إمهار الحكم الأجنبي بصيغة التنفيذية
الفصل الأول الأحكام الأجنبية الخاضعة لنظام الأمر بالتنفيذ
المبحث الأول ماهية الأحكام الأجنبية الخاضعة لنظام الأمر بالتنفيذ
المطلب الأول الأحكام الأجنبية القابلة للأمر بالتنفيذ
الفرع الأول حصر الأحكام الأجنبية الخاضعة لنظام الأمر بالتنفيذ
أولا : الأحكام القضائية.
ثانيا : الأعمال الولائية
الفرع الثاني: الأحكام المستثناة من نظام الأمر بالتنفيذ
المطلب الثاني : طبيعة الحكم الخاضع لنظام الأمر بالتنفيذ
الفرع الأول : تمتع الحكم بصفة الأجنبية
الفرع الثاني: فصله في مادة القانون الخاص
المبحث الثاني: الأنظمة السائدة في تنفيذ الأحكام الأجنبية.
المطلب الأول: حالة غياب اتفاقيات قضائية
الفرع الأول: نظام المراجعة.
الفرع الثاني: نظام المراقبة
الفرع الثالث: نظام رفع الدعوى
المطلب الثاني: حالة وجود اتفاقيات قضائية
الفرع الأول: مضمون الاتفاقيات القضائية المبرمة بين الجزائر والدول الأجنبية
الفرع الثاني: شروط تنفيذ الحكم الأجنبي في الجزائر وفقا للاتفاقيات القضائية.
الفصل الثاني: دعـوى الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي
المبحث الأول: شروط رفع دعوى الأمر بالتنفيذ
المطلب الأول: الشروط الشكلية لرفع دعوى الأمر بالتنفيذ
الفرع الأول: الجهة المختصة بنظر دعوى الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي
الفرع الثاني: إجراءات رفع دعوى الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي
الفرع الثالث: شروط قبول دعوى الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي
المطلب الثاني: الشروط الموضوعية لرفع دعوى الأمر بالتنفيذ
الفرع الأول : ثبوت الاختصاص القضائي الدولي للمحكمة التي أصدرت الحكم الأجنبي.
الفرع الثاني : احترام حقوق الدفاع
الفرع الثالث : حيازة الحكم الأجنبي لقوة الشيء المقضي فيه.
الفرع الرابع : عدم مخالفة الحكم الأجنبي للنظام العام
الفرع الخامس : عدم ثبوت أي غش نحو القانون
المبحث الثاني : آثار الحكم الفاصل في دعوى طلب الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي.
المطلب الأول : حالة الاستجابة لطلب الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي
الفرع الأول : الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي
الفرع الثاني : إجراءات التنفيذ
المطلب الثاني : حالة رفض طلب أمر تنفيذ الحكم الأجنبي
الفرع الأول : آثار الحكم الرافض لدعوى الأمر بالتنفيذ
الفرع الثاني : آثارالأحكام الأجنبية المجردة من الأمر بالتنفيذ
المطلب الثالث : موقف القضاء الجزائري من مسألة تنفيذ الأحكام الأجنبية
الفـرع الأول : موقف القضاء الجزائري من خلال الأحكام والقرارات الصادرة عن قضاة الموضوع.
الفرع الثاني : موقف القضاء الجزائري على ضوء قرارات المحكمة العليا
الخاتمة.
مقـدمـة :
إن موضوع تنفيذ الأحكام الأجنبية من أهم مواضيع القانون الدولي الخاص، خاصة أن الحياة الاجتماعية والاقتصادية للدولة لم تعدّ محدودة بحدودها السياسية، بل أصبحت تتعدى هذه الحدود لتتصل بحياة الجماعات الأخرى وحينئذ يثور السؤال عما إذا كانت الوسائل التي تتبعها الدولة في تنظيم حياة مجتمعها القانونية يمكنها أيضا أن تمتد خارج حدود هذه الدولة أم لا ؟
يمكن القول بأن السماح للحكم الأجنبي بإنتاج آثاره داخل حدود الدولة يعتبر أمراً حيوياً، فالحكم القضائي بمثابة الحجر الأساسي في صرح القانون، فالمشرع يضع قواعد تبين حقوق الأفراد والتزاماتهم كما يضع قواعد لتنظيم الحياة العائلية للأفراد والحكم القضائي هو الذي يكفل إخراج كافة هذه القواعد إلى حيز الوجود، فإذا كان هذا الحكم غير قابل لإنتاج أي أثر فإن هذه القواعد تصبح بدورها عديمة الجدوى.
إن عدم الاعتراف بالحكم الأجنبي من شأنه أن يؤدي إلى اضطراب المعاملات بين الأفراد، فالمؤسسات التجارية والاقتصادية التي تتعامل مع مؤسسات أجنبية إذا لم يكن في استطاعتها استيفاء حقوقها من المدينين المقيمين بالخارج بمقتضى الأحكام التي تصدر لصالحها من المحاكم الوطنية، فإنه بلا شك سينتهي بها الأمر إلى الامتناع عن التعامل مما يؤدي إلى الإخلال بالحياة الاقتصادية للمجتمع الدولي.
إنَّ الطابع الوطني لمسألة تنفيذ الأحكام الأجنبية في الدولة يرتبط باعتبار أساسي مفاده أن سلطة إقامة القضاء في كل دولة هي أحد مظاهر السيادة فيها لذلك فالسماح دون قيد بامتداد آثار الأحكام الأجنبية على إقليمها يمثل في الحقيقة مداً للسلطة القضائية الأجنبية على الإقليم الوطني بما يخل بسيادة واستقلال الدولة ولكن ينبغي فهم الطابع الوطني لمسألة تنفيذ الأحكام الأجنبية، فلا بد من الخروج من دائرة التقوقع درءاً لخطره، فلا يصح أن تنكر الدولة واقع وجودها في الجماعة الدولية بأن تضرب عرض الحائط بكل حكم أجنبي يأتيها من الخارج فلا تعتدّف بآثاره لديها ولا تقبل تنفيذه على أرضها.
إن معظم التشريعات قد عمدت عند تنظيمها لمسائل آثار الأحكام الأجنبية في الدولة إلى التوفيق بين اعتبارين هامين: الأول يتمثل في حاجة المعاملات الدولية والمحافظة على مصالح الأفراد الخاصة الدولية عبر الحدود من ناحية، وسيادة الدولة على إقليمها من ناحية أخرى وتوفيقا بين هذين الاعتبارين لا يتم الاعتراف بالحكم الأجنبي بصفة مطلقة وينزَّل منزلة الحكم الوطني ولا تنكر عليه كل قيمة، ولذلك فإنّه في أغلب التشريعات يسمح بتنفيذه مع إخضاعه لرقابة حادَّة ومجموعة من الشروط الخارجية، الهدف منها في نهاية الأمر التحقق من أن المحاكم التي أصدرته قد أحسنت القضاء مع عدم المساس بالنظام العام الوطني واحترمت ما هو مضمون في التشريعات من حقوق.
وحقيقة القول أن الجزائر بوضعها الراهن في حاجة ماسة إلى علاج مسألة تنفيذ الأحكام الأجنبية فيها علاجاً جذرياً وشاملا نظراً للظروف الاقتصادية التي تمر بها وكذلك الظروف الاجتماعية والناتجة عن حالة الانفتاح الاقتصادي، ونظراً لأن أبواب الدولة مفتوحة للاستثمارات الأجنبية أمر من شأنه أن ينشط علاقات القانون الدولي الخاص بين الأفراد والشركات والتي لا تقع تحت حصر، وبالتالي تتعدد المشكلات الناجمة عن هذه العلاقات وعليه فإن الأمر قد يصل إلى القضاء وغالباً ما تصدر أحكام تكون في حاجة إلى التنفيذ، وهنا تثور مشكلة الاعتراف بالأحكام الأجنبية وآثارها وعلى العكس من ذلك لو كانت الدولة في حالة انغلاق سياسي واقتصادي مع غيرها من أشخاص القانون الدولي، فهو أمر لا شك أنه يخفف من حدة مسألة الاعتراف بالأحكام الأجنبية وآثارها.
وبالرجوع لقانون الإجراءات المدنية الجزائري نجد أن المشرع تناول مسألة تنفيذ الأحكام الأجنبية "l'exequatur " في المادة 325 ق.إ.م، والتي مفادها أن الحكم القضائي والسند الرسمي الأجنبي المحرران من طرف موظف عمومي أو موظف قضائي أجنبي، لا ينفذان بقوة القانون في الجزائر وهذا مظهر من مظاهر السيادة وعدم خضوع الهيئات التنفيذية الجزائرية لأوامر السلطات القضائية الأجنبية وللموظف العمومي الأجنبي، إلا وفقاً لما تقضي به الجهات القضائية الجزائرية، فإذا رجعنا لهذا النص نجد أن المشرع الجزائري لم يعرف أو لم يحدد النظام القانوني للتنفيذ بل اكتفى في نص المادة 325 قانون إجراءات مدنية التي نصت على قاعدة عدم إمكان تنفيذ أي حكم أو عقد أجنبي في الجزائر إلا بأمر من الجهات القضائية الجزائرية المختصة دون الإخلال بالأحكام الاتفاقية المخالفة، أي أنه اكتفى بطرح المبدأ القائل بأن القرارات القضائية الأجنبية يمكن أن تنفذ في الجزائر دون تبيان مجاله أو شروط تطبيقه، كما أنها لم تبين الآثار المترتبة عن الحكم الأجنبي قبل شموله بأمر التنفيذ، فضلا عن عدم بيان الإجراءات التي ينبغي أن تتبع لغاية صدور الأمر بالتنفيذ وما هي ضمانات التنفيذ بعد ذلك، وهذا ليس بمستغرب لأن النصوص التي اقتبست المادة 325 قانون إجراءات مدنية أحكامها هي المادة 545 القديمة من قانون الإجراءات الفرنسي والمادتين 2123 و 2128 من القانون المدني الفرنسي والتي لا تتضمن شيء من هذا القبيل.
