logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





05-01-2016 08:39 مساءً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 16-11-2014
رقم العضوية : 1156
المشاركات : 303
الجنس :
الدعوات : 6
قوة السمعة : 260
المستوي : ماجستير
الوظــيفة : كاتب

سلطة القاضي المطلقة في تقدير أدلة الإثبات
مقدمة
المبحث الأول : الأدلــــة ذات الحجــــية غير المـلزمة
المطلب الأول : شهادة الشهود و القرائن القضائية

المطلب الثاني : اليـمـــيـن المتممــــة
المبحث الثاني : أدلــة الإثبـــات الأخــرى
المطلب الأول : المــــــــــعاينة والخــــــــبرة
المطلب الثاني : الطرق العلمية في الإثبات المدني
خاتمة

مقدمة :
إن القاضي في تقديره لجزء من أدلة الإثبات الأخرى تكون سلطته محررة ، بحيث يمكن إعمالها وهذه الأدلة تكون غير ذات حجية وتنحصر هذه الأدلة في : شهادة الشهود ، والقرائن القضائية ، واليمين المتممة ، وسنعالج ضمنها أدلة الإثبات العلمية التي لم تعالجها معظم التشريعات العربية كفحص الدم وشريط الكا سيط والمخا طبة الهاتفية و التيلكس وسنبين مدى إستفادة المشرع الجزائري منها ، وسنقوم بدراسة كل دليل على حدا وتبيان سلطة القاضي وذلك ما سنعالجه في المبحثين التاليين:

المبحث الأول : الأدلــــة ذات الحجــــية غير المــــــلزمة
المطلب الأول : شهادة الشهود و القرائن القضائية
الفرع الأول : شهادة الشهود
البينة لها معنيان معنى عام ويقصد به الدليل سواء كان كتابة أو شهادة أو قرائن ، كالقول البينة على من ادعى فهنا البينة تتجه إلى المعنى العام أما المعنى الخاص هو شهادة الشهود دون غيرها من الأدلة .
والشهادة هي التصريح الذي يدلي به الشخص أمام القضاء بواقعة صدرت من غيره وترتب عليها حق لهذا الغير، ويجب أن تكون هذه الواقعة المصرح بها وصلت إلى علم الشاهد أو سمعه أو بصره أما إذا وصلت الواقعة إلى علمه بواسطة الغير وصرح هو بهذه الوقائع نقلا عن غيره فتعتبر هنا شهادة سماع وبالتالي لا يعتبر تصريحه هذا شهادة بالمعنى القانوني ويأخذ بها فقط على سبيل الاستئناس.

ومن أهم شروط الشهادة أن يكون الشاهد من الغير إذ لا تصلح شهادة أحد أطراف الخصومة أو من يمثله كالمحامي أو الوصي أو القيم ، ولابد أن يكو ن الشاهد أهلا للشهادة وغير ممنوع من أدائها وإلا سمع على سبيل الاستئناس، ولابد أن تكون المعلومات التي يخبر بها المحكمة قد تحصل عليها بحواسه الخاصة وان تنصب الشهادة على الوقائع المتعلقة بالدعوى والمراد التحقق منها.
أولا : تقدير القاضي لجواز الإثبات بشهادة الشهود
إن مما لاشك فيه أن الإثبات بالشهادة جائزا قانونا غير أنها تبقى خاضعة لسلطة القاضي التقديرية في السماح بها أم لا ؟.
فقد تكون في القضية من القرائن والأدلة الأخرى ما يغني عن الشهادة أوقد تكون الوقائع المراد إثباتها بعيدة الاحتمال بحيث لا يرى القاضي سبيلا إلى الاقتناع بالشهادة في جميع الأحوال التي يرى فيها القاضي أن شهادة الشهود غير مقبولة لا يأخذ بها بالرغم من أن القانون يجيزها في الإثبات .
ويرى الفقهاء انه لا يكفي أن يجيز القانون الإثبات بالشهادة في بعض الأحوال للأخذ بها بل يجب أيضا أن يكون الإثبات بالشهادة مستساغا حسب تقدير القاضي ولا يخضع القاضي في تقديره هذا لرقابة المحكمة العليا.
لكن رفض المحكمة طلب الإثبات بالشهادة يجب أن يكون مسببا تسبيبا سائغا ، وأن تكون الأسباب التي بنت عليها المحكمة اقتناعها من شأنها أن تؤدي إلى ما قضت به.
أما إذا خلى الحكم مما يصلح ردا ولو ضمنيا على طلب الخصم فان الحكم يكون مشوبا بالقصور مما يستوجب نقضه .
ولقد نصت المادة 203 من قانون المرافعات الفرنسي على حق القاضي في أي وقت سماع من يرى سماعه منالشهود، وقضت محكمة النقض الفرنسية(1) بأن سلطته في ذلك هي سلطة تقديرية مطلقة
ففي الغالب يكون الشهود لم يعدوا الشهادة من قبل إذا توخوا الأمانة في شهادتهم ، فهم لا يشهدون إلا على الوقائع التي يكونوا قد رأوها أو سمعوها ، و قد تكون هذه الوقائع متعلقة بالحق المدعى به وقد لا تكون وهذا متروك لتقدير القاضي ، وهو في هذا المجال يتمتع بسلطة واسعة لا يخضع فيها لرقابة محكمة النقض، أما فيما يخص مسألة جواز الإثبات بالبينة أو عدم جوازه فيعد من المسائل القانونية التي حدد المشرع طرق الإثبات بها ، وبّّينا متى يجوز استعمال كل منها، وبالتالي إذا كانت الوقائع مما لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود وجب على القاضي أن يرفضها ، وعدم إجابة الخصوم طلب الإثبات بها .
فالطرق التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود أصلا تتمثل في :
1في المواد التجارية : يجوز الإثبات في المادة التجارية بشهادة الشهود مهما كانت قيمة التصرف وذلك يعود لما يقتضيه التعامل التجاري ، لكن هناك من المسائل التجارية التي لابد فيها من الكتابة لإثباتها إذ لا يمكن أن تثبت بغيرها مثل الأوراق التجارية والتركات وعقود إيجار السفن واستخدام طاقمها
2الوقائع المادية : وهو أمر يحدث فيرتب عليــه القانون أثر سواء اتجهت إليه الإرادة أم لم تتجه وسواء كانت وقائع طبيعيــة مثل الفيضانات والزلازل والحريــق أو وقائع مادية من فعــل الإنسان كصدور أفعال ضارة بالغير فكلها وقائع مادية يجوز إثباتها بشهادة الشهود.
3 التصرفات المدنية التي لا تجاوز قيمتها مائة ألف دينار الجزائري : إن كل تصرف مدني إذا كانت قيمته تساوي أو تقل عن 100.000 دج جاز إثباته بشهادة الشهود .
غير أن المشرع الجزائري قد يطلب الكتابة لإثبات التصرف القانوني في بعض الأحيان ولو لم يتجاوز المبلغ السابق ، و مثال ذلك عقد الكفالة و الوصية .
--------------------------------
1 قرار محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 28 فبراير 1979 مجموعة المرافعات دالوز ص 4 طبعة 75 السنة 1983

