logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





look/images/icons/i1.gif مسؤولية الموظف العام عن تنفيذ الأوامر غير المشروعة
  16-04-2013 11:47 صباحاً  
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 15-04-2013
رقم العضوية : 233
المشاركات : 12
الجنس :
الدعوات : 1
قوة السمعة : 10
المستوي : ماستر
الوظــيفة : طالب
المبحث الثالث: أسس الإلتزام بالطاعة.

إن أي عمل يقوم به الموظف أو أي شخص كان لا بد أن يكون له أساس متين وقواعد قانونية قوية, حتى يستطيع أن ينتج آثار في مواجهة الغير, لأن ما بني على أساس قوي يبقى ثابت ومستمر, وبما أن واجب الطاعة مثل الواجبات الأخرى التي أولاها المشرع أهمية كبيرة, نظرا لأهميته في سير وفعالية المرفق الإداري, فإنه يرتكز على أسس متينة وصلبة, أهمها الأساس الثاني وهو وجود علاقة بين الرئيس الإداري والمرؤوسين, وهذا ما سنتناوله بالدراسة في مطلبين.

المطلب الأول: الأساس القانوني لهذا الإلتزام
واجب الطاعة هو من أبرز الواجبات وأهمها في الوظيفة العامة, إذ يقول الأستاذ " محمد يوسف المعداوي " أنه لا ينحصر في ’داء إختصاصات المرؤوس المحددة, بل واجبة أن يؤدي العمل الذي طلب منه, وأن ينفذ الأمر الذي يؤمر به بعناية ودقة (1).

(1)- أنظر الدكتور السيد يوسف محمد المعداوي, دراسة في الوظيفة العامة, ص08.

ونظرا لهذه الأهمية البالغة, فقد تولته الكثير من النصوص التشريعية والمراسيم بعناية كبيرة بدء من القانون الأساسي للوظيفة العامة, حيث تنص المادة رقم: 17 من القانون رقم: 66/133 على أنه:" كل تقصير في الواجبات المهنية وكل مساس بالطاعة.....يعرضه للعقوبة التأديبية "(1).

من خلال هذه المادة نجد أن واجب الطاعة الملزم به المرؤوس إتجاه رئيسه الإداري, وأن أي إخلال أو تقصير في آداء هذا الواجب, يعرض الموظف المرؤوس للعقوبة التأديبية, بالرجوع إلى المرسوم رقم: 85/59 وخاصة فيما يتعلق بالحقوق والواجبات, ويظهر ذلك جليا في المواد من: 16 إلى 29, حيث نجده المادة رقم: 29 قد نص على أنه:" تبين القوانين الأساسية الخاصة بدقة عند الحاجة, الحقوق والواجبات التي تختص بها بعض أسلاك الموظفين, كما تبين بدقة عند الحاجة في النظام الداخلي, الذي يعد طبقا للتنظيم المعمول به في القواعد المتعلقة بالتنظيم التقني والعملي والإنضباط....".

لذلك فقد تناولته مختلف التشريعات بالعناية اللازمة مثل المشرع الفرنسي , فقد تناوله في المادة رقم: 14 من قانون التوظيف الفرنسي الصادر في: 14/12/1941, والتي تنص على الإلتزام بالطاعة, وهذه الطاعة يجب أن تكون تامة, على أنه ينبغي على المرؤوس إذا ما بدا لهم أن الأمر الذي ينطوي على مخالفة جسيمة للقوانين أو تنفيذهم, قد يقضي إلى إحداث أضرار جسيمة, أن يدلوا لرؤسائهم بوجهة نظرهم, فإذا أسّس الرؤساء على الأمر الصادر منهم وجب تنفيذه أما المشرع المصري, فقد نص على واجب الطاعة في المادة رقم: 167, من القانون المدني المصري, التي تنص على :" أن الموظف لا يكون مسؤولا عن أي خطأ يرتكبه خلال ممارسته لهذا الواجب وهذا ما تقرره المادة رقم: 59 من قانون العاملين المصري (2).

ولهذا فإن واجب الطاعة في أبرز معانيه الظاهرة يعني قيام الموظف بأعبائه إليه, وذلك دون تعقيب عن مدى ملاءمة العمل منه أو مدى مناسبته, ولا بد على الموظف أن يؤدي وظيفته بنفسه (3).
كما يجب عليه أن ينفذ عمله بدقة وفقا لما تفرضه عليه القوانين واللوائح, وحسب ما تقتضيه طبيعة الوظيفة, وهذا ما جاء في نص المادة رقم: 40 من الأمر رقم: 06/03 (4).

خلاصة القول أن كل التشريعات والأنظمة القانونية تعتبر تنفيذ الأوامر والتوجيهات الصادرة من الرؤساء الإداريين إلتزاما وواجبا يقع على عاتق المرؤوسين القيام به, وأن أي إخلال أو تقصير في أداءه أو الإمتناع عنه يعرضهم للعقوبات التأديبية, والقانون لا يلزم المرؤوسين بالقيام بهذا الواجب إلا إذا توفرت شروط معينة أهمها أن تكون هذه الأوامر والتعليمات صادرة من جهات مختصة قانونا, وهذا ما سنحاول دراسته في المطلب الثاني.

(1)- أنظر المادة رقم: 17 من القانون رقم: 66/133 المذكور سابقا.
(2)- الدكتور عمار عوابدي, مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية, ص445.
(3)- عبد الفتاح حسن, مبادئ القانون الكويتي, طبعة 1969, ص302.
(4)- أنظر المادة رقم: 40 من الأمر رقم: 06/03.

