logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





22-04-2013 09:45 مساءً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 22-04-2013
رقم العضوية : 303
المشاركات : 44
الجنس :
الدعوات : 1
قوة السمعة : 20
المستوي : ليسانس
الوظــيفة : طالب

المبنى الفقهي للحريات العامة في الإسلام الدين والحرية
مؤدى العبودية لله
لا إكراه في الدين
التقوى والحرية.
الحريـة السـياسـية


مقدمة
الحرية، تلك الأنشودة التي تجدها على كل شفة ولسان، يتكلم عنها الفلاسفة والفقهاء، والأدباء، وتعني في قاموس كل واحد من هؤلاء معاني خاصة. ولقد كانت في تعريف القدماء البسيط تعني أن لا يكون الفرد عبداً مملوكاً أو أن لا يكون مسجوناً.
وهذا ما كان متناسباً مع ذلك العصر، حيث كانا أي العبودية أو السجن هما القيدين الوحيدين اللذين يحدان من حرية الإنسان.
ومع تغير الزمن وتطور الوسائل وتغير الحياة وظهور أنماط جديدة من العلاقات، تعددت التعريفات وتوسعت إلى مدى ليس من السهل الإحاطة به، وبدأت الحرية كمفهوم تأخذ صوراً وتعريفات متعددة ومتنوعة.
فهي بالمعنى العام:حالة الإنسان الذي لا يتحمل أي قسر والذي يتصرف وفقاً لارادته وطبيعته 1.
وهي بالمعنى الاجتماعي "المقدرة على القيام بكل ما لا يمنعه القانون"
ما بالمعنى السياسي فإن: "الحرية هي مجموعة الحقوق المعترف بها للفرد والتي تحد من سلطة الحكومة".
وهي بالمعنى النفسي والأخلاقي حالة ذلك الإنسان الذي لا يقدم على أي عمل، خيراً كان أو شراً، إلا بعد تفكير عميق، وبادراك كلي للأسباب والدوافع التي جعلته يقوم بهذا التصرف.
ويرى ديكارت أن الحرية تتلخص بالمقدرة على القيام أو عدم القيام بشيء معين، وهذا يعني أن الإنسان لا يكون حراً إلا إذا امتلك امكانية معينة لتقرير موقفه.
إن الحرية هي : "خيار أخلاقي مع الخير أو ضده، مع العقل أو ضده، مع الكونية أو ضدها"
"أما اسبينوزا فإنه يرى أن الحرية الأخلاقية تعني خضوع الإنسان للعقل، وأن الإنسان الحر هو ذلك الإنسان الذي يعيش وفقاً لتوجيهات العقل" 2
ويذهب هنري برغسون الفيلسوف الفرنسي الشهير (1859-1941) إلى أن الحرية هي واقعة، إن لم تكن أكثر الوقائع الملموسة وضوحاً وتحديداً، ولكن عبثاً يحاول المرء أن يبرهن على وجود الحرية، فما الحرية بشيء يمكن تحديده بل هي في الحقيقة إثبات للشخصية وتقرير لوجود الإنسان، إنها ليست موضوعاً يعاين، بل هي حياة تعانى.
وهكذا نرى مدى الاختلاف في تحديد معنى الحرية المجرد. غير أن ما يميز هذه التعريفات أو معظمها أنها تنظر إلى الحرية باعتبارها مفهوماً ارادياً عاقلاً ومدركاً فهي ليست فوضى على الاطلاق.
والمسألة المطروحة هي هل يمكن أن تكون الحرية حالة فردية؛ وهل يمكن للفرد أن يكون حراً في مجتمع غير حر؟ وما هو الرابط بين حرية الفرد وحرية المجتمع؟ يرى العديد من الفلاسفة والمفكرين أن الحرية كمفهوم تنبع أساساً من وعي المجتمع لها في مراحل محددة من وجوده، وفي هذا المجال يقول الفيلسوف والاقتصادي البريطاني جون ستيوارت ميل Jon.s. Mill :
" إن النطاق المناسب للحرية الإنسانية هو حرية الضمير بأشمل معانيها، وحرية الفكر والشعور، وحرية الرأي والوجدان المطلقة في كل الموضوعات، سواء كانت عملية أم تأملية أم علمية أم أخلاقية أم لاهوتية.
وإن أي مجتمع لا يكفل لأفراده كل هذه الحريات لا يمكن أن يكون مجتمعاً حراً، بمعنى الكلمة، أياً كان شكل الحكومة القائمة فيه. والحرية الوحيدة التي تعدّ جديرة بهذا الاسم إنما هي تلك التي تؤكد بمقتضاها مصلحتنا بالطريقة التي تؤثرها طالما كنا لا نحاول أن نستلب الآخرين مصالحهم، أو أن نقف حجر عثرة في سبيل حصولهم على تلك المصالح، أو أن نعرقل جهودهم التي يبذلونها ابتغاء تحقيقها 3
فالحرية بحسب هذا المفهوم ليست مجرد شعور خاص وحسب، وإنما هي نتيجة لتفاعل اجتماعي يتبادل فيه الأفراد بالوسائل المناسبة تسهيل حصول كل منهم على مصلحته وحقوقه، فيحققون بذلك المجتمع الحر الذي يستطيع أفراده أن يكونوا أحراراً.

