logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





20-12-2015 08:18 صباحاً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 28-12-2014
رقم العضوية : 1558
المشاركات : 310
الجنس :
تاريخ الميلاد : 7-1-1985
الدعوات : 2
قوة السمعة : 140
المستوي : ليسانس
الوظــيفة : متربص

الولي في القانون الجزائري


مقدمة :


الزواج في الشريعة الإسلامية له شقاق، الأول ديني يتعلق بالحقوق الشرعية و الواجبات الملقاة على طرفي العقد لتحقيق المقاصد الشرعية من عقد الزواج، أما الثاني دنيوي يتعلق بإنشاء الأسرة الصالحة لخدمة المجتمع الإسلامي، لهذا يمكن أن نقر أن الزواج المبني على أسس سليمة يترتب عليه نشوء الأسرة الصالحة، و المجتمع الإسلامي الصالح. و الزواج الذي ينتهك هذه التشريعات و القوانين يترتب عليه نشوء الأسرة المنحلة، و بالتالي المجتمع الفاسد لان ما بني على باطل فهو باطل.


فالمرأة قبل صدور الإسلام كانت مغرمة الحق، منزوعة الكرامة، حيث كانت تكره على الزواج في مختلف الشرائع القديمة(المسيحية و اليهودية) و حتى عند العرب في الجاهلية. فكانت للأب سلطة مطلقة لإجبار البنت على الزواج سواء كانت كبيرة أو صغيرة، بكرا أو ثيبا، أي إرادتها كانت مسلوبة فيزوجها ممن يختار هو (الولي) أو يمنعها ممن تراه كفأ لها، إلى أن ظهر الإسلام و كفل لها جميع حقوقها و اعترف لها بالإنسانية و حقها في الرأي، أي جعلها شريكة الرجل في الدين و مقومات الحياة فوضع حدا لهذا الجبر و التسلط الذي كان يمارس على الفتاة في الزواج، فأعطاها الحق في اختيار شريك حياتها و على هذا الأساس أوجب على وليها اتخاذ إذنها في تزويجها.


هذا ما سنحاول دراسته في موضوعنا هذا، و هو الولاية في عقد الزواج في ظل التعديل الجديد لقانون الأسرة الجزائري، الذي يعتبر محل نقاش و جدل في الفقه و القانون. فأثار عدة تساؤلات منذ القدم و لا يزال يطرحها إلى يومنا هذا أي التشريعات الحديثة أهمها ما مدى سلطة الولي على المولى عليه في تزويجها؟ و ما حكم تزويج المرأة نفسها أو بدون وليها؟.


المبحث الأول : ماهية الولاية


بما أن الولاية في عقد الزواج من الموضوعات التي طرحت تساؤلات منذ القدم و كانت محل اختلاف بين الطوائف و المذاهب الفقهية، و حتى نتمكن من توضيح هذه الإشكالية نتطرق في هذا المبحث إلى مفهوم الولاية في عقد الزواج الذي نصت عليها المادة 9 مكرر من الأمر رقم 05-02 المؤرخ في 27 فبراير 2005 المتضمن تعديل قانون الأسرة على انه يجب أن تتوفر في عقد الزواج الشروط الآتية: أهلية الزواج، الصداق، الولي، شاهدين، انعدام الموانع الشرعية للزواج، و لذلك قسمنا هذا المبحث إلى مطلبين الأول تطرقنا فيه إلى تعريف الولاية و الطبيعة القانونية لها و المطلب الثاني أنواع الولاية و شروطها.


المطلب الأول : تعريف الولاية و الصيغة القانونية لها


لما كانت الولاية من أهم الانشغالات التي تناولها الفقه و أخضعها لآرائه و انتقاداته فان تعريف الولاية و طبيعتها القانونية لم تَسْلم من ذلك، و هذا ما نتطرق إليه في هذا المطلب الذي قسمناه إلى فرعين الأول نتناول فيه تعريف الولاية و الثاني الطبيعة القانونية لها.


الفرع الأول : تعريف الولاية لغة و شرعا


لقد جاءت للولاية في عقد الزواج عدة تعاريف و ذلك باختلاف الفقهاء و يتأرجح مفهومها بين المفهوم اللغوي و الاصطلاحي و هذا ما سنحاول التطرق إليه.


أ-الولاية لغة :


الولاية بفتح الواو و كسررها مصدر فيقال ولي عليه ولاية إذا أمكن أمره و قام به و من معاني الولي أيضا النصير، و منه قوله تعالى } و مالكم من دون الله من ولي و لا نصير{سورة البقرة-الآية 107.


فالولاية لها معاني كثيرة منها النصرة و المحبة و المعاونة و القائم بأمر الشخص المتولي شؤونه فالولي لغة يعني الصديق فهو الملاذ و الملجأ الحصين للمرأة


- جاء في لسان العرب، الولاية مصدر ولي أي أولى عليه ولايته، فمن فتحها جعلها بعض النصرة و النسب، و من كسرها و جعلها بمعنى السلطات، و ولي اليتيم الذي يولي أمره و يقوم بكفالته و ولي المرأة الذي يولي عقد النكاح، و لا يدعها تستبد بعقد النكاح دونه النصرة هم على ولاية أي مجتمعون في النصرة و الولاية على الإيمان واجبة مصداقا بقوله تعالى } المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض {سورة التوبة- الآية 71.


ب - الولاية شرعا :


سلطة شريعة أو حق شرعي تخول لصاحبها إنشاء العقود و التصرفات و جعلها نافذة سواء كان موضوع التصرف هو أو يخص من في ولايته ممن عليه سلطة مستمدة من الشارع أو مستمدة من الغير بما في ذلك تصرفات الوكيل في حدود عقد الوكالة.


- كما اعتبرها الفقهاء شرطا لصحة عقد الزواج، و اعتبرها الحنيفة شرطا للنفاذ حيث لا يصح عقد الزواج إذا كان مما ليس له صفة في إنشاء العقد و يصح إذا كان لمباشرة سلطة الولاية.


و الولاية بوجه عام إما أن تكون قاصرة فترتبط في هذه الحالة بالأهلية لأنها لا تتعلق بالشخص نفسه و أما إن تكون متعدية و هي ولاية الشخص على الغير.


- اختلف الفقهاء حول تعريف الولاية فعرفت على أساس قيام شخص كبير راشد على شخص قاصر في تدبير شؤونه الشخصية و المالية و هي أيضا شرعية تمكن صاحبها من مباشرة العقود و ترتب أثارا عليها دون توقف على إجازة احد و ما يمكن استخلاصه من هذه التعاريف ما يلي :


- مصدر ثبوت هذه الولاية في القران الكريم و السنة الشريفة و هي السلطة الثابتة من حيث الشرع.


