مفهوم الخطأ في الجرائم غير العمدية. أولا مفهــوم الخطـأ وصـوره ثانيا صـور الخطـأ ثاثا خصائص الخطـأ رابعا أنواع الخطأ وعلاقتهم بالقصد الجنائي
تمهيد :
الخطأ هو أحد صورتي الركن المعنوي للجريمة فالجرائم إما عمدية تقوم على توافر القصد الجنائي وإما غير عمدية تقوم بمجرد الخطأ ، فالخطأ هو إخلال الجاني بواجبات الحيطة والحذر التي تتطلبها الحياة الإجتماعية وعليه فمن يفضي سلوكه إلى نتيجة إجرامية يكون مسؤولا عنها إذا بت أن سلوكه يحمل معنى تجاوز واجبات الحيطة والحذر حتى ولو أنه لم يتوقغ النتيجة الإجرامية متى كان وسعه أن يتوقعها وتوصف إرادة الجاني بأنها أثمة مع أنها لم تتجه لإحداث النتيجة الضارة ، لمجرد أنها لم تلتزم جانب الحيطة ، كي لاتقع في المحظور.
أولا : مفهــوم الخطــــأ وصـــــوره :
لم يعرف المشرع الجزائري الخطأ الجزائي واستعمل عدة صور للتعبير عنه.
عموما يمكننا تعريف الخطأ الجزائي بأنه تقصير في مسلك الإنسان لايقع من شخص عادي وجد في نفس الظروف الخارجية.
ولكن من هو الشخص العادي الذي يجب أن تقاس على صورته تصرفات الفاعل ؟
فأما القانون المدني فقد أعتمد مفهوم الأب الصالح كمعيار موضوعي للرجل العادي ذي الحيطة والحذر ، علما أن القضاء يسوي بين الخطأ المدني والجزائي ، كما نوضحه لاحقا وأما القانون الجزائي فقد ترك الأمر للقاضي الذي عليه مقارنة تصرف الفاعل بتصرف رجل عاد في نفس الوضع وجد فيه.
كما أن القضاء أعطى تعريفات مختلفة للخطأ ومن بين تلك التعريفات هو أنه كل فعل أو ترك إرادي تترتب عليه نتائج لم يردها الفاعل مباشرة ولابطريق غير مباشر، ولكنه كان في وسعه تجنبها ويترتب على هذا التعريف ثلاثة أمور :
01 ـ أن السلوك الإجرامي في الخطأ كما يكون في الفعل الإيجابي ، يكون بالفعل السلبي وذلك حين يكون على الجاني إلتزام ولكنه أمتنع عن أدائه بإرادته.
02 ـ أن السلوك الإجرامي في الخطأ تترتب عليه نتائج ضارة لم يردها الجاني ولم يقصد إليها باي صورة من صور القصد الجنائي أو العمدي.
03 ـ أن هذه النتائج الضارة التي نتجت عن الخطأ كان في إمكان الجاني تجنبها ، مما يعبر على صورة الخطأ غير العمدي التي نص عليها القانون أي أن حدوث تلك النتائج كان بسبب تقصير من الجاني.