وإلى هذا المنحى بذهب العديد من الفلاسفة أمثال مالينوفسكي 4 الذي يرى أن الحرية هي تلك الأحوال الاجتماعية التي تتيح للإنسان أن يحدد غاياته بالفكر، وأن يحققها بالفعل، وأن ينال حصيلة تحقيقها.
وبتحديد أكثر دقة يرى الفيلسوف هارولد لاسكي5 أن الحرية هي تلك الأحوال الاجتماعية التي تنعدم فيها القيود التي تكبل قدرة الإنسان على تحقيق سعادته. فالحرية بحسب رؤيتَي هارولد لاسكي ومالينوفسكي إنما هي مفهوم مرتبط بالمجتمع، وعلاقة من علاقاته التي يؤسسها، وليس شيئاً خارجاً عنه، وهي تتطور بتطور هذه العلاقات وتنمو بنموها 6.
إن هذا المفهوم للحرية الذي يجعل منها مسألة شعور وسلوك جماعي أو اجتماعي هو المفهوم الأوضح والأرقى تعبيراً عن حالة الحرية التي تفقد كل معانيها إذا انتفت عنها صفة الجماعة،
فما قيمة إنسان يعيش خارج إطار المجتمع؟
الحرية إذاً مفهوم لا يمكن تلمسه إلا ضمن الجماعة، وهي المجال المعطى لكل فرد من أفرادها ليتصرف فيه بما يتوافق مع قناعاته الذاتية المتكونة لديه نتيجة التدبر والتبصر، بدون ضغط أو إكراه.
ولا يفنْظَر إلى القيود الناتجة عن التزام قيم ومبادئ الجماعة باعتبارها منافية للحرية، لأن ما تفرضه القيم والمبادئ من قيود أو تضعه من حواجز إنما هو في حقيقته جزءٌ من قناعة الفرد لأنها ناتجة عن القيم والمبادئ التي تشكل قناعته الذاتية.

