logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





12-12-2015 10:31 صباحاً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 13-08-2015
رقم العضوية : 1926
المشاركات : 306
الجنس :
تاريخ الميلاد : 3-4-1988
الدعوات : 4
قوة السمعة : 150
المستوي : ليسانس
الوظــيفة : طالب

السلطة التقديرية لقاضي شؤون الأسرة في الزواج وإنحلاله


خطــــة
الفصل الأول : السلطة التقديرية للقاضي عند نشوء الرابطة الزوجية وانحلالها
المبحث الأول : السلطة التقديرية للقاضي عند نشوء الرابطة الزوجية
المطلب الأول : مجال تدخل القاضي في الخطبة
المطلب الثاني : تحديد سن الزواج و سلطة القاضي في الإعفاء منه
المطلب الثالث: تعدد الزوجات وسلطة القاضي في الترخيص به
المبحث الثاني : السلطة التقديرية للقاضي عند انحلال الرابطة الزوجية
المطلب الأول : دور القاضي في الصلح والتحكيم
المطلب الثاني : سلطة القاضي في تقدير حالات التطليق
المطلب الثالث : تقدير القاضي للطلاق التعسفي والنشوز

الفصل الثاني : السلطة التقديرية للقاضي في الآثار المترتبة على نشوء الرابطة الزوجية وانحلالها
المبحث الأول : السلطة التقديرية للقاضي في الآثار المالية للزواج وانحلاله
المطلب الأول : الآثار المالية الناتجة عن الزواج وتقدير القاضي لها
المطلب الثاني : الآثار المالية الناتجة عن انحلال الزواج وتقدير القاضي لها
المطلب الثالث : مجال تدخل القاضي في النزاع حول متاع البيت
المبحث الثاني :السلطة التقديرية للقاضي في النسب والحضانة
المطلب الأول : تقدير القاضي لثبوت النسب ونفيه
المطلب الثاني : مجال تدخل القاضي في الحضانة
خاتــــــمة



الفصل الأول :السلطة التقديرية للقاضي عند نشوء الرابطة الزوجية وإنحلالها
عالج المشرع الجزائري كل المسائل المتعلقة بالزواج والطلاق في قانون الأسرة رقم 84/11 الصادر بتاريخ 09 يونيو 1984 المعدل والمتمم بالأمر 05/02 المؤرخ في 27 فبراير 2005، وقد استمد جلّ أحكامه من الشريعة الإسلامية مراعيا في ذلك مستجدات العصر وتطور المجتمع، وحدد أحكاما وشروطا في عقد الزواج لابد من توافرها في المقدمين عليه، وخصه بمقدمات تتفق مع عظمته وقداسته.
كما نظم المشرع طرق فك الرابطة الزوجية في حالة عدم استقرارها وخصها بإجراءات عديدة فمنح حق الطلاق للرجل بالإرادة المنفردة كما أعطى للمرأة الحق في طلب التطليق والخلع ومنح لكل من تضرر من فك الرابطة الزوجية الحق في المطالبة بالتعويض.
ولضمان التقيد بأحكام هذا القانون جعل المشرع قاضي شؤون الأسرة رقيبا وحارسا أمينا لضمان التقيد بمختلف نصوصه، لكن مهما بلغت حيطة المشرع وحسن صياغته فإنه سيظل عاجزا عن معالجة كل الحالات المعروضة على القضاء، لذلك كانت جل النصوص مرنة تسمح للقاضي أن يواجه ظروف تطبيق القانون أي منح له سلطة تقديرية تيسر له جعل أحكام القانون متماشية مع مقتضيات الظروف ولتبيان دور القاضي في هذا المجال سنتطرق من خلال مبحثين اثنين إلى النقاط التالية:
أولا: السلطة التقديرية للقاضي عند نشوء الرابطة الزوجية
ثانيا: السلطة التقديرية للقاضي عند انحلال الرابطة الزوجية.

المبحث الأول: السلطة التقديرية للقاضي عند نشوء الرابطة الزوجية
يعرف عقد الزواج على أنه :"عقد يفيد حل العشرة بين الرجل والمرأة وتعاونهما مدى الحياة بما يحقق ما يقتضيه الطبع الإنساني ويحدد ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات".
وهو من أهم وأخطر العقود في حياة الإنسان نظمه المشرع الجزائري في قانون الأسرة وحدد أحكامه فأفرد الفصل الأول للخطبة والزواج من الباب الأول منه- الزواج- من الكتاب الأول- الزواج وانحلاله- من المادة الرابعة إلى المادة الحادية والعشرين منه.
وقد جاءت معظم قواعد قانون الأسرة مرنة تاركة مجالا خصبا لتدخل القاضي من خلال ما يتمتع به من سلطة تقديرية حسب كل قضية معروضة عليه، وهذا ما سنحاول توضيحه في بعض النقاط التي نراها أساسية في إبراز هذه السلطة وتبيان دورها وهي كالآتي:
أولا: مقدمات عقد الزواج-الخطبة -
ثانيا: الإعفاء من سن الزواج
ثالثا: الترخيص بتعدد الزوجات.