المطلب الثاني: دور الفقه في تحديد هذا الإلتزام.
إن الموظف الذي يخاطب بالأوامر يلتزم بإحترامها و.....خطأ يجازى عليه تأديبيا إن هو تصرف على غير مقتضاها, وهذا الإلتزام نتيجة ضرورية للسلطة الرئاسية, وما تفرضه من واجب الطاعة على المرؤوسين, ولكن ما مدى هذا الواجب؟ هل هذه الطاعة على المرؤوس واجبة فقط بالنسبة للأوامر المشروعة الصادرة من الرئيس أم أنه يلتزم بطاعة هذه الأوامر حتى لو كانت مخالفة للقوانين واللوائح؟

أ‌- حالة الأوامر المشروعة الصادرة من الرئيس.
لا شك أنه إذا كان الأمر الصادر من الرئيس متفقا مع أحكام القانون أي مشروعا, فإن طاعته تكون واجبة على المرؤوس ومع ذلك أجيز للمرؤوس أن يناقش رئيسه قبل أن يصدر قراره (في مرحلة التمهيد لإصدار القرار) فقد يكون للمرؤوس من الخبرة ما يؤهله لمناقشة رئيسه في تقدير مدى ملاءمة القرار لحسن سير العمل الإداري, على أن يكون أسلوب المرؤوس في المناقشة يقتضي إحترام الرئيس والإلتزام بالأدب.

ب‌- حالة أوامر الرئيس المخالفة للقانون.
هنا نكون أمام واجبين:
واجب إحترام القانون وفقا للقاعدة الشرعية.
واجب طاعة الرئيس.

فأي الواجبين يقدم على الآخر؟ إختلفت آراء الفقهاء في ذلك.
ذهب الرأي الأول إلى تقديم طاعة القانون, وهذا هو مبدأ الشرعية, الذي يجب أن يخضع له الرئيس والمرؤوس على السواء, وعلى ذلك كان على الموظف المرؤوس وفقا لهذا الرأي, واجب عدم تنفيذ أوامر رئيسه الإداري المخالفة للقانون, وتبين خطورة هذا الرأي, وإن كان يتفق مع مبدأ الشرعية إلا أن من شأنه أن يؤدي إلى تعطيل الجهاز الإداري, ومن ثم الإخلال بسير المرافق العامة, وكل ذلك نتيجة تخويل المرؤوس سلطة تقدير مدى مشروعية أوامر رئيسه والحكم على تصرفاته وحق الإمتناع عن تنفيذها, إن هو إنتهى إلى عدم شرعيتها, ومبعث الخطورة أن نجعل المرؤوس قاضيا, يحكم على التصرفات السيئة بعدم الشرعية ثم يمتنع بالتالي عن تنفيذها(1).

والرأي الثاني: يذهب إلى تغليب طاعة أوامر الرؤساء على واجب إحترام القانون في كل الأحوال أي أن الموظف المرؤوس يلتزم بتنفيذ أوامر رئيسية مهما كانت مخالفتها للقانون والأخذ بهذا الرأي على إطلاقه, علاوة على ما يتضمنه من إهدار إحترام القانون, فإنه يشجع على مخالفته طالما أن الموظف المرؤوس يلتزم بالتنفيذ في جميع الأحوال.
هذا بالإضافة إلى أن المرؤوس يكون كالآلة العمياء طالما يلتزم بالطاعة دائما.

والرأي الثالث: وسط , وهو ما ذهب إليه القضاء الفرنسي, وهو يرمي إلى محاولة التوفيق بين مبدأ الشرعية وإعتبارات النظام الإداري, فيذهب هذا الرأي إلى وجوب طاعة أوامر الرئيس ولو خالفت القانون, وذلك إعمالا وحرصا على إنتظام سير الجهاز الإداري والحفاظ عليه.

(1)- الدكتور السيد يوسف محمد المعداوي, المرجع السابق, ص10.

على أن نرجع إلى مبدأ الإلتزام بالشرعية وتغليبها على طاعة الرئيس, إن كان عدم الشرعية واضحا وظاهرا, وكان جسيما بحيث يشكل خطرا على المصلحة العامة, على أنه يؤخذ على هذا الإتجاه أنه يترك الأمر للقضاء وحده في تقديم مدى الخطورة والجسامة, وعدم المشروعية الصارخة, فقد يثور الخلاف حول المقصود من عدم المشروعية الصارخة مما قد يعرض المرؤوس للمسؤولية, وذلك إذا ما خالفته المحكمة في تقديره لمشروعية أو عدم مشروعية الأمر الصادر من الرئيس.

وقد إتجه الفقه في بعض البلدان إلى وجوب طاعة الرئيس الإداري, فيما يصدره من أوامر ولو كانت مخالفة للقانون, وذلك إن هو أصر على رأيه كتابة بعد مناقشته وتنبيهه كتابيا إلى المخالفة.



الطبيعة القانونية للأوامر الرئاسية ومدى مسؤولية الموظف
نتعرض في هذا الفصل إلى الطبيعة القانونية للأوامر الرئاسية, التي تكون عبارة عن تعليمات, توجيهات أو منشورات, تصدر من السلطة الرئاسية المختصة, وذلك لإجراءات التنظيم الداخلي وحقيقة الطبيعة القانونية, لتعلقها بالعلاقات الداخلية القانونية القائمة بين الرؤساء والمرؤوسين, وذلك للوصول إلى ما إذا كانت إجراءات التنظيم ترتب آثار قانونية في عالم القانون عن طريق إنشاء أو تعديل أو إلغاء للمراكز القانونية, ويبرز ذلك من خلال المنازعات الإدارية, مما يشكل رقابة على مدى شرعية هذه الأوامر والإجراءات الرئاسية من الناحية القانونية, وعليه فمخالفة الموظف لهذه الإجراءات والأوامر, ترتب عليه مسؤولية وتحمله عقوبات عن ذلك, لأنها ذات صبغة قانونية, وعليه إحترامها وألا يجهلها, ولهذا سنتناول في فصلنا هذا أربعة مباحث, إذ نتعرض في المبحث الأول إلى: مفهوم الأمر الرئاسي, وطبيعته القانونية.
وفي المبحث الثاني: سلطة الرئيس في مسألة مرؤوسيه, والمبحث الثالث: مدى مسؤولية الرئيس عن أعمال مرؤوسيه, أما في المبحث الرابع: نتعرض فيه إلى السلطة المختصة والعقوبات التأديبية.

