المحاكم والمجالس القضائية
(نسخة قابلة للطباعة من الموضوع)
https://www.tribunaldz.com/forum/t3443
أنقر هنا لمشاهدة الموضوع بهيئته الأصلية

التعويض عن الحبس المؤقت
القلم الذهبي 05-05-2018 12:06 مساءً
التعويض عن الحبس المؤقت في القانون الجزائري المبدأ الشرعي للتعويض عن الحبس المؤقت
شروط منح التعويض عن الحبس المؤقت
الإجراءات المتبعة أمام اللجنة للإستفادة من التعويض


مبدأ التعويض عن الحبس المؤقت الحبس المؤقت هو مرحلة سابقة عن النطق بالحكم تستدعيها ضرورة التحقيق ضمانا لحسن سيره, فهو يعد من أخطر إجراءاته التحقيق كونه يسلب حرية الفرد مثل العقوبة, لذلك نص المشرع في المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية على أن:" الحبس المؤقت إجراء استثنائي", فعادة ما يلجأ قاضي التحقيق إلى وضع المتهم رهن الحبس المؤقت لمدة معينة قد تدوم أيام أو شهور أو سنوات, و ذلك بسبب ارتكابه جريمة من الجرائم التي يتضمنها قانون العقوبات و القوانين الملحقة به, فيكتشف فيما بعد أنه أخطأ في التقدير فيصدر أمر بألا وجه للمتابعة و يكون بذلك الحبس قد سلب المتهم حريته و مسه في كرامته و شرفه و شرف عائلته و ألحق به ضررا غير عادي و ذي خطورة متميزة.
إذن فما هو ذنب المتهم في ذلك؟ و ما مدى مسؤولية القضاء أو ما مدى مسؤولية الدولة عن الضرر الذي يصيب المتهم الذي يحبس مؤقتا؟

على الرغم من أننا لا نحاول أن نخوض في الحديث عن نظرية مسؤولية الدولة من عدمها عن الأضرار التي تلحق بالغير بسبب قيامها بوظيفتها القضائية من وجهة النظر الفقهية أو الفلسفية, إلا أننا مع ذلك سنحاول أن نتحدث فقط عن المبدأ الشرعي للتعويض عن الأضرار التي تلحق بالمتهم بسبب حبسه حبسا مؤقتا غير مبرر , و الشروط الموضوعية الواجب مراعاتها لصحة المطالبة القضائية و الإجراءات المتبعة أمام اللجنة المختصة لمنح التعويض, و ما مدى تطبيق التعويض عن أضرار الحبس المؤقت في الميدان العملي و هذا ما سنتعرض إليه بالتفصيل فيما يلي:

المبدأ الشرعي للتعويض عن الحبس المؤقت:
هذا المبدأ أقرته المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الصادر سنة 1966 بنصها: " لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني له الحق في الحصول على تعويض", و لإظهار الحرص على الحرية لجأت بعض الدول في نصوصها الدستورية و التشريعية لتقرير هذا المبدأ بما فيها الدستور و التشريع الجزائري الذي نص على ضرورة تعويض المتهم المحبوس مؤقتا و الصادر في حقه حكم بالبراءة أو أمر بألا وجه للمتابعة, لكن ما يمكن ملاحظته أن مبدأ التعويض عن الحبس المؤقت كان موضوعا للمناقشة لاختلاف الرأي حولها, على الرغم من أن المؤسس الدستوري الجزائري نص على مبدأ التعويض عن الخطأ القضائي في مختلف الدساتير الجزائرية منها المادة التي تنص: " يترتب عن الخطأ القضائي تعويض من الدولة, و يحدد القانون شروط التعويض و كيفياته "و ذلك لعدم صدور النصوص التطبيقية و هو الأمر الذي استدركه المشرع بتعديل قانون الإجراءات الجزائية بالقانون رقم 86-05 حيث نص على حق المتضرر عن الخطأ القضائي في التعويض بتعديل نص المادة 531 و إضافة مادتين هما 531 مكرر و 531 مكرر1, حيث نصت الفقرة الأولى من المادة الأخيرة: " تتحمل الدولة التعويضات الممنوحة لضحية الخطأ القضائي أو لذوي حقوقه..."
و ما دام لا يمكن تعميم هذا النص على حالات الحبس المؤقت غير المبرر, استدرك المشرع النقص بإصدار قانون رقم 01-08 بإضافة قسم سابع مكرر للفصل الأول من الباب الثالث من الكتاب الثالث يتضمن المواد 137 مكرر إلى 137 مكرر14 التي تنص على أحكام التعويض عن الحبس المؤقت غير المبرر إذا ألحق بالمتهم ضررا ثابتا و متميزا مع ضرورة توافر جملة من الشروط الموضوعية لصحة المطالبة القضائية, ففيما تتجسد هذه الشروط؟