المطلب الأول: مجال تدخل القاضي في الخطبة
عقد الزواج هو عقد موضوعه الحياة الإنسانية وهو عقد يبرم على أساس الدوام إلى نهاية الحياة ولهذا كانت مقدماته لها خطره وشأنه.
وقد عالج المشرع الجزائري موضوع الخطبة في المادتين الخامسة والسادسة من قانون الأسرة,وتعرف الخطبة اصطلاحا : أنها طلب رجل الزواج من امرأة معينة خالية من الموانع الشرعية وذلك بأن يتقدم إليها أو إلى أهلها لطلب الزواج منها وقد اعتاد الناس منذ القدم في أعرافهم على سلوك طريق الخطبة كإجراء تمهيدي يسبق عقد الزواج، والعلة في ذلك هو إتاحة الفرصة للخطيبين حتى يكونا مستعدين بشكل كامل لهذا العقد الهام ماديا ومعنويا.
وسنحاول تبيان مجال تدخل القاضي في هذه المسالة من خلال الفرعين التاليين:
أولا : تعويض الضرر المترتب على العدول عن الخطبة
ثانيا: سلطات القاضي فيما يخص الهدايا المقدمة خلال فترة الخطوبة.

الفرع الأول: تعويض الضرر المترتب على العدول عن الخطبة
لما كان العدول عن الخطبة حق لكل طرف فإنه إذا وقع انفضت الخطبة ولا يجوز للطرف الذي لم يعدل أن يطلب من القضاء الحكم بإلزام الطرف الآخر بالاستمرار في الخطبة وإبرام عقد الزواج دون إرادته وإنما يجوز للطرف المتضرر أن يطالب بالتعويض عن الضرر الذي لحق به.
ولا شك في أن العدول عن الخطبة قد يسبب أضرارا مادية ومعنوية للطرف المعدول عنه، إذ قد تستمر الخطبة زمنا طويلا ممّا يؤدي إلى تقدم المخطوبة في السن فيسبب لها ذلك ضررا يتمثل في تفويت الفرصة للزواج من الخاطب المناسب، أو قد تكون موظفة أو تتابع دراستها فتقدم استقالتها أو تتوقف عن الدراسة

استعداد للزواج ثم بعد ذلك يعدل الخاطب عن الخطبة، كما انه قد يطلب من الخاطب إعداد منزل خاص في مدينة معينة ويكلفه ذلك مبالغ باهضة ثم يحدث العدول من المخطوبة والأمثلة على ذلك كثيرة.
إضافة إلى أن مجرد العدول عن الخطبة يسبب أضرارا معنوية ولو من باب خدش الشعور وما تلوكه الألسنة عن أسباب العدول مما قد يؤذي سمعة المعدول عنه ويعرضه لكثير من الشائعات ويفتح باب التأويلات والظنون السيئة فيه وبالرجوع إلى نص المادة الخامسة من قانون الأسرة في فقرتها الثانية نجد أنها نصت على أنه: " إذا ترتب عن العدول عن الخطبة ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم له بالتعويض".
ومن خلال هذه الفقرة نلاحظ أن المشرع لم يبين بدقة سبب حدوث الضرر الموجب للتعويض أهو الضرر الناجم عن مجرد العدول أم هو الضرر الناجم عن تغرير احد الطرفين؟
وهنا يبرز مجال إعمال القاضي لسلطته التقديرية لإيجاد الحل المناسب.
وقد انتهى القضاء في مصر إلى ثلاث مبادئ متعلقة بالتعويض على العدول عن الخطبة سردها الدكتور عبد الرزاق السنهوري وهي:
1. أن الخطبة ليست بعقد ملزم.
2. أن مجرد العدول عن الخطبة لا يكون سببا موجبا للتعويض.
3. أنه إذا اقترن بالعدول عن الخطبة أفعال أخرى ألحقت ضررا بأحد الخطيبين جاز الحكم بالتعويض.
وأساس الحكم بالتعويض عن العدول عن الخطبة هو التعسف في استعمال الحق وهذا ما أخذ به المالكية والحنابلة ، وليس مجرد العدول الذي هو حق للطرف العادل، فالقاضي يبحث عن سبب الضرر الناشئ عن العدول عن الخطبة فإذا كان هذا الضرر ناشئا عن مجرد الخطبة والعدول عنها فلا تعويض للطرف الذي يدعي الضرر، أما إذا كان سبب الضرر هو فعل أحد الطرفين فالقاضي يحكم بالتعويض, وما عليه إلا أن يدقق بحثه في أسباب العدول وتقدير جديتها من عدمه.
ويبدو أن الاجتهاد القضائي في الجزائر متفق مع ما استقر عليه القضاء في مصر وهذا ما يستشف من خلال قرار صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 25/12/1989جاء فيه "... من المقرر أيضا أنه إذا ترتب على العدول عن الخطوبة ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم بالتعويض ومن ثمة فإن القضاء بما يخالف هذين المبدأين يعد خرقا للقانون..."
والتعويض الناجم عن العدول عن الخطبة يشمل التعويض عن الضرر المادي والمعنوي كما أشرنا، والضرر المادي هو الذي يصيب الطرف المتضرر في حق ثابت أو مصلحة مالية، لهذا فالقاضي لا يجد صعوبة في تقديره والتعويض عليه، أما الضرر المعنوي فهو الذي يصيب مصلحة غير مالية كالتشهير وتشويه السمعة هذا ما قد يجعل القاضي يجد صعوبة في تقديره والتعويض عليه ، ولتقدير قيمة التعويض يجب على القاضي أن يبحث أولا عن المعيار الذي يعتبر معه الفعل خطأ يستوجب التعويض عن العدول عن الخطبة.
وفي ذلك يرى جمهور الفقهاء أن المعيار المعول عليه في هذا المجال هو المعيار الموضوعي الذي يقدر فيه بمعيار السلوك المألوف للشخص العادي إذا وجد في نفس الظروف وأدى هذا الانحراف إلى الإضرار
بالطرف المعدول عنه كان مسؤولا عن تعويض هذا الضرر، كما أن القاضي يراعي في تقديره للتعويض شخص المضرور والمعيار المعتمد هنا هو المعيار الشخصي.