وأما الفقهاء المسلمون فيربطون الخطأ بصورتين ، خطأ في الفعل أو خطأ في القصد والخطأ في الفعل كمن يطلق النار على حيوان فيخطئه ويصيب إنسانا وأما الخطأ في القصد فكما يحدث في الحرب حيث يطلق النار على العدو ثم يتبين أنه لم يكن كذلك ،فمتى توفرت إحدى الصورتين أنتفى القصد الجنائي وعومل الجاني معاملة المخطىء ونشير في أخر هذا التقديم لدراسة الخطأ غير العمدي ، إلى أن العمد هو الأصل في إرتكاب الجرائم والخطأ إستثناء ، لأن الجريمة سلوك شاذ قلما يحدث لوحدة وإنما يرتبط حدوثه عادة بإتجاه الإرادة إليه ومن لم تكن له إرداة أثمة فإنه لايقع في السلوك الشاذ المجرم الإ بصورة من صور الخطأ التي نص عليها القانون.[/b]
ثانيا: صـــــور الخطـــــأ :
نصت المادة (288) من قانون العوبات الجزائري على خمسة صور للخطأ ، حيث ورد فيهاكل من قتل خطأ أو تسبب في ذلك برعونته أو عدم إحتياطه أو عدم إنتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته الأنظمة يعاقب بالحبس من ستة اشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية من 1000دج إلى 20000دج وليست هذه الصور خاصة بالقتل بل تشمل الجرح أيضا كما في المادة 289 ، كما أن هناك موادا أخرى تضمنت بعض صور الخطأ كالمادتين 157 ـ 159 اللتين تضمنتا الحديث عن الإهمال ، كما تضمنت الفقرة الثانية من المادة 442 جميع صور الخطأ تماما مثل المادة 288
كما تضمنت المادة 457 صورتي عدم الإحتياط والرعونة وسوف نفصل القول في كل صورة على حدى :
01 ـ الرعونـــــــــة :
تعني في اللغة الحمق والإسترخاء ومن ثم فهي تشير إلى الطيش والخفة ونقص المهارة والخبرة في عمل مادي أو فكري التي تتطلبها بعض الأعمال ومثال على ذلك في الرعونة في العمل المادي أن يقوم شخص بتحريك آلة وهو يجهل كيفية إستعمالها فتؤدي إلى جريمة ومثالها ما يتسبب فيه المهندسون والأطباء عند الشروع في أعمالهم مما يؤدي إلى أخطاء جسيمة يترتب عليها إصابات متفاوتة ، فحكم الطبيب المولد مثلا يسأل عن جريمة القتل الخطأ إذا هو نسي ربط الحبل السري وترك الطفل بغير عناية بعد مولده ، أو أن يقدم طبيب دواء لمريض لايتناسب مع مرضه فيموت إثر تعاطيه هذا الدواء ، هنا تكمن الرعونة في العمل الفكري.
02 ـ عدم الإحتيـــــاط :
تشمل هذه العبارة كل أخطاء الفاعل التي بمقدوره أن يتفاداها لو أحتاط لذلك ، فهو يدرك المخاطر التي قد تترتب وتنتج عن فعله ولكنه يستخف بالأمر ويقدم على فعله ، كأن يقود سيارة بسرعة بالقرب من مدرسة مع علمه وتوقعه لخروج التلاميذ فجأة بين لحظة وأخرى ولكنه غلب على إعتقاده عدم خروجهم في هذا الوقت فصدم طفلا ، وكالمرضعة التي تنام مع رضيعها فتتسبب في قتله بنومها عليه والإحتياط في الأصل هو التصرف مع توقع الأسوء.
03ـ الإهمــال وعدم لإنتبـــــاه :
هو إغفال الشخص بإتخاذ الإحتياط الواجب أخذه غالبا ما يحدث بأعمال سلبية كالإمتناع أو الترك ، فالشخص المكلف بالعناية بالطفل أو المريض فيهمل في العناية به حتى يموت والمالك الذي يتسبب في فعل أو جرح إنسان بإهماله وضع إشارة تحذير وتنبيه على الحفرة التي حفرها أمام منزله في مكان عام يمر به الناس ويمكن القول على وجه العموم جميع الأحوال التي يهمل فيها شخص إتخاذ الإحتياطيات اللازمة لحماية الأشخاص الذين يمرون أو يتواجدون بالقرب من ألات أو أدوات يمكن أن يستبب فيها ضرر للغير. ومثال على ذلك الشحص الذي يطلق سراح حيوان متوحش فيؤذي الناس.
