المحاكم والمجالس القضائية
(نسخة قابلة للطباعة من الموضوع)
https://www.tribunaldz.com/forum/t2507
أنقر هنا لمشاهدة الموضوع بهيئته الأصلية

رد الإعتبار في القانون الجزائري
القلم الذهبي 29-01-2016 01:35 مساءً
بحث رد الإعتبار حسب القانون الجزائري.
مقدمة 
الفصـل الأول تأصيل رد الإعتبار.
المبحث الأول رد الاعتبار و مفهومه
المطـب الاول نظرة تاريخية لتطور رد الإعتبار
الفــرع الأول: نشأة فكرة رد االإعتبار
الفــرع الثاني: نظرة عامة حول رد الإعتبار في التشريع الجزائري
المطلـــــب الثاني : المفاهيم المختلفة لرد الإعتبار
الفــــــرع الأول: المفاهيم اللغوية و الشرعية
الفــــــرع الثاني: المفاهيم الفقهية و التشريعية
المبحــــث الثاني : تمييز رد الاعتبار عن الأنظمة الأخرى
المطلـــــب الأول : رد الاعتبار و العفو بأنواعه المختلفة
الفـــــرع الأول: العفو بأنواعه المختلفة
الفــــرع الثاني: التمييز بين رد الاعتبار و العفو بأنواعه
المطـب الثـاني : رد الاعتبار وقف التنفيذ و تقادم العقوبة
الفــــرع الأول: رد الاعتبار و وقف تنفيذ العقوبة
الفــرع الثاني : رد الاعتبار و تقادم العقوبة
الفصـــــــــــــل الثاني : رد الاعتبار الجزائي.
المبحـــــث الأول : رد الاعتبار القانوني
المطلـــــب الأول : شروط رد الاعتبار القانوني
الفــــــرع الأول:الشروط المتعلقة بالعقوبة
الفــــــرع الثاني: الشروط المتعلقة بسلوك المعني
المطلــــب الثاني : أثار رد الاعتبار القانوني
الفـــرع الأول : أثار رد الاعتبار القانوني على الأشخاص.
الفـــــرع الثاني : أثار رد الاعتبار القانوني على صحيفة السوابق القضائية.
المبـــحث الثاني : رد الاعتبار القضائي
المطـــلب الأول : شروط رد الإعتبار القضائي
الفـــــرع الأول : الشرط الزمني
الفـــــرع الثاني : الشرط المتعلق بتنفيذ العقوبة
الفـــــرع الثالث : الشرط المتعلق بالطلب .
المطلب الثـــاني : إجراءات رد الاعتبار القضائي و آثاره
الفـــــرع الأول : إجراءات رد الاعتبار القضائي
الفــــرع الثاني : آثار رد الاعتبار القضائي
الفصـــل الثالث : رد الاعتبار التـــــــــــــجاري.
المبحـــث الأول : رد الاعتبار التجاري و أنواعه.
المطلـب الأول : مفهوم رد الاعتبار التجاري
الفــــرع الأول: تعريفــــــــــــــــه.
الفـــــرع الثاني: رد الاعتبار بين التجاري و الجزائي
الفـــــرع الثالث: العلة من رد الاعتبار التجاري
المطلــــب الثاني : شروط رد الاعتبار التجاري و أنواعه
الفـــــرع الأول: شروط صحة رد الاعتبار التجاري
الفــــرع الثاني: أنواع رد الاعتبار التجاري
المبحـــث الثاني : إجراءات رد الاعتبار التجاري و آثاره
المطلــــب الأول : إجراءاته
الفـــــرع الأول: الإجراءات الأولية
الفــــــرع الثاني: الفصل في الطلب
الفـــــرع الثالث: الطعن في حكم رد الاعتبار
الفــــرع الرابع: حالة وفاة المفلس
المطلـــب الثاني : أثاره
الفــــرع الأول: أثار حكم شهر الإفلاس
الفـــــرع الثاني: فقد الاعتبار
الفـــــرع الثالث: أثار الرد
خاتمة
 


المقدمـــة :
تعرف العقوبة على أنها الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على عصيان أمر المشرع وذلك لتحقيق الهدف المتوخى منها ألا وهو إصلاح الأفراد وحماية الجماعة وصيانة نظامها لذلك يقول عنها بعض الفقهاء " إنها موانع قبل الفعل زواجر بعده، أي العلم بشرعيتها يمنع الإقدام على الفعل وإيقاعها بعده يمنع العودة إليه".
فعند تسليطها لا بد من مراعاة إشباع الحاجة منها ، ذلك أن بعض الأحكام الجزائية بعد تنفيذها أو انقضائها تترك أثارا معينة على حرمان المحكوم عليه في الغالب من بعض الحقوق أو المزايا وقد أعتبر هذا الحرمان عقبة في وجه المحكوم عليه تعترض سبيل إعادة إدماجه في المجتمع من جديد، وغاية السياسة الجنائية الحديثة هي إعادة إدماج المحكوم عليه في المجتمع و استعادته لمركزه كمواطن شريف ، فقد فسحت له القوانين طريقا للتخلص من أثار هذه الأحكام ومن هنا تكمن أهمية رد الاعتبار موضوع بحثنا هذا الذي يقف حائلا دون أبدية آثار أحكام الإدانة ، فهو من هذه الوجهة إجراء تقتضيه العدالة والمصلحة معا.
ولا يشك أحد فيما للعدالة من قيمة تتوقف عليها حياة المجتمع وحيويته ذلك لأن إنتاج الإنسان رهين كما ونوعا بصفاء نفسه وعدم إحساسها بالحسرة على حق سليب، فمذ كان الإنسان وحتى يكون كان العدل وسيبقى حلم حياته وأمل مفكريه وجوهر شرائعه وسياج أمنه.
دوافع اختيار الموضوع:
طبعا لاختيار أي موضوع لا بد له من دوافع وأسباب ؛ ودوافع اختيار موضوعنا هذا يمكن تقسيمها إلى شطرين ذاتية وموضوعية
الدافع الذاتي :
نابع من إيماننا العميق بالعدالة وإيماننا بأن العقوبة هي وسيلة للإصلاح وليست غاية وأيضا تكريسا للمبدأ القائل " لا كرامة لجائع ولا قوة لمريض و لا طمأنينة لمن لا عيش له ، لا مقاومة ولا صمود لمن لا يطمئن إلى غده ومن لا يشعر بأن حوله مجتمعا يكفله ويرعاه."
أما الدافع الموضوعي :
فهو مستمد من أهمية رد الاعتبار في حد ذاته ذلك أنه الحد الفاصل بين الأبدية و التأقيت وهو أحد معايير احترام كرامة الإنسان
الإشكالية:
كيف عالج المشرع الجزائري فكرة رد الاعتبار؟ وإلى أي مدى استطاع تحقيق الغاية من وجوده؟.
سنحاول معالجة هذه الإشكالية في ثلاث فصول، نتناول في الفصل الأول رد الاعتبار بوجه عام وفي فصل ثان نتناول رد الاعتبار الجزائي وفي الفصل الأخير نتناول رد الاعتبار التجاري.
 



الفصل الأول : تأصيل رد الاعتبار.

سوف نتعرض في هذا الفصل إلى بعض النقـاط التي نراها تمهيدية للموضوع نجسدها في النظرة التاريخية لنشأة وتطور نظام رد الاعتبار في مختلف التشريعات القديمة.
والحديثة, بما فيها التشريـع الجزائري، و نتبع ذلك بتأصيل المفاهيم المختلفة لرد الاعتبار. و كل هذا في المبحث الأول.
أما في المبحث الثاني نبين فيه أوجه التفرقـة بين نظام رد الاعتبار وبعض الأنظمة الشبيهة لـه.
ويكون ذلك على الشكل التالي :
المبحث الأول: رد الاعتبار ومفهومه.
المبحث الثاني: تمييز رد الاعتبار عن بعض الأنظمة المشابهة لـه.


المبحث الأول : رد الاعتبـار ومفهومـه.
نتنـاول في هذا المبحث نظرة تاريخية حول تطور رد الاعتبار في القوانين القديمة وفي الشريعة الإسلامية ، وفي القوانين الحديثة و على الخصوص في القانون الفرنسي باعتباره القانون الحديث الأول الذي أخذ بفكـرة رد الاعتبار كنظام قانوني مستقل ثم نتطرق إلى الاعتبار في التشريع الجزائري و هذا كله في المطلب الأول.
أما في المطلب الثاني نتطرق إلى المفاهيم المختلفة لرد الاعتبار سواء اللغوية أو الفقهية أو التشريعيـة.