شروط منح التعويض عن الحبس المؤقت:
يتعين على طالب التعويض التي انتهت إجراءات التحقيق بالنسبة له بصدور قرار نهائي بألا وجه للمتابعة, أصابه من جرائه عدة أضرار أن يستوفي جملة من الشروط الموضوعية, من أجل الاستفادة من مبلغ التعويض و الذي حددتها نص المادة 137 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية.

أولا : ضرورة أن يكون طالب التعويض قد كان محل حبس مؤقت خلال متابعة جزائية انتهت في حقه بصدور قرار نهائي بألا وجه للمتابعة أو بالبراءة:
حتى يحفظ حق طالب التعويض المضرور من جراء الحبس المؤقت ينبغي أن يكون قد أودع فعلا في المؤسسة العقابية, أي أن حريته قد سلبت منه فعلا لمدة زمنية معينة.
و المقصود بألا وجه للمتابعة هو أن يصدر قاضي التحقيق هذا الأمر باعتباره أمر من أوامر التصرف عند توافر ثلاث حالات استنادا لنص المادة 163 من قانون الإجراءات الجزائية و هي:
- إذا رأى قاضي التحقيق أن الوقائع لا يغلب عليها الطابع الجزائي سواء جناية أو جنحة أو مخالفة أي عند غياب الوصف القانوني.
- حالة غياب الدلائل القوية و الكافية لنسبة الجرم للمتهم المحبوس مؤقتا.
- حالة بقاء مقترف الجريمة مجهولا.
فعادة ما يؤسس الأمر بألا وجه للمتابعة على أسباب قانونية كالتقادم أو العفو, فهنا يحق للمتضرر من الحبس المؤقت المطالبة بالتعويض, لأنه أصلا كان من الواجب عدم متابعته أو معاقبته.
و تشترط المادة أن يكون قرار أو أمر بألا وجه للمتابعة نهائي أي استنفذ جميع طرق الطعن.
يفهم من هذا الشرط أن من كان محل رقابة قضائية لا يستفيد من التعويض, و أن القانون لا يشترط أن يصدر حكم يقضي بالبراءة لمنح التعويض. كما يفهم منه أيضا أن طلب التعويض مقصور على المعني بالأمر؟

و هنا يثور التساؤل حول قبول دعوى الورثة في حالة وفاة المعني بالأمر:
يميل الفقه إلى القول بقبول مثل هذه الدعوى باعتبار أن القانون لا يستبعدها صراحة, و في هذه الحالة تكون دعوى التعويض مؤسسة ليس على الحبس المؤقت المفرط فيه و إنما على قواعد المسؤولية المدنية.