والحكمة من السماح بالإثبات هذا المبلغ بشهادة الشهود هي تيسير أمور المتعاقدين وعدم إعاقة التعامل بين المتعاقدين الذين لا يحسنون القراءة والكتابة ولا يضعهم في حرج ، وللإشارة انه إذا كان محل الالتزام غير مبلغ من النقود أو لم يكن مقدرا في الاتفاق بنقود يقوم القاضي هنا بتقدير قيمته وقت صدور التصرف1) )
الحالات التي يجوز فيها الإثبات بالشهادة استثناءا :
التي تكون بمفهوم المخالفة الأصل فيها الإثبات بالكتابة وهي حالات عالجتها كل من المواد 335 – 336 من القانون المدني ولقد سبق أن قمنا بدارستها وهي :
1مبدأ الثبوت بالكتابة.
2وجود مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي .
3فقد الدليل الكتابي بسبب أجنبي لا يد للدائن فيه.
ثانيا : تقدير القاضي لكفاية شهادة الشهود
إن الشهادة في المواد المدنية تخضع لتقدير القاضي (2) الذي يستطيع أن يأخذ بها ويصدق الشاهد في قوله كما له أن يطرحها إذا لم يطمئن لها،و ذلك ما نصت عليه المادة 213 من قانون المرافعات الفرنسي التي أعطت للقاضي الحق في أن يستمع إلى الشهود ويستجوبهم عن كل الوقائع التي يجيز القانون إثباتها بشهادة الشهود وعن أية وقائع أخرى ولو لم يشر إليها قرار الإحالة للتحقيق (3)
ولقد ورد عن محكمة النقض ما يلي " لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير الأدلة وعدم جواز مناقشة شهادة كل شاهد على حدا لإثبات عدم كفايتها في ذاتها " نقض بتاريخ :13/12/1981 طعن رقم 339 س 47 ق ، لذا فإن تقدير أقوال الشهود وتجريحهم مما يستقل به قاضي الموضوع وجاء ان تقدير أقوال الشهود مرهون بما يطمئن إليه وجدان محكمة الموضوع نقض 30/04/ 1970
و 22/01/1974 (4) و القاضي عند تقديره لكفاية الشهادة أو عدم كفايتها يقوم بدراسة دقيقة لمعرفة مدى صدق الشاهد في أقواله ومطابقتها للواقع ، فيتأكد من مدى قوة تذكر الشاهد واستيعابه للوقائع كما ينظر في أخلاقه وكل الحركات التي يقوم بها أثناء سماعه.
------------------------
1-نبيل إسماعيل عمر : سلطة القاضي التقديرية في المواد المدنية و التجارية – دراسة تحليلية و تطبيقية –دار الجامعة الجديدة للنشر طبعة 2002 صفحة 441 .
2- قرار صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 04/04/1968 المجلة الجزائرية 1968 صفحة152
3- مجموعة مرافعات دالوز صفحة 30 طبعة 1975 لسنة 1983.
4-المأخوذ عن أنور طلبة المرجع السابق صفحة 263/264 .

وفي هذا يقول الدكتور رؤوف عبيد أن" القاضي قد يخرج من مجموع القضية بشعور عميق في نفسه بثبوت التهمة ويكون من الصعب تفسيره في الحكم فقد يسمع عشرة شهود إثبات يجمعون كلهم على شيء واحد ولكنه مع ذلك ليس ملزما بالأخذ بشهادتهم" .
وقد يرى أنهم غير صادقين سواء في نظراتهم أو نبرات أصواتهم أو أية حركة مع وجود قرائن أخرى تبدوا ضعيفة في الظاهر ولكنها مع ذلك يكون لها أثر كبير خفي في نفس القاضي ويصعب عليه أن يشرح في حكمه هذا الأثر ويبين بدقة مصدره مع التحقيقات وليس كل القضاة عندهم من البلاغة وقوة التعبير ما يجعلهم يصورون شعورهم بعبارات تقنع القارئ وتبعث في نفسه ذات الأثر الذي تولد في نفسه
لذا فالقاضي عند تقديره قيمة الشهادة لا يتقيد بعدد الشهود ولا بجنسهم ولا بسنهم فقد تقنعه شهادة شاهدان أو أكثر وقد يصدق امرأة ولا يصدق رجل وقد تكون شهادة صبي صغير أبلغ في إقناعه من شهادة رجل كبير ، والملاحظ أن التشريعات الحديثة لم تعد تأخذ بالنصاب الذي كان قائما في القديم وهو رجلان أو رجل وامرأتان أو شهود أربعة أو نحو ذلك .
لذا أطلقت حرية القاضي في تقدير الشهادة دون أن يتأثر في ذلك بكثرة أو قلة عدد الشهود وكذلك زالت ضرورة تزكية الشهود فلم يعد الشاهد يزكيه شاهد آخر بل الذي يزكيه هو مبلغ ما يبعثه في نفس القاضي من الاطمئنان، كما أن القاضي له أن يرجح شهادة عن أخرى وله أن يطرح شهادة إذا تشكك في صحتها كما له أن يأخذ بأقوال الشاهد ولو كان قريبا للخصم متى إطمئن له ، كذلك إذا اتفق الأطراف على أن يشهد شخص معين يثقون فيه فان القاضي لا يتقيد بشهادة هذا الشاهد فيجوز له أن يطرحها إذا لم يطمئن إليها ويبني قضائه في الدعوى على ما يطمئن إليه من أدلة أخرى في أوراق الدعوى
غير أننا نجد الفقه قد اختلف في مسألة تسبيب حكم عدم اطمئنان القاضي لأقوال الشهود فنجد قانون المرافعات الفرنسي في قواعده المتعلقة بالإثبات ينص على ان القاضي لابد أن يصدر بها أمرا مسببا.
بينما يرى المشرع المصري أن قضاة الموضوع غير ملزمين بإبداء أسباب عدم اطمئنانهم لأقوال الشهود و يتعين أن تكون هذه الأسباب سائغة .
أما المشرع الجزائري يرى أن القضاة إذا لم يبينوا سبب تفضيلهم شهادة واحد على اثنين فان قرارهم يكون ناقص التسبيب 1))
----------------------------
1-قرار المحكمة العليا رقم 9127 الصادر بتاريخ 31/08/1973 أشار إليه الدكتور يحي بكوش الأحكام القضائية وصياغتها الفنية الصفحة 69

إن تقدير الدليل لا يحوز قوة الأمر المقضي به إذن للقاضي الأخذ بأقوال الشهود سمعوا في قضية أمام محكمة أخرى يمكن للمحكمة المدنية أن تأخذ بشهادة شهود سمعتهم بعد أن كانت المحكمة الجنائية تشككت في صحة شهادتهم كما أن تحقيق المحكمة في واقعة ما بشهادة الشهود لا يمنعها من الاعتماد على أقوالهم في إثبات واقعة أخرى وتمتد سلطة القاضي بالنسبة للشهادة إذ يجوز أن يأخذ بجزء منها ويصرف النظر عن الجزء الآخر أي يصدق شاهدا في بعض أقواله دون البعض الأخر ولا يعتبر ذلك من طرف القاضي مسخا لشهادة الشاهد متى أورد جميع أقوله وأشار إلى ما فيها من تناقض ثم بين عقيدته منها1) )
ولقد نص المشرع الجزائري على فئة من الشهود وأوجب تصديقهم والأخذ بشهادتهم وهم مأمورو الضبط القضائي فيما يخص المحاضر والمخالفات التي يحررونها المادة 400 الفقرة 01 من قانون الإجراءات الجزائية
ومما سبق يتبين أن الإثبات عن طريق شهادة الشهود هو ذا قوة محدودة فالقاضي يتمتع بالحرية الكاملة والسلطة المطلقة في الأخذ و الاعتماد على شهادة الشهود ، حسب ما يراه مناسبا أو صالحا للبت في النزاع المطروح عليه .
وهو غير ملزم حتى في الحالات التي يكون فيها تطابقا بين تصريحات كل الشهود ، بحيث يجوز له بناء على سلطته التقديرية ، أن يلجأ إلى وسائل الإثبات الأخرى ، وذلك خلافا للقاعدة الواردة في القانون القديم " لا عبرة بالشهادة الوحيدة ".
----------------------------
1-الدكتور عبد الوهاب العشماوي المرجع السابق الصفحة 140-141.

الفرع الثاني : القرائن القضائية
لقد سبق و أن قمنا بتعريف القرائن في الفصل السابق بصورة عامة و درسنا القرائن القانونية باعتبارها دليل من أدلة الإثبات التي تقيد سلطة القاضي في تقديرها .
و لما كانت القرائن نوعان قضائية و قانونية فانه لا بد من التقسيم بينهما و دراسة كل واحدة على حدا على اعتبار أن القرينة القضائية كدليل إثبات في المواد المدنية تخضع للسلطة التقديرية للقاضي و السؤال الذي يطرح في هذا المجال ما هي القرائن القضائية ؟ و كيف يمكن اعتبارها دليلا يخضع لسلطة القاضي من حيث تقديره و من حيث تقدير عناصره؟.
القرينة القضائية هي كل قرينة لم يقررها القانون و يترك لتقدير القاضي أمر استنباطها بحيث يختار القاضي القواعد الثابتة و التي تسمى العلامات و يقوم فيها بعد ذلك باستخلاص الوقائع المراد إثباتها من الواقعة الثابتة و تعرف أيضا على أنها النتائج التي يستخلصها القاضي من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة حسب نص المادة 1349 من القانون المدني الفرنسي .
و لقد نصت المادة 1353 من نفس القانون على :
« Les présomptions ne sont point établies par la loi , sont abandonnées aux lumières et à la prudence du magistrat, qui ne doit admettre que des présomptions graves , précises et concordantes et dans les cas seulement où la loi admet les preuves testimoniales à mois que l’acte ne soit attaqué pour cause de fraude ou de dol. »
بذا يتبين أن القرينة القضائية هي دليل غير مباشر إذ لا يقع الإثبات فيها على الواقعة ذاتها بوصفها مصدرا للحق بل يقع على واقعة أخرى قريبة منها و متصلة بها إذا ثبتت أمكن للقاضي أن يستنتج منها الواقعة المراد إثباتها ، و عناصر القرينة القضائية هي :
أ عنصر مادي : و يقصد به الوقائع المادية المقر بها من قبل الطرفين كأن تكون قرابة أو صداقة .
ب عنصر معنوي : و يقصد به الاستنباط الذي يقوم به القاضي في تفسير الواقعة.
و حالات الإثبات بقرائن قضائية محددة قانونا بنص المادة 340 من القانون المدني ، و لقد حدد المشرع حالات قبول القرينة القضائية لما رخص الإثبات بها في كل ما يجوز إثباته بالبينة مما جعل سلطة القاضي في مجال القرائن القضائية محدودة نوعا ما

