logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





look/images/icons/i1.gif التحكيم في القانون الجزائري
  29-04-2013 11:54 مساءً  
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 26-04-2013
رقم العضوية : 343
المشاركات : 301
الجنس :
الدعوات : 7
قوة السمعة : 200
المستوي : ليسانس
الوظــيفة : طالب
الفصـــل الثانــــي كيفيــة صـــدور حكــــم التحكــــــيم
إن المجرى العادي لسير عملية التحكيم ينتهي بصدور حكم يفصل في موضوع النزاع ،فوفقا لأي قانون يصدر المحكمون حكمهم ؟ وكيف يصدر هدا الحكم، وما هي الشروط والبيانات التي يلزم استقاؤها ؟ كل هدا نحاول الإجابة عنه فيما يأتي .


المبحث الأول تحديد القانون الدي تطبقه هيئة التحكيم على موضوع النزاع
للوصول بعد إتفاق التحكيم إلى حكم لابد من قانون تتبعه هده الهيئة المكلفة بحل النزاع للوصول إلى الحل المبتغى لكن إلى أي شيء يخضع هدا القانون من حيث الإختيار ؟


المطلب الأول تطبيق قانون إرادة الأطراف
تنص المادة (1050)بالنسبة للقانون الجزائري على أن "تفصل محكمة التحكيم في النزاع عملا بقواعد القانون الدي اختاره الأطراف ،و في غياب هدا الاختيار تفصل حسب قواعد القانون و الأعراف التي تراها ملائمة ." و بالتالي فان للأطراف حرية اختيار ما يرونه مناسبا من قواعد منتقاة تواجه على نحو واقعي ما قد ينشأ من منازعات، هم الأقدر على تصورها وعلى وضع ما يلائمها من حلول مبتكرة لا تجد مصدرها في قانون معين، و إنما في إرادة الأطراف مباشرة . كما يلجأ الأطراف إلى المزج بين عدة مصادر، فينشئون قانون عقدهم من مجموعة من القواعد المستخلصة من تشريعات وطنية أو أجنبية أو يكرسون العادات و الأعراف المتعلقة بموضوع العقد ،أو الإحالة إلى القواعد و الشروط التي تتضمنها وثيقة أو عقد نموذجي[1]، ففي كل هده الصور لا توجد أي إشارة لتطبيق "قانون دولة معينة" وهي الصورة الأخرى التي قد تتخذها إرادة الأطراف عند تحديد ما تلتزم الهيئة باعمالة عند التصدي للفصل في موضوع النزاع.
وقد أخد المشرع الفرنسي هدا الاتجاه المتسم باحترام مبدأ سلطان الإرادة في نصوصه المنظمة للتحكيم التجاري الدولي (المادة 1492/1 مرافعات فرنسي)، أما في التحكيم الداخلي، فنصت المادة 1474 على أن المحكم يفصل في النزاع وفقا "لقواعد القانون" الا ادا فوضه الأطراف بالحكم وفقا لقواعد العدالة، وتتعدد النصوص الواردة في خصوص التحكيم الداخلي و التي تحيل إلى قانون المرافعات الفرنسي، مما يؤكد افتراض تطبيق القانون الوطني في حالات التحكيم الداخلي الدي لا يوجد أي مبرر لمعاملته معاملة التحكيم التجاري الدولي وما تقتضيه مصالح التجارة الدولية، و إمكانية تنازع القوانين، من تدخل لإعلاء مبدأ سلطان الإرادة لحسم أي خلاف يثور حول تحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع، وهو ما يؤدن بأقوال عصر " تنازع القوانين وقواعدها" و الاتجاه المباشر لإسناد اختيار القانون لإرادة الأطراف[2].



المطلب الثاني تصدي هيئة التحكيم لتحديد القانون المطبق على موضوع النزاع
حسب نص المادة (1050) و ما تضمنته في فقرتها الأخيرةفانه إن لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية واجبة التطبيق على موضوع النزاع فصلت محكمة التحكيم فيه بحسب قواعد القانون و الأعراف التي تجدها مناسبة و ملائمة و بالتالي عدم الإخلال بالنظام العام للدولة وهدا سواء في حالة تطبيق قانون الإرادة، أو القانون الأكثر اتصالا بالنزاع . بينما اتخذ واضعوا القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي موقفا مختلفا فبعد أن تركت الفقرة الأولى التحديد الرادة الأطراف نصت الفقرة الثانية على من المادة 28 على أنه "عند عدم مثل هدا التحديد بواسطة الأطراف ،تطبق محكمة التحكيم القانون المحدد بواسطة قاعدة تنازع القوانين التي تقدر قابيلتها للتطبيق على الموضوع النزاع ". حيث نجد أن المحكم هنا ملزم بتطبيق القانون الدي تفضي إليه قواعد التنازع في القانون الدي يرى إمكان تطبيقه على النزاع وفقا لنص القانون النموذجي.
و يكشف الواقع العملي عن ميل قضاء التحكيم على الصعيد الدولي إلى إعمال قانون محل إبرام العقد أحيانا، أو قانون محل التنفيذ، ودلك استنادا إلى ما يسمى بالإرادة الضمنية للأطراف و التي قد تكشف عنها ملابسات وظروف التعاقد أو استنادا إلى مؤشرات دات طابع خاص كالاستدلال على ترجيح قانون الدولة التي استخدمت لغتها في العقد، وهو ما تنص عليه الاتفاقية الخاصة بتسوية منازعات الاستثمار[3] . كما يمكن الاستناد إلى اختيار مكان التحكيم كمؤشر على اختيار قانون هدا البلد الدي يجري فيه التحكيم .



المطلب الثالث الفصل في النزاع وفقا لقواعد العدالة و الإنصاف
تنص المادة (1474) من نصوص المرافعات الفرنسي بخصوص التحكيم الداخلي على أن "تحسم محكمة التحكيم النزاع وفقا لقواعد القانون طالما أن الأطراف لم يخولاها وفقا لاتفاق التحكيم إجراء تسوية بصفتها منشئة لمواءمة ودية" و تنص المادة (1497 ) في النصوص المنظمة للتحكيم الدولي على أن "المحكم يجري تسوية كمنشئة لمواءمة ودية إدا خوله اتفاق الأطراف هده المهمة ".
كما أن الفقرة الثالثة من المادة (28 ) من القانون النموذجي تنص على أن "تجري محكمة التحكيم تسوية وفقا للعدالة و الإنصاف أو بصفتها منشئة لمواءمة ودية، فقط إدا أدن لها الأطراف في دلك صراحة."
و القاسم المشترك بين هده النصوص هو تحرير المحكم من التقيد بأي نصوص تشريعية أو أي قواعد قانونية أيان مصدرها ليجري المحكم نوعا من التسوية للنزاع المعروض عليه مستلهما ما يراه محققا للعدالة وما يرضي ضميره، فهو يقوم بعمل "إنشائي " خلاق لا يخضع فيه إلا لما يرضي وجدانه، تماما كموقف القاضي الجنائي الدي يتمتع بحرية مطلقة في تكوين عقيدته، طالما أنه حقق مبدأ المساواة، و أتاح للأطراف مكنة أوجه دفاعهم .و نظرا لما يتمتع به المحكم من سلطات تتوقف على حسن أو سوء تقديره المطلق الدي يخضع بطبيعة الحال لمعايير شخصية ترجع إلى تكوين المحكم وشخصيته و خلفيته الثقافية العامة، استلزم المشرع إعلان الأطراف إعلانا صريحا لا لبس فيه عن قصدهم تخويله هده السلطة[4] .
فالهدف من إطلاق سلطات المحكم هو تحقيق العدالة التي قد تعوقها النصوص القانونية، و لا يتصور دلك بإهدار الأبجديات التي تعد من المقدمات البديهية للوصول إلى هده العدالة . و فضلا عن دلك يلزم إجراء نوع من التفرقة بين التحكيم الداخلي و التحكيم الدولي، ففي الحالة الأولى لا جدال في أن سلطة المحكم المفوض بالحكم وفقا للعدالة، تخوله الخروج على نصوص القانون المقررة، كما تخوله سلطة واسعة في تفسير و تخفيف حدة الشروط العقدية التي إتفق عليها الأطراف شريطة ألا يصل الأمر حد إنشاء علاقة أو عقد جديد لم تتجه إليه إرادتهم ، فهو يفسر شروط عقد البيع مثلا و يخفف من التزامات البائع أو ضماناته أو التزامات المشتري و ما قد يتضمنه العقد من شروط يراها تعسفية أو مخلة بالتوازن، ولكنه لا يملك تكييف العقد و التعامل معه بوصفه عقد إيجار أو عقد ترخيص مثلا[5].
وتجدر الإشارة إلى أن تفويض المحكمين للفصل دون التقيد بنصوص القانون، و الاستهداء فقط بما يرونه محققا للعدالة، لا يعني منعهم من اعمال و تطبيق قانون معين، باعتباره محققا لهده العدالة كما يرونها .

[1]و مثال دلك على الإحالة على الشروط العامة للفيديك fidic أو لقواعد جمعية تجارة الحبوب و الأغذية فتعبير "القواعد التي اتفق عليها الطرفان" يسمح باستيعاب القواعد المتميزة المستقلة عن أي قانون وطني وحيدا عما تقضي إليه قواعد تنازع القوانين .

تنص المادة 39/1من القانون المصري على أن"تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع، القواعد التي يتفق عليها الطرفان . و ادا اتفقا على تطبيق قانون دولة معينة ،اتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين ما لم يتفق على غير دلك."

[2]تنص المادة (39) بالنسبة للتشريع المصري على أنه ادا "لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية واجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الدي ترى أنه الأكثر اتصالا بالنزاع".
[3]تنص المادة (39 ) من التشريع المصري على أنه "يجوز لهيئة التحكيم ـ إدا اتفق طرفا التحكيم صراحة على تفويضها بالصلح ـ أن تفصل في موضوع النزاع على مقتضى قواعد العدالة و الإنصاف دون تقيد بأحكام القانون ".
[4]د. محمود مختار بريري، المرجع السابق، ص 90.
[5]د. سميحة القليوبي، المرجع السابق، ص 69.



المبحـث الثاني كيفيـة صـدور حكم التحكـيم و شــروط صحتــه
من المعروف و بعد ما تطرقنا له سابقا على التحكيم و لجوء الأشخاص إليه سرعته و عدم الإطالة في أمده حيث لهدا الميعاد من يحكمه كما أن له أثر إدا لم يصدر في موعده و للحكم نفسه أحكام تسبقه لتسهيل العملية من اختصاص الهيئة و شروط لصحته كل هدا نتناول بالتفصيل .