04 ـ عـــدم مراعــاة الأنظمــــة :
هذه صورة من صور الخطأ التي نص عليها القانون ورتب المسؤولية عما يقع بسببها من النتائج الضارة ولولم يثبت على من أرتكبه اي نوع أخر من الخطأ ، وبناء عليه حكم بأنه إذا أطلق شخص عيارا ناريا من داخل منزله فتسبب في إصابة فتاة فلا يقبل دفاعه بأنه لم يكن في إستطاعته أن يبصرها لوجوده حائط وسياق كان بإمكانه أن يراها أم لا ، لأن الشخص بمجرد مخالفته لللوائح والأنظمة يعد في حكم المخطىء إذا وقعت منه حادثة وهو مرتكب لهذه المخالفة
وحكم بأنه إذا سلم صاحب سيارة قيادة سيارته إلى شخص يعلم هو أنه غير مرخص له في القيادة، فصدم هذا الشخص إنسانا فقتله كان صاحب السيارة مسؤولا هو أيضا عن هذه الحادثة ، لأنه إذا سلم قيادة سيارته لذلك الشخص غير المرخص له في القيادة يكون قد خالف لائحة السيارات فيتحمل مسؤولية ما وقع من الحوادث بسبب عدم مراعاة الأنظمة ومن هذا القبيل أيضا أن يتسبب قائد سيارة في قتل شخص أو إصابته بزيادة السرعة أو بالسير في وسط الطريق أو بسماحه بركوب اشخاص زيادة عن العدد المقرر مما يتسبب عنه سقوط السيارة في ترعة وقتل شخص أو إصابته ، إذ يجب أن نذكر أن مخالفة القانون والأنظمة لايترتب عليها مساءلة المخالف عن النتيجة التي وقعت الإ إذا كانت هذه النتيجة سببها المخالفة التي حصلت فرابطة السبية شرط لازم يجب مراعاته ، بمعنى انه لوتدخل عامل أخر يصح أن تلقى عليه تبعية النتيجة فلا يكون المخالف مسؤولا عنها وبعبارة ثانية يجب ألا يتصور وقوع الحادثة بذاتها الإ بواسطة المخالفة التي إرتكبها الجاني.
ويجب على القاضي أن يبين الخطأ في المسائل الجنائية عندما يصدر حكمه والإ كان معينا ولايكفي في إثبات الخطأ القول أن رعونة الجاني أو عدم إحتياطه أو مخالفته للأنظمة هي السبب في إصابته ووفاة المجني عليه، بل يجب أن يوضح لنا الحكم الرعونة وعدم الإحتياط التي خالفها المحكوم عليه ، إذ لايترتب أي عقاب على ألفاظ عامة مبهمة ونتى ثبت الخطأ في الحكم فإنه لايخضع لرقابة محكمة النقض عليه فيها ما لم يكن إستنتاجه مخالفا لتعريف الخطأ وصوره.
05 ـ النتيــــجة المعاقب عليها :
يشترط لتطبيق المادتان 288 و 289 من قانون العقوبات الجزائري أن يحدث قتل أو جرح يلحق بالمجني عليه وإذا لم تتحقق هذه النتيجة فلا قيام للمسؤولية الجنائية مهما توافر من خطأ الجاني ومهما كان هذا الخطأجسيما.
06 ـ رابـــــطة السببيــة :
تكلمنا عن علاقة السببية بصفة عامة في الفترات السابقة وطبيعة هذه العلاقة واحدة وثابتة لاتتغير في الجرائم العمدية عنها في الغير عمدية من حيث أن تستلزم إمكان تسبيب النتيجة إلى خطأ الجاني ومساءلته عنها طالما أنها كانت تتفق والمجرى العادي والمألوف للأمور، وعدم مساءلة الجاني إذا ما تداخلت عوامل شاذة غير عادية أو مألوفة في توقعها ، فلايكفي في الإدانة في القتل والإصابة الخطأ أن يثبت وقوع ضرر وحصول خطأ بل يجب أيضا أن يكون بين هذين العنصرين رابطة السببية ، وتكلمنا فيما سبق عن مساهمة أكثر من شخص في إحداث النتيجة وإعتبارهم مسؤولون جميعهم بوصفهم فاعلين أصليين لأن تعدد الأخطاء هنا يوجب مساءلة كل منهم ايا كان مقدار الخطأ المنسوب إليه ويستوي أن يكون سببا مباشرا أم غير مباشر في حصوله ، مادام أنه قد أمكن تحديد الفاعلين المتسييين في النتيجة المعاقب عليها ، فسائق السيارة الذي ينفذ أمر ورجاء راكبها بالسير بسرعة بهما ليصل إلى موعده في الوقت المحدد ، فيتسبب عن تلك السرعة موت رجل ، فقائد السيارة هو فاعل القتل الخطأ أما الراكب فهو الشريك له.