الفرع الثاني : سلطات القاضي فيما يخص الهدايا المقدمة خلال فترة الخطوبة
عالج المشرع الجزائري في نص المادة الخامسة من قانون الأسرة مصير الهدايا المقدمة من أحد الخطيبين بعد العدول عن الخطبة من أحدهما فجاء نصها كما يلي: "...لا يسترد الخاطب من المخطوبة شيئا مما أهداها إذا كان العدول منه وعليه أن يرد للمخطوبة ما لم يستهلك مما أهدته له أو قيمته. وإن كان العدول من المخطوبة فعليها أن ترد للخاطب ما لم يستهلك من هدايا أو قيمته".
من استقراء هاتين الفقرتين يتبين أن المشرع الجزائري أباح للطرف المعدول عنه استرجاع ما لم يستهلك من هدايا أو قيمته أما الطرف العادل فليس له الحق في استرجاع شيء.
ولعل في هذا الحكم الكثير من الغموض مما يفتح المجال واسعا لإعمال القاضي لسلطته التقديرية.
فعبارة – ما لم يستهلك- التي أوردها المشرع توحي بأن الطرف العادل إذا استهلك الهدايا أو تصرف فيها بأي شكل من الأشكال الناقلة للملكية فإنه لا يردها لانه لم يعد لها وجود وبالتالي فهي مستهلكة حسب ما جاء في النص القانوني- رد ما لم يستهلك – إلا إذا قصد المشرع من وراء ذلك عدم رد الهدايا التي تستهلك بطبيعتها أو لقلة قيمتها، كل هذا يجعل القاضي يبحث عن المعنى الحقيقي الذي قصده المشرع من هذه العبارة واستخلاص القصد السليم الذي يتماشى مع العقل والمنطق.
كما أن المشرع قد أغفل نقطة في غاية الأهمية ألا وهي حكم المتسبب في العدول عن الخطبة، فقد يدفع الخاطب هدايا ذات قيمة معتبرة وربما حتى بطلب من المخطوبة وبعدها تلجأ إلى التحايل بأن تقوم بتصرفات لا ترضي خطيبها أو تتعمد الخصام فتدفعه إلى العدول عن الخطبة وفي رأينا أنه يجب على القاضي قبل الحكم في مسألة كهذه أن يبحث عن المتسبب في العدول وعن الأسباب التي دفعت إليه، فإذا تبين له أن طرفا ما قد تسبب في العدول بأن غرر بالطرف الآخر، ما دفعه إلى العدول عن الخطبة جاز له أن يقضي على الطرف المتسبب في العدول بإرجاع الهدايا ولو أن العدول كان من الآخر، إذ من المتعارف عليه أن التغرير يوجب الضمان في أحكام الشريعة الإسلامية، وقد أخذ المشرع في دولة الإمارات العربية المتحدة بهذا الحل في المادة الثامنة عشر من قانون الأحوال الشخصية الإماراتي بوضعه للمتسبب في العدول في حكم العادل.
تبقى مسألة أخيرة شائعة الحدوث في كثير من ربوع الوطن وهي تقديم المهر للمخطوبة خلال فترة الخطوبة وقبل إبرام عقد الزواج فما هو الحل إذا تنازع الخاطب والمخطوبة عند العدول فيما قدمه هل هو مهر أم هدية؟ وهل بإمكان الرجل استرداد ما قدمه؟ وما هو الحل إذا اشترت المخطوبة بمقدار مهرها أو بعضه جهازا؟
في التشريع المقارن نجد أن المشرع الإماراتي تناول هذه النقطة في المادة 18 من قانون الأحوال الشخصية حيث اعتبر أنه من المهر الهدايا التي جرى العرف على اعتبارها مهرا وفي حالة عدول أحد الطرفين عن الخطبة أو وفاته يسترد الرجل المهر الذي أداه عينا أو قيمته يوم القبض إن تعذر رده عينا وفي حالة شراء المخطوبة بمقدار المهر أو ببعضه جهازا فلها الخيار بين إعادة المهر أو تسليم ما يساويه من الجهاز وقت الشراء، أما المشرع الجزائري فقد أغفل هذه النقطة وهنا على القاضي إعمال سلطته التقديرية والرجوع لأحكام الشريعة الإسلامية وذلك اعتمادا على نص المادة 222 من قانون الأسرة التي سمحت بالرجوع لأحكام الشريعة في كل ما لم يرد النص عليه، وفي هذه الحالة يعتبر كل من الخاطب والمخطوبة
مدعيا ومنكرا فأيهما أقام بينة على دعواه وأقنع القاضي حكم له وفقا لتقديره قوة حجته وبينته حسب الأدلة المقدمة.
من خلال ما تقدم لا يمكننا إلا أن نقول أن المشرع الجزائري رغم تطرقه لمقدمات الزواج في المادة 05 من قانون الأسرة إلا أنه لم يولها الاهتمام اللازم لذا وجب على القاضي بما له من سلطان التقدير أن يتحلى بالحكمة وحسن التدبير حسب ظروف كل قضية وحسب كل طرف من أطرافها وما عليه إلا أن يعتمد على نص المادة 222 من قانون الأسرة والتي تحيله إلى أحكام الشريعة الإسلامية وهذه الأخيرة لم تترك كبيرة ولا صغيرة إلا وعالجتها ورغم ذلك نرى أنه من الضروري تعديل نص المادة الخامسة من قانون الأسرة وهذا عملا على استقرار العمل القضائي وحتى لا يكون هناك تضارب في الأحكام القضائية نظرا لاختلاف الحلول التي وصلت إليها مختلف المذاهب الفقهية.