المبحث الأول: مفهوم الأمر الرئاسي وطبيعته القانونية.

إن الأوامر الرئاسية تتكون من التعليمات والتوجيهات والتي تصدرها السلطة الرئاسية المتخصصة إلى الموظفين المرؤوسين, من أجل تفسير القوانين واللوائح العامة, القرارات الإدارية الواجب عليهم تنفيذها, كما تعتبر هذه الأوامر واللوائح العامة والقرارات الإدارية الواجب عليهم تنفيذها, كما تعتبر هذه الأوامر والتعليمات والتوجيهات الرئاسية, أداة للرؤساء الإداريين في توجيه مرؤوسيهم, إلى أهم الأساليب والإجراءات الضرورية لتنظيم وتسيير الهيئة الإدارية.
كما أنه يطلق على أنواع الأوامر والتعليمات الرئاسية بإجراءات التنظيم الداخلي, لتعلقها بالعلاقات الداخلية القانونية القائمة بين الرؤساء والمرؤوسين, وتبعا لذلك فإننا نستخدم إصلاحين: " إجراءات التنظيم الداخلي والأوامر والتعليمات الرئاسية, كمترادفين (1).
لأنه في كثير من الأحوال ما تثار تساؤلات حول إجراءات التنظيم الداخلي, وحقيقة الطبيعة القانونية لهذه الإجراءات أي " الأوامر والتعليمات والتوجيهات الرئاسية ", وبما أن تنفيذ هذه الأوامر والتعليمات على عاتق المرؤوسين في إطار واجب الطاعة, المنصوص عليه في القوانين وخاصة المرسوم رقم: 85/59 المؤرخ في: 23 مارس 1985, المتضمن القانون الأساسي النموذجي لعمال المؤسسات والإدارات العمومية.

(1)- الدكتور عمار عوابدي, مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية, المؤسسة الوطنية للكتاب, طبعة 1984, ص423.

فلتحديد حقيقة الطبيعة القانونية للأوامر والتعليمات الرئاسية " إجراءات التنظيم الداخلي " أهمية كبيرة نظريا وعمليا, تتمثل أساسا في تحديد ما إذا كانت إجراءات التنظيم الداخلي أو التعليمات والأوامر الرئاسية, تعتبر أعمالا قانونية تولد وتخلق آثار قانونية في عالم القانون, عن طريق إنشاء أو تعديل أو إلغاء للمراكز القانونية, وبالتالي تصبح تشكل مصدرا هاما, من مصادر الشرعية القانونية.
كما تعتبر عملية البحث عن الطبيعة القانونية للأوامر والتعليمات, وجميع الإجراءات الإدارية الرئاسية, من جانب القضاء المختص بالمنازعات الإدارية, يشكل نوعا من الرقابة على مدى شرعية هذه الأوامر والإجراءات الرئاسية, من الناحية القانونية, ولتحديد الطبيعة القانونية لهذه الأوامر والتعليمات, سوف نتناول ذلك في مطلبين.

المطلب الأول: موقف الفقه في تكييف الطبيعة القانونية للتعليمات الرئاسية.
المطلب الثاني: موقف القضاء في تكييف الطبيعة القانونية للتعليمات الرئاسية .

المطلب الأول: موقف الفقه في تكييف الطبيعة القانونية للتعليمات الرئاسية.

لقد أثارت مسألة تكييف الطبيعة القانونية للأوامر , وللتعليمات الرئاسية, جدل فقهي بين الفقهاء, حيث توجد في فقه القانون الإداري 03 آراء مختلفة حول طبيعة الأوامر والتعليمات الرئاسية.

- التعليمات الرئاسية ليست لها طبيعة قانونية:
هناك جانب من الفقه يرى أن: التعليمات والأوامر وجميع صور إجراءات التنظيم الداخلي, ليست لها طبيعة قانونية, وبما أنها كذلك فلا تعتبر قرارات إدارية, لأنها من وجهة نظرهم, تخلق جديدا في عالم القانون, فهي لا تنشأ آثار قانونية جديدة, حيث أنها لا تمس المراكز القانونية بالخلق والتعديل أو بالإلغاء, فهي مجرد إجراءات وأعمال إدارية تنفيذية داخلية, تتعلق أساسا بتقسيم وتجميد القواعد القانونية التنظيمية, دون أن تفضيف أو تعدل أو تلغي فيها, وفي آثارها القانونية, وبالتالي نجد أن هذه الإجراءات والتعليمات والأوامر الرئاسية, تفقد عنصر مقوما هاما من مقومات وعناصر إعتبار التصرفات والأعمال الإدارية , وهي أعمال إدارية قانونية لا تنشأ حالات أو مراكز قانونية ولا تعدل ولا تلغي الحالات والمراكز القانونية القائمة والنافذة (1).

ولذا فمن نتائج هذا الرأي في تكييف وتحديد الطبيعة القانونية للأوامر والتعليمات الرئاسية, أنه لا يجوز إعمال الطعن فيها بدعوى الإلغاء, ولا يمكن تحريرها وقبولها, إلا إذا صدرت قرارات نهائية منشئة ومولدة لآثار قانونية, ولكن بالرغم من الطبيعة القانونية لهذه الأوامر والتعليمات الرئاسية, فهي تعتبر ملزمة للموظفين المرؤوسين المخاطبين بها, وإذا يجب أن يتقيدو بها وينفذونها, وإلا تعرضوا لعقوبات تأديبية (2).