ورابط السببية عنصر من عناصر جريمة القتل الخطأ والإصابة الخطأ ، يجب إثباتها وبيانها في الحكم القاضي بإدانة المتهم وإذا حكم بإنتفاء وإنقطاع رابطة السببية وبراءة المتهم يجب أن يبين في الحكم كيف يمكن تصور وقوع الحادث بدون الخطأ الذي أرتكبه المتهم.
وفيمايلي نستعرض إستقلال صور الخطأ عن بعضها البعــــض :
01) إن كلا من الرعونة وعدم الإحتياط وعدم مراعاة الأنظمة مستقل عن الأخر ، حيث يمكن توافر الرعونة رغم أن كل اللوائح المنظمة لنشاط معين تثبت مراعاتها.
02) إن كلا من الرعونة أو عدم الإحتياط كاف . ومن ثم لايتطلبان عدم مراعاة الأنطمــة.
03) إن عدم مراعاة الأنظمة تؤخذ بعين الإعتبار رغم عدم تشكيلها في حد ذاتها لجريمة جنائية.
ثالثا: خصــائص الخطـــــــأ :
تحكم ركن الخطأ على نطاق المسائلة الجناية أربع خصائص رئيسيةوهـــي :
01 ـ إنعدام القصد الجنائـــي
02 ـ إستناده إلى الجاني شخصيــا
03 ـ المدى الذي يسأل بناءا عليــه
04 ـ تقديره يخصع لمعيار موضوعـــي.
01) ـ إنعــدام القصد الجنائـــي :
اي إنتفاء القصد الجنائي العام المطلوب في الجرائم العمدية وفيه تنصرف إرادة الجاني إلى إرتكاب الفعل المادي دون نية تحقيق أي نتيجة إجرامية معينة ، فهو عندما قام بسلوكه ، كان مجردا من القصد العام والخاص لإرتكاب الجريمة ويترتب على إنتفاء القصد الجنائي في الخطأ مايلي. أ ـ إنتفاء الشــروع :
لأن الشروع يتطلب توافر قصد إتمام الجريمة بكافة أركانها والقصد منعدم على الخطأ، فالمخطىء الذي خابت إصابته لسبب خارج عن إرادته فلا يعتبر ذلك شروعا كما هو الحال على العمد ، بل لاجريمة إطلاقا على هذه الحالة والخطأ لايكون الإ بتحقيق نتيجة ضارة على الجرائم المادية أو بإثبات السلوك المحظور على الجرائم الشكلية ، أما الشروع فمرتبط بالقصد الذي ينتفي في حالة الخطأ. ب ـ إنتفاء الإشتراك فيها :
لأن الإشتراك ايضا يتطلب قصدين ، حيث يقصد الشريك معاونة الفاعل الأصلي على إتمام الجريمة فإذا انعدم القصد لدى الفاعل الأصلي ، فينعدم من باب اولى في فعل الشريك الذي يستمد صفته الإجرامية منه ، فالشخص الذي يطلب رصاصا لحشو سلاحه من أجل إطلاق النار على حيوان فاصاب إنسانا فإن الذي قدم الرصاص لايعتبر شريكا ، فإذا كان الذي أطلق النار صغيرا أو ضعيف العقل أو أنه معروف برداءة التصويب وسوء التصرف فإن معاونه يمكن أن يكون هو المخطىء الأصلي مثله مثل المصوب تماما ، كما يمكن أن يكون معرضا أو فاعلا معنويا وتتحدد صفته على ذلك بالنظر إلى الذي أطلق النار. ج ـ إنتقاء الظروف المشددة :
التي تتصل القصد ، مثل سبق الإصرار والترصد ، لأن الجرائم الخطاية عارية من القصد الجنائي تماما.