المطلب الثاني : تحديد سن الزواج وسلطة القاضي في الإعفاء منه
لقد نظم المشرع الجزائري أحكام الأهلية بصفة عامة في القانون المدني أما أهلية الزواج فقد نظمها في نص المادة 07 من قانون الأسرة والتي جاء نصها كما يلي "تكتمل أهلية الرجل والمرأة في الزواج بتمام تسعة عشر سنة.
وللقاضي أن يرخص بالزواج قبل ذلك لمصلحة أو ضرورة متى تأكدت قدرة الطرفين على الزواج.
يكتسب الزوج القاصر أهلية التقاضي فيما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات" فهذا النص وضع شرطا جوهريا متمثلا في التأكد من قدرة الطرفين على الزواج وأعبائه إضافة إلى ترشيد القاصر فيما يخص الحقوق والالتزامات التي يرتبها عقد الزواج، حيث لا يخضع لأية وصاية في شؤون أحواله الشخصية.

وما تجدر الإشارة إليه أن كل القوانين التي سبقت التعديل الأخير لقانون الأسرة الجزائري بموجب الأمر 05/02 المؤرخ في 27/02/2005 سواء ما صدر منها خلال فترة الاحتلال أو بعد الاستقلال كلها حافظت على الاستثناء الذي يمكن من إبرام عقد الزواج قبل اكتمال السن القانوني المحدد في القانون الحالي 19 سنة.
وأهلية الزواج من المسائل التي تتعلق بالنظام العام حيث لا يمكن إبرام عقد الزواج بدون مراعاة السن القانوني ولو ارتضى الطرفان على ذلك قياسا على الأهلية بصفة عامة وفكرة النظام العام تحدد من قبل المشرع بناءا على معتقدات المجتمع وعاداته وتقاليده لذلك منع المشرع الجزائري زواج الصغار ومنح للقاضي سلطة تمكنه من تحديد سن الزواج في حالة وجود مصلحة أو ضرورة تقتضي ذلك, ولم يعامل كل الأشخاص بنفس المعاملة نظرا لاختلاف ظروف وأحوال الناس مراعيا بذلك عادات المجتمع، فخروج المشرع عن القاعدة العامة للسن المحدد للزواج هو خروج مقيد بتعليق الزواج دون السن المحددة على طلب إعفاء مسبق يقدم إلى القاضي
المختص الذي يتعين عليه دراسة الطلب دراسة جدية وفحصه بعناية تامة تمكنه من معرفة ما إذا كان في هذا الزواج مصلحة للزوجين أو كانت هناك ضرورة, لذلك فقد جعل المشرع الجزائري القاضي رقيبا على تزويج الأشخاص الذين لم يبلغوا السن القانونية وجعل منه وليا غير مباشر لهم إن صح القول وأمينا على مصالحهم ومقدرا عادلا لظروفهم الخاصة ولما يواجههم من ضرورات ومصالح تخصهم هم أنفسهم.

