logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





08-04-2013 02:43 صباحاً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 26-08-2012
رقم العضوية : 60
المشاركات : 23
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 60
المستوي : ليسانس
الوظــيفة : طالب

بحث حول مسؤولية حارس الشئ حسب المادة 138 قانون مدني الجزائري
مقدمة
المبحث الأول : أحكام وشروط قيام مسؤولية حارس الشئ
المطلب :أحكام الحراسة
المطلب الثاني : وقوع الضرر بفعل الشيء
المبحث الثاني : الطبيعة القانونية لمسؤولية حارس الشيء
المطلب الأول : أسباب الإعفاء من المسؤولية
المطلب الثاني :أساس مسؤولية حارس الشيء
خاتمة


المقدمة:
يعيش الإنسان داخل بيئته الإجتماعية وفق قواعد وأنظمة معيّنة تحدد حقوقه وواجباته ضمانا للإستقرار والتوازن الإجتماعي. فللإنسان في كنف المجتمع الحق في سلامته الجسدية والمادية والمعنوية, من كل ضرر أو أذي. وفي سبيل ذلك فقد وجدت عدّة أنظمة قانونية تكفل إعادة التوازن الطبيعي بين حق الإنسان في سلامته وسلامة أمواله وبين الضرر الذي تعرض له جرّاء الإعتداء عليه, ومن هذه الأنظمة نجد نظام المسؤولية بصفة عامة.
وإذا كان إهتمامنا في هذه المذكرة, سينصب على الجانب المدني للمسؤولية, فإنّ دراستنا ستقتصر خاصة على المسؤولية التقصرية وبالضبط مسؤولية حارس الشيء الغير حي, ذلك أنّ لكل فرد في المجتمع دور يلعبه ونشاط يقوم به, قد ينتج عنه إلحاق الضرر بالأخرين, ويكون ذلك إمّا بنفسه أو عن طريق من هو مسؤول عنه كالشيء الذي يكون تحت تصرفه.
إنّ تطور المجتمعات الحديثة والرفاهية التي وصلت إليها, أدّي الي إعتماد الإنسان في نشاطه على الألة وعلى الأشياء الغير حيّة بمختلف تصنيفاتها على نطاق واسع, ممّا زاد في عدد الأشخاص الذين يتعرضون لأذاها بشكل كبير, وهو ما جعل مسؤولية الإنسان عن فعل الأشياء الغير حيّّة, تطرح بشكل جدي, لاسيما مع خطورة الأضرار التي صارت تلحقها وصعوبة إثبات الخطأ في جانب الحارس, خاصة و أنّ المفهوم التقليدي للمسؤولية المدنية, يقتضي وجود ثلاثية الخطأ, الضرر و العلاقة السببيّة. فما مدى إنطباق هذه القواعد علي مسؤولية حارس الشيئ, لاسيما في القانون المدني الجزائري؟
ذلك ما سنحاول أن نجيب عليه من خلال هذه الدراسة.

المبحث الأول : أحكام وشروط قيام مسؤولية حارس الشئ
المطلب :أحكام الحراسة :
إنّ للحراسة بالمفهوم السابق, أحكام فيما يخص تجزئتها وإنتقالها والسؤال الذي يطرح هنا هو: هل يشترط التمييز في الحارس حتي تصح مساءلته عن فعل الشيء الواقع تحت حراسته ؟
لقد إنقسم الفقه في الرد على هذا السؤال الى أتجاهين.

الإتجاه الأول: يري أنّه يشترط التمييز في الحارس, قياسا على أنّ التمييز عنصر مهم في تقرير مسؤولية الأشخاص, طبقا للقواعد العامة للمسؤولية عن العمل الشخصي, وذلك لأنّ التمييز عنصر في الخطأ الذي يعدّ أساسا للمسؤولية, ومن ثمّة إن أحدث غير المميز ضررا للغير بواسطة الشيء, ةفإنّه لايسأل لأنّه لاينسب لغير المميز خطأ.
أمّا الإتجاه الثاني, فيري أنّ التمييز لا يشترط في الحارس لكي تقوم مسؤوليته عن فعل الشيء غير الحي, لأنّ هذا النوع من المسؤولية لايقوم على أساس الخطأ, بل يقوم على أساس موضوعي سنتطرق له لاحقا. وهذا الإتجاه هو الأقرب للصواب في نظرنا, لأنّه إضافة لما سبق فإنّ مناط مسؤولية حارس الشيء هي صفته كحارس للشيء, والتمييز لا يمنع الغير مميز من التمتع بها طالما لا يمنعه من ممارسة سلطات الإستعمال, التوجيه والرقابة على الشيء محل الحراسة.
وقد كان القضاء الفرنسي في بداية الأمر يرفض الخذ بمسؤولية عديم التمييز عن الضرر الحاصل عن فعل الشيء غير الحي الواقع تحت حراسته, وذلك عندما كان يأخذ بفكرة الحراسة القانونية لكن فيما بعد أقرّ بمسؤولية عديم التمييز تحقيقا لمبدا العدالة وحق المضرور في التعويض.
1- إنتقال الحراسة:
لقد قلنا فيما سبق أنّ مناط الحراسة, هو تمتع الحارس بسلطات الإستعمال, التوجيه والرقابة على الشيء الغير حي, لذلك فإنّ الحارس يفقد صفته هذه, بفقدان كل أو إحدي هذه السلطات, بإنتقالها الى الغير إراديا أو لاإراديا. وهو الأمرالذي يمكن أن نستنتج من خلاله أنّه بإمكـان الحـارس أن ينفي مسؤوليته بإثبـات إنتقـال الحراسة منه الى الغير.
وتنتقل الحراسة الى الغير, إراديا عن طريق الإتفاق أو العقد كعقد البيع أو عقد الإيجار أو

عقد العارية ...إلخ. ولا يكون إنتقال الحراسة في هذه العقود الى الغير إلاّ بعد حصول عمليّة التسليم. وهذا ما جاء في قرار المحكمة العليا بتاريخ 01/07/ 1981 الذي نص في صلبه على ما يلي( لكن حيث أنّه ممّا لاجدل فيه أنّ شركة بربارمختار والاخوة, عندما رست عليها المناقصة لبناء 42 مسكن بالمكان المسمي المصلي بالمدية, وكان هذا المكان يحتاج قبل مباشرة البناء عليه إلي تسويّة أرضية، لذلك استأجرت الشركة من مالك الألة المدعو: مقدم خالد, الألة من أجل تسوية الأرض والتي كان يقودها المدعو: صافيه أحمد بسعر معيّن عن كل ساعة عمل.
وحيث أنّ عقد الإيجار المذكور في هذه الحالة يجعل الألة وسائقها تحت حراسة الشركة الطاعنة طالما أنّها استأجرت الألة من صاحبها بسعر زمني ولم تكلفه بمقاولة عمل إجماليّة لإستعمالها في ورشتها وتسييرها حسب رغبتها في ساعات العمل وبالتالي فإنّ رقابتها مبسوطة عليها. الأمر الذي يجعل الوجه المثار غير مؤسس), غير أنّه تجدر الإشارة الى أنّ التابع ومتعلم السياقة وكذا المكانيكي لاتنتقل إليهم الحراسة لأنّهم لايتمتعون بالسلطة الفعليّة في توجيه والتصرف في الشيء, بل تبقي للمالك أو الحارس السابق. وهذا ما جاء في قرار المحكمة العليا بتاريخ 19/02/1981الذي سبق لنا وأن أشرنا إليه, لكن إذا ترتب الضرر عن عيب في الشيءلم يخبر المعير المستعير به, فيكون المعير هو المسؤول عن هذا الضرر.
كما تنتقل الحراسة الى الغير بغير إرادة الحارس , كما لو تعرض الشيء المحروس للسرقة. فالسرقة تنقل الحراسة بمقوماتها الثلاثة من الحارس الى السارق فيصبح هذا الأخير حارسا فعليا للشيء, ويأخذ نفس هذا الحكم التابع الذي يخالف تعليمات المتبوع فيما خالفــه.


