الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: مقدمة:التعريف بما ينبغي أن يكون عليه القضاء الشرعي العادل. مكانة القضاء في الإسلام: تعريف القضاء: "هو الفصل بين الناس في الخصومات حسمًا للتداعي وقطعًا للنزاع بالأحكام الشرعية المتلقاة من الكتاب والسنة" [قاله ابن عابدين الحنفي].
ـ القضاء لإقامة العدل الذي هو من أعظم مقاصد الدين: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رفسفلَنَا بفالْبَيفّنَاتف وَأَنْزَلْنَا مَعَهفمف الْكفتَابَ وَالْمفيزَانَ لفيَقفومَ النَّاسف بفالْقفسْطف وَأَنْزَلْنَا الْحَدفيدَ ففيهف بَأْسٌ شَدفيدٌ وَمَنَاففعف لفلنَّاسف وَلفيَعْلَمَ اللَّهف مَنْ يَنْصفرفهف وَرفسفلَهف بفالْغَيْبف إفنَّ اللَّهَ قَوفيٌّ عَزفيزٌ} [الحديد: 25]، {إفنَّ اللَّهَ يَأْمفرف بفالْعَدْلف وَالإفحْسَانف} [النحل: من الآية 90].
ـ الحاكم مسؤول عن إقامة القضاء بنفسه أو غيره: {وَأَنف احْكفمْ بَيْنَهفمْ بفمَا أَنْزَلَ اللَّهف وَلا تَتَّبفعْ أَهْوَاءَهفمْ وَاحْذَرْهفمْ أَنْ يَفْتفنفوكَ عَنْ بَعْضف مَا أَنْزَلَ اللَّهف إفلَيْكَ فَإفنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يفرفيدف اللَّهف أَنْ يفصفيبَهفمْ بفبَعْضف ذفنفوبفهفمْ وَإفنَّ كَثفيرًا مفنَ النَّاسف لَفَاسفقفونَ} [المائدة: 49].
ـ أول من تولى القضاء هو رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة: "إنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو شجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عزَّ وجل، و?لى محمد رسول الله".
ـ إرسال النبي صلى الله عليه وسلم القضاة إلى الأمصار: "علي بن أبي طالب - معاذ بن جبل إلى اليمن ـ عتاب بن أسيد إلى مكة".
خطورة منصب القضاء: ـ القضاء مسؤولية عظيمة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ وَلفيَ الْقَضَاءَ فَقَدْ ذفبفحَ بفغَيْرف سفكفّينف» [رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني].
ـ اختيار القضاة على معايير الشرع: قال ابن عباس رضي الله عنهما: "من تولى من أمر المسلمين شيئًا فاستعمل عليهم رجلاً وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله وسنة رسول الله، فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إفنَّا وَاللهف لا نفوَلفّي عَلَى هَذَا الْعَمَلف أَحَدًا سَأَلَهف، وَلا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهف» [متفق عليه]، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنف ابْتَغَى الْقَضَاءَ وَسَأَلَ وفكفلَ إفلَى نَفْسفهف وَمَنْ أفكْرفهَ عَلَيْهف أَنْزَلَ اللَّهف عَلَيْهف مَلَكًا يفسَدفّدفهف» [رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه].
ـ ورع السلف عن تولي القضاء خشية التقصير: ذكر أبو عمر بن يوسف في كتاب "الولاة وكتاب القضاة" أن: "يزيد بن حاتم أراد أن يولي حيوة بن شريح القضاء فامتنع فدعا له بالسيف، فلما رأي ذلك أخرج مفتاحًا كان معه وقال: هذا مفتاح بيتي ولقد اشتقت إلى لقاء ربي، فلما رأى الأمير عزيمته تركه".
أنواع القضاة: ـ أنواع القضاة (عادل ـ جائر ـ جاهل): قال النبي صلى الله عليه وسلم: «القفضَاةف ثَلاثَةٌ: قَاضفيَانف ففي النَّارف وَقَاضف ففي الجَنَّةف: رَجفلٌ قَضَى بفغَيْرف الحَقفّ فَعَلفمَ ذَاكَ فَذَاكَ ففي النَّارف، وَقَاضف لا يَعْلَمف فَأَهْلَكَ حفقفوقَ النَّاسف فَهفوَ ففي النَّارف، وَقَاضف قَضَى بفالحَقفّ فَذَلفكَ ففي الجَنَّةف» [رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني].
ـ القاضي العادل مؤيد من الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إفنَّ اللَّهَ مَعَ القَاضفي مَا لَمْ يَجفرْ، فَإفذَا جَارَ تَخَلَّى عَنْهف وَلَزفمَهف الشَّيْطَانف» [رواه الترمذي، وحسنه الألباني].
ـ القاضي الجائر أظلم الناس: قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى: «يَا عفبَادفي إفنفّي حَرَّمْتف الظفّلْمَ عَلَى نَفْسفي، وَجَعَلْتفهف بَيْنَكفمْ مفحَرَّمًا، فَلا تَظَالَمفوا»... [رواه مسلم]. فكيف بظلم القاضي المسلط على الدماء والأموال والأعراض؟!
ـ القاضي الجاهل مهلك لنفسه ولغيره: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لرجل كان يقضي بين الناس: "هل تعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال: هل أشرفت على مراد الله في أمثال القرآن؟ قال: لا، قال: إذن هلكتَ وأهلكتْ".
شروط واجبة في القاضي: لما كان القضاء من أهم الوظائف وأخطرها، كان لابد من شروط يتأهل بها القاضي لذلك، ومنها:
ـ الإسلام: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهف لفلْكَاففرفينَ عَلَى الْمفؤْمفنفينَ سَبفيلاً} [النساء: من الآية 141].