ثانيا: ضرورة أن يكون الحبس المؤقت غير مبرر:
لقد نصت المادة 137 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية: " يمكن أن يمنح تعويض للشخص الذي كان محل حبس مؤقت غير مبرر..." فما المقصود بعبارة حبس غير مبرر؟ فهل المقصود به الحبس اللاقانوني أو الحبس التحكمي, أم أنها جميعا مصطلحات مترادفة ؟
يرى جانب من الفقه أن المقصود بالحبس غير المبرر أو اللاقانوني هو: " الحبس الذي يقع إخلالا بالضمانات الشكلية أو الإجرائية, كأن يؤمر به في جريمة غير التي يجيز فيها القانون هذا الإجراء أو يؤمر به دون استجواب المتهم ".
أما المقصود بالحبس التعسفي أو التحكمي هو: " الحبس الذي يؤمر به دون أسباب قانونية , أو مخالفة للقانون , أو تطبيق لقانون غير عادل في حد ذاته.".
و يرى الدكتور الأخضر بوكحيل في مؤلفه بأنه بغض النظر عن النقاش, فإن المقصود به هو الحبس غير الضروري لسير إجراءات التحقيق و يكون كذلك إذا أمر به بناءا على أسباب أو وفقا لإجراءات غير منصوص عليها في القانون أو تجاوزت مدته المدة المعقولة.
و هناك من يرى أن مفهوم الحبس المؤقت غير المبرر مفهوم غامض و غير دقيق, في حين أن البعض الآخر يرى أن عبارة "غير المبرر" يعنى بها أنه يوجد تطبيق سليم للقانون من الناحيتين الشكلية و الموضوعية و تخلف الخطأ, فقد أمر بالحبس المؤقت و نفذه بطريقة شرعية و لكن بسبب بعض الظروف الخارجة عن إرادة الآمر به تبين أنه غير ضروري و لذا يلحق ضرر بالشخص الذي خضع له.
في رأينا إن هذا التعريف الأخير هو الأرجح, لأنه من غير المعقول أن يضع قاضي التحقيق المتهم رهن الحبس المؤقت دون أن تتطلب ذلك مقتضيات السير الحسن للتحقيق.
فعبارة غير مبرر تثير عدة تساؤلات, فكيف يصدر قاضي التحقيق حبس غير مبرر رغم أنه يؤسسه على أسباب و مبررات قانونية لا تدع مجالا للشك في نزاهته و كفاءته, كما أنه يصعب على المتهم إثباته.
أما المقصود بهذا الشرط في القانون الفرنسي هو تقديم البينة على أن القاضي أساء التقدير عندما وضع المتهم في الحبس المؤقت أو الإبقاء عليه, مما يستدعي النظر فيما إذا كان بإمكان قاضي التحقيق تفادي اللجوء للحبس المؤقت, أو استبداله مثلا بالرقابة القضائية, أو التقليص من مدته...إلخ.
فكل هذه المسائل يصعب البث فيها نظرا للإشكالات العملية التي تثيرها.
فكيف يمكن للمتهم إثبات أن الحبس المؤقت كان غير مبرر ؟