هناك جانب آخر من الفقه الإداري, يعترف بالطبيعة القانونية بصفة القرارات الإدارية, لإجراءات التنظيم الداخلي, أي الأوامر والتعليمات الإدارية الرئاسية إعترافا جزئيا ونسبيا, أي في مواجهة الموظفين المرؤوسين فقط, دون أن تكون بها صفة أو طبيعة قانونية في مواجهة الأفراد الآخرين, من غير العاملين المرؤوسين المخاطبين بها.

(1)- الدكتور عمار عوابدي, مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية, المؤسسة الوطنية للكتاب, طبعة 1984, ص426.
(2)- الدكتور عمار عوابدي, مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية, المؤسسة الوطنية للكتاب, طبعة 1984, ص427.

فحسب هذا الإتجاه الفقهي, إن هذه التعليمات والأوامر الرئاسية لا يحتج بها على الأفراد العاديين, لأنهم لا يعلمون ويجهلون محتواها, وبالتالي لا يجوز لهم أن يطعنوا فيها بالإلغاء.
ويوجد جانب آخر من فقه القانون الإداري, يرى أنه لا يجب أن نقر قاعدة عامة أو حكم عام في تكييف وتحديد الطبيعة القانونية لإجراءات التنظيم الداخلي للأوامر والتعليمات الرئاسية, بأنها أعمال إدارية قانونية, أي قرارات إدارية وليست كذلك, وإنما يجب الرجوع إلى إعتماد عناصر وشروط القرارات الإدارية, كمقاييس ومعايير للحكم على إجراءات التنظيم الداخلي, أي الأوامر والتعليمات الرئاسية, بأنها تؤدي إلى إحداث جديد في عالم القانون, بأن مست بالأوضاع القانونية للموظفين العاملين بالإنشاء أو بالتعديل أو بالإلغاء, فهي إذا تعتبر قرارات إدارية وتشكل مصدرا من مصادر المشروعية.

وبالتالي يجوز الطعن فيها أمام الجهات القضائية المختصة بدعوى الإلغاء., أما إذا لم تولد جديدا في عالم القانون, فإنها تعتبر مجرد إجراءات تنفيذية داخلية, لا تكون مصدرا من المصادر المشروعة, وبالتالي لا يجوز الطعن فيها بدعوى الإلغاء, ولهذا فإن الرأي الصواب في تكييف الطبيعة القانونية للأوامر والتعليمات الإدارية الرئاسية, التي يصدرها الرؤساء الإداريين لموظفيهم العامين المرؤوسين وسائر إجراءات التنظيم الأخرى, بحيث أن هذا الرأي يدعوا إلى النظر إلى كل أمر أو تعليمة أو إجراء رئاسي على حدى, وفحصه من حيث أنه ولد جديدا في عالم القانون, بأن من الأوضاع والمراكز القانونية للوظيفة العامة والعاملين المرؤوسين, بالإنشاء والتعديل أو بالإلغاء.

وعلى ضوء نتائج ذلك يمكننا إستنتاج أو إعتبار هل هذا الأمر أو التعليمة أو الإجراء, من أوامر وتعليمات وإجراءات الرؤساء الإداريين, قرارا إداريا له الصفة والطبيعة القانونية أم لا؟
مما سبق نجد أن أغلب الفقه الإداري متفق أو متقارب في تكييف وتحديد الطبيعة القانونية للأوامر الإدارية الرئاسية, بحيث يعتبرها قرارات إدارية إذا كانت تولد جديدا في عالم القانون أو تمس بالمراكز القانونية للموظفين العموميين.

المطلب الثاني: موقف القضاء
أسس القضاء الإداري الفرنسي موقفه في تحديد الطبيعة القانونية لتعليمات الرؤساء الإداريين, على أساس التمييز بين أنواع هذه الأوامر والتعليمات, وبالتالي هناك نوعين أساسيين من أنواع التعليمات والأوامر الرئاسية في نظر القضاء الإداري الفرنسي هما:

- تكييف الطبيعة القانونية للأوامر والمنشورات:
يرى القضاء أن هذه الأوامر والمنشورات الإدارية ليست بأعمال قانونية, أي ليست لها الطبيعة القانونية بحيث أنها لا تولد جديدا في عالم القانون, ولا تمس المراكز القانونية للموظفين والعاملين المرؤوسين بالإنشاء والتعديل والإلغاء, لأن دورها الأساسي يتمثل في الكشف عن الآثار والمراكز القانونية الموجودة في الأحكام والقواعد القانونية والتنظيمية العامة.

ولكن يمكن أن يؤدي الأوامر والمنشورات على خلق وإحداث آثار قانونية في التنظيم القانوني للوظيفة العامة, وبالتالي تعتبر قرارات إدارية ومصدرا من المصادر المشروعة في النظام القانوني للدولة, ويجوز لكل ذي مصلحة الطعن فيها بدعوى الإلغاء في حالة عدم مشروعيتها ولا يكون هذا إلا في حالة تمتع السلطات الإدارية الرئاسية بالسلطة التقديرية من القيام بوظائفهم في قيادة كل الوظائف الإدارية, ويميز القضاء الفرنسي بين الأوامر التنظيمية والأوامر التفسيرية.

(1)- الدكتور السيد يوسف محمد المعداوي, المرجع السابق, ص12.