الدين والحرية :
علينا أن نميز عند حديثنا عن الدين بين النص الديني الأساسي كما هو في مصادره الأساسية وبين شرح النص الديني، أي الفهم البشري، فهم الفقهاء لهذا النص. فالنص الأساسي غالباً ما يأتي على صورة قاعدة عامة أو عنوان عريض، قابل لتفاوت الأفهام. أما الفهم البشري للنص فهو خاضع لعوامل كثيرة منها الواقع أو الظرف ومنها الثقافة الشخصية والعامة، والعوامل الشخصية النفسية والاجتماعية. وغالباً ما يأتي النص الديني المتعلق بالحرية منفتحاً وشاملاً، فإذا جاء شرح الشراح أوردوا عليه من القيود ما يفضَيّق رحابة هذا النص.
وقد أدرك الفقهاء ذلك فوضعوا بعض القواعد الفقهية التي تشير إلى اتساع مدى الحرية أصلاً مثل القاعدة الفقهية التي تقول: "الأصل في الأشياء الإباحة" وهي قاعدة تعني أن الأمور جميعها على أصلها
مباحة للإنسان، فاذا أراد أحدٌ أن يمنع أمراً فإن عليه أن يأتي بدليل على وجوب هذا المنع، إذ إن الاباحة لا تحتاج إلى دليل يدل عليها، أما المنع أو التحريم فهو الذي يحتاج إلى دليل يدل عليه.
وإذا عدنا إلى النصوص المتعلقة بما نسميه الفرائض أو الواجبات أو التكليف الشرعي فإننا سنجد أن النص يطلب من المكلف القيام بما كفلّفف به ولكن يترك لهذا المكلف خيار الفعل أو الترك مبيناً جزاء كلّف منهما في الآخرة أو في الدنيا والآخرة، وهذا ينطبق على أصل الايمان﴿ فَمَن شَاء فَلْيفؤْمفن وَمَن شَاء فَلْيَكْففرْ ﴾7
فالمسألة متروكة لذات الفرد ليعمل بما تؤدي إليه قناعته، فهو حر في اختيار السبيل الذي يسلكه ﴿ إفنَّا هَدَيْنَاهف السَّبفيلَ إفمَّا شَاكفرًا وَإفمَّا كَففورًا ً﴾ 8
فإذا اختار الإنسان سبيل الايمان أي اقتنع بأصل الرسالة فإن من مقتضيات إيمانه أن يصدّق فعله قناعته، وأن يكون منسجماً تمام الانسجام مع الأوامر والنواهي، وإذا اختار سبيل الكفر فهو وما يختاره لنفسه، غير أن الفرد مسؤول عن خياره كائناً ما كان هذا الخيار.
وهنا من الممكن أن نطرح السؤال عن معنى الوعد والوعيد. أليس في ما يقدمه النص من وعد أو وعيد تهديد أو ضغط على الفرد؟ أليس الترغيب والترهيب يشكلان ضغطاً على خيار الإنسان؟
بدون شك إن في الترغيب والترهيب ضغطاً على الفرد. ولكن هذا الضغط هو ضغط معنوي على عقل الإنسان يجبره على التدقيق في
خياراته ويبعده عن اللهو والعبث فيها. إنه يدفعه لتحمل مسؤولية قراره ولإدراك قيمة هذا القرار على مستقبله.
وما يتوعد به النص الذين لا يؤمنون به، ليس فورياً، ولا دنيوياً، بل هو أخروي ويحصل بعد مفارقة الحياة. وقد كفل الدين الإسلامي لأتباعه كما لمخالفيه عدم تأثير خياراتهم على مستلزمات حياتهم الإنسانية، فلكل إنسان أجله ورزقه لا ينقص منهما ولا يزيد فيهما كفرٌ ولا إيمان: ﴿ وَإفذْ قَالَ إفبْرَاهفيمف رَبّف اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمفنًا وَارْزفقْ أَهْلَهف مفنَ الثَّمَرَاتف مَنْ آمَنَ مفنْهفم بفاللّهف وَالْيَوْمف الآخفرف قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأفمَتّفعفهف قَلفيلاً ثفمَّ أَضْطَرّفهف إفلَى عَذَابف النَّارف وَبفئْسَ الْمَصفيرف ﴾ 9