المطلــب الأول اختصاص هيئة التحكيم باتخاذ التدابير المؤقتة و التحفظية وسلطتها في إصدار أحكام وقتية أو في جزء من الطلبات
يرى المشرع الجزائري في المادة (1046) أنه "يمكن لمحكمة التحكيم أن تأمر بتدابير مؤقتة أو تحفظية بناء على طلب أحد الأطراف ،ما لم ينص اتفاق التحكيم على خلاف دلك "، و بالتالي فلهيئة التحكيم الحق في اتخاذ ما قد يقتضيه نظر الموضوع من اتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفيظية . و لكن لأن الهيئة لا تملك "سلطة " الإجبار التي يملكها القضاء، فمن المتصور تجاهل من صدر ضده الأمر و امتناعه عن التنفيذ ولمواجهة دلك، نصت الفقرة الثانية من المادة المذكورة أعلاه على أنه "ادا لم يقم الطرف المعني بتفنيد هدا التدبير إراديا، جاز لمحكمة التحكيم أن تطلب تدخل القاضي المختص، ويطبق في هدا الشأن قانون بلد القاضي" [1]
ووفقا لنص المادة (26 ) من قواعد اليونسترال المعمول بها في المركز في المركز الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي بالقاهرة ،يكون لمحكمة التحكيم، بناء على طلب أحد الأطراف إتخاد التدابير المؤقتة أو التحفظية التي تراها ضرورية تبعا لطبيعة النزاع وعلى وجه الخصوص الإجراءات التحفظية المتعلقة بالبضائع موضوع النزاع مع إمكانية الأمر بإيداعها لدى الغير أو بيع المعرض للتلف منها . و يمكن أن تأخذ هده التدابير شكل حكم مؤقت مع إمكانية طلب كفالة لتغطية التكاليف[2].
و حرصت الفقرة الثالثة على بيان أن تقدم أي طرف للقضاء باتخاذ مثل هده الإجراءات لا يعد تنازلا عن التمسك باتفاق التحكيم أو متعارضا معه.
أما بالنسبة لفرنسا فتحقق الشروط المتمثل في اتفاق الأطراف على الخضوع لأوامر الهيئة بشأن ما تتخذه من تدابير مؤقتة أو تحفظية مؤداه استئثار الهيئة بهده التدابير كاستئثارها بنظر الموضوع ،بشرط التمسك بالاتفاق أمام القضاء لمنعه من إتخاد هده التدابير، تماما كما هو الحال في طلب عدم قبول الدعوى المانع من نظر الموضوع[3].
وتنص المادة (26 ) من اتفاقية واشنطن على أن اتفاق الأطراف على التحكيم في إطار هده الاتفاقية يقتضي نزولهم عن أي طريق آخر إلا إدا اتفقوا على خلاف دلك و نجد أن المادة (47 ) تنص على أن لمحكمة التحكيم إدا اقتضت الظروف أن تتخذ كل الإجراءات التحفظية الكفيلة بالمحافظة على حقوق الأطراف إلا إدا حظر عليها الأطراف دلك[4].
كما أن لهيئة التحكيم أن تصدر أحكام جزئية ودلك قبل صدور الحكم المنهي للخصومة كلها[5]، حيث إدا كان النزاع متعلقا عن طلب تعويض عن أضرار لحقت البضاعة أثناء نقلها، ولم يكن مثار نزاع أو جدل إلا مقدار التعويض، فللمحكمة أن تحكم بناء على طلب المضرور بدفع مبلغ مؤقت لحين الفصل النهائي المتوقف على تقدير الخبراء المنتدبين كما أن للهيئة أن تحكم بوقف استمرار العمل في الموقع أو باستمراره لحين الفصل في موضوع النزاع ودلك حسبما تقدره من الظروف و الملابسات المحيطة بموضوع الخلاف. و يجمع بين هده الأحكام أنها جميعا تصدر في مرحلة سابقة على "إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها "، فهي قد تنهي بعض المسائل الفرعية أو جزءا من الخلافات المثارة، و لكنها لا تمثل "حكما منهيا للخصومة" و هو ما دهب إليه المشرع الجزائري في نص المادة (1049 ) القائلة بأنه "يجوز لمحكمة التحكيم إصدار أحكام إتفاق أطراف أو أحكام جزئية، ما لم يتفق الأطراف على خلاف دلك ."



المطلب الثاني ميعاد إصدار الحكم و سلطة الهيئة في مده

تستلزم المادة (1018 ) من القانون الجزائري المحكمين إتمام مهمتهم خلال أربعة أشهر مع إمكانية مده بإتفاق الأطراف أي بإرادتهم حيث يقول نص المادة في فقرتها الأولى"يكون إتفاق التحكيم صحيحا ولو لم يحدد أجلا لإنهائه، و في هده الحالة يلزم المحكمون بإتمام مهمتهم في ظرف أربعة (4) أشهر تبدأ من تاريخ تعيينهم أو من تاريخ إخطار محكمة التحكيم .
غير أنه يمكن تمديد هدا الأجل بموافقة الأطراف، "
حيث و من خلال هده المادة يتضح أيضا أنه سريان الميعاد يبدأ من تاريخ تعيين المحكمين أو من تاريخ إخطار محكمة التحكيم، لكن يمكن أن تعترض أسباب تؤدي إلى وقف سريانه، كعزل المحكمين خلال هده الفترة حيث أشارت المادة أعلاه في آخر الفترة الثانية أنه لا يجوز عزل المحكمين إلا باتفاق جميع الأطراف و بالتالي نعود لموافقة الأطراف وما يرتأونه في عملية التمديد على حسب المعطيات المتوفرة لديهم .أما ادا لم يتم الموافقة على التمديد فإنه يتم وفقا لنظام التحكيم، وإن غاب دلك يتم من طرف رئيس المحكمة المختصة وهو ما جاءت به الفقرة الثانية من المادة (1018) .

أما بالنسبة للمشرع الفرنسي فإنه وفقا لنص المادة (1456 )، يتعين على المحكمين ـ في حالة عدم إتفاق الأطراف على تحديد ميعاد معين ـ أن ينهوا علهم خلال ستة أشهر من تاريخ صدور آخر قبول للمهمة من المحكمين، ادا اختلفت تواريخ قبولهم.
فالنص يجعل الأولوية في تحديد الميعاد لإرادة الأطراف، وهم يستطيعون دائما مد هدا الميعاد، صراحة أو ضمنا، مع مراعاة الشكل اللازم في حالة المد الصريح، اد تلزم الكتابة بصحة مد التحكيم، بينما لا تعدو الكتابة أن تكون شرط إثبات في حالة المشارطة. وقصر المشرع الفرنسي إمكانية المد على الأطراف فهو لم يخول المحكمين إمكانية إصدار قرار بمد الميعاد، كما أنه استلزم من المحكمين للاستمرار في مهمتهم للحصول على أمر من رئيس المحكمة[6] .
في حين لم تتضمن واعد اليونسترال، أو القانون النموذجي الدي أخد عنه المشرع المصري، تحديدا لميعاد يتعين مراعاته لإصدار حكم التحكيم . و الأمر نفسه في نظام محكمة تحكيم لندن، و إتفاقية واشنطن الخاصة بمنازعات الاستثمار . أما الإتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية فقد نصت المادة (2/9 ) من ملحق التوفيق والتحكيم على وجوب صدور حكم التحكيم خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ أو ل انعقاد للهيئة، ويمكن للأمين العام لجامعة الدول العربية بناء على طلب مسبب من الهيئة أن يمد تلك المدة إدا رأى ضرورة لدلك لمرة واحدة و بما لا يجاوز ستة أشهر أخرى[7] .
لكنإدالم يصدر حكم التحكيم في الميعاد فمادا سيترتب عن دلك ؟

- بالنسبة للمشرع المصري فقد نصت الفقرة الثانية من المادة( 45)على أنه "إدا لم يصدر حكم التحكيم خلال الميعاد المشار إليه في الفقرة السابقة ،جاز لأي من طرفي التحكيم أن يطلب من رئيس المحكمة المشار إليها في المادة( 9 )من هدا القانون، أن يصدر أمرا بتحديد ميعاد إضافي أو بإنهاء إجراءات التحكيم . ويكون لأي من الطرفين عندئذ رفع دعواه إلى المحكمة المختصة أصلا بنظرها ". حيث ورد بخصوص التعديلات التي أدخلت على الفقرة الثانية من هده المادة أنه يكون لأي من الطرفين "عند تحديد ميعاد إضافي أو إنهاء إجراءات التحكيم أن يرفع دعواه أمام المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع " حيث أن طلب الميعاد الإضافي لا يثير صعوبة بين الأطراف باعتبارهم يملكون أصلا الإتفاق على المد حاجة لأمر.و بالتالي يمكن أن يصدر الأمر بميعاد إضافي أو بإنهاء الإجراءات حيث جاءت الفقرة الثانية من المادة (46) في ضوء هدا التفسير على أنها تسمح باستمرار مهمة المحكمين و عدم إنتهاء صفتهم، شريطة أن يحظى أمر رئيس المحكمة الصادر بتحديد ميعاد إضافي بقبول الطرفين أما بالنسبة للمشرع الفرنسي في هده النقطة فقد قصر إمكانية المد على الأطراف فهو لم يخول المحكمين إمكانية إصدار قرار بمد الميعاد[8] .
و يفسر البعض موقف المشرع الفرنسي بأن المد يقع في دائرة الاختصاص الإستئثاري للأطراف ،و إدا كان المحكمون وكلاء وكالة مشتركة عن الأطراف فهي وكالة مقيدة بهدف محدد هو إصدار الحكم المنهي للنزاع خلال الميعاد المحدد[9].