فالأوامر التنظيمية لها طبيعة قانونية, ويقبل الطعن فيها بدعوى الإلغاء, أما التفسيرية فليست لها الطبيعة والصفة القانونية, ولا تقبل الطعن فيها بالإلغاء, لأنها ليست قرارات إدارية, ومن أمثلة ما يعتبره القضاء الإداري الفرنسي من الأوامر التنظيمية التي لا تقبل الطعن فيها بالإلغاء, الإرشادات والتوجيهات العامة التي يوجهها الرئيس الإداري إلى مرؤوسيه على أساسين هما:

قيام القضاء الإداري الفرنسي بفحص وتحليل طبيعة التعليمات والأوامر الرئاسية, يسمح له ببسط رقابته على مدى شرعية أو عدم شرعية الأوامر والتعليمات الصادرة عن الرؤساء.
كما تقوم سياسة القضاء الإداري الفرنسي في عملية التفرقة بين الأوامر التنظيمية والتفسيرية الإداريين, خاصة أن تكون هذه الأوامر مجهولة لدى الموظفين, وبالتالي لا يجوز لهم الطعن فيها بتحريك رقابة الإلغاء ضدها.

ولذلك تعتبر عملية تحريك وإعمال معايير التفرقة بين الأوامر التنظيمية واللائحية والأوامر التفسيرية, فرصة لتحريك رقابة القضاء, على طائفة التعليمات الإدارية الرئاسية.
إن التمييز بين الأوامر التنظيمية التي تخضع لرقابة القضاء الإداري وبين الأوامر الدورية, التي تعتبر من خصوصيات السلطة الإدارية الرئاسية, يعبر عن إيمان القضاء الفرنسي (بخصوص تكييف الطبيعة القانونية لطائفة ), بحتمية إستقلالية القضاء الإداري في بعض الحالات, هذا ما قرره القضاء الإداري الفرنسي, بخصوص تكييف الطبيعة القانونية لطائفة الأوامر والدوريات.

تكييف الطبيعة القانونية لإجراءات الضبط الداخلي:
يفكيف القضاء الإداري الفرنسي هذه الطائفة من إجراءات التنظيم الداخلي للمرفق العام, بأنها إجراءات ضبط داخلي تتعلق بالعلاقة بين الرئيس والمرؤوس, ولا تعتبر قرارات لأنها لا تولد آثار قانونية ولا تمس المراكز القانونية للموظفين المرؤوسين, بالتعديل والإلغاء والإنشاء, فهي إذن مجرد إجراءات يصدرها الرؤساء الإداريون في إطار السلطة التقديرية, التي يتمتعون بها من أجل تسيير المرفق, فمثلا مجلس الدولة الفرنسي, الإجراء الذي أصدره مدير قانوني بشأن منع تلميذ من حمل إشارة خاصة, بمجرد إجراء إنضباط داخلي لا يجوز الطعن فيه بدعوى الإلغاء, لأنه لا يؤثر في المراكز القانونية للمعني (1).

لذلك يمتاز القضاء الإداري الفرنسي في تكييف الطبيعة القانونية لهذه الفئة من إجراءات التنظيم الداخلي بالمرونة وعدم التقيد بمبدأ عام جامد, وإنما يصدر كل قرار أو آراء على حدى ويحلل آثاره, ثم يقرر هل هو مجرد إجراء داخلي من إجراءات الإنضباط الداخلي للمرفق أم هو قرار إداري يجوز الطعن فيه بدعوى الإلغاء أمام الجهات القضائية المختصة.

وفي خلاصة القول, يتبين لنا من كل ما عرض من نظريات ومواقف الفقه والقضاء, أن الرأي الراجح في تكييف وتحديد الطبيعة القانونية للأوامر والتوجيهات الإدارية الرئاسية, التي يصدرها الرؤساء الإداريون المختصون, في مواجهة مرؤوسيهم بخصوص تنظيم وتسيير المرافق العامة والإدارات المسؤولة عنها, ووجوب الإعتماد على مضمونها من حيث أنها تعتبر قرارات إدارية, لها آثار قانونية أم مجرد إجراءات داخلية, والمتفق عليه, أن كل هذه الأوامر والتعليمات والتوجيهات التي يصدرها الرؤساء الإداريون لمرؤوسيهم, تعتبر ملزمة لهؤلاء المرؤوسين, يجب عليهم طاعتها والخضوع لها, وإلا تعرضوا للعقوبة والتأديب طالما يقضي واجب الموظف العام وإلتزامه قانونا بطاعة ما يصدر له رؤسائه.


(1)- حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في: 21/02/1935.

وهذا الرأي يتفق مع موقف المشرع الجزائري الذي يرى بأن التعليمات والأوامر والتوجيهات الإدارية الرئاسية, هي ملزمة للمرؤوسين وكل خروج عنها, يعرض الموظف للعقوبة ويتجلى ذلك في المادة رقم: 17 من المرسوم رقم: 85/59 الصادر في: 23 مارس 1985, المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العامة (1).

وبالتالي فالمشرع الجزائري يعتبر هذه التعليمات, بمثابة قرارات إدارية تلزم المرؤوسين بطاعتها وتنفيذها, وهذا واجب من الواجبات المفروضة على الموظف , التي نص عليها المرسوم التنفيذي رقم: 90/226 (2).
ويترتب على الإخلال بها التعرض لعقوبة تأديبية.

المبحث الثاني: سلطة الرئيس في مساءلة مرؤوسيه

بالرجوع إلى نص المادتين رقم: 34, 36 من القانون رقم: 78/12, المتضمن القانون الأساسي العام للعمال, نلاحظ أن علاقة الموظف برئيسه هي علاقة خاضعة لمبدأ التدرج الوظيفي أو علاقة تسلسلية إدارية تحكمها قوانين وأنظمة مختلفة, منها ما نظمه القانون رقم: 78/12 ومنها ما أتى به المرسوم رقم: 85/59 المتعلق بالقانون الأساسي النموذجي لعمال المؤسسات والإدارات العمومية (3).