المطلب الأول: نظرة تاريخيـة لتطور رد الاعتبار
الفرع الأول: نشأة فكرة رد الاعتبـار
إن فكرة رد الاعتبار لها جذور ضاربة في التاريخ، فحسب بعض فقهاء القانون (1) فأن أصل هذه الفكرة نجده في القانون الروماني ، فقد كان عبارة عن منحة السلطة العامة restitution in integram تمنح للمحكوم عليهم الذين فقدوا صفة الروماني بقصد استرجاع حقوقهم وكرامتهم ، وما تجدر الإشارة إليه أن فكرة رد الاعتبار في القانون الروماني لم تكن أبدا لها مميزات رد الاعتبار المعروف في القوانين الحديثة، فهي أقرب إلى العفو ذلك أنها تمحي آثار الإدانة بالنسبة للمستقبل و الماضي هذا من جهة ومن جهة أخرى فهو عمل من أعمال الإمبراطور أي بمثابة عطف و منحة منه
لكن في الواقع إن فكرة رد الاعتبار يعود أصلها إلى الشريعة الإسلامية قبل أي تشريع آخر، و هناك أدلة كثيرة من القران الكريم و السنة الشريفة كلها تحث المسلمين على التوبة النصوح و الدخول في رحمة الله تعالى، و من هذه الأدلة قوله تعالى في سورة الفرقان: ( و الذين لا يدعون مع الله إلها آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق أثاما (68) يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيها مهانا(69) إلا من تاب و امن و عمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كان الله غفورا رحيما (70).

فحسب تفسير ابن كثير لهذه الآيـات: ( ذلك السيئات الماضية للعبد تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات، فكلما تذكر الإنسان ما مضى ندم و استرجع و استغفر فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبـار، فيوم القيامة و إن وحده مكتوبـا عليه، فانه لا يضره، و ينقلب في صحيفته حسنة).
إن هذه الآيات البينات من سورة الفرقان لدليل عظيم على واسع رحمة الله تعالى بعباده فكل مسلم توفرت فيه شروط التوبة النصوح، فان جميع الذنوب التي ارتكبها تنقلب حسنات و كأنه لم يرتكب أي ذنب و تكتب في صحيفته يوم القيامة حسنات، و إن مفهوم التوبة في هذه الآيات قريب من مفهوم رد الاعتبار في القوانين الوضعية الحديثة، فرد الاعتبار القضائي كما هو معلوم يشترط فيه توفر بعض الشروط و بالخصوص شرط السيرة الحسنة و هي قريبة من التوبة، كما إن أثار رد الاعتبار في القوانين الحديثة قريبة من أثار التوبة النصوح التي تمحي أثار الإدانة في المستقبل، و بل في بعض القوانين الوضعية الحديثة يؤدي رد الاعتبار إلى سحب صحيفة السوابق القضائية.

و من السنة الشريفة هناك أحاديث نبوية كثيرة تدعو إلى التوبة و تحث الآثمين عليها، فقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال:" إن السارق إن تاب سبقته يده إلى الجنة و إن لم يتب سبقته إلى النار "
كما أن النبي صلى الله عليه و سلم دعا إلى عدم تعيير المجرم حتى لا يكون بعيدا عن الناس، و قد سمع عليه الصلاة و السلام بعض الناس يعيرون من أقيم عليه الحد يقولون له، أخزاك الله. فقال عليه الصلاة و السلام: ( لا تعينوا عليه الشيطان) و هذان الحديثان الشريفان لدليلان آخران على عناية الشريعة الإسلامية بالمذنبين التائبين و حرصها على رد الاعتبار لهم أما في التشريعات الوضعية فقد عرفه التشريـع الفرنسي القديم باسم lettres de (4) réhabilitation كحق للمحكوم عليهم الذين قضوا عقوباتهم و دفعوا الغرامات والتعويضات المدنية، فيمكن لهم طلب رأفة الأمير من اجل رد الاعتبار لسمعتهم مثلما كانت عليه قبل الحكم بالإدانة، ثم عرف هذا النظام في تشريع الثورة الفرنسية باسم bateme civique ، و تجدر الإشارة إلى أن رد الاعتبار كان يعد شكلا من أشكال العفو يدخل ضمن أعمال السيادة.

والمرة الأولى التي ادخل رد الاعتبار في التشريع العادي سنة 1791 في قانون التحقيقات الجنائية إلا انه ظل شكل من أشكال العفو الخاص.
و بموجب مرسوم الحكومة الفرنسية المؤقتة المؤرخ في 18/4/1808 و توسع رد الاعتبار ليشمل الجنح.
و بصدور قانوني 28 أفريـل 1872 و قانون 3 جويليـة 1852 المعدلان لنصوص قانون التحقيقات الجنائية أصبح رد الاعتبـار عملا مشتركا تشترك في الفصل فيه السلطتان القضائية و الإداريـة.

أين طالب رد الاعتبار يقدم طلبـه إلى غرفة الاتهـام التي يقع في دائرة اختصاصها مقر إقامته، هذه الأخيرة التي تقوم بإجراء تحقيق حول سلوك المحكوم عليه و سيرته و يحول الملف مشفوعا برأيها إلى النائب العام ممثل وزير العدل الذي يرفعه إلى رئيس الدولة الذي يبث فيه، و بالتالي فان قرار رد الاعتبار بقي عملا من أعمال السيادة يخضع للسلطة التقديرية لرئيس الدولة ، و بصدور قانون 14/8/1885 المعدل لقانون التحقيقات الجنائية أصبح رد الاعتبار الخاص بعقوبة وقف التنفيذ في قانون 26/3/1891 و ذلك بعد اجتياز المحكوم عليه اختبار مدته 5 خمس سنوات أما رد الاعتبار القانوني فقد جاء به قانوني 5اوت 1899 و 11 جويلية1900 Le ré habitation de droit (2)
و بعد التعديلات الكثيرة في التشريع الفرنسي جاء أمر 10اوت 1945 الذي ادمج ضمن قانون التحقيقات الجنائية وذلك في المواد 619 إلى 634 التي تضمنت رد الاعتبار القانوني و القضائي و هذه النصوص نقلت بمجملها و بدون تغييرات كثيرة إلى قانون الإجراءات الجزائية و خصص رد الاعتبار في المواد 782 الى799.
و آخر تعديل لقانون الإجراءات الجزائية الفرنسية جاء به قانون 16/12/1992 الذي دخل حيز التنفيذ في 1/3/1994 و الذي عدل بعض المواد المتعلقة برد الاعتبار ولا سيما المادة 769 منه.
و في الأخير ما يمكن أن نستخلصه من تطور رد الاعتبار في التشريع الفرنسي أنه مر بثلاث مراحل متتالية: المرحلة الأولى بدأت برد الاعتبار الإداري كمنحة من السلطة العامة المتمثلة في رئيس الدولة و ذلك بعد إجراءات خاصة و استكمال بعض الشروط و في هذه المرحلة كان يعد رد الاعتبار عملا من أعمال السيادة، و المرحلة الثانية هي رد الاعتبار القضائي الذي أصبح من اختصاص غرفة الاتهام، و بالتالي أصبح عملا قضائيا خالصا.

و المرحلة الثالثة و الأخيرة هي ظهور رد الاعتبار القانوني، و بالتالي أصبح هناك نوعين من رد الاعتبار قضائي و قانوني و من البلدان التي أخذت بنظام رد الاعتبار نجد ايطاليا من خلال قانون 1889، و أصبح في التشريع الحالي قضائيا فحسب المواد 878 إلى 881 منه( ).
و من البلدان العربية التي أخذت بنظام رد الاعتبار نجد التشريع المصري بموجب قانون رقم 31/41 لسنة 1931.
و بعد ذلك صدر قانون الإجراءات الجزائية لسنة 1950( قانون150/50 ) معدلا و مضيفا إلى نظام رد الاعتبار القضائي نظاما جديدا و هو رد الاعتبار القانوني ( المواد 536الى 553 ).
و من التشريعات العربية الأخرى التي أخذت بنظام رد الاعتبار نجد التشريع الأردني، الذي ادخل هذا النظام القانوني بموجب تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية ( قانون 16/91 المؤرخ في 1/9/1991) في المواد 364 و 365 منه.