2- تجزئة الحراسة:
الأصل أن تجتمع سلطات الاستعمال, التوجيه والرقابة في يد حارس واحد. غير أنّه وفي بعض الحالات قد يتمتع أكثر من شخص واحد بالسلطات السابقة بشكل متساوي, كما هو الحال بالنسبة للشركاء في الشيوع, وبالتالي فهم يسألون عن فعل الشيء المشاع بينهم باعتبارهم حرّاس له, طبقا للمادة 138 من القانون المدني.
وعلى صعيد أخر قد تتجزأ الحراسة بين نوعين لها, حراسة الإستعمال وحراسة البنيّة أو الهيكل. فحراسة الإستعمال تكون للحائز في حدود ما يقتضيه إستعمال الشيء في غرضه. أمّا حراسة البنيّة فتكون للمنتج في نطاق العيب أو الإختلال الموجود في هيكل الشيء وبنيّته, يتعذر معـــرفتـه مــن قبـبــل مســتـعمل الشــيء قبـل إستعماله. وقد تجسدت فكرة تجزئة الحراسة عمليا, عندما قضت محكمة إستئناف –بواتيه –في قضية تتعلق بإنفجار زجاجة عصير ليمون بين يدي طفل, تسببت في إصابة إحدي عينيه بأضرار خطيرة. فقالت بأنّ منتج العصير يفترض أنّه لايزال يحتفظ بحراسة هذا الأخير بالرغم من إنتقال ملكية الزجاجة, فهو وحده من بين المالكين المتعاقبين عليها من كان بإمكانه ممارسة سلطة الرقابة عليها فيما كانت تحتويه من عناصر لها فعاليّة خاصة

ومن تطبيقات هذه الفكرة في القضاء الجزائري نذكر القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 20/12/1989الذي جاء فيه ما يلي:
( حيث أنّ الأصل في الحراسة, هو أن يكون الحارس له على الشيء سلطات الإستعمال, التسيير والرقابة. وقد أخطأ قضاة الموضوع في تطبيق القانون وخاصة المادة 138 من القانون المدني, بحيث أنّ المضرور لمّا رفع دعواه عمّا أصابه من ضرر, كان هو حارس قارورة الغاز ولم يثبت أنّه يوجد عيب في هذه القارورة. وبما أنّه نقل الحراسة للمطعون ضدّه, فإنّ شركة سوناطراك ليست هي المسؤولة) يتبيّن لنا من قراءة هذا القرار أنّه تضمن فكرة تجزئة الحراسة, إذ أنّه بالنسبة لقضاة المحكمة العليا, كان يمكن مساءلة شركة سوناطراك باعتبارها حارسة لقارورة الغاز, لو أثبتت الضحية وجود عيب في بنية القارورة, تسبب في تسرب الغاز منها. وتسأل شركة سوناطراك هنا على أساس أنّها حارسة للبنيّة.

المطلب الثاني: وقوع الضرر بفعل الشيء.
إن ّمعالجة هذا الشرط تقتضي منّا البحث في العلاقة السببيّة بين الشيء والضرر الحاصــل
لذلك لأنّه لايمكن ترتيب مسؤولية الحارس عن ضرر لم يكن للشيء أي دور في وقوعه, وهو ماسنحاول التطـرق إليه من خـلال الفرع الأول, أمّا الفرع الثاني, فسنحاول التفريق فيه بين فعل الشيء وفعل الإنسان نظرا للبس الذي قد يقع بينهما.

الفرع الأول: التدخل الإيجابي للشيء غير الحي في إلحاق الضرر.
لكي تقوم العلاقة السببيّة بين فعل الشيء والضرر, لابد أن يكون تدخل الشيء فاعلا في حدوث الضرر, ويكون كذلك إذا كان تدخله الإيجابي هو السبب المباشر في وقوع الضرر, كأن تكون هناك دراجة نارية متوقفة في غير المكان المعد لها أو أن تكون هذه الدراجة في حالة حركة لكن بصورة مخالفة للوائح والأنظمة. ويكفي للمضرور أن يثبت نسبة الضرر الي الشيء حتي تقوم لصالحه قرينة السببيّة بين الشيء والضرر, أي قرينة التدخل الإيجابي للشيء, وهي قرينـة بسيطـة
يمكن للحـــارس أن يثبت عكسها, وذلك بأن يثبت أنّ دور الشيء كان سلبيا في حدوث الضرر, فقد جاء في حكم لمحـكمة النقض الفرنسية بتاريخ 09/06/1939 أنّه( متي ثبت أنّ الشيء قد ساهم في إحداث الضرر, أفترضت علاقة السببية بين الشيء والضرر) وهو ما أكدّه الدكتور محمود جلال حمزة بقوله(أنّ إثبات تدخل الشيء يقع على عاتق المضـرور, فإن استطاع أن يثبت ذلك التدخل إفترضت المسؤولية, لكن هذا الافتراض ليس قاطعا إذ يجوز للحارس أن يثبت الدور السلبي للشيء الذي كان تحت حـراسته أو أنّ الشيء كان أداة السبب الأجنبي الذي سبّب الضرر)
ويكون دور الشيء سلبيا اتجاه الضرر الحاصل إذا كان في وضعه الطبيعي والمألوف سواءاكان متحركا أو ساكنا, كما لو إصطدم شخص بسيارة تسير وفقا للوائح والأنظمة أو اصطدم بشجرة أو عمود كهربائي منتصبين في وضعهما الطبيعي.
كما لا يتطلب التدخل الإيجابي للشيء وجود إتصال مادي بين الشيء والمضرور, بل يكفي أن يكون الشيء هو المتسبب في الضرر, ومثال ذلك أن يؤدي المنبه القوي لشاحنة إلى إضطراب راكب دراجة فيسقط أرضا ويصاب بضرر جسماني. وهذا ما جاء في حكم لمحكــمة لنقض الفرنسية بتاريخ 22/01/1941(بأنّ المادة 1384/1, حين وضعت شرطا لتطبيقها, وهو أن يكون الضرر قد حدث بفعل الشيء, لم تشترط أن يكون حدث تماس مادي بينهما, وأنّ عدم التماس المادي بين الشيء والضرر ليس نافيا بالضرورة لعلاقة السببية) ويتعلق الأمر بسيارة وقفت فجأة فسدّت الطريق أمام راكب دراجة, فتسببتت في سقوطه أرضا وإصابته بأضرار.

هذا فيما يخص نسبة الضرر إلى فعل الشيء, لكن من الناحية النظرية فإنّ الأمر أكثر تعقيدا, لأنّه كثيرا ما يقع التداخل والإلتباس بين فعل الشيء وفعل الإنسان, فنجد الكثير من الفقهاء قد ربطوا تدخل الشيءبفعل الإنسان وهو ما سنحاول توضيحه بصورة مختصرة من خلال الفرع الثاني.

الفرع الثاني : التفرقة بين فعل الشيء وفعل الإنسان.
إنّ التمييز بين فعل الشيء وفعل الإنسان وإلى أيّهما ينسب الضرر أهميّة بالغة في تحديد نوع المسؤولية ومن ثمّة النص الواجب التطبيق, هل هو نص المادة 124من القانون المدني, الذي تقـوم.
المسؤولية فيه على أساس الخطأ الواجب الإثبات, أم نص المادة 138 من القانون المدني والذي تقوم
فيه المسؤولية على أساس موضوعي غير فكرة الخطأ. لقد كان هذا التمييز محل جدل بين الكثير من الفقهاء ورجال القضاء في فرنسا, من أجل إيجاد معيار واضح للفصل بين فعل الشيء وفعل الإنسان, فقد ذهب بعض الفقهاء إلي إنكار الوجود الذاتي لفعل الشيء مستقلا عن فعل الإنسان, من بينهم –جورج روبيير –الذي قال ( أنّه لايوجد وجود ذاتي لفعل الشيء مستقلا عن فعل الإنسان, فكل ضرر يحدث من شيء غير حي هو في الحقيقة صادر عن فعل الإنسان, لأنّ الشيء ليست له حياة. وقوة الشيء نابعة من قوة الإنسان, فالشيء هو أداة فقط في يد الإنسان يحدث بها الضرر, ورغم ذلك فليس الشيء سببا في الضرر, فمن يحمل عصى في يده وينهال بها ضربا على الغير, فلا يمكن أن ينسب هذا الفعل إلي العصى. لأنّ العصى كانت طيعة فعل بها ماأريد) إنّ ما قاله الفقيه روبير, له جانب من الصواب, غير أنّ ما نأخذه عليه هو أنّه إن كان من المسلم به أنّ المسؤولية الشخصيّة للحارس قائمة في حالة تعمده إلحاق الضرر بالغير, فإنّه ليس من المعقول أن نقول أنّه في حالة إنعدام القصد منه, ينسب الضرر الحاصل الي الشيء و يسأل على أساس المسؤوليّة عن فعل الشيء الغير حي, لأنّ ذلك يجعل مركز الحارس الذي يتعــمد إلحاق الضـرر أحسـن مـن مـركـز الحارس الـذي لا يتعمد إلحـاق الـضـرر. ذلك لأنّ المضرور في الحالة الأولي ملزما بأن يثبت خطأ المسؤول, وهذا الأخير يمكنه أن ينفي المسؤولية عنه بأن يثبت أنّه لم يخطئ, بينما في الحالة الثانية فيعفي المضرور من إثفبات خطأ المسؤول بموجب نص المادة 138 من القانون المدني, ولايمكن للحارس أن ينفي مسئوليته إلاّ بإثبات الخطأ الأجنبي. فضلا على أنّ الرأي الذي قال به روبيير يرجع بنا إلى بداية ظهور المسؤولية عن فعل الشيء غير الحي, لمّا كانت هذه الأخيرة تقوم علي أساس الخطأ الواجب الإثبات. وهو ما قصده الفقيه دوما أنذاك عندما قــال(إنّ لاعب الكرة الحديدية الذي لم يرتكـب أي إهمـال لايمكن أن يكون مسؤولا عن الضرر الذي يحدث للمتفرج من الكرة التي قذفها)
ومن جهة أخري, ذهبت فئة قليلة من الفقه إلى الأخذ بالفعل المستقل للشيء غير الحي وقالت أنّ الضرر ينسب إلي فعل الشيء إذا جاء تدخل هذا الأخير في مجريات الحادث مستقلا عن تدخل الإنسان, كمالو ألحقت سيّارة بدون سائق ضررا بالمارة نتيجة فساد مكابحها, فالضرر لا ينسب إلى الشيء الغير حي إلاّ إذاكان :

-هذا الأخير بعيدا عن تحريك الإنسان له, بعيدا عن تحكمه فيه.
-أوكان معيبا بعيب ذاتي, هو السبب المباشر في تدخل الشيء غير الحي, لإلحاق الضرر بالأخرين.
وهما الشرطان الذين إعتمدهما القضاء الفرنسي في مرحلة سابقة, كمعيار للتدخل الإيجابي للشيء ويؤخذ على هذا الرأي أنّه, لايمكن عمليا تصور التدخل التلقائي للشيء غير الحي في مجريات الحادث دون سبب محرك له. فالشيء غير الحي لايمكنه التدخل إلاّ إذإ قام الإنسان بتحريكه أو قام عامل خارجي بذلك, أو وضع في وضع شاذ, غير مألوف يجعله قابلا لإلحاق الضرر, أخري فإنّ إشتراط العيب في الشيء حتي بنسب الضرر إليه, أمر يرهق الـمضرور الـذي يكـون مـلزما بـأن يـثـبـت وجود هذا العيب.