ويشبه الوضع في فرنسا الوضع في الجزائر من حيث عدم ورود أيضا في التشريع الفرنسي لا شروط الأمر بالتنفيذ، ولا الآثار المترتبة عن هذا الحكم الأجنبي قبل الأمر بالتنفيذ، مما دفع بالقضاء إلى الاجتهاد لتحديد هذه الشروط والآثار. وقد ترتب عن هذا الاجتهاد نشوء نظام متكامل لتنفيذ الأحكام الأجنبية في فرنسا وعلى اعتبار أن الجزائر كانت مستعمرة فرنسية فإنها قد خضعت للتطور الذي عرفته آثار الأحكام الأجنبية في فرنسا، حيث أنه في عهد الاحتلال الفرنسي صدر القانون المؤرخ في 14/07/1865 الذي منح حق الخيار للجزائريين بين الخضوع لقوانينهم أو القانون الفرنسي وهذا التمييز في القوانين أدَّى إلى ظهور نوعين من القضاء؛ قضاء فرنسي بمحاكمه وقضاته وقوانينه وقضاء إسلامي بمحاكمه وقضاته وقوانينه، ينظر في جميع القضايا التي تثور بين الأهالي إذ كانت أحكام تصدر من القضاء الفرنسي وأخرى من القضاء الإسلامي بالرغم من أنها كانت تصدر كلها باسم السيادة الفرنسية والمشكل الذي كان قائماً أثناء فترة الاحتلال، هو أن الأحكام كانت تصدر باسم السيادة الفرنسية ولكن بصيغتين تنفيذيتين، فبالنسبة للأحكام الصادرة عن المحاكم الفرنسية فإن الصيغة التنفيذية نصت عليها المادة 2 من المرسوم المؤرخ في 09/09/1871 والتي عدّلت بموجب مرسوم آخر مؤرخ في 22/12/1958 رقم 58/1289، بحيث أصبحت هي نص المادة 502 من تقنين الإجراءات المدنية الفرنسية وأصبح المرسوم المؤرخ في 12/06/1947 نافذاً في جميع أراضي ما وراء البحار ومنها الجزائر كمستعمرة.
- غير أنه فيما يخص الأحكام التي كانت تصدر عن القضاء الإسلامي فقد نصت عليها المادة 25 من المرسوم المؤرخ في 17/04/1889 والتي جاءت بعنوان "القضاء الإسلامي أو المحكمة " فبالنسبة للأحكام التي تصدر عن القضاء الإسلامي، تفيد المادة 24 من المرسوم المؤرخ في 17/04/1889 أن تنفيذ الأحكام النهائية الصادرة عن القاضي يتم بمعرفة نفس القضاة وفقا للأشكال والإجراءات والقوانين الإسلامية، أما بالنسبة لمنطقة القبائل الكبرى فإن التنفيذ كان يقوم به القضاة الموثقون أو أعوان مخصصون معينون للتنفيذ و كانت المادة 6 من المرسوم المؤرخ في 13/12/1879 تنص على ما يلي : في حالة ما إذا ثارت صعوبات في تنفيذ أحكام أو قرارات، فإن القضاة ورؤساء الجمعيات أو وكلاءهم ملزمون برفع الأمر إلى قاضي الصلح.
وبموجب المرسوم الصادر في 05/12/1908 حصل تعديل في القانون الفرنسي المطبق في الجزائر، إذ نصت المادة 01 منه على بقاء التنفيذ كما هو معمول به في السابق، مع أنه إذا كان التنفيذ غير ممكن وفقا للقانون الإسلامي أو القبائلي، فإنه يمكن تنفيذ الأحكام وفقا لما تقضي به نصوص تقنين الإجراءات المدنية الفرنسي بدون الحصول مسبقاً على الأمر بالتنفيذ وبموجب المرسومين المؤرخين على التوالي في 05/12/1908 و 24/02/1928 أحدث تعديلا، إذ أصبح قاضي الصلح الفرنسي يحق له تعيين الجهة التي تكلف بالتنفيذ مباشرة بحكم نهائي، حيث أن المرسوم الأول سوَّى بين جميع الأحكام التي تصدر باسم السيادة الفرنسية، بحيث تنفذ في جميع الإقليم الفرنسي والإقليم المحتل دون الحاجة إلى الأمر بالتنفيذ، هذه هي الوضعية القانونية والقضائية التي ورثتها الجزائر غداة الاستقلال والتي عمل المشرع الجزائري جاهداً على إزالتها وتصدَّت السلطة الجزائرية لموضوع تنفيذ الأحكام الأجنبية في البداية عن طريق عقد اتفاقيات ثنائية وكانت الأولى مع المملكة المغربية سنة 1964. ونشير أن الدراسة الماثلة تحكمها حالتين: فأمَّا الأولى فتخص حالة وجود أحكام صادرة عن دولة تربطنا معها اتفاقية قضائية، فإن بنود هذه الاتفاقية هي التي يتم الاستناد عليها من أجل تحديد إجراءات الأمر بالتنفيذ وعليه تكون الإجراءات ذاتها بين الدولتين، بينما الحالة الثانية أين لا تكون هناك اتفاقية بين الدولة مصدرة الحكم الأجنبي والدولة محل الأمر بالتنفيذ و هذا ما يثير عدة تساؤلات وذلك بخصوص ما يجب تطبيقه ومن أين تستمد الإجراءات الخاصة، لاسيما وأن قانون الإجراءات المدنية الجزائري لم يتطرق لإجراءات الأمر بالتنفيذ.
إذا كان الحكم بمفهومه الواسع هو كل قرار تصدره المحاكم في خصومة مطروحة أمامها تبعاً للإجراءات المنصوص عليها قانوناً، فإنه يشمل كلاً من الحكم القضائي والعمل الولائي وإلى جانب المنازعات التي يفصل فيها القضاء على النحو المبين أعلاه، هناك منازعات أخرى يفضل أصحابها اللجوء إلى أشخاص مثلهم يمثلون دور المحكمين، ليفصلوا في النزاع بإصدار ما يسمى بالقرار التحكيمي أو بأحكام المحكمين، فيكون لقرار التحكيم بعد حصوله على الصيغة التنفيذية نفس مرتبة وقوة الحكم القضائي وقد يحرر شخصان تصرفهما في وثيقة رسمية فيسمى العقد حينئذ بالعقد الرسمي وحينما يحصل العقد على الصيغة التنفيذية يصبح صالحاً للتنفيذ على غرار الحكم القضائي، إن السند التنفيذي هو الوثيقة أو الورقة التي بيد طالب التنفيذ و السندات التنفيذية أنواع مختلفة ونظراً لخصوصية موضوع تنفيذ قرارات التحكيم الذي لا يخضع لنفس الإجراءات التي يخضع لها تنفيذ الأحكام الأجنبية حيث أن هذه الأخيرة تعتبر نوع من أنواع السندات التنفيذية و المتمثلة في الأحكام و الأوامر القضائية، أحكام المحكمين، بعض الأوراق الرسمية و أخيرا الأحكام القضائية و السندات الرسمية الأجنبية إذ أن قرارات التحكيم تنفذ بموجب أمر من رئيس المحكمة، أما تنفيذ الأحكام الأجنبية فيكون عن طريق رفع دعوى قضائية وعلى عكس موضوع تنفيد الأحكام الأجنبية الذي خصّه المشرع الجزائري بمادة فريدة ، فإن موضوع التحكيم حصره في المواد من 442 إلى 458 مكرر 28 من قانون الإجراءات المدنية.
وعليه فإننا نستبعد من دراستنا موضوع تنفيذ القرارات التحكيمية الأجنبية والعقود الرسمية حسب ما جاء في نص المادة 325 ق. إ. م وذلك لتميّز كل موضوع عن الآخر واختلاف شروط التنفيذ لكل واحد منها وسوف يتمحور موضوع البحث حول الأحكام الأجنبية القابلة للتنفيذ الذي يطرح عدَّة إشكالات قانونية، فما المقصود بالحكم الأجنبي الخاضع لنظام الأمر بالتنفيذ ؟ وهل سائر الأحكام الأجنبية تكون قابلة للتنفيذ في الجزائر؟ وما هو موقف الدولة التي تتلقى حكماً صادراً باسم سيادة دولة أجنبية يراد تنفيذه على إقليمها ؟ وما هي الإجراءات والشروط المعتمد عليها في رفع دعوى الأمر بالتنفيذ ؟ وهل الحكم الأجنبي الذي لا يصدر الأمر بتنفيذه يكون مجردا من كل قيمة قانونية ؟ و ما موقف القضاء الجزائري من مسألة تنفيذ الأحكام الأجنبية ؟
وللإجابة على هذه الإشكالات القانونية، سنحاول قدر الجهد معالجة الموضوع علاجا شاملا بغية التعرف على أبعاده المختلفة و ذلك بإتباع المنهج التحليلي المقرون أحيانا بالدراسة المقارنة للموضوع في النظم القانونية المختلفة، مع الإشارة إلى اجتهادات الفقه وما جرى عليه العمل في القضاء، ثم نبحث الوضع في المعاهدات الدولية المتعلقة بالموضوع والتي أبرمتها الجزائر مع الدول الأجنبية.