الفرع الثاني : نظرة عامة حول فكرة رد الاعتبار في التشريع الجزائري
أما في الجزائر فبموجب أمر رقم 66/155 المؤرخ في 8 يونيو 1966 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية اعتنق المشرع الجزائري نظام رد الاعتبار في صورتيه القانوني و القضائي و ذلك في المواد من 676 إلى 693 قانون الإجراءات الجزائية
و إلى جانب رد الاعتبار الجزائي و الذي سنتناوله بالتفصيل في الفصل الأول، هناك رد الاعتبار التجاري و الذي اخذ به المشرع الجزائري بموجب أمر 75/59 المؤرخ في 26 سبتمبـر 1975 المتضمن القانوني التجـاري في ثـلاث صـور: القانـوني والإلزامي و الجوازي، و ذلك في المواد من358 إلى 368 منه، و الذي سنتناوله بالتفصيل هو الآخر في الفصل الثاني.
بالإضافة إلى رد الاعتبار الواردين في قانوني الإجراءات الجزائية و القانون التجاري، و اللذان كما قلنا سابقا سنستعرض لهما بالدراسة في فصلين مستقلين. هناك نوع آخر من رد الاعتبار و الذي يصدر عن هيئات شبه قضائية، أو ما يعرف برد الاعتبار التأديبي، و هو ليس موضوع دراستنا كما بينا ذلك في المقدمة، و لكن ليس من الإشارة إليه، و لعل ابرز ما تناول رد الاعتبار التأديبي نجد: الأمر رقم 66/133 المؤرخ في 2 يونيو 1966 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية و المتمم بالمراسيم المطبقة له، و أيضا القانون العضوي رقم 04/11 المؤرخ في 6 سبتمبر 2004 المتضمن القانون الأساسي للقضاء.
فبالنسبة للقانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، فلقد نص على رد اعتبار
الموظفين المحكوم عليهم بعقوبة تأديبية في المرسوم المطبق له رقم 66/152 المؤرخ في 2 يونيو المتعلق بالإجراء التأديبي في المادة السابعة منه التي نصت: على انه يجوز للموظف المحكوم عليه بعقوبة تأديبية و غير المبعد من الإطارات من السلطة التي لها حق التأديب شطب إشارة العقوبة الصادرة و المقيدة من ملفه و ذلك بعد 3 سنوات إذا كان الأمر متعلقا بإنذار أو توبيخ، و بعد 6 سنوات إذا كان الأمر متعلق بعقوبة أخرى.
و إذا كان سلوك الموظف بوجه عام مرضيا تماما بعد العقوبة التي تعرض لها فيقتضي إجابة طلبه.
و لا يسوغ للسلطة التي لها حق التاديب البث في الطلب إلا بعد أخذ رأي مجلس التاديب و يجرى إحداث ملف جديد للموظف يجب وضعه تحت رقابة مجلس التأديب.

يتبين من خلال هذا النص أن المشرع الجزائري في تأديب الموظفين اخذ بالنظام الشبه القضائي مسايرا في ذلك المشرع الفرنسي و الايطالي، أي أن هناك هيئة استشارية تتدخل في مرحلة سابقة على إصدار القرار التأديبي، و هذه الهيئة هي اللجان المتساوية الأعضاء التي تتكون من ممثلي الإدارة و ممثلي الموظفين تقوم بدور مجلس التأديب.

و تختص سلطة التعيين بمفردها بعد استشارة اللجنة المتساوية الأعضاء في البث في طلبات رد الاعتبار.
فبالنسبة لعقوبتي الإنذار و التوبيخ يقدم طلب رد الاعتبار بعد مرور 3 سنوات من النطق بالعقوبة، أما باقي العقوبات الأخرى يقدم الطلب بعد 6 سنوات، و لا يسري رد الاعتبار على عقوبتي العزل و الإحالة على التقاعد التلقائي.
و يشترط إلى جانب القضاء المدة المحددة قانونا لقبول طلب رد الاعتبار حسن سلوك الموظف، و العمل الوظيفي منذ توقيع العقوبة عليه و يستخلص ذلك من واقع تقاريره السنوية و ملف خدمته، و ما يبديه الرؤساء عنه و يترتب على رد اعتبار الموظف محو آثار العقوبة و اعتبارها كان لم تكن بالنسبة للمستقبل، و بالتالي فان محو العقوبة من ملف الخدمة يسمح للموظف بان يكون قابلا للترقية، و لا يتأثر مستقبله الوظيفي.

أما بالنسبة لرد اعتبار القضاة ؛ فلقد نص قانون 89/21 المؤرخ في 12/11/1989 المتضمن القانون الأساسي للقضاء في المادتين 100 و 101 على جواز طلب رد الاعتبار من طرف القضاة الذين تعرضوا لعقوبات تأديبية أمام المجلس الأعلى للقضاء ولقد تم استبدال هذا القانون بالقانون العضوي رقم 04/11 المؤرخ في 6 سبتمبر 2004 المتضمن القانون الأساسي للقضاء و لقد نصت المادتين 71 و 72 منه على رد اعتبار القضاة و إجراءاته و شروطه، فتنص المادة 71 الفقرة 2و 3 منه على أنه: "يمكن للقاضي المعني أن يقدم طلبا برد الاعتبار إلى السلطة التي أصدرت العقوبة بعد مضي سنة إبتداءا من تاريخ تسليط العقوبة يتم رد الاعتبار بقوة القانون بعد مضي سنتين من تاريخ توقيع العقوبة".

و تضيف المادة 72:" يجوز للقاضي محل العقوبات من الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة أن يرفع طلبا لرد الاعتبار أمام المجلس الأعلى للقضاء في تشكيلته التأديبية.
لا يجوز قبول هذا الطلب إلا بعد مضي سنتين من النطق بالعقوبة.
يتم رد الاعتبار بقوة القانون بعد مضي 4 سنوات من النطق بالعقوبة" .
و ما يمكن أن نستخلصه من هاتين المادتين أن القضاة الذين تعرضوا لعقوبات تأديبية نتيجة لارتكابهم لأخطاء تأديبية.
يمكن لهم طلب رد اعتبارهم أمام السلطة التي أصدرت العقوبة، فإذا كانت العقوبة التأديبية التي صدرت في حق القاضي إنذارا صادرا عن وزير العدل أو عن أحد رؤساء الجهات القضائية الخاضعة للنظام القضائي العادي أو الإداري، فيمكن لهذا القاضي أن يقدم طلبا لرد اعتباره أمام السلطة التي أصدرت عقوبة الإنذار، و ذلك بعد مضي سنة من تاريخ تسليط هذه العقوبة، و يتم رد اعتباره بقوة القانون بعد مضي سنتين من تاريخ توقيع العقوبة.

أما فيما يخص العقوبات التأديبية التي تصدر عن المجلس الأعلى للقضاء، و المنصوص عليها في المادة 68 من القانون العضوي، و هي العقوبات من الدرجة الأولى و من الدرجة الثانية و من الدرجة الثالثة، فان القاضي الذي يتعرض لإحدى هاته العقوبات التأديبية يمكن له أن يقدم طلبا أمام المجلس الأعلى للقضاء و ذلك بعد مضي سنتين من النطق بالعقوبة.
و يتم رد اعتباره بقوة القانون بعد مضي أربع سنوات من النطق بالعقوبة، غير أن عقوبتي الدرجة الرابعة العزل و الإحالة على التقاعد التلقائي لا يسري عليها نظام رد الاعتبار.
و الغاية من رد اعتبار القضاة الذين يتعرضون لعقوبات تأديبية هو أن بقاء الجزاء التأديبي بملف خدمتهم دون محوه قد يؤثر على مستقبلهم المهني، كما قد يلقى ظلالا على قابليتهم للترقية.
إذن فهناك نوعين من رد الاعتبار الخاص بالقضاة، رد اعتبار بطلب من القاضي المعني و الذي تفصل فيه الجهة القضائية التي أصدرته أو المجلس الأعلى للقضاء حسب الحالة، و هذا يمكن أن نسميه رد الاعتبار بناءا على طلب القاضي المعني، و هناك رد الاعتبار بقوة القانون، و هذا دون أن يطلبه القاضي المعني فيكفي أن تمر المدة المنصوص عليها قانونا حسب الحالة.

المطلب الثاني : المفاهيم المختلفة لرد الاعتبار
سنعرض في هذا المطلب مختلف المفاهيم التي أعطيت لرد الاعتبار بعد أن عرض لتطوره التاريخي. و قد أجملنا هذه المفاهيم في الجوانب اللغوية و الشرعية و الفقهية و كذا التشريعية إن وجدت، و من هذا المنطق ارتأينا تقسيم هذا المطلب إلى فرعين متتاليين على النحو التالي:
الفرع الأول: المفاهيم اللغوية و الشرعية
الفرع الثاني: المفاهيم الفقهية و التشريعية

الفرع الأول: المفاهيم اللغوية و الشرعية
إن أصل كلمة رد الاعتبار لاتيني Réhabilite  و يقابلها في اللغة الفرنسية Réhabilitation و التي تعني واقعة استعادة أحد ما لحقوقه كما كانت في المرة الأولى ، و من ثمة يمكن أن يكون رد الاعتبار في الزواج و يعرف بـ Réhabilitation de mariage. و قد يكون رد الاعتبار في النبلاء Réhabilitation de noblesse ، ومن الصعب جدا تصور رد الاعتبار التاريخي لأن رد الاعتبار يتعلق بشيء فقد ناهيك عن رد الاعتبار العادي أو ما يعرف برد الاعتبار الجزائي و رد الاعتبار التجاري.
أما من الناحية الشرعية فإن الشريعة الإسلامية لم تعرفه بهذا المفهوم بقدر ما عرفته بفكرة أوسع من ذلك في إطار ما يعرف بالتوبة. التي تكون بإرادة العبد يجسدها في أعماله اليومية إزاء مجتمعه، و من أدلة التوبة قوله تعالى: في سورة الفرقان- الآية 71 - : " فأما من تاب وعمل عملا صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا".
و التوبة لغة هي الندم و العزم على عدم معاودة الذنب و من ثمة فإن مدلول التوبة هو الإقلاع عن المعصية بعد الندم و من شروطها إذن :
الشرط الأول: الاعتراف بالذنب
الشرط الثاني: عقد العزم على ألا يعود إلى الذنب بعد توبته.
الشرط الثالث: الإقلاع عن هذا الذنب بالفعل.
و آثارها أنها تمحو المعصية و الوزر على صاحبها و يمتد آثارها إلى علاقة العبد بربه. و هو يغفر لمن يشاء ماعدا الكفر و الشرك بالله.