مؤدى العبودية لله :
لقد خلق الله الإنسان وخلق له العقل الذي يميز به الصواب من الخطأ. وهو الوحيد على ما نعلم من بين جميع المخلوقات الذي أعطي حق الاختيار بناءً على تلك القدرة العظيمة والنعمة السابقة. وقد قال الفقهاء إن العقل مناط التكليف، أي إن غير العاقل غير مكلف، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:"رففع القلم عن ثلاث: عن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق" أي عن المجنون حتى يخرج من حالة الجنون. وعلى كل حال فإن الحالات الثلاث التي ذكرها الحديث هي حالات التباس. فقبل البلوغ يكون العقل غضاً، وفي النوم يكون غائباً، وفي حالة الجنون يكون مفقوداً.
وإذا كان العقل مناط التكليف، فإن الإنسان إذ ذاك يكون مسؤولاً عن تصرفاته.
ولكننا ندرك جميعاً أن هناك عوامل كثيرة قد تؤثر في قدرة العقل على النجاح في تحديد الخيارات، أهمها: الخوف والرغبة، فالإنسان يخاف المنغصات كلها ويرغب بالمتع كلها، لذلك ترى الذين يريدون أن يؤثروا على قرار أحد ما فإنهم يفعلون ذلك عن طريق ترهيبه من المنغصات أو المكدرات وترغيبه بالمتع.
والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وجعله كائناً اجتماعياً يعيش في جماعة، وجعل الجماعات متجاورة ومتداخلة، تتبادل المصالح والمكاسب أو تتنازعها وتتنافس عليها ويسعى بعضها لإخضاع بعضها الآخر أفراداً وجماعات. وإذا حصل الإخضاع حصل الطغيان والفساد وتم تجاوز الحدود التي يفترض أنها تكفل الحياة السليمة لبني البشر، وهو ما نسميه بالعدوان.
والله سبحانه وتعالى لا يريد من الخلق أن يطغى بعضهم على بعض ولا أن يعتدي بعضهم على بعض، ولا أن يظلم بعضهم بعضاً. ويريد للإنسان أن يكون حراً مختاراً.
لذلك جاء الإسلام ليقول للإنسان: أنت حر. كيف؟ إن أول آية تدل على هذه الحرية وأعظم آية تتحدث عنها هي قوله تعالى:﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهف لَا إفلَهَ إفلَّا اللَّهف﴾ 10
ماذا تعني هذه الآية؟ تعني أنه ليس لأحد من الخلق سلطة ولا قدرة للتصرف أو لتغيير ما كتبه الله تعالى للخلق، وبالتالي فإنه ينبغي للإنسان العاقل المؤمن أن لا يخشى أحداً من المخلوقين، وإنما تكون الخشية من الخالق عز وجل، أن لا يخشى أحداً لا على رزقه ولا على أجله ولا على أي أمر يشكل تهديداً له. فالله استأثر لنفسه بكل ذلك، ولم يجعل ذلك لأحد من خلقه:﴿ وَاتَّخَذفوا مفن دفونفهف آلفهَةً لَّا يَخْلفقفونَ شَيْئًا وَهفمْ يفخْلَقفونَ وَلَا يَمْلفكفونَ لفأَنففسفهفمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلفكفونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نفشفورًا ﴾11 فإذا كانت الآلهة المدّعاة على هذه الصورة من الضعف والوهن، كبقية المخلوقات، فلمَ الخوف منها؟
إن بقية الخلق مثلك أيها المخلوق في أصل الخلقة. فأنت لست أقل منهم ولا أضعف. فإن وجدت نفسك في ضعفف فمن نفسك؛ من تقصيرك وإهمالك وقلة عنايتك بتحصيل أسباب القوة المتاحة لك أصلاً ﴿ وَلاَ تَهفنفوا وَلاَ تَحْزَنفوا وَأَنتفمف الأَعْلَوْنَ إفن كفنتفم مّفؤْمفنفينَ ﴾ 12.
فالوهن ناتج عن سوء تصرف الإنسان فرداً كان أو جماعة.
فإذا استطاع الإنسان أن يتخلص من خوفه، وآمن بقدرته، وسعى لتحصيل أسباب قوته، وأدرك أن الآخرين مساوون له، بمعنى أنه كما توجد لديه ثغرات فإن للآخرين ثغرات، وكما أن للآخرين نقاط قوة فإن لديه نقاط قوة، فعندها يصبح هذا الإنسان حراً، أي متصرفاً بموجب قناعاته وبما ينسجم معها. وبهذا تكون "لا إله إلا الله" قد أخرجته حقاً من دائرة العبودية لكل أحد من الخلق، فعبودية الله تنفي عبودية سواه ومن انتفت عبوديته للمخلوقات صار حراً. وهذا ما يريده الله تعالى منّا أن لا نكون عبيداً لأحد إلا لَهف، وهو الذي خلقنا وأعطانا حرية أن نؤمن به أو لا نؤمن، أن نعمل بموجب أوامره أو لا نعمل، فكأنه بعد أن هدانا النجدين أو السبيلين؛ سبيل الخير وسبيل الشر قال لنا: اذهبوا في هذه الحياة وكونوا احراراً. فالله قد يغفر للعبد كل ذنب إلا الشرك: ﴿ إفنَّ اللّهَ لاَ يَغْففرف أَن يفشْرَكَ بفهف وَيَغْففرف مَا دفونَ ذَلفكَ لفمَن يَشَاء وَمَن يفشْرفكْ بفاللّهف فَقَدف افْتَرَى إفثْمًا عَظفيمًا﴾13.