حيث بهذه العلاقة يصبح المرؤوس يأتمر لأوامر رئيسه وينفذ جميع التعليمات التي تأتيه منه, ولكن الإشكالية المطروحة هي: هل أن كل التعليمات التي تصدر عن الأشخاص المؤهلين لذلك قابلة للتطبيق؟ وهل يخضع المرؤوس للمساءلة من طرف رئيسه, في حالة الرفض والإهمال؟
حيث هناك أوامر لا يمكن إعتبارها شرعية وكل إصرار على تطبيقها يتحمل مسؤوليتها الموظف الذي صدرت منه هذه التعليمات, والتي قد تكون صدرت كتابة أو شفاهة.

المطلب الأول: الأوامر الكتابية:
الأصل أن جميع الأوامر التي تصدر من السلطة العليا, تكون واجبة التنفيذ, إلا أنه يمكن أن يتساءل عن الأوامر غير الشرعية, هل أن رفض الموظف تنفيذ أوامر رئيسه المعتبرة غير شرعية, يشكل مخالفة تأديبية من شأنها أن تحرك الدعوى التأديبية؟ (4).
إن المشرع الجزائري لم ينص على إمكانية تنفيذ أو رفض هذه الأوامر حتى لا يتعرض الموظف إلى العقوبات التأديبية.

(1)- أنظر المادة رقم: 17 من المرسوم رقم: 85/59 المؤرخ في: 23/03/1985, المتضمن القانون الأساسي النموذجي لعمال المؤسسات والإدارات العمومية, " كل تقصير في الواجبات المهنية وكل مس بالطاعة عن قصد وكل خطأ يرتكبه الموظف في ممارسة مهامه أو أثنائها, يعرضه للعقوبة.
(2)- المرسوم التنفيذي رقم: 90/229, المؤرخ في: 25/07/1990, يحدد حقوق العمال الذين يمارسون وظائف عليا في الدولة.
(3)- أنظر المادتين رقم: 34, 36 من القانون رقم: 78/12, المؤرخ في: 05/08/1978, المتعلق بالقانون الأساسي العام للعمال.
(4)- أنظر كمال رحماوي, رسالة ماجيستير تحت عنوان : ضمانات تأديب الموظف العام في القانون الجزائري, جامعة عنابة, 1991, ص54.

بينما المشرع المصري, نص صراحة في القانون رقم: 58/71, الخاص بنظام العاملين المدنيين بالدولة على :" يتعين على العامل أن يلفت إنتباه رئيسه كتابة بأن الأمر غير شرعي, وإذا أصر الرئيس على تنفيذه عليه أن يصدر أمرا كتابيا بذلك " (1).

نستخلص من هذا النص وما أخذ به العرف الإداري الجزائري, أنه يمكن للموظف أن يطلب نفي مسؤوليته كتابيا في حالة تطبيق الأوامر غير الشرعية, والتي قد تلحق بالإدارة أو الغير أضرارا وبها يتحمل الرئيس عواقب تنفيذ أوامره المخالفة للقانون أو التنظيم.

إلا أن هذا الأسلوب المخالف للقوانين, نجده في كل المؤسسات وإدارات الدول التي تأخذ بنظام الحزب الواحد, ومنها الجزائر قبل دستور 1989.

المطلب الثاني: الأوامر الشفوية.
والصعوبة في تفسير وإثبات الأوامر التي تعطي من الرئيس إلى المرؤوس, تكمن في الأوامر الشفوية, حيث في حالة النفي من أحد الأطراف سواء الرئيس أو المرؤوس, لا يمكن تحديد من سيتحمل المسؤولية إذا ما حدث أن أدت هذه التعليمات إلى الخطأ والضرر بالمصلحة العامة أو بالغير.

إذا كان الأصل أن المسؤولية هي مسؤولية الموظف المكلف بالتنفيذ, حيث كان عليه أن لا يخرج عن قواعد القانون والتنظيم, إلا أن هذا الموظف لا يمكنه كذلك الخروج عن أوامر رئيسه, خاصة إذا كان هذا الرئيس يشغل منصبا ساميا في الوظيفة , وأكد للمرؤوس شرعية هذه الأوامر على أساس أنه أكثر دراية بالقوانين وطريقة تطبيقها.

فمن المفروض أن الرئيس وهو يشرف ويسهر على تنفيذ تعليماته من طرف المرؤوس, ويعتبر أيضا مسؤول عن التنفيذ السليم لهذه التعليمات.
والملاحظ أن مسؤولية الرئيس تكون دائما أكبر من مسؤولية المرؤوس, فإذا ما إرتكب الموظف المرؤوس خطأ له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالوظيفة مثل: الرشوة, أو إستغلال النفوذ, فإن للرئيس أن يتخذ جميع التدابير اللازمة لمعاقبة الموظف الذي يعمل تحت سلطته وإلا تعرض للمتابعة.

إضافة إلى ذلك فكل خطأ يرتكبه الموظف يعود سلبا على رئيسه, حيث يعتبر هذا الأخير غير قادر على فرض الإنضباط في أماكن العمل والتحكم في الرقابة الفعلية, على الموظفين الموضوعين تحت سلطته, مما أدى ذلك إلى الفوضى وإرتكاب الأخطاء.

فالأوامر التي تعطى شفاهة, هي في الأصل الأوامر الخاصة بالتنظيم وسير العمل اليومي, ولا يمكن أن تعطي لتنظيم أمور قانونية, إذ أن كل خطأ في تفسير هذه الأوامر والتعليمات قد يؤدي إلى مسؤولية من طرف الموظف المشرف على تنفيذها, وهو الرئيس في التسلسل الإداري.

(1)- جاء في النص على هامش رسالة الماجستير السالفة الذكر, ص54.