الفصل الأول الأحكام الأجنبية الخاضعة لنظام الأمر بالتنفيذ
ليس كل الأحكام الأجنبية على اختلاف أنواعها تكون قابلة للتنفيذ في الدولة وإنَّما ينبغي من حيث المبدأ أن يتعلق الأمر بحكم أجنبي صادر في شأن منازعة من منازعات القانون الخاص. على أن تحقق هذه الأوصاف في الحكم لا تنزّله منزلة الحكم الوطني وإنَّما يجب أن تتوافر فيه عدة شروط بدونها لا يمكن صدور الأمر بتنفيذه من محاكم هذه الدولة مع الإشارة أن الدول لا تسير على وتيرة واحدة عند تنفيذها للأحكام الأجنبية و إنما تختلف فيما بينها بحسب تمسكها بتلابيب مبدأ السيادة الإقليمية ولبحث هذه المسائل نتناول في المبحث الأول ماهية الأحكام الأجنبية الخاضعة لنظام الأمر بالتنفيذ وفي المبحث الثاني الأنظمة السائدة في تنفيذ الحكم الأجنبي.
المبحث الأول : ماهية الأحكـام الأجنبيـة الخاضعة لنظام الأمر بالتنفيـذ :
إن الحكم الأجنبي هو عنصر في النظام القانوني للأفراد لأنه يتوجه لهم ومفهوم الحقوق المكتسبة يطغى في مجال تنازع القوانين، فإصدار الحكم في الموضوع هو النهاية الطبيعية لكل خصومة، فالهدف من طرحها على القضاء والسير فيها هو الوصول إلى حكم يتفق مع حقيقة مركز الخصوم فيها فيتبيّن لكلف حقه ويضع بذلك حداً لمعركة الخصومة التي نشبت بينهم.
إن الحكم المقصود في دراستنا هو كلّ قرار يصدر باسم سيادة أجنبية ويخص علاقة يحكمها القانون الخاص سواء كان حكما أو عملا ولائيا ولكي تتضح أكثر ماهية الأحكام الأجنبية القابلة للتنفيذ فلا بد أن نتطرق إلى الأحكام الأجنبية التي لا تخضع للأمر بالتنفيذ هذا ما سوف نبينه في المطلبين التاليين.
المطلب الأول : الأحكـام الأجنبيـة القابلة للأمـر بالتنفيـذ :
لما كانت القرارات التي يصدرها القضاء كثيرة ومتنوعة وكلها يطلق عليها اصطلاح عام الأحكام كان علينا أن نحدد مفهوم الحكم في صدد بيان آثار الأحكام الأجنبية، لأن المحاكم إلى جانب وظيفتها القضائية لها وظيفة ولائية ثم نتطرق للأحكام الأجنبية التي تتمتع بالحجية دون حاجة للأمر بتنفيذها و ما هو موقف الجزائر من ذلك و سوف يتم التطرق لكل ما تم ذكره في ما يلي :
الفـرع الأول : حصر الأحكـام الأجنبية الخاضعة لنظام الأمر بالتنفيذ :
أولا : الأحكــام القضــائية :
الحكم أو ما يقابله باللغة الفرنسية "jugement" هو كل قرار يصدر عن سلطة قضائية في نزاع رفع إليها من المتقاضين ويجب أن تكون مشكّـلة تشكيلا صحيحاً في خصومة معقودة لديها وفقاً لقانون الإجراءات المدنية، فالأحكام القضائية تصدرها الجهات القضائية على اختلاف أنواعها ودرجاتها في الدعاوى المعروضة عليها لفائدة أحد الأطراف ويتطلّب تنفيذها في بعض الأحيان جبراً عن طريق استعمال القوة العمومية.
ينصرف مدلول الأحكام ليشمل جميع الأحكام التي فصلت في خصومات قائمة بين الأفراد فيما بينهم أو بين الأفراد والدولة ولا يختلف الأمر في هذا الصدد بالنسبة لمصدر تلك الأحكام أو القرارات، إذ يستوي في ذلك الحكم الصادر عن محكمة أول درجة أو المجلس القضائي كثاني درجة، سواء تعلق الأمر بالتزام مدني أو تجاري أو غيره ومن المتفق عليه فقهاً وقضاء أن الأحكام التي تنفذ تنفيذاً جبرياً هي فقط أحكام الإلزام وذلك دون الأحكام المقررة أو المنشئة ولا يجوز تنفيذ الأحكام جبراً ما دام الطّعن فيها بالمعارضة والاستئناف جائزاً وكان ميعاد الطعن مازال قائماً، إلا إذا كانت مشمولة بالنفاذ المعجل.
إن بيان معنى الحكم مسألة تكييف تخضع لقانون القاضي، أي لقانون الدولة المراد التمسك فيها بآثار الحكم الأجنبي، يضيف بعض الشرّاح أنّه يتعين أن يكون الحكم معتبرا كذلك ليس فقط وفقا لقانون هذه الدولة، بل وأيضا وفقا لقانون القاضي الذي أصدره. ذلك لأننا في صدد آثار الأحكام الأجنبية نكون في ميدان النّـفاذ الدولي للحق "الحكم الصادر في الخارج" وليس في ميدان إنشاء الحق "استصدار حكم وطني"، ويكفي لكي يكون الإجراء المراد التمسك بآثاره حكماً أن يكون صادراً من جهة لها ولاية القضاء ولها وفقا لقواعد النظام القانوني الخاص بها إصدار قرارات تماثل ما يسمى أحكاما في الدولة التي يراد التمسك فيها بتلك الآثار.
أما المرجع في تحديد كون الحكم الأجنبي متمعا بقوة الأمر المقضي به من عدمه هو قانون المحكمة التي أصدرته، ويستوي بعد ذلك أن يكون هذا الحكم الأجنبي المراد تنفيذه حكم إلزام أو حكما مقررًا أم منشئا.
وينبغي أن يكون هذا الحكم أجنبياً بمعنى صادر عن سيادة دولة أجنبية، دون التفات للمكان الذي يصدر فيه، ولا لجنسية القضاة الذين يفصلون في الخصومة( )، وعليه بالرجوع لنص المادة 325 من قانون الإجراءات المدنية، والتي تقابلها المادة 509 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي، نجدهما لم تحددا ما يعدّ حكماً أجنبياً، عكس بعض القوانين التي عرّفته مثل القانون الأردني لسنة 1952، المتعلق بتنفيذ الأحكام الأجنبية في المادة 02 منه كما يلي : هو كل حكم صدر من محكمة خارج المملكة الأردنية الهاشمية بما في ذلك المحاكم الدينية يتعلق بإجراءات حقوقية ويقضي بدفع مبلغ من المال أو الحكم بعين منقولة أو تصفية حساب
أما القانونين المصري والليبي فهما يتّخذان مبدأ المعاملة بالمثل كأساس لتنفيذ الأحكام الأجنبية في كل ما يتعلق بالحكم الأجنبي وتنفيذه وذلك في المادتين 296 و 405 على التوالي.
ثانـيا : الأعمال الولائيـة :
إن معيار التفرقة بين الأعمال الولائية والأحكام القضائية هو عدم وجود منازعة، أي عدم وجود طرفين متخاصمين في الأعمال الولائية ولكن هناك اتجاها فقهيا يضيف معيارين وهما وظيفة القاضي المطلوب منه العمل الولائي، والإطار الذي يباشر فيه تدخّله وإلا أدخلنا كل الأحكام الغيابية داخل الأعمال الولائية وأهم خصيصة تنفرد بها هذه الأخيرة هي أنّها لا تتمتع بحجية الشيء المحكوم فيه، ويقول الأستاذ "Motulsky " أنها تقترب من الأعمال الإدارية فيسميها بـأعمال الإدارة القضائية أما بالنسبة لتنفيذها فيفرق الفقه بين نوعين من الأعمال الولائية، تلك التي يكون أثرها التنفيذ الجبري وحكمها هو نفس حكم تنفيذ الأحكام الأجنبية، بمعنى أنها لا تنفذ إلا بمقتضى الأمر بالتنفيذ وتلك التي لا تتضمن أي تنفيذ على الأشخاص والأموال، وتتعلق على الأخص بالحالة والأهلية ويكون لهذا النوع أثر دون حاجة لأي أمر بالتنفيذ. وعليه فإن الأعمال الولائية يميل الفقه إلى أن يخضعها لقواعد معينة قد تقترب من القواعد الخاصة بآثار الأحكام وقد تفترق عنها بحسب نوع العمل الولائي، أو بحسب نوع أثره إنّ الأوامر الولائية تصدر عن القضاء بناء على طلب خصم دون سماع أقوال الخصم الآخر ودون تكليفه بالحضور، ولا يعمل بالمبادئ الأساسية في قانون الإجراءات المدنية التي تتناول تنظيم الوظيفة القضائية للمحاكم مثل علنية الجلسات وحق الدّفاع.
