المحاكم والمجالس القضائية
(نسخة قابلة للطباعة من الموضوع)
https://www.tribunaldz.com/forum/t4135
أنقر هنا لمشاهدة الموضوع بهيئته الأصلية

اعتراض الغير الخارج عن الخصومة في القضاء الاداري
النورس 19-02-2021 09:17 صباحاً
بحث حول اعتراض الغير الخارج
عن الخصومة في القضاء الاداري

المبحث الأول مفهوم الطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة
المطلب الأول تعريف الطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة
المطلب الثاني الطبيعة القانونية لاعتراض الغير الخارج عن الخصومة
المبحث الثاني شروط قبول الطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة والاثار المترتبة عليه
المطلب الأول : الشروط الواجب توافرها لقبول الطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة
المطلب الثاني: الآثار المترتبة على تقديم اعتراض الغير الخارج عن الخصومة
خاتمة
إعداد عائشة غنادرة
لتحميل البحث بصيغة PDF

إضغط هنــــــا

مقدمة :
تعتبر الأحكام القضائية الإدارية عنوانا للحقيقة وحجة بما صدر بها بين الأطراف، إلا أن هذه كانت قاصرة على أطراف الدعوى، والتي قد تتعداهم لتمس حقوق أشخاص لم يكونوا خصوما في الدعوى ابتداء.
ولأن طرق الطعن العادية لم تسعف من لم يكن خصما في الدعوى للدفاع عن حقوقه التي مسها الحكم القضائي فقد شرع القانون طريقا للطعن في الأحكام يجوز لهذا الغير سلوكه ألا و هو الطعن بطريق اعتراض الغير على الأحكام. وهو طريق طعن غير عادي.
فاعتراض الغير الخارج عن الخصومة كطريق للطعن غير عادي على الأحكام القضائية الإدارية، يتم من خلاله، إعادة طرح النزاع في حدود ما يمس حقوق المعترض أو يتعدى إليه من قبل المحكمة المختصة، إذا اشتمل على الشروط التي حددها القانون على سبيل الحصر، ولو لم يكن يكتسب الحكم الدرجة القطعية أو حاز قوة الحكم المقضي فيه.
إن لهذا الطريق من الطعن أهمية خاصة، تكمن في أنه يمس بشكل مباشر مبدأ قوة الحكم المقضي فيه، لأن الحكم الحائز على درجة الثبات يعد عنوانا للحقيقة القضائية التي لا يمكن قبول خلافها، إلا أن المشرع منح للغير المتضرر الحق في سلوك طريق الطعن باعتراض الغير على الحكم الذي تلك الحقيقة، ذلك أن المحكمة الإدارية عندما تصدر حكمها الذي تنهي به الدعوى فإنها تعتمد على ما يعرضه الخصوم أمامها من أدلة ومستندات، في حين أن الغير الذي لم يحضر مرافعة الدعوى، ولم يتدخل فيها لا بنفسه ولا ممن يمثله، فإنه يفترض أن لا علم له بمجرياتها، ومن ثم فإنه لم تسمع دفوعه، وما لديه من أدلة ثبوتية، لهذا منح هذا الشخص الحق في الطعن في الحكم الصادر، إذا كان ضارا به بقدر ما يمس حقوقه أو يتعدى إليه، لكي لا يضطر إلى الرضوخ لحكم غير مطابق للحقيقة بالنسبة إليه، وبني على أسباب تنافي حقه في الدفاع عن مصالحه وحقوقه التي تكفل بها القانون.