المبحث الثالث: مدى مسؤولية الرئيس عن أعمال مرؤوسيه.
إن مسؤولية الرئيس تتخذ صورة إرتكاب الخطأ حتى تترتب بعد ذلك, إذ بالرجوع إلى نص المادة رقم: 136/01 من الأمر رقم: 75/58, المؤرخ في: 26/09/1995, التي جاءت بما يلي: " يكون المتبوع مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعا منه في حال تأدية وظيفته أو بسببها ".

إذ نستخلص أنه رغم إرتكاب الموظف لأخطاء أدت إلى أضرار بالغير, فإن مسؤولية الإدارة هي التي تحل محل هذا الموظف إذا كان الضرر حدث أثناء تأديته لوظيفته حتى وإن كان ذلك عمدا منه.
ولقد جاءت المادة رقم: 47 من الأمر رقم: 03/06, المؤرخ في: 15 يوليو 2006: " كل موظف مهما كانت رتبته في السلم الإداري مسؤول عن تنفيذ المهام الموكلة إليه " (1).

لا يعفى الموظف من المسؤولية المنوطة به بسبب المسؤولية الخاصة بمرؤوسيه ولكن, ما مدى مسؤولية الموظف القائم بالرقابة في حالة إرتكاب مساعديه أخطاء أثناء وظيفته العادية؟
وبالتالي لا بد علينا التطرق إلى ما قد يتعرض إليه من مسؤولية تأديبية ومسؤولية جنائية.

المطلب الأول: النظام التأديبي للموظف.
أ- تعريف النظام التأديبي: ويمكن تعريفه على أنه: ذلك الخطأ الذي يرتكبه الموظف متجاوزا في ذلك القوانين, والتنظيمات والتعليمات العام منها والخاص, المنظمة لمجال الوظيفة العامة.
ومن هذا التعريف, نستنتج مفهوم الخطأ التأديبي, الذي تترتب عنه مسؤولية مرتكبه, وذلك في حالة إخلاله بإلتزاماته تجاه المهام المنوطة به.

وعليه فالخطأ التأديبي هو الإخلال بالقيام بالواجبات التي يقتضيها حسن إنتظام وإستمرار العمل داخل المؤسسة, وكذلك الإمتناع عن كل ما من شأنه إلحاق الضرر بالمشروع أو عرقلته لتحقيق الأهداف التي خصص من أجلها, ومن ثم فإن أي خروج عن هذا المبدأ يشكل خطأ تأديبي (2).

ويعرض الموظف لإحتمال إساءة إستعمال الإدارة لسلطتها في المجال التأديبي, إذ ليس من اللازم أن تصدر من جهة الإدارة المختصة, أو من السلطة التشريعية قواعد تؤثم بعض الأفعال مسبقا, حتى يعاقب الموظف إذا ما ثبت قبله فعل أو إمتناع لا يتفق ومقتضيات وظيفته, سواء نص على ذلك صراحة أو لم ينص (3).

ت‌- أركان المخالفة التأديبية: وتتمثل في:
 الركن الشرعي: ويتمثل في مخالفة القواعد التي تحكم سير الوظيفة العامة.
 الركن المعنوي: ويتمثل في وجود إرادة آثمة.
 الركن المادي: ويتمثل في إتيان الموظف بفعل يخل بواجباته المهنية.

(1)- أنظر المادة رقم: 47 من الأمر رقم: 06/03, المؤرخ في: 15/يوليو/2006, المتضمن القانون الأساسي للوظيفة العامة.
(2)- بن صاري ياسين, التسريح التأديبي في تشريع العمل الجزائري, طبعة 2005, ص12.
(3)- سليمان الطمّاوي, المرجع السابق, ص69.

المطلب الثاني: المسؤولية التأديبية:
إن السؤال يطرح حول مسؤولية الموظف الذي يتولى إعطاء الأوامر والتعليمات, حيث إذا كانت هذه الأوامر والتعليمات في محلها أي قانونية, فإنه لا إشكال في ذلك, لكن إذا كانت هذه الأوامر والتعليمات عكس ذلك, أي أنها غير مشروعة , لكن تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة مثلا, وقد أدى تطبيقها إلى الإضرار بالغير, فمن هو المسؤول عن تطبيق هذه الأوامر؟ هل يتحملها الموظف المنفذ أو الموظف الآمر؟

للإجابة لا بد من الرجوع إلى ما جاءت به النصوص التشريعية والتنظيمية, حيث نجد أن المادة رقم: 20 من المرسوم رقم: 85/59 المتضمن القانون الأساسي النموذجي لعمال المؤسسات والإدارات العمومية (1).
تنص على العقوبات التأديبية التي يمكن أن يتعرض لها الموظف إذا أخل بواجباته المهنية, أو مس بالإنضباط أو إرتكب أي خطأ خلال ممارسة مهامه, بينما تنص المادة رقم: 29 من القانون رقم: 78/12 المتضمن القانون الأساسي العام للعمال على أن: " العامل مهما كانت رتبته السلمية (2).

في حين تنص المادة رقم: 45 من الأمر رقم: 06/03 المؤرخ في: 15 يوليو 2006, المتضمن القانون الأساسي للوظيفة العمومية على أن :" يمنع كل موظف, مهما كانت وضعيته في السلم الإداري, أن يمتلك داخل التراب الوطني أو خارجه مباشرة أو بواسطة شخص آخر, بأية صفة من الصفات, مصالح من طبيعتها أن تؤثر على إستقلاليته أو تشكل عائق للقيام بمهمته بصفة عادية في مؤسسة تخضع إلى رقابة الإدارة التي ينتمي إليها أو لها صلة مع هذه الإدارة, وذلك تحت طائلة تعرضه للعقوبات التأديبية المنصوص عليها في هذا القانون الأساسي ".