ـ العدالة: {أَتَأْمفرفونَ النَّاسَ بفالْبفرفّ وَتَنْسَوْنَ أَنْففسَكفمْ وَأَنْتفمْ تَتْلفونَ الْكفتَابَ أَفَلا تَعْقفلفونَ} [البقرة: 44]، ونهى عن القضاء وهو على صورة تؤثفّر على عدالته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَقْضفيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنف وَهفوَ غَضْبَانف» [متفق عليه].
ـ الذكورة: ذهب جمهور أهل العلم إلى عدم جواز تولي المرأة الولايات العامة كالوزارة والقضاء ونحوهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يففْلفحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهفمف امْرَأَةً» [رواه البخاري]، ونفقل عن أبي حنيفة جواز توليها القضاء في الأموال دون القصاص والحدود بينما نفقل عن ابن جرير الطبري جواز أن تكون المرأة قاضية على كل حال. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه الرقيق العواطف لما سأله أن يستعمله: «يَا أَبَا ذَرفّ إفنَّكَ ضَعفيفٌ وَإفنَّهَا أَمَانَةف، وَإفنَّهَا يَوْمَ الْقفيَامَةف خفزْيٌ وَنَدَامَةٌ إفلا مَنْ أَخَذَهَا بفحَقفّهَا وَأَدَّى الَّذفي عَلَيْهف ففيهَا» [رواه مسلم].
ـ العلم: بأحكام الكتاب والسنة والإجماع واللغة ومواضع الاجتهاد.
بماذا يحكم القاضي؟ ـ الأصل في الحكم والقضاء الحكم بالشريعة الإسلامية العادلة: {وَإفنْ حَكَمْتَ فَاحْكفمْ بَيْنَهفمْ بفالْقفسْطف} [المائدة: من الآية 42]، وقال: {وَإفذَا حَكَمْتفمْ بَيْنَ النَّاسف أَنْ تَحْكفمفوا بفالْعَدْلف} [النساء: من الآية 58]، ثم بيَّن العدل فقال: {وَأَنف احْكفمْ ب?يْنَهفمْ بفمَا أَنْزَلَ اللَّهف} [المائدة: من الآية 49].
ـ القضاء والحكم بغير الشريعة تحاكم إلى الطاغوت: {أَلَمْ تَرَ إفلَى الَّذفينَ يَزْعفمفونَ أَنَّهفمْ آمَنفوا بفمَا أفنْزفلَ إفلَيْكَ وَمَا أفنْزفلَ مفنْ قَبْلفكَ يفرفيدفونَ أَنْ يَتَحَاكَمفوا إفلَى الطَّاغفوتف وَقَدْ أفمفرفوا أَنْ يَكْففرفوا بفهف وَيفرفيدف الشَّيْطَانف أَنْ يفضفلَّهفمْ ضَلالاً بَعفيدًا} [النساء: 60].
ـ مثال من القوانين الوضعية فيما يتعلق بجريمة الزنا: (الطامة والفاجعة من المادة (267)، ومن المادة (273) إلى المادة (277) [مادة (267): "من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة" أي إن كان برضاها فلا يعاقب.
- مادة (273): "لا يجوز محاكمة الزانية إلا بناء على دعوى زوجها، إلا إذا زنى الزوج في المسكن المقيم فيه مع زوجته كالمبين في المادة (272) فلا تسمع دعواه عليها" يعني إذا زنا كل منهما في مسكن الزوجية فلا تصح المطالبة بالمحاكمة .
- مادة (274): "المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالسجن لمدة لا تزيد عن سنتين، لكن لزوجها أن يوقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت".
- مادة (275): "ويعاقب أيضًا الزاني بتلك المرأة بنفس العقوبة".
- مادة (277): "كل زوج زنى في منزل الزوجية وثبت عليه هذا الأمر بدعوى الزوجية يجازى بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر" أي إذا كان خارج منزل الزوجية أو لم تطلب محاكمته فليست جريمة!].
والله إني لا أدري ما أقول في هذا الكفر البواح والشرك البين سوى: {إفنَّا لفلّهف وَإفنفّا إفلَيْهف رَاجفعفون}، وحسبفنا الله ونعم الوكيل" (انتهى من فضل الغني الحميد لـ د. ياسر برهامي)].
ـ نبذ أي مصدر آخر للتشريع غير الشريعة الإسلامية: {أَفَحفكْمَ الْجَاهفلفيَّةف يَبْغفونَ وَمَنْ أَحْسَنف مفنَ اللّهف حفكْمًا لفّقَوْمف يفوقفنفون} [المائدة: 50]، {وَلاَ تَتَّبفعْ أَهْوَاءهفمْ وَاحْذَرْهفمْ أَن يَفْتفنفوكَ عَن بَعْضف مَا أَنزَلَ اللّهف إليك} [المائدة: من الآية 49].
- أما التنظيم الإداري فلا يفمنع من مصادر أخرى غير مخالفة للشرع: قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: "اعلم أنه يجب التفصيل بين النظام الوضعي الذي يقتضي تحكيمه الكفر بخالق السموات والأرض، وبين النظام الذي لا يقتضي ذلك، وإيضاح ذلك أن النظام قسمان: إداري وشرعي. أما الإداري الذي يراد به ضبط الأمور وإتقانها على وجه غير مخالف للشرع، فهذا لا مانع فيه كتنظيم شؤون الموظفين، وتنظيم إدارة الأعمال على وجه لا يخالف الشرع، ولا يخرج من قواعد الشرع مع مراعاة المصالح العامة. وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السموات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السموات والأرض..." [أضواء البيان (4 /84)].
فاللهم مكّن لشريعتك أن تعود وتسود، وردنا إلى الحقفّ مردًا جميلاً. سعيد محمود