أولا : سلطة القاضي في تقدير العنصر المادي
انطلاقا مما سبق يتبين أن القرائن القضائية تقوم على العنصر المادي المتمثل في الدلائل والأمارات المقر بها أحد الأطراف أو كلاهما والتي يعتبرها القاضي عنصرا أساسيا يبني عليه استنباطه أما عمله الذهني لمعرفة دلائل أو وقائع أو أمرات غير مصرح بها أو غير معلومة بملف الدعوى و هذا ما يعرف بالعنصر المعنوي ، وانطلاقا من ذلك فان القاضي له السلطة المطلقة في اعتماد الوقائع التي يتخذها أساسا لاستنباطه دون التقيد بما اختاره الخصوم من وقائع يريدون جعلها أساسا لاستنباط ما يدعونه واختيار قاضي هنا لتلك الوقائع يكون بكل حرية " فله اختيار وقائع ثابتة أمامه في الدعوى سواء من أوراق الملف أو خارج أوراق الدعوى وقد تختار من الوقائع التي كانت موضوع نقاش بين الخصوم" (1) والمهم أن تكون هذه الوقائع ذات صلة بالوقائع المراد إثباتها بحيث تسمح باستنباط الثانية من الأولى.
والقرينة القضائية من الأدلة التي لم يحدد القانون حجيتها فهي مطلق تقدير القاضي نقض 04/11/1975 طعن رقم 372 س 30 ق ،وجاء أيضا أن استنباط القرائن القضائية من سلطة قاضي الموضوع يجوز الاعتماد على ما يستخلصه من تحقيقات أجريت في غيبة الخصوم أو من محضر استدلالات أو من شهادة شاهد لم يؤدي اليمين بلا رقابة عليه متى كان استنباطه سائغا نقض 05/05/1972 طعن رقم 811 س 42 ق 2) )
والملاحظ في هذا المجال أن القاضي يخرج عن مبدأ و لا يحكم إلا بما عرض عليه من أدلة في الدعوى ، ولقد ورد في الاجتهاد انه يجوز للقاضي أن يستنبط القرائن من التحقيقات التي أجريت حتى في غيبة الخصوم أو سبق تقديمها في دعوى أخرى أو تحقيق جنائي أو صدر فيها قرار من النيابة بان لا وجه لإقامة الدعوى أو على محضر تحقيق أجرته الشرطة أو على دفاتر تجارية غير منتظمة وقد ذهب الرأي في الفقه الفرنسي بان للقاضي في الأخذ بالقرائن القضائية أن يعود حتى إلى علمه الشخصي ببعض الوقائع ،وذلك ما يتنافى مع مبدأ الإثبات المدني الذي ينص بان لا يقضي القاضي حسب علمه وفيما لم يقدم له فيه دليل.
-------------------------
1الدكتور عبد الرزاق السنهوري : المرجع السابق صفحة 330
2 الدكتور أنور طلبة : المرجع السابق صفحة496 /515

ثانيا : تقدير القاضي ما للعنصر المادي من دلائل
إن للقاضي سلطة في تقدير ما تحمله الواقعة الثابتة التي اختارها من دلالة لكي يستخرج منها الدليل على ثبوت الواقعة التي يراد إثباتها ، وما دام القاضي له سلطة تقديرية واسعة في مجال القرائن القضائية فانه بالضرورة له سلطة في اختيار أية واقعة كما سبق ليجعلها أساسا لاستخراج قرائن وبذلك قد تكون قرينة أو عدة قرائن في نفس المجال وله السلطة في اقتناعه بقرينة واحدة ورفض قرائن أكثر عددا لا لشيء إلا لإعمال سلطته التقديرية وتمحيصه للقرائن الضعيفة من القوية والمنتجة وفي هذا المجال يقول الأستاذ بواني " ان قرينة واحدة يمكن ان تكون قاطعة بينما في بعض الحالات لا تتوافر ثلاث أو أربع قرائن على أي قوة في الإثبات " 1))
ويكفي القاضي أن يبني حكمه على قرينة واحدة متى كانت قوية ومنتجة في الإثبات ويعتمد هنا على خبراته السابقة وفطنته وذكائه لأن هذه العملية تقوم على أساس بذل مجهود ذهني في تكوين الاعتقاد واستخراج وقائع مجهولة من وقائع معلومة أساسا لدى الأطراف لذا يبقى دائما استنباط القاضي يقوم على الاحتمال فعلى القاضي إبداء الكثير من الحيطة والحذر في هذا المجال .
والسؤال الذي يطرح في هذا المجال ما هي الحالات التي يجوز فيها الإثبات بالقرائن القضائية ؟
لقد أجابت على هذا السؤال المادة : 340 من القانون المدني " لا يجوز الإثبات بهذه القرائن إلا في الأحوال التي يجيز فيها القانون الإثبات بالبينة ".
يتبين من ذلك أن المشرع قد أجاز للقاضي استنباط كل قرينة لم يقررها القانون ، وذلك في نطاق ما يجوز إثباته بالشهادة وبذلك يتضح وجود تساوي بين القرائن القضائية والشهادة وتضييق المجال في الإثبات بها والسبب في ذلك أن الإثبات بالقرائن القضائية لا يخلو من الخطر2) )
-------------------------
1-الدكتور مسعود زبدة : المرجع السابق الصفحة 69.
2-الدكتور عباس العبودي المرجع السابق الصفحة 284 - 285- .286

و أنه كلما اعتمد القضاة القرائن القضائية في غير موضعها التي يجيزها القانون ، فإنهم بذلك يخضعون للرقابة من المحكمة العليا لأن المسالة أصبحت مسألة قانونية حينما جعل المشرع الجزائري القرينة في منزلة الشهادة وهو لم يحدد مجال الإثبات بالقرائن القضائية وحدد مجال الإثبات بشهادة الشهود .
ولقد استحدث رجال القانون صورا من القرائن للإثبات كما جاء على لسان الدكتور سليمان مرقس التي لم يرد فيها نص في القانون كالتسجيل المغنطيسي للصوت والتصوير الشمسي وتحليل الدم ، حتى لا يتعارض ذلك مع النظام العام ، وأخيرا نقول أن من حق القضاة أن يقبلوا أو يرفضوا القرائن التي يعتمد عليها الخصوم في جميع القضايا التي يكون الإثبات فيها بالشهادة جائزا كما يتمتعون بسلطة تقدير خطورة القرائن وعلاقتها بالنزاع أو عدم علاقتها وكونها منتجة أو غير منتجة في النزاع .
كما أن القاضي غير ملزم أن يبين في الحكم أسباب اقتناعه أو تفضيله قرينة على أخرى، مادامت القرينة التي اعتبرها تؤدي إلى ذلك دليلا على ثبوت الواقعة في العقل والمنطق (1) ولكن إذا استمد القاضي القرينة من واقعة محتملة أو غير مقطوع بها أو واقعة لا وجود لها أو أن استخلاصه غير مقبول عقلا ويتعارض مع الثابت في أوراق الدعوى فالحكم هنا يكون معيبا ويستوجب نقضه ويبقى الشيء المميز للقرائن القضائية عن غيرها من أدلة الإثبات أنها بعيدة عن مخاطر التزوير مثل الكتابة وبعيدة عن التحيز مثل الشهادات وهذا لأن أساسها الوقائع التي لا تكذب ويقال أن هذه الأدلة نفسها قد يساء فهمها من طرف القاضي وان النتيجة التي يستنتجها منها قد تكون مغلوطة إلا أن العيب هنا ليس في الدليل نفسه إنما هو في تفكير القاضي ولقد جاء في إحدى القرارات أن استخلاص القرائن والأخذ بقرينة دون غيرها تدخل في سلطة محكمة الموضوع التقديرية بغير معقب من محكمة النقض متى كان استخلاصها سائغا نقض في 08/01/1975 طعن رقم 128 س 40 ق (2) ولقد ورد في الاجتهاد القضائي أن تقدير القرائن مما تستقل به محكمة الموضوع ولها عند تقدير الدليل أن تأخذ بنتيجة دون أخرى ولو كانت محتملة
---------------------
1- المشرع الفرنسي نص في المادة 1353 من القانون المدني الذي حث القاضي على الأخذ بالقرائن الدقيقة والمطابقة لما هو يتعلق بالوقائع .
2-الدكتور أنور طلبة المرجع السابق الصفحة 516/517.