نفهم مما تقدم أن الموظف دائما مسؤول عن التطبيق السليم للمهام التي تسند إليه, إذا كان هو المكلف بتنفيذها, وكذلك مسؤول عن التنفيذ السيئ الذي يرجع إلى الموظفين الموضوعين تحت سلطته, وهذا ما قد يجعل الموظف يتخلص من تولي الوظائف العليا في الإدارة, تهربا من المسؤولية التأديبية, وحتى الجزائية إذا ما عجز عن تلبية ما تقتضيه الظروف, خاصة بعد الإطاحة بنظام الحزب الواحد, وتطبيق نظام التعددية الحزبية في البلاد, كما يسأل الرئيس في السلم الوظيفي عن التنفيذ أو عدم التنفيذ للأوامر اللامشروعة في الحالتين:

الحالة الأولى: وهي المتعلقة بحالة تنفيذ الأوامر من طرف المرؤوس بعد إصرار الرئيس على تنفيذها, حيث قد يكون الإصرار جاء كتابة إذ أن المسؤولية في هذه الحالة هي مسؤولية الرئيس وهو المصر على التنفيذ.
الحالة الثاني: هي المتعلقة بحالة عدم تنفيذ الأوامر غير المشروعة, من طرف المرؤوس, مما أدى ذلك إلى إضطراب في التسيير, وفي هذه الحالة تكون المسؤولية على عاتق الرئيس, لعدم مشروعية التعليمات المعطاة إلى المرؤوس (3).

(1)- أنظر المادة رقم: 20 من هذا المرسوم.
(2)- أنظر المادة رقم: 29 من القانون رقم: 78/12.
(3)- أنظر المادة رقم: 29 من القانون رقم: 78/12 السالف الذكر .

وقد نصت المادة رقم: 72 من المرسوم رقم: 82/302, المؤرخ في: 11/09/1982, والمتعلق بكيفيات تطبيق الأحكام التشريعية الخاصة بعلاقات العمل الفردية, على ما يلي: " عندما تكون الأخطاء المهنية المنصوص عليها في المادة رقم: 71 أعلاه منسوبة إلى عمال كيفما كانت رتبتهم في سلم الإشراف, تحسب على ذمة المسؤول السلمي المباشر, إذا إطلع عليها ولم يستنكرها ولم يتخذ إجراءات تأديبية لمعاقبة أعوانه الذين إرتكبوا تلك الأخطاء ".

من إستقراء هذه المادة نلاحظ أن المسؤولية تكون على عاتق الموظف الذي لم يتخذ الإجراءات اللازمة في حالة إرتكاب أحد أعوانه خطأ وظيفي, رغم علمه بذلك فإن المرسوم كان واضحا في مادته في تحميل الموظف سلميا أخطاء أعوانه الذين يعملون تحت سلطته المباشرة.

المطلب الثالث: المسؤولية الجنائية.
إن المسؤولية الجنائية مستمدة من الخطأ الذي يرتكبه الموظف حين لا تكون لهذا الخطأ أية علاقة لا مباشرة ولا غير مباشرة مع الوظيفة.
إن الخطأ لا يرمي إلى آداء خدمة عامة, بل يهدف إلى تحقيق مصلحة شخصية إذ يتحمل الموظف مسؤوليته شخصيا أمام المحاكم.

وهذا ما نصت عليه المادة رقم: 140 من قانون العقوبات الجزائية على أنه:" إذا كانت الأوامر أو المطالب هي السبب المباشر لوقوع فعل بصفة القانون بأنه جناية, فإن العقوبة المقررة لهذه الجناية, تطبق على مرتكبي جريمة إستغلال النفوذ ".

نستقرأ من هذه المادة أن صاحب الأوامر هو الذي يتحمل المسؤولية الجزائية, إذا نفذ المرؤوس أوامره وهو تحت الإكراه المعنوي وأدت أعماله إلى جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات.
ولهذا نظّمت سلطة العقاب في القانون الجنائي, وعليه فإن نظام الردع في مجال قانون العقوبات نظام معقد, يشتمل على عدة عمليات, تبدأ بتحريك الدعوى العمومية, ثم البحث عن الأدلة وتنتهي بإصدار الحكم القضائي, وإن كانت هذه العمليات تتعلق بموضوع واحد, وهو معاقبة الجاني, إلا أنها عمليات منفصلة عن بعضها البعض, تقوم بها سلطات مختلفة ومستقلة هي: النيابة العامة, بالنسبة إلى تحريك الدعوى العمومية وتوجيه الإتهام, وقاضي التحقيق بالنسبة إلى البحث وجمع الأدلة, وأخيرا قاضي الحكم بالنسبة إلى إصدار الحكم.

والهدف من هذا التنظيم المعقد, هو إعطاء الفرد ضمانات فعالة في مجال التقاضي (1).
ونستطيع القول أن من واجبات الموظف الأساسية, أن ينفذ ما يصدر إليه من أوامر وتعليمات بدقة, وأمانة, وذلك في حدود القوانين والنظم المعمول بها.

ونستطيع القول أيضا أن من واجبات الموظف الأساسية, أن ينفذ ما يصدر إليه من أوامر وتعليمات بدقة وأمانة, وذلك في حدود القوانين والنظم المعمول بها, ويتحمل كل رئيس مسؤولية الأوامر والتعليمات المشروعة وغير المشروعة الصادرة منه, وبالتالي يعفى المرؤوس من أية مسؤولية إذا ما قام بتنفيذ كل ما يصدر إليه من رؤسائه الإداريين.

(1)- الأستاذ كمال رحماوي, تأديب الموظف العام في القانون الجزائري, طبعة 2003, ص132.

لأن كل تقصير في آداء الواجبات الوظيفية والمهنية وكل مس بالطاعة, يؤثر على سير المرافق العامة, ويعرض المرؤوس إلى عقوبات تأديبية مختلفة تتخذها السلطة الرئاسية المختصة بالتأديب بمقتضى القانون.



الساعة الآن 01:30 AM