المطلب الثالث إصدار الحكم المنهي للخصومة والشروط الواجب توافرها
سوف نقسم هذا المطلب الى فرعين الاول نخصصه الى كيفية اصدار الحكم الذي ينهي خصومة الاطراف، أما الفرع الثاني فنخصصه الى الشروط الواجب توافرها في هذا الحكم

الفرع الاول: اصدار الحكم المنهي للخصومة
يكون إصدار الحكم بعد المداولات التي تقوم بها هيئة التحكيم حيث ينص المشرع الجزائري على سريتها في المادة (1025) حيث يقدم الأطراف قبلها دفاعهم ومستنداتهم التي حدد المشرع تاريخ تقديمها كما جاء في نص المادة (1025) التي مفادها انه "يجب على كل طرف تقديم دفاعه و مستنداته قبل انقضاء أجل التحكيم بخمسة عشر (15 ) يوما على الأقل، و إلا فصل المحكم بناء على ما قدم إليه خلال هدا الأجل ."
لكن صدور هده الأحكام يكون إنطلاقا من حكم الأغلبية كما جاء في المادة (1026 ) أي أغلبية الأصوات أو الآراء بعد المداولة .
كذلك المشرع الفرنسي حدد تاريخ بدء المداولة عن طريق المحكم في نص المادة (1468) من قانون المرافعات، و الدي لا يجوز بعده تقديم أي طلبات أو وسائل دفاع أو إبداء أي ملاحظات أو تقديم أي مستندات إلا إدا طلب الحكم دلك . كما نصت المادة (1469) على أن "تكون مداولات المحكمين سرية".ودلك على عكس موقف المشرع المصري الدي لم يورد نصا في هدا الخصوص سواء لتحديد بدء المداولة أو تقرير سريتها. ويجب إعلان الأطراف بقرار وضع القضية في مرحلة التداول و الدي يمكن تحقيقه بإثباته في محضر الجلسة بمواجهة الأطراف جميعا .ولا يعيب حكم التحكيم صدوره دون سبق صدور قرار بتحديد تاريخ المداولة ،و لكن يظل الباب مفتوحا أمام الأطراف، لتقديم ـو تعديل طلباتهم حتى يوم صدور الحكم[10] .
والقول بحلول الرئيس أو ترجيح رأيه لا يمكن تبنيه في ظل القانون لفرنسي الدي يستلزم الأغلبية، ويصطبغ بالصيغة الآمرة على عكس النص المصري الدي يستلزم الأغلبية " ما لم يتفق طرفا التحكيم على غير دلك".
أما فيما يخص قواعد المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار الدي أنشىء ـ كما سبق الإشارة ـ باتفاقية واشنطن 1965 ( و السارية من أكتوبر 1966 ) فإن حكم التحكيم يصدر بأغلبية آراء أعضاء محكمة التحكيم وفقا لنص المادة (48 ) .و لكن لا يجب أن يكون المحكمون المكونون للأغلبية منتمين إلى الدولة الطرف في النزاع أو لدولة الرعية الدي يقف طرفا ثانيا، إلا إدا كان المحكم واحدا عينه الأطراف أو قام كل طرف بتعيين محكم على أن يتولى المحكمان اختيار الثالث وفي حالة الفشل يتم تعيين الثالث بواسطة رئيس مجلس إدارة المركز بناء على طلب من أي من الأطراف . ولم تتضمن قواعد المركز أي نصوص تواجه حالة عدم توافر الأغلبية، ولكن وفقا لنص المادة (44) من الإتفاقية تتصدى المحكمة ( محكمة التحكيم ) حسم المسائل التي تتعلق بالإجراءات و التي لم تواجهها الإتفاقية أو القواعد المنظمة للتحكيم[11].
ولم تواجه مشكلة عدم توافر الأغلبية بحل صريح إلا قواعد غرفة التجارة الدولية، و قواعد محكمة تحكيم لندن. فوفقا لنص المادة (25 ) من قواعد الغرفة يصدر الحكم بالأغلبية، فإدا لم تتحقق أصدر رئيس المحكمة الحكم بمفرده. ويجب قبل توقيع الحكم سواء صدر من الأغلبية أو من الرئيس، أن يعرض مشروع الحكم على المحكمة الدولية للتحكيم بالغرفة و التي تملك إدخال تعديلات شكلية مع إمكان لفت نظر المحكم لبعض المسائل الموضوعية، ولا يمكن صدور الحكم إلا بعد إقراره شكلا من المحكمة[12].

الفرع الثاني:الشروط الواجب توافرها في حكم التحكيم
إن مهمة المحكمين او المحكم الفرد هو اصدار حكم فاصلا في موضوع النزاع، وقد يكون هذا الحكم وفقا لقانون ارادة الاطراف او لأحدى عيئات التحكيم او للقانون محل التطبيق وعلى ذلك سوف نتطرق الى مميزات- شروطه- هذا الحكم وفقا ما يلي:


اولا: من الناحية الموضوعية
يهدف أطراف اتفاق التحكيم إلى حسم ما نشب بينهم أو ما قد ينشب من منازعات و دلك عن طريق المحكمين الدين لجأوا إليهم بدلا من الإلتجاء للقضاء، ولدا لزم أن يصدر حكم المحكمين فاصلا في موضوع النزاع على نحو حاسم . فيستمد المحكمون سلطتهم من اتفاق الأطراف حيث هم الدين يحددون مهمة المحكم و نطاق سلطاته فهو قاضي النزاع وفق ما حدده الأطراف وهو ما أشارت إليه المادة (1040) في فقرتها الثانية "تكون اتفاقية التحكيم صحيحة من حيث الموضوع، إدا استجابت للشروط التي يضعها إما القانون الدي اتفق الأطراف على اختياره أو القانون المنظم لموضوع النزاع أو القانون الدي يراه المحكم ملائما ." وبالتالي المحكم لا يتجاوز ما حدد له فيفصل في المواضيع التي حددها الأطراف موضوع الخلاف ولا يتعدى إلى خلافات أخرى لم تأتي في الإتفاق ادن فيجب أن يصدر المحكمون حكمهم وفقا لقواعد القانون الدي اختاره الأطراف، سواء بالنسبة للإجراءات أو للموضوع ويعد سببا لبطلان الحكم، تجاهل المحكمين لإرادة الأطراف و الحكم وفقا لقانون آخر .

ثانيا: من الناحية الشكلية
يجب وفقا لنص المادة (1029) أن "توقع أحكام التحكيم من قبل جميع المحكمين وفي حالة إمتناع الأقلية عن التوقيع يشير بقية المحكمين إلى دلك، ويرتب الحكم أثره باعتباره موقعا من جميع المحكمين."
كما أنه يجب أن يتضمن حكم التحكيم البيانات و الإيضاحات التالية :
1ـ يلزم أن يضمن المحكمون حكمهم عرضا موجزا لإدعاءات الأطراف و أوجه دفاعهم (المادة 1027 ).
2ـ يلزم أن يكون الحكم مسببا وفقا للفقرة الثانية من المادة (1027 )، و لا يعني استلزام التسبيب إلزام المحكمين بتعقب كل ما أبداه الأطراف أو قدموه من أسانيد أو حجج بل يكفي بيان الأسباب التي تقتضيها طبيعة النزاع و التي يتوفر فيها الحد اللازم لتبرير النتيجة التي انتهى إليها الحكم .
3ـ يجب أن يتضمن الحكم إسم ولقب المحكم أو المحكمين ودلك لمراقبة تطابق هده الأسماء مع الأسماء التي تضمنها اتفاق التحكيم .
4ـ يلزم أن يتضمن الحكم بيان تاريخ و مكان إصداره وتبدو أهمية بيان التاريخ في إثبات صدوره خلال سريان إتفاق التحكيم .
5ـ تضمن أسماء وألقاب الأطراف و موطن كل منهم و تسمية الأشخاص المعنوية و مقرها الاجتماعي، إضافة إلى أسماء و ألقاب المحامين أو من مثل أو ساعد الأطراف، عند الإقتضاء و كل هدا جاء في نص المادة (1028 ).

- وتجدر الإشارة إلى أن القانون الفرنسي يأتي مشابها للجزائري ؛ أما بالنسبة لقواعد المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار فكما سبق الإشارة إلى كيفية صدور الحكم و رأينا ضرورة صدوره بالأغلبية، تجدر الإشارة إلى أن الأمر يتعلق بالحكم المنهي للخصومة و أيضا بأي قرارات قد تتخدها المحكمة . ووفقا لنص المادة (48 ) يجب أن يكون الحكم مكتوبا، متضمنا ما يلي :
1ـ الرد على كل الطلبات الختامية الأساسية التي تم طرحها على المحكمة . وإذا أغلقت إحداها، فيمكن أن تتصدى له بناءا على طلب لأحد الأطراف خلال خمسة و أربعين يوما من تاريخ الحكم .
2ـ يجب أن يكون الحكم مسببا، ولا يجوز للأطراف ـ أي الدولة أو رعية دولة أخرى موقعة ـ الإتفاق على إعفاء المحكمة من التسبيب، فمجرد تقديم طلب التحكيم يعني قبول القواعد المنظمة لخصومة التحكيم التي يضعها المركز، وهدا ما يجب أن يتضمنه الطلب وفقا لنص المادة (36 ).
3ـ يجب أن يوقع المحكمون على الحكم، ويقتصر الالتزام بالتوقيع على المحكمين المؤيدين لصدوره، ويلزم أن يكونوا الأغلبية كما سبق أن أشرنا . ولا يلزم أن يتضمن الحكم بيان أسماء غير الموقعين أو أسباب الإمتناع عن التوقيع . ولكن يجوز للمحكم أن يرفق بالحكم رأيه الخاص، سواء كان مؤيدا أو معارضا أو أن يطلب إثبات معارضته.
بعد صدور الحكم المنهي للخصومة و استيفائه لشروط صحته فإنه يتم إيداع أصل الحكم في أمانة ضبط المحكمة من الطرف الدي يهمه التعجيل كما يتحمل الأطراف نفقات إيداع العرائض و الوثائق و أصل حكم التحكيم وهو ما نصت عليه المادة (1035) من القانون الجزائري و أضافت المادة (1036) على أنه" يسلم رئيس أمناء الضبط نسخة رسمية ممهورة بالصيغة التنفيذية من حكم التحكيم لمن يطلبها من الأطراف."

كما أن بصدور هدا الحكم آثار على مهمة هيئة التحكيم حيث بانتهاء النزاع و الفصل فيه تنتهي مهمة المحكم حسب ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (1030)، و لكن رغم ارتباط بقاء صفة الهيئة بصدور الحكم المنهي للخصومة كلها ،فإن المشرع أبقى لها صفة محدودة لمواجهة حالات محددة تضمنتها نفس المادة المذكورة في الفقرة الثانية حيث قالت : "غير أنهيمكن للمكم تفسير الحكم ،أو تصحيح الأخطاء المادية و الإغفالات التي تشوبه، طبقا للأحكام الواردة في هدا القانون."

[1] د. سميحة القليوبي، المرجع السابق، ص 100.
[2] د. محمود مختار بريري، المرجع السابق، ص 103.
[3] د. هاني سري الدين، المرجع السابق، ص 94.
[4] د. هاني سري الدين، نفس المرجه السابق، ص 96.

[5] تنص المادة (42 ) من القانون المصري أنه "يجوز أن تصدر هيئة التحكيم أحكاما وقتية أو في جزء من الطلبات و دلك قبل إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها "
[6] و بهد الإمكانية التي أتيحت للمحكمين لم يعد متاحا لهم التذرع بضيق الوقت المحدد في المشارطة لتبرير عدم الفصل أو التأخر في الفصل في النزاعـ استئناف باريس ـ 21/01/1988ـ مجلة التحكيم ـ 1988 ـ 306
[7] د. محمود مختار بريري، المرجع السابق، ص 102.
[8] د. محسن شفيق، المرجع السابق، ص 105.
[9] د. عبد الباقي الصغير، المرجع السابق، ص 111.
[10] د. أحمد ابو الوفاء، المرجع السابق، ص 105.
[11] د. محمد شكري سرور، المرجع السابق، ص 42.
[12] د .معوض عبد التواب، المرجع السابق، ص 52.