المطلب الثاني : اليـمـــــــيـن المتممــــــــــــة
لقد بين المشرع في القانون المدني أن اليمين نوعان و لقد سبق و أن درسنا اليمين الحاسمة في الفصل السابق باعتبارها دليل من أدلة الإثبات التي تتقيد فيها السلطة التقديرية للقاضي .و أنه و لما كانت اليمين المتممة هي الأخرى من أدلة الإثبات وجب تبيان التفرقة بينها و بين اليمين الحاسمة من حيث القوة في الإثبات و إطلاق أو تقييد حرية القاضي بشأنها .
و كذا يختلفان من حيث موجه اليمين ، فاليمين الحاسمة كما سبق توجه من طرف أحد الخصوم إلى الأخر و لا دخل للقاضي في توجيهها ، أما اليمين المتممة فإنها توجه من طرف القاضي لاستكمال اقتناعه في الوقائع المعروضة عليه .
و اليمين و إن كانت دليل من أدلة الإثبات فإنها بالدرجة الأولى عمل مدني و ديني في الوقت نفسه لذلك تؤدى بالصيغة و الأوضاع المقررة في ديانة الحالف أو من يؤديها ، و للإشارة أن أداء اليمين برفع اليد اليمنى للحالف و هو مكشوف الرأس طريقة متبعة لأداء اليمين و لا يوجد في التشريع الجزائري ما يدل على ذلك ، و فيما يلي سنقوم بدراسة سلطة القاضي في توجيه اليمين في الفرع الأول و تقدير قيمتها في الفرع الثاني .
الفرع الأول: سلطة القاضي في توجيه اليمين المتممة
لقد نصت المادة 348 من القانون المدني في فقرتها الثانية على مايلي : " للقاضي ن يوجه اليمين تلقائيا إلى أي من الخصمين ليبني على ذلك حكمه في موضوع الدعوى أو في ما يحكم به ." يتبين من نص هذه المادة بأن توجيه اليمين المتممة يكون في الدعوى التي ليس فيها دليلا ولقد قضت المحكمة العليا أن توجيه اليمين المتممة من طرف القاضي رغم وجود بينة كاملة لا تعتبر مخالفة يترتب عليها إلغاء الحكم 1) )

إلا أن المحكمة العليا قضت بأن قضاة الموضوع الذين يوجهون اليمين المتممة إلى أحد الخصوم أن يبينوا الأساس القانوني الذي استندوا إليه وإلا كان حكمهم معيب بعدم التسبيب (2). لابد
--------------------------
1 قرار صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 22/03/1978 رقم 12724 مأخوذ عن الغوثي بن ملحة المرجع السابق الصفحة 93 .
2 قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 25/05/1977 رقم 12899 وفي قرار آخر صادر بتاريخ 09/03/1977 رقم 11664 نفس المرجع نفس الصفحة .

وللقاضي سلطة تقديرية في توجيه اليمين المتممة وله أن يطلب من أي طرف أدائها ، و الاختيار هنا منوط بتقديره ، وهي على حد قول الأستاذ السنهوري منوطة بتقدير القاضي له أن يوجهها على انه يجب أن يكون بشأن واقعة تمسك بها أحد الخصوم (1)، فليس للقاضي عرض واقعة جديدة وتوجيه يمين متممة بشأنها و هو في هذا المجال لا يخضع لأية رقابة وحتى وان طلب أحد الخصوم منه توجيه اليمين المتممة فتبقى له حرية وسلطة تقدير توجيهها أم لا بشرط أن تكون اليمين منتجة ومن شأنها تكميل ما يوجد بالدعوى من نقص ولا تكون مخالفة للنظام العام .
ويبقى دائما على القاضي لزاما أن يبين في حكمه أساس توجيه اليمين المتممة ويسبب ذلك تسبيبا كافيا وإلا كان قراره معيبا بعيب عدم التسبيب ، و للإشارة فإن الخصم الذي يوجه له القاضي اليمين المتممة لا يجوز له أن يردها على خصمه ذلك حسب نص المادة 349 من القانون المدني.
ولقد جعل الفقهاء نوعان من اليمين توجه تلقائيا من القاضي وهما اليمين المتممة ويمين التقويم ولقد نصت عليهما المادتان 348-350 من القانون المدني .
-----------------------
1الدكتور آدم وهيب الندوي : دور القاضي في الإثبات طبعة 1995 الصفحة 192 .

الفرع الثاني : تقدير قيمة اليمين المتممة
إن حجية اليمين المتممة هي أقل من حجية اليمين الحاسمة ، بحيث أنها مجرد إجراء تحقيقي يساعد القاضي على أحسن اطلاع للوقائع وهو حر في تقدير حجيتها (1) فقد شرعت له اليمين المتممة لتكوين اقتناعه في حالة ما إذا لم تحصل له قناعة كافية بالعناصر الموجودة في القضية ولكن تبقى نتائجها وآثارها غير ملزمة للقاضي و هو بذلك غير ملزم بالحكم لمصلحة من حلف اليمين المتممة وبالتالي نخلص : إلى أن اليمين المتممة هي دليل إثبات متروك للقاضي تقديره ويترتب على ذلك النتائج التالية :
1- إمكانية الرجوع عن اليمين المتممة متى ظهرت في الدعوى أدلة جديدة تكمل الأدلة الناقصة وتقنعه بأن ما يدعيه الخصم الذي حلف اليمين ليس له أساس.
أو بعد فحص أدلة الدعوى يرى القاضي أن الأدلة المقدمة كافية ولا وجود للأخذ باليمين المتممة ، أو أن يرى أن الدعوى خالية من أي دليل وبذلك لا يجوز توجيهها على اعتبار أنها تكمل الأدلة الناقصة ولا يمكن أن تكون في ذاتها دليلا كافيا.
2-الحكم الذي يكون مؤسسا على اليمين المتممة يمكن استئنافه وذلك ما جاء به الدكتور الغوثي بن ملحة في مرجعه السابق بجواز رفع الاستئناف في حكم اعتمد على اليمين المتممة (2) ويمكن هنا لمحكمة الدرجة الثانية أن تخالف حكم المحكمة الابتدائية التي بنت حكمها على اليمين المتممة .
ويبقى للمحكمة العليا مراقبة قضاة الموضوع إذا قاموا بتوجيه اليمين المتممة في دعوى تتضمن دليلا كاملا في الإثبات أو كانت الدعوى خالية من أي دليل ، أو إذا لم يبينوا أسباب عدولهم عن توجيه اليمين بعد أن حكموا بتوجيهها دون أن يستجد أي دليل في الدعوى (3) أو إذا لم يبينوا السبب الذي بنوا عليه حكمهم باليمين.
----------------------------
1- الدكتور الغوثي بن ملحة : المرجع السابق الصفحة 93-94 .
2-الدكتور أبو الوفا : التعليق على نصوص فانون الإثبات الطبعة الثانية من منشأة المعارف الإسكندرية الصفحة 353.
3-قرار المحكمة العليا 12899 الصادر بتاريخ 25/05/1977 رقم 11664و القرار الصادر بتاريخ: 09/03/.1977