لا إكراه في الدين :
في أكثر من آية في كتاب الله عز وجل القرآن الكريم دلالة على أن الايمان لا يكون إلا عن قناعة قائمة على الحجة والبرهان. وقد بين العلماء أنه لا يصح التقليد في العقائد، أي أنه لا يفقبل من المرء مجاراة أحد في موضوع إيماني إلا عن اقتناع بدليله.
ولا يجوز إكراه أحد على اعتقاده ﴿ لاَ إفكْرَاهَ ففي الدّفينف قَد تَّبَيَّنَ الرّفشْدف مفنَ الْغَيّف فَمَنْ يَكْففرْ بفالطَّاغفوتف وَيفؤْمفن بفاللّهف فَقَدف اسْتَمْسَكَ بفالْعفرْوَةف الْوفثْقَىَ لاَ انففصَامَ لَهَا وَاللّهف سَمفيعٌ عَلفيمٌ ﴾14
وبيّن القرآن الكريم أنه لا سلطة حتى للرسول صلى الله عليه وآله وسلم على إرغام الناس على الإيمان ﴿ وَلَوْ شَاء رَبّفكَ لآمَنَ مَن ففي الأَرْضف كفلّفهفمْ جَمفيعًا أَفَأَنتَ تفكْرفهف النَّاسَ حَتَّى يَكفونفواْ مفؤْمفنفينَ﴾15
وبيّن أن مهمة النبي هي تذكير الناس ﴿ فَذَكّفرْ إفنَّمَا أَنتَ مفذَكّفرٌ* لَّسْتَ عَلَيْهفم بفمفصَيْطفرف * إفلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيفعَذّفبفهف اللَّهف الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إفنَّ إفلَيْنَا إفيَابَهفمْ * ثفمَّ إفنَّ عَلَيْنَا حفسَابَهفمْ ﴾16
وقال أيضاً ﴿ مَّا عَلَى الرَّسفولف إفلاَّ الْبَلاَغف﴾17 فالبلاغ هو مهمة النبي والحساب على الله عز وجل.

وإذا كان الأصل هو حرية الإنسان وحقه في التزام قناعاته، فمتى تطرأ القيود على هذه الحرية؟
إن الحرية لا تكون حرية إلا في حال اتساق الفعل مع القيم الإجتماعية المتسالم عليها من المجتمع. ولا بد من الاعتراف بنوع من القيود. وهذه القيود يجب أن تكون من ضمن القناعات أو متوافقة معها، أي أن الإنسان يرى في هذه القيود مصلحة، بالمعنى الكلي للمصلحة، وهذا المعنى لا يكون ناتج فكر فردي، وإنما هو ناتج فكر الجماعة، وهو ما يتجسد في القيم التي تكون محل احترام وتقدير الجميع.
وبهذا المعنى نستطيع أن نفميّز بين الحرية والفوضى، فالحرية هي ممارسة القناعات ضمن احترام القيم الإجتماعية، أما الفوضى فهي ممارسة إرادة مخالفة للقيم، بحيث تدفع هذه الإرادة صاحبها
للخروج على القيم الاجتماعية ما يؤدي إلى اضطراب الواقع الاجتماعي والإحساس بخروج الفرد على إرادة المجتمع، فالفرق بين الفوضى والحرية أن الأولى هي ممارسة إرادة مخالفة لقيم المجتمع المحترمة، اما الثانية فهي ممارسة القناعة ضمن احترام قيم المجتمع. وبمعنى آخر إن الحرية قد تؤدي إلى مخالفة إرادة المجتمع، ولكنها لا تخالف قيمه، ووفق هذا المنطق فإن كثيراً من الممارسات التي تحصل تحت عنوان الحرية هي في الواقع فوضى، لأنها بخروجها على قيم المجتمع تؤدي إلى اضطراب الواقع الاجتماعي، وتهدد بنيان القيم، ويدخل تحت هذا العنوان ممارسة الشذوذ الجنسي، واتباع الصرعات التي تقوم على التمرد لغاية التمرد فقط.
ومن المؤسف أنه بسبب عدم قدرة بعضهم على تمييز الفرق بين الحرية والفوضى يلتبس عليهم الأمر، فيؤدي ذلك إلى رفض الاثنين معاً، وهذا ما يقع فيه بعض المتدينين، وأصحاب المشاريع الدينية.