إن البحث في نطاق اعتراض الغير بوصفه أحد طرق الطعن، يهتم بإيجاد إجابة عن الإشكال القانوني التالي: ما مدى تحقيق النصوص القانونية التي تنظم طريق اعتراض الغير الخارج الخصومة في الأحكام القضائية الإدارية للغاية من تشريع هذا الإجراء؟ هذا الإشكال القانوني بدوره يفرز عدة تساؤلات قانونية أهمها ما يلي: ما مفهوم اعتراض الغير على الحكم الإداري؟ وما هي الشروط الواجب توافرها، لكي يكون للغير الحق في الطعن به؟
وما هي الآثار المترتبة على هذا الطعن؟
الطعن بطريق اعتراض الغير الخارج عن الخصوم في الأحكام القضائي الإداري سوف نعتمد في هذا المقال على المنهج الوصفي التحليلي، في وصف النصوص القانونية المتعلقة بهذا الطعن، وتحليلها، وبيان بعض العيوب فيها، مع إجراء مقارنة في بعض الجزئيات، وهذا بالاعتماد على الخطة التالية التي نحاول أن نجيب فيها على التساؤلات القانونية السالفة الذكر:
المبحث الأول مفهوم الطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة
يعد الحكم القضائي حجة بما فصل فيه من الحقوق بالنسبة إلى الخصوم، إذا حاز على درجة
البتات، ولا تسري هذه الحجة بحق من لم يكن خصما فيها، ومع ذلك قد يمس الحكم حقوق الغير
الخارج عن الخصومة، لذلك ولضمان حقوق هذا الغير، فقد أقر للأخير وسيلة بموجبها يكون له حق (1) الطعن في الحكم الصادر بطريق أطلق عليه اسم اعتراض الغير
المطلب الأول: تعريف الطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة
إن توضيح مفهوم الطعن عن طريق اعتراض الغير يتطلب توضيح تعريف التشريعي والقضائي والفقي إن وجد في الفروع التالية في ما يلي:
الفرع الأول: التعريف التشريعي للطعن بطريق اعتراض الغير الخارج عن الخصومة
على مستوى التشريع، بالرجوع إلى قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يعرف المشرع الجزائري الطعن باعتراض الغير عن الخصومة بل اكتفى بالإشارة لهدفه في نص المادة 380 على ما يلي "يهدف اعتراض الغير الخارج عن الخصومة، إلى مراجعة أو إلغاء الحكم أو القرار أو الأمر الاستعجالي، الذي فصل في أصل النزاع، يفصل في القضية من جديد من حيث الوقائع والقانون (2(
وعلى سبيل المقارنة نجد أن القانون المصري رقم (13لسنة 1968) المتضمن قانون المرافعات المدنية والتجارية لم يتطرق لهذا الطريق من طرق الطعن بالأحكام إنما أورده مندمجا مع طريق التماس إعادة النظر بالمادة 241 للخصوم أن يلتمسوا إعادة النظر في الأحكام الصادرة بصفة نهائية في الأحوال الآتية: لمن يعتبر الحكم الصادر في الدعوى حجة عليه ولم يكن قد أدخل أو تدخل فيها بشرط إثبات غش (3( من كان يمثله أو تواطئه أو إهماله الجسيم أما في فرنسا فقد ورد النص على اعتراض الغير مباشرة في قانون مجلس الدولة الفرنسي بالمادة )79 من المرسوم الصادر في 1945/07/31) بشأن مجلس الدولة الذي ورد فيه " لؤلائك الذين يرغبون في الاعتراض على قرارات مجلس الدولة الصادرة في المواد القضائية والتي لم يستدعوا فيها بأنفسهم أو بمن يمثلهم لا يستطيعون إقامة هذا الاعتراض إلا بالطرق غير العادية (4(
الفرع الثاني: التعريف القضائي للطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة
ليس من مهمة القضاء إيجاد تعريف، لكون مهمته الأساسية الفصل في النزاع، لكن رغم ذلك قد يعطي تعريفا في قرارته، وباعتبار أن القاضي الإداري الجزائري أو الفرنسي أو المصري لم نجد لهم محاولة في هذا المجال، على خلاف محكمة التمييز الأردنية التي عرفت اعتراض الغير بقولها: "أنه طريقة غير عادية يتوصل بها شخص ثالث للاعتراض على حكم ماس بحقوقه صدر في غيابه لكونه لم يدع إلى المحكمة التي صدر بالاستناد إليها ذلك الحكم (4(
الفرع الثالث: التعريف الفقري للطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة
وقد تباينت تعاريف اعتراض الغير من جانب الفقه والتي نورد أهمها :
أين عرفه الدكتور صلاح الدين سلحدار بأنه: (طريق غير عادي للطعن في حكم مبرم سمحبه المشرع لشخص لم يكن خصما أو ممثلا أو متدخلا في الدعوى التي انتهت به وذلك لدفع كل ما يمس بحقوقه في الحكم المعترض عليه (6)
كما عرفه الدكتور مفلح القضاة بأنه: (طريق غير عادي للطعن في الأحكام سمح به القانون لكل شخص لم يكن خصما ولا ممثلا ولا متدخلا في الدعوى (7)