ثالثا:ضرورة أن يكون الضرر الذي أصاب طالب التعويض ثابتا و متميزا:
حتى يتمكن طالب التعويض من رفع دعوى تعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء الحبس المؤقت غير المبرر, يجب أن يكون هذا الضرر بشقيه المادي و المعنوي ثابتا و خطورته متميزة.
و إن كان إثبات الضرر في حد ذاته ليس بالأمر الهين, فإن شرط الخطورة المتميزة يكاد يكون شرطا تعجيزيا, و هو الأمر الذي جعل المشرع الفرنسي يتخلى عنه بموجب القانون رقم 96-1235 المؤرخ في 30-12-1996 حيث لم تعد تشترط المادة 149 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي إلا إثبات الضرر للحصول على التعويض.
و يرى الدكتور أحسن بوسقيعة في مؤلفه التحقيق القضائي أن تمسك المشرع الجزائري بهذا الشرط مقيد بسببين أساسيين:
السبب الأول : تجنب منح تعويض بصفة مطلقة لكل مستفيد من أمر ألا وجه للمتابعة, حتى و إن كان مؤسسا على أسباب قانونية محضة.
السبب الثاني : تفادي ممارسة قضائية تكون بمثابة الكارثة تتمثل في الإدانة تلقائيا كلما أحاط الشك بقضية.
نجد أن المشرع الجزائري في نص المادة 137 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية تطرق فقط في نصه إلى الضرر دون تحديد هل يشمل الضرر المادي أو المعنوي, أو يشملهما معا كما فعل نظيره الفرنسي, و من الأمثلة عن الضرر بشقيه حسب الاجتهاد الفرنسي ما يلي:
1-الضرر المادي :
هو كل ما يلحق الشخص من إساءة إلى مركزه المالي , كأن يكون الحبس المؤقت المتخذ ضده سببا في انقطاعه عن وظيفته التي تعد مصدر رزقه , أو ما يلحق مشاريعه الاقتصادية و التجارية بسبب تخلفه عن إدارتها نتيجة المدة التي قضاها في الحبس و هذا ما يؤدي إلى زعزعت مركزه المالي.

2-الضرر المعنوي :
المقصود به هو الإساءة إلى شرف و سمعة المتهم المحبوس بسلب حريته التي لا ثمن لها و إبعاده عن حياته الاجتماعية و الأسرية بسبب نظرات الاحتقار من طرف العامة بأنه مجرم, لذلك شرع التعويض حتى تتغير نظرة المجتمع إليه.

كما أقر الاجتهاد الفرنسي في هذا الصدد أن الضرر الذي لحق المحبوس بسبب إصابته بمرض أثناء تواجده في الحبس على أساس العلاقة السببية بين الحبس و المرض, أو أن هذا الأخير انتقل إليه بسبب العدوى.
كذلك فيما يخص منح التعويض لطالبه عن الضرر المعنوي الذي سببه له حبسه مؤقتا بناءا على حجج معينة آخذا بعين الاعتبار العناصر المتعلقة بشخصيته و طبيعة حياته و مركزه أثناء إجراءات التحقيق.
في هذا السياق نرى أن شرط ضرورة إثبات الضرر و الخطورة المتميزة التي يجب أن تحيط به يبين نية المشرع في إثقال كاهل طالب التعويض من خلال هذا الشرط, حتى يصعب عليه الأمر, فمادام المتهم المحبوس مؤقتا قد سلبت حريته و أثر ذلك على سمعته و كرامته و شرفه و مس بمصدر رزقه من خلال تعطيل أعماله نرى أن هذا كاف دون حاجة لضرورة إثباته للضرر.
فمن الأفضل أن يحذف المشرع هذا الشرط لأنه تعجيزا و ليس تسهيلا لطالب التعويض.

الإجراءات المتبعة أمام اللجنة للاستفادة من التعويض:
لقد حددت المواد من 137 مكرر1 إلى 137 مكرر 14 من قانون الإجراءات الجزائية الجهة المختصة بمنح التعويض, من خلال تشكيلة اللجنة و أعمالها و الإجراءات الشكلية التي يتعين إتباعها لحصول طالب التعويض على المبلغ الذي تحدده له اللجنة كتعويض عن الضرر الثابت و المتميز الذي أصابه, من جراء الحبس المؤقت غير المبرر, بعد أن يصدر في حقه أمر بألا وجه للمتابعة نهائي, و يقع على عاتق خزينة الدولة منح مبلغ التعويض التي لها حق الرجوع على شاهد الزور و المبلغ سيئ النية, و هذا سوف نتطرق له فيما يلي:

أولا: الجهة المختصة بمنح التعويض :
يمنح التعويض عن أضرار الحبس المؤقت غير المبرر من طرف لجنة التعويض الموجودة على مستوى المحكمة العليا, و يطلق عليها اسم " اللجنة " طبقا لنص المادة 137 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية, و تجدر الإشارة في هذا الصدد أن هذه الأخيرة تكتسي طابع جهة قضائية مدنية طبقا لنص المادة 137 مكرر3 من نفس القانون.
و لا شك أن هذه اللجنة مادامت تقع في أعلى الهرم القضائي, فإن قراراتها تكون محل اطمئنان رغم عدم قابليتها للطعن, و عليه يتعين التطرق إلى تشكيلة اللجنة و أعمالها.