الفصل الثالث بطلان حكم التحكيم
إذا رفض أحد الأطراف المتنازعة حكم التحكيم الذي أصدرته محكمة التحكيم، فهل يجوز للطرف الذي لم يكن الحكم في صالحه رفع دعوى بطلان التحكيم ؟، وإذا كان ممكن ذلك فبطبيعة الحال محكمة التحكيم لا تقبل هذه الدعوى، إلا إذا كانت مبنية على أسباب ودوافع قوية يمكن الاستناد إليها لإعادة النظر في القضية من جديد. ولكن السؤال المطروح هل سمح المشرح الجزائري في نصوص مواده القانونية برفع دعوى بطلان حكم التحكيم؟ هذا ما سنراه في الدراسة التالية:


المبحـث الأول بطلان حكم التحكيم

في هذا المبحث سوف نتطرق الى معرفة امكانية، جواز الطعن في حكم التحكيم ام هل المشرع اعطاه حصانة اي بمعنى عدم جواز الطعن فيه وهل يستوي في ذلك التحكيم الداخلي مع الدولي، هذا ما سوف نبينه في هذ المبحث


المطلـب الأول عدم جواز الطعن في حكم التحكيم
لم يتطرق المشرع الجزائري في أي نص من نصوص مواده الخاصة بقانون الإجراءات المدنية والإدارية، إلى منع أطراف اتفاق التحكيم من تقديم طلب طعن في حكم التحكيم. ولكن يجب الإشارة إلى نقطة هامة وهي عدم السماح بأي اعتراض على تنفيذ أحكام التحكيم الدولية، وهذا ما أكده نص المادة 1032 " أحكام التحكيم غير قابلة للمعارضة ". إلا أن اعتراض القاضي برفض التنفيذ يجوز فيه الاستئناف حسب نص المادة 1055 " يكون أمر القاضي برفض التنفيذ قابلا للاستئناف، ولكن في بعض الحالات المنصوص عليها فـي المـادة 1056.[1]

- أما المشرع المصري فيختلف تماما في هذه النقطة عن المشرع الجزائري، إذ في نص مادته 52/1 ([2]) يؤكد على عدم إمكانية الطعن في أحكام التحكيم بأي طريقة من الطرق فأقام عليها نوعا من الحصانة، مما جعلها تسمو حتى على أحكام القضاء التي تخضـع للاستئنـاف.
و هذه الحصانة تتمتع بها كل أحكام التحكيم التي تصدر وفقا لأحكام قانون التحكيم أي أحكام التحكيم الذي يجري في مصر سواء كان تحكيما وطنيا أو دوليا، أو أحكام التحكيم الذي يجري في الخارج، واتفق أطرافه على إخضاعه للقانون المصري[3].
إلا أن المادة 511[4] كانت تسمح بالطعن في حكم التحكيم عن طريق - التماس إعادة النظر - وذلك وفقا لأحكام المادة 241، باستثناء الحالة التي تتعلق بحكم يقضي بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه. إذ يعتبر هذا سببا من أسباب بطلان حكم التحكيم أما بقية الحالات فيسمح فيها الطعن بالتماس إعادة النظر[5].
و وفقا لنص المادة 52/1 من القانون الجديد[6] لم يعد ممكنا رغم توفر حالة من هذه الحالات الطعن في الحكم، الذي لم يعد متاحا إلا طلب بطلانه لأسباب سنراها فيما بعد.
وأخيرا نطرح السؤال التالي: هل كان المشرع المصري موفقا في إلغاء طريق الطعن بالتماس إعادة النظر؟



المطلب الثاني الطعن في حكم التحكيم وفقا للقانون الجزائري
من خلال نصوص المواد نلاحظ أن المشرع الجزائري فرق بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي فأجاز إمكانية الطعن بالاستئناف في التحكيم الداخلي كما نصت على ذلك المادة 1033، ما لم يتنازل الأطراف عن حق الطعن بالاستئناف " يرفع الاستئناف في أحكام التحكيـم ... ما لم يتنازل الأطـراف عن حـق الاستئناف في اتفاقية التحكيـم ". أو الطعن بالنقض طبقا للأحكام المنصوص عليها في المادة 1034 " تكون القرارات الفاصلة في الاستئناف وحدها قابلة للطعن بالنقض "([7]) .
فالاستئناف يؤدي إلى إعادة طرح النزاع من جديد، كما يسمح بتصحيح الحكم سواء من ناحية الشكل أو الموضوع فهو نظر للموضوع من جديد أي دراسته دراسة دقيقة والوقوف عند الأسباب والمستندات التي أدت إلى بطلان الحكم. و عليه فأحكام التحكيم الداخلية قابلة للطعن بالاستئناف أو الطعن بالنقض.
- أما بالنسبة لأحكام التحكيم الدولي فلا تسرى على أحكامها طرق الطعن التي رأيناها في التحكيم الداخلي، ولذلك فأحكام التحكيم الدولية الصادرة في الجزائر يكون متاحا فيها طلب طعن بالبطلان حسب نص المادة 1058 " يمكن أن يكون حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر موضوع طعن بالبطلان " في حالات. أما الأحكام الصادرة في الخارج فلا تخضع للاستئناف أو طلب البطلان، ونجد ذلك في المادة 1058 " لا يقبل الأمر الذي يقضي بتنفيذ حكم التحكيم الدولي أي طعن وإنما يمكن استئناف القرار الصادر بالاعتراف وتنفيذ الحكم طبقا لنص المادة 1055 يكون أمر القاضي برفض الاعتراف ..... قابلا للاستئناف " وذلك في حالات منصوص عليها في المادة 1056 وتشمل ما يلي: ([8])
1- إذا فصلت محكمة التحكيم بدون اتفاقية تحكيم أو بناء على اتفاقية باطلة أو انقضاء مدة الاتفاقية.
2- إذا كان تشكيل محكمة التحكيم أو تعيين المحكم الوحيد مخالفا للقانون.
3- إذا فصلت محكمة التحكيم بما يخالف المهمة المسندة إليها.
4- إذا لم يراع مبدأ الوجاهية.
5- إذا لم تسبب محكمة التحكيم حكمها، أو إذا وجد تناقض في الأسباب.
6- إذا كان حكم التحكيم مخالفا للنظام العام الدولي.

و يمكن أن تكون هذه الحالات موضوع طلب بطلان الحكم الدولي الصادر في الجزائر.
نلاحظ أن المشرع اختلف في طريقة التعامل مع أحكام التحكيم الدولي الصادر في الجزائر والصادر في الخارج، فكيف نعلل هذا الاختلاف، ربما يرجع إلى أن حكم التحكيم الصادر في الجزائر يمكن أن يندمج ويصبح جزاءا من النظام القانوني الجزائري، مما يحتم السماح بطلب بطلانه، أما الصادر في الخارج فيكفي منع الاعتراف به وتنفيذه.
نستنتج من خلال ما سبق أن المشرع الجزائري كان موفقا في تحديد طرق الطعن الخاص بالتحكيم الدولي، لأن طبيعة اتفاق التحكيم تقتضي السرعة وعدم الإطالة في حل النزاع للخروج بحكم يرضي جميع الأطراف.



المطلـب الثالـث الطعن في حكم التحكيم وفقا للقانون الفرنسي

يفرق المشرع الفرنسي بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي، فأعطى لأحكام التحكيم الداخلي حق الطعن بالاستئناف([9])، إلا إذا تضمن اتفاق التحكيم ما يفيد تنازل الأطراف عن حق الطعن بالاستئناف، أو كان المحكم مفوضا بالحكم وفقا لقواعد العدالة والإنصاف، ومع ذلك يجوز للأطراف حتى مع هذا التفويض التحفظ وتضمين اتفاق التحكيم ما يفيد تمسكهم بإمكانية الطعن بالاستئناف([10])، فالاستئناف هو نظر للموضوع من جديد.
يستنتج من هذا أن المشرع الفرنسي سمح بإمكانية الطعن بالاستئناف أو الطعن بالبطلان، أما إذا تم التنازل عن حق الاستئناف أو كان التحكيم تحكيما مع التفويض دون أن يقترن بالتمسك بإمكانية الاستئناف[11]، ففي هذه الحالات لا تبقى سوى إمكانية الطعن بالبطلان أو التماس إعادة النظر([12]).
هذا فيما يخص أحكام التحكيم الداخلي أما بالنسبة لأحكام التحكيم الدولي فتختلف عنها، بحيث لا يجوز استئناف أحكام التحكيم الصادرة في الخارج أو الصادرة في منازعات دولية، ويكون متاحا فحسب طلب البطلان بالنسبة لأحكام التحكيم الدولية الصادرة في فرنسا، أما الأحكام الصادرة في الخارج فلا تخضع للاستئناف أو طلب البطلان، وإنما يمكن استئناف القرار الصادر بالاعتراف وتنفيذ الحكم، فموقف القاضي الفرنسي يتحدد بالحكم بعدم الاعتراض أي عدم الاعتراف بالحكم أو تنفيذه في فرنسا[13].
يتضح من مجمل ما سبق أن نهج المشرع الفرنسي ونهج المشرع الجزائري تبنيا نصوصا قانونية متشابهة مما جعلهما متطابقان تقريبا.



المبحـث الثانـي إمكانية رفع دعوى بطلان حكم التحكيم
رأينا مسبقا أن قانون الإجراءات المدنية الجزائري سمح في مواده 1033 و 1034 بإمكانية الطعن بالاستئناف والطعن بالنقض، ما لم يتنازل الأطراف عن حق الاستئناف في اتفاقية التحكيم، وسواء كان متاحا لأطراف الطعن بالاستئناف أو الطعن بالنقض، ففي الحالتين يجب توفر أسباب يمكن الاستناد إليها لرفع دعوى البطلان.
ولكن لم يوجد نص صريح في أحكام التحكيم الداخلي يشمل الحالات التي على أساسها ترفع دعوى البطلان، لهذا فإننا استخرجنا الأسباب من أحكام التحكيم العامة الواردة في نصوص المـواد القانونيـة:



المطلـب الأول الأسباب التي يجب توافرها لرفع دعوى البطلان
سوف نبين في هذا المطلب تلك الاسباب التي تقتضي رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وهي كالآتي:
1- عدم وجود اتفاق تحكيم أو بطلانه أو انقضاء مدته:
كما نعلم أنه لكي يكون اتفاق التحكيم صحيحا يجب توفر شرط التراضي بمعنى قبول الطرفين اللجوء عند النزاع إلى التحكيم، كما يستلزم المشرع الجزائري الكتابة لوجود و صحة شرط التحكيم، وكذلك " يجب أن يتضمن اتفاق التحكيم، تحت طائلة البطلان موضوع النزاع وأسماء المحكمين وبيان طريقة تعيينهم " وفقا لنص المادة 1012.
أما بالنسبة للانقضاء فشرط التحكيم ينقضي بانقضاء المدة المحددة للعقد، وتتمثل سلطة المحكمة في التحقق من وجود أو بطلان أو انقضاء اتفاق التحكيم، أما إذا لم يحدد أجل لإنهائه فيعد اتفاق التحكيم صحيحا ومن تم يلزم المحكمون بإتمام مهمتهم في ظرف أربعة أشهر نص المادة 1018.