-وقد إقترح الأساتذة - مازوا- معيارا للتمييز بين فعل الشيء غير الحي وفعل الإنسان, فقالوا أنّ الضرر ينسب إلي فعل الشيء غير الحي, إذا أفلت هذا الأخير من زمام حارسه, وتوضيحا لذلك فقد قالوا :
( أنّ الشيء لم يكن ليستطيع بنفسه أن يسبب ضررا, فالإنسان وحده هو الذي يعطي للشيء غير الحي ما يساوي الحياة التي تنقصه, ولكن ليس أقل من ذلك صحة أنّه متي بدأت قوّة الشيء في الحركة فإنّ هذه القوّة تتجاوز في الغالب قدرة الإنسان. وهذه حقيقة تجعل للشيء فعلا مستقلاولكنه مع ذلك يتعارض تعارضا صريحا مع فعل الإنسان الذاتي, هذه الحقيقة تتجلي خاصة حينما نبحث في الحوادث التي تحدثها السيّارة المقودة, فالسيّارة كالحصان ليست شيئا طيّعا بين يدي الإنسان الذي يقودها, صحيح أنّ الحصان يستمد قوّته من الخالق بينما السيّارة تستمد قوّتها الخاصة من الإنسان ولكن في الحالتين هذه القوّة الخاصة موجودة وقابلة أن تفوق قوّة الإنسان. فالسيّارة التي تسيير بسرعة كبيرة لا تكون لقائدها السيطرة التامة عليها, لأنّه حينما يري مارا على لطريق, ويقوم بكل ما يمكن عمله لوقف السيّارة ولا يتمكن من إيقافها في الوقت المناسب يكون زمامها قد أفلت من يده). وهو الأمر الذي أكّده المستشار – لومار كادور – في تقريره في قضية جاندير لسنة 1927 إذ قال( ليس صحيحا بتاتا أنّ السيّارة تعتبر أداة طيّعة في يد سائقها تتحرك بإرادته, فقائد السيّارة ليس هو السيد المطلق لآلته, كما أنّ قائد الحصان ليس هو القائد المطلق في قيادته. فالحيوان وهو المخلوق الحي له حركات غير متوقعة, بينما الآلة تحمل في.أحشـائهـا قـوّة يـخلقـها الإنـسـان ولـكـّنها متي تـحركت فـإنـّه لايـستـطيـع أن يـتـوقع ولا أن يـحدد أثارها, وهذا ما يسمي بالقوة الذاتية للألة )

إنّ معيار إفلات الشيء من يد حارسه الذي قال به الأساتذة – مازو - منتقد لأنّه يؤدي الى نتائج غير منطقية, فإذا قلنا أنّ معيار التمييز بين فعل الشيء وفعل الإنسان هو إفلات الشيء من يد حارسه وقلنا أنّ الضرر ينسب الى فعل الإنسان طالما كان هذا الأخير متحكما في الشي, وقلنا أنّ الضرر ينسب الى فعل الشيء إذا فقد الحارس سيطرته على الشيء بسبب القوة الذاتية الجامحة له فإنّ ذلك يؤدي بنا الى نتيجة مفادها أنّ مركز المسؤول الذي يتعمد إلحاق الضرر بالأخرين والذي يسأل على أساس الفعل الشخصي, أحسن من مركز المسؤول الذي لم يتعمد ذلك, والذي يسأل بدوره على أساس المسؤولية عن فعل الأشياء غير الحيّة. لأنّ المضرور في الحالة الأولي يكون ملزم بأن يثبت خطأ المسؤول طبقا للمادة 124 من القانون المدني, لكنّه في الحالة الثانية فإنّ المضرور يكون معفي من ذلك, طبقا للمادة 138 من القانون المدني.

وفي رأينا فإنّه ليس للتدقيق في التمييز بين الفعلين فائدة ترجى لذلك يجب الإكتفاء بالبحث عن التدخل الإيجابي للشيء والفاعل في تحقيق الضرر, عن طريق الأخذ بنظرية السبب الفعّال والمنتج. ومثال ذلك أن يكون الشيء في وضع مختل أو شاذ أو غير عادي أوكأن يكون معيب بعيب ما, أعطي للشيء الجامد القوة الكافية لإلحاق الأذى بالغير, فالمشرع الجزائري ربط المسؤولية بالحراسة وليس بالشيء نفسه, فسواءا تدخل الشيء من تلقاء نفسه في إلحاق الأذي أو تدخل بفعل فاعل, وسواءا كان ساكنا أو كان متحركا, وسواءا أفلت من يد حارسه أو لم يفلت, فإنّ العبرة دائما بالتدخل الإيجابي للشيء غير الحي في إحداث الضرر.

ومن التطبيقات القضائية في هذا الصدد, نجد قرار المحكمة العليا بتاريخ 14/12/1988 الذي جاء فيه ما يلي( ولكن حيث يتبين من مراجعة القرار المطعون فيه ومن الإطلاع على الوثائق المرفقة به, أنّ قضاة الموضوع لمّا إستندوا في قضائهم على نص المادة 138 من القانون المدني التي تفترض مسؤولية حارس الشيء, وحكموا بناءا على ذلك بالتعويض لذوي الحقوق, فلقدطبقوا نص المادة المستدل به تطبيقا سليما. وأنّ ما يعاب عليهم من أنّهم فسّروا نص المادة المذكور تفسيرا مخالفا للقانون, بدعوي أنّها تفترض في حارس الشيء أن يكون دوره إيجابيا وأنّ البلدية وحرّاسها لم يكن لهم إلاّ دورا سلبيا لا ينهض كدليل يمكن الإستناد إليه, لأنّ المادة المحتج بها لا تشترط في الحارس أن يكون دوره إيجابي أو سلبي, وعليه فإنّ النعي عليهم بذلك في غي محله, لذلك يتعين رفض الطعن) إنّ هذا القرار يستوجب بعض التعقيب, ذلك أنّ المادة 138 من القانون المدني تقضي بأن يكون الضرر ناتج عن الشيء, ولذلك يجب مناقشة دور هذا الشيء في إحداث الضرر غير أنّ قضاة المحكمة العليا عندما ذهبوا يناقشون الدفع الذي تقدم به الطاعن والمتمثل في أنّ قرار المجلس خالف أحكام المادة 138 من القانون المدني, لكون الضحية كان مصابا بمرض عقلي وأباه لم يخبر حارس المسبح البلدي ليمنعه من الدخول إليه, كما أنّ دور هذا الأخير في غرق الضحية لم يكن إيجابيا, قالوا( أنّ ما يعاب على قضاة الموضوع, أنّهم فسّروا نص المادة المذكور تفسيرا مخالفا للقانون بدعوي أنّها تفترض في حارس الشيء أن يكون دوره إيجابيا وأنّ البلدية وحراسها لم يكن لهم إلاّ دورا سلبيا لا ينهض كدليل يمكن الإستناد عليه لأنّ المادة المحتج بها لاتشترط في الحارس أن يكون دوره إيجابي أو سلبي) ومن ثمّة نلاحظ هذا الخلط الذي وقع فيه القرار بين دور المسبح البلدي في غرق الضحية والذي يجب على القضاة مناقشته طبقا للمادة 138 من القانون المدني, ودور الحارس البلدي الذي لامحل للحديث عنه في مسؤولية حارس الشيء.

المبحث الثاني: الطبيعة القانونية لمسؤولية حارس الشيء.
سنتولي من خلال هذا المبحث التطرق إلي الأسباب المعفية من المسؤولية طبقا للمادة 138 من القانون المدني في مطلب أول. أمّا المطلب الثاني فسنتطرق من خلاله الي أساس هذه المسؤولية.

المطلب الأول: أسباب الإعفاء من المسؤولية.
لقد منح القانون للحارس إمكانية التخلص من مسؤوليته, وذلك بقطع العلاقة السببية بين فعل الشيء غير الحي والضرر. ويمكن أن نستخلص من المادة 138 من القانون المدني أسباب إعفاء الحارس من مسؤوليته, والتي يمكن لنا أن نحصرها في وسيلتين, تتمثل الأولي في إثبات الدور السلبي للشيء, أمّا الثانية فتتمثل في إثبـات تدخل السبـب الأجـنـبـي.