وقد عرفه الدكتور حسن السيد البسيوني بأنه : (هي وسيلة طعن غير عادية، أوجدها المشرع لمصلحة الأشخاص الذين لم يمثلوا بأنفسهم، أو بواسطة ممثليهم في خصومة انتهت بحكم من شأن تنفيذه أن يلحق بهم ضرارا، وترفع هذه الطعون أمام الجهة القضائية التي أصدرت الحكم (8)
وعرفه أيضا الدكتور نبيل صقر على أنه: (طريق تظلم خاص من الأحكام بهدف اعتراض الغير الخارج عن الخصومة، إلى مراجعة أو إلغاء الحكم أو القرار الذي فصل في أصل النزاع، حيث يفصل في القضية من جديد من حيث الوقائع والقانون (9)
وأخيرا عرف اعتراض الغير في الفقه الفرنسي: بأنه (طريق من طرق الطعن غير العادية، مفتوح أمام الغير المتضرر من الحكم الصادر في الدعوى الماس بحقوقه أو أنه من المحتمل التضرر من حكم لم يكن خصما فيه، أو كان ممثلا فيه بنائب وصدر الحكم بناء على غش وتواطؤ منه (10)
وفي ضوء موقف التشريع والقضاء والفقه حول تحديد المقصود باعتراض الغير يمكن أن نخلص إلى القول حول تحديد ماهية اعتراض الغير بأن هذا الطريق من طرق الطعن بالأحكام القضائية الإدارية هو طريق غير عادي منحه القانون لطائفة معينة من الأشخاص لمواجهة حكم قضائي قد يمس حقوقهم.
المطلب الثاني : الطبيعة القانونية لاعتراض الغير الخارج عن الخصومة
اختلف الفقهاء في تحديد طبيعة اعتراض الغير من الناحية القانونية، فمنهم من عدها تظلما من نوع خاص في الأحكام، وجانب آخر يرى بأنه دعوى عادية، في حين زعم البعض منهم أنه طريق طعن عادي في الأحكام، وأصر البعض الآخر على أنه طعن غير عادي، وأن ترجيح أحد الآراء على حساب الرأي الآخر يقتضي عرض مجمل هذه الآراء ومناقشتا، ليكون الترجيح دقيقا وسيكون عرضنا (11). على النحو التالي:
الفرع الأول : اعتراض الغير، تظلم من نوع خاص
يرى أحد الفقهاء، أن اعتراض الغير على الحكم الصادر في الدعوى لم يكن خصما فيها، ليس بطريق من طرق الطعن غير العادية، إنما هو تظلم من نوع خاص، ووسيلة لدفع الضرر الذي يصيب المعترض من حكم لا يمتد أثره إليه في الأصل، لذا يكتفي في قبوله بإثبات الضرر ممن لم يكن طرفا في الخصومة ولو كان الضرر محتملا، فاعتراض الغير لم يسمح به مبدئيا إلا الشخص الذي لم يكن خصما في الدعوى المعترض على الحكم الصادر فيها ولا ممثلا ولا طرفا متدخلا فيها، وهذا النوع من التظلم (12) جائز بالنسبة إلى الأحكام القطعية والأوامر الوقتية، سواء أكان الحكم صادرا من المحكمة الإدارية أو مجلس الدولة، سواء أكان وجاهيا أو غيابيا، وهذا ما استقر عليه الفقه والقضاء المصري، بأن طريق اعتراض الغير وسيلة من وسائل التظلم من الحكم. لأن المشرع المصري قد استبعد في المذكرة التفسيرية لقانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 77 لسنة 1949 الملغى، أن يكون اعتراض الغير طريقا من طرق الطعن، وهو ما حذا به أن يفرد بابا مستقلا له سماه اعتراض الخارج عن الخصومة وتناوله في المواد من 450 -456، بعد أن انهى من تنظيم وسائل الطعن بنوعيه العادي وغير العادي، ولم يجعله فصلا في الباب السابق الخاص بطرق الطعن في الأحكام، فهو في نظر المشرع المصري، طريق تظلم خاص، نظمه القانون ليسلكه من يتعدى إليه الحكم، ولا يعد طعنا ولا تطبق عليه القواعد العامة المتعلقة بطرق (13) الطعن في الأحكام
الفرع الثاني: اعتراض الغير دعوى عادية
الفقه، أن اعتراض الغير ليس بطعن وإنما هو دعوى عادية أخذت صفة الطعن، يرى جانب من لأن هذه الدعوى قد تتسبب برجوع المحكمة عن المعترض عليه، وتثبيت حق من لم يخاصم ذلك الحكم، فالغاية من هذه الدعوى ليس الحكم ذاته، بل أن غاية المعترض من دعوى اعتراض الغير هو تدخل شخص ثالث في الدعوى، لأن بين التدخل في الدعوى وبين اعتراض الغير، اتحادا في العلة، وما يصلح لأحدهما من دفع يصلح للآخر، والشخص الذي لم يتمكن من الدخول في الدعوى عند رؤيتها، يستطيع للأسباب عينها أن يعترض على الحكم الصادر فيها بطريق اعتراض الغير، وإن كان لا يصح الاعتراض إلا بعد صدور الحكم (14)
الفرع الثالث: اعتراض الغير، طريق طعن عادي
تبنى الفقه الفرنسي سابقا، فكرة أن اعتراض الغير طريق طعن عادي خاص ومتميز عن الطرق غير العادية، بوصفه طريقا لا يتقيد الطاعن عند تقديمه بأسباب معينة محصورة، كما هو الحال في الطرق العادية، لذلك فإنه يعد قريبا من طرق الطعن العادية للأحكام بالنسبة إلى الغير الذي يلجأ إليه (15).