وما يؤخذ على نص المادة 07 من قانون الأسرة المذكور أعلاه أنها لم تحدد صراحة القاضي المختص بمنح الترخيص، وبالرجوع إلى ما وقفنا عليه في التربص الميداني على مستوى المحاكم وجدنا هذا الاختصاص موكل لرئيس المحكمة ضمن ما يعرف بالسلطة الولائية، وفي هذا الصدد يقول الدكتور تشوار جيلالي في محاضرته التي ألقاها بمناسبة ملتقى حماية الطفولة "إن المنطق والمصلحة الفعلية للطفل يقضيان بأن يوكل الأمر لقاضي الأحوال الشخصية لدرايته وخبرته في هذا المجال إذ أنه يحتك يوميا بالمسائل المتعلقة بحالة الأشخاص، خاصة مسألتي الزواج والطلاق".
وتبدو هكذا أهمية هذا الاختصاص واضحة هنا إذ أن المسألة ليست فقط كما يعتقد البعض مسألة متصلة اتصالا وثيقا بالسلطات المخولة لرئيس المحكمة بل أنها تثير مشكلة اجتماعية وأن حلها لا يتم إلا إذا كان المختص بفضها عالما وعارفا بكل المعطيات المتصلة بها مستعملا في ذلك خبرته الميدانية، أي أن يكون ملما بكل المعايير المحددة لمصلحة الشخص القاصر المقبل على الزواج والذي يكون بحاجة ماسة لذلك الإذن"

النقطة الثانية التي يمكن ملاحظتها على نص المادة السابعة من قانون الأسرة المذكور أعلاه أن المشرع لم يحدد السن الأدنى في حالة الترخيص بزواج القاصر، وترك للقاضي سلطة تقديرية واسعة قد تؤدي إلى حالة زواج الصغار لأن المادة 222 من قانون الأسرة تحيل القاضي عند انتفاء النص التشريعي إلى أحكام الشريعة الإسلامية, وقد اختلف الفقهاء في مسألة زواج الصغار ممن دون سن البلوغ فذهب البعض منهم إلى منع زواج الصغار منعا مطلقا كعبد الرحمن ابن شبرمة وعثمان البتي وأبو بكر الأصم، بينما ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بصحة زواج الصغار ممن دون سن البلوغ، ولكل فريق أدلته وحججه ، وهذا ما يجعل الإذن بالزواج يخضع لثقافة القاضي من الناحية الدينية دون قيد ولا شرط وهذا عكس ما ذهب إليه المشرع السوري الذي حدد للقاضي السن الأدنى لمنح الترخيص في نص المادة 18 من قانون الأحوال الشخصية السوري حيث نصت على أنه "إذا ادعى المراهق إكمال البلوغ بعد إكمال الخامسة عشر أو المراهقة الثالثة عشر، وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما.

وفي رأينا فمصلحة الأطراف والمجتمع تقتضي بعدم تخويل القاصر حق الزواج إلا عند بلوغه سن معينة نتأكد من خلالها على القدرة الجسمية على تحمل التبعات التي يفرضها عليه الزواج وكذا التمتع بقدر كاف من التمييز حتى يتمكن من إدراك نتائج وعواقب ما هو مقبل عليه.
بالرجوع دائما إلى نص المادة 07 من قانون الأسرة نجد أنها تكلمت عن حالة الضرورة والتي بموجبها يمنح القاضي الإذن بالزواج للقاصر، إلا أن المشرع لم يحدد مفهوم حالة الضرورة وترك ذلك للقاضي بما له من سلطة تقديرية واسعة لأنه من أولى الأمر المختصين بتفسير القانون والبحث على نوايا ومقاصد المشرع في النصوص القانونية وما تعطيه في إزالة الإبهام وحل النزاع.

فالمصلحة أو الضرورة ركيزة أساسية بالغة الأهمية أرسيت عليها أحكام الترخيص بالزواج، كما أن المشرع لم يفصل المعايير التي تساعد القاضي في تحديد المصلحة أو الضرورة، وما يمكن قوله أن المصلحة أو الضرورة معيار نسبي يتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص, وعلى القاضي أن يدرس القضايا المطروحة عليه حالة بحالة, وأن يكون حذرا في تقدير المصلحة التي هي مناط الترخيص وألا يعطي هذا الترخيص إلا إذا توافرت الشروط اللازمة، كما لا يصح له بالمقابل أن يتعسف في استعمال سلطته ما دام الإذن لا يمس بمصالح المجتمع ومصالح الأطراف أنفسهم .
وفي نهاية هذا المطلب يجب أن نشير أن المشرع الجزائري حسن ما فعل في التعديل الأخير لقانون الأسرة بموجب الأمر 05-02 المؤرخ في 27/02/2005 فالمادة السابعة من قانون الأسرة أضافت شرطا جوهريا كان حلقة مفقودة في قانون الأسرة 84-11 والمتمثل في قدرة الطرفين على الزواج وذلك بتعليق الترخيص بزواج القصر على شهادة طبية وهذا حتى يتأكد القاضي من قدرة الطرفين على الزواج، وبهذا الشرط أصبح من الواجب على القاضي اللجوء إلى أهل الخبرة لمعرفة ما إذا كان القاصر المقبل على الزواج أهلا لذلك أم لا, وأن لا يكتفي عند منحه للترخيص بسلطته التقديرية.