1- تشكيلة اللجنة :
تنص المادة 137 مكرر2 و مكرر3 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه تتشكل اللجنة المذكورة في نص المادة 137 مكرر1 أعلاه من :
- الرئيس الأول للمحكمة العليا أو ممثله رئيسا.
- قاضيا (2) حكم لدى نفس المحكمة بدرجة رئيس غرفة أو رئيس قسم أو مستشار, أعضاء.
- النائب العام لدى المحكمة العليا أو أحد نوابه.
- أمين اللجنة هو أحد أمناء ضباط المحكمة, يلحق بها من طرف الرئيس الأول للمحكمة العليا.
و يعين أعضاء اللجنة سنويا من طرف مكتب المحكمة العليا, كما يعين هذا الأخير ثلاثة أعضاء احتياطيين لاستخلاف الأعضاء الأصليين عند حدوث مانع .
يمكن للمكتب أن يقرر حسب نفس الشروط أن تضم اللجنة عدة تشكيلات.
و ما استخلصناه مما سبق أن المشرع أعطى أهمية كبيرة لهذه اللجنة, كونها تنظر في قضايا المحبوسين مؤقتا الذين سلبت حريتهم إما نتيجة لإفراط قضاة التحقيق في اللجوء للحبس المؤقت , أو أنه كان ضروريا لحسن سير التحقيق و على إثرها خلص إلى إصدار أمر بألا وجه للمتابعة في حقه, فجعلها المشرع أعلى هيئة في الهرم القضائي.
إضافة إلى أنه من حيث تشكيلها يترأسها الرئيس الأول للمحكمة العليا, و ما أثار انتباهنا أن المشرع في الفقرة الثانية من المادة 137 مكرر2 من نفس القانون نص على أنه:"...كما يعين هذا الأخير ثلاثة أعضاء احتياطيين لاستخلاف الأعضاء الأصليين عند حدوث مانع " و لم يبين لنا نوع هذا المانع و متى يحدث مما جعلنا نخلص للقول بأن المشرع ترك ثغرة قانونية يتعين تداركها.
و ما تجدر الإشارة إليه أن هذه التشكيلة تمثل ضمانة أساسية لحماية المتضررين من الحبس المؤقت غير المبرر, إلى جانب أنها ذات طابع قضائي مدني.

2- أعمال اللجنة :
بعد أن تعرفنا على تشكيلة اللجنة المختصة قانونا بمنح التعويض, سوف نتطرق إلى عملها المتمثل في منح التعويض و تقدير قيمته.

أ-منح التعويض :
تقرر اللجنة إمكانية منح التعويض للمحبوس مؤقتا إذا توفرت الشروط المنصوص عليها قانونا و المتمثلة فيما يلي:
-ضرورة الحبس المؤقت و صدور أمر أو قرار بألا وجه للمتابعة نهائي.
-ضرورة توافر ضرر ثابت و خطورة متميزة.
-ضرورة أن يكون الحبس غير مبرر.

ب-تحديد مبلغ التعويض المستحق دفعه لطالبه :
يرجع تحديد مقدار مبلغ التعويض المستحق دفعه لطالبه إلى السلطة التقديرية للجنة, و لها مطلق الحرية في ذلك, فيتعين عليها الحرص على إعادة التوازن المالي.
و كما تجدر الإشارة أن اللجنة لا تتقيد بأي جدول حسابي و لا بحدود معينة لتقدير مبلغ التعويض, فإذا قبلت طلب تعويض المحبوس مؤقتا فلها سلطة منحه دفعة واحدة, أو على شكل أقساط أو مرتب.