الفرع الثاني: المفاهيم الفقهية و التشريعية
وردت كلمة رد الاعتبار في بعض التشريعات العربية و في بعضها الآخر إعادة الاعتبار.
و يعرف بعض الفقه رد الاعتبار الجزائي بأنه منح الشخص الذي تعرض لعقوبة واحدة أو عدة عقوبات جزائية بعد فترة من الزمن تعد كمرحلة اختبار له عن حسن سلوكه، كافة حقوقه التي فقدها بسب ذلك ، و يعرف Garraud رد الاعتبار القضائي بأنه نظام يسمح للشخص المحكوم عليه بعقوبة بعد ثبوت سيرته الحسنة بمحو آثار الإدانة بقرار من العدالة  و يعرف نفس الفقيه رد الاعتبار القانوني بأنه طريق تلقائي يمحو بموجبه الإدانة منذ الوقت الذي حصلت فيها.



كما أن الفقه العربي كان قد تصدي لهذا النظام بتعريفه فيرى البعض أن المقصود به هو محو الآثار الجنائية للحكم بالإدانة بحيث يأخذ المحكوم عليه وضعه في المجتمع كأي مواطن لم تصدر ضده أحكام جنائية، و حسبه فإن هدف هذا النظام هو التخفيف من الآثار الاجتماعية للأحكام الجنائية و التي تقف صحيفة السوابق القضائية فيها عائقا ضد المحكوم عليه في أن يشق طريقه العادي لكسب معاشه و يعرفه الدكتور الشواربي بأنه "إزالة حكم الإدانة بالنسبة للمستقبل على وجه تنقضي معه جميع آثاره، و يصبح المحكوم عليه ابتداء من تاريخ رد الاعتبار في مركز من لم تسبق إدانته و يعني حسب رأيه أن من يحصل على رد الاعتبار يجتاز بمرحلتين الأولى هي السابقة لرد الاعتبار، و فيها يكون حكم الإدانة قائما منتجا لجميع آثاره، أما المرحلة الثانية فهي اللاحقة على حصوله على رد الاعتبار و فيها يزول حكم الإدانة و تنتهي جميع آثاره.


و يذهب محمود نجيب حسني إلى القول بأن " رد الاعتبار يمنح للذي نفذت العقوبة بحقه، و أبرأ ذمته اتجاه السلطة و الخزانة و الشخص المتضرر، فيعاد له وضعه السابق كما كان قبل الحكم بالإدانة دون أن يستطيع أحد حرمانه من أي حق، أو يلحق به أي صفة من صفات العار لأن الحرمان من الحقوق وصمة العار أصبحا ملغيين من يعيد المقرر اعتباره إلى ممارسة جميع حقوقه المدنية
و يذهب البعض الآخر من الفقه إلى اعتباره "حق رتبة الشارع" لمن أدين أو جرم و حكم عليه بعقوبة جنحية أو جنائية يستصدره من القضاء أو يترتب له حكما إذا استوفى شروطه القانونية، و الحصول على هذا الحق يمكنه من التخلص من الآثار المترتبة عن هذا الحكم من حيث ما يتصل بحرمانه من حقوقه، أو الإشارة إلى تلك الآثار و ربطه بها للحطّ من قيمته الأدبية أو المعنوية أو الاجتماعية
بينما اكتفى البعض من الفقه في تعريفه لرد الاعتبار بالإشارة إلى أنه يتم بحكم من المحكمة، و بناءا على طلب المحكوم علية
أما التشريعات العربية فقد أوردت رد الاعتبار و حاولت بعضها تعريفه من خلال الآثار المترتبة عنه كما هو الحال بالنسبة للمشرع الجزائري الذي نص على أنه يمحو في المستقبل كل أثار الإدانة العادلة و ما نجم عنها من حرمان الأهليات.


المبحث الثـاني : تمييز رد الاعتبار عن بعض الأنظمـة الأخرى
رد اعتبار المحكوم عليه نظام يهدف إلى محو آثار الحكم الجنائي الصـادر عليـه و إزالة كافة آثاره المحتومة، و بوجه خاص تلك الماسة بحقوقه المدنية وبأهليته، حتى يستعيد مكانته السابقة في المجتمع.
تترك بعض الأحكام القضائية بعد تنفيذها أو انقضائها بالعفو أو التقادم آثارا معينة قد تشترك بعضها من حيث الآثار مع رد الاعتبـار و يختلف من جوانب أخرى.
و رد الاعتبار كنظام قانوني يجب تمييزه عن بعض الأنظمة الأخرى التي من الأهمية بمكان الإشارة إليها في مطالب مستقلة خاصة إذا علمنا أن رد الاعتبار كان قديما من صور العفو و يعد منحة من السلطات العامة هذا من جهة.
و من جهة أخرى يجب التمييز بين رد الاعتبار و وقف تنفيذ العقوبة و تقادم العقوبة باعتبار كليهما يؤدي إلى محو الإدانة بعد مرور فترة معينة بحيث يتصل كل منهما بالعقوبة المحكوم بها و ما عليهما و يلتقيان بصورة جزئية مع طرف المشرع في الآثار المتربة.
و عليه سنتناول في هذا المبحث مطلبين، سنخصص المطلب الأول للتمييز بين رد الاعتبار و العفو بأنواعه.
ثم في مطلب ثاني سنتناول التمييز بين رد الاعتبار و وقف تنفيذ العقوبة و تقادمها.

المطلب الأول: رد الاعتبار و العفو بأنواعه المختلفـة
نظرا لارتباط كلا من رد الاعتبار و العفو بانقضاء العقوبة بحيث يعتبر أن من الأسباب التي تمحوا الآثار الجزائية للعقوبة و لو بدرجات متفاوتة، فالعفو يؤدي إلى التخلي عن تنفيذ العقوبة، في حين رد الاعتبار يؤدي إلى محو آثار الحكم الجزائي لاسيما تلك المتعلقة بالحقوق و الأهلية، هذا ما نصت عليه م 676 ق/ج: "يمحو رد الاعتبار في المستقبل كل أثار الإدانة العادلة و ما نجم عنها من حرمان الأهليات" .
و على هذا قسمنا هذا المطلب إلى فرعين سنتناول في الفرع الأول العفو بأنواعه المختلفة ثم في الفرع الثاني رد الاعتبار و العفو بأنواعه.

الفرع الأول: العفـو بأنواعه المختلفـة
تنقضي العقوبة عادة بتنفيذها فعلا على المحكوم عليه، و إذا كان تنفيذ العقوبة هو الطريق العادي و الطبيعي لانقضائها، فثمة أسباب أخرى تعد الطريق غير العادي و الطبيعي لانقضاء العقوبة و تتمثل في العفو عن العقوبة و سقوط العقوبة بالتقادم و وفاة المتهم و رد الاعتبار سنقتصر من خلال دراستنا للموضوع على العفو بأنواعه.
1) تعريف العفو:
هو إنهاء الالتزام بتنفيذ العقوبة كله أو جزءا منه أو التعديل منه عن طريق استبداله بعقوبة أخف
هذا التعريف يتماشى و ما جاء به المؤسس الدستوري من خلال نصه في المادة 77 منه الفقرة السابعة و التي جاءت في الباب الثاني تنظيم السلطة، الفصل الأول السلطة التنفيذية
يضطلع رئيس الجمهورية بالإضافة إلى السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور بالسلطات و الصلاحيات الآتية:
"له حق إصدار العفو و حق تخفيض العقوبات أو استبدالها"