02) ـ شخصيــة الخطـــأ :
أي أن الخطأ سلوك قاصر على من أرتكبه ، فلا يتحمل اي شخص مسؤولية ما لم يكن صدر منه خطأ شخصي ، فالإبن الذي أخذ سلاح أبيه وأصاب غيره يسأل الأب على اساس انه كان مهملا في مراقبة سلاحه ، أما لو أخذ الولد السلاح من بيت الجار مثلا فإن الجار هو الذي يكون مسؤولا لا الأب ، وهذا من الناحية الجنائية.
03)ـ مـــدى الخطـــأ :
أي حجم الخطأ المطلوب لترتيب المسؤولية الجنائية ، حيث إنقسم الفقه على ذلك إلى قسمين ، أولهما يذهب إلى أن الخطأ اثره مزدوج جنائي ومدني ، اي أن هناك خطأ جسيما تترتب عليه المسؤولية الجنائية والمدنية وآخر يسير يتطلب المسؤولية المدنية فحسب وهم يؤسسون هذا الرأي على القول بأن التعويض المدني مقصود به إصلاح ضرر لحق إنسانا لم يخطىء مطلقا ( المجنى عليه) والموازنة بين عدم الخطأ المتضرر وخطأ الفاعل مهما كان يسيرا يقتضي وجوب التعويض ، أما العقوبة الجناية فتهدف إلى تقويم إعوجاج الجاني لا إلى إصلاح الضرر ، خاصة أن الجاني قد ساهم في الضرر بإهماله أو رعونته وغير ذلك مما يقتضي تحمله للمسؤولية ، اما الأخطاء اليسيرة التي يخطأ فيها الناس كثيرا ، فلا تكلف المسؤولية الجنائية ، كما يرون أن الخطأ المدني الذي يتطلب التعويض مستقل في ذاته عن الخطأ الجنائي الذي يتطلب عقوبة ، فقد يسأل الشخص مدنيا كالصغير والمجنون ولايسأل جنائيا.
وأما القسم الثاني من الفقه فيذهب إلى وحدة الخطأ على النطاقين معا ، فليس هناك ما يسمى بالخطأ الجسيم والخطأ اليسير ويقولون أن التفريق بينهما ليس له ضابط وهو يخضع للتحكم ويؤدي إلى إقلات الجاني من المسؤولية الجنائية من عواقب خطأ وإهماله وإقتصاره عن المسؤولية المدنية التي لايتأثر بها بسبب وجود شركات التأمين والقول بوحدة الخطأ يزيد من الترابط بين القانونين المدني والجنائي في مكافحة صورالإهمال المختلفة.
ونشير إلى أن محكمة النقض الفرنسية تتفق مع الرأي الأخير، فاي قدر من الخطأ يكفي لتحمل المسؤولية الجنائية وأستقر على ذلك القضاء الفرنسي لخلاف الفقه القائل بالرأي الأول، كما أن هناك جزءا من الفقه الفرنسي يتماشى مع محكمة النقض والقضاء.
04)ـ معيـــار الخطـــأ :
يخضع تقدير الخطأ على نطاق المساءلة الجنائية إلى معيارين :
أ ـ المعيــار الشخصـــي :
يركز هذا المعيار على شخص المخطىء ، فيجب النظر عند تقرير المسؤولية عن الخطأ إلى الشخص وظروفه ولانقارنه بغيره ، بل يمكن أن نقارنه حالة إرتكابه للخطأ ، بل كان يمكن أن يصدر منه من تصرف أخر في نفس الظروف ، بحيث أمكنه تفادي الخطأ ، فإذا وجد هذا الشخص في ظروف مشابهة تفادى فيها الخطأ ، فإذا أخطأ فيها يشبهها عد مقصرا كالسائق حديث العهد بالسياقة إذا ما تسبب على إصابة إنسان بسبب انه لم يحسن الخروج من مأزق دقيق وجد فيه اثناء قيادته للسيارة ، فيعامل بتوافر الخطأ على عكس ما قد يعامل به سائق قديم.