ثانيا: إجراءات منح التعويض :
طبقا لنص المادة 137 مكرر 4 من قانون الإجراءات الجزائية و ما يليها يتعين على طالب التعويض مراعاة جملة من الإجراءات عند المطالبة بالتعويض للاستفادة منه و تتمثل فيما يلي:
-إخطار طالب التعويض بنفسه أو بواسطة محاميه اللجنة بعريضة في أجل لا يتعدى ستة (6) أشهر ابتداء من التاريخ الذي يصبح فيه القرار القاضي بألا وجه للمتابعة أو بالبراءة نهائيا.
-تودع العريضة الموقعة من طرف المدعي أو محامي معتمد لدى المحكمة العليا لدى أمين اللجنة الذي يسلم إيصالا بذلك.
-تتضمن العريضة وقائع القضية و جميع البيانات الضرورية، لاسيما:
1- تاريخ و طبيعة القرار الذي أمر بالحبس المؤقت و كذا المؤسسة العقابية التي نفذ فيها.
2- الجهة القضائية التي أصدرت قرار بألا وجه للمتابعة أو البراءة وكذا تاريخ هذا القرار
3- طبيعة و قيمة الضرر المطالب بها.
4- عنوان المدعي الذي يتلقى فيه التبليغات.
و الإشكال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هل هذه البيانات التي نص عليها المشرع يترتب على تخلفها عدم قبول الدعوى شكلا؟ وهل عدم وجود صيغة الإلزام تجعلها جوازية أم لا؟
فبعد إيداع العريضة فما هي بقية الإجراءات المتبعة؟

-بعد أن يتلقى أمين اللجنة العريضة المودعة لديه, يقوم بإرسال نسخة منها إلى العون القضائي للخزينة بموجب رسالة موصى عليها مع إشعار بالاستلام في أجل لا يتعدى عشرون (20) يوما ابتداء من تاريخ استلام العريضة.
-يقوم أمين اللجنة بعدها بطلب الملف الجزائي من أمانة ضبط الجهة القضائية التي أصدرت قرار بألا وجه للمتابعة أو بالبراءة طبقا لنص المادة 137 مكرر5 من قانون الإجراءات الجزائية.
-يجوز بعدها للمدعي أو العون القضائي للخزينة أو محاميهما الإطلاع على ملف القضية بأمانة اللجنة.
-ثم يقوم العون القضائي بإيداع مذكراته لدى أمانة اللجنة في ّأجل لا يتعدى شهرين ابتداء من تاريخ استيلام الرسالة الموصى عليها و هذا استنادا لنص المادة 137 مكرر6 من قانون الإجراءات الجزائية.
-و يقوم أمين اللجنة بإخطار المدعي بمذكرات العون القضائي للخزينة بموجب رسالة موصى عليها مع إشعار بالاستيلام في أجل أقصاه عشرون (20) يوما ابتداء من تاريخ إيداعها, و يسلم المدعي أو يوجه لأمانة اللجنة ردوده في أجل أقصاه ثلاثون (30) يوما ابتداء من تاريخ التبليغ.
و عند انقضاء الأجل المنصوص عليه يقوم أمين اللجنة بإرسال الملف إلى النائب العام بالمحكمة العليا الذي يودع مذكراته في الشهر الموالي طبقا لنص المادة 137 مكرر7 من قانون الإجراءات الجزائية.
- بعد إيداع مذكرات النائب العام يعين رئيس اللجنة من بين أعضائها مقررا, و تقوم اللجنة أو تأمر بجميع إجراءات التحقيق اللازمة و خاصة سماع المدعي إذا اقتضى الأمر ذلك طبقا لنص المادة 137 مكرر8 و مكرر9 من قانون الإجراءات الجزائية.
-يقوم رئيس اللجنة بتحديد تاريخ الجلسة للنظر في طلبات التعويض و ذلك بعد استشارة النائب العام, و يبلغ أمين اللجنة التاريخ للمدعي برسالة موصى عليها مع إشعار بالإستيلام و كذلك للعون القضائي للخزينة في ظرف شهر على الأقل قبل تاريخ الجلسة طبقا لنص المادة 137 مكرر 10 من نفس القانون.
- و بعد تلاوة التقرير, يمكن للجنة أن تستمع للمدعي و العون القضائي للخزينة و محاميهما, و يقدم النائب العام ملاحظاته طبقا لنص المادة 137 مكرر 11 من قانون الإجراءات الجزائية.
- تجتمع اللجنة في غرفة المشورة و تصدر قراراتها في جلسة علنية.
- و إذا قررت اللجنة منح تعويض يتم دفعه وفقا للتشريع المعمول به من طرف أمين خزينة ولاية الجزائر, -و في هذا الصدد لم يبين لنا المشرع الفصل من ميزانية الخزينة الخاص بدفع هذا التعويض.