الفرع الأول: إثبات الدور السلبي للشيء.
لكي تتحقق مسؤولية حارس الشيء, فإنه لابد من التدخل الإيجابي للشيء في إحداث الضرر, والذي يؤديإلي قيام رابطة السببية بين فعل الشيءغير الحي والضرر الحاصل, وبإنتفاء الدور الإيجابي للشيءغير الخي تنتفي رابطة السببية وتنعدم معها مسؤولية الحارس. فكما أسلفنا الذكر, فإنّ للعلاقة السببية أهمية بالغة في المسؤولية عن فعل الأشياء غير الحيّة, لأنّه في إعتقادنا أنّ المسؤولية لاتقوم على فكرة الخطأ وإنّما تقوم على أساس موضوعي يتحقق بوقوع الضرر, لذلك فإنّ علاقة السببية بين الفعل الإيجابي للشيء والضرر الحاصل تكون مفترضة بمجرد وقوع الضرر, وما على الحارس إن أراد أن يتخلص من مسؤوليته إلاّ أن يثبت أنّ تدخل الشيء في مجريات الحادث كان سلبيا محضا, بغض النظر عن حالة الشيء, سواءا كان متحركا أو كان ساكنا(1). فقد جاء في حكم للدّائرة المدنية لمحكمة النقض الفرنسية بتاريخ 19/02/1941

( أنّه لتطبيق المادة 1384/1 من القـانون المدنـي الفرنســـي, يـجب أن يكون الشيء هو سبب الضرر, ويجب أن يكون هو السبب الأساسي في هذا الضرر سواءا كان ساكنا أو غير ساكن, ولايستطيع حارسه أن يهدم هذه القرينـة إلاّ إذا أثبت أنّ الشيء لم يقم إلاّ بدور سلبي محض وأنّه كان تحت تأثيرسبب أجنبي)

ويتعلق الأمر بإمرأة أصيبت بالإغماء في حمام عام فسقطت علي أنبوب ماء ساخن وأصيبت بحروق. كما جاء في قرار أخربتاريخ 22/01/1945( أنّ الشيء يجب أن يكون هو السبب في حدوث الاضرر. فإذا أفترض أنّه هو السبب الفعّال لأنّه تدخل في تحقيق الضرر, فإنّ هذا الإفتراض لا يهدم إلاّ إذا أثبت أنّ الشيء الساكن لم يكن دوره إلاّ سلبيا, وكان السبب في الضرر أجنبيا عن هذا الشيء) ويتعلق هذا الحكم بزبونة محل تجاري إصطدمت بمشجب للثياب موجود بداخله فجرحت

وقد علّق الدكتور محمود حمزة جلال على هذين الحكمين قائلا: (( أنّ محكمة النقض الفرنسية أكدت أنّ الشيء حين لايلعب إلاّ دورا سلبيا محضا في إحداث الضرر, فإنّ المادة 1384/1 لاتطبق وأنّ الحارس لا يكون ملزما بإثبات السبب الأجنبي, إذا كان دور الشيء سلبيا في إحداث الضرر)
ومن جهة أخري يري بعض الفقهاء, أنّ المسؤولية الناشئة عن فعل الأشياء الغير حيّة تحتوي على علاقتين سببيتين, الأولي تربط بين نشاط الإنسان والضرر الحاصل, على غرار ماهو الحال عليه في باقي المسؤوليات التقصيرية, والتي يمكن نفيها عن طريق إثبات تدخل السبب الأجنبي, وتربط الثانية بين فعل الشيء والضرر, والتي تتطلب أن يكون الشيء الغير حي هو الأداة الفعّالة المحققة للضرر بتدخله الإيجابي. وهي علاقة مفترضةلا يلزم المضرور بإثباتها, وإنمّا يكفي هذا الأخير أن يثبت أنّ مصدر الضرر هو الشيء المحروس. وما على الحارس لكي يتخلص من مسؤوليته إلاّ أن يثبت أنّ دور الشيء في حدوث الضرر كان سلبيا. ولقد ضرب الأساتذة مازو مثالا على ذلك فقالوا( لو أنّ إعصارا إقتلع شجرة ورماها على أحد المارة فألحقت به ضررا, فلا شك في أنّ عـلاقة السبـبـيةبين الشجرة والضرر قد تحققت, لتدخلها الإيجابي في إلحاق الضرر. لكن العلافة السببية بين نشاط الحارس والضرر لم تتحقق, لأنّ نشاطه لم يكن سببا في التدخل الإيجابي للشجرة وإنّما السبب الحقيقي هو الإعصار, الذي يعدّ في هذه الحالة قوة قاهرة) ويري الأستاذ لبيب شنب أنّه لا وجود

لعلاقتين سببيتين في مسؤولية واحدة, فالضرر في مثال الأساتذة مازو لاينسب إلي الشجرة وإنّما ينسب إلي الإعصار الذي إّتخذ من الشجرة أداة طيّعة في إحداث الضرر. فلا وجود إلاّ لعلاقة سببية واحدة تربط بين الضرر وفعل الشيء, لكن هناك طريقتين لنفي هذه العلاقة, يتمثل الطريق الأول فيي إثبات الدور السلبي للشيء. أمّا الطريق الثاني فيتمثل في إثبات تدخل السبب الأجنبي.
وأخيرا فإنّه متي تمكن الحارس من إثبات الدور السلبي للشيء, تنتفي مسؤوليته عن الضرر الحاصل.

الفرع الثاني: إثبات تدخل السبب الأجنبي.
لقد نصت المادة 138/2 من القانون المدني على أنّ إثبات تدخل السبب الأجنبي في إيقاع الضرر يعفي الحارس من المسؤولية. إنّ هذا المركز القانوني, الذي يتمتع به المضرور في ظل المادة 138 من القانون المدنيالجزائري, جاء بعد التطور الكبير الذي عرفته مسؤولية حارس الشيء. فبعدما كان المضرور ملزما بأن يثبت الخطأ من جانب الحارس, أصبح هذا الأخير هو الذي يجب عليه أن يثبت ألاّ علاقة له بالضرر الناتج, وهذا ما جاء في قرار لمحكمة النقض الفرنسيةفي قضية جاندير لسنة ,1930 الذي نص على ما يلي
( إنّ إفتراض المسؤولية طبقا للمادة 1384/1 من القانون المدني لا يدحضه إلاّ إثبات السبب الأجنبي. ولا يعفي الحارس من المسؤولية بإثباته أنّه لم يرتكب خطأ أو أنّ سبب الضرر ظلّ مجهولا) وهو الدرب الذي سارت عليه المحكمة العليا في مختلف قراراتها إذ جاء في أحدها بتاريخ 31/01/1979, مـلف رقم 14635مايلـي
( وحيث أنّ هذه القرينة تتبع حارس الشيء الذي يحدث ضررا للغير ولو لم يرتكب أي خطأ أو كان سبب الضرر مجهولا, ولا يمكن إبعاد قرينة المسؤولية إلاّ عند ثبوت الحالة الطارئة أو القوة القاهرة أو خطأ الضحية أو خطأ الغير)


فما هو السبب الأجنبي؟
1- تعريف وخصائص السبب الأجنبي:
لقد عرّف الفقيه – بنوا – السبب الأجنبي بأنّه( كل الظروف والوقائع التي يمكن للمدعي عليه أن يستند عليها لإثبات أنّ الفعل الضار لا ينسب إليه, والتي تكون أجنبية عن كلا الطرفين أمّا الفقيه سليمان مرقس فقد عرّفه بأنّه( كل فعل أو حادث معيّن, لاينسب الي
المدعي عليه ويكون قد جعل منع وقوع الفعل الضار أمرا مستحيلا)أمّا الأستاذ إبراهيم الدسوقي فقد عرّفه بأنّه( كل واقعة تتسبب في تدخل الشيء في الحادث وتحقيق الضرر تبعا لذلك ولا يمكن إسنادها للحارس أو مساءلته عليها)
ولقد عرّف القضاء الجزائري السبب الأجنبي من خلال القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ11/06/1990 والذي جاء فيه( حيث أنّ التعريف القانوني للقوة القاهرة هي أنّها حدث تتسبب فيه قوة تفوق قوة الإنسان, حيث لايستطيع هذا الأخير أن يتجنبها أو أن يتحكم فيها, كما تتميز القوة القاهرة أيضا بطابع عدم قدرة الإنسان على توقعها)
نلاحظ أنّه على إختلاف التعاريف الفقهية والقضائية التي أعطيت للسبب الأجنبي فإنّها تشترك في الشروط التي يجب أن تتوفر فيه وهي:
- أن يكون غير متوقع.
- أن يستحيل دفعه.
- أن يكون السبب خارجي عن الحارس.