2)- أنواع العفو:
بالرجوع إلى المادة 77 من الدستور نجدها تنص على أن رئيس الجمهورية يضطلع سلطة إصدار العفو و تخفيض العقوبة أو استبدالها.
كما نصت المادة 122 من الدستور الجزائري بان البرلمان يشرع في الميادين التي يخصصها له الدستور و كذلك في المجالات الآتية:
قواعد قانون العقوبات و الإجراءات الجزائية لاسيمـا تحديد الجنايـات و الجنح والعقوبات المختلفة المطابقة لها، و العفو الشامل و تسليم المجرمين و نظام السجون.
من خلال تفحصنا للمادتين السالفتي الذكر نجد بان هناك نوعين لنظام العفو فالمادة 177 من الدستور خولت لرئيس الجمهورية صلاحية إصدار العفو أو تخفيض العقوبة أي عفو تام، و عفو مخفف و هو ما سأطلق عليه تسمية العفو عن العقوبة، و المادة 122 التي خولت للبرلمان سلطة التشريع في مجال العفو الشامل.
و من الأهمية الإشارة إلى بعض الكتب القانونية التي اعتمدت على تقسيم آخر له نفس المدلول مع تغيير في العبارات المستعملة ألا و هي:
- العفو العام و يقصد به العفو الشامل.
- العفو الخاص ويقصد به العفو عن العقوبة.
حقيقة وان كان هذا التقسيم لا يخلو من الصحة لكون العفو العام هو إجراء موضوعي لجريمة معينة أو نوع معين من الجرائم يتخذ دون تعيين جناتها فهو لا يعين أسمائهم بل قد يعين طائفة من الجرائم أو عدة طوائف وقعت في وقت معين، و العفو الخاص هو إجراء شخصي يمنح الفرد واحدا أو أكثر لا لنوع معين من الجرائم
غير انه و حسب رأينا و تماشيا مع المصطلحات التي استعملت في القانون الدستوري و التشريع العقابي. فإننا نتمسك بالتقسيم الأول أي العفو عن العقوبة و العفو الشامل. فما هي أوجه الشبه و الاختلاف بينهما ؟

3)- مقارنة بين العفو عن العقوبة و العفو الشامل
أوجه الشبه:
أ- يهدف كلا من العفو عن العقوبة و العفو الشامل إلى إسدال ستار النسيان عن الواقعة و الإفضاء عن القصاص على الجاني.
ب- القانون لم يقيد أيهما بأي قيد، بل تركهما لحسن تصرف السلطات العامة.
ج- لا يحول دون المطالبة بالتعويضات .
د- لا يقبل تنازل صاحب الشأن بالعفو لتطبيقه
أوجه الاختلاف :
أ)- يتضمن العفو عن العقوبة معنى الإفضاء عن تنفيذها فحسب بمعنى لا تسقط العقوبة التبعية و لا الآثار الجنائية الأخرى المترتبة على الحكم بالإدانة ما لم ينص في أمر العفو على خلاف ذلك فالحكم يظل قائما محتسبا سابقة في العود و مستتبعا جميع آثاره و يكون بأمر من رئيس الجمهورية.
في حين العفو الشامل يزيل الصفة الإجرامية عن الفعل، فهو بمثابة تنازل عن الهيئة الاجتماعية عن جميع حقوقها قبل الجاني وحسب ما يشير إليه الأصل اللغوي لكلمة amnistie إفضاء من الهيئة الاجتماعية و نسيان للواقعة، و يستتبع انقضاء العقوبة الأصلية و التكميلية و التبعية و الآثار الجنائية لها. و يكون بقانون لان القانون لا يلغي إلا بقانون.

ب)- العفو عن العقوبة يسري أثره من يوم الأمر به و بالنسبة للمستقبل فقط أما العفو الشامل فيسري بأثر رجعي و يصبح الفعل كما لو كان مباحا و عليه لا يصح صدور العفو عن العقوبة إلا بعد صدور حكم نهائي لان الحكم غير النهائي قد يلغى عند الطعن فيه فيكون في العفو عن العقوبة استباق للحوادث و تدخل من السلطة التنفيذية في عمل القضاء.

ج)- العفو عن العقوبة إجراء شخصي يمنح لفرد واحد أو أكثر لا لنوع معين من الجرائم في حين العفو الشامل هو إجراء موضوعي لجريمة معينة أو نوع معين من الجرائم يتخذ دون تعيين جناتها

د)- العفو عن العقوبة يصدر عادة لتخفيف وطأة حكم قضائي خانه التوفيق في تقدير العقوبة و ليس هناك ما يمنع من صدوره لباعث سياسي في حين العفو الشامل يكون عادة في ظروف الانقلابات السياسية.

الفرع الثاني : التمييز بين رد اعتبار و العفو بأنواعه
يشبه رد الاعتبار في آثاره العفو الشامل لأنه كان قديما من صور العفو و يعد منحة من السلطات العامة، أما حديثا فهو يختلف عن العفو الشامل من عدة وجوه يمكن حصرها في النقاط التالية:
من حيث المصدر:
حين يكون العفو الشامل بقانون يكون رد الاعتبار بحكم القاضي أو بقوة القانون
من حيث مدى تحققه:
يعد العفو الشامل إجراءا استثنائيا قد يتحقق من أن لآخر أما رد الاعتبار فهو إجراء عادي مستديم.
وقت صدوره :
قد يصدر العفو الشامل قبل المحاكمة و الحكم أما رد الاعتبار لا يكون إلا بعد مضي مدة كافية اشترطها القانون بدءا من تنفيذ الحكم أو سقوطه بالتقادم.
من حيث الحق في طلبه:
يعد العفو الشامل منحة تتوقف على رغبة الشارع، في حين رد الاعتبار أصبح حقا مكتسبا للمحكوم عليه إذا استوفى شروطه.
من حيث آثاره:
رد الاعتبار يزيل أثار الحكم الجنائي بالنسبة للمستقبل دون الماضي.
في حين العفو الشامل الذي له اثر رجعي لذا لا يجوز أن يعتبر هذا الحكم سابقة في العود.
كما أن نظام العفو عن العقوبة يختلف عن رد الاعتبار باعتبار العفو عن العقوبة يمنع من تنفيذ العقوبة لكنه لا يزيل أثارها الجنائية، في حين رد الاعتبار سواء كان قضائيا أم قانونيا فهو يزيل آثار العقوبة بصرف النظر عما إذا كانت قد نفذت في الماضي أم لم تنفذ لتقادمها فلا يحتسب الحكم سابقة في العود كما تسقط العقوبات التبعية المتصلة بانعدام الأهلية و بالحرمان من الحقوق و المزايا بصريح النص. لكن لا يستعيد من رد اعتباره إليه وظيفته لمجرد رد اعتباره بعد صدور حكم بالإدانة.


المطلب الثاني: رد الاعتبار و وقف التنفيذ و تقادم العقوبة
الأصل في العقوبة التي ينص بها القاضي هو تنفيذها، مع مراعاة ما هو مقرر لتدابير الأمن التي يجوز إعادة النظر فيها وفق ما يقتضيه تطور الحالة الخطيرة لصاحب الشأن.
غير أن المشرع الجزائري أجاز في حالات معينة و ضمن شروط محددة وقف تنفيذ العقوبة بل وأجاز أحيانا إنهائها و ذلك بمفعول بعض الأنظمة و التي اصطلح بتسميتها بأنظمة انقضاء العقوبة إما بسبب محو العقوبة و التي تشمل العفو الشامل و برد الاعتبار و هو ما تم تناوله بإسهاب في المطلب الأول. أو انقضاء العقوبة بسبب التخلي عن تنفيذها و التي تشمل التقادم.
و حتى يكون الإلمام بأكبر قدر ممكن لجوانب الموضوع ارتأينا أن نتناول في الفرع الأول رد الاعتبار و وقف تنفيذ العقوبة كنظامين قانونيين يشتركان في مال العقوبة المحكوم بها ثم نعرج في الفرع الثاني على رد الاعتبار و تقادم العقوبة باعتبارها سبب من أسباب انقضاء العقوبة.