المبحث الثاني : أدلـــــــــة الإثبــــــــــات الأخـــــــــــــرى
المطلب الأول : المــــــــــعاينة والخــــــــبرة
الفرع الأول : الخـــــــــــــــبرة
قد يتعذر على القاضي في بعض القضايا المطروحة عليه أن يباشر بنفسه تحقيق في كل أو بعض وقائع الدعوى ، سيما إذا كان التحقيق فيها يتطلب الإلمام بمعلومات فنية دقيقة وهي خارجة نوعا ما عن معارف القاضي ، ولذا يجوز له أن يستعين بالخبراء المختصين في كل المسائل التي يستلزم الفصل فيها استيعاب نقطة فنية معينة، أو كان الفصل في النزاع يتوقف على معرفة معلومات فنية في أي فرع من فروع المعرفة إذ ليس على القاضي أن يكون خبيرا في كل المواد والأمور التقنية المطروحة عليه بل يفترض فيه أن يكون ملما بالمبادئ القانونية والقواعد الفقهية والأحكام القضائية التي هي من صميم وظيفته لذا يمكنه تعيين خبير ولكن هذا لا يمكن أن يكون في أي حال من الأحوال منح من صلاحيات القاضي للخبراء مثل سماع الشهود أو إجراء تحقيق (1) فللقاضي الحرية في ندب الخبراء وبأي عدد يحدده وفي أي مجال من المجالات التي يراها مناسبة دون التنازل لهم عن صلاحياته المخولة قانونا وذلك ما جاءت به صريح المادة : 48 من قانون الإجراءات المدنية " يعين القاضي الخبير إما من تلقاء نفسه أو بناءا على إتفاق الخصوم ".
وقد جاء في عديد من قرارات المحكمة العليا ما يلي بيانه " من المقرر قانونا أن المهمة التي يكلف بها الخبراء المنتدبين من جهة قضائية معينة تنحصر في جمع المعلومات الفنية التي تساعد القاضي على حسم النزاع وتصور له القضية بصفة أعم وأشمل ، وانه لا يمكن أن تتحول هذه المهمة إلى منح الخبير صلاحيات القاضي مثل سماع الشهود وإجراء التحقيق ولما كان كذلك فان القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون" (2) وجاء في قرار آخر " من المقرر قانونا وقضاءا أن يأمر القاضي بإجراء الخبرة وتعيين الخبير مع توضيح مهمته التي تكتسي طابعا فنيا بحتا مع مراعاة عدم التخلي عن صلاحيات القاضي لفائدة الخبير" 3) )
------------------------------
1-الدكتور الغوثي بن ملحة : المرجع السابق الصفة 124.
2-ويلاحظ في الوقت الحالي كثرة لجوء القضاة إلى تعيين الخبراء حتى لأمور لا تستوجب ذلك .
3-قرار مؤرخ في 20/11/1985 ملف رقم 34653 المجلة القضائية لسنة 1989 العدد 04 الصفحة 71 .

أولا : سلطة القاضي في تعيين الخبير
للقاضي الحق في تعيين خبير في الدعوى متى تبين له ذلك فله وحده تقدير لزوم أو عدم لزوم هذا الإجراء ، ولا معقب عليه في ذلك متى كان رفضه لتعيين خبير طلبه أحد الخصوم جاء لأسباب مبررة
مع الإشارة أن هناك من الحالات التي يلزم فيها القانون تعيين خبير و في الغالب تبقى السلطة التقديرية للقاضي في غير هذه الحالات المحددة قانونا، هي الأساس و من الحالات التي ألزم فيها المشرع القاضي بالرجوع إلى خبير لحسم النزاع مثل الحالات المنصوص عليها في المادة 358 من القانون المدني الخاص بالغبن الذي يزيد عن الخمس والمادة 724 من نفس القانون الخاص بقسمة المال بين الشركاء وكذا حالات طلب رفع بدل الإيجار المنصوص عليها في المادة : 124 من القانون التجاري وكذلك الحالات الخاصة بالتعويض عن حوادث المرور وحوادث الشغل وغيرها من الحالات التي لا تملك فيها المحكمة وسيلة أخرى غير الخبرة للفصل في القضايا المطروحة عليها .
والخبرة هنا تصبح مسألة قانونية لا بد من مراقبتها من طرف المحكمة العليا وكل إخلال بها يترتب عليه نقض القرار، وإذا كان قاضي الموضوع لا يخضع لرقابة المحكمة العليا بصدد عدم الاستجابة لطلب ندب خبير فانه يجب أن يكون رفضه قائما على أسباب مبررة أما إذا كان حكمه غير مسبب أو دون ذكر سبب معقول فيه لرفض الخبرة ودون أن يكون للمدعي وسيلة أخرى لإثبات ما يدعيه يكون القاضي بهذا قد أخل بحقوق دفاع الخصم الذي يعتبرها الوسيلة الوحيدة في الإثبات والتي هي حق لا يسمح القانون بحرمانه منه 1).)
---------------------------
1الدكتور عبد الوهاب العشماني: نفس المرجع الصفة 226-227

ثانيا : موقف القاضي من تقرير الخبرة
مبدئيا القاضي غير ملزم برأي الخبير (1) إذ يكون لقاضي الموضوع الحرية التامة في تقدير عمل الخبير الذي ندبه فله إن يأخذ برأيه إذا تبين له أن الحق في جانب هذا الرأي الذي وصل إليه الخبير في تقرير خبرته سيما إذا لم يعترض أحد الخصوم على ما يشير إليه تقرير الخبرة ، كما لقاضي الموضوع أن لا يأخذ برأي الخبير إذا رأى أن تقريره يشوبه البطلان أو أن استنتاجه غير صحيح أو مخالف للواقع أو متناقض مع الوثائق التي قدمها الخصوم في الدعوى ذلك أن القاضي هو خبير الخبراء إذا لم يقتنع الاقتناع الكامل له أن يجري خبرة جديدة ولقد تأكد مبدأ حرية القاضي في تقرير الخبرة في نص المادة 54 الفقرة الثانية من قانون الإجراءات المدنية حيث جاء فيها " إذا رأى القاضي أن العناصر التي بني عليها الخبير تقريره غير وافية فله أن يتخذ جميع الإجراءات اللازمة وله على الأخص أن يأمر باستكمال التحقيق أو أن يستدعي الخبير أمامه ليحصل منه على الإيضاحات والمعلومات الضرورية والقاضي غير ملزم برأي الخبير" .
وبذلك فان المادة 54 من قانون الإجراءات المدنية قد أوضحت بعضا من المواقف التي قد يأخذها القاضي وهو يدرس و يتمحص تقرير الخبرة فإما أن يقتنع برأي الخبير ويراه مناسبا ومقنعا ومتناسقا مع بعضه البعض وبالتالي فهو يتبنى رأي الخبير ويحكم بالموافقة على جميع ما جاء بالتقرير " من المقرر قانونا أنه إذا كانت المسألة محل الخبرة فنية تخرج عن اختصاص القاضي فان هذا الأخير يلتزم برأي الخبير فإذا حدد الطبيب نسبة مئوية لعجز شخص معين فلا يجوز للقاضي أن يخفض هذه النسبة إلا إذا استند إلى خبرة طبية أخرى (2) وإما أن يرفض الخبرة كلية.
كما قد يرى القاضي أن بعض النقاط في التقرير جاءت غامضة وبالتالي لا يمكن الموافقة على الخبرة إلا بعد أن توضح تلك النقاط الغامضة كما يجوز للقاضي أن يأمر الخبير باستكمال النقص الموجود في التقرير ويجوز له في المقابل أن يجزأ رأي الخبير.
وفي كل الأحوال يجب على القاضي أن يعلل حكمه وإلا كان مشوبا بالقصور فلا يمكن للقاضي أن يؤسس رفضه لتقرير الخبير على مجرد التخميم أو الجهل .
--------------------------------
1قرار رقم 49302 المؤرخ في 11/04/1988 المجلة القضائية لسنة 1992 عدد 02 الصفحة 40.
2الدكتور آدم وهيب الندوي نفس المرجع السابق الصفحة 211.