2- وجود مخالفة للقانون في تشكيل محكمة التحكيم أو تعيين المحكم الوحيد:
ويتعلق الأمر بالخروج على النصوص المنظمة لتشكيل المحكمة أو تعيين المحكمين، فأمر تعيين المحكمين متروك لاتفاق الأطراف، أما إذا اعترضت صعوبة في تشكيل محكمة التحكيم بفعل أحد الأطراف أو بمناسبة تنفيذ إجراءات تعيين المحكمين فيتم تعيينهم من قبل رئيس المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها محل إبرام العقد وفقا لنص المادة 1009، بالإضافة إلى استلزام وترية العدد المادة 1017، اكتمال أهلية المحكمة " لا تسند المهمة لشخص طبيعـي، إلا إذا كـان متمتعا بحقوقـه المدنية نص المـادة 1014 و إعلان المحكمين عن قبولهم بالمهمة المسندة إليهم. بالإضافة إلى التزام هيئة التحكيم بعدم قبول طلب رد المحكم إلا في حالات نصت عليها المادة 1016 مثلا وجود سبب رد منصوص عليه في نظام التحكيم الموافق عليه من قبـل الأطـراف.
فإذا علم جميع الأطراف بوجود مخالفة في شروط تشكيل محكمة التحكيم ولم يقدم أي طرف اعتراضه في الوقت المحدد والتزموا الصمت، فصل المحكم بناء على ما قدم إليه حسب نص المادة 1022 ولم يعد سبب الرفع دعوى البطلان.

3- إذا فصلت محكمة التحكيم بما يخالف المهمة المسندة إليها:
يعني هذا أنه يجب على محكمة التحكيم الفصل في النزاع في حدود المهمة المسندة إليها، أي الفصل في المسائل التي يشملها اتفاق التحكيم، وعلى هذا الأساس المشرع الجزائري توسع بقدر كبير في هذا السبب، حيث عالج كل المسائل الخاصة بمخالفة المبادئ الموجهة للدعوى واحترام حقوق الدفاع فألزم المحكمة الفصل في إطار الاختصاص الخاص بها مع وجوب إثارة الدفع بعدم الاختصاص قبل أي دفاع في الموضوع، وأن يكون الفصل بحكم أولي إلا إذا كان الدفع بعدم الاختصاص مرتبطا بموضوع النزاع أحكام المادة 1044، بالإضافة إلى نص المادة 1050 الذي يلزم محكمة التحكيم بأن تفصل وفقا لقواعد القانون الذي اختاره الأطراف أو حسب قواعد القانون والأعراف.
وبالتالي فهي لا تملك من نظرها خارج حدود موضوع النزاع، وضمانا لتحديد اختصاص محكمة التحكيم نصت المادة 1027 على ضرورة تحديد موضوع الخلاف وظروفه مع أدق تفاصيله، فإن ثبت أن محكمة التحكيم فصلت فيما لم يكن مطروحا عليها أو تجاوزت حدود اتفاق التحكيم، يحق للطرف صاحب المصلحة رفع دعوى البطلان تأسيسا على تجاوز محكمة التحكيم لحدودها.

4- إذا لم يراع مبدأ الوجاهية:
وهذا المبدأ يتصل باحترام حقوق الدفاع ويلزم المحكم بألا يعتد في حكمه بأي دفاع أو مستندات قدمت في الدعوى من قبل الأطراف إلا إذا أتيحت الفرصة لهؤلاء الأطراف للتفاوض بشأنها وجها لوجه، فالإخلال بالمساواة وتهيئة الفرص المتكافئة للأطراف لإبداء دفاعهم وعرض وجهة نظرهم يعد سببا يبرر طلب بطلان حكم التحكيم.

5- إذا لم تسبب محكمة التحكيم حكمها:
بما أن نص المادة 1027 "يستلزم أن تكون أحكام التحكيم مسببة"، فيلاحظ من نص المادة أن عدم تسبيب محكمة التحكيم حكمها، يمكن أن يكون سببا لدعوى البطلان فـي القانـون الجزائـري.

6- إذا كان حكم التحكيم مخالفا للنظام العام الجزائري:
تكون مسألة مخالفة حكم التحكيم للنظام العام سندا لرفع دعوى البطلان إذا خرج المحكم عن قاعدة تتعلق بالنظام العام الجزائري، أي صدور الحكم متضمنا ما يخالف النظام العام الجزائري، فهو يمثل الأسس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يرتكز عليها كيان الدولة بالإضافة إلى الآداب العامة، ولكن المقصود من هذا أن يتضمن الحكم فعلا ما يخالف النظام العام الجزائري، مثلا إبرام الورثة اتفاقا بشأن تركة مستقبلية إبان حياة مورثهم وتضمن الاتفاق شرط تحكيم، وثار نزاع بين الورثة وعرض الأمر على محكمة التحكيم فأقرت الاتفاق وأصدرت حكمها بتسوية النزاع، فإن الحكم يكون باطلا لمخالفته للنظام العام الجزائري، أما إذا أصدرت المحكمة حكمها ببطلان الاتفاق فإن الحكم يكون صحيحا.

7- عدم تضمين الحكم أسماء المحكمين وتوقيعاتهم:
لقد اهتم المشرع الجزائري بضرورة تضمين حكم التحكيم البيانات التالية:
أسماء المحكمين، تاريخ ومكان صدور الحكم، أسماء وألقاب الأطراف، بالإضافة إلى توقيع الحكم من قبل جميع المحكمين، وفي حالة امتناع الأقلية عن التوقيع يشار إلى ذلك، وفقا لنصوص المواد 1028، 1029، فإن لم يتضمن حكم التحكيم البيانات التي سبق ذكرها اعتبر هذا سببا ودافعا قويا لرفع دعوى بطلان حكم التحكيم.
هذه الأسباب تتعلق بالتحكيم الداخلي، أما أحكام التحكيم الدولية فيجوز فيها كما رأينا مسبقا طلب طعن بالبطلان واستئناف القرار، وفي الحالتين يجب توفر أسباب والتي على أساسها يمكن رفع الدعوى، وهذا ما حدده نص المادة 1056 ويشمل الحالات التالية:

أسباب بطلان أحكام التحكيم الدولية الصادرة في الجزائر:
1- فصل محكمة التحكيم بدون اتفاقية تحكيم أو بناء على اتفاقية باطلة أو انقضاء مدة الاتفاقية:
يسري في هذا الخصوص - بصفة عامة - ما ذكر في التحكيم الداخلي كما سبق الإشارة إليه، مع مراعاة أن التحكيم الدولي الصادر في الجزائر هو الآخر يستلزم الكتابة أو أي وسيلة اتصال أخرى تجيز الإثبات بالكتابة، هذا من حيث الشكل، أما من ناحية الموضوع ولكي يكون اتفاق التحكيم صحيحا يجب أن يتضمن الشروط التي يضعها إما القانون الذي اختاره الأطراف أو القانون الذي يراه المحكم ملائما، أو المنظم لموضوع النزاع نـص المـادة 1040، كما لا يمكن الاحتجاج بعدم صحة اتفاق التحكيم بسبب عدم صحة العقـد الأصلي.

2- إذا كان تشكيل محكمة التحكيم أو تعيين المحكم الوحيد مخالفا للقانون:
بطبيعة الحال مسؤولية تعيين المحكمين ترجع إلى اتفاق الأطراف، فنص المادة 1041 يمكن الأطراف من تعيين المحكم أو المحكمين سواء مباشرة أو بالرجوع إلى نظام التحكيم، وتحديد شروط تعيينهم وعزلهم، وفي حالة صعوبة تعيين المحكمين أو عزلهم فيجوز للطرف الذي يهمه التعجيل رفع الأمر إلى رئيس المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها التحكيم، إذا كان هذا التحكيم يجري في الجزائر.

3- فصل محكمة التحكيم فيما يخالف المهمة المسندة إليها:
تستدعي هذه الحالة كما نعلم ضرورة الفصل في إطار المهمة المسندة لمحكمة التحكيم، دون تجاوز في حدود المهمـة، وهذا ما نصت عليه المواد 1044، 1046 1047، 1050، فمحكمة التحكيم ملزمة بأن تفصل في إطار اختصاصها، وتتولى كذلك البحث عن الأدلة وإذا اقتضت الضرورة مساعدة السلطة القضائية في تقديم الأدلة جاز لمحكمة التحكيم أو للأطراف بالاتفاق مع المحكمة بعد الترخيص له من طرف محكمة التحكيم، أن يطلبوا عريضة تدخل القاضي المختص، ويطبق في هذا الخصوص قانون بلد القاضي، ويكون الفصل عملا بقواعد القانون الذي اختاره الأطراف.

4- إذا لم يراع مبدأ الوجاهية:
هذا المبدأ يتصل كما سبق ذكره باحترام حقوق الدفاع، لهذا كان من الضروري أيضا أن يستند إليه المشرع في إمكانية رفع دعوى بطلان حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر، وهذا ما نجده في نص المادة بحيث إذا لم يتمكن أحد الأطراف من الحضور للمناقشة أمكنه ذلك تقديم طعن ببطلان الحكم.

5- إذا لم تسبب محكمة التحكيم حكمها، أو إذا وجد تناقض في الأسباب:
المشرع الجزائري أكد على ضرورة تسبيب أحكام التحكيم الدولي الصادر في الجزائر من خلال حصره لهذه الحالة في نص المادة 1056، فإذا لم تكن الأحكام مسببة تعرض الحكم الصادر إلى إمكانية طلب بطلانه، وكذلك عدم وجود تناقض في الأسباب التي أدت إلى قيام النزاع.

6- إذا كان حكم التحكيم مخالفا للنظام العام الدولي:
المشرع اعتبر هذه الحالة سببا لطلب بطلان حكم التحكيم، لأن المادة 1051 تعرضت في نصها على أن الاعتراف بأحكام التحكيم الدولي الصادر في الجزائر، يتم إذا أثبت التمسك بوجودها، بشرط أن يكون هذا الاعتراف غير مخالف للنظام العـام الدولي و تعتبر قابلة للتنفيذ في الجزائر و بنفس الشروط.
كما هو واضح من كل ما سبق أن حالات التحكيم الداخلي و حالات التحكيم الدولي الصادر في الجزائر متطابقة.