ب ـ المعيار الموضوعـــي :
وهذا المعيار يقارن فيه بين ما صدرعن المخطىء وبين ما يصدر عن إنسان آخر عادي متوسط الحذر والإحتياط وجد في نفس الظروف ، فإذا كان هذا الإنسان الذي وجد في نفس ظروف المخطىء ، قد تفادي الوقوع في الخطأ ، فيسأل المقصر على تقصيره والإ فلا.
ويؤخذ على المعيار الأول أنه قد يؤدي إلى مساءلة معتاد الحيطة والحذر إذا أخطأ فلتة وفي الوقت ذاته يؤدي ذلك إلى إفلات من أعتاد التقصير والخطأ من المسؤولية ومعناه ايضا أن هذا المعيار يشجع معتادي التقصير على التمادي في تقصيرهم ولايأخذهم بما يدفعهم إلى الحرص على الإحتياط والحذر ، أما المعيار الموضوعي فإن الصعوبة الكامنة فيه تدور حول ماهية الشخص العادي الأخر الذي ينبغي المقارنة به إذا وجد في نفس الظرف ، ثم إن الشخص الناقص عن الإنسان العادي كيف يمكن مطالبته بما فوق طاقته
وعلى الرغم مما قيل عن المعيار الموضوعي فهو المعيار السائد فقها وقضاءا مستقر على ذلك والتشريع الجنائي الجزائري يتماشى مع المعيار الموضوعي فهو قد وضع صور للخطأ كل من قام السلوك المخطىء بسبب واحد منهما تحمل المسؤولية بغض النظر عن ظروفه وحالته.
رابعا : أنواع الخطأ وعلاقتهم بالقصد الجنائي :
يميز الفقه بين عدة أنواع من الخطأ ، فيقال : خطأمادي وخطأ فني وخطأ جسيم وخطأ يسير ، وخطأ جنائي وخطأ مدني والأ ن نستعرض هذه الأخطاء على حدى : 01)ـ الخطأ المادي والخطأ الفني :
يقصد بالحطأ المادي " الإخلال بالإلتزام المفروض على الناس كافة بإتخاذ العناية اللازمة عند القيام بسلوك معين أو إتيان فعل ما لتجنب ما قد يؤدي هذا السلوك من نتيجة غير مشروعة "فمن المقرر أن تطبق قواعد الخطأ بمفهومه العام المادي على جميع الناس المخاطبين بالقاعدة القانونية، لافرق بين فرد من شريحة إجتماعية معينة وأخر من شريحة إجتماعية أخرى ،فواجب الحيطة والحذر التي يفرضها القانون تسري على الجميع على حد سواء.
على أن إنفراد بعض الطوائف الإجتماعية بمهنة معينة يجعلنا نتساءل عن إمكانية تطبيق قواعد الخطأ المادي عليهم في حالة ما إذا أقترف أحدهم خطأ مهنيا ، كما لو أخل رجل الفن
أو صاحب المهنة أو الحرفة بالقواعد العلمية أو الفنية التي تحدد اصول مباشرة هذه المهن.
ذهب رأي في الفقه إلى ضورة تميز الخطأ الفني عن الخطأ المادي والقول بعدم مسؤولية أصحاب المهن عن خطئهم الفني ، بحجة أنهم اصحاب علم ومعرفة بشؤون مهنتهم وتؤهلهم للقيام بعملهم المهني دون رقابة من القانون وأن رقابة الرأي العام عليهم تكفي وتغني عن رقابة القانون.
ولم يصمد هذا الرأي أمام النقد الموجه إليه والقائل بأن إيثار اصحاب المهن الفنية بوضع خاص يتنافى مع الصالح العام في حملهم على إلتزام الحذر واليقظة عند ممارسة مهنهم.
وفي تطور أخر ذهب أنصار التميز بين الخطأ المادي والخطأ الفني إلى القول بحصر مؤولية أصحاب المهن في حدود الخطأ الجسيم فقط ولم يلاق هذا الرأي بدوره قبولا وذلك لصعوبة التميز بين الخطأ التافه والخطأ الجسيم.
