة التحول نحو نظام عالمي جديد.



الساعة الآن 06:22 AM