ويلاحظ أن هذا الرأي منتقد، لأنه من غير الممكن أن يعد اعتراض الغير الخارج طريق طعن عادي، لأن طرق الطعن العادية لا يباشرها إلا ممن كان خصما في الدعوى، في حين لا يقع اعتراض الغير إلا ممن لم يكن خصما في الدعوى (16 )
الفرع الرابع : اعتراض الغير، طريق طعن غير عادي
إن اعتراض الغير طريق من طرق الطعن غير العادية على الأحكام، لأن الآثار التي يرتبها سلوك طرق الطعن القانونية غير العادية، تكاد تكون هي ذات الآثار التي يرتبا سلوك طريق الطعن باعتراض الغير.
وقد تبنت غالبية التشريعات هذا الرأي منها المشرع الفرنسي الذي نظم أحكام هذا الطعن في قانون الإجراءات المدنية في المواد من 592-582 رقم 1123 لسنة 1975 (17) وتبناه المشرع الجزائري كطريق طعن غير عادى ونظم أحكامه بداية في قانون الإجراءات المدنية الملغى في الباب الرابع والقسم الأول منه المعنون باعتراض الغير الخارج عن الخصومة مقتصر ا أحكامه في المادة 191 بنصها: " أن لكل ذي مصلحة أن يطعن في حكم لم يكن طرفا فيه، بطريق باعتراض الغير الخارج عن الخصومة" (18)
وباعتبار عمومية هذا النص، جاء المشرع بأحكام هذا الطريق من خلال قانون الإجراءات المدنية والإدارية بنوع من التفصيل من خلال المواد من 960 إلى 962 من هذا القانون، حيث تناول هدف هذا الطعن وشروط قبوله والأثار المترتبة عليه (19)
المبحث الثاني : شروط قبول الطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة والاثار المترتبة عليه
لدراسة الطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة بصورة أكثر وضوحا، نجد لزاما علينا تبيان الشروط الواجب توافرها لقبول الاعتراض في المطلب الأول، ومن ثم بيان الآثار القانونية المترتبة على تقديم هذا الاعتراض في المطلب الثاني.
المطلب الأول : الشروط الواجب توافرها لقبول الطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة
يوجد شروط خاصة ينفرد بها طريق الطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة، والتي يمكن استخلاصها بمقتضى الإحالة المنصوص عليها في المادة 961 بنصها: "تطبق الأحكام المتعلقة باعتراض الغير الخارج عن الخصومة المنصوص عليها في المواد من 381 إلى 389 من هذا القانون أمام الجهات القضائية الإدارية. وهي كما يلي :
الفرع الأول : شرط أن لا يكون المعترض طرفا في الدعوى
إن أول شرط يطلبه القانون لقبول مثل هذا الطعن بهذه الطريقة هو شرط أن لا يكون المعترض، قد سبق له أن كان طرفا في الحكم أو القرار المطعون فيه، أي أنه لم يكن مدعيا ولا مدعى عليه. ولا خلفا لأي منهما، ولا متدخلا ولا مدخلا في الخصام، لأن الشخص الذي كان طرفا في الحكم أو في القرار لا يقبل ولا يجوز له الطعن فيه بطريقة اعتراض الغير الخارج عن الخصومة (20) وهو ما أكدته المادة 381 " يجوز لكل شخص له مصلحة ولم يكن طرفا ولا ممثلا في الحكم أو القرار أو الأمر المطعون فيه تقديم اعتراض الغير الخارج عن الخصومة".