الفرع الأول: رد الاعتبار و وقف تنفيذ العقوبة
ذكر المشرع الجزائري في نص المادة 678 ق.إ.ج.
إذا كانت عقوبة الحبس أو الغرامة مع وقف التنفيذ برد اعتبار المحكوم عليه بقوة القانون بعد مضي فترة اختبار خمس سنوات ما لم يحصل إلغاء وقف التنفيذ فان حصل ذلك فقد المحكوم عليه حقه في رد الاعتبار بقوة القانون .
و يبدأ احتساب المدة المذكورة من يوم صدور الحكم بالإدانة حائزا لقوة الشيء المقضي به.
يتضح لنا من المادة 678 ق/ج أن رد الاعتبار القانوني للمحكوم عليه بوقف النفاذ يكون بعد مضي فترة اختبار كشرط أولي و لم يحصل إلغاء وقف التنفيذ كشرط ثاني
و لكن يثار التساؤل حول:
- آليات إلغاء وقف تنفيذ العقوبة باعتبار المشرع الجزائري لم ينص على الجهة المختصة في القضاء بإلغاء وقف النفاذ مما تثير إشكالات في تطبيقها ؟
- إن كان قد سبق الحكم بجناية أو جهة موقوفة النفاذ و سقطت بفعل رد الاعتبار، هل تعد سابقة تحول دون تطبيق نظام وقف النفاذ ؟
للإجابة على هذه الإشكاليات ارتأينا أن أتناول وقف تنفيذ العقوبة أولا ثم التمييز بين رد الاعتبار و وقف تنفيذ العقوبة

1) وقف تنفيذ العقوبة :
هو نظام يجيز وقف تنفيذ العقوبة بعد النطق بها، و يرجع الفضل في اعتماد هذا النظام الذي أخذت به معظم الشرائع العقابية بما فيها التشريع الجزائري إلى المدرسة الوضعية التي رأت أن من مصلحة المجتمع وقف تنفيذ عقوبة الحبس على مجرمي الصدفة.
ذلك أن تنفيذ العقوبة عليهم يعود عليهم و على المجتمع بضرر اكبر نتيجة لاختلاطهم في السجن بغيرهم من الجناة بالفطرة فيتحولون بذلك إلى مجرمين بالعادة.
و قد اخذ المشرع الجزائري بهذا النظام و طبقه على الحبس و الغرامة على حد سواء منذ صدور قانون الإجراءات الجزائية بموجب الأمر رقم66-155 المؤرخ في 8/6/1966 حيث أجاز للقاضي تعليق تنفيذ عقوبتي الحبس و الغرامة المقضي بهما و أوقف ذلك على شروط معينة و رتب على ذلك آثار محددة.

أ- صور وقف التنفيذ:
و لنظام وقف التنفيذ صور متنوعة لا يعرف القانون الجزائري إلا واحدة و هي وقف التنفيذ البسيط تماشيا مع القانون المصري ، بالإضافة إلى وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار و هو نظام قديم ظهر في أواخر القرن الثامن عشر في الإمبراطورية النمساوية ثم انتشر ليشمل معظم التشريعات على اختلاف مذاهبها العقائدية و أنظمتها السياسية  خاصة الانجلوساكسونية.

و لكن ما هي شروط الحكم بوقف التنفيذ البسيط و آثاره ؟
ب- شروط الحكم بوقف التنفيذ :
أجازت المادة 594 ق/ج للقاضي الحكم بوقف العقوبة بعد النطق بها متى توافرت شروط معينة منها ما يتعلق بالجريمة و منها للمحكوم عليه و منها ما يتصل بالعقوبة ذاتها
- الشروط المتعلقة بالجريمة :
يجوز تطبيق نظام وقف التنفيذ في كل الجنح و المخالفات و في الجنايات إذا قضي منها على الجاني بعقوبة الحبس الجنحية بفعل إفادته بالظروف المحققة طريقا لأحكام المادة 53 ق ع و يتحقق ذلك في الجنايات المعاقب عليها بالسجن المؤقت دون الجنايات المعاقب عليها بالسجن المؤبد.

- الشروط المتعلقة بالجاني:
إن الاستفادة من وقف التنفيذ متاحة للمتهمين لم يسبق الحكم عليهم بالحبس لجناية أو ضجة من جرائم القانون العام.
و يترتب عن هذا الشرط ما يلي:
- كل ما يقضي به من عقوبات في المخالفات. حتى و إن كانت بالحبس لا يحول دون تطبيق نظام وقف التنفيذ.
- لا يعتد بعقوبة الغرامة المقضي بها في الجنح و الجنايات لحرمان صاحبها من نظام وقف التنفيذ.
- لا تؤخذ في الاعتبار عقوبة الحبس المقضي بها في الجرائم العسكرية و السياسية.
- و يثور التساؤل حول ما إذا كانت تعد سابقة تحول دون تطبيق نظام وقف تنفيذ العقوبة التي سبق الحكم بها لجناية أو جنحة و سقطت برد الاعتبار.
بالرجوع إلى أحكام المادة 592 ق/ج التي تفيد بعدم التنويه عن العقوبات التي صدر بشأنها قرار برد الاعتبار في القسيمة رقم 2 نستنتج بان العقوبة التي شملها رد الاعتبار لا تحول دون تطبيق نظام وقف التنفيذ على صاحبها.

- الشروط المتعلقة بالعقوبة :
لا يكون وقف التنفيذ إلا بالنسبة لعقوبات الحبس و الغرامة أي العقوبات الأصلية و من ثم لا يجوز الحكم بوقف تنفيذ العقوبات التكميلية و لا تدابير الأمن.
و متى توافرت كل هذه الشروط يجوز للقاضي أن يأمر بوقف التنفيذ و هذا الإجراء ليس حقا و إنما هو أمر اختياري متروك لتقدير القاضي يقرره بكل سيادة لمن يراه مستحقا له من المتهمين بحسب ظروف الدعوى و شخصية المتهمين.
و في هذا السياق صدر قرار من المحكمة العليا جاء فيه:
" إن الاستفادة من وقف التنفيذ المنصوص عليه في المادة 592 ليس حقا مكتسبا للمتهم
الذي تتوافر فيه الشروط القانونية و إنما هي مكنة جعلها المشرع في متناول القضاة وترك تطبيقها لسلطتهم التقديرية ".
- كما أوجب المشرع أن يصدر القاضي قرارا مسببا عند ما يقضي بإيقاف التنفيذ أي ما هي الأسباب التي دعته إلى إيقاف التنفيذ كتوافر ظروف خاصة للمتهم كان يكون كبير السن أو معتل الصحة أو تصالح مع المجني عليه.

ج- آثار وقف التنفيذ: يمكن حصرها فيما يلي:
1- إن العقوبة مع وقف التنفيذ هي عقوبة جزائية، و بهذه الصفة تدون العقوبة مع وقف التنفيذ في صحيفة السوابق القضائية في القسيمة رقم 01، و في القسيمة رقم 02 التي تقدم إلى بعض الإدارات. ما لم تنقض مهلة الاختبار المحددة بخمس سنوات.
في حين لا تسجل في القسيمة رقم 03 التي تسلم للمعني بالأمر. و تحتسب هذه العقوبة في تحديد العود.

2- عقوبة تنفيذها معلق على شروط: أن تنفيذ العقوبة المحكوم بها مع وقف التنفيذ معلق على شرط و هو ألا يرتكب المحكوم عليه مدة 5 سنوات من تاريخ صدور الحكم الأول لجناية أو جنحة من القانون العام توقع عليه من اجلها عقوبة السجن أو الحبس.
و هكذا يلغي وقف التنفيذ بتوافر شرطين :
الشرط الأول: أن يرتكب المستفيد من وقف التنفيذ في مدة 05 سنوات من تاريخ صدور الحكم الأول جناية أو جنحة من القانون العام.
و بالتالي لا يؤخذ بالجرائم العسكرية و السياسية كما و لا يؤخذ بعقوبة الغرامة و لا بالعقوبات التكميلية ولا بتدابير الأمن.
الشرط الثاني : أذ توقع على هذه الجناية أو الجنحة عقوبة الحبس أو السجن ومن ثن لا يؤخذ بعقوبة الغرامة ولا بالعقوبات التكميلية ولا بتدابير الأمن.
و إذا توافر هذان الشرطان يلغى وقف التنفيذ بمجرد صدور الحكم هذا و يترتب على ذلك تنفيذ المنطوق بها في الحكم الأول دون أن تلتبس بالعقوبة الثانية.
- و نظرا لخطورة الآثار المترتبة على وقف التنفيذ أوجب المشرع في المـادة 594 ق إ ج على رئيس المحكمة أو المجلس الذي يفيد المحكوم عليه بوقف التنفيذ أن ينذره بأنه في حالة صدور حكم جديد عليه بالإدانة فان العقوبة الأولى ستنفذ عليه دون أن يكون من الممكن أن تلتبس بالعقوبة الثانية كما انه يستحق عقوبات العود.
و الجدير بالملاحظة أن قضاء المحكمة العليا لم يستقر بعد بخصوص ما يترتب على خرق أحكام المادة 594 المذكورة. فالقضاء منقسم في هذا المجال بين النقض لعدم الالتزام بأحكام المادة 594 و بين الرفض و هذا ما يتجلى لنا من خلال القرارين الصادريـن بتاريخ 13/06/1989 ملف 57427 المحكمة القضائية 1991 غ 02. ص 211. أين تم فيه نقض القرار لعدم الالتزام بأحكام المادة 594 و القرار الصادر بتاريخ 26/06/1994 ملف 113036 أين تم الرفض.

3- عقوبة تزول بفعل انقضاء مهلة التجربة بدون عارض: يعتبر الحكم القضائي الصادر في جناية أو جنحة مع وقف التنفيذ كأن لم يكن إذا لم يرتكب المحكوم عليه جناية أو ضجة من القانون العام خلال 5 سنوات من ذلك الحكم
و يترتب على ما سبق عدم تسجيل العقوبة في القسيمة رقم2 من صحيفة السوابق القضائية كما تزول أيضا العقوبات التكميلية المقضي بها.