- وجوب توافر شروط للقيام بالعقود الشرعية و المالية و من هذه العقود الشرعية ما يتصل بالشخص مثل تزويج نفسه و بيعه لماله و هنا تسمى الولاية قاصرة، أما إذا كانت متعلقة بالغير كتزويج ابنته و تصرفه في مالها أو مال ولده فتكون ولاية متعدية.


فالولاية بدورها تنقسم إلى: ولاية على النفس و ولاية على المال.


أولا : الولاية على النفس:


و هي للأب عند عدمه و لا يملكها غيرهما من الأقرباء فهي تشتمل كل ما يحتاج إليه القاصر من عناية و رعاية و من ذلك:


- التأديب و التهذيب و تعويده على الأخلاق الحسنة و أبعاده عن رفاق السوء و مواطن الفساد.


- رعاية صحته و نموه الجسمي و حمايته من الأمراض و علاجه منها.


- تعليمه و تثقيفه في المدارس التي تتولى ذلك أحسن وجه.


- توجيهه إلى حرفة يكسب بها معيشة حتى لا يكون عالة على المجتمع.


- الإشراف على زواجه و اختيار من يتزوج بها.


فهذه الولاية تكون للأب ثم للجد العصبي ثم لأقاربه من العصبة.


ثانيا : الولاية على المال :


هي الإشراف على شؤون القاصر بحفظ ماله و تنميته و انتقاء حقوقه و الإنفاق عليه بما تقتضيه مصلحته و حاجاته.


و هذه الولاية تكون للأب ثم للجد العصبي عند عدمه فحسب و ليس لغيرهما من الأقرباء هذه الولاية إلا باختيار بينهما أو من القاضي و عندئذ يعتبر الولي القريب وصيا يأخذ حكم الأوصياء


فعقد الزواج من عقود الولاية على النفس و عليه يقتصر موضوع البحث على الولاية المتعدية بالولاية على النفس التي تخول لصاحبها سلطة إبرام عقد الزواج و الولاية على النفس يتولاها الأقربون من العصبات كقرابة الأب إن وجدت أو الأم أو الأقارب ذوي الأرحام.


و قد نصت الشريعة الإسلامية على شرط الولاية وفقا لمصادر الاستدلال التالية :


- في القران الكريم قوله تعالى: } فانكحوهن بإذن أهلهن {و جاء في الحديث الشريف: }لا نكاح إلا بولي {و من جهة أخرى فالولاية تنقسم لاعتبارات مختلفة:


أولا : من حيث ذاتها إلى ولاية عامة و إلى ولاية خاصة فالعامة كولاية القاضي، و الخاصة كولاية الأب و الجد.


و الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة لان صاحب الولاية العامة لا يزوج إلى عند عدم وجود ولي خاص.


ثانيا : و من حيث ثبوتها للإنسان على نفسه أو غيره إلى ولاية قاصرة وولاية تامة.


فالقاصرة هي ولاية الشخص على نفسه و لا تنفك عن أهلية الأداء، فمن يثبت له أهلية الأداء الكاملة، كانت له ولاية قاصرة على نفسه و من انتفت عنه لم يكن له على نفسه من ولاية.


و الولاية التامة هي التي تخول للإنسان فضلا عن التصرف في شؤونه لنفسه، التصرف في شؤون غيره و لو جبرا عن ذلك الغير.


ثالثا : تنوع الولاية على النفس و إلى ولاية على المال


فالولاية على المال هي القدرة على مباشرة التصرفات المالية، التصرف نافذا.


الولاية على النفس تتمثل في أمرين :


1- في التربية و الحفظ أي شؤون الرضاع و الحضانة و الضم و ما يتعلق بها.


2- في التزويج


الولي هو أبو الزوجة أو الوصي أو الأقرب من عصبها أو ذوي الرأي من أهلها أو السلطان لقوله صلى الله عليه و سلم: }لا نكاح إلا بولي { و قول عمر رضي الله عنه: }لا تنكح المرأة إلا بإذن وليهاأو ذوي الرأي من أهلها أو السطان { .


و رأي الجمهور أن النكاح لا يصح إلا بولي، و لا تملك المرأة تزويج نفسها و لا غيرها، و لا توكيل غير وليها في تزويجها، فان فعلت و لو كانت بالغة عاقلة رشيدة لم يصح النكاح، و هو رأي كثير من الصحابة رضي الله عنهم.


و من أدلتهم :
حديث عائشة و أبي موسى و ابن عباس } لا نكاح إلا بولي {و حديث عائشة: }أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، باطل، فان دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فان اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له { .


و حديث أبي هريرة: }لا تزوج المرأة نفسها، فان الزانية هي التي تزوج نفسها { .


و مهما يكن من خلاف في ولاية المرأة فانه يجب على الولي أن يبدأ بأخذ رأي المرأة و يعرف رضاها قبل العقد إذ أن الزواج معاشرة دائمة و شركة قائمة بين الرجل و المرأة.... و لا يدوم الوئام و يبقى الود و الانسجام ما لم يعلم رضاها.


الفرع الثاني : الطبيعة القانونية للولاية في عقد الزواج


اختلف الفقهاء في طبيعة الولي في عقد الزواج فاعتبره المالكية و الشافعية و الحنابلة شرط صحة و قد استدل جمهور الفقهاء على أن الولاية شرط من الشروط الضرورية في الزواج اعتمادا على الأدلة التالية:


من القرآن: قوله تعالى : }و انكحوا الأيامى منكم و الصالحين من عبادكم {


و قوله تعالى : }و إن طلقتم النساء فبلغن اجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف {


و وجه الدلالة في الآية أن الله تعالى يخاطب أولياء النساء فينهاهم عن منعهن من الزواج بمن يرضينه لأنفسهن زوجا، فلو لم يكن لهؤلاء الأولياء حق المنع لما كان خاطبهم بمثل هذا الوجه لأنه كان يكفي أن يقول النساء إذا منعتن من الزواج فزوجوا أنفسكن و قد فسرها الشافعي انه أصلح آية في الدلالة على ضرورة الولي.


و قوله تعالى : }ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا و لَعبد مؤمن خير من مشرك و لو أعجبكم {


و الخطاب في هذه الآية موجه إلى الأولياء فكان دليلا على أن المرأة لا يحق لها تزويج نفسها و لا أن يتزوج غيرها و إنما الذي يزوجها هو وليها.


من السنة :
فقد روي أن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال: }لا تزوج المرأة المرأة و لا تزوج المرأة نفسها فان الزانية هي التي تزوج نفسها {


و قوله أيضا عليه الصلاة و السلام: }لا نكاح إلا بولي و شاهدي عدل {


و دليلهم من هذا الحديث واضح حيث يفهم من عبارته الصريحة نفي صحة الزواج و بطلانه بدون ولي.