ومن بين أهم القيود التي ترد على سلطة المحكمة في تقدير رأي الخبير ما يلي :
1-دراسة الخبرة المقدمة بعمق ومحاولة جمع ما لديها من قوة وعدم التسرع في تقديرها.
2-عدم تشويه أو تغيير طبيعة التقرير عند تفسيره .
3- على القاضي تسبيب حكمه سواء كان قد صادق على تقرير الخبرة أو أخذ بما يخالفه ، وسواء أجريت خبرة واحدة أو عدة خبرات .
وللإشارة فان تقرير الخبرة لا بد أن يقدم محررا وموقعا عليه من طرف الخبير ، كما يمكن أن يقدم شفويا إذا طلبت هيئة المحكمة ذلك ولابد أن ينجز التقرير في المدة التي حددها القاضي ويودع كتابة الضبط في المدة المحددة.
وان عين عدة خبراء فيقومون بتقرير واحد إذا اتفقوا أما إذا لم يتفقوا فيقدم كل واحد منهم تقريره ويبدي رأيه مع التعليل 1).)
وتقرير الخبرة لابد أن يتضمن جزأين فالجزء الأول يحتوي على تاريخ ومنطوق الحكم الذي عين به الخبير والمهام المحددة له واستدعاء الخصوم والسماع لهم ، أما الجزء الثاني يتضمن رأي الخبير وعادة ما يقفل المحضر بذكر التاريخ والمكان وبإمضاء الخبير (2) .
وتقرير الخبرة حجة بما اشتمل عليه من تاريخ وحضور الخصوم أو غيابهم أما فيما يتعلق بما أبداه الخصوم من الأقوال فقد كان القضاء الفرنسي يعتبره حجة بما تضمنه .
ولكن الأحكام الحديثة تميل إلى إطلاق سلطة المحكمة في تقديرها عند تكوين اعتقادها وأما ما استنبطه الخبير فليس له هذه القوة وللخصوم أن يدحضوه وأن يظهروا خطأه أو عدم مطابقته للوقائع بكل طرق الإثبات.
ولابد من الإشارة في نفس السياق أنه لا يصح الاحتجاج على تقرير الخبير إذا كان هذا الاحتجاج صادر من طرف لم يكن خصما في الدعوى التي ندب فيها هذا الخبير3) . )
------------------------------
1 محمود توفيق اسكندر: الخبرة القضائية - دار هومة - طبعة 2002 - صفحة 72 / 73
2الدكتور عبد الوهاب العشماوي : المرجع السابق صفحة 223 .

الفرع الثاني : المعاينة
أولا : مفهوم المعاينة
المعاينة بوصفها دليل من أدلة الإثبات تعرف على أنها" مشاهدة المحكمة لموضوع النزاع أو محله " ويرى جانبا من الفقه أن المعاينة من الإجراءات العامة الخادمة لمختلف أدلة الإثبات وأنها لا تعد دليل من أدلة الإثبات القائمة بذاتها وإنما فقط إجراء يسفر عن دليل يعد مجرد قرينة قد تأخذ به محكمة الموضوع (1) .
ولقد عرف الدكتور محمد زهدور المعاينة بأنها :" انتقال المحكمة إلى عين المكان لمعاينة محل النزاع بنفسها واستخلاص الدليل من مشاهدتها لغموض الدليل المقدم لها أو نقصانه" .
وبذلك تعد المعاينة من أهم أدلة الإثبات المباشرة في المسائل المدنية إذ أنها وسيلة ناجحة للوقوف على حقيقة النزاع وإظهار الحقيقة وإبداء الاعتقاد الأصح للمحكمة.
ثانيا : انتقال المحكمة للمعاينة
إن الانتقال للمعاينة قد يكون بناء على طلب الخصوم ،أو نتيجة قرار تلقائي من المحكمة لمعاينة محل النزاع ، وذلك ما أشارت إليه المادة 56 من قانون الإجراءات المدنية" في الحالات التي يأمر فيها القاضي من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم بالانتقال للمعاينة يحدد يوم وساعة انتقاله ويرسل إخطار للخصوم بدعوتهم للحضور للمعاينة "
وقد جاء في قرار للمحكمة العليا أنه " من المقرر قانونا أنه يجوز للمجلس إصدار أمر بإجراء تحقيق والانتقال قصد المعاينة الميدانية على أن يتم ذلك في شكل قرار تحضري مكتوب يذكر فيه أعضاء هيئة المجلس المعنيين بالانتقال ويبلغ منطوقه بواسطة كتابة الضبط بناء على طلب الطرف المستعجل ويحرر محضرا بالانتقال في جميع الأحوال" قرار رقم 22117 المؤرخ في 19/05/1982 المجلة القضائية لسنة 1989 العدد 01 الصفحة 29.
و من أجل كل ذلك يرى القضاء انه من الضروري أن ينتقل القاضي إلى عين المكان لمعاينة محل النزاع بمشاهدته واستخلاص الدليل من المعاينة ومجال المعاينة واسع إذ يشمل كل ما يقع عليه النزاع مما يضمن أن تكون المعاينة مجدية فيه ومهما كان موضوع النزاع سواء منقولا أو عقارا، ولقد انفرد القانون العراقي في هذا المجال بإجراء المعاينة سيما إذا كان هنالك غموض في محل النزاع على الشخص ذاته بمعرفة مدى التشوه الذي أصاب وجهه أو جسمه لإثبات الضرر الذي حدث نتيجة خطأ المدعى عليه ، غير أن القاضي غير ملزم بالاستجابة لطلب إجراء معاينة لان ذلك يعد من الرخص التي
------------------------
1-أحمد نشأت : المرجع السابق صفحة 262

أعطيت له ، فإن رأى أنها غير مجدية في الدعوى أو أنها واردة على أمور ثانوية لا تساهم في حل النزاع أو انه يوجد في أوراق الدعوى ما يكفي لاقتناعه للفصل فيها أما إذا وجدت المحكمة أن المعاينة مفيدة ومجدية في حل النزاع وفيها مصلحة لتحقيق العدالة تقرر الانتقال للمعاينة حسب المادة 57 من قانون الإجراءات المدنية ، كما يجوز للقاضي أثناء إجراء المعاينة أن يسمع شهادة أي شاهد يرى لزوم سماع أقواله أو يطلب الخصوم سماعه وللمحكمة أن تتخذ كل الإجراءات التي تراها لازمة وذلك بحضور الشهود المادة 58 من نفس القانون وأخيرا يحرر القاضي عند إجراء المعاينة محضر الانتقال ويوقع عليه كاتبه ويدون فيه الأعمال المتعلقة بها ويودع المحضر محفوظات رئاسة كتابة الضبط المادة 59 من نفس القانون ، ولما كانت المعاينة من أدلة الإثبات المباشرة فقد تكون في بعض الأحوال الدليل القاطع الذي لا غنى عنه في حسم النزاع إلا أن المشرع منح القاضي سلطة تقدير الدليل الناتج عن المعاينة . ويجوز للمحكمة ان تعدل عما قررته من الانتقال للمعاينة إذا وجدت في أوراق الدعوى أو ظروفها ما يغنيها عن ذلك أو رأت ان الانتقال للمعاينة غير منتج في الدعوى أو غير متعلق بها وإنما يلزمها في هذه الحالة ان تبين أسباب العدول في المحضر كذلك يجوز للمحكمة ان تطرح ما أسفرت عنه المعاينة من نتائج وأن لا تأخذ بهذه النتائج بشرط أن تبين أسباب ذلك في حكمها .

المطلب الثاني : الطرق العلمية في الإثبات المدني
إن التطور الهائل الذي وصل إليه التقدم العلمي لا سيما في مجال الاتصالات كشف عن أدلة جديدة تصلح لإثبات مختلف التصرفات القانونية والوقائع المادية ولا شك أن ترك هذه الوسائل الجديدة من دون تنظيم يعد من أهم المشكلات التي تواجه القضاة في المنازعات التي تقع بين الأفراد إذ يقف القاضي مقيدا أمام صرامة حدة الخاصية القانونية لطرق الإثبات وضوابط الدليل الكتابي لهذه الوسائل في الإثبات .
والملاحظ أن التشريعات العربية لم تذكر أي نص قانوني يحدد قوتها في الإثبات بالرغم من حداثة هذه التشريعات ومعاصرة بعضها لهذه الوسائل كقانون الإثبات المصري و القانون المدني الأردني و قانون الإثبات العراقي وكذا الجزائري.
إلا انه كان لازما علينا البحث في إمكانية استفادة القانون من وسائل التقدم العلمي سيما القانون المدني.