إن القاضي عند إصداره للأوامر الولائية يكون ذلك بصيغة الأمر، أما إذا أصدر حكما فهو يقضي، وفي الحالة الأولى فهو يأمر وفق طلبات الخصم أو يرفضها، بينما في الحالة الثانية فيحكم بما طلبه الخصم أو يرفضه، فالأحكام القضائية تخضع لقاعدة التسبيب، أما الأوامر الولائية فلا يلزم تسبيبها، إلا إذا خالفت أمر سبق صدورها وعلى عكس رفع الدّعوى القضائية التي تقطع مدة التقادم ولو تمّ أمام محكمة غير مختصة، فالأمر الولائي لا يقطع مدة التقادم السارية لمصلحة المدين لأنه لا يعدّ مطالبة قضائية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
وعلى اعتبار أنّ الأعمال الولائية لا تصدر في خصومة معينة، فإن أغلب الفقهاء قد ذهبوا إلى إمكانية تنفيذها دون إخضاعها إلى نظام الأمر بالتنفيذ. فالمشرع المصري في قوانين المرافعات المتعاقبة بما فيها التشريع الحالي، قد جعل قواعد تنفيذ الأحكام الأجنبية تسري على الأوامر الأجنبية، أي على الأعمال الولائية الأجنبية وهذا من خلال نص المادة 296 من قانون المرافعات وهذا ما أنتهجه المشرع الإماراتي من خلال المادتين 235 و 237 من قانون الإجراءات المدنية الإماراتي.
أما بالنسبة للتشريعين الفرنسي والجزائري فلم يتم التطرّق للأعمال الولائية، لأن المشكل طرح بالنسبة لتنفيذ الأحكام القضائية والسندات الرسمية الأجنبية فقط، مما أدّى إلى تذبذب فقهي وقضائي فيما يتعلق بالأعمال الولائية، فنجد حاليا أنّ كلا من الاجتهاد القضائي الفرنسي والجزائري يخضعان الأعمال الولائية إلى نظام الأمر بالتنفيذ، مثلها مثل الأحكام القضائية. وقد قام وزير العدل الجزائري بإرسال رسالة مؤرخة في 01/08/1972، إلى النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر، وذلك من أجل تذكيره بأن هذه الأوامر لابد أن تخضع في تنفيذها على التراب الجزائري إلى نفس ما تخضع له الأحكام القضائية الأجنبية وذلك من ضرورة صدور أمر بتنفيذها من الجهات القضائية الجزائرية.
الفرع الثاني : الأحكام المستثناة من نظام الأمر بالتنفيـذ :
إنّ حصول أحكام الحالة والأهلية على الصّيغة التنفيذية لكي تتمكن من إحداث آثارها ضمن التراب الوطني أمر عسير نتيجة للصعوبات التي تتمخض عن ذلك، ولعلّه من غير الجائز أن يستمر شخص راشد تم وضعه تحت الوصاية بموجب حكم أجنبي بالتصرف في الجزائر كما لو كان يتمتع بكامل أهليته وكأنّ الحكم الأجنبي لا وجود له.
إن محكمة النّـقض الفرنسية قررت بموجب قرار شهير صدر عام 1860 أنّ الزوجة المطلقة بموجب حكم أجنبي تستطيع الزواج من جديد في فرنسا ودون حاجة للأمر بالتنفيذ، وقد تبع هذا القرار عدَّة اجتهادات متعلقة بحالة الأشخاص وأهليتهم والخاصة بنقل الحقوق أو إضفاء الصّفة. وفيما بعد وضّحت محكمة النّـقض اجتهادها الصادر في 03 مارس 1930 أورد قاعدة مفادها أنّ هذه الأحكام تنتج أثرها في فرنسا بصورة مستقلّة عن أي إعلان للصيغة التنفيذية، ماعدا الحالات التي يجب ألا تؤدي فيها هذه الأحكام إلى تدابير تنفيذ مادية على الأموال أو تدابير زجرية على الأشخاص كالحكم الصادر بتسليم صغير للحضانة.
وقد تم تعميم هذا الاجتهاد على كافة الأحكام المنشئة للحقوق، مثل أحكام الطلاق والوصايا والمبايعات أو تلك التي تعين مصفياً أو وكيلا للدائنين. وهكذا منذ صدور حكم في 1860 أصبحت أحكام الحالة والأهلية في فرنسا تتمتع بالحجية دون حاجة للأمر بالتنفيذ.
أما عن الاجتهاد القضائي في مصر، فنجد قرار صادر عن محكمة الطّعن بتاريخ 12/01/1956، قضى بأنه متى كان الحكم الأجنبي صادرا بشأن حالة الأشخاص بصفة نهائية ومن جهة ذات ولاية بإصداره بحسب قانونها وبحسب قواعد اختصاص القانون الدولي الخاص وليس فيه ما يخالف النظام العام في مصر، فإنه يجوز الأخذ به أمام المحاكم المصرية ولو لم يكن قد أعطي الصيغة التنفيذية في مصر ولو كان شرط التبادل غير متوفر مادام أنّه لم يصدر حكم من المحاكم المصرية واجب التنفيذ في نفس الموضوع وبين الخصوم أنفسهم وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى الأخذ بحجية أحكام صادرة عن محاكم لبنان فيما قضت به من نفي بنوّة شخص لآخر لبناني، قد أثبت استكمال هذه الأحكام للشرائط المقدمة فإنّ الحكم لا يكون قد أخطأ القانون.
أما عن موقف الجزائر من هذا الموضوع فإنّ المنشور الوزاري رقم 382 المؤرخ في 15 مارس 1968 الصادر عن وزير العدل، أكّـد على أن أحكام الحالة والأهلية تخضع لنظام الأمر بالتنفيذ في الجزائر وبعقد قانون الحالة المدنية الصادر بموجب الأمر رقم 65-182 الاختصاص في تسجيل عقود الحالة المدنية الرسمية والمحرّرة في الخارج ضمن الأوضاع المحليّة والخاصة بالجزائريين إلى رئيس محكمة مدينة الجزائر العاصمة مهما كان موطن الطالب.
أما عن الاجتهاد القضائي الجزائري فإنّه لم يكرّس مبدأ الحجية لأحكام الحالة والأهلية، أما بالنسبة للقانون الاتفاقي فإن الجزائر عقدت عدّة اتفاقيات دون أن تستثني هذا النوع من الأحكام، مثلما هو عليه الحال في المادة 21 من الاتفاقية الجزائرية المغربية، المادة 20 من الاتفاقية الجزائرية التونسية، والمادة 02 من الاتفاقية الجزائرية الفرنسية ولو أن هذه المواد ذكرت الأحكام المدنية والتجارية والأحكام القضائية والقرارات الولائية، فإن أحكام الحالة والأهلية تدخل ضمن الأحكام المدنية.
وخلاصة القول أن الاتفاقيات التي عقدتها الجزائر ترفض أن يرتّب هذا النوع من الأحكام أي أثر في الجزائر ولا أي تقييد أو تسجيل أو تصحيح، إذا لم تحصل على الأمر بالتنفيذ وعليه فالجزائر لم تحذ حذو القضاء الفرنسي الذي يرتب آثارا لأحكام الحالة والأهلية حتى قبل منحها الأمر بالتنفيذ بشرط عدم التنفيذ على الأموال ولا الإكراه على الأشخاص.
المطلب الثـاني : طبيعة الحكم الخاضع لنظام الأمر بالتنفيـذ :
إن الأحكام الخاضعة لنظام الأمر بالتنفيذ هي الأحكام المتمعة بصفة الأجنبية، بالإضافة إلى انه لا بد أن يكون هذا الحكم صادرا قي مواد القانون الخاص، هذا ما سوف نبيّنه فيما يلي.
الفـرع الأول : تمتع الحكم بصفـة الأجنبيـة :
إن الحكم الأجنبي هو ذلك الذي يصدر عن محكمة أجنبية باسم سيادة أجنبية دون أن يكون لجنسية القضاة الذين يصدرونه أو للمكان الذي يجلسون فيه أي اعتبار، وفضلا عن ذلك فان القرارات الصّادرة عن المحاكم الدولية تعتبر بمثابة أحكام أجنبية وتخضع بهذه الصفة لشرط الصّيغة التنفيذية، هذا هو الحل الذي أعطته محكمة بلجيكية بالنسبة لقرارات محكمة العدل الدولية الدّائمة وقد برّرت المحكمة هذا الموقف بأنّ موظفي التنفيذ لا يمكن أن يتلقوا أوامر من سلطة أجنبية أيا كانت لا يعرفونها ويجهلون مواصفاتها ولذلك فإنّهم بحاجة إلى الصيغة التنفيذية الوطنية لتحريك إجراءات التنفيذ، وعلى ذلك إذا صدر الحكم باسم سيادة الدولة الأجنبية تحقق هذا الشرط متى كانت الدّولة المراد تنفيذ الحكم فيها تعترف بالدولة التي صدر الحكم عن محاكمها.
وتطبيقا لما تقدم ذهب القضاء الفرنسي إلى أنّ الأحكام التي تصدر عن محاكم القنصلية الفرنسية في البلدان التي كانت تتمتع فيها فرنسا بامتيازات لم تكن تعتبر من قبيل الأحكام الأجنبية لكونها صادره باسم السّيادة الفرنسية.
بهذا يعتبر الحكم أجنبيا إذا كانت السّلطة القضائية التي أصدرته تعمل باسم سلطة دولة هذا الحكم، فالمعيار هو السيادة الذي يصدر باسمها الحكم وليس مقر وجود السلطة القضائية التي أصدرته، كما يعتبر أجنبيا الحكم الذي يصدره قنصل يمثل دولة أجنبية حتى لو كان مقر قنصليته موجودا في الدولة التي يراد تنفيذ الحكم فيها، إذ لا عبرة بالمكان الذي صدر فيه الحكم، بل العبرة بالسيادة التي صدر الحكم باسمها.