المطلـب الثانـي أسباب بطلان أحكام التحكيم في ظل القانون الفرنسي

رأينا فيما سبق أن قانون المرافعات الفرنسي يسمح باستئناف حكم التحكيم، إلا إذا تنازل عنه الأطراف مسبقا، أو كان التحكيم مقترنا بتفويض المحكمين ولم يحتفظ الأطراف بحق الاستئناف. وسواء كان متاحا لأطراف الطعن بالاستئناف أو كان هذا الطريق مغلقا، ففي الحالتين يجوز طلب بطلان حكم التحكيم. على أنه في حالة بقاء إمكانية الطعن بالاستئناف، فيجب إتباع هذا الطريق مع بيان الغرض في صحيفة الاستئناف[14]، أي تحديد المقصود هل هو الاستئناف بهدف – مراجعة الحكم موضوعيا – وفقـا لنص المـادة 1482، أم – الاستئناف لتقرير البطلان – وفقـا لنص المادة 1484، ولكن يختلف الأمر إذا كـان باب الاستئناف موصدا لتنازل الأطراف عنه مسبقا أو لعدم تحفظهم في حالة التحكيم بالتفويض، فهنا لا يبقى سوى دعوى البطلان التي حددت حالاتها المادة 1484 والتي تسمح برفع هذه الدعوى وهي تشمل ما يلي:([15])

1- عدم وجود اتفاق تحكيم أو بطلانه أو انقضاؤه:
يسري في هذا الخصوص بصفة عامة ما ذكرناه في القانون الجزائري، كما يجب الإشارة إلى أن القانون الفرنسي يستلزم هو الآخر الكتابة لوجود وصحة شرط التحكيم مع جزاء البطلان، أما بالنسبة للمشارطة فالكتابة شرط إثبات، وكذلك يستلزم تسمية المحكمين وبيان طريقة تعيينهم. وإذا تعلق الأمر بشرط التحكيم، فيقتصر جوازه على المسائل التجارية، أما التحقق من وجود أو بطلان أو انقضاء اتفاق التحكيم فيكون من اختصاص المحكمة وقد يقتضي ذلك مراجعة الحكم للتحقق من وجود اختصاص للمحكم، وحدود هذا الاختصاص ولذلك يذهب البعض إلى جواز امتداد سلطة القاضي لفحص الواقع والقانون حتى يتمكن من تحديد وجود سند لاختصاص المحكم، وفقا لأحكام أصدرها القضاء الفرنسي في مجال التحكيم التجاري الدولي وهي تسري كذلك على التحكيم الداخلي، لأن النصوص التي تعالج بطلان الحكم متطابقة[16].

2- وجود مخالفة للقواعد الخاصة بتعيين المحكم أو تشكيل محكمة التحكيم:
و يتعلق الأمر بالخروج على النصوص المنظمة لتشكيل المحكمة أو تعيين المحكمين و لكن حسب نص المادة 432/2 من قانون المرافعات يجب إثارة الدفع بمخالفة قواعد تشكيل المحكمة مع بدء المرافعة وإلا اعتبر الصمت نزولا ومظهرا للعيب([17]) الذي لم يتم التمسك به باستثناء حالة تعلق الأمر بقاعدة آمرة تمس النظام العام، كاستلزام وترية العدد، و رغم أن هذه القاعدة تتعلق بحماية مصالح الأطراف، إلا أن البعض يرى ضرورة التمسك بالبطلان ولا تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها، والبطلان المترتب على مخالفتها بطلان نسبي.([18])

3- إصدار المحكم للحكم دون التزام بحدود مهمته:
وهي فصل المحكم كما رأينا في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم، إلا أن المشرع الفرنسي حسب نص المادة 1484 جاء بصياغة فضفاضة إلى حد أن الفقه عالج تحت هذا السبب المسائل الخاصة بمخالفة المبادئ الموجهة للدعوى واحترام حقوق الدفاع[19]، أو قيام المحكمين بالفصل وفقا لقواعد العدالة والإنصاف دون وجود تفويض من الأطراف([20]) بالإضافة إلى قيام المحكمين بالفصل فيما لم يطلب منهم حتى لو كان متصلا بموضوع النزاع، وهذا لا علاج له بواسطة المحكم سوى رفع دعوى البطلان[21].

4- عدم احترام مبدأ المواجهة:
وهذا المبدأ يتصل باحترام حقوق الدفاع، والذي أوردته المادة 53/ج و ز من القانون المصري، و الذي كرسته المادة 16 مرافعات فرنسي والتي تلزم القاضي بألا يعتد في قضائه بأي دفاع أو إيضاحات أو مستندات قدمت في الدعوى من الأطراف، إلا إذا أتيحت الفرصة لهؤلاء الأطراف للتناضل بشأنها وجها لوجه.

5- عدم تسبيب الحكم:
تنص المادة 1484/5 على إمكانية رفع دعوى البطلان في كل الحالات المنصوص عليها في المادة 1480، و أول هذه الحالات، حالة مخالفة المادة 1471/2 و التي تستلزم تسبيب حكم التحكيم، ويسرى الالتزام بالتسبيب حتى على التحكيم مع التفويض([22]) ويلزم عدم تناقض الأسباب وإلا أمكن الطعن بالبطلان.([23])

6- عدم تضمين الحكم بيانا بأسماء المحكمين أو بيان تاريخ الحكم:
و يربط البعض اهتمام المشرع الفرنسي بذكر أسماء المحكمين بشرط أن يكونوا من الأشخاص الطبيعيين([24]) وبشرط استمرار مباشرتهم لسير عملية التحكيم وتوقيعهـم علـى الحكـم.
أما بيان التاريخ فمرجعه إلى تحديد ما إذا كان قد صدر أثناء سريان ميعاد التحكيم من عدمه، إذ بفوات الميعاد ينتفي سند المحكم وصفته في إصدار الحكم.

7- عدم توقيع جميع المحكمين، أو عدم ذكر رفض الأقلية:
المشرع الفرنسي لم يستلزم سوى ذكر واقعة رفض الأقلية دون استلزام بيـان أسبـاب الرفـض.

8- الإخلال بقاعدة تتعلق بالنظام العام:
و ينصرف هذا السبب إلى خروج المحكم على قاعدة تتعلق بالنظام العام، فلا تنصرف هذه الحالة إلى عدم قابلية النزاع للتسوية عن طريق التحكيم لأن هذا يعد سببـا لبطـلان الاتفـاق.

([1]) المواد 1032، 1055، 1056 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
([2])فقرة المادة 52/1 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أنه:" لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقا لأحكام هذا القانون الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن ".
[3] د. محمود مختار بريري، المرجع السابق، 123.
([4]) المواد 511 – 241 من قانون المرافعات المصري.


[5] د. أحمد أبو الوفا، المرجع السابق، ص 152.
([6]) المادة 52/1 من القانون الجديد[6]
([7])المواد 1033 – 1034 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
([8])المادة 1056 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجزائري.
([9]) تنص المادة 1481 على جواز الطعن بالاستئناف.
([10]) المادة 1482 من قانون المرافعات الفرنسي.
- د. محسن شفيق، المرجع السابق، ص 103[11]
([12]) المادة 1491 خاصة بالنظر بالالتماس.
د. أحمد أبو الوفا، المرجع السابق، ص 123.[13]
د. محمود مختار بريري، المرجع السابق، ص 125.[14]
([15]) المواد 1482، 1484 من قانون المرافعات الفرنسي.
د. هاني سري الدين، المرجع السابق، ص 126.[16]
([17]) استئناف لسنة 17/11/1986.
([18]) روبرت – جين – ص 211.
د. سميحة القليوبي، المرجع السابق، ص 148.[19]
([20]) روبرت – جين – ص 211.
د. نحند شكري سرور، المرجع السابق، ص 163.[21]
([22]) استئناف باريس 05/02/1967.
([23]) استئناف باريس 13/11/1980.
([24]) روبرت جين، ص 215، ولكن الخطأ المادي في أسماء الأطراف لا يعد سببا للبطلان.



المطلـب الثالـث أسباب بطلان أحكام التحكيم في ظل القانون المصري:

وفقا لنص المادة 53/1 لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الحالات التالية:
1- عدم وجود اتفاق تحكيم أو بطلانه أو قابليته للإبطال أو سقوطه بانتهاء مدته:
رأينا عند دراسة اتفاق التحكيم أنه يخضع للقواعد العامة، فيلزم توافر التراضي الصحيح الذي يبنى عن إيجاب وقبول الالتجاء الاختياري للتحكيم، ويلزم أن ينصب الاتفاق شرطا أو مشارطة على موضوع قابل للتسوية بطريق التحكيم، كما يلزم تحديد موضوع النزاع إذا تعلق الأمر بمشارطة التحكيم وإلا اعتبرت باطلة.
و فضلا عن الشروط الموضوعية يجب أن يكون الاتفاق مكتوبا([1])، فإذا لم يتوفر أحد الأركان السابقة موضوعية أو شكلية فإن الاتفاق يكون باطلا، أما إذا تعلق الأمر ببطلان نسبي([2])، فإن الاتفاق يكون قابلا للإبطال. أما حالة عدم وجود اتفاق تحكيم([3])، فإنه لم ينشأ أصلا أي اتفاق على التحكيم. بعكس وجود اتفاق اختل ركن يؤدي إلى بطلانـه أو قابليته للإبطال، ولكن إذا نشأ الاتفاق صحيحا فهو يرتب آثاره القانونية طالما ظل الاتفاق قائما، وهنا تجدر التفرقة بين شرط التحكيم و مشارطة التحكيم.
فشرط التحكيم يظل قائما منتجا لآثاره طالما ظل العقد الأصلي قائما، أما مشارطة التحكيم فهي مقترنة بمدة معينة لصلاحيتها، فإذا انقضت سقط الحق في التمسك بوجودها.([4])
و إذا تحقق بطلان اتفاق التحكيم أو سقوطه، فإن الحكم الذي يصدر لا يمكن اعتباره صحيحا حتى لو اقترن بتسوية تم الاتفاق عليها بين الأطراف استنادا إلى هذا الحكم الباطل الذي تضمن هذه التسوية.

2- تعذر إبداء دفاع الخصوم:
المشرع المصري تعرض في نص الفقرة ج([5]) إلى هذه الحالة واعتبرها سببا من أسباب بطلان حكم التحكيم، لأن تعذر تقديم أحد الأطراف لدفاعه يمثل الإخلال بالمبادئ الأساسية الموجهة لسير الدعاوي، فالإخلال بالمساواة وتهيئة الفرص المتكافئة للأطراف لإبداء دفاعهم وعرض وجهة نظرهم يعد سببا يبرر طلب بطلان حكم التحكيم.
ولذلك نجد مبررا القول بإمكانية الاستناد إلى هذا السبب إذا تعذر على أحد الأطراف تقديم الدليل على تزوير الأوراق، ففي هذه الحالة كان متعذرا على الخصم تقديم أوجه دفاعه التي قدمت لتغير وجه الحكم في خصومه التحكيم[6]، ولكن يجب أن يتوفر ذلك لطالب البطلان قبل انقضاء ميعاد رفع دعوى البطلان، فلا يمكنه الاحتجاج ببدء سريان الميعاد من تاريخ علمه بهذه الوقائع، و القاضي مخول بإصدار الحكم الذي يقضي ببطلان الحكم لثبوت تعذر تقديم دفاع لم يتيسر للخصم الحصول عليه إلا بعد صدور الحكم و قبل انقضاء ميعاد دعوى البطلان، بشرط إثبات تعذر الحصول على هذا الدفاع لسبب خارج عن إرادة طالب البطلان[7].