- خارجية السبب الأجنبي.
نعني بخارجية السبب الأجنبي أن لاينسب هذا الأخير الي الحارس أو إلي الشيء المحروس. فإذا كان سبب الحادث وقع بفعل الإنسان أو بسبب وضع مختل في الشيء المحروس انتفت صفة الخارجية من الحادث ولم يعد بذلك سببا أجنبيا, فقد جاء في حكم لدائرة العرائض بمحكمة النقض الفرنسيةبتاريخ 19/11/1940: (( أنّ تعطل أو كسر مكبح السيارة المحدثة للضرر لايعد سببا خارجيا عنهاولا يمكن بذلك إعتباره حادثا مفاجئا معفيا للحارس من المسؤولية التي تفرضهاالمادة1384/1 من القانون المدني)

- عدم التوقع بالنسبة السبب الأجنبي.
ومعني ذلك أنّ السبب الأجنبي, ينطوي على عنصر المباغتةفي حدوثه, وهو ما لم يترك المجال للحارس حتى يحتاط للأمر قبل وقوعه. وتنتفي صفة عدم التوقع إذا كان الأمر من المعتاد حصوله أو إذا كانت له مقدمات تنبئ بحدوثه مستقبلا, ورغم ذلك أهمل المسؤول إتخاذ الإحتياطات الضرورية. كمايزول عنصرعدم التوقع بالنسبة لأضرار المتفاقمةبسبب إهمــــال الحارس إتخاذ الإحتياطات اللاّزمة كما هو الحال بالنسبة لإشتداد العاصفة وتحولها الي إعصار.

- عدم إمكانية الدفع بالنسبة السبب الأجنبي.
ويقصد بذلك أنّ السبب الأجنبي لابد أن يفوق القدرات المادية والجسمانية للشخص العادي, أي أن لايكون هناك تناسب بينهما. وتتحقق عدم إمكانية الدفع إذا أثبت الشخص أنّه يستحيل عليه التصرف بخلاف ما تصرف عليه وقت الحادث. ومعيار عدم إمكانية الدفع أو التوقع هو الرجل العادي المتوسط الذكاء والحذر, فإذا كان الـحادث في ظروف معينة غير متوقع و مستحيل دفعه من قبل هذا الأخير, كان الحادث غير متوقع ومستحيل الدفع في نفس تلك الظروف.
إنّ قيام السبب الأجنبي بالشروط التي سبق ذكرها, يؤدي إلى الإعفاء من المسؤوليـة, بصورة تامـة أو بـصورة جزئيـة, حـسب نسبـة تدخلـه في إحـداث الضـرر
ولقد استقر الفـقه والقـضاء على أربعة صور للسبب الأجنبي وهي: القوة القـاهـرة, الـحـادث المـفـاجـئ, فـعـل الـضـحيـةو فـعـل الغـيـرفما معني كل حالة على حذي؟
لكن وقبل ذلك,. يجدر بنا القيام بالمقارنة بين نصي المادتين 127 و138/2 من القانون المدني الجزائري فيما يخص السبب الأجنبي.

2- مقارنة بين نصي المادتين127 و138/2 من القانون المدني الجزائري.
لقد نصت الفقرة الثانية من المادة 138من القانون المدني على أنّه( يعفي الحارس من مسؤوليته, إذا أثبت أنّ الضرر حدث بسبب لم يتوقعه مثل عمل الضحية أو عمل الغير أو الحـالة الطارئة أو القوة القاهرة) بينما نصت المادة 127 من القانون المدني على أنّه(إذا أثبت الشخص أنّ الضرر قد نشأ عن سبب لايد له فيه, كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ صدر من المضرورأو خطأ صدر من الغير, كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر, مالم يوجد نص قانوني أو إتفاق يخالف ذلك )
نلاحظ من إستقراء نص المادتين السالفتي الذكر, عدم التنسيق بينهما فيما يتعلق بالسبب الأجنبي المعفي من المسؤولية. فذكرت المادة 127 ق م، أنّ السبب الأجنبي المعفي من المسؤولية هو الذي نشأ عن سبب لا يد للمسؤول فيه. أمّا المادة 138/2 ق م,فذكرت أنّ السبب الأجنبي المعفي من المسؤولية هو ذلك الذي لم يكن الحارس يتوقعه.
وفضلا عن هذا العيب, فإنّ المادة 138/2 ق م إكتفت بصفة عدم التوقع ولم تقرنها بصفة عدم إمكانة الدفع, مع أنّ القضاء مستقركما سبق الذكر على ضرورة تلازم الصفتين, وإن كانت بعض الأحكام قد إكتفت أحيانا بشرط عدم إمكانية الدفع, وقالت أنّ عدم إمكانية الدفع تتضمن عدم إمكانية التوقع, فإنّ الإجماع منعقد على أنّ عدم إمكان التوقع لايتضمن عدم إمكان الدفع.

كما تضمنت المادة138/2 ق م عبارة الحالة الطارئة, والتي أطلقت للتدليل على الحادث المفاجئ, الذي وردت ترجمته سليمة باللغة الفرنسية لذات المادةLE CAS FORTPUIT وكذلك في المواد 127, 168 و178 من القانون المدني. إنّ مصطلح الحادث المفاجىء هو مصطلح متفق عليه ولا ينبغي الخلط بينه وبين الحالة الطارئة, بشكل قد يؤدي إلي الإلتباس بينه وبين الظروف الطارئة, ويؤدي إلي إتحاد الحكم بينهما في الذهن, مع أنّ بينهما فرق شاسع فالحالة الطارئة أي الحادث المفاجئ, تجعل تنفيذ الإلتزام مستحيلا, بينما الظروف الطارئة فإنّها لاتجعل تنفيذ الإلتزام مستحيلا, ولكنّ تجعله مرهقا.

كما نشير إلي أنّ المادة 138/2 ق م أشارت إلي فعل الغير الإختلاف أثر قانوني هام في مدي تمكين المسؤول من نفي مسؤوليته , لأنّه في حالة الأخذ بفعل الضحيّة أو الغيركسبب أجنبي فإنّ السلوك العادي والسليم للضحيّة أو الغير بإمكانه أن يقطع العلاقة السببيّة بين الضرر وفعل الشيء غير الحي, وبالتالي يمكن للحارس أن يثبت أنّ الضرر حدث بفعل الضحية أو الغير حتي ولو لم يكن سلوكهما خاطئا, ليعفي نفسه من المسؤولية. أماّ في حالة الأخذ بخطأ الغير أو الضحيّة طبقاللمادة 127 ق م, فإنّ السلوك العادي للضحيّةأو الغير لا يؤدي إلي الإعفاء من المسؤولية, حتي لو توفرت فيه شروط السبب الأجنبي.

3 - صور السبب الأجنبي:
- القوة القاهرة والحادث المفاجئ.
لقد ميّز المشرع الجزائري بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ في نص المادة 138/2 من القانون المدني, دون أن يعرفهما أمّا النص العربي فقد أشار الي الحالة الطارئة بدلامن الحادث المفاجئ. ومن ناحية الفقه فإنّ الأغلبية تري أنّه لايوجد فرق بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ, إذ قال مازو( إنّ عبارة الحادث المفاجئ ماهو إلاّ مرادف لكلمة القوة القاهرة...والقوة القاهرة هي واقعة مجهولة غير ممكن توقعها ولا دفعها) أمّا الأستاذ سليمان مرقس فقد عرّف القوة القاهرة والحادث المفاجئ فقال( القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ, تعبيران مختلفان يدلان على معني واحد يقصد به أمر غير متوقع حصوله وغير ممكن تلافيه, يجبر الشخص على الإخلال بإلتزام) وقد عرّفتهما محكمة النقض الفرنسية بأنّهما( كل حادث خارجي يحدث فجأة فلا يستطيع الشخص توقعه و لادرؤه)أمّا المحكمة العليا فقد عرّفت القوة القاهرة بأنّها( حدث تتسبب فيه قـوة تـفوق قـوة الإنسان, حـيـث لايستطيع هذا الأخير أن يتجنبها أو الضحيّة كسبب أجنبي معفي من المسؤولية عن فعل الأشياء غير الحيّة, على خلاف المادة 127 ق م و التي أشارت إلي خطأ الضحيّة أو الغير كسبب معفي من المسؤولية عن العمل الشخصي. ومما لاشك فيه, أنّ لهـذا أن يتحكم فيها, كما تتميز القوة القاهرة أيضا بطابع عدم قدرة الإنسان على توقعها وتتميز القوة القاهرة والحادث المفاجئ بنفس خصائص السبب الأجنبي, فكلاهما يوصف بالخارجية وكلاهما يوصفان بعدم إمكانية الدفع وعدم إمكانية التوقع. فقد جاء في حكم لدائرة العرائض بمحكمة النقض الفرنسيةبتاريخ 19/11/1940( أنّ تعطل أو كسر مكبح السيارة المحدثة للضرر لايعد سببا خارجيا عنها ولا يمكن بذلك إعتباره حادثا مفاجئا معفيا للحارس من المسؤولية التي تفرضها المادة1384/1 من القانون المدني)

ومن قضاء المحكمة العليا في هذا الصدد, ما جاء في قرار الغرفة التجارية للمحكمة العليا بتاريخ 02/06/1991 في الملف رقم 73657, الذي ورد فيه( حيث أنّه يعاب على القرار المطعون فيه كونه مؤسس على القوة القاهرة, دون أن يحدد لا طابع الحاجز المعتمد عليه ولا حتي التحقق من شروطها, وهما عدم القدرة على المقاومة وعدم القدرة على التوقع.