يشترط كذلك الحصول على الأمر بالتنفيذ بالنسبة للأحكام الصادرة باسم الدولة المحمية ويراد تنفيذها في الدولة الحامية، أما بالنسبة لحالة الاحتلال فإن دولة العدو المحتل تعتبر الأحكام وطنية، فتنفذها سواء في إقليمها أو في إقليم الدولة المحتلة وهذه الأخيرة قد تعتبرها أحكاما أجنبية وتشترط لتنفيذها الحصول على أمر التنفيذ، أو عديمة الأثر فيعاد النزاع من جديد أمام قضائها الوطني. وإذا تراخى التنفيذ حتى تحصلت الدولة المحتلة على استقلالها، فلا تنفذها إلا بشرط الحصول على الأمر بالتنفيذ وفقا للشروط التي تحددها قوانينها. جاء في قرار قضائي شهير صدر عن المجلس الأعلى بتاريخ 05/02/1969 ما يلي إذا كان القانون الصادر في 31/12/1962 قد ألغى بعض النصوص التشريعية ذات الطابع الاستعماري وذلك عن طريق عدم تجديد العمل بها، فان هذا القانون لا ينكر القرارات القضائية النهائية الصادرة في ظل النصوص المذكورة والحكم الذي يقضي بخلاف ذلك يمس بالحقوق المكتسبة ويتجاهل عدم رجعية القوانين.
وينصرف معنى الحكم الأجنبي في الدولة المركبة إلى الأحكام الصادرة باسم سيادة دولة أخرى، وكذلك الأحكام الصادرة عن محاكم ولاية بالنسبة إلى أي أثر من آثارها في ولاية أخرى داخل الدولة المركبة ولو كانت الأحكام التي تصدرها محاكم مختلف هذه الولايات تصدر باسم سيادة دولة واحدة، كذلك تعتبر أحكاماً أجنبية في الدولة التي يراد التمسك في إقليمها بآثار الحكم، الأحكام التي تصدرها محاكم منظمة تنظيماً دوليا مثل محاكم التحكيم المختلطة التي أنشئت عقب الحرب العالمية الأولى والمحاكم التي تشكل وفقاً لاتفاقيات الملاحة في الأنهار الدولية ومحكمة العدل الدولية الدائمة (آنفا) ومحكمة العدل الدولية حاليا.
الفـرع الثاني : فصلـه في مادة القانون الخـاص :
متى أنهينا من بيان المقصود بالحكم الأجنبي بقي أن نضيف أنه ينبغي أن يكون هذا الحكم المراد تنفيذه في الجزائر قد فصل في مسألة من مسائل القانون الخاص وعلى ذلك يخرج من هذا النطاق الأحكام الأجنبية الجنائية،الإدارية والمالية هذا وفقاً لما استقر عليه الفقه والقضاء في مصر وفرنسا، لكن ذلك لا يحول دون اعتداد القاضي الوطني به بوصفه واقعة أو دليلا على واقعة قابل للإثبات العكسي. فالعبرة هي بالنظر إلى طبيعة النزاع المتعلق به الحكم لا الجهة التي أصدرته وتحديد طبيعة المسألة يخضع لقانون القاضي باعتباره المرجع في التفسير، وبالمثل فإن الحكم المدني التابع للدعوى الجزائية والصادر عن القضاء الجزائي يكون قابلا للتنفيذ في الجزائر. وعلى النقيض من ذلك فإن الحكم الصادر بالغرامة لا يمكن تنفيذه في مصر، ولو كان صادرا عن محكمة مدنية أو تجارية أجنبية، وفي هذا المقال فإنّ الاجتهاد القضائي الجزائري سار على هذا الأساس ، بحيث نجد أنّ القرار الصادر عن مجلس قضاء جيجل قرار مؤرخ في 09 ماي 1990 المجلة القضائية 1992 رقم 02 نص على الأمر بتنفيذ الحكم بالتعويض الذي كان في الدّعوى المدنية التبعية لحكم جزائي.
المبحث الثانـي : الأنظمة السائدة في تنفيذ الأحكـام الأجنبية :
سنتطرق في هذا المبحث إلى الأنظمة المعتمدة أو المعمول بها في تنفيذ الأحكام الأجنبية في حالة عدم وجود اتفاقية خاصة حول هذا الموضوع، ويكون ذلك في المطلب الأول، و نظرا لشساعة الموضوع نقتصر في دراستنا على معالجة كيفية تعامل القاضي الجزائري مع تنفيذ الحكم الأجنبي في حالة وجود اتفاقيات قضائية تربط بلده مع الدولة الصادر باسمها الحكم الأجنبي ويكون ذلك من خلال المطلب الثاني.
المطلب الأول : حالة غياب اتفاقيات قضائية :
الفرض أنّنا بصدد حكم أجنبي حائز لقوة الشيء المحكوم فيه عناه واجب التنفيذ في دولته التي أصدرته والمطلوب هو تنفيذه محلياً في دولة أخرى لا توجد اتفاقية قضائية مبرمة بين هذين البلدين تنظم موضوع تنفيذ هذا الحكم الأجنبي ، وعليه فلا بدّ أن نتطرق إلى سلطات القاضي عند فحص هذا الحكم من خلال الأنظمة المعتمدة في هذا المجال، والمتمثلة في نظام المراجعة أو اعادة النظر في الحكم ، ونظام المراقبة وأخيرا نظام رفع الدعوى ونعرض ما تم ذكره فيما يلي :
الفـرع الأول : نظـام المراجعـة :
بمقتضى هذا النظام فإن المحكمة المطلوب منها منح الحكم الأجنبي الأمر بالتنفيذ تتعرّض لموضوعه بالفحص، فتنظر فيما إذا كان قد أصاب في تطبيق القانون وتقدير الوقائع أم لا، فإذا رأته أصاب منحته الأمر بالتنفيذ، وإذا رأته قد أخطأ رفضت منحه الأمر بالتنفيذ
ويقوم نظام المراجعة على أساس أنّ الحكم الأجنبي لا يتمتع بأية حجية خارج البلد الذي أصدرته محاكمه، وللقاضي في هذا النظام أن يقبل بتقديم طلبات جديدة، أو إدخال الغير الخارج عن الخصومة التي تم الفصل فيها في الخارج. ويقوم هذا النّظام على أساس أن الحكـم.
الأجنبي قد يصدر عن قضاء غير نزيه بعيد عن الموضوعية، لذا على المحكمة المطلوب منها التنفيذ أن تتصدى لذلك حتى يمكن تحقيق العدالة وكان قضاء محكمة النقض الفرنسية قد أخذ بهذا الاتجاه أمداً طويلاً وهو ما عبَّرت عنه المحكمة بقولها أنَّ دور القاضي عند نظر طلب الأمر بالتنفيذ ينحصر في الحكم على الحكم الأجنبي واعتبارا من القانون المدني الفرنسي لعام 1804 أصبح من الجائز أن يكون للقرارات القضائية الأجنبية أثر في فرنسا شريطة تفحّصها المسبق من قبل محكمة فرنسية. وكان هذا النظام الذي فرض نفسه آنذاك، وقد تم وضع هذا المبدأ الذي يمنح قاضي الصّيغة التنفيذية أوسع السلطات لأول مرة بموجب قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية عام 1918.
عكف الاجتهاد القضائي على تطويره انطلاقاً من تفسير بعض النّصوص التشريعية (المواد 546 من قانون الإجراءات المدنية، و2123 و2118 من القانون المدني الفرنسي، ويتلخص هذا النظام في ضرورة توفر 04 شروط أساسية في الحكم الأجنبي لكي يمهر بالصيغة التنفيذية:
1-أن يكون صادرا من محكمة أجنبية تعتبر مختصة وفقاً للقواعد الفرنسية حول تنازع الهيئات القضائية.
2- أن يكون صادراً استناداً إلى القانون الفرنسي المختص حسب القواعد الفرنسية حول تنازع القوانين.
3-ألا يكون متعارضاً مع النظام العام الفرنسي.
4-ألا يكون مشوبا بظلم واضح.
ولقد تعرّض هذا الشرط الرابع لأشد الانتقادات، لأنّه يفسح المجال للتفسيرات الاعتباطية. إنّ الأساس السياسي الذي دفع القضاء إلى تطبيق المراجعة الكاملة على الأحكام الأجنبية هي فكرة السيادة التي تتحدد بإقليم الدولة، ومعنى الاعتراف بالأحكام الأجنبية هو قبول الحلول التي وصل إليها القاضي الأجنبي. وكأثر من آثار السيادة ظهرت فكرة حماية رعايا دولة التنفيذ من خطر تنفيذ الأحكام الأجنبية بدون شروط.
الفـرع الثانـي : نظـام المراقبـة :
وفقا لهذا النظام فإن حجية الأمر المقضي للحكم الأجنبي هي حق مكتسب واجب الاحترام دولياً، ولذلك فإن دور القاضي المطلوب منه الأمر بالتنفيذ يقف عند حد التأكّد من أن الحكم صحيح من الوجهة الدولية وتتوفر فيه شروط معينة ومتى ثبت له ذلك أصدر الأمر بالتنفيذ وإلا فإنه يمتنع عن إصداره ويرفض الطلب، أي أن المحكمة المطلوب منها إصدار الأمر بالتنفيذ تقوم بنوع من الرقابة الخارجية للحكم، غير أنّه بالرجوع للقوانين المقارنة نجد أنها تكاد تتفق على مجموعة من الشروط، أهمها التيقن من صدور الحكم من محكمة مختصة دولياًومن عدم مخالفته للنّظام العام في الدولة المراد تنفيذه فيها وظهر هذا الشرط بمناسبة تنفيذ حكم "بولكلي/ Bulkley" سنة 1860بالإضافة إلى وجوب احترام الحكم الأجنبي لحقوق الدفاع تحقيقاً للعدالة الطبيعية وألا يكون الحكم ثمرة غش أو تدليس مع إعطاء الأولوية للسند الوطني إذا كان قد تصدّى لنفس الخصومة.