أولا : تحديد الوسائل العلمية
1- فحص الدم
يعد فحص الدم من الوسائل العلمية الحديثة التي فرضت نفسها في إثبات الكثير من القضايا المدنية والجنائية ، ومنها دعوى إثبات النسب فهده الاخيرة من ابرز القضايا وأكثرها تعقيدا .
وفحص الدم قطع شوطا كبيرا ، وأخذت به العديد من التشريعات ، بوصفه من الأدلة التي وصلت دقته في حالة نفي البنوة حدا قضي على احتمال الخطاء في الاعتماد عليه، وبذلك أصبح الاعتراض حول هذه الوسيلة الجديدة في الإثبات تشددا لا فائدة منه سيما ادا وجدت المحكمة قرائن قوية تسانده .
وإثبات النسب عن طريق فحص الدم قد قطع شوطا بعيدا وأخذت به الكثير من تشريعات الدول المختلفة لان العلم أثبت أن فصيلة دم كل شخص تبقى ثابتة مدى الحياة وتنتقل من الوالدين إلى الأطفال وفقا لقوانين الوراثة وهو فحص لا ينطوي على اي اعتداء على حريات الافراد مادام يجري بطريقة سليمة .
إلا أن الملاحظ أن التشريع الجزائري يقف جنبا إلا جنب مع الكثير من التشريعات العربية التي لم ترد فيه أية إشارة صريحة للاستفادة من فحص الدم سواء في القانون المدني أو قانون الأحوال الشخصية إلا ماسيأتي بيانه في الجزء الثاني من مناقشة المادة 40 من قانون الأسرة المعدل بالأمر 05/02 المؤرخ في 27/فبراير/2005 والى جانب دلك نجد تشريعكل من الولايات المتحدة الامريكية والمانيا وايطاليا وغيرهم نظموا هده المسالة ويبقى دائما للمحكمة ان تستنتج من رفض احد الخصوم اخد الدم بهدف تحليله دليلا على صحة ادعاء الخصم الاخر ويمكن القول في الاخير ان هدا الدليل اصبح له الحجية الكاملة في الاثبات

2- شريط الكاسيت
التسجيل الصوتي من الوسائل العلمية الحديثة التي ادخلت حديثا في مجال الإثبات المدني، وهي وسيلة تصلح لإثبات التصرف القانوني وأنه نظرا لشيوع استخدام تسجيل المخاطبة الهاتفية من قبل الأفراد عن طريق جهاز التسجيل الصوتي في أ شرطة تحفظ الصوت وتعيد سمعه للاستفادة منها في الحصول على دليل مادي لإثبات التعاقد.
ولسكوت غالبية التشريعات العربية عن بيان قيمة الكلام المسجل على الشريط فإن التساؤل يثار عن مدى مشروعية استخدام التسجيل الصوتي وبيان قيمته في الإثبات المدني ؟.
لقد تعرض الدليل المستمد من التسجيل الصوتي إلى انتقادات علمية وفنية ، منها انه ليس هناك ما يؤكد علميا بأن الدليل المستمد من المخاطبة الهاتفية المسجلة عن شريط التسجيل الصوتي يعود إلى من نسب إليه ذلك لأن أصوات الناس تتشابه في بعض الحالات ، كذلك احتمال وقوع التزوير على الشريط المسجل وذلك إما بتقليد أصوات معينة أو بنقل أجزاء معينة من صوت مسجل على شريط آخر حتى يبدو لمن يسمعه بأنه حديث متكامل ، ولتفادي هذه الانتقادات يستلزم أن يكون الصوت المسجل قد جسد الواقعة بدقة كاملة إلى درجة يكون معها القاضي متأكد من معرفة حقيقة الأمور التي يستخلص منها الحقيقة ويستطيع الخبراء عن طريقها إجراء المضاهاة في ذبذبات صوت المتكلم وراي الخبير هنا استشاري .
ولقد إعتبرت أحد المحاكم الفرنسية الكلام المسجل على شريط الكاسيت بمثابة مبدأ ثبوت بالكتابة يوصف بشبه المحضر الذي تدون فيه أقوال الحضور عند استجوابهم و التشريع الانجليزي اعتبره بمثابة السند العادي واغلب التشريعات العربية سكتت عن بيان قوة الدليل المستمد منه واعطاه حجية الدليل الكامل كقانون الإثبات السوداني .

3- المخاطبة الهاتفية
لقد نظمت أغلب التشريعات التعاقد بالهاتف ، وأقرت بأنه تعاقد بين حاضرين في ما يتعلق بالزمان وبين غائبين في ما يتعلق بالمكان ، لكن لم تذكر شيء عن كيفية إثباته والإشكال يزيد حدة هنا عند عدم جعل المخاطبة الهاتفية وسيلة إثبات قانونية للمتعاقد في حالة المنازعات ، ضف إلى ذلك أن إثبات المخاطبة الهاتفية للتعاقد أمر في غاية الصعوبة إذ استلزم القانون إثبات التعاقد بالدليل الكتابي ، والقاضي يستطيع في ظل غياب التنظيم التشريعي لإثبات التعاقد بالهاتف أن يجعل من المتعاقد عن طريقه ، له مانعا ماديا يمنعه من الحصول على دليل كتابي ، وبالتالي يجوز له أن يأخذ بالشهادة والقرائن القضائية وتوجيه اليمين المتممة .

4 - التيلكس .
يتسم التيلكس بسمة أساسية بوصفه يترك أثرا ماديا مكتوبا بآلة الطابعة على سند ورقي ، ويدخل ضمن السندات الالكترونية وهذا السند الالكتروني إذا طبقنا عليه ضوابط الدليل الكتابي بالمفهوم التقليدي وهي الكتابة والتوقيع فان هذا السند يفقد قيمته في الإثبات لذا فماهي قيمة السند المستخرج منها حاليا ؟.
يعتبر الإثبات بالتيلكس نظام جديد يختلف عن الأدلة التقليدية المكتوبة والسائدة حاليا في طرق الإثبات وبالرغم من سرعة اتساع نطاق التيلكس في معاملات الأفراد فان التشريعات العربية لم تتطرق إلى هذا النظام الجديد لذا يثار التساؤل حول بيان قوته في الإثبات اد لا يمكن اعتبارها رسائل عادية وبالرغم من ان التلكس هو نتيجة التطور البرقي وهنالك بعص التشابه بين البرقيات المرسلة عن طريق البرق العادي والتلكس فلا نطبق عليه احكام البرقية لانعدام الشروط القانونية اي انعدام التوقيع ، وانه استنادا للمفهوم الواسع لشرطي الكتابة والتوقيع في ظل المفاهيم الحديثة التي أخذت بها الكثير من تشريعات الدول المتقدمة والاتفاقيات الدولية يمكن أن نعد السند المستخرج من التيلكس سندا عاديا من نوع خاص بالرغم ، من عدم توفر شروط السند العادي فيه ، وفي نفس السياق اشار الاستاد بوريس الى ان التلكس في فرنسا يعد من ضمن الرسائل العادية1).)

5- السندات الإلكترونية المرسلة عن طريق الفاكس :
الفاكس هو جهاز استنساخ بالهاتف ويعد من أسرع الوسائل التي تقدم الخدمات البريدية في عالم الاتصال واكثرها تطورا ويطلق عليها الاستنساخ عن بعد اذ ينقل الصور و السندات عن طريق شبكة الهاتف المركزية أو عن طريق الأقمارالصناعية وتسلم السائل والمستندات بنسخة منها في أسرع وقت اذ لايمكن أن تزيد عن 30 دقيقة مهما كان المرسل الية بعيدا ، فما هي قوة هذه السندات في الاثبات ؟
سيما بعد ماأجرت إدارة البريد أجهزة الفاكس للافراد ، وما قيمة السند الالكتروني المرسل عن طريق الفاكس والتي تسلم من المرسل اليه اذ انها ليست سندا اصليا انما هي صورة حرفية مستنسخة طبقا للاصل المرسل التي تبقى لدى المرسل اذا كان لديه عقد إيجار جهاز الهاتف( الفاكس) أو تبقى لدى دائرة البريد التي تحتفظ بالأصل اذا كان السند مستخرج عن طريقها .
اذا طبقنا على السند الإلكتروني أحكام السندات الكتابية بالمفهوم التقليدي فلايخلو عن وصفه صورة لسند كتابي عادي ، وإن كانت خالية من التوقيع لكن صدورها من موظف عام مختص يضفي عليها ذلك .
ففي ظل المفهوم التقليدي للسندات يمكن أن نطبق أحكام البرقيات على السندات الالكترونية المرسلة عن طريق البريد الالكتروني للتشابه بينهما ولكن بشرط أن يكون أصل السند مودعا لدى مكتب اصدار البريد موقعا عليه من المرسل والا يكون أصل السند قد اتلف من مصلحة البريد .
ولقد أخذت الاتفاقيات الدولية المعاصرة ،وكثيرا من التشريعات الأخرى بالمفهوم الحديث للسندات الالكترونية ، ومنها السندات المرسلة عن طريق الفاكس وجعلت لها حجية متميزة في اثبات التعاقد الذي يتم عن طريقها وأدرجتها ضمن السندات الكتابية ، ولقد نصت المادة 14 الفقرة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بنقل البضائع بحرا لسنة 1978 ( قواعد هامبورغ ) على نفس الحجية والقوة التي رصدت للفاكس .
-----------------
1. Boris sturck par henrio rolond laurent boyer ,introduction au droit 2eme edition li (21) tes 1988 page 584.