وفي هذا رفض مجلس الدولة في قرار له الاعتراض الصادر عمن كان ممثلا في الدعوى، حيث جاء في قرار له : "متى كان من المقرر قانونا، أن الوالي، حائزا لسلطة الدولة في الولاية، وهو مندوب الحكومة والممثل المباشر لجميع الوزراء، وكان من المقرر كذلك أنه يحق لكل شخص لم يدع ولم يمثل في الدعوى أن يطعن بطريق اعتراض الغير الخارج عن الخصومة في القرار الناطق بالبطلان، الذي تصدره الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ومن ثم، فإن اعتراض من كان ممثلا قانونا في الدعوى، عن طريق اعتراض الغير الخارج عن الخصومة لا يكون مقبولا.
ولما كان الثابت في قضية الحال أن المجلس الأعلى قرر إبطال قرار والي ولاية سطيف المتضمن وضع أملاك أحد المواطنين تحت حماية الدولة، فإن وزير الداخلية، الذي كان ممثلا قانونا في الدعوى من طرف الوالي لا يتمتع بصفة الاستفادة من الأحكام التشريعية المقررة لمباشرة حق اعتراض الغير الخارج عن الخصومة، ذلك أن هذا الحق شرع لمصلحة من لم يمثل في الدعوى (21)
كما جاء في قرار آخر ما يلي: "من المقرر قانونا لكل ذي مصلحة أن يطعن في حكم لم يكن طرفا فيه بطريقة اعتراض الغير الخارج عن الخصومة، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا للقانون.
ولما كان من الثابت في قضية الحال أن القرار المطعون فيه بقبوله اعتراض الغير الخارج عن المؤسسة عن الخصومة والحكم بالتراجع في القضية ووفق الفصل فيها بالرغم من أنهم كانوا أطرافا فيها خالف القانون (22)
وفي قرار آخر جاء فيه: "... إذا كان الثابت في قضية الحال أنه لا يوجد لأية علاقة قانونية بين المدى عليه في الطعن، باعتبار أن هذا الأخير ليست له مصلحة في التقاضي فإن التصريح بعدم قبول الطعن المرفوع عن طريق اعتراض الغير الخارج عن الخصومة مطابقا للقانون" (23)
إلا أن هذا الشرط لا يؤخذ على إطلاقه، أين أجاز القانون لدائني أحد الخصوم حتى ولو كان ممثلا في الدعوى، أن يقدم طعنا باعتراض الغير الخارج عن الخصوم بشرط إذا ثبت المساس بحقوقهم بسبب الغش (24)
الفرع الثاني : شرط وقوع الطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة خلال الأجل المحدد قانونا
تطبيقا لأحكام المادة 384 كقاعدة عامة يبقى أجل اعتراض الغير الخارج عن الخصومة على الحكم أو القرار أو الأمر قائما، لمدة خمس عشرة 15 سنة، تسري من تاريخ صدوره، مالم ينص على خلاف ذلك.
غير أن هذا الأجل يحدد بشهرين (2) استثناء عندما يتم التبليغ الرسمي للحكم أو القرار أو الأمر إلى الغير ويسري هذا الأجل من تاريخ التبليغ الرسمي الذي يجب أن يشار فيه إلى ذلك الأجل وإلى الحق في ممارسة اعتراض الغير الخارج عن الخصومة (25)
الفرع الثالث: شرط تقديم الطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة أمام الجهة مصدرة الحكم أو القرار
وهو ما أكدته المادة 385 فقرة 1 بنصها: "يرفع اعتراض الغير الخارج عن الخصومة وفقا للأشكال المقررة لرفع الدعوى، ويقدم أمام الجهة القضائية التي أصدرت الحكم أو القرار أو الأمر المطعون فيه ويجوز الفصل فيه من طرف نفس القضاة".
الفرع الثالث: شرط إيداع مبلغ الضمان أو الكفالة
لا يقبل اعتراض الغير الخارج عن الخصومة ما لم يكن مصحوبا بوصل يثبت إيداع مبلغ لدى أمانة الضبط يساوي الحد الأقصى من الغرامة (26) التي تقدر بعشرين ألف دينار 20.000 دج، طبقا لنص المادة 388 من القانون السالف الذكر.