و فيما رواه الزهري عن عائشة رضي الله عنها و هو أن النبي صلى الله عليه و سلم قال } أيما امرأة نكحت نفسها بغير وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل {و ربما هذا الحديث كان أقوى ما استدل به جمهور الفقهاء على ضرورة الولي، و هذا لوضوح الحديث و عبارته الصريحة.


و على خلاف جمهور الفقهاء الذين يرون أن الولي في الزواج اعتبر أبو حنيفة النكاح صحيحا إذ تم بدون ولي و بالتالي هو ليس شرطا من شروط الصحة، فاعتبر علماء الحنفية الولاية في الزواج بالنسبة للمرأة أو غيرها ليست شرطا من شروط الصحة و ليس ركنا في عقد الزواج لذلك يسميها علماء الحنفية ولاية الاستحباب أي أن المرأة العاقلة البالغة تستطيع أن تزوج نفسها سواء كانت ثيبا أو بكرا و ذلك متى كان المهر مهر المثل و الزوج كفأ لها و في حالة تخلف هذين الشرطين أعطى لوليها حق الاعتراض و المطالبة بفسخ النكاح و قد اعتمدوا على الأدلة التالية :


من الكتاب :
قوله تعالى }فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره { ووجه الاستدلال في هذه الآية انه إن طلق الزوج زوجته فيمكن أن يراجعها بعد أن تتزوج برجل غيره و لكن هنا زواجها من الزوج الثاني يكون بدون اشتراط الولي.


وقوله تعالى في الآية الثانية: } فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف و الله بما تعملون خبير { ووجه الاستدلال في هذه الآية على عدم اشتراط الولي في النكاح أنها تضمنت النهي عن التريث عليهن في ما قد يفعلنه في أنفسهن دون أوليائهن بما هو متعارف و لكن يكون ذلك الفعل إلا عقد النكاح.


من السنة :
حديث ابن عباس رضي الله عنه- من أن جارية بكرا أتت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فذكرت أباها زوجها و هي كارهة فخيرها رسول الله صلى الله عليه و سلم- من هذا الحديث يثبت بان شرط الولي ليس أساسي في عقد الزواج


وقوله عليه الصلاة و السلام: }الأيم أحق بنفسها من وليها و البكر تستأمر و إذنها صمتها { . و الأيم هنا نعني بها الإمرة التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا. و الاستدلال في هذا الحديث واضح في عدم اشتراط الولي في الزواج و أن للمرأة الحق في تزويج نفسها من غير وليها.


غير أن المشرع الجزائري بين الطبيعة القانونية للولي من خلال المادة 9 مكرر من قانون الأسرة الجديد و اعتبره شرط صحة بعد أن كان ينص عليه كركن و ذلك بما جاء في نص المادة: « يجب أن تتوفر في عقد الزواج الشروط الآتية :


- أهلية الزواج


- الصداق


- الولي


- شاهدان


- انعدام الموانع الشرعية للزواج ».


و أيضا ما جاء بنص المادة 11 المعدلة من ذات القانون حيث نص على انه «تعقد المرأة الراشدة زواجها بحضور وليها » من خلال هذا يتبين لنا و لأول وهلة أن المرأة هي التي تباشر عقد زواجها أما وليها فيشاركها بحضوره لعقد الزواج، و من ثمة إذا تخلف هذا الولي فلن يؤثر بأي شيء على عقد زواج ابنته لان حضوره لعقد الزواج اختياري لا إجباري باعتبار أن المرأة راشدة تعرف ما ينفعها و ما يضرها، كذلك جاء في نص المادتين المعدلتين 32،33 التي نصها على التوالي: «يبطل الزواج إذا أشتمل على مانع أو شرط يتنافى و مقتضيات العقد » و «يبطل الزواج إذا اختل ركن الرضا، إذ أن الزواج بدون شاهدين أو صداق أو ولي في حالة وجوبه، يفسخ العقد قبل الدخول و لا صداق فيه، و يثبت بعد الدخول بصداق المثل ».


المشرع رتب الفسخ في حالة ما إذا تم الزواج بدون ولي في حالة وجوبه أي أثناء ولايته على القصر، أما في ولايته على المرأة الراشدة فوجوده كعدم وجوده في عقد الزواج و بما انه رتب الفسخ بأنه اعتبر الولي شرط صحة لكن عكس الرضا الذي نص عليه صراحة بأنه يبطل عقد الزواج احتل ركن الرضا.


المطلب الثاني :أنواع الولاية و شروطها


الفرع الأول : أنواع الولاية


يقوم الإنسان بعدة تصرفات إما تكون متعلقة بشخص المولى عليه فتشمل القيام بشؤونه مثل تعليمه و تزويجه، و تسمى الولاية على النفس، و إما أن تكون متعلقة بمال المولى عليه فتشمل إيجاره، و البيع و الشراء بأمواله لمصلحته، و تسمى هذه الولاية الولاية على المال أما جمعهما فيسمى الولاية على النفس و المال، فهذه أنواع الولاية باختصار سبق و أن اشرنا إليها و الذي يهمنا هنا هو الولاية على النفس و هي ولاية منذ ولادة الطفل حتى انتهاء حضانته إن ضم إلى من له الولاية على نفسه، و ذلك ليقوم على إتمام تربيته التي تبدأ بالحضانة ليعمل على حفظه و حمايته حتى تنتهي مدة هذه الولاية كما يمكن أن يتولى عقد زواجه.


و الولاية على النفس قد تكون قاصرة و قد تكون متعدية فالولاية القاصرة يكون لصاحبها حق تزويج نفسه و غيره.


أولا : الولاية الشرعية


مصدرها الشرع ابتداء كولاية الأب على ابنه و الجد على حفيده و في هذه الحالة يمكن تسميتها بالولاية الشخصية لأنها مستمدة من الغير إنما هي ثابتة له شرعا بمقتضى صفة القرابة باعتباره من العصبة بالنفس فهي ملازمة للولي فلا يصح منه التنازل عنها أو إسقاطها، و كان حق الغير قد تعلق بها إلا أن يوجد سبب لإسقاطها فهذا يقرره الشرع و القانون مثلا كالمجنون وقال لحديث الرسول صلى الله عليه و سلم: }أنت و مالك لأبيك {


ثانيا : الولاية المتعدية


هي سلطة ثابتة يتم بمقتضاها تنفيذ أقوال و تصرفات الولي على المولى عليه جبرا، و هدف الولاية هو تمكين في تعليم المولى عليه و القيام بشؤونه و التصرف في أمواله على أساس من المصلحة و الاعتبار.