3- استبعاد تطبيق قانون الإرادة على موضوع النزاع:
لقد أخذ المشرع المصري بمبدأ سلطان الإرادة، وهذا واضح من خلال النص الصريح([8]) فاختيار الأطراف للقانون الذي يحكم الموضوع ينصرف إلى القواعد الموضوعية التي يتضمنها هذا القانون، وفي هذه الحالة هيئة التحكيم لا تتلقى أي صعوبة إذ يتحتم عليها الفصل في النزاع وفقا للقواعد الموضوعية التي يتضمنها القانون المحدد باتفاق الأطراف، فإذا اتفق الأطراف على اختيار القانون الذي تؤدي إليه قواعد تنازع القوانين في قانون معين، فهل يعد الاختيار ملزما لهيئة التحكيم؟ نرجح أن الهيئة ملزمة لأن القانون الذي أدت إليه قاعدة التنازع هو في النهاية قانون الإرادة، لأن قاعدة التنازع التي تم الاتفاق عليها هي التي أدت إلى تحديد هذا القانون الذي يعد ثمرة غير مباشرة لاتفاق الأطراف، ولكن يختلف الأمر لو ترك الأطراف تحديد القانون الواجب تطبيقه على الموضوع لقواعد تنازع القوانين التي تختارها الهيئة أو قواعد التنازع، فهنا لا يعتبر هذا القانون نتيجة لإرادة الأطراف([9])،فصياغـة النص واضحة في أن سبب البطـلان يرتبط – باستبعاد – هيئة التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع، والنتيجة المنطقية لهذا النص أن سبب البطلان لا يتحقق إذا قام المحكمون بتطبيق القانون المتفق عليه.

ولكن هل يتحصن حكم التحكيم ضد دعوى البطلان لمجرد إعلان تطبيق قانون الإرادة إذا ثبت أنه أهمل نصوص هذا القانون وشوهها تشويها يجعله معادلا لعدم إعمالها أصلا؟، يرى الأستاذ الدكتور "أكثم الخولي" أن الخطأ الجسيم في تطبيق قانون الإرادة يعادل استبعاده ويسمح بطلب البطلان وهو نفس ما اتجهت إليه اللجنة المشتركة. والواقع أن المسخ أو الخطأ في تطبيق القانـون مهما كانت جسامته لا يعـادل الاستبعاد، فالمسخ أو الخطأ الجسيم أسباب تبرر استئناف الحكم لا بطلانه. و رغم ذلك رجح ما انتهى إليه الدكتور "أكثم الخولي" واللجنـة المشتركـة[10].
وتجدر الإشارة في النهاية إلى أن الاستناد إلى مخالفة الهيئة واستبعادها لقانون إرادة الأطراف، يفترض تصدي الأطراف واتفاقهم على تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، أما إذا لاذوا بالصمت فالهيئة تطبق القواعد الموضوعية في القانون الذي تراه أكثر اتصالا بالنزاع، ولا يمكن رفع دعوى بطلان تأسيسا على أن الهيئة أساءت اختيار القانون فهم بصمتهم ارتضوا ممارسة الهينة لسلطاتها التقديرية فلا سند لهم في طلـب البطـلان[11].

4- مخالفة القانون أو اتفاق الأطراف بشأن تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين:
كيفية تشكيل الهيئة متروك كما نعلم لاتفاق الأطراف، وإذا تعثر تشكيل الهيئة لأي سبب سواء لاختلاف الأطراف أو لاختلاف المحكمين يمكن الالتجاء للقضاء الذي يتخذ الإجراء المطلوب كتعيين المحكم الوحيد.
رأينا أن الأمر يتعلق في معظم الأحوال بنصوص مقررة تكمل إرادة الأطراف وذلك باستثناء القواعد الآمرة، كاستلزام وترية العدد، واكتمال أهلية المحكم، والتزام المحكم عند إعلان قبوله الكتابي للمهمة بالإفصاح عن أية ظروف تثير الشك حول استقلاله أو حيدته، أو التزام الهيئة بعدم قبول طلب الرد، فإذا باشر المحكم لمهمته دون كتابة و دون اعتراض حتى صدور الحكم، لا يجعل الحكم معرضا لدعوى البطلان وكذلك إذا أفصح المحكم عن الظروف التي قد تمس حيدته واستقلاله، ورغم ذلك ارتضى الأطراف استمراره في مهمته، فلا يحق للأطراف بعد ذلك رفع دعوى البطلان، أما إذا كان هناك كتمان المحكم لهذه الظروف فيكون لذي المصلحة رفع دعوى البطلان[12].

5- فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو تجاوزه لحدود هذا الاتفاق:
السلطة المخولة لهيئة التحكيم كما نعلم هي النظر في موضوع النزاع الذي اتفق الأطراف على عرضه عليها، فهي لا تملك مد نظرها خارج حدود هذا النزاع، وعلى هذا الأساس حدد المشرع اختصاص هيئة التحكيم في نصوص مواده([13])، وضمانا لهذا الاختصاص المحدد لمهمة هيئة التحكيم[14].
يرى المشرع أنه:
إذا تعلق الأمر بشرط تحكيم، فيجب تحديد موضوع النزاع في بيان الدعوى الذي يرسله المدعي إلى المدعى عليه وإلى المحكمين خلال الميعاد المتفق عليه، أو الميعاد الذي تحدده الهيئة وفقا لنص المادة 30/1.
أمـا إذا تعلق الأمر بمشارطة تحكيـم فإنها تكـون باطلة إذا لم تتضمن تحديـد – المسائل التي يشملها التحكيم – فالهيئة ملزمة عند إصدار حكمها بالفصل في المسائل المطروحة عليها، والتقيد بدقة في تحديد نطاق اختصاصها، كما قضى بأن ولاية المحكم لا تمتد للمسائل الفرعية لعدم انطباق قاعدة أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع، ويقتضي إصدار الحكم ببطلان حكم التحكيم تأسيسا على هذا السبب تمسك ذي المصلحة به، مثلا إذا رفعت دعوى البطلان تأسيسا على مخالفة القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع، وتبين للمحكمة أن هيئة التحكيم فصلت فيما لم يكن مطروحا عليها أو تجاوزت حدود الاتفاق، فإن المحكمة لا تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها، لأن المسألة لا تتعلق بالنظام العام، وإنما يجب أن يتمسك أحد الأطراف بطلب البطلان تأسيسا على تجاوز الهيئة للحدود الواردة في اتفاق التحكيـم.([15])

6- وقوع بطلان في حكم التحكيم أو في إجراءات التحكيم على نحو أثر في الحكم:
لقد رأينا فيما سبق الشروط التي يجب توافرها في حكم التحكيم، والتي يتحقق بطلان الحكم إذا لم تتوافر مثلا صدور الحكم شفاهة، أو دون توقيعه من الأغلبية، ولكن لا يعتبر سببا للبطلان إذا وقع خطأ مادي في أسماء المحكمين أو الأطراف أو عناوينهم، أما خلو الحكم أصلا من أي بيان من هذه البيانات السابق تفصيلها فمن شأنه تعريض الحكم للبطلان. فلا يقتصر الأمر على وقوع بطلان في الحكم، و إنما يتعرض حكم التحكيم لدعوى البطلان، إذا لحق الإجراءات بطلان أثر في الحكم، فيلزم أن يكون ما شاب الإجراء من بطلان قد انعكس على الحكم[16].
فالعبرة بالنسبة لبطلان الإجراء وتأثيره في الحكم، هي في تحقق أو عدم تحقق الغاية منه وذلك إعمالا للقواعد العامة في قانون و فقه المرافعات.

7- مخالفة حكم التحكيم للنظام العام المصري:
يجب أولا التفرقة بين بطلان حكم التحكيم لتضمنه ما يخالف النظام العام المصري وبطلان اتفاق التحكيم لوروده على مسألة لا تقبل التسوية بطريق التحكيم.
فبطلان الاتفاق يعد سببا من أسباب رفع دعوى بطلان الحكم كما رأينا، ولكن يجب أن ننتبه إلى أن العلاقة ليست طردية على نحو حتمي، فقد يكون الاتفاق باطلا ويصدر حكم التحكيم صحيحا إذا قضى ببطلان هذا الاتفاق لمخالفته للنظام العام، أو لوروده على مسألة لا تقبل التسوية بطريق التحكيم. والعكس صحيح، فقد يكون اتفاق التحكيم صحيحا ويصدر الحكم متضمنا لما يخالف النظام العام المصري، أما الغرض الذي نواجهه، فهو صدور الحكم متضمنا لما يخالف النظام العام المصري، فالعبرة في هذا المقام ليست بتعلق الحكم بمسألة تمس النظام العام، وإنما بتضمن الحكم فعلا ما يخالف النظام العام المصري. و لا تحتاج المحكمة لتمسك أحد الأطراف بمخالفة الحكم للنظام العام المصري كما هو الحال في الأسباب الأخرى و إنما عليها أن تقضى بالبطلان من تلقاء نفسها، حتى لو كانت دعوى البطلان مؤسسة على سبب آخر[17].
من خلال ما سبق نلاحظ وجود تشابه وتطابق إلى حد كبير في الأسباب التي يجب توافرها لرفع دعوى بطلان حكم التحكيم في القانون الجزائري والفرنسي والمصري، مع وجود فرق في الحالة التي تستدعي تسبيب أحكام التحكيم، فالقانون الجزائري والفرنسي يستلزمان تسبيب أحكام التحكيم كما رأينا مسبقا، وفي حالة عدم تسبيب الحكم، يمكن رفع دعـوى البطـلان.
أما القانون المصري فيسمح بإمكانية اتفاق الأطراف على عدم التسبيب، أو إذا كان القانون المطبق لا يستلزم ذلك.
وفي الاخير نستنتج من خلال هذا الفصل ان هناك طابع حصري لأسباب البطلان سواء في كل من التشريع الجزائري والمصري وكذلك الفرنسي، حيث لم يتطرق المشرع الجزائري في أي نص من نصوص مواد قانون الإجراءات المدنية والإدارية إلى تحديد الحالات بصفة عامة، والتي على أساسها ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم، لهذا قمنا بحصر الحالات من خلال النصوص العامة لأحكام التحكيم، مما يعني عدم جواز الطعن لأي سبب آخر سوى الأسباب أنفة الذكر.
فمثلا لا يمكن الطعن بالبطلان إذا كان هناك خطأ في تفسير شروط العقد من قبل المحكمين أو وجود خطأ مادي في أسماء المحكمين والأطراف.
أما التحكيم الدولي فقد حصرت أسبابه المادة 1058 إذ تنص على أن حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر يمكن أن يكون موضوع طعن بالبطلان في الحالات المنصوص عليها في المادة 1056، أما أحكام التحكيم الدولي الصادرة خارج الجزائر، فقد عالج المشرع الجزائري كيفية مواجهتها من خلال القواعد المنظمة للاعتراف بهذه الأحكام وتنفيذها.
و فيما يخص رفع دعوى البطلان، فيحق لصاحب المصلحة الذي كان طرفا في خصومة التحكيم رفع دعوى البطلان إذا توافر أحد الأسباب السابقة الذكر، ولا يعترضه أي مانع للقيام بذلك إلا إذا تنازل هو عن حقه، وهذا التنازل يقتصر عليه وحده، وبالتالي يمكن لسواه رفع الدعوى إذا توافر له سبب من أسباب البطلان.و يلاحظ من هذا أنه يحق لأي طرف له صفة رفع دعوى البطلان إذا تأسست على مخالفة الحكم للنظام العام، أما إذا كان السبب خاص بأحد الأطراف فلهذا الطرف وحده الحق في رفع دعـوى البطـلان.