التقوى والحرية :
وربما كان الالتباس الذي أشرنا إليه بين الحرية والفوضى قد أثر في قناعة بعضهم فاعتبر أن هناك تعارضاً بين التقوى والحرية.
فإذا كان مفهومنا عن الحرية هو ممارسة القناعة ضمن احترام القيم الاجتماعية فقيم المجتمع المسلم دون شك هي قيم الإسلام، وإذا تبنى المجتمع قيماً غير قيم الإسلام فلا نقول إنه مجتمع مسلم.
ما هو مفهوم التقوى ؟
إن مفهوم التقوى من المفاهيم الواضحة ونستدل على ذلك بآية من كتاب الله عز وجل، قال تعالى: ﴿ لَّيْسَ الْبفرَّ أَن تفوَلّفواْ وفجفوهَكفمْ قفبَلَ الْمَشْرفقف وَالْمَغْرفبف وَلَكفنَّ الْبفرَّ مَنْ آمَنَ بفاللّهف وَالْيَوْمف الآخفرف وَالْمَلآئفكَةف وَالْكفتَابف وَالنَّبفيّفينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حفبّفهف ذَوفي الْقفرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكفينَ وَابْنَ السَّبفيلف وَالسَّآئفلفينَ وَففي الرّفقَابف وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمفوففونَ بفعَهْدفهفمْ إفذَا عَاهَدفواْ وَالصَّابفرفينَ ففي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحفينَ الْبَأْسف أفولَئفكَ الَّذفينَ صَدَقفوا وَأفولَئفكَ هفمف الْمفتَّقفونَ ﴾18
ويروى أن الامام علياً عرّف التقوى فقال: هي مخافة الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضى بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.
وهذه الأوصاف الواردة في الآية القرآنية المذكورة وفي قول علي بن أبي طالب هي أوصاف للملتزمين بقيم الإسلام التي ارتضاها الله لعباده.
لذلك تستطيع أن تقول إن التقوى هي سلوك إنساني يفبتغى به رضى الله وإن لها أبعاداً تطال ذات الإنسان وتطال الإنسان الآخر، فرداً أو مجتمعاً وتطال أيضاً بقية المخلوقات، وهي تتحقق بهذه الابعاد، وانتقاص بفعدف من أبعادها يؤدي إلى تقوى ناقصة مشوهة، وهي بهذه الحالة تساوي لا تقوى، لأن فيها أخذاً لبعض الكتاب وتركاً لبعضه.
فإذا كان هذا هو مفهوم التقوى، فهل هي تتعارض مع الحرية؟
إان الذي نعتقده أن التقوى هي كمال الحرية، لأن المتقي عندما يمتنع عن فعل المعصية، أو عندما يفعل الطاعة فإنه يمارس قناعته التي يؤمن بها ويؤمن بأنها خير له من سواها، وهذا هو عين مفهومنا للحرية.
أضف إلى ذلك أن التقوى حرية ذات بعدين، بفعد داخلي وبفعد خارجي: أما البعد الخارجي فهو التزام القناعة وممارستها تجاه الآخرين دون الخضوع لضغوط الخارج أو قيوده المخالقة للقيم.
"وأما البعد الداخلي فهو التزام القناعة وممارستها دون الخضوع للضغط الداخلـي أي دون الخضوع لضغوط النفس من أهواء ورغبات وغرائز ونزوات وشهوات، وهذا ما يطلق عليه مصطلح الفلاح ".19
فإذا كانت الحرية كما يراها الآخرون تعني عدم وضع حد للميول والغرائز من الخارج، فإن الفلاح هو وضع القيود على الميول والغرائز من الداخل.
قال تعالى: ﴿ وَنَفْسف وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا ففجفورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا -* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾20
فقد عبَّرت الآيات عن القيام بتزكية النفس بأنه فلاح. والتقوى والفلاح يشكلان مفهوماً واحداً، يعني الوصول إلى الحرية، أو التحرر من ضغوط الخارج والداخل، أي من الضغوط التي يمارسها الآخرون ومن الضغوط التي تمارسها النفس على صاحبها.
وأحب أن أختم هذه الفقرة يتبين أن التزام الأمر والنهي نتيجة الإكراه لا يسمى تقوى، ولا يعتبر تقوى إلا الالتزام الناتج عن قناعة ذاتية للفرد، ولهذا نقول إن التزام سلوك المتقين بغير قناعة إنما هو رئاء أو تقية.