الفرع الثاني : إستفادة المشرع من الوسائل العلمية
لم ينص المشرع الجزائري في القانون المدني ولا في قانون الإجراءات المدنية عن الوسائل العلمية في الإثبات المدني ، وذلك ما ينبئ عن وجود فراغ كبير في هذا المجال.
و استدراكا منه قام في قانون الأحوال الشخصية في التعديل الأخير بفسح المجال للقاضي للاستفادة من الوسائل العلمية في الإثبات ، ولكن لم يقم بتحديدها بدقة وإنما جاءت مجملة وعامة ولقد أحسن المشرع في ذلك ، لأن من أهم مميزات المسائل العلمية في الإثبات التغير وعدم الاستقرار فقد تكون هناك من الأدلة العلمية ما تثبت العلاقات القانونية والوقائع المادية ، وبعد مرور فترة من الزمن يظهر ما هو أحسن من ذلك.
ولقد أحسن المشرع في المادة 40 من قانون الأسرة بإطلاق يد القاضي في إثبات النسب الذي يعد من أصعب الأمور في الإثبات بنصها على أنه :" يثبت النسب بالزواج الصحيح او بالاقرار او بالبينة او بنكاح الشبهة او بكل زواج تم فسخة بعد الدخول طبقا للمواد 32-33-34 من هذا القانون ويجوز للقاضي الجؤ الى الطرق العلمية في اثبات النسب " .

والملاحظ ان القضاة كانوا يطبقون هذه الطرق حتى قبل ان ينص عليها المشرع واتبعوا طرق اخرى لم نقم بدراستها ضمن الطرق العلمية في الاثبات ، مثل الفحص البيولوجي .

خـــــاتــمـة
من خلال دراستنا المتواضعة لسلطة القاضي في تقدير أدلة الإثبات المدنية تبين لنا ان القاضي المدني و ان كانت سلطته مقيدة بهذه الأدلة لا يخرج عنها إلا ان له حق المفاضلة في كثير من الأحيان بين دليل و آخر و لحظنا ان له سلطة تقديرية واسعة في بعض الأدلة ولقد أحسن المشرع عندما منحه إياها سيما و ان القاضي أكثر احتكاكا بالدعوى و أطرافها مما يسمح بإعطاء الأمور حقها و نصابها و تقدير شهادات الأطراف و تجعله يوجه اليمين المتممة لاستكمال اقتناعه و ذلك فيه من مراعاة الكثير من مصالح الخصوم سيما من تعسر عليه الدليل الكتابي الذي جعله المشرع على رأس أدلة الإثبات إذ يستخدم في الإثبات مهما كانت الوقائع المراد إثباتها .
و لقد خلصنا من دراستنا لهذا الموضوع بأنه لا بد من إجراء تفرقة بين أنواع من طرق الإثبات والمتمثلة في الكتابة واليمين الحاسمة والإقرار والقرائن القانونية التي غالبا ما تكون حجيتها مبينة ومضبوطة من طرف المشرع و الشهادة والقرائن القضائية واليمين المتممة التي يترك فيها نصيب كبير لتقدير حجيتها للقاضي
و القاضي عندما تطرح عليه الوقائع محل النزاع لا بد عليه أولا من التفرقة بين تلك الوقائع إذا كانت تصرفات قانونية أو هي وقائع مادية فذلك بالأهمية بمكان سيما في توظيف طرق و أدلة إثبات الوقائع المادية جائز بكل طرق الإثبات و لو أنتجت تلك الوقائع المادية مركزا قانونيا كالحيازة وأما إثبات الروابط القانونية خاضعة لقيود بينها القانون وحددها لإثبات الالتزام أو التخلص منها ، ولا يمكن الإثبات والاستدلال بغيرها على وجود هذه الروابط القانونية .
والجدير بالذكر في هذا المجال أن هذه الأدلة وإن كانت سلطة القاضي فيها قليلة ومحدودة المجال فالمشرع الذي قيد هذه الأدلة وحصرها جانب الصواب في ذلك باعتبار أن أدلة الإثبات سايرت التطور العلمي وأصبح هناك من المسائل التي لا يجوز إثباتها إلا بتلك الطرق العلمية و قد تكون أيسر للأشخاص في الإثبات من غيرها ، وقد تكون صعبة لوجود كثير من الانتقادات الموجهة لهذه الطرق وقد تكون هذه الوسائل على درجة كبيرة من الصواب إلى حد بعيد إذ لايمكن دحض حجيته في كثير من الأمور سيما إثبات النسب الذي تدارك المشرع الجزائري فيه نفسه و أصبح يسمح بعد التعديل الأخير لقانون الأسرة بإثباته بكل الوسائل والطرق العلمية .
وما نأمله هو أن يكون تدارك هذا النقص بالسماح للقاضي بالاستدلال بالطرق والوسائل العلمية جميعها على أن يحدد لكل طريق من هذه الطرق حجيتها لمعرفة سلطة القاضي بشأنها .

مراجـــع
أولا : المؤلفات :
- الوجيز في طرق الإثبات المدنية في التشريع الجزائري محمد زهدور : ديوان المطبوعات الجامعية.طبعة 1991
- طرق الإثبات في المواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية أحمد نشأت : دار الفكر العربي .طبعة 1994
-قواعد وطرق الإثبات ومباشرتها في النظام القانوني الجزائري الغوثي بن ملحة الديوان الوطني للأشغال التربوية الطبعة الأولى 2001
-الخبرة القضائية محمد توفيق إسكندر : دار هومة .طبعة 2002
-دور القاضي في الإثبات آدم وهيب الندوي طبعة 1995
-التعليق على قانون الإثبات أبو الوفا منشأة المعارف الإسكندرية الطبعة الثانية.
- أصول الإثبات وإجراءاته في المواد المدنية سليمان مرقس دار الكتاب الحديث . القاهرة . الجزء الأول 1991 .
-أدلة الإثبات في القانون المدني الجزائري و الفقه الإسلامي يحي بكوش المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر الطبعة 02 .
- الأحكام القضائية و صياغتها الفنية .يحي بكوش المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1984
- شرح أحكام قانون الإثبات عباس العبودي دار الثقافة للنشر و التوزيع سوريا 1999
- الوسيط في القانون المدني الجديد عبد الرزاق السنهوري دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان الجزء الثاني
- طرق و أدلة الإثبات في المواد المدنية و التجارية و الأحوال الشخصية أنور طلبة دار الفكر العربي .1994
-سلطة القاضي التقديرية في المواد التجارية و المدنية نبيل إسماعيل عمر دار الجامعة الجديدة للنشر الإسكندرية 2002
-الموسوعة العلمية للأحكام عبد الودود يحي محكمة النقض . القاهرة . 1982 .الجزء 01/02 .
-إجراءات الإثبات في المواد المدنية و التجارية .عبد الوهاب العشماوي . دار الفكر العربي . الطبعة 01 1975
-الاجتهاد القضائي وفقا لأحكام القانون المدني عمر بن سعيد دار الهدى عين مليلة الجزائر
باللغة الفرنسية :
- boris sturck par henrio roland laurent boyer , Introduction au droit - 2 edition litec , 1988

ثانيا : النصوص القانونية
- الأمر رقم : 66-154المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق لـ :08 يونيو سنة1966 المعدل و المتمم بموجب القانون رقم : 01/05 المؤرخ في 22مايو 2001المتضمن قانون الإجراءات المدنية .
- الأمر رقم : 75/58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق لـ :26/09/1975 المتضمن القانون المدني المعدل و المتمم مؤخرا بالقانون رقم : 05/10 المؤرخ في : 20 يونيو 2005.
-قانون الأسرة المعدل بموجب الأمر رقم 05/02 المؤرخ في 27/فبراير/2005.

ثالثا : المجلات المتخصصة
- مجموعة المرافعات دالوز .1983 طبعة 1975 .
-الإجتهاد القضائي لغرفة الأحوال الشخصية . عدد خاص 2001.
-المجلة القضائية لسنة 1967 عدد 01
-المجلة القضائية لسنة1968 عدد 01
-المجلة القضائية لسنة 1992 عدد 01 و03.
- المجلة القضائية لسنة 1993 عدد 03
-المجلة القضائية لسنة 1994عدد 02
-المجلة القضائية لسنة 1991 عدد 03 و02
-المجلة القضائية لسنة 1990 عدد 04 و03
- المجلة القضائية لسنة 1989 عدد 04 و01
- المجلة القضائية لسنة 1986 عدد 02
تم تحرير الموضوع بواسطة :Harrir Abdelghani بتاريخ:06-01-2016 01:00 صباحاً

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
تقدير ، أدلة ، الإثبات ،









الساعة الآن 04:24 AM