والرأي السائد الأن في الفقه والقضاء يقول بأن هذه التفرقة بين الخطأ المادي والخطأ الفني لامحل لها وأنه يتعين أن يطبق فيكلا المجالين نفس القواع العامة التي تحدد عناصر الخطأ غير العمدي وأما المعيار الذي يهتدى به في مجال الخطأ الفني فهو ذات المعيار المأخوذ بع في مجال الخطأ المادي ، إذا يؤحذ بمعيار " رجل المهنة العادي " الذي يوضح في نفس ظروف المتهم ، فإذا كان سلوكه يتفق مع سلوك المتهم فعندها لايوسم عمل المتهم بالخطأ ، أما إذا أختلف معه فيوسم عمل المتهم عندئذ بأنه خاطىء ويتحمل مسؤوليته عن جريمة غير عمدية.
02)ـ الخطأ الجسيم والخطأ اليسيـــر :
قيل بوجوب التمييز بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير ، حيث يجد الأول (الخطأ الجسيم) مجاله في نطاقالقانون الجنائي إذا يصلح هذا النوع من الخطأ لترتيب المسؤولية الجنائية ، في حين يجد الثاني ( الخطأ اليسير) مجاله في نطاق القانون المدني لأنه لايصلح لتفاهته لترتيب المسؤولية الجنائية وإن كان يصلح لترتيب المسؤولية المدنية فحسب.
وإذا ما سلمنا بهذا الرأي ، لتوجب علينا أن نضع معيارا نميز به بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير، وبموجبه نقرر متى يكون الخطأ جسيما ومتى يكون الخطأ يسيرا. فالخطأ الجيم هو الخطأ الواضح ، حيث يتطيع أي شخص أن يتوقعه ، أما الخطأ اليير فهو اقل ووحا وإن كان بإستطاعة الشخص العادي توقعه ، في حين يكون الخطأ يسيرا جدا ، حيث يتطلب إستطاعة توقعه تبصرا غير عادي.
وأما صعوبة التفرقة بين ما يسمى بالحطأ الجسيم والخطأ اليسير وإفتقارها إلى معيار موحد تقوم عليه ، فقد هجرها الفقه والقضاء في الوقت الراهن قالفانون يعتبر من أخطأ مسؤولا ولو كان حطؤه يسيرا وإن كان من العدل أن يلجأ القاضي ضمن حدود سلطته التقديرية إلى تشديد عقوبة من يرتكب الخطأ الجسيم.
03) ـ الخطأ الجنائي والخطأ المدنـــي :
وتعتمد هذه التفرقة ااسا على التمييز بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير ومفادها أن الخطأ مهما تضاءل (الخطأ التافه أو اليسير جدا) يصلح لأن يترتب المسؤولية المدنية ولكنه لايصلح لترتيب المسؤولية الجنائية التي تتطلب خطأ أكثر جسامه وحيث أننا رفضنا هذه التفرقة في الفقرة السابقة ، فإننا نرفض ايضا التفرقة بين الخطأ المدني والخطأ الجنائي.
وأخيرا فإن قانون العقوبات الجزائري لم يفرق بين الخطأ الجسيم والخطأ غير الجسيم ، كما لم يفرق بين الخطأ المدني والخطأ الجنائي أو بين الخطأ المادي والخطأ الفني فعقوبة هذه الجرائم لاتتأثر سواء أكان الخطأ جسيما أم يسيرا، ولتوضيح ذلك نعود إلى جريمة القتل الخطأ على سبيل المثال ، فنجد نصها على النحو التالي" كل من قتل خطأ أو تسبب في ذلك برعونته أو عدم إحتياطه أو عدم إنتباههه أو إهماله أو عدم مراعاته الأنظمة يعاقب بالحبس من ستة اشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية من 1000دج إلي 20000 دج فالقانون هنا لايشير إلى نوع الخطأ وهل هو خطأ جسيم أم خطأ يسير ، إذا يكتفي القانون بوجوب إثبات الخطأ كركن معنوي من أجل تحميل الجاني نتائج افعاله وللقاضي في حدود سلطته التقديرية وبحدود العقوبة المنصوص عليها أن يحكم بعقوبة أخف أو اشد تبعا لجسامة الخطأ ، تحقيقا للعدالة.