أما إذا رفضت منح التعويض, يتحمل المدعي المصاريف إلا إذا قررت اللجنة إعفاءه كليا أو جزئيا منه طبقا لنص المادة 137 مكرر 12 من قانون الإجراءات الجزائية.
-بعدها يوقع كل من الرئيس و العضو المقرر و أمين اللجنة على أصل القرار و يبلغ قرارها في أقرب الآجال إلى المدعي و العون القضائي للخزينة برسالة موصى عليها مع إشعار بالاستلام , و يعاد الملف الجزائي مرفقا بنسخة من قرار اللجنة إلى الجهة القضائية المعنية طبقا لنص المادة 137 مكرر 13 و 14 من قانون الإجراءات الجزائية.
فمادامت اللجنة هي المختصة بمنح التعويض فعلى عاتق من يقع دفعه؟
لقد نصت المادة 137 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية في فقرتها الثانية بأن التعويض المشار إليه في الفقرة الأولى من نفس المادة يقع على عاتق خزينة الدولة مع احتفاظ هذه الأخيرة بحق الرجوع على الشخص المبلغ سيئ النية أو شاهد الزور الذي تسبب في الحبس المؤقت.

لكن تثار عدة تساؤلات فيما يتعلق بالاختصاص, فمادامت الدولة مختصة بمنح التعويض عن طريق خزينتها العمومية فهل يعني هذا أن طالب التعويض لما يرفع دعواه يكون قد قاضى الدولة؟ و إن كان الأمر كذلك ألا يعتبر القضاء الإداري هو المختص؟
في حقيقة الأمر إن الدولة ليست طرفا في النزاع بأتم معنى الكلمة, فطالب التعويض لما يرفع دعوى التعويض لا يكون بذلك قد قاضى الدولة بل يكون قد طالب بتعويضه عنما أصابه من أضرار الحبس المؤقت.
كما أنه بالرجوع لنص المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية يكون القضاء الإداري هو المختص عندما يكون أحد أطراف النزاع: الدولة أو الولاية أو البلدية......إلخ كطرف يمارس مظهر من مظاهر السيادة.

و من هنا طالما أن الدولة لم تكن كطرف في النزاع و فإن القضاء الإداري ليس مختص بالنظر في دعوى التعويض, كما أن رفع الدعوى أمام هذه اللجنة ليس فيه أي انتقاص من سيادة الدولة, بل بالعكس من ذلك فإن رفع الدعوى أمام هذه اللجنة الواقعة على مستوى المحكمة العليا (أي مستوى أعلى هرم قضائي) يمنحها أكثر مصداقية و شفافية, إضافة إلى أن القرارات الصادرة عنها غير قابلة للطعن فيها بأية صورة كانت كونها أعلى جهة, و أن القانون لا يلزم اللجنة بتسبيب قراراتها تفاديا للمساس بقوة الشيء المقضي فيه فالقرارات الصادرة عنها تتمتع بالقوة التنفيذية طبقا لنص المادة 137 مكرر 3 من قانون الإجراءات الجزائية.
و ما دامت خزينة الدولة هي التي يقع على عاتقها دفع التعويض, فهل يمكن للدولة ممارسة دعوى الرجوع إذا ثبت لها بأن من استفاد من مبلغ التعويض لا يستحقه؟