المطلب الثالث : تعدد الزوجات وسلطة القاضي في الترخيص به
إن نظام تعدد الزوجات نظام قديم قدم البشرية فقد كان سائدا قبل ظهور الإسلام في شعوب كثيرة وقد أقرته الشرائع السماوية السابقة كاليهودية والمسيحية ، ولم يكن له عند أكثر هذه الأمم عدد محدود إلى أن جاء الإسلام ليضع نظاما حكيما للحفاظ على الأسرة والمجتمع فقصر التعدد على أربع زوجات مع اشتراطه العدل بينهن والقدرة على الإنفاق عليهن, وبهذا جاءت معظم مدونات الأحوال الشخصية في البلاد العربية والإسلامية والتي ترجع في أصلها إلى الشريعة الإسلامية على اختلاف مذاهبها ,بما فيها قانون الأسرة الجزائري الذي وضع تدابير لا تعتدي على النظام الذي رسمته الشريعة الإسلامية, وفي الوقت نفسه تزيل ما يمكن إزالته من فوضى التعدد ومساوئه على يد بعض الجهال أو قليلي الإنصاف من الرجال الذين لا يتقيدون بالتوجيهات الشرعية في هذا الموضوع.
وبالنظر للآثار المترتبة على تعدد الزوجات عبر التاريخ وعلى استثنائياتها وبالنظر لإخلالها بالقيم العالمية في مجال التطبيق والمس بكرامة الإنسان ولما كان قانون الأسرة الجزائري قبل تعديله قد فتح المجال واسعا لضروب التجاوزات التي ألحقت أضرارا بالغة تخل بمقاصد الشريعة الإسلامية السمحاء، وتناقض الدستور وتمس بكرامة الإنسان جاء التعديل الأخير لهذا القانون بموجب الأمر 05/02 المؤرخ في 27/02/2005 في المادة الثامنة لتحديد إباحة تعدد الزوجات في إطار خاص وبشروط خاصة وأعطت هذه

المادة للقاضي المختص سلطة تقديرية واسعة في منح الترخيص للزوج الذي يرغب في التعدد وذلك بغية عدم تعسف بعض الأزواج وتهورهم.
فالمادة الثامنة من قانون الأسرة نصت "يسمح بالزواج بأكثر من زوجة واحدة في حدود الشريعة الإسلامية متى وجد المبرر الشرعي وتوفرت شروط ونية العدل.
يجب على الزوج إخبار الزوجة السابقة والمرأة اللاحقة التي يقبل على الزواج بها، وأن يقدم طلب الترخيص بالزواج إلى رئيس المحكمة لمكان الزوجية.
يمكن لرئيس المحكمة أن يرخص بزواج جديد إذا تأكد من موافقتهما وأثبت الزوج المبرر الشرعي وقدرته على توفير العدل والشروط الضرورية للحياة الزوجية".
وباستقراء نص هذه المادة نلاحظ أن المشرع الجزائري لم يطلق حكم التعدد كما أشرنا، وإنما قيده بشروط تضمن سلامة تطبيق هذا الحكم من خلال تحقيق مقاصده وتفادي المفاسد والأضرار التي يرتبها في حالة عدم مراعاة الزوج لها، وهذه القيود هي:
- وجود المبرر الشرعي.
- توافر شروط ونية العدل
- إعلام الزوجة السابقة والمرأة اللاحقة.
- تقديم طلب الترخيص بالزواج إلى رئيس المحكمة لمكان مسكن الزوجية.
وقد وضع المشرع الجزائري جزاء لمخالفة هذه الشروط والإجراءات، فإذا تخلف شرط العدل بين الزوجات من حيث ممارسته، فقد أجاز القانون للزوجة طلب التطليق في المادة 53 من قانون الأسرة في فقرتيها السادسة والعاشرة حيث جاء فيها أنه يجوز للزوجة أن تطلب التطليق لمخالفة أحكام المادة 08 أعلاه وكذا لكل ضرر معتبر شرعا، كما فتحت المادة 08 مكرر من نفس القانون الباب واسعا أمام المتضرر- الزوجة- من عدم مراعاة هذا الإطار وهذه الشروط لرفع دعوى قضائية ضد الزوج للمطالبة بالتطليق وذلك في حالة التدليس، كما ان المادة 08 مكرر1 حددت جزاء الزواج الذي يتم دون استصدار ترخيص من القاضي المختص وهو الفسخ قبل الدخول.
بالرجوع إلى شروط تعدد الزوجات المنصوص عليها في المادة 08 من قانون الأسرة نلاحظ أن المشرع الجزائري منح للقاضي سلطات واسعة في تقدير توافر هذه الشروط وجعله رقيبا وأمينا على عقود الزواج التي تبرم أمامه، وهذا ما سنحاول توضيحه في ثلاثة فروع.
أولا: دور القاضي في تقدير المبرر الشرعي.
ثانيا: كيفية تقدير القاضي توفير الزوج للعدل بين الزوجات والشروط الضرورية للحياة الزوجية.
ثالثا: سلطة القاضي في تقدير رأي الزوجة السابقة والمرأة التي يقبل الزوج على الزواج بها فيما يخص مسألة التعدد.