حيث أنّه فعلا, فإنّ القوة القاهرة قد أعتمدت من قبل القرار دون أي مناقشة, مكتفيا فقط بالإستناد الي العبارات التي تظهر كشف الخسائر المحرر من طرف مؤسسة ميناء وهران. غير أنّه يعود للمجلس حتي يحتفظ بالقوة القاهرة كسبب لإعفاء مجهزالسفينة مـن قرينة المسؤولية التي تقررها المادة 282 من القانون البحري, أن لا يبحث فقط عمّا إذا كانت القوة القـــاهرة غير متوقعة, وإنّما كذلك عمّا إذا لم يكن هناك في الإمكان التغلب على عواقبها, لاسيما كما هو الحال في الدعوى الحالية, وذلك بالقيام بالبحث عمّا إذا كان قائد السفينة قد تمّ إعلامه في الوقت المناسب بالعاصفة, وإذا كانت الإجابة نعم, فما هي الأسباب التي منعته من مغادرة الميناء واللجوء الي مكان آمن. ومن ثمّة فإنّ القرار المنتقد, الذي إكتفي بالتأكيد على مبدأ القوة القاهرة الناتج عن العاصفة بدون أن يبحث عن طابعيها, بعدم القدرة على التوقع وعدم القدرة على المقاومة, ليتمكن من إثباتها بصفة قطعيّة يستوجب نقضه) وقد جاء في قرار أخر بتاريخ 11/06/1990,سبق الإشارةإليه, مايلي( حيث أنه بالرجوع الي الأوراق والمستندات يتبيّن من ملف القضية, أنّ العاصفة التي سلّطت علي السواحل الجزائرية الغربية ومنها ميناء وهران يوم 28/12/1980كانت تكتسي فعلا طابع القوة القاهرة, نظرا لقوة رياحها التي هبت على تلك المناطق, إذ لم يتمكن طاقم السفينة ( جيانس كسيلاس) من إجتناب إرتطام هذه السفينة بالرصيف, التي كانت راسية بجانبه بعدما أعطي طاقمها الأمر بإقلاع المحركات والتأهب للمناورة, لإمتناع قيادة الميناء من تقديم المساعدة الضرورية للباخرة المذكـورة وذلك على فرض أنّه كان في إستطاعة قائد السفينة أن يتنبأ بهبوب رياح شديدة وإظطربات,بإعتبار خبرته كبحار ولما تتوفر عليه السفينة من آلات, كما جاء في القرار المتظلم منه.

حيث أنّه طبقا للمادة 282/2 من القانون البحري كان ينبغي إعفاء طاقم السفينة من قرينة المسؤولية عن الخسائر التي لحقت بالرصيف الذي كانت راسية بجانبه)

- فعل المضرور وفعل الغير.
يعد فعل المضرور وفعل الغير سببين معفيين من المسؤولية عن فعل الأشياء الغير حيّة في حال توفر شروطهما, لكونهما يعملان على تهديم العلاقة السببية بين الضرر الحاصــل وفعل الشيء غير الحي. مع ملاحظة أنّ هناك إختلاف فقهي واضح في مدي إعتماد فعل المضرور والغير أوخطئهما كأسباب معفة للحارس من مسؤوليته, هذا الإختلاف تجسد في مختلف التشريعات المقارنة. فهناك بعض القوانين التي أخذت بفعل المضرور أو الغير للإعفاء من المسؤولية كما هو الحال بالنسبة للمادة 138/2 من القانون المدني الجزائري, بينما اكتفت تشريعات أخري بالأخذ بخطئهما كما هو الحال بالنسبة للمشرع المصري في المادة 165 من قانون العقود والموجبات. بل
نجد أنّ هذا التعارض قد تسرب حتي إلي نصوص القانون الواحد, كما هو الحال بالنسبة للتعارض الموجود بين نصي المادتين 127و138/2 من القانون المدني الجزائري.

أ)- فعل المضرور
إنّ الحديث عن فعل المضرور كسبب أجنبي معفي للمسؤولية, يقودنا الي التطرق الإختلاف الذي إحتوته المادتين127 و138/2 من القانون المدني الجزائري, لأنّ المادة 127أشارت الي خطأ الضحية أمّا المادة138/2 فقد أشارت الي فعل الضحية, مع ما ينتج عن ذلك من أثار مختلفة.
لكن مع صراحة نص المادة 138/2 من القانون المدني الجزائري, فإنّ المقصود بفعل المضرور هو السلوك الخاطئ والسلوك الغير خاطئ للمضرور. وفي نظرنا كان على المشرع الجزائري أن يحيل على المادة 127 من القانون المدني فيما يخص, أسباب إعفاء الحارس من مسؤوليته وبالتالي يأخذ بخطأ الضحية بدلا من فعلها كسبب لإعفاء الحارس من مسؤوليته, لإنّ السلوك العادي للمضرور لا يمكن بأي حال أن يهدم الرابطة السببية بين فعل الشيءوالضرر الحاصل, بل تبقي هذه العلاقة قائمة ولاتنهدم إلاّ إذا كان المضرور تسبب بخطئه في إيقاع الضرر.

وقد جاء في قرار صادر عن الغرفة المدنية للمحكمة العليا بتاريخ 06/01/1993في ملف رقم 87411 مايلي:
( حيث أنّه فعلا, بمراجعة أوراق الملف والقرار المستانف, يتجلي أنّ قضاة الدرجة الثانية لم يناقشو بكيفية معللة المسألة الرئيسية الخاصة بمسؤولية وقوع الحادث, والمتمثل في حدوث اصطدام قطار تابع للشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية, الذي كان يقوده الطاعن الثاني والسيارة التي كان يقودها -م.ن- والتي كان راكبا على متنها المرحوم –ت.ع-, وهذا عندما حاول سائق المركبة الخفيفة أن يقطع خط السكك الحديدية. إذ أنّ هؤلاء القضاة إكتفوا بمجرد تأكيد أن الدفع المتعلق بخطأ الضحية غير مؤسس ويتعين رفضه) كما جاء في قرار أخر بتاريخ 28/01/1987 ما يلي( عن الوجه المثار الذي يعيب على القرار المطعون فيه تناقض الأسباب ومخالفة القانون والخطأ في تطبيقه, بالقول أنّ المادة 138 من القانون المدني تضع على حارس الشيء قرينة المسؤولية. وتنتفي مسؤولية الحارس, إذا حدث الضرر بسبب غير متوقع كعمل الضحية أو عمل الغير أو الحالة الطارئة أو القوة القاهرة. ولكن بالرجوع الى ملف القضية, لايثبت المطعون ضدّه, خطأ الضحية الذي تصرّف تصرفا طبيعيا عندما توّجه الي الثلاجة التي كان يضنّها سليمة.

حيث أنّه بناء على المادة 138 من القانون المدني, فإنّ كل من يتولي حراسة شيء وكانت له قدرة الإستعمال, التسيير والرقابة يعتبر مسؤولا عن الضرر يحدثه ذلك الشيء, ما لم يثبت أنّ ذلك الضرر وقع بسبب لم يكن يتوقعه وليس في إستطاعته تفاديه. وحيث أنّ دخول الجمهور الي المقهي, الذي يعتبر محلا عموميا ولو في خلال شـهر رمضان أو خلال أوقات التنظيف, ما دام كان مفتوحا وكذلك الإقتراب من جميع الألات والأثاث الموجود بداخله ولمسها باليد والجسد من طرف الغير أمرا متوقعا, بإستطاعة من يتولي حراسة المحل وما فيه أن يتجنّبه عن طريق اليقظة والإعـتنـاء الكـامل, إذ أنّـه كـان عليـه إتخـاذ التـدابير الـلازمة لمنـع الـدخول في بعض الأوقات للمقهى وأن يتأكد من أنّ الألات الكهربائية وغيرها, المستعملة لاتشكل خطرا على الغير. وبما أنّ قضاة الموضوع في القضـية الحـالية لم يراعوا المبادئ السالف ذكرها في قضائهم ولم يعطوا له الأساس القانوني, يكون قرارهم معيبا ويترتب عليه للنقض)

ب)- فعل الغير.
يعدّ فعل المضرور أحد الأسباب المعفية من مسؤولية حارس الشيء غير الحي, إذا توفرت فيه شروط السبب الأجنبي. ونفس الملاحظات التي قمنا بها على فعل المضرور, تنطبق على فعل الغير من حيث التناقض الموجود بين نصي المادتين 127و138/2 من القانون المدني. ولو أنّنا نري هنا أنّ المشرع الجزائري قد أصاب عندما نصّ على فعل الغير بدلا من خطئه, لأنّ فعل الغير في هذه الحالة كفيل بهدم رابطة السببية بين الضرر الحادث وفعل الشيء غيرالحي, كما أنّه ليس من العدل أن نسأل الحارس عن ضرر تسبب فيه غيره, فالأجدر بالمضرور أن يطالب هذا الأخير بالتعويض بدلا من الحارس.