دعوى الرجوع :
بعد أن تقرر قانونا حق الشخص في الحصول على تعويض من جراء أضرار الحبس المؤقت, يتم دفعه له وفقا للتشريع المعمول به من طرف أمين خزينة ولاية الجزائر, منح للدولة حق الرجوع عن طريق " دعوى الرجوع" على الشخص المبلغ سيء النية أو شاهد الزور الذي تسبب في الحبس المؤقت طبقا لنص المادة 137 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية, كون أن الدولة هي التي منحت التعويض فلحق ضرر بخزينتها العمومية و من ثمة يكون لها الحق في الرجوع.
و السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هل للمتهم المحبوس مؤقتا الذي صدر في حقه أمر بألا وجه للمتابعة نهائي, رفع دعوى وشاية كاذبة على المبلغ سيئ النية أو شاهد الزور من أجل الحصول على تعويض موازاة مع رفع دعوى تعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء الحبس المؤقت غير المبرر أمام اللجنة المشكلة على مستوى المحكمة العليا؟
في رأينا استنادا للمبدأ أنه لا يمكن للشخص أن يستفيد من أكثر من تعويض, فلا يجوز له رفع دعوى وشاية كاذبة موازاة مع دعوى التعويض أمام اللجنة فعليه اختيار أحد الطريقين.
غير أنه ما يعاب على المشرع في هذا السياق أنه مكن الدولة من ممارستها لدعوى الرجوع دون أن يحدد أحكامها.

مدى تطبيق التعويض عن أضرار الحبس المؤقت في الميدان العملي :
بعد أن تم إقرار مبدأ التعويض عن أضرار الحبس المؤقت وفقا لتعديل قانون الإجراءات الجزائية بموجب القانون رقم 01-08, و الذي لا يعد في نظرنا شيئا جديدا كون هذا المبدأ كان منصوص عليه في جميع الدساتير الجزائرية بأن الدولة مسؤولة عن التعويض عن الخطأ القضائي و لم يرى هذا المبدأ الدستوري النور إلا في سنة 2001, و حسب رأينا فالتعديل كان كاشفا للمبدأ و ليس منشأ له و بهذا يكون المشرع قد خطى خطوة ناجحة في هذا الإطار رغبة منه في حماية و ضمان الحريات الفردية المكرسة دستوريا في إطار دولة القانون, إلا أنه مع الأسف لم تلق هذه الخطوة الصدى في الواقع العملي, أي لا توجد أية سابقة قضائية في هذا المجال و هذا ما يدعونا إلى طرح العديد من التساؤلات حول عدم إمكانية تحقق هذه المطالب على أرض الواقع.

و من ثم فهل عدم المطالبة بالتعويض يرجع إلى نقص الوعي القانوني في الأوساط الشعبية أو بين المواطنين أم إلى عدم علمهم أساسا بما يسمى بحق التعويض عن أضرار الحبس المؤقت أم إلى خوف المواطنين من مقاضاة الدولة أم أنه يسود لديهم اعتقاد بتخلصهم من جحيم الحبس و حصولهم على حريتهم كفيلا بجبر الضرر دون اللجوء إلى المطالبة بالتعويض غير المضمون في كل الأحوال؟
المحاكم والمجالس القضائية

Copyright © 2009-2024 PBBoard® Solutions. All Rights Reserved