المطلب الثاني: الآثار المترتبة على تقديم اعتراض الغير الخارج عن الخصومة
إن أهم أثر يترتب على رفع الطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة، يتمثل في عدم وقف التنفيذ، وهو من الآثار السلبية، وغير المباشرة (27) ونظرا لوضوح هذا الأثر، فإننا سنكتفي، في هذا المطلب بدراسة الآثار المترتبة عليه، وذلك في حالة القبول أو الرفض للطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة في الفرعين التالين:
الفرع الأول : حالة قبول اعتراض الغير الخارج عن الخصومة
إن الأثر الذي يترتب في حالة قبول الطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة هو إلغاء أو تعديل الحكم أو القرار أو الأمر فإذا تم قبول الطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة من الناحية الشكلية، يجوز للجهة القضائية المطعون أمامها أن تتصدى لموضوع الطعن ومناقشة أسبابه، في حدود ما ورد الاعتراض عليه من الطاعن المعترض وينتج عن ذلك أن يحتفظ الحكم أو القرار أو الأمر المعترض فيه بأثاره إزاء الخصوم الأصليين حتى فيما يتعلق بمقتضياته المبطلة، ماعدا في حالة عدم قابلية الموضوع للتجزئة طبقا لنص المادة 387 : "إذا قبل القاضي اعتراض الغير الخارج عن الخصومة على الحكم أو القرار أو الأمر يقتصر في قضائه على إلغاء أو تعديل مقتضيات الحكم أو القرار أو الأمر التي اعترض عليها الغير والضارة به ويحتفظ الحكم أو القرار أو الأمر المعترض فيه بأثاره إزاء الخصوم الأصليين فيما يتعلق بمقتضياته المبطلة ماعدا في حالة عدم قابلية الموضوع للتجزئة المنصوص عليها في المادة 382 أعلاه".
الفرع الثاني : في حالة رفض اعتراض الغير الخارج عن الخصومة
يترتب على رفض اعتراض الغير الخارج عن الخصومة بأنه يجوز للقاضي الحكم على المعترض بغرامة مدنية من عشرة آلاف دينار(10.000 دج) إلى عشرين ألف دينار (20.000 دج) دون الإخلال بالتعويضات المدنية التي قد يطالب با الخصوم، وفي هذه الحالة يقضي بعدم استرداد مبلغ الكفالة (28)
الخاتمة :
في ختام هذه الورقة البحثية التي تناولنا فيها الأحكام المتعلقة بالطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة في الأحكام القضائية الإدارية، خلصت الباحثة في المقال إلى النتائج التالية:
- إن اعتراض الغير الخارج عن الخصومة طريق غير عادي للطعن شرع لسد حاجة عملية تقضي بمنح الغير الخارج عن الخصومة، الحق في الطعن في حكم قضائي إداري من شأنه المساس بحقوقه فدفاعا عن هذه الحقوق، شرع هذا الطعن لشخص لم يكن طرفا في الخصومة القائمة.
-إن اعتراض الغير الخارج عن الخصومة في الأحكام القضائية هو اعتراض مستقل وقائم بذاته له أسسه وقواعده التي يتميز بها عما سواه من طرق الطعن الأخرى في الشق المدني، إلا أن المشرع الجزائري لم يجسد هذه الاستقلالية.
-إن جميع الأحكام القضائية الإدارية قابلة للطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة باستثناء قرارات النقض لكونها أحكام قانون وليست أحكام موضوع وهو مالم يوضحه المشرع.
-أجاز القانون استثناء لدائني أحد الخصوم حتى ولو كان ممثلا في الدعوى، أن يقدم طعنا باعتراض الغير الخارج عن الخصوم بشرط إذا ثبت المساس بحقوقهم بسبب الغش.
التوصيات:
-نظرا لاستقلالية أحكام اعتراض الغير الخارج عن الخصومة في الأحكام القضائية والإدارية، وجب على المشرع تناول أحكامه بالتفصيل دون الإحالة على الأحكام المتعلقة بالشق المدني.
-الأجدر بالمشرع الإشارة إلى أن جميع الأحكام القضائية الإدارية قابلة للطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة باستثناء قرارات النقض لكونها أحكام قانون وليست أحكام موضوع.