- و وفقا لنص المادتان 1033 و1034 من قانون الإجراءات المدنية، فإن دعوى بطلان حكم التحكيم ترفع أمام المجلس القضائي الذي صدر في دائرة اختصاصه حكـم التحكيم.
و بالتالي فالحكم الذي يصدره المجلس يمكن استئنافه ثم الطعن في حكم الاستئناف بالنقض أما ميعاد رفع الاستئناف فهو شهر واحد يبدأ سريانه من تاريخ النطق بحكم التحكيم، وهذا إذا كان التحكيم داخليا.
- أما في حالة التحكيم الدولي فيرفع الطعن بالبطلان في حكم التحكيم أمام المجلس القضائي الذي صدر حكم التحكيم في دائرة اختصاصه، ويقبل الطعن ابتداء من تاريخ النطق بحكم التحكيم، ولا يقبل هذا الطعن بعد أجل شهر واحد من تاريخ التبليغ الرسمي للأمر القاضي بالتنفيذ، نص المادة 1059.
ونفس الامر بالنسبة للمشرع الفرنسي
فلا يمكن الطعن بالبطلان لأي سبب خارج عن الأسباب التي شملها المشرع الفرنسي، كما أن البطلان لا يمتد لكل ما تضمنه الحكم إذا أمكن تجزئته([18])، على عكس المشرع المصري حسب نص المادة 1485.[19]
وهذا يعني إمكانية أن يتفق الأطراف على التمسك بالتحكيم و استمرار اتفاقهم على استبعاد تصدي القضاء للفصل في الموضوع، فيكون الأمر مماثلا لما هو عليه في القانون المصري، أما إذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق فالمحكمة تفصل في الموضوع، فتخويل المحكمة سلطة الفصل في الموضوع من شأنه توفير الوقت، فضلا عن منع دعاوى البطلان التي تستهدف تعطيل الفصل و إنهاء النزاع، إذ سيتردد كل طرف في دفع دعوى البطلان، مع علمه بأن المحكمة إذا قضت بالبطلان ستتولى الفصل في الموضوع، و هي تقضي وفقا كما كان يتمتع به المحكم من سلطات فإذا كان مفوضا فهي تحكم وفقا لقواعد العدالة و الإنصاف دون تقيد بنصوص القانـون.
إن نص المادة 1507 لا تسري أحكامه المنظمة لاستئناف أحكام التحكيم الداخلي أو لدفع دعوى البطلان، على أحكام التحكيم التي تصدر خارج فرنسا أو التي تصدر في مجال التحكيم الدولي، وعالج المشرع كيفية مواجهة أحكام التحكيم التي تصدر خارج فرنسا فهذه الأحكام لا تخضع لدعاوى البطلان، والمشرع الفرنسي لغاية ما منع امتداد آثارها داخل فرنسا، فلا يعترف بها و لا ينفذها إذا أصدر القضاء أمره برفض طلب تنفيذها، فإن الأمر في الحالتين يخضع للاستئناف و في جميع الأحوال لا يمكن رفع دعوى بطلان حكم التحكيم الصادر في الخارج، أما الأحكام التي تصدر في فرنسا متعلقة بتحكيم دولي، و على هذا
فتح المشرع باب رفع الدعوى بطلب بطلانها في حالات:
1- صدور الحكم دون وجود اتفاق تحكيم أو بناء على اتفاق باطل أو انقضى.
2- عدم نظامية تشكيل محكمة التحكيم أو إجراءات تعين المحكم الوحيد.
3- إذا لم يلتزم المحكم في حكمه حدود المهمة المناطة به.
4- إذا تم هدر مبدأ المواجهة.
5- إذا كان الحكم مخالفا للنظام العالم الدولي.
من الواضح أن هناك تطابق في هذه الحالات و الحالات التي سبق ذكرها والخاصة بالتحكيم الداخلي للقانون الفرنسي.

والامر نفسه فيما يخص القانون المصري
- إن صياغة نص المادة 53 كانت قاطعة في طابعها الحصري، مما يعني عدم جواز الطعن بالبطلان لأي سبب آخر سوى الأسباب التي شملتها المادة 53[20] كسوء تحصيل الوقائع، ولكن يرى البعض([21]) إلى أن تشويه و مسخ القانون واجب التطبيق يساوي استبعاده ويصلح أساسا لرفع دعوى البطلان، و رغم ما يتضمنه هذا الرأي من تخويل المحكمة سلطة مراجعة الحكم من الناحية الموضوعية، وهو ما لا يتسنى إلا في حالة تخويل المحكمة صفة المحكمة الاستثنائية، رغم كل ذلك فإننا نرجحه أخذا بالتفسير الواسع لأسباب البطلان بعد أن أغلق المشرع كـل الأبواب و جعل أحكام التحكيم تسمو على أحكام القضاء.
بطبيعة الحال يكون لذي المصلحة الذي كان طرفا في خصومة التحكيم الحق في رفع دعوى البطلان إذا توافر أحد الأسباب آنفة الذكر، ولا يعوقه عن رفع الدعوى سبق الاتفاق على نزوله عن الحق في رفعها قبل صدور الحكم.([22])
أما بعد صدور الحكم فيجوز له النزول عن حقه، مع اقتصار أثر هذا التنازل عليه وحده فلا يحجب سواه عن إمكانية رفع الدعوى إذا توفرت فيه الصفة وتوافر له سبب من أسباب البطلان، و يلاحظ في هذا المقام أن لأي طرف صفة في رفع دعوى البطلان إذا تأسست على مخالفة الحكم للنظام العام، أما إذا كان السبب مبنيا على اعتبار خاص بأحد الأطراف، فلهذا الطرف وحده الصفة في رفع دعوى البطلان.
ويجب رفع دعوى البطلان خلال التسعين يوما التالية لتاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم ضده، وذلك دون تفرقة بين حالة صدور الحكم في حضوره أو غيبته.
وكانت المادة 513 من قانون المرافعات تنص على أن ترفع دعوى بطلان حكم المحكمين أمام المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع، وقد عدل المشرع في القانون الجديد عن هذا النهج، فجعل الاختصاص بنظر الدعوى لمحكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع إذا كان التحكيم داخليا، أما في حالة التحكيم الدولي فينعقد الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة أو لمحكمة الاستئناف المتفق عليها، ومؤدى هذا أن الحكم في دعوى البطلان يصدر دوما من محكمة استئنافية.
و تجدر الإشارة في النهاية إلى أن كافة الأحكام السابقة الخاصة بدعوى البطلان من حيث الأسباب و ميعاد الدعوى و تحديد المحكمة المختصة لا تسري إلا بالنسبة لأحكام التحكيم الخاضعة للقانون المصري، سواء التي تصدر في داخل مصر أو التي تصدر خارجها و يقتصر دور المحكمة التي تنظر دعوى البطلان على الحكم برفض الدعوى أو الحكـم بالبطـلان.

([1]) القانون الجديد استلزم " الكتابة كشرط صحة لا شرط إثبات "، كما كان الأمر في ظل نصوص قانون المرافعات الملغاة.
([2]) قانون المرافعات القديم تطرق في نصوصه إلى البطلان النسبي " إذا ثبت نقص أهلية أحد الأطراف، فإن الاتفاق يكون قابلا للإبطال لصالح ناقص الأصلية الذي يمكنه إجازة الاتفاق بعد بلوغه سن الرشد ".
([3]) حالة عدم تحقق التراضي أشير لها في البند (أ) " عدم وجود تلاقي إرادتين كما لو صدر الإيجاب وقوبل بالرفض أو بالصمت غير الملابس، أو تضمين تعديل لم يحظ بقبول ".
([4]) " لا يمكن التمسك بهذه المشارطة بعد انقضاء مدتها لمنع القضاء من نظر النزاع إلا باتفاق الأطراف على مد مدة المشارطة قبل انقضائها أو الاتفاق على مشارطة جديدة ".
([5]) نص الفقرة ج " إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلانا صحيحا بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته "
د. سميحة القليوبي، المرجع السابق، 125.[6]
د. محسن شفيق، المرجع السابق، ص 165.[7]
([8]) " لأطراف اتفاق التحكيم حرية اختيار القانون الذي يحكم إجراءات التحكيم، والقانون الذي يحكم موضوع النزاع ".
([9]) لم يعتبره الأستاذ الدكتور أكثم الخولي سببا من أسباب البطلان " لأن الأطراف لم يتفقوا صراحة على اختيار قانـون معيـن ".
د. محمود مختار بريري، المرجع السابق، ص 142.[10]
د. معوض عبد التواب، المرجع السابق، ص 152.[11]
د. ناريمان عبد القادر، المرجع السابق، ص 140.[12]
([13]) " هيئة التحكيم ملزمة بوقف الإجراءات إذا عرضت عليها مسألة أولية يتوقف عليها الفصل في النزاع، لحين تولي الجهة القضائية المختصة أمر الفصل في هذه المسائل الأولية ".
د. كمال ابراهيم ، المرجع السابق، ص 120.[14]
([15]) نص المادة 30/1 " يجب أن يتضمن بيان الدعوى تحديد المسائل محل النزاع وطلباته ".
د. نبيل اسماعيل عمر، المرجع السابق، ص 123.[16]
د. محمود مختار بريري، المرجع السابق، ص 165.[17]
([18]) روبرت جين ص 217 .
[19] نص المادة 1485 " إذا قضت المحكمة بالبطلان، فعليها الفصل في الموضوع في الحدود التي كانت متاحة للمحكم إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك".
المادة 53 " لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآنية:..." [20]
([21])الأستاذ أكتم الخولي. يرى أن الخطأ الجسيم في تطبيق القانون المختار يعتبر استبعاد غير مباشر.
([22]) نص المادة 54 ."..لا يحول دون قبول دعوى البطلان نزول مدعى البطلان عن حقه في رفعها قبل صدور حكم التحكيم".



الساعة الآن 05:49 AM