الفرع الأول: دور القاضي في تقدير المبرر الشرعي
في واقع الأمر يبدوا أن هذا الشرط مناسب بل ضروري لإباحة التعدد غير أن المشرع الجزائري لم يوضح المقصود منه كما لم يبين أشكاله التي يباح معها للزوج أن يتزوج من إمرأة أخرى , لكن بالرجوع للمنشور الوزاري رقم 84 -102 الصادر بتاريخ 23/12/1984 الذي أصدره وزير العدل كتفسير للمادة 08 قبل تعديلها نجد أنه حصر شرط المبرر الشرعي في مرض الزوجة مرضا عضالا أو حالة عقمها لا غير حيث جاء فيه " إذا طلب من الموثق أو ضابط الحالة المدنية تلقي عقد زواج بثانية فعليه أن يتحقق من توفر الشرط الأول الذي هو المبرر الشرعي، ويكتفي في إثباته بشهادة طبية من طبيب اختصاصي تثبت عقم الزوجة الأولى أو مرضها العضال، فإذا لم يثبت العقم أو المرض العضال رفض الموثق أو الموظف المختص تلقي العقد" وبذلك جاء هذا المنشور الوزاري متجاهلا لغير ذلك من المبررات الأخرى كقصد العفة مثلا, هذا ما جعل وزير العدل يصدر منشورا ثانيا بتاريخ 22/08/1985 تحت رقم 14 أضاف فيه"حالات يقدرهـا القاضي خاصة في حالة رضا الزوجة الأولى وللقاضي السلطة التقديرية في أن يرخص بالزواج الثاني أو يرفضه بمجرد أمر على عريضة غير قابلة للطعن.
كما نشير أن المنشور الثاني أي الصادر بتاريخ 22/08/1985 أضاف مبررا آخر لتعدد الزوجات وهو إثبات وجود دعوى طلاق مرفوعة أمام القضاء بتقديم شهادة من كتابة الضبط إلا أن هذا قد يؤدي لكثير من التحايل فقد يقوم الزوج برفع دعوى الطلاق ثم يتركها بعد تسجيل عقد الزواج الثاني.
وما نخلص إليه في هذه النقطة أن مسألة تقدير المبرر الشرعي ليست بالأمر اليسير لذا وجب على القاضي أن يكون حكيما واسع الأفق لمعرفة الدوافع التي أدت بالزوج إلى الزواج من امرأة ثانية فقد يكون سببها نزاع عابر بينه وبين زوجته الأولى وهنا يحاول بحكمته إصلاح ذات البين وتلطيف الأجواء بين الزوجين بدلا من منح ترخيص بالزواج على أساس دوافع واهية لأن هذا الزواج الأخير والذي لم يكن مبني على أسس جدية سيؤدي لا محال إلى العديد من المشاكل، أما إذا تأكد القاضي من جدية دوافع الزوج كمرض زوجته الأولى أو عقمها أو عدم قدرتها على إعطاء الزوج حقوقه الشرعية فمن الأفضل أن يمنح له الترخيص بالزواج من امرأة ثانية بدلا من أن يدفعه إلى تطليق زوجته الأولى خصوصا إذا تأكد من موافقة هذه الأخيرة.