ثالثا: ولاية الغير


مصدرها الغير كولاية الوصي و الوكيل و القاضي، حيث أن الولي يستمد سلطته على المولى عليه من الموصي كوصية الأب أو الجد مثلا و قد تكون الولاية عامة كولاية القاضي و السلطان عملا بحديث الرسول صلى الله عليه و سلم }السلطان ولي من لا ولي له { .


و سلطة الولي على المولى عليه ليست بدرجة واجبة، و قد تكون ولاية الشخص على غيره قوية و قد تكون ضعيفة، فهي قوية إذا كانت تخول لمن يمارسها إجبار المولى عليه على التزويج و الختان حتى في غير الحالات المادية مادام الولي يعتقد أن ما يقدم عليه يعود بالمصلحة و النفع على المولى عليه، لكن ما يهمنا في هذا الموضوع هو الولاية في عقد الزواج على أساس أن الولاية في العقد لها أهمية و هذا ما يمكن إبرازه مع تبيان ما يترتب عليها من نتائج عند سقوطها أو تخلفها أي إبرام عقد الزواج بدون حضور الولي


الفرع الثاني : شروط الولي


المشرع أحجم عن وضع نص لتحديد الشروط الواجب توافرها في من يكون وليا في عقد النكاح و عند سكوت المشرع علينا بالرجوع إلى القواعد العامة لضبط شروط الولي لأنه ليس كل ولي صالح لإبرام عقد الزواج، بل لا بد من توافر شروط خاصة في الولي الذي يتولى عقد الزواج و قد بين الفقهاء هذه الشروط المطلوب توافرها في الأتي:


أولا : الأهلية


تعتبر من الشروط المتفق عليها و تعتبر الأهلية في الشريعة الإسلامية هي صلاحية الشخص للإلزام، و الالتزام بمعنى أن يكون الشخص صالحا لان يلزمه حقوق لغيره و تثبت له حقوق قبل غيره، أما الأهلية في القانون فهي صلاحية الشخص لتلقي الحقوق و تحمل الواجبات غير أن الأولى منها تلقي الحقوق تثبت للشخص منذ ولادته بينما الثانية أداء الواجب تندرج بتدرج السن و تتأثر بالعوارض التي قد تعترض الشخص في حياته و إذا لم تتأثر بعوارض يكون لصاحبها الحق في القيام بشؤونه و شؤون غيره.


أما ناقص الأهلية مثل السفيه و المميز الذي لم يبلغ سن الرشد المحدد في المادة 40 من القانون المدني التي تنص على أن: «كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، و لم يحجر عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية و سن الرشد(19) سنة كاملة » أما عديم الأهلية كما لو كان صغير السن و لم يبلغ من العمر 16 سنة وفقا لما جاء في المادة 42 « لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغره في السن أو عته أو جنون يعتبر غير مميز من لم يبلغ السادسة عشرة سنة»


فهي تكتمل بالبلوغ و العقل و الحرية فلا ولاية لعدم البلوغ و لا ولاية للمجنون و المعتوه( ضعيف العقل) و السكران و كذا مختل النظر بهرم( و هو كبر السن) أما الحرية فلا مكان لها في عصرنا هذا إلغاء الرق.


فإذا كان الشخص مجنونا أو معتوها أو مصابا بمانع من موانع الأهلية أو عارضا من عوارضها كان في حاجته إلى من يقوم بشؤونه فكيف تسند له أمور غيره ما دامت أن أموره في حاجة إلى من يرعاها لان الذي تسند إليه أمور غيره يجب أن يكون قادرا على حفظها و صيانتها.


ثانيا : اتحاد الدين :
كذلك يعتبر من الشروط المتفق عليها.


يشترط في الولي أن يكون مسلما فلا ولاية لغير مسلم و ذلك لقوله تعالى: }و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا { لان الزواج في نظر الشريعة الإسلامية عقد دين يترتب عليه نتائج بالغة الأهمية لا تتوقف أثارها على أطراف العقد بل تتعداها إلى المجتمع و هذا كله خاص بزواج المسلمة من المسلم لان ولاية الكافر لا تصح و هذا بنص الآية الكريمة: } و الذين كفروا بعضهم أولياء بعض {و قوله تعالى: }لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين{


و هذا الشرط متفق عليه بين الفقهاء و أهمية هذا الشرط تستمد من كون الولاية رعاية مصالح المولى عليها المبنية على الرحمة و المودة و هي صفات لا يمكن تصورها بين عدوين في العقيدة.


و قد منع جل شانه التقارب بين الكافر و المؤمن في قوله تعالى: }و لا تمسكوا بعصم الكوافر {و هذا ما سلكه المشرع الجزائري عندما منع الزواج بين المسلمة و غير المسلم لكي لا يعلو الزوج على زوجته و يتسلط عليها لهذا نص المشرع في المادة 30 الفقرة 1.
من قانون الأسرة: « يحرم من النساء مؤقتا: المحصنة، المعتدة من طلاق أو وفاة، و المطلقة ثلاثا، كما يحرم مؤقتا الجمع بين الأختين أو بين المرأة و عمتها أو خالتها سواء كانت شقيقة أو لأب أو لأم أو من رضاع زواج المسلمة من غير المسلم » كما نصت المادة 32 من قانون الأسرة على أن: «يبطل الزواج إذا أشتمل على مانع أو شرط يتنافى و مقتضيات » العقد في هذه الحالة يفسخ العقد إن ارتد الزوج، و ذلك لمنع حصول ولاية الرجل على المرأة كولاية السلطان على الرعية، لان مركز الرجل أقوى من مركز المرأة فيعلو بكفره على إسلامها و في ذلك إهانة لها و لعقيدتها و حتى تنطبق الآية } الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض {لذا منع المشرع الجزائري زواج المسلمة بكافر سواء كان كافرا قبل العقد أو بعده و هذا تطبيقا لأحكام الشريعة الإسلامية التي تشترط أن يكون الولي في عقد الزواج مسلما.


و طبقا للحديث : }الإسلام يعلو و لا يعلى عليه {و يستثني من ذلك الإمام أو نائبه لان له الولاية العامة على جميع المسلمين.