فما المقصود بالغير؟
حسب الأستاذ لبيب شنب, فإنّ الغير هو(كل شخص غير المضرور وغير الحارس وغير الأشخاص الذين يسأل عنهم الحارس قانونا, وهم المشمولون بالرقابة من أولاد وصبيان و تلاميذ وتابعين) إنّ تحديد هذا الغير يتم وقت وقوع الحادث, ولا يؤدي عدم التعرف عليه الي إبقاء المسؤولية على الحارس, إذا أثبت هذا الأخير أنّ شخصا أجنبيا مجهولا قد تسبب في الضرر ولآذ بالفرار دون التمكن من تحديد هويته.

المطلب الثاني:أساس مسؤولية حارس الشيء.
إذا كانت إرادة المشرع هي أساس المسؤولية, تجسدها النصوص القانونية, فإنّ أساس المسؤولية هو السبب الذي يضع من أجله القانون عبئ تعويض الضرر الحاصل على عاتق شخـص معيّن. وهذا السبب عادة ما لايشير إليه النص القانوني بصورة واضحة, على غرار المادة 138 من القانون المدني الجزائري, لكن يمكن إستنتاجه من خلال إستقراء النص القانوني وتحديد شروط المسؤولية وأسباب الإعفاء منها. لكن قبل ذلك, علينا أن نعرّج على إعطاء لمحة عن تطور أساس المسؤولية عن فعل الأشياء غير الحيّة, هذا من جهة, ومن جهة أخري نتطرق الى موقف المحكمة العليا من هذه المسألة.

الفرع الأول : تطور أساس المسؤولية عن فعل الأشياء.
يمكن تقسيم التطور الذي مرّ به أساس المسؤولية عن فعل الأشياء غير الحيّة الى ثلاث مراحل على النحو التالي:
- مرحلة الخطأ كاساس للمسؤولية:
كانت المسؤولية عن فعل الأشياء غير الحيّة بادئ الأمر, تقوم على أساس الخطأ الواجب الإثبات, إذ كان فعل الشيء يرّد دائما الى فعل الإنسان وكان المضرور يلزم بأن يثبت خطأ الحارس, لأنّ الأضرار الناتجة عن بعض الأشياء غير الحيّة كانت تدخل ضمن نطاق المسؤولية الشخصية للإنسان على النحو الذي أشرنا إليه في المقدمة. فيما بعد أصبح المسؤول يسأل على أساس إخلاله بالواجبات القانونية الملقاة على عاتقه منعا لوقوع الضرر, وأصبح بعد ذلك يسأل علي أساس الإخلال بالإلتزام بضمان سلامة العامل. لكن بعد إكتشاف القضاء الفرنسي لنص المادة 1384/1 من القانون المدني الفرنسي, أسّس هذه المسؤولية على أساس الخطأ المفترض, وذلك بعد فصله في قضية – ماري MARIE–
بتاريخ 16/06/1896(1), ولقد كان القضاء الفرنسي آنذاك متذبذبا في موقفه من مدي اعتبار الخطأ المفترض قابلا لإثبات العكس أو لا, إلي أن استقر على أنّ الخطأ المفترض لا يقبل إثبات العكس وذلك منذ سنة 1914

- مرحلة المسؤولية المفترضة:
نظرا للنقد الموّجه لإعتماد الخطأ كأساس للمسؤولية عن فعل الأشياء الغير حيّـة, أخـذ القضاء الفرنسي يتراجع عن الأخذ بهذا الأساس وذلك إنطلاقا من فصله في قضية – جاند ير – بتاريخ 12/02/1930, إذ أصبحت المسؤلية عن فعل الأشياء الغير حيّة, مفترضة بمجرد وقوع الضرر, وهو التوجه الذي قال عنه انصار النظرية الموضوعية, أنّه تخلي للقضاء الفرنسي عن النظرية التقلدية, التي تقيم المسؤولية على أساس الخطأ, بمعني أنّ القضاء الفرنسي أصبح يأخذ بالمسؤولية بدون خطأ. إلاّ أنّ التوجه الأخير لمحكمة النقض الفرنسية لم يكن موفقا, لأنّه إفترض المسؤولية, وهي كنتيجة قانونية لايمكن لها أن تفترض, فهي بخلاف الوقائع إمّا أن تكون -إذا توفرت شروطها- أو لاتكون في حالةالعكس.

- مرحلة المسؤولية بقوة القانون.
إبتداءا من سنة 1956 أصبح القضاء الفرنسي, يعتبر المسؤولية عن فعل الأشياء الغير حيّة مسؤولية بقوة القانون, إذ جاء في القرار المؤرخ في 18/10/1956 مايلي(حيث أنّ حارس الأشياء غير الحيّة, يعتبر مسؤولا بقوة القانون عن الضرر الذي يسببه الشيء الذي في حراسته, مالم يثبت قيام سبب أجنبي لا يد له فيه ولم يستطع توقعه) وقد أعتبر بعض الفقهاء هذا القرار, تبني غير معلن عنه, لنظرية تحمل التبعة من قبل قضاة محكمة النقض الفرنسية.

- الفرع الثاني : موقف القضاء الجزائري من أساس مسؤولية حارس الشيء.
إنّ المتفحص لقرارات المحكمة العليا فيما يخص مسؤولية حارس الشيء منذ الاستقلال إلي الآن, يتبين له الموقف المتذبذب لهذه الجهة القضائية في إعتماد أساس معيّن لهذه المسؤولية, فتارة أسّست المسؤولية على أساس الخطأ, وتارة أسّستها على أساس المسؤولية المفترضة وأحيانا أخري إعتبرتها مسؤولية بقوة القانون.
فقد أسست المحكمة العليا مسؤولية حارس الشيء غير الحي على أساس الخطأ, وفي هذا الصدد فقد قالت في قرار لها مؤرخ في 17/03/1982( أنّه من المبادئ المستقر عليها أنّ خطأ حارس الشيء غير الحي, مفترض متى نتج عنه ضرر, ولا يعفي من مسؤولية التعويض المدني ولو حكم ببرائته جزائيا, إلاّ إذا أثبت أنّ الضرر كان بسبب الضحية أو الغير أو حصل نتيجة ظروف طارئة أو قوة قاهرةعملا بالمادة 138 من القانون المدني)
وقد جاء في قرار أخر مؤرخ في 31/12/1982( أنّ قضاة المجلس أغفلوا القرينة المطلقة التي لاتقبل إثبات العكس والواردة في المادة 138 من القانون المدني على أساسف حراسة الشيء. وحيث أنّ الحارس الذي له قدرة الإستعمال, التسيير والرقابة غالبا ما يكون هو المالك. ولايعفي من هذه المسؤولية, إلاّ إذا أثبت أنّ الضرر حدث بفعل الضحية أو الغير أو الحالة الطارئة أو القوة القاهرة.

حيث أنّ قضاة المجلس أخطأوا الصواب, عندما ألغوا الحكم المستأنف على أساس حجيّة الحكم الجنحي القاضي ببراءة المطعون ضدّهما, دون أن يؤسسوا قضاءهم على أنّ المدعى عليهما حارسان أوتابعان لحارس الأشياء, والحكم عليهما بموجب المادة المذكورة دون البحث عن فكرة الخطأ) إنّ ما يمكن ملاحظته على هذا القرار, هو التناقض الذي وقع فيه قضاة المحكمة العليا, فهم في الحيثية الأولي يتحدثون عن الخطأ المفترض الغير قابل لإثبات العكس وقد عبروا عنه في صلب القرار بالقرينة المطلقة. أمّا في الحيثية الثانية, فقد تحدثوا عن المسؤولية بدون خطأ.فهل تقوم مسؤولية حارس الشيء غير الحي في نظر هؤولاء القضاة على أساس الخطأ, أم أنّها تستبعد فكرة الخطأ إطلاقا؟

كما جاء في قرار أخر مؤرخ في 17/05/1989( أنّه يتضح من تحليل القرار أنّ قضاة المجلس أسّسوا قضاءهم على الخطأ المدني الذي إرتكبه الطاعن والذي نتج عنه المسؤولية الناشئة عن الأشياء المبنية على أحكام المادة 138 من القانون المدني الجزائري, والتي تختلف تماما عن المسؤولية الجزائية المرتكزة على أحكام قانون العقوبات أو أحد النصوص ذات الطابع القمعي أو الجزائي وبالتالي فإنّ قضاة الموضوع لم يرتكبوا أيّة مخالفة لنص المادة 339 من القانون المدني, لأنّ القرار المؤرخ في 06/01/ 1981 الذي برّأ ساحة المتهم –ب. أ-من تهمة الجروح الخطأ لايشكل أيّة حجيّة للشيء المقضي فيه بالنسبة للقاضي المدني.