2)- التمييز بين رد الاعتبار و وقف تنفيذ العقوبة:
منذ صدور قانون الإجراءات الجزائية في 8/06/1966 اعتنق المشرع الجزائري نظام رد الاعتبار في صورتيه بقوة القانون و القضائي و ذلك في المواد من 676 حتى 693.
كما تبنى نظام وقف تنفيذ العقوبة في المواد من 592 إلى 596 ق/ج الذي أخذت به معظم الشرائع العقابية بما فيها التشريع الجزائري من المدرسة الوضعية التي رأت من مصلحة المجتمع وقف تنفيذ عقوبة الحبس على مجرمي الصدفة و يشترك كلا من النظامين في مجموعة من النقاط كما يختلفان في نقاط أخرى

أ- نقاط الشبه:
يتشابه النظامان اللذان تبناهما المشرع الجزائري في قانون الإجراءات الجزائية في مجموعة من النقاط و التي يمكن حصرها فيما يلي:
أولا- كلا من نظامي رد الاعتبار و وقف تنفيذ العقوبة مرتبطان بالعقوبة المحكوم بها و من ثم لهما ارتباط بصحيفة السوابق القضائية.
ثانيا- كلا من النظامين لهما شروط و آجال يجب احترامهما.
ثالثا- كلا من النظامين لا يمتد أثرهما إلى ما تضمنه نفس الحكم بالنسبة للتعويضات المدنية و لا بالنسبة لمصاريف الدعوى ذلك لان كلا من النظامين جنائيين فلا مساس له بالآثار غير الجنائية للجريمة.
ب- نقاط الاختلاف: يمكن حصر الاختلافات فيما يلي:
- من حيث المفهوم:
رد الاعتبار هو إزالة حكم الإدانة بالنسبة إلى المستقبل على وجه تنقضي معه جميع آثاره  في حين يمكن تعريف الحكم مع إيقاف تنفيذ العقوبة بأنه تعليق تنفيذ العقوبة على شرط واقف خلال فترة معينة يحددها القانون و يتمثل الشرط الواقف في عدم ارتكاب المحكوم عليه جريمة أخرى تالية خلال المهلة التي حددها المشرع.

- من حيث القوة الإلزامية:
هناك صورتين لرد الاعتبار في التشريع الجزائري: رد اعتبار قانوني و رد اعتبار قضائي.
فان كان رد اعتبار قانوني تتوافر فيه جميع الشروط القانونية فالقاضي ملزم بمنحه للمتهم دون أن يخضعه لسلطته التقديرية. و لو عمليا يكون رد الاعتبار القانوني باللجوء مباشرة إلى أمين الضبط و دون أن يمر على غرفة الاتهام كما هو عليه الحال بالنسبة لرد الاعتبار القضائي
أما وقف تنفيذ العقوبة فحتى يتوافر شروطه فانه يبقى من السلطة التقديرية للقاضي بإمكانه منحه للمتهم كما يجوز حرمانه منه و لا يستطيع المتهم الاحتجاج به.
مع الإشارة إلى انه إذا قرر القاضي وقف تنفيذ العقوبة وجب عليه أن يذكر أسباب ذلك في الحكم نفسه و إلا كان معيبا يترتب عليه النقض، إلا انه في حالة ما إذا قضي بتنفيذ العقوبة فانه غير ملزم ببيان سبب الرفض و لو كان المتهم قد طلب منه الاستفادة من وقف تنفيذ العقوبة لان الأصل في الأحكام تنفيذها، و ما وقف التنفيذ إلا خروج على الأصل و لذلك فهو وحده الذي يستلزم بيان الأسباب المميزة لذلك.

- من حيث الشروط و الآجال:
يختلف كلا من النظامين في كون لكل واحد منهما شروط و آجال يميزه عن الآخر تم ذكرهما في المواد 676 إلى 693 بالنسبة لرد الاعتبار. و من 592 إلى 596 بالنسبة لوقف التنفيذ.

- من حيث الهدف :
يهدف رد الاعتبار إلى إزالة حكم الإدانة بالنسبة للمستقبل لتأهيل المحكوم عليه و تمكينه من استعادة مركزه في المجتمع كمواطن شريف، فإذا كان الحكم بالإدانة يستتبع حرمانه من حقوق و مزايا عديدة و يضع المحكوم عليه في وضع دون وضع سائر المواطنين فان تأصيله الكامل حين يثبت جدارته بذلك يقتضي إعادة هذه الحقوق و المزايا إليه و الاعتراف له بمركز مشروع في المجتمع و إزالة وصمة الإجرام و الإدانة عنه و تمكينه بذلك من أن يساهم في نشاط المجتمع و ازدهاره على الوجه الطبيعي المألوف و وظيفة رد الاعتبار هي تحقيق ذلك.
في حين يهدف وقف تنفيذ العقوبة بعد النطق بها إلى إعطاء فرصة أخرى لمجرمي الصدفة لكون تنفيذ العقوبة يعود عليهم و على المجتمع بضرر اكبر نتيجة لاختلاطهم في السجن بغيرهم من الجناة بالفطرة فيتحولون إلى مجرمين بالعادة.

- من حيث تطبيق أحكام الآثار و العود:
إن العقوبة مع وقف التنفيذ هي عقوبة جزائية و بهذه الصفة تدون العقوبة مع وقف التنفيذ في صحيفة السوابق القضائية في القسيمة رقم 1  م618-623 ق.إ.ج و في القسيمة رقم 2 التي تسلم لبعض الإدارات ما لم تنقضي مهلة الاختبار المحددة بخمسة سنوات، في حين لا تسلم في القسيمة التي تسلم للمعني و تحتسب هذه العقوبة في تحديد العود.
أما بالنسبة لرد الاعتبار فينوه عنه في الحكم القاضي بالعقوبة كما ينوه عنه في البطاقة رقم 1 من صحيفة السوابق القضائية. في حين لا ينوه عن العقوبة التي شملها رد الاعتبار في القسيمتين 02 و 03 من صحيفة السوابق القضائية.
كما انه يؤدي إلى زوال الحكم بالإدانة في المستقبل و يترتب عن ذلك إذا إرتكب المحكوم عليه جريمة ثانية فلا يعتبر عائدا.

- من حيث العقوبة التبعية:
إن الحكم بوقف تنفيذ العقوبة لا يمتد إلى التعويضات المدنية و لا بالنسبة لمصاريف الدعوى و لا بالنسبة للعقوبات التبعية فهذه كلها تنفذ على المحكوم عليه لان الوقف لا يشملها في حين رد الاعتبار فيؤدي إلى زوال حكم الإدانة بالنسبة للمستقبل و تسقط عنه جميع العقوبات التبعية و التكميلية بالإضافة إلى التزام بتنفيذ العقوبة الأصلية الذي يفترضه ابتداء رد الاعتبار( )، هذا و لو لم نجد نص ينص على ذلك صراحة في القانون الجزائي الجزائري و لكن يمكن أن نستنتجه من خلال نية المشرع من تبنيه لنظام رد الاعتبار و العلاقة التي تربط العقوبة الأصلية بالعقوبة التبعية.


الفرع الثاني : رد الاعتبار و تقادم العقوبة
تأخذ اغلب الشرائع بنظام انقضاء العقوبة بمضي المدة، لان مضيها يعد قرينة على نسيان الجريمة و الحكم الصادر فيها، و لحث السلطات على المبادرة إلى تنفيذ الأحكام النهائية و تعقب المحكوم عليهم فور صدورها، هذه الاعتبارات لا يعترف بها القانون الإنجليزي الذي يجهل نظام تقادم العقوبة.
كما أن العقوبات التي لا تقبل تنفيذا ماديا إيجابيا بل تنفذ من تلقاء نفسها بدون عمل مادي فلا تخضع لنظام التقادم و إنما تخضع للعفو الشامل أو رد الاعتبار و هي في التشريع المصري الحرمان من بعض الحقوق و المزايا
1) تقادم العقوبة:
أخذ المشرع الجزائري بنظام التقادم متضمنا أحكامه في قانون الإجراءات الجزائية المواد من 612 إلى 616 ق إج.
يميز القانون الجزائري من حيث مدة تقادم العقوبة حسب وصف الجريمة المحكوم فيها و ليس حسب طبيعة العقوبة التي صدرت فقد تكون العقوبة التي صدرت في الجناية عقوبة جنحية يحدث هذا في الجنايات المعاقب عليها بالسجن المؤقت في حالة إفادة المحكوم عليه من الظروف المخففة .
و هكذا فان كانت الواقعة جناية فان العقوبة تنقضي فيها بمضي عشرين سنة كاملة تحسب من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم نهائيا و هذا ما تنص عليه المادة 613 ق إج أما إذا كانت الجريمة المحكوم فيها جنحه فالعقوبة تنقضي بمضي 05 سنوات كاملة من التاريخ الذي أصبح فيه الحكم نهائيا غير أنه إذا كانت عقوبة الحبس المقضي بها تزيد على الخمس سنوات فان مدة التقادم تكون مساويه لهذه المدة و ذلك حسب المادة 614 ق اج.
و تتقادم العقوبات في المخالفات بمضي سنتين كاملتين و لكن ما هي العقوبات التي تتقادم؟