-حبذا لو أن المشرع الجزائري لم يتشدد في موضوع دائني أحد الخصوم بالتقدم باعتراض الغير باشتراط اثبات الحيلة أو الغش، والأفضل لو توسع قليلا ليشمل السماح بالاعتراض لهذه الفئة، إذا ما استطاعت ابداء الأسباب أو دفوع شخصية بهم، حتى ولو لم يصدر الحكم بناء على غش أو حيلة.
الهوامش :
1- عمار سعدون حامد، زك سليمان نشوان، اعتراض الغير على الحكم المدني، مجلة الرافدين للحقوق، المجلد 13، العدد 48، السنة 16، العراق، 2011، ص 131.
2- قانون رقم 09/08 مؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25J فبراير سنة 2008، المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، الصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 17 ربيع الثاني عام 1429 الموافق ل 23 أبريل سنة 2008، عدد 21.
3- إبراهيم محمود الحسيني، اعتراض الغير الخارج عن الخصومة على حكم الإلغاء (دراسة مقارنة)، مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية، العدد 04، جامعة بابل، العراق، 2015، ص 408.
4- المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
5- عبد الله اللصاصمة، اعتراض الغير وفق قانون أصول المحاكمات المدنية وتعديلاته، مجلة المنارة، المجلد 13، العدد 08، الأردن، 2007، ص74.
6- صلاح الدين سلحدار، أصول المحاكمات المدنية،، منشورات جامعة حلب، بدون رقم طبعة، حلب، 1992، صفحة 267
7- مفلح عواد القضاة، أصول المحاكمات المدنية والتنظيم القضائي في الأردن، مكتبة دار الثقافة، طبعة 02، عمان، 1988، صفحة 331
8- حسن السيد البسيوني دور القضاء في المنازعة الإدارية، (دراسة تطبيقية مقارنة للنظم القضائية في مصر وفرنسا والجزائر)، عالم الكتب، القاهرة، 1981، ص 289 -290
9- نبيل صقر، الوسيط في شرح قانون الإجراءات المدنية والإدارية، الخصومة - التنفيذ - التحكيم، دار الهدى، عين مليلة، 2008، ص 293
10- Jean Larguire et Philippe conte , procédure civile , Droit judiciaires prive,17 édition ;Dalloz, paris ,2000 ,p 101.
11- عمار سعدون حامد، زك سليمان نشوان، المرجع السابق، ص 134.
12- احمد أبو الوفا، أصول المرافعات المدنية والتجارية، الدار الجامعية للطباعة والنشر، الطبعة 01، بيروت، 1983، ص 783.
13- عمار سعدون حامد، زك سليمان نشوان، المرجع السابق، ص 134-135
14- المرجع نفسه، ص 136
15- Jean Larguire et Philippe conte , procédure civile , Droit judiciaires prive op cit p 102-103
16- عمار سعدون حامد، زك سليمان نشوان، المرجع السابق، ص 137.
17-المرجع نفسه، ص 138.
18- السيد بسيوني المرجع السابق، ص 291.
19- راجع في ذلك المواد 960 إلى 962 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية السالف الذكر.
20- عبد العزيز سعد، طرق وإجراءات الطعن في الأحكام والقرارات القضائية، دار هومة للنشر والتوزيع، الطبعة 01، الجزائر، 2005، ص 96
21- قرار رقم 35467 ( قضية وزير الداخلية ضد م، ع ومن معه والي ولاية سطيف.
أشار إليه سايس جمال، الاجتهاد الجزائري في القضاء الإداري منشورات كليك، الجزء الأول، الطبعة 01، الجزائر، 2013، ص 184.
22- اشار إليه نبيل صقر، المرجع السابق، ص 304.
23- المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
24- تنص المادة 383 على ما يلي: "يجوز لدائني أحد الخصوم أو خلفهم حتى ولو كانوا ممثلين في الدعوى تقديم اعتراض الغير الخارج عن الخصومة على الحكم أو القرار أو الأمر بشرط أن يكون الحكم أو القرار أو الأمر المطعون فيه قد مس بحقوقهم بسبب الغش.
25- راجع في ذلك المادة 384 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية السالف الذكر.
26- راجع في ذلك المادة 285 فقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية السالف الذكر.
27- عبد العزيز سعد، المرجع السابق، ص 98.
28- راجع في ذلك المادة 388 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية السالف الذكر.
المحاكم والمجالس القضائية

Copyright © 2009-2024 PBBoard® Solutions. All Rights Reserved