ثالثا: العدالة :


فهي تعتبر من الشروط المختلف فيها من قبل الفقهاء في هذه الحالة المشرع الجزائري قد فرض هذا الشرط و إن لم يكن واضحا في صلب النصوص القانونية فالمشرع لم يبين لنا الشروط الواجب توافرها في الولي و لان المادة 222 تحيل إلى أحكام الشريعة الإسلامية عند انعدام النص و إن كان هذا الشرط محل خلاف بين الفقهاء فمنهم من اشترطها و منهم من أسقطها و لكل فريق حجته فالإمام احمد و الشافعي يريان ضرورة العدالة في الولي مستدلين بحديث الرسول صلى الله عليه و سلم قال: } لا نكاح إلا بولي و شاهدي عدل و أيما امرأة انكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل {لان الولي لا يكون موصوفا بالرشد إلا إذا كان عدلا أمينا في ذاته، ثم أساس هذه الولاية هو مراعاة مصلحة المولى عليها و غير عادل قد لا يراعى ذلك و بالتالي يحرم من هذه الولاية و الإمام مالك و أتباعه لا يعتدون بشرط العدالة في الولاية و يرون أن الفاسق يتمتع بالولاية الكاملة على نفسه حيث يزوج نفسه و يتصرف في أمواله و لا مانع من أن يتولى أمر غيره لان مناط هذه الولاية هو النفقة بأولاده و لا يحول دون رعاية مصلحة قريبته و إن كان أصحاب هذا الرأي في الأخير قيدوا تنفيذ زواجه لابنته أو من في ولايته شروط هي:


- أن يكون الزوج كفئا لها.


- أن يكون لها مهر المثل


رابعا : الذكورة


شرط عند الجمهور غير الحنفية فلا تثبت ولاية الزواج للأنثى لان المرأة لا يثبت لها ولاية على نفسها فعلى غيرها أولى.


و قال الحنيفة ليست الذكورة شرطا في ثبوت الولاية، فللمرأة البالغة العاقلة ولاية التزويج عندهم بالنيابة عند الغير بطريق الولاية أو الوكالة


المبحث الثاني : أقسام و ترتيب الولاية في عقد الزواج و جزاء تخلفه
من خلال ما سندرسه في هذا الفصل سنواجه عدة إشكالات مطروحة منذ القدم و كانت محل اختلاف بين الفقهاء في ولاية التزويج، دارسين أيضا موقف المشرع الجزائري منها، ففي المطلب الأول نتطرق إلى أقسام و ترتيب الولاية في عقد الزواج و في المطلب الثاني جزاء تخلف الولاية في عقد الزواج.

المطلب الأول : أقسام و ترتيب الولاية في عقد الزواج
إن ما سندرسه في هذا المطلب ثبوت هذه الولاية في قسميها التي جاء بها الفقهاء كفرع أول ثم كفرع ثاني ندرس ترتيب هذه السلطة موضحين في كل من الفرعين ما جاء به الفقهاء مع ما جاء به المشرع الجزائري.

الفرع الأول : أقسام الولاية في عقد الزواج
لقد تضاربت آراء الفقهاء في سلطة الولي في عقد الزواج عن المولى عليه، و ذلك راجع إلى اختلاف المولى عليه بين أن يكون صغيرا أو كبيرا، بكرا أو ثيبا هذا جهة، أما من جهة أخرى فاختلاف الأشخاص الذين يمارسونها لذلك قاموا بتقسيم هذه الولاية إلى ولاية اختيار وولاية إجبار.

أولا: ولاية الاختيار
تعريفها:
هي التي لا يستطيع الولي أن يستبد بتزويج المولى عليه بل لا بد أن تتلاقى إرادة الزوجة مع إرادة الولي و يشتركا في الاختيار و يتولى هو الصيغة
و تعرف أيضا هي التي تخول للولي الحق في تزويج المولى عليه مع إشراكه معه في الرأي و الاختيار، و هذه الولاية بطبيعتها لا تتأتى إلا من البالغ العاقل، لان غير البالغ العاقل ليس أهلا للرأي و الاختيار.
مدى ثبوتها :
إن ولاية الاختيار في المذاهب الفقهية اجمعوا على إثباتها للمرأة البالغة العاقلة بكرا كانت أو ثيب لأنها سلطة ثابتة شرعا تخول له تزويج المولى عليها بعد موافقتها و رضاها بالكلام الصريح مستدلين من القرآن و السنة ففي قوله تعالى: } و إن طلقتم النساء فبلغن اجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن {و في قوله صلى الله عليه و سلم: }لا يزوج النساء إلا الأولياء و لا يزوجهن إلا من الأكفاء و لا مهر اقل من عشر دراهم { .
كذلك اتفقوا على عدم ثبوتها للرجل فله أن يزوج نفسه بنفسه و لا يشترط في صحة العقد ولي، فإذا باشره بنفسه يكون صحيحا نافذا لازما سواء كانت الزوجة التي تزوجها كفأ له أم لا و حتى و لو تزوجها بأكثر من مهر مثله
من خلال ما تقدم يتضح أن ولاية الاختيار التي تثبت على المرأة البالغة العاقلة بكرا كانت أو ثيبا ليس لها أن تنفرد بتزويج نفسها بغير موافقة وليها بل لا بد أن تتفق إرادة كل من الولي و المولى عليها.

موقف المشرع الجزائري :
من خلال مراجعتنا للمادتين 11 و 13 المعدلتين بموجب أمر 05-02 يتبين لنا انه اخذ بولاية الاختيار فيما يخص البنت القاصر بشكل واضح فلا يمكن للأب أو أي شخص آخر سواء من الأقارب أو الغير أن يزوجها إلى شخص ليست راغبة فيه و ذلك بضمه في الفقرة الثانية من المادة 11 المعدلة من قانون الأسرة الجزائرية: «دون الإخلال بأحكام المادة 07 من هذا القانون يتولى زواج القصر أولياؤهم و هم الأب فأحد الأقارب الأولين و القاضي ولي من لا ولي له » و بنصه كذلك في المادة 13 المعدلة من نفس القانون بصريح العبارة: « لا يجوز للولي، أبا كان أو غيره، أن يجبر القاصر التي هي في ولايته على الزواج، و لا يجوز له أن يزوجها بدون موافقتها ».
أما فيما يخص المرأة الراشدة طبقا لنص المادة 07 من قانون الأسرة فقد خولها القانون بإبرام عقد زواجها و جعل رضاها الركن الأساسي في هذا العقد بموجب المادة 09، و لكن المشرع إضافة إلى الرضا اشترط حضور الولي في عقد الزواج في المادة 11 المعدلة.
لكن ما يثير الانتباه صياغة المادة 11 المعدلة ذكر الأب أولا و عند غيابه يحل محله احد الأقارب بدون تحديد درجة القرابة فقد استعمل المشرع في الصياغة الحرف"أو" المعروف عنه في اللغة العربي يستعمل للتخيير، معنى ذلك أن المرأة تختار من تشاء في عقد زواجها دون احترام الترتيب لان القانون يسمح بذلك.