هذا ما أكّده القضاء الفرنسي وما يأخذ به التشريعان المصري واللبناني على أنهما يقحمان في ميدان الاعتراف بالحقوق الخاصّة للأفراد على المستوى الدولي شرطا ذا طبيعة سياسية وهو شرط التبادل بالإضافة إلى أنه في ظل النظام المصري الذي يطبق الشريعة الإسلامية في مسائل الأحوال الشخصية، في كل مرّة يكون فيها أحد أطراف العلاقة مسلماً لابد وأن يشترط القاضي المصري التطابق بين الحل الذي يقول به الحكم الأجنبي والحل الذي كان سيطبقه هو، والعلّة في ذلك أن القاضي المصري يحمي النظام الإسلامي، سواء تعلّق الأمر بحق اكتسب في الخارج أو بحق يراد إنشائه لأول مرة في مصر ولتنفيذ الحكم الأجنبي في ظلّ نظام المراقبة على صاحب المصلحة أن يرفع دعوى أمام قضاء الدرجة الأولى، يلتمس من خلالها استصدار حكم بالتنفيذ، الغرض منه ليس مراجعة محتوى الحكم الأجنبي، إنّما الموافقة على تنفيذه فوق تراب الدولة الأجنبية ومن الدول التي تأخذ بهذا النظام، دول المشرق العربي وبعض الدول الأوروبية كألمانيا وتركيا.
وجدير بالإشارة أنه لا يشترط حتى يمكن الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي في الدولة أن يكون الحل الذي قرره هذا الحكم مطابقاً للحل الذي كان سيصل إليه القاضي بافتراض أنّه هو الذي فصل في المسألة ابتداءً وآية ذلك أن المشرع الوطني يقبل وهو بصدد تنظيمه لمادة تنازع القوانين أن يطبق قواعد موضوعية مغايرة لتلك المقرّرة في قانونه الداخلي، ومادام الأمر كذلك فإنه لا يوجد مبرر منطقي يستوجب التطابق بين المفاهيم القانونية الأجنبية وتلك المقرّرة في القانون الإماراتي وكل ما يكون ممكناً بالنسبة للقاضي الوطني هو أن يبحث في المسائل المطروحة عليه حالة بحالة للوقوف على تحقق الشروط الخارجية.
إن نظام المراقبة يبدو بمثابة إطار متفاوت الاتساع وفقاً للأنظمة القانونية وحسب الحاجات الملموسة، وهكذا فبينما يضع قرار منزار "Munzer" خمسة شروط تشكل دفعة واحدة تعبيراً عن سلطة رقابة قاضي الصّيغة التنفيذية، فإن القرارات اللاحقة خفّضت عدد الشروط المطلوبة وذلك في قرار "Bachir" الصادر عن الغرفة المدنية مؤرخ في 04/10/1967 حيث أدمج شرط انتظام الإجراءات المتبعة أمام الهيئة القضائية الأجنبية في شرط المطابقة مع النّظام العام وغياب الغش نحو القانون( ). وتتعلق القضية بقرار صدر عن مجلس قضاء داكار حكم بالطلاق بين الزوجين، مع إسناد حضانة الطفل للأم والحكم على الأب بدفع نفقة غذائية فأرادت السيدة "باشير" تنفيذ هذا القرار في فرنسا ، فرفعت دعوى تنفيذ وبتاريخ 30 نوفمبر 1965 أصدر مجلس استئناف" Aix Provence"قرارا بالرفض، ولما رفعت الطالبة طعنا بالنقض أصدرت محكمة النقض الفرنسية القرار الصادر في 04/10/1967 رافضة الطعن وهكذا انتقل نظام المراقبة من احكام الحالة والأهلية الى الأحكام المتعلقة بالمال، فتطور هذا النظام كما يقول الأستاذ " Holleaux" كسم مضاد " un contre poison" لنظام المراجعة.
وتمثل هذه الشروط الحد الأقصى في الوقت الحاضر لرقابة صحة الحكم الأجنبي، فالشّرط الأول يتمثل في أن يكون الحكم الأجنبي متفقاً مع النظام الفرنسي العام، أما الشرط الثاني فيتمثل في اختصاص القاضي الأجنبي، وصحة الإجراءات التي اتبعت، وكان بمناسبة تنفيذ حكم "دي وريد" سنة 1990 بالإضافة إلى شرط اختصاص القانون المطبق بالنسبة إلى موضوع النزاع، وكان بمناسبة تنفيذ حكمين صدرا سنة 1945 عن محكمة النقض. كما أضاف كل من الفقه وقضاء محكمة "السين"، "Seine" شرطاً رابعاً، وهو ألا يكون الحكم مشوباً بظلم فادح أو غلط ظاهر.
أما بالنسبة للتّشريع الجزائري فإنّه وحسب المادة 325 قانون إجراءات مدنية، عند صدور حكم من جهات قضائية أجنبية ويراد تنفيذه داخل التراب الجزائري فإن ذلك لا يتم إلا وفقاً لما يقضي به تنفيذه من جهات قضائية جزائرية دون الإخلال بما قد تنص عليه الاتفاقيات السياسية من أحاكم مخالفة وهذا ما سوف ندرسه لاحقاً وبمعنى آخر فإنَّ الحكم الأجنبي لا يمكن تنفيذه في أرض الوطن إلاَّ بعد إمهاره بالصّيغة التنفيذية الوطنية ويتم ذلك عن طريق دعوى يباشرها المحكوم لصالحه تتضمّن طلب إمهار الحكم الأجنبي بالصّيغة التنفيذية الجزائرية مع الإشارة إلى أنَّ الموضوع لم يتناوله المشرع الجزائري بإسهاب، إنّما جرى العمل القضائي بذلك بحيث يتعيّن رفع دعوى أمام المحكمة المختصّة، يتم بعدها تبادل المذكرات من قبل أطرافها وبعد الاكتفاء يصدر قاضي المنازعات المدنية حكمه.
وقد جاء في احدى القرارات الصادرة عن المحكمة العليا أنّ قضاة الموضوع اتبعوا الإجراءات القانونية في تنفيذ الحكم الأجنبي وبالتالي فقد طبقوا صحيح القانون ونفس المبدأ أخذت به في قرار مؤرخ في 02/06/1992 ملف رقم 84513 منشور في المجلة القضائية لسنة 1993 العدد الثالث و عليه فإن المشرع الجزائري قد أخذ بنظام المراقبة و الذي لا يسمح للقاضي إلاّ بسلطة إعطاء الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي أو رفض تنفيذه، دون أن يفحص الوقائع ولا التفسيرات التي وصل إليها القاضي الأجنبي.
الفـرع الثالث : نظـام رفـع الدعـوى :
يسود هذا النظام في القانون الإنجليزي والدول التي تنتهج نهجه وفقاً له لا يتم تنفيذ الحكم الأجنبي ذاته وإنما ينبغي على صاحب المصلحة أن يرفع دعوى جديدة أمام المحاكم الانجليزية للمطالبة بالحق الذي يتضمنه الحكم الأجنبي ثم يقوم بتقديم الحكم الأجنبي الصادر لمصلحته بوصفه دليلاً حاسماً في الدَّعوى على ثبوت الحق المطالب به ويكون الحكم الصّادر في الدَّعوى الجديدة من المحاكم الوطنية هو القابل للتنفيذ.
ويصوغ الفقه الانجليزي هذه القاعدة بقوله بأنه يجوز للمحكوم له أن يرفع دعوى بناء على الحكم الأجنبي والذي نلحظه هنا هو أن المحاكم الانجليزية حين تعترف بحجية الحكم الأجنبي إنما تعترف في واقع الحال بالحق الذي تولد عن هذا الحكم.
ويشير الفقه الانجليزي الى أنّ سند الاعتراف بالحكم يكمن في أن الحكم الصادر عن المحكمة المختصة يفرض على المدعى عليه واجبا أو التزاما في مواجهة المدعي بما قضى به الحكم.
وقد مر القانون الانجليزي بتطور ملحوظ في هذا الشأن ففي النصف الأول من القرن الثامن عشر كان ينظر إلى الحكم الأجنبي المقدم كدليل في الدعوى الجديدة في انجلترا بوصفه قرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها وهذا ما سجله اللورد "Brougham" في سنة 1834 في قضية "Hanldich " ، ولكن سرعان ما هجر هذا الاتجاه بالتحديد منذ سنة 1870 وأصبح ينظر للحكم الأجنبي بوصفه دليلا حاسماً وقاطعاً على صحو ما قضى به في الخارج ويمكن بلورة دعائم هذا النظام السائد في انجلترا في أمرين:
أولهما : أنه ينظر الى الحكم الأجنبي المقدم كدليل في الدعوى بوصفه دليلا حاسما لا يقبل إثيات العكس حتى ولو كان معيبا لخطأ في الواقع او القانون وذلك لأن المحاكم الانجليزية ليست محاكم استئنافية بالنسبة للمحاكم الأجنبية التي أصدرت الحكم.