- العقوبات التي تتقادم :
العقوبات التي تتقادم هي العقوبات التي تقبل تنفيذا ماديا مثل عقوبة الإعدام إذا تمكن المحكوم عليه من الإفلات من قبضة العدالة و العقوبات السالبة للحرية سواء كانت بالسجن أو الحبس أما العقوبات التي لا تقبل بحكم طبيعتها تنفيذا ماديا كالحرمان من الحقوق الوطنية مثلا فإنها لا تخضع للتقادم و لا تسقط عن المحكوم عليه إلا بالعفو الشامل أو برد الاعتبار لان مثل هذه الحقوق متصلة بأهلية المحكوم عليه و الأهلية لا تسقط بالتقادم إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك.
و لا تسقط عقوبة الحظر من الإقامة في التشريع الجزائري إلا بعد خمس سنوات من تاريخ سقوط العقوبة الأصلية و بالتالي فالمشرع الجزائري قد اخذ بما أخذ التشريع المصري في ذلك.

- سريان التقادم :
يبدأ سريان تقادم العقوبة من الوقت الذي يكون فيه الحكم الصادر نهائيا حائزا لحجية الشيء المقضي به باستنفاذ طرق الطعن الثلاث و هي المعارضة و الاستئناف و النقذ أو بفوات مواعيد الطعن الثلاث حيث يتحصن الحكم ضد الإلغاء لان مع العلم الطعن بالنقض في القانون الجزائري له اثر موقف ماعدا ما قضي به الحكم في الجانب المدني.

- انقطاع التقادم ووقفه :
تنقطع مدة تقادم العقوبة بالقبض على المحكوم عليه و بكل إجراء من إجراءات التنفيذ التي تتخذ في مواجهته.
و يقصد بانقطاع مدة التقادم أن يعرض سبب يمحو المدة التي مضت بحيث يتعين بعد زوال سبب الانقطاع أن تبدأ مدة جديدة كاملة فلا تضاف إليها المدة التي قبلها أما وقف مدة التقادم فيعني عدم احتسابها خلال فترة من الوقت يعرض فيها سبب يحدده القانون فإذا زال ذلك السبب فان المدة التي تمضي بعد زواله تكمل المدة التي سرت قبل طرده أي تضاف المدتان إلى الحد الذي يكتمل به التقادم مدته فالفرق بين إيقاف التقادم و انقطاعه أن الأول لا يخرج من الاعتبار المدة التي مضت قبل طرده أما الثاني فيخرجها من الاعتبار فكأنه لم يمض من التقادم أية مدة.

- أثار تقادم العقوبة :
تتحدد هذه الآثار وفقا لقاعدتين:
الأولى هي انقضاء الالتزام بتنفيذ العقوبة فليس للسلطات العامة أن تتخذ إزاء المحكوم عليه إجراء لتنفيذها و لا يقبل منه أن يتقدم اختيارا للتنفيذ فانقضاء العقوبة بالتقادم من النظام العام .
أما القاعدة الثانية فتقرر بقاء حكم الإدانة فيظل محتفظا بوجوده القانوني منتجا جميع أثاره عدا ما انقضى منها بالتقادم فيعتبر سابقة في العود و يظل سببا للحرمان من بعض الحقوق و المزايا و يبقى مسجلا في صحيفة السوابق القضائية.
و نتيجة لذلك فان للمحكوم عليه مصلحة في أن يحصل على رد اعتباره كي يتخلص من ذلك الحكم و أثاره التي لم تنقض بالتقادم، و يعترف له الشارع بهذه المصلحة.

2) التمييز بين رد الاعتبار و تقادم العقوبة :
يمكن حصر نقاط الاختلاف بين رد الاعتبار و تقادم العقوبة فيما يلي :
- من حيث المفهوم :
تقادم العقوبة هو مضي فترة من الزمن يحددها القانون تبدأ من تاريخ صدور الحكم البات دون أن يتخذ خلالها إجراء لتنفيذ العقوبة التي قضي بها، و يترتب على التقادم انقضاء الالتزام بتنفيذ العقوبة مع بقاء حكم الإدانة قائما في حين رد الاعتبار هو إزالة حكم الإدانة بالنسبة إلى المستقبل على وجه تنقضي معه جميع آثاره، و يصبح المحكوم عليه ابتداء من رد اعتباره في مركز من لم تسبق إدانته
- من حيث العلة:
قد يبدو انقضاء العقوبة بالتقادم نوعا من المكافأة التي يقررها القانون للمجرم الماهر في الاختفاء و الابتعاد عن إجراءات التنفيذ أو انه بمثابة جزاء لتقاعس السلطات العامة عن القيام بواجبها في تنفيذ العقوبة، و على الوجهين فهو نظام معيب إذ لا يجوز أن يكون الاختفاء و هو في ذاته سلوكا شائنا سببا في مكافأته.
و لكن هذا النظام يستند إلى علة قوية بررت اخذ التشريعات المعاصرة به و تجاهلها الانتقادات.
السابقة انه بمضي زمن طويل على صدور حكم بالعقوبة واجب التنفيذ دون أن تتخذ خلاله إجراءات لتنفيذه يعني في الواقع أن الجريمة و عقوبتها قد محيتا من ذاكرة الناس، و من المصلحة الإبقاء على هذا النسيان لان ذكرياتهما سيئة و مثيرة مشاعر من الحقد و الانتقام ليس من المصلحة إيقاضها، و بالإضافة إلى ذلك فان الوضع الواقعي الذي استقر خلال ذلك الزمن ينبغي الإبقاء عليه و تحويله إلى وضع معترف به قانونا تحقيقا لاعتبارات الاستقرار القانوني.

في حين يرتبط رد الاعتبار بالتحديد الحديث أغراض العقوبة و القول بأنها تستهدف في المقام الأول تأهيل المحكوم عليه و تمكينه من استعادة مركزه في المجتمع كمواطن شريف، فإذا كان الحكم بالإدانة يستتبع حرمانا من حقوق و مزايا عديدة و يضع المحكوم عليه في وضع دون وضع سائر المواطنين، فان تأهيله الكامل حين تثبت جدارته بذلك يقتضي إعادة هذه الحقوق و المزايا إليه و الاعتراف له بمركز مشروع في المجتمع و إزالة وصمة الإجرام و الإدانة عنه و تمكينه بذلك من أن يساهم في نشاط المجتمع و ازدهاره .

من حيث التنفيذ :
العقوبات التي لا تقبل بحكم طبيعتها تنفيذ ماديا كالحرمان من الحقوق الوطنية فإنها لا تخضع للتقادم. في حين يمكن لهذه العقوبات أن تسقط برد الاعتبار أو العفو الشامل لان مثل هذه الحقوق متصلة بأهلية المحكوم عليه.

من حيث الآثار:
من آثار تقادم العقوبة هو انقضاء الالتزام بتنفيذ العقوبة، فليس السلطات العامة أن تتخذ إزاء المحكوم عليه إجراء بتنفيذها، و لا يقبل منه أن يتقدم اختيارا للتنفيذ فانقضاء العقوبة بالتقادم من النظام العام.
كما انه بتقادم العقوبة يقرر بقاء حكم الإدانة فيظل محتفظا بوجوده القانوني منتجا جميع أثاره عدا ما انقضى منها بالتقادم، فيعتبر سابقة في العود و يظل سببا للحرمان من بعض الحقوق و المزايا.
في حين رد الاعتبار فهو يمحي الحكم القاضي بالإدانة بالنسبة للمستقبل و زوال كل ما يترتب عليه من انعدام الأهلية و الحرمان من الحقوقو سائر الآثار الجنائية ويعني زوال حكم الإدانة بالنسبة للمستقبل أن يعتبر المحكوم عليه بدءا من تاريخ حصوله على رد اعتباره في مركز شخص لم يجرم و لم يدن و لم يحكم عليه بعقوبة ما فتسقط عنه جميع العقوبات التبعية و التكميلية، بالإضافة إلى الالتزام بتنفيذ العقوبة الأصلية الذي يفترض ابتداء رد الاعتبار و يترتب على زوال الحكم بالإدانة انه إذا ارتكب المحكوم عليه جريمة تالية فلا يعتبر عائدا.
المحاكم والمجالس القضائية

Copyright © 2009-2024 PBBoard® Solutions. All Rights Reserved