ثانيا: ولاية الإجبار
تعريفها:
لغة :
هي القهر و الإكراه
شرعا:
هي ولاية الأب أو الجد على الفتاة البكر و الصغير و المجنون، فيها يستبد الولي بإنشاء العقد على المولى عليه و لا يشاركه احد
و في تعريف آخر هي« التي لا يكون للمولى عليها فيها اختيار، فلا يؤخذ رأيها في الزواج و لا في المهر، و لا شيء مما يتعلق بذلك و هي تثبت على غير العقلاء و على الصغار ».
كما يمكن تعريفها على أنها«سلطة ثابتة شرعا بمقتضاها يستطيع الولي إجبار المولى عليه من غير موافقته و رضاه بسبب الصغر أو البكارة أو فقدان العقل »
يتبين من هذه التعاريف أن للولي حق تزويج من في ولايته من دون أن يستأذن أو يوافقه، و ذلك بسبب الصغر أو البكارة أو فقدان العقل، لان المولى عليه عاجز عن تدبر مصالحه بنفسه هذا من جهة و من جهة أخرى بسبب الملك و الولاء، القرابة ، الايصاء، الإمامة، تبعا لما ذهب إليه الفقهاء

مدى ثبوتها:
تثبت ولاية الإجبار حسب ما ذهب إليه الفقهاء على النحو التالي:
عند المالكية :
على البنت البكر و المجانين و الصغير و علتهم في ذلك البكارة، فقدان العقل و الصغرفهذه الولاية هي حق يمارسه الولي جبرا على هؤلاء و هذه الولاية حصرها المذهب في الأب و وصي الأب دون سواهم و ليس للعصبات و لا حتى للقاضي ولاية إجبار على الصغير أو الصغيرة.
عند الشافعية:
تثبت هذه الولاية عندهم على الصغيرة و البكر و المجنون و علة الإجبار على التزويج في هذه المذهب ليست واحدة فقد تكون الصغر و قد تكون البكارة و قد تكون فقدان العقل و العجز على التصرف في أمور الحياة و ما تقتضيه مصلحة المولى عليه و حصروها في الأب و الجد
عند الحنفية :
تثبت عندهم على الصغير و المجنون ذكرا أم أنثى و علتهم هو الصغر و الجنون و لا عبرة عندهم بالبكارة أو الثيوبة فهم عاجزون عن النظر في شؤونهم و لا يدركون المصلحة.
و الولاية الإجبارية في الزواج عندهم تختلف قوة و ضعفا باختلاف الولي، فالأب و الجد و الابن إن كانوا من ذوي السيرة المحمودة و الرأي السديد، فان العقد الذي يجريه احدهم يلزم الصغير و ليس له حق الخيار عند البلوغ أو الشفاء، بعكس ما إذا كان احدهم من ذوي السيرة السيئة و عرف بسوء الاختيار، فعندئذ يشترط مهر المثل و الكفاءة، أما إذا كان الولي من باقي العصبات فعليه التقيد بالكفاءة بالنسبة للذكر و بمهر المثل بالنسبة للأنثى.

موقف المشرع الجزائري منها :
يتضح موقف المشرع الجزائري منها بعد التعديل في المادة 13 المعدلة من قانون الأسرة بنصها: « لا يجوز للولي أبا كان أو غيره أن يجبر القاصر التي هي في ولايته على الزواج و لا يجوز له أن يزوجها بدون موافقتها ». إن ولاية الإجبار لا يمارسها الأب على ابنته القاصرو بالتالي لم يذهب إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية بالنسبة للقاصر.
أما بالنسبة للمرأة الراشدة فلم يأخذ كذلك بالنسبة إليها بولاية الإجبار لأنه اعتبر رضاها ركنا أساسيا في عقد الزواج في المادة9 من الأمر 05-02 و رتب على تخلفه البطلان في المادة 33 معدلة من قانون الأسرة: « يبطل الزواج إذا اختل ركن الرضا » فما جاء في المادة 11 الفقرة الأولى و نص على أن المرأة يجوز لها أن تبرم عقد زواجها و لكن فقط بحضور وليها أو أي شخص آخر تختار، فالمشرع وضع حدا نهائيا للنقاش حول مدى سلطة الولي في إجبار من في ولايته على الزواج من شخص لا تحبه و لا تأتنس إليه أو تكرهه لأنه طاعن في السن أو غير متعلم أو له زوجة ثانية.
كما أن الولي إذا اجبر ابنته و أبرم العقد في بلد أجنبي تعمل قوانينه على إجبار البنات على الزواج فان مثل هذا العقد يكون باطلا و لا قيمة له لدى المصالح الوطنية الإدارية لكونه مخالفا للمادة 97 من قانون الحالة المدنية، التي يشترط لصحة زواج الجزائريين المنعقد في خارج الوطن الشروط الأساسية التي تتطلبها قانون بلده لإمكان عقد الزواج

الفرع الثاني : ترتيب الولي في عقد الزواج
لقد جاء في الرأي الراجح و هو رأي الحنفية على أن الولاية في عقد الزواج تكون:
أولا:
بالعصبة بالنفس كما روي عن علي رضي الله عنه: }النكاح إلى العصبات {ثم سائر الأقارب ثم القاضي، و على هذا فان العصبة بالنفس ترتب حسب ترتيبهم في الإرث و هم جهات أربع
الأولى: جهة البنوة: و أولا الابن فابنه و إن نزل
الثانية: جهة الأبوة: و أولادها الأب ثم الجد لأب و إن علا.
الثالثة : جهة الأخوة: و أولادها الأخ الشقيق ثم لأب ثم ابن الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ثم أولادهم على هذا الترتيب.
الرابعة : جهة العمومة و أولاها العم الشقيق ثم الأب ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب ثم أعمام الأب كذلك.
فان لم يكن واحد منهم كانت الولاية للأقارب غير العصبة حسب قوة قرابتهم و من ثمة لا ينتقل للقاضي إلا إذا لم يكن احد من أفراد العصبة بالنفس و أفراد سائر الأقارب غير العصبة.
لكن بالرجوع إلى قانون الأسرة الجزائري في ثوبه الجديد نجد انه ميز بين ترتيبين على أساس سن المرأة الراغبة في الزواج ما إن كانت بالغة أو قاصرة.

أ- بالنسبة للمرأة الراشدة :
جعل قرابة الأبوة هي القرابة الأولى التي تؤهل صاحبها لممارسة الولاية، و هنا حصر القانون الولاية في الأب فقط و استبعد الجد ثم القرابة حيث أعطى لها الحرية في اختيار أي احد من الأقارب بمختلف الدرجات ثم الولي المختار، فخول لها اختيار أي شخص من غير العائلة و بعيدا عليها و هذا ما يفهم عن نية المشرع حسب مفهوم النص القانوني في المادة 11 من قانون الأسرة في فقرته الأولى.