الحريـة السـياسـية :
عندما نتحدث عن الحرية السياسية فإننا نقصد بها حرية الإنسان في اتخاذ الموقف السياسي من أي قضية من القضايا التي تصنف تحت مسمى الشأن العام، أو بالتعبير القرآني "الأمر"
كما ورد في قوله تعالى ﴿وَأَمْرفهفمْ شفورَى بَيْنَهفمْ ﴾
فالمتبادر إلى الذهن لدى سماع هذه الآية أن أمر المسلمين قائم على الشورى اي تبادل الآراء والأفكار ومناقشتها والخلوص إلى النتائج التي تجلب المنافع للأمة وتدفع عنها المفاسد.
والأمر إذن هو ما يهم المجتمع سواءً تعلق بالمسألة السياسية كاختيار الحاكم أو النظام العام، وصولاً حتى أدنى المصالح التي تهم المجتمع أو الأمة.
وعندما نتحدث عن الشورى فإننا نفهم منها تداول الرأي في المسألة، وهذا يعني حتماً أن الآراء متعددة وليست رأياً واحداً، وفي هذا إقرار بوجود الرأي الآخر وبحقه في التعبير عن ذاته.
ولقد حاول بعض الإسلاميين التمييز بين الشورى الإسلامية والديموقراطية الغربية، باعتبار أن مرجعية الشورى الإسلامية هي الشرع الإلهي بينما مرجعية الديموقراطية هي الشعب أو الشرائع الوضعية.
وهذا الالتباس ليس دقيقاً، ليس على إطلاقه. وعلى كل حال فإن الديموقراطية بحد ذاتها ليست ديناً، وانما هي نظرية سياسية تكفل آلية تحاكم تظهر من خلالها إرادة المجتمع، وتضمن خضوع السلطة
والمجتمع لهذه الإرادة.
ومع الإقرار بأن هذه الآلية غالباً ما يشوبها خلل في التطبيق بسبب تدخل المصالح والضغوط المختلفة، إلا أنها إذا سلمت من العيوب فلا تتعارض مع مبادىء الإسلام التي تأمر بالشورى والمساواة والعدالة، كآلية لتحديد اتجاه الأغلبية في كل قضيّة، مع الإشارة إلى أن الأسس الفلسفية الديموقراطية، التي يتعلل بها الرافضون للديموقراطية في رفضهم، لا تشكل خطراً. فممَّ خوف الخائفين من المسلمين من ترك الإرادة العامة للناس تختار ما يناسبها ضمن الضوابط الإسلامية في ظل مجتمع مسلم؟
تختلف دوافع الأفراد وربما الجماعات في سعيها للإمساك بالسلطة بين دوافع حميدة وأخرى غير محمودة، إلا إنه وفي جميع الحالات لن تجد طالب سلطة إلا ويزعم أنه إنما يريد السلطة من أجل الخير العام.
ولا بد لكل ذي سلطان من أناس يرفضون وجوده في السلطة لأسباب
تختلف من جهة لأخرى، وهؤلاء يسمون في الأنظمة السياسية المعاصرة بـ "المعارضة". ووفقاً للنظرية الليبرالية تغدو المعارضة ضرورية، ولو لم تكن موجودة لوجب ايجادها لأنها تمثل الجهة التي تراقب أداء الحاكم وتنتقد هذا الأداء ما يؤدي إلى الاهتداء إلى العيوب والقيام بإصلاحها نظرياً على الأقل. وقديماً قيل نصف الناس أعداءٌ لمن ولي الأحكام هذا إن عدل.
فما هو موقف الإسلام من المعارض؟ وهل هي مقبولة أم مرفوضة ؟
من المعروف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة كل مسلم بحدود قدرته وطاقته ومعرفته. وقد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلمأن الدين هو النصيحة فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. فتضح الأئمة من مهام كل مسلم. وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة. وهذا هو جوهر عمل المعارضة حقيقة.
بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى ذي سلطان جائر فنصحه، فقتله"
ومع ذلك يزعم بعضهم أن المعارضة مرفوضة في الإسلام بدليل قوله عليه السلام "من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية". رواه مسلم.
وتدل الوقائع التاريخية على تهافت هذا الزعم لجهة أن المعارضة محظورة في الدولة الإسلامية ومنها:
الخلاف يوم السقيفة، فبعد وفاة الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اختلف المهاجرون والأنصار حول أحقية كل منهم في الخلاقة. كما اختلف المهاجرون فيما بينهم. ولم تنته تلك الخلافات ولا آثارها بتولي أبي بكر الصديق الخلافة. فقد رفض علي مبايعة أبي بكر والتف حوله رهط من بني هاشم يريدونه الخليفة على المسلمين. واستمر الأمر لمدة ستة أشهر.وقد جرت حوارات عديدة بين علي وابي بكر
والمؤيدين له ولم تفلح في ثني علي عن موقفه. وحسم أبو بكر الأمر بتسليمه بحق علي في المعارضة وعدم البيعة وذلك عندما قال عمر بن الخطاب لعلي :
لست متروكاً حتى تبايع.
فتدخل أبو بكر قائلاً لعلي : " إن لم تبايع فلا أكرهك". واستمر علي في معارضته ولم يبايع إلا عندما هدد خطر القبائل المرتدة المدينة ووحدة الدولة الإسلامية، فكانت بيعته ذات بعد استراتيجي، ينم
عن فهم سليم لمعنى المعارضة وهو حفظ الدولة المسلمة، وقد قال قولته المشهورة:"لأسالمن ما سلم الإسلام" أو " لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين".
وإذا كانت معارضة علي انتهت بعد فترة وجيزة فإن من الصحابة من وافاه الأجل ولم يبايع. فهذا هو سعد بن عبادة يرفض إعطاء البيعة لأبي بكر ومن بعده لعمر، ولم يحدث أن أكرهه أحد على البيعة
أو حكم بخروجه من ربقة الدين. 21
ولا يمكن إغفال مواقف مثل موقف أبي ذر الغفاري في معارضته لعثمان بن عفان الذي نفاه إلى الربذة ولكنه لم يحكم عليه بالمروق من الدين.
والمعارضة كما تصح من الأفراد فإنها تصح من الجماعة، فليس من المحظور قيام الجماعة المعارضة المنظمة بل إن الآية الكريمة تقول:
﴿ وَلْتَكفن مّفنكفمْ أفمَّةٌ يَدْعفونَ إفلَى الْخَيْرف وَيَأْمفرفونَ بفالْمَعْرفوفف وَيَنْهَوْنَ عَنف الْمفنكَرف وَأفوْلَئفكَ هفمف الْمففْلفحفونَ﴾.
وهذا هو مفهوم المعارضة الجادة والهادفة، وليس المعارضة العبثية أو الصورية كالتي نراها ونسمع عنها في كثير من بلدان أمتنا، وهي المعارضة التي تهدف إلى إعطاء الشرعية
للأنظمة الحاكمة المستبدة، وليس إلى الإصلاح والتغيير نحو الأفضل.