ثانيهما : أن القاضي الانجليزي لا يقبل الحكم الأجنبي بوصفه هكذا دوما دون مناقشة في سائر الأحوال بل على النقيض من ذلك فهو لا يؤمن بهذا الحكم الأجنبي بصفته هذه إلا إذا توفرت فيه جملة من الشرائط، أهمها أن يكون صادرا من محكمة مختصة دوليا. ويتحدد هذا الاختصاص وفقا لقواعد القانون الانجليزي وعلى أي حال فالسائد الآن أن بعضا من الدول يعتنق ما يسمى بنظام المراجعة، بينما يعتنق الآخر ما يسمى بنظام المراقبة.
وجديراً بالذّكر أنَّ الدول التي تشترط المعاملة بالمثل تستلزم بدورها رفع دعوى جديدة بشأن الأحكام الأجنبية الصّادرة من الدول التي تنكر الأثر التنفيذي للأحكام، كما تستلزم الرقابة على الموضوع بالنسبة للأحكام الأجنبية عند الأخذ بنظام المراجعة أما أسلوب المراقبة فيعتبر حلا وسطا بين النظامين.
المطلب الثانـي : حالة وجود اتفاقيات قضائية :
ورثت الجزائر الوظيفة القانونية والقضائية التي كانت سائدة في الفترة السابقة على الاستقلال وكان أول رد فعل من السّلطات الجزائرية حدث بموجب الأمر رقم 62/157 الذي نصّ بموجبه المشرع الجزائري على مواصلة العمل بالقوانين الفرنسية إلا ما كان منها مخالفاً للسيادة الوطنية، والاتفاقيات التي عقدتها الجزائر هي الأولى التي تطرقت لموضوع تنفيذ الأحكام الأجنبية، ثم صدر تقنين الإجراءات المدنية بموجب الأمر رقم 66/154 الذي تناول الموضوع في المادة 325 والمادة 8 الفقرة الأخيرة من قانون الإجراءات المدنية ولكن الاتفاقيات التي عقدتها الجزائر تطرقت للموضوع بدقّة، حيث حدّدت الأحكام التي يجوز تنفيذها والشروط الواجب توفرها والإجراءات التي يجب اتباعها للحصول على الأمر بالتنفيذ و عليه كان من الضروري حصر هذه الاتفاقيات و معرفة ما جاء في مضمونها ثم نبين شروط تنفيذ الحكم الأجنبي في حالة وجود اتفاقية قضائية مبرمة بين الجزائر و الدولة الأجنبية المصدرة لهذا الحكم.
الفـرع الأول : مضمـون الاتفاقيـات المبرمـة بيـن الجزائـر وبعض الـدول الأجنبيـة :
في هذه الحالة وجب على القاضي اتباع الأحكام التي تضمّنتها هذه الاتفاقيات القضائية، والمتعلقة بتنفيذ الأحكام الأجنبية وهذا حتى ولو قضت خلاف الشروط المنصوص عليها قانوناً، فوجب الاسترشاد بأحكامها وذلك عملا بنص المادة 325 ق.إ.م وهذا ما يسمى بنظام "التنفيذ الاتفاقي" أو "النظام الاتفاقي للتنفيذ" والاتفاقيات المبرمة في هذا المجال هي:
1-اتفاقية يوم 15 مارس 1963، خاصة بالتعاون المتبادل في الميدان القضائي بين الجزائر والمغرب، والمصادق عليها بالأمر رقم 68/69 لشهر سبتمبر 1969.
2-اتفاقية بشأن التعاون القضائي بين الجزائر وتونس، مصادق عليها بمقتضى المرسوم رقم 63-450 مؤرخ في 14/11/1963.
3- اتفاقية تتعلق بالتعاون القضائي بين الجزائر وموريتانيا المصادق عليها بالأمر رقم 70-4 المؤرخ في 15/01/1970.
4-اتفاقية التعاون القضائي بين الجزائر وليبيا، مصادق عليها بموجب المرسوم الرئاسي رقم 95-367 مؤرخ في 12/11/1995.
5- مرسوم رئاسي رقم 94/181 مؤرخ في 27 يونيو 1994، يتضمن المصادقة على اتفاقية التعاون القضائي بين دول اتحاد المغرب العربي الموقعة بمدينة لانوف (ليبيا) في 09 و10 مارس 1991.
6-اتفاقية قضائية بين الجزائر ومصر، مصادق عليها بموجب الأمر رقم 65-195 مؤرخ في 29 يونيو 1965.
7- مرسوم رئاسي رقم 03-139 مؤرخ في 25 مارس 2003 يتضمن التصديق على الاتفاقية المتعلقة بالتعاون القانوني والقضائي بين الجزائر والأردن.
8- المرسوم الرئاسي رقم 01/47 المؤرخ في 11 فبراير 2001 و يتضمن المصادقة على اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي الموقعة بتاريخ 6 أبريل 1983 وكذا تعديل المادة 69 من الاتفاقية الموافق لـ 26/11/1997 من طرف مجلس وزراء العدل العرب في دورة انعقاده العادي الثالثة عشر.
9- البروتوكول القضائي الجزائري الفرنسي المعدّل والمتمم بموجب الأمر رقم 65/194 والمرسوم رقم 66/313.
10-اتفاقية تتعلق بالتعاون القضائي المتبادل في الشؤون المدنية والتجارية بين الجزائر وبلجيكا المصادق عليها بالأمر رقم 70/60 مؤرخ في 8/10/1970.
11-اتفاقية للتعاون القضائي والعدلي في المواد المدنية والتجارية والعائلية والجزائية بين الجزائر وألمانيا، المصادق عليها بالأمر رقم 73/57 المؤرخ في 21/11/1973.
12- اتفاقية تعاون قضائي وقانوني في المواد المدنية والعائلية والجزائية بين الجزائر ورومانيا مصادق عليها بموجب المرسوم رقم 84/178.
13-اتفاقية للتعاون القضائي والعدل في المواد المدنية والتجارية والعائلية والجزائية بين الجزائر والمجر مصادق عليها بموجب المرسوم رقم 84/25 مؤرخ في 11 فبراير 1984.
14- الاتفاقية المبرمة بتاريخ 20/12/1973 متعلقة بالتعاون القضائي والعدلي في المواد المدنية والتجارية والعائلية والجزائية بين الجزائر وبلغاريا مصادق عليها بالمرسوم رقم 77/191 مؤرخ في 24/12/1977
15-اتفاقية تتعلق بالتعاون القضائي بين الجزائر وتركيا، مصادق عليها بموجب المرسوم الرئاسي المؤرخ في 16/11/2000
16-اتفاقية تتعلق بالتعاون القضائي بين الجزائر والمالي مصادق عليها بالمرسوم رقم 83/399 مؤرخ في 18 يونيو 1983
17-اتفاقية تتعلق بالتعاون القضائي بين الجزائر والنيجر مصادق عليها بموجب المرسوم الرئاسي رقم 02/102 مؤرخ في 06 مارس 2002.
ويلاحظ أنَّ هذه الاتفاقيات الثنائية تمتاز بنوع من التشابه، وتعتبر الاتفاقية الجزائرية المغربية الأولى في وضع شروط تنفيذ الأحكام الأجنبية، بالرَّغم من أنَّ المصادقة عليها تمَّـت في سنة 1969 أما الاتفاقية الجزائرية الفرنسية فهي الأولى في التَّطبيق.
يتضح من الاتفاقيات التي عقدتها الجزائر أنَّها ركَّـزت على تنفيذ الأحكام القضائية والقرارات الولائية الصادرة في المواد المدنية والتجارية غير أنَّ بعض الاتفاقيات أضافت مادة الأحوال الشخصية أو الأحوال الشخصية والأحكام القضائية التي تقضي بالتعويض في المواد الجنائية في حين لم تنص بعض الاتفاقيات على القرارات الولائية أمَّا عن الاتفاقية الجزائرية البلجيكية فهي لا تستهدف سوى استيفاء النفقات والتعويضات دون أصل الدين، لكن الأحكام المدنية تشكل عادة المجال التقليدي للصيغة التنفيذية. كما أنَّ الإجراءات الملحوظة بموجب نص المادة 4/1 من هذه الاتفاقية والمتضمنة الاستغناء عن الاستماع للأطراف لا وجود لها في القانون الإجرائي الجزائري، بالإضافة إلى أنَّ السّلطة المختصة بالفصل في طلب الصيغة التنفيذية المنوه بها في الفقرة 02 من المادة 04 لم تعين بعد من قبل الجزائر أمَّا عن مكانة المعاهدة في التشريع الدَّاخلي فقد نصَّت عليها المواد 131، 132، 165 و 168 من الدستور لسنة 1996 وجعلها أسمى من القانون الداخلي بعد المصادقة عليها، كما نصت المادة 21 من القانون المدني لا تسري أحكام المواد السابقة إلا حيث لا يوجد نص على خلاف ذلك في قانون خاص أو معاهدة دولية نافذة في الجزائر.
الفـرع الثـاني : شـروط تنفيذ الحكم الأجنبي في الجزائر وفقا للاتفاقيـات القضائيـة :
تنص المادة 20 من الاتفاقية الجزائرية المغربية وهي أولى الاتفاقيات من حيث الترتيب الزمني على أربعة شروط لمنح الصيغة التنفيذية بالنسبة للقرارات المدنية والتجارية هذه الشروط مشتركة في جل الاتفاقيات، إضافة إلى شرط خامس يتعلق بترجمة الوثائق في بعض الاتفاقيات.