ب- بالنسبة للمرأة القاصر :
جعل أيضا قرابة الأبوة هي القرابة الأولى المؤهلة لممارسة ولاية الزواج على المولى عليها سواء كان الأب أو الجد و إن علا لان الأب و الجد لا فرق بينهما من حيث الشفقة على الفروع فالجد يكون له الأولوية عند غياب الأب بسبب:
- عجز الولي عن القيام بهذه الولاية
- الحجر عليه لانعدام الأهلية و توفر سبب الحجر سفاهة أو جنون.
- سقوط بقوة القانون عند الوفاة سواء كانت الوفاة حقيقية أو حكما.
ثم خول الأخوة لهذه الولاية عند تعذر قرابة الأبوة، و هذه القرابة تكون للأخ الشقيق على الأخ لأب و الأخ لأب على الأخ لأم. هذا ما نصت عليه المادة 154 من قانون الأسرة.
ثم تأتي العمومة و متى تعدد أعمام المولى عليها تقدم الجهة الأكثر قرابة فيقدم العم الشقيق على العم لأب و يقدم العم لأب على العم لأم طبقا للقاعدة الموجودة في المادة 154 من قانون الأسرة الجزائري الأقرب يقدم على الأبعد فيكون حاجبا عنه.
و في الأخير جعل المشرع بالنسبة للقاصرين في حالة عدم وجود الأقارب سالفة الذكر لكي يتولى زواجها فان القاضي هو الولي في هذه الحالة طبقا لنص المادة 11 من قانون الأسرة الفقرة الأخيرة.

المطلب الثاني : جزاء تخلف الولي في عقد الزواج
لقد ثار بشان تخلف الولي في عقد الزواج مواقف مختلفة بين الشريعة و القانون، و هذا ما سنحاول أن ندرسه في هذا المطلب الذي قسمناه إلى فرعين الأول في الشريعة الإسلامية و الثاني في القانون الجزائري.

الفرع الأول : موقف الشريعة الإسلامية
لقد جاءت في مباشرة عقد المرأة زواجها بدون وليها أدلة كثيرة و مختلفة تقضي بعدم جواز هذا النكاح و بالتالي بطلانه و هذا ما استدل به جمهور الفقهاء المالكية و الحنابلة و الشافعية عندما اختلفوا عن حكم مباشرة المرأة البالغة العاقلة زواجها بدون وليها مع الأحناف حيث جاء في رأي جمهور الفقهاء إذا باشرته بأصالة عن نفسها يكون باطلا حيث أنهم لم يفرقوا إن كانت بكرا أو ثيبا، باشرت الزواج بإذن وليها أو بدونه، كان الزوج كفأ لها أم غير كفأ، سواء تزوجت بمهر المثل أم بأكثر أو بأقل.
و قد استدلوا بذلك بقوله تعالى: }فإذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن {}و انكحوا الأيامى منكم و الصالحين من عبادكم و إمائكم { حيث يتضح من هذين الآيتين الكريمتين إن كان عقد الزواج بيد النساء لجاء الخطاب موجها إليهم مباشرة دون توجيهه إلى الأولياء، فهذا دليل قاطع على أن الزواج لا تباشره المرأة و إنما هو حق للولي و استدلوا أيضا من السنة النبوية بقوله صلى الله عليه و سلم فيما رواه الترميذي: }أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل و إن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها فان اشتجروا فالسلطان ولي عن لا ولي له {.
و أيضا قوله صلى الله عليه و سلم: }لا نكاح إلا بولي و شاهدي عدل، و ما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل {، و أيضا لا يزوج النساء إلا الأولياء و يزوجهن إلا من الأكفاء و لا مهر اقل من عشر دراهم" فالأحاديث صريحة بعباراتها في أن المرأة لا يصح لها أن تتولى عقد زواجها بنفسها بل حتى تزويج امرأة أخرى لقوله صلى الله عليه و سلم: }لا تزوج المرأة المرأة و لا تزوج المرأة نفسها إن الزانية هي التي تزوج نفسها {.
أما من جانب المعقول فلتحصيل مقاصد الزواج على الوجه الأكمل جعل الولي في هذه العقود لأنها هامة لا تنصرف إلى المرأة وحدها بل يمتد إلى الاسم. فالمرأة عاطفية بطبيعتها و كثيرا ما تخضع لهذه العاطفة التي قد تغطي وجه المصلحة.

أما الرأي الثاني و الذي جاء به الإمام أبو حنيفة و أبو يوسف في ظاهر الرواية و زفر حيث يرون أن عقد الزواج إذا باشرته المرأة البالغة العاقلة الرشيدة بأصالة عن نفسها يكون صحيحا و لازما طالما لم يكن لها ولي عاصب حيث اشترط لعقد زواجها أن تزوج من كفئ لها و بمهر المثل، فان تزوجت من غير كفئ لها و بأقل من مهر مثلها كان للولي حق الاعتراض على هذا الزواج، و المطالبة بفسخه ما لم يظهر عليها الحمل. مستدلين رأيهم في قوله تعالى: } فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره { و في قوله أيضا: }فإذا بلغن اجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف { فمن خلال هاتين الآيتين فقد اسند النكاح إلى المرأة و الزواج الذي يصدر عنها يعتبر صحيحا من غير توقف على إذن الولي أو مباشرته إياه و من السنة النبوية قوله صلى الله عليه و سلم: }الأيم أحق بنفسها من وليها .
في قوله أيضا: }ليس للولي مع الثيب أمرا { يتضح أن الثيب لوحدها الأمر فيما يتعلق بعقد زواجها و نفى أن يكون لوليها أمرا في ذلك كما أنهم احتجوا بالقياس و ذلك «أن المرأة البالغة العاقلة الراشدة طالما لها الحق في أن تتولى أمر التصرف في أموالها بنفسها فكذلك لها ولايتها الكاملة على نفسها» .
و أيضا من جانب استدلوا أن للزواج مقاصد أصلية و أخرى تبعية، و الأصلية تخص المرأة بالمعاشرة و النفقة و غيرهما، و التبعية هي ما تخص الأولياء من حسن المصاهرة كالكفاءة. و الأصل أن العقود يتولاها من يختص بمقاصدها الأصلية، و أن يكتفي صاحب المقاصد التبعية أن يعطي حق الاعتراض على العقد إذا لم تراعى هذه المقاصد