خاتمة
وأخيراً، إن ما يزعمه بعضهم من أن تلك هي طريق الفرقة والتنازع فليس إلا وهماً وتهويلاً، وتقوية لإمكانية ظهور الظلم والاستبداد. الفرقة في الدين هي غير التعددية في السياسة.
وإذا كانت الأولى مذمومة لما تسببه من أذى على مستوى العقيدة والوحدة، فإن شؤون سياسة الأمة وعمران المجتمعات لا تستقيم عادة بوحدانية الفكر والفردية في الاجتهاد والقرار،
وإنما بتلاقح الأفكار وبالحوار والنقاش وتقليب الرأي وصولاً إلى ما فيه المصلحة العامة.

الهوامش
1 د. خضر خضر. مدخل إلى الحريات العامة وحقوق الإنسان ص 19 – 20.
2- مدخل إلى الحريات العامة وحقوق الإنسان د.خضر خضر. ص 20
3- المصدر نفسه، ص 23.
4- برونسلاف مالينوفسكي، صاحب كتاب الحرية والحضارة – راجع منيف الرزاز: الحرية ومشكلتها في البلدان المتخلفة.
5- هارولد لاسكي، صاحب كتاب الحرية في الدولة الحديثة. راجع منيف الرزاز- المصدر السابق.
6- د. خضر خضر. مدخل إلى الحريات العامة وحقوق الإنسان ص 19 – 20.
7- سورة الكهف الآية 18.
8- سورة الإنسان الآية 3.
9- سورة البقرة، الآية 126.
10- سورة محمد، الآية 19.
11 - سورة الفرقان، الآية 3.
12- سورة آل عمران، الآية 139.
13- سورة النساء، الآية 47.
14- سورة البقرة، الآية 256.
15- سورة يونس، الآية 99.
16- سورة الفاشية، الآيات 21-26.
17- سورة المائدة، الآية 99.
18- سورة البقرة، الآية 177.
19- مطالعات في الدين والإسلام والعصر. د. محمد خاتمي، ص 122.
20- سورة الشمس الآيات 7 – 10.
21- راجع كتاب د. محمد عمارة. الإسلام وحقوق الإنسان ضرورات لا حقوق، سلسلة عالم المعرفة، رقم الكتاب 89، رقم الصفحة 87.
صادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت.

الشيخ مصطفي ملص

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
الحريات ، العامة ، الإسلام ،









الساعة الآن 08:18 AM