ومن جهة أخري, إنّ تحليل الوقائع من قبل قضاة الإستئناف جعلهم يحملون كل واحد من سائقي الشاحنتين نصف مسؤولية الحادث, لأنّ كل واحد منهما إرتكب خطأ معينا. وعلى هذا, فإنّ هؤولاء القضاة لم يخطئوا في تطبيق المادة 138 من القانون المدني, بل طبقوا جيدا أحكامها سواءا منها الفقرة الأولي التي تنص على قرينة المسؤولية لكل من تولي حراسة شيء وكانت له قدرة الإستعمال, التسيير والرقابة والفقرة الثانية التي تنص على حالات إعفاء الحارس من هذه المسؤولية) وما يلاحظ على هذا القرار هو الأخر هو التناقض الذي يحتويه, فمن جهة يذهب قضاة المحكمة العليا إلى إعتبار الخطأ المدني أساس مسؤولية حارس الشيء غير الحي, وذلك لإعتبارهم أنّ سائق الشاحنة الأولي كان بإمكانه ألاّ يضايق سائق الشاحنة الثانية بتوقفه فجأة وعدم ترك المجال له حتي يتجاوزه من الجهة اليمني, لأنّ الطريق كان واسعا. أمّا في الحيثية الثانية فقد ذهبوا إلى إفتراض مسؤولية سائق الشاحنة, وذلك عندما إعتبروا أنّ الفقرة الأولي من المادة 138 من القانون المدني تنص على قرينة المسؤولية.
إنّ كل القرارات السالف ذكرها, تبين إعتماد المحكمة العليا للخطأ كأساس لمسؤولية حارس الشيء, فحينا ذهبت إلى أنّ هذا الخطأ مفترض ولا يقبل إثبات العكس, بينما ذهبت في قرارات أخري إلى الأخذ بالخطأ المدني الواجب الإثبات كأساس للمسؤولية. وهذا الموقف من جانب المحكمة العليا, في نظرنا بعيد كل البعد عن روح المادة 138 من القانون المدني الجزائري.

كما أخذت المحكمة العليا بالمسؤولية المفترضة في بعض قراراتها, بشأن تطبيق المادة 138 من القانون المدني الجزائري, كما هو الشأن بالنسبة للقرارالمؤرخ في 17/06/1987, الذي جاء فيه(حيث يتبين من الإطلاع على القرار المطعون فيه أنّ قضاة الموضوع أسّسوا قرارهم على المسؤولية المفترضة, على كل من له حق الحراسة على الشيء الذي يحدث ضررا للغير ولو لم يرتكب أي خطأ أو كان سبب الحادث مجهولا, و لا يمكن إبعاد قرينة المسؤولية بالنسبة للحارس إلاّ بإثبات السبب الأجنبي)

وجاء في قرار أخر مؤرخ في 31/03/1984( حيث أنّ قرينة المسؤولية التي تشير إليها المادة 138 من القانون المدني تبت في جانب الحارس, إن أحدث الشيء ضررا, حتي لو لم ـيتبين أي خطأ من جانب الحارس أو بقي الفاعل مجهولا. ولا ترفع هذه القرينة إلاّ بإثبات السبب الأجنبي, وهذا ما لم تثبته الشركة مما يجعل, تحميلها المسؤولية عن كل الأضرار التي تسبب فيها تسرب الغاز من القارورة, التي تظل دائما تحت حراسة شركة سوناطراك على حق) إنّ إفترض المسؤولية من قبل قضاة المحكمة العليا بالنسبة لمسؤولية حارس الشيء, موقف غير سليم, فهو في رأينا مجرد تقليد لما أخذ به القضاء الفرنسي في مرحلة سابقة. فالمسؤولية كما ذهبنا سابقا, بوصفها نتيجة قانونية غير قابلة للإفتراض, فهي إمّا أن تكـــون قائمة إذا توفرت شروطها, وإمّا أن تكون منعدمة في الحالة العكسية.

لكن إذا تأملنا أكثر في المادة 138 من القانون المدني, من خلال شروط قيام مسؤولية حارس الشيء غير الحي, وكذا من خلال تحديد أسباب نفيها, يتبين لنا أنّ المادة السابقة الذكر, لاتقيم المسؤولية على أساس الخطأ مهما كان نوعه ولا على أساس الإفتراض, وإنّما تكّرس مبدأ المسؤولية بقوة القانون, لأنّ مسؤولية الحارس تقوم حتي ولو لم يرتكب أي خطأ, كما أنّها إذا قامت فلا يمكن للحارس نفيها, إلاّ إذا أثبت تدخل السبب الأجنبي. فالضرر وحده يكفي لأن تقوم المسؤولية. وقد صبت في هذا الإتجاه العديد من قرارات المحكمة العليا التى إكتفت بالضرر وحده في ترتيب مسؤولية حارس الشيء الغير حي, منها القرارالذي جاء فيه( لكن حيث أنّ حارس الشيء يعتبر مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه ذلك الشيء. ولا يعفي الحارس من هذه المسؤولية, إلاّ إذا أثبت أنّ ذلك الضرر حدث بسبب أجنبي)

للقرارالمؤرخ في 17/06/1987, الذي جاء فيه(حيث يتبين من الإطلاع على القرار المطعون فيه أنّ قضاة الموضوع أسّسوا قرارهم على المسؤولية المفترضة, على كل من له حق الحراسة على الشيء الذي يحدث ضررا للغير ولو لم يرتكب أي خطأ أو كان سبب الحادث مجهولا, و لا يمكن إبعاد قرينة المسؤولية بالنسبة للحارس إلاّ بإثبات السبب الأجنبي)
وجاء في قرار أخر مؤرخ في 31/03/1984( حيث أنّ قرينة المسؤولية التي تشير إليها المادة 138 من القانون المدني تبت في جانب الحارس, إن أحدث الشيء ضررا, حتي لو لم يتبين أي خطأ من جانب الحارس أو بقي الفاعل مجهولا. ولا ترفع هذه القرينة إلاّ بإثبات السبب الأجنبي, وهذا ما لم تثبته الشركة مما يجعل, تحميلها المسؤولية عن كل الأضرار التي تسبب فيها تسرب الغاز من القارورة, التي تظل دائما تحت حراسة شركة سوناطراك على حق) إنّ إفترض المسؤولية من قبل قضاة المحكمة العليا بالنسبة لمسؤولية حارس الشيء, موقف غير سليم, فهو في رأينا مجرد تقليد لما أخذ به القضاء الفرنسي في مرحلة سابقة. فالمسؤولية كما ذهبنا سابقا, بوصفها نتيجة قانونية غير قابلة للإ فتراض, فهي إمّا أن تكـــون قائمة إذا توفرت شروطها, وإمّا أن تكون منعدمة في الحالة العكسية.

لكن إذا تأملنا أكثر في المادة 138 من القانون المدني, من خلال شروط قيام مسؤولية حارس الشيء غير الحي, وكذا من خلال تحديد أسباب نفيها, يتبين لنا أنّ المادة السابقة الذكر, لاتقيم المسؤولية على أساس الخطأ مهما كان نوعه ولا على أساس الإفتراض, وإنّما تكّرس مبدأ المسؤولية بقوة القانون, لأنّ مسؤولية الحارس تقوم حتي ولو لم يرتكب أي خطأ, كما أنّها إذا قامت فلا يمكن للحارس نفيها, إلاّ إذا أثبت تدخل السبب الأجنبي. فالضرر وحده يكفي لأن تقوم المسؤولية. وقد صبت في هذا الإتجاه العديد من قرارات المحكمة العليا التى إكتفت بالضرر وحده في ترتيب مسؤولية حارس الشيء الغير حي, منها القرارالذي جاء فيه لكن حيث أنّ حارس الشيء يعتبر مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه ذلك الشيء. ولا يعفي الحارس من هذه المسؤولية, إلاّ إذا أثبت أنّ ذلك الضرر حدث بسبب أجنبي وأخيرا فإنّنا نري أنّ على المحكمة العليا بوصفها جهة موحدة للإجتهادالقضائي, أن تتخلي عن موقفها المتذبذب في هذه المسألة وتأخذ مسؤولية حارس الشيء غير الحي علي أنّها مسؤولية بقوة القانون.

خاتمة
إذن فمسؤولية حارس الشيء غير الحي, برزت أول الأمر كمسؤولية تقليدية, أركانها الخطأ الضرر والعلاقة السببية, غير أنّ التطور الذي مسّها لعدّة إعتبارات جعل منها مسؤولية تحظى بقواعدها الخاصة إنّ هذا النظام القانوني الذي حظيت به مسؤولية حارس الشيء غير الحي, في المجتمعات المعاصرة, ليتلائم حقا مع خصوصية الشيء غير الحي, ويكفل الإستقرار داخل المجتمع عن طريق جبر الضرر وإيجاد التوازن بين حق الإنسان في الإنتفاع بالأشياء غير الحيّة وإستعمالها وحق الأخرين في سلامتهم وسلامة أملاكهم, وذلك بما يكفل للمضرور من حماية تتمثل أساسا في إعفائه من إثبات الخطأ, وعدم تمكين الحارس من التخلص من مسؤوليته إلاّ بإثبات السبب الأجنبي. هو ما ذهبت إليه أغلب الإتجاهات الفقهية الحديثة وفقا للمبدأ القائل(أنّه من غنم من شيء غرم به) ويجب أن يتدارك المشرع الجزائري الهفوات التي تخللت صياغة المادة 138 من القانون المدني, لاسيما فيما يخص خصائص السبب الأجنبي على النحو الذي بينّاه سابقا. كمايجب على المحكمة العليا هي الأخري, بوصفها جهة قضائية عليا موّحدة للإجتهاد القضائي أن تستقر على إعتبار مسؤولية حارس الشيء غير الحي, مسؤولية بقوة القانون, وليست مسؤولية خطئية أو مسؤولية مفترضة.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
مسؤولية ، حارس ، الشئ ، مادة ، 138 ، قانون ، المدني ،









الساعة الآن 05:25 AM