الفرع الثاني : موقف المشرع الجزائري
من خلال المادة 33 المعدلة من قانون الأسرة الجزائري في فقرتها الثانية يترتب على تخلف الولي عن عقد الزواج في حالة وجوبه الفسخ قبل الدخول و يثبت بعده، فمن هذا يتبين لنا أن المشرع قد رتب هذا الجزء على تخلف شرط الولي بالنسبة للقاصرو هذا الوجوب وارد في المادة 11 الفقرة الثانية بقولها«دون الإخلال بأحكام المادة 7 من هذا القانون، يتولى زواج القصر أولياؤهم و هو الأب، فأحد الأقارب الأولين و القاضي ولي من لا ولي له».
أما فيما يخص المرأة الراشدة و بمراجعتنا لنص المادة 11 الفقرة الأولى من ذات القانون نجد أن شرط الولي لا يريدون أن يكون له أي تأثير على عقد زواج المرأة الراشدة
و ذلك ما يستنتج من عبارة تعقد المرأة الراشدة زواجها بحضور وليها الواردة في ذات المادة، سالفة الذكر حيث لا معنى لحضوره إذا لم يكن له أي تأثير في زواج من في ولايته، كما أن غيابه أو تغيبه عن مجلس عقد الزواج لا يجعل العقد باطلا و لا فاسدا و لا موقوفا عن موافقته . و ذلك راجع ممكن إلى افتراضه أن المرأة راشدة تعرف ما ينفعها و ما يضرها.
كذلك ما أضافته المادة أو أي شخص آخر تختار، فهل الولي يحضر في عقد الزواج ابنته ليكون شاهدا و لو مع شخص لا يرضيه، كذلك بمراجعة الفقرة الثانية من المادة 33 من قانون الأسرة المعدل بقولها:«إذا تم الزواج بدون ولي في حالة وجوبه يفسخ قبل الدخول و صداق فيه و يثبت بعد الدخول بصداق المثل».
يتضح أن المشرع الجزائري قد وقف وقفة متذبذبة في شرط الولي بالنسبة للمرأة الراشدة فلا هو قرر صراحة إلغاءه و لا هو قرر اشتراطه صراحة، كما أن تخلف الولي مع شرط آخر كالشهادة أو الصداق يكون مآله البطلان

خاتمة :
إن الأمور المتعلقة بالزواج يجب أن تكون مستمدة من روح الشريعة الإسلامية باعتباره عقد ديني قبل أن يكون عقد مدني فتقوم بتحديدها ضوابط أحكام القرآن التفصيلية و كذا نصوص السنة النبوية، هذا ما يجعل مفهوم الأسرة في الإسلام مفهوما ممتدا لا قاصرا على الزوجين فحسب بل على أساس المشورة و تبادل الرأي.
و على هذا المفهوم و من خلال ما سبق دراسته فان خلاصة ما يمكن أن نقوله بشان الولاية المتعلقة بزواج المرأة في الشريعة الإسلامية و في القانون.

أولا:
النصوص القرآنية لم ترد فيها صراحة ما يدل على اختيار الفتاة على الزواج سواء كانت ثيبا أو بكرا أو ما يدل على انفراد الفتاة في تزويج نفسها إلا أن فقهاء المذاهب الأربعة كانت لهم آراء مختلفة و متضاربة فيما بينها في هذا الشأن(الولاية في عقد الزواج) و يبدو ذلك جليا في مدى ترجيح رأي المرأة المراد تزويجها لدى البعض منهم أو ترجيح رأي وليها عند البعض الآخر.

ثانيا:
المشرع الجزائري و بعد تعديله لقانون الأسرة الجزائري الذي سعى من ورائه إلى تحقيق المساواة بين الرجل و المرأة أصبح ينص على أن الولي شرط صحة عقد الزواج بعد أن كان ركنا و ذلك بنصه في المادة 09 مكرر من قانون الأسرة المعدل الصادر بموجب الأمر 05-02 المؤرخ في 27 فبراير 2005. بل أكثر من ذلك وجود الولي كعدمه خصوصا بعد أن أصبح رضا الزوجين الركن الأساسي و الوحيد، هذا العقد حسب نص المادة 09 من نفس القانون المعدل. و يظهر ذلك من خلال استقرائنا للمادة 11 المعدلة التي أعطت للمرأة الراشدة الحق في عقد زواجها و أيضا المادة 33 معدلة التي جعلت الجزاء في حالة وجوبه أي في حالة البنت القاصرة.
فالأب لم يعد له سلطة إجبار حتى على ابنته القاصرة، حسب نص المادة 13 من قانون الأسرة المعدل، و في إلغائه نص المادة 12 من ذات القانون. و بالتالي فان المشرع الجزائري فتح ثغرة قانونية في هذا المجال و ذلك راجع ربما إلى سعيه لمسايرة التطور الاجتماعي و الثقافي و الاستفراد بالمرأة بعيدا عن أوليائهم، و من جهة أخرى التمسك بحقائق الشرع و الدين، فهذه الثغرة قد فتحت بابا لنتائج سيئة قد تعكس سلبيا على المرأة نفسها و على أسرتها و حتى المجتمع.
و في الأخير و ختاما من خلال هذه الدراسة نود أن نشير إلى نتيجة واحدة و حقيقية مؤكدة لأي شخص التمسك بها و هي ضرورة المشاركة و المشاورة في الأمور و ذلك استنادا لقوله تعالى: }و أمرهم شورى بينهم .

المراجع
- عيسى حداد، عقد الزواج، دراسة مقارنة، منشورات جامعة باجي مختار عنابة
- أحمد فراج حسين، أحكام الزواج في الشريعة الإسلامية، دار الجامعة الجديدة.
- سورة البقرة، الآية 232 230 .234.
- رمضان علي السيد الشرنباصي، أحكام الأسرة الخاصة بالزواج و الفرقة و حقوق الأولاد في الفقه الإسلامي و القانون و القضاء، منشورات الجلبي الحقوقية، الطبعة الأولى 2007
- محمد أبو زهرة، الأحوال الشخصية، قيم الزواج، مطبعة القاهرة.
- الأكحل بن حواء، نظرية الولاية في الزواج في الفقه الإسلامي و القوانين العربية، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع، مركب الرغاية، الجزائر.
- بلحاج العربي، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري، الجزء الأول، 2004
- وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي و أدلته، الجزء التاسع، دار الفكر، دمشق-سورية- الطبعة الرابعة معدلة سنة 1997
- القاضي هشام قبلان، الزواج في الإسلام و أشكال الزواج المستحدث، مؤسسة الرحاب الحديثة، بيروت، لبنان، .
- عبد العزيز سعد، قانون الأسرة الجزائري في ثوبه الجديد، دار للطباعة و النشر و التوزيع، الجزائر
- محمد كمال الدين، الزواج في الفقه الإسلامي، دراسة تشريعية و فقهية، دار الجامعة الجديدة للنشر.

تم تحرير الموضوع بواسطة :القلم الذهبي بتاريخ:20-12-2015 08:35 صباحاً

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
الولي ، قانون ، الأسرة ، الجزائري ،









الساعة الآن 01:08 AM