الشّـرط الأول :
أن يصدر الحكم من محكمة مختصة حسب القوانين المطبَّقة في الدولة الطالبة للتنفيذ إلا إذا تنازل المعني عن طلبه بصورة أكيدة، هذا الشرط متفق عليه في جميع الاتفاقيات، ويشكل نوعاً من الضَّمان لرعايا دولة التنفيذ. وهو الشرط الأول المذكور في قرار ّ Munzer الذي سبقت الإشارة إليه، ويقدر الاختصاص من ناحيتين: الاختصاص العام والاختصاص الخاص، أما عن الاختصاص العام فينقسم الى نوعين مباشر وغير مباشر، يكون الاختصاص العام مباشرا عندما تبحث الجهة المصدرة للحكم موضوع التنفيذ ما اذا كانت مختصة دوليا في إصداره ويكون الاختصاص العام غير مباشرعندما تبحث الجهة القضائية المطلوب منها التنفيذ مسألة ما إذا كانت الدولة المصدرة للحكم مختصة في اصداره. حيث تنص المادة 20 من الاتفاقية الجزائرية المغربية على ما يلي : أن يصدر الحكم من محكمة مختصة حسب القوانين المطبقة من طرف الدولة الطالبة، إلا إذا تنازل المعني بالأمر عن طلبه بصورة أكيدة.
ونرى تطبيق هذا الشرط يؤدي بالقاضي الجزائري الى الخوض في قوانين الدولة الطالبة للتأكد من صحة اختصاصها، في حين وفقا للشرط المذكور في الاتفاقية الجزائرية الفرنسية يجيب القاضي الجزائري على سؤال هام، وهو: هل كانت الدولة المصدرة للحكم مختصة من الناحية الدولية؟ لذا نرى أن الشرط المذكور في الاتفاقية الجزائرية الفرنسية هو الأصوب بالنسبة لدولة التنفيذ.
أما عن الاختصاص الخاص فيعني أن يحدّد داخل الدولة المختصة دوليا في اصدار الحكم الأجنبي، ما هي المحكمة التابعة لها والمختصة في إصدار هذا الحكم، ولا يطرح هذا الاختصاص أي إشكال، وعادة لا يتحقق منه القاضي المكلف بالتنفيذ وهو موقف القضاء الفرنسي منذ صدور قرار "باشير".
الشـرط الثانـي :
أن يتم تبليغ الأطراف وتمثيلهم وإعلان تغيبهم بصورة قانونية، يدخل هذا الشرط ضمن الشرط الخامس المذكور في قرار "Munzer" تحت عنوان "صحة الإجراءات في إصدار الحكم الأجنبي"، في هذا الصَّدد تكتفي الاتفاقية الجزائرية الموريتانية باشتراط الحضور أو التكليف بالحضور بصورة نظامية، بينما تضيف الاتفاقيتين المبرمتين مع تونس ومصر عبارة وفقاً للقانون النافذ في مكان صدور القرار أما الاتفاقية الجزائرية المغربية فإنها نصت على هذا الشرط في المادة 20/ب.إن الاتفاقيتين الجزائرية المغربية والجزائرية الموريتانية فلم تشر أياً منهما إلى قانون يقدر هذا الاستدعاء، هل طبقاً لدولة التنفيذ أم للدولة المصدرة للحكم؟ وما دام القاضي يرجع إلى قانون الدولة المصدرة للحكم للتأكد من صحة الاستدعاء أو صحة المثول، معناه أن قاضي التنفيذ مختص في مراقبة الحكم الأجنبي داخل الدولة التي صدر فيها، غير أن الإشكال يكمن في أن الحكم الأجنبي عندما يقدم للتنفيذ يكون متمتعا بقوَّة الشيء المقضي فيه، أي تجاوز حدود صحة الإجراءات، اللهم إلا إذا أدخل هذا الشرط ضمن خرق النظام العام الجزائري وحقوق الدفاع.
إضافة إلى ذلك فإنه طبقا للمادة 20/ب من الاتفاقية الجزائرية المغربية يفهم من الصياغة الفرنسية أن تكون الأطراف مستدعاة قانونا، في حين أن الصياغة العربية تذكر حضور الطرفين قانوناً وهناك فرق بين صحة الاستدعاء والحضور. وبالرجوع إلى الاتفاقيات التي عقدتها الجزائر والوثائق المطلوب تقديمها من طالب التنفبذ، فيجب تقديم نسخة طبق الأصل من ورقة التكليف بالحضور الموجهة إلى الطرف المدني الذي تخلف عن حضور المرافعة، وهناك من يضيف في حالة صدور حكم غيابي مثل ما جاء في الاتفاقية الجزائرية الفرنسية والجزائرية النيجيرية. وعليه نرى اشتراط تقديم وثيقة التكليف بالحضور يكون في حالة صدور حكم غيابي حاز قوة الشيء المقضي فيه للتأكد من صحة الإجراءات، أما بالنسبة للحكم الحضوري فهذه الوثيقة زائدة ما دام الشخص حضر ودافع عن مصالحه.
الشـرط الثالث :
كون الحكم قد اكتسب قوة الشيء المحكوم به وقابل للتنفيذ طبقا للقانون الذي صدر فيه، تضمّنت هذا الشّرط جميع الاتفاقيات ماعدا الاتفاقية المبرمة بين الجزائر ومصر، التي تستثني حالة القرارات التحفظية أو المؤقتة التي تعتبر قابلة للحصول على الصيغة التنفيذية حتى ولو كانت خاضعة للمعارضة أو الاستئناف، نظراً لأنها تستهدف على وجه التحديد معالجة الأحوال المستعجلة ؛ كمنح نفقة غذائية مثلا، وعلى هذا الأساس يجب تقديم النسخة التنفيذية لا النسخة العادية بالنسبة لباقي الاتفاقيات.
الشـرط الرابـع :
ألاَّ يتضمَّن الحكم ما يتعارض مع النّظام العام للبلد الذي يتم فيه الاعتداد به، أو مع مبادئ القانون العام واجبة التطبيق في هذه الدولة، كما لا يجوز له أيضاً أن يتعارض مع حكم قضائي صدر في هذا البلد، واكتسب إزاءه قوة الشيء المقضي فيه.
تضمنت جميع الاتفاقيات هذا الشرط فإذا كان الحكم يخالف النظام العام أو مبادئ القانون يحق لقاضي دولة التنفيذ رفض منح الأمر بالتنفيذ أو منح الأمر لجزء من الحكم فقط، بالإضافة إلى أنه لا يمكن تنفيذ حكم أجنبي وترك حكم وطني اكتسب قوة الشيء المحكوم فيه. وتعتبر كل دولة حرة في تحديد ما يدخل ضمن النظام العام وما يخرج منه، انطلاقا من مبادئها السياسية والدينية والاجتماعية... ونرى أنه يستحسن إدراج هذا الشرط ألا يكون الحكم مخالفا لحكم آخر صدر في دولة التنفيذ واكتسب قوة الشيء المحكوم به- تحت عنوان "عدم مخالفة الحكم للنظام العام وعدم احتوائه على غش نحو القانون"، لأن عبارة "لمبادئ القانون في دولة التنفيذ" يعتبر تحصيل حاصل، واشتراط ألا يكون الحكم مخالفا لحكم آخر صدر في دولة التنفيذ واكتسب قوة الشيء المحكوم به يدخل ضمن "عدم مخالفة النظام العام".
الشـرط الخامس :
ترجمة الوثائق ولما كانت اللغة الرسمية في الجزائر هي اللغة العربية فإنه يتعين على المحكمة قبل إصدارها الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي أن تتحقق من وجود ترجمة رسمية باللغة العربية للحكم و في مصر فإذا المحكمة فاتها ذلك يجوز للمنفذ ضدّه أن يستشكل في التنفيذ ويتعين على قاضي التنفيذ في هذه الحالة أن يأمر بوقف التنفيذ حتى تقدم ترجمة رسمية للسند التنفيذي وأساس ذلك أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد وفقا لما نص عليه الدستور ولا يجوز التنفيذ بسند تنفيذي بلغة أجنبية دون إرفاق ترجمة رسمية له. وإذا أصدرت المحكمة الابتدائية المصرية حكماً بتنفيذ السند التنفيذي الصادر في البلد الأجنبي، فإنه يتعين عند إعلان ذلك السّند أن ترفق به ترجمة رسمية له باللغة العربية، وإلا كان الإعلان باطلا وجاز لقاضي التنفيذ أن يأمر بوقف التنفيذ مؤقتا حتى إعلان السند التنفيذي وترجمته الرسمية. وبالرجوع الى الاتفاقيات التي أبرمتها الجزائر مع الدول الأجنبية مثل الاتفاقية المبرمة مع موريتانيا والتي نصت في مادتها 24/هـ على ما يلي: "وعند الاقتضاء ترجمة لجميع العناصر المبينة اعلاه، معترف بصحتها حسب القواعد المقررة في قانون الدولة المقدم إليها الطلب" ، لدينا كذلك الاتفاقية المبرمة مع ألمانيا مثلا والتي تطرقت لهذا الشرط في المادة 32/جـ بنصها : " وبترجمة مصادق على صحتها المستندات المذكورة في الفقرتين أ و ب، وذلك بلغة الطرف المتعاقد الذي يجب تنفيذ القرار في إقليمه"