الفرع الثاني : كيفية تقدير القاضي توفير الزوج للعدل بين الزوجات والشروط الضرورية للحياة الزوجية.
المشرع الجزائري اشترط على الزوج المقبل على الزواج من امرأة ثانية إثبات قدرته على تحقيق العدل بين زوجاته ولم يبين الإجراءات الكفيلة لتحقق القاضي من هذا الشرط وهنا لا بد أن نشير على أن العدل المقصود هو العدل الذي يستطيعه الإنسان ويقدر عليه وهو التسوية بين الزوجات في النواحي المادية من نفقة وحسن معاشرة ومبيت, وليس المراد به التسوية في العاطفة والمحبة والميل القلبي لأن هذا غير مستطاع لأحد , وبناءا على هذا فشرط تحقيق العدل المذكور في المادة 08 أمر مستقبلي وهذا ما يصعب مهمة القاضي، إن لم يجعلها مستحيلة للتأكد من توفر هذا الشرط، وفي هذا الصدد يرى الأستاذ محمد عطوي أنه من الأفضل تقدير مدى توفر شروط العدل لمراقبة القضاء بعد إتمام الزواج الثاني حتى لا يكتفي القاضي بأمور غيبية بل يكلف بأمور محققة لأن القضاء يدفع الظلم الواقع ولا يتجه للنظر في الظلم المحتمل الوقوع وهذا ما جعل وزير العدل يرى في المنشور الوزاري المؤرخ في 23 /12/1984 أن إثبات نية العدل هو من صلاحيات القاضي وحده وعلى الزوجة إثبات عدم توفيره عند التنازع أمام المحكمة المختصة أثناء طلب الطلاق ليتسنى للقاضي الحكم لها بالتعويض المناسب, أي أن القاضي لا يتدخل إلا بعد إنشاء عقد الزواج للتأكد من مدى توافر شروط ونية العدل ، إلا أننا نرى عكس ما ذهب إليه الأستاذ محمد عطوى في عدم تدخل القاضي لتقدير مدى توفر شرط العدل إلا بعد إنشاء عقد الزواج، فحتى وإن كان هذا الشرط نفسيا لا يمكن للقاضي الإطلاع عليه إلا أن هذا لا يمنع من تدخله قبل منحه للترخيص وذلك بتنبيه الزوج على ضرورة الالتزام بالعدل بين زوجاته والعواقب الناتجة من جراء عدم العدل بينهن خاصة ما يتعلق بإمكانية طلب الزوجة للتطليق, وكذا التعويضات عن كل الأضرار المادية والمعنوية التي تلحق بها, إضافة إلى تذكيره بالأحكام الشرعية المتعلقة بالعدل بين الزوجات كحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا أو مائلا".
أما الشرط الثاني المتعلق بإثبات الزوج لقدرته على توفير الشروط الضرورية للحياة الزوجية، أي رقابة القاضي على القدرة المالية للزوج، فيمكن التأكد منه بسهولة كالإطلاع على دخل الزوج من خلال شهادة كشف الراتب إن كان موظف أو من خلال رقم أعماله التجاري إن كان تاجرا وحتى من خلال شهادة الشهود إلى غير ذلك من وسائل الإثبات وهنا يتأكد القاضي أن للزوج دخل يكفيه لإعالة زوجتين أو أكثر حسب الحالة مع الإنفاق على أولاده كما يمكن له أن يتثبت من حالة الزوج الصحية وأنه قادر على الزواج بزوجة أخرى، وأن احتمال الأضرار منتف في الحال والمآل, فإن أثبت الزوج كل هذا رخص له القاضي بالزواج وإن لم يثبت فإن في الترخيص مظنة حصول المفسدة وهو أمر غير جائز ويتنافى مع مشروعية التعدد.

الفرع الثالث: سلطة القاضي في تقدير رأي الزوجة السابقة والمرأة التي يقبل الزوج على الزواج بها فيما يخص مسألة التعدد
حسب المادة 08 من قانون الأسرة المذكورة أعلاه يجب على الزوج إخبار الزوجة السابقة والمرأة التي يقبل على الزواج بها بأنه يرغب في الزواج من امرأة ثانية وهكذا يكون المشرع الجزائري قد راعى شعور الزوجة السابقة للزوج والمرأة التي يقبل على الزواج بها في شأن إقدام الزوج على الجمع بينهما، ولقد بين المنشور الوزاري الصادر عن وزير العدل والمؤرخ في 23/12/1984 كيفية الإعلام وذلك بإخبار كل من الزوجة السابقة واللاحقة إن حضرت أمام الموثق أو ضابط الحالة المدنية- هذا في ظل قانون الأسرة قبل التعديل وأمام القاضي بعد التعديل الأخير لهذا القانون- برغبة الزوج في إبرام عقد الزواج بثانية ويسجل في السجل الخاص بطلبات التعدد رضى كل منهما أو اعتراض الزوجة السابقة ليكون ذلك حجة يرجع إليه عند التنازع، فإن تعذر حضور هذه الأخيرة يتعين إبلاغها للحضور في أجل معقول بعقد غير قضائي بواسطة مصلحة التبليغ بالمحكمة بالتاريخ والمكان الذي سيبرم فيه عقد الزواج الثاني, فإن حضرت واعترضت يسجل الموثق أو ضابط الحالة المدنية اعتراضها، وإن تغيبت أثبتت غيبتها وأبرم العقد.
وهنا لابد أن نشير أنه على القاضي التأكد من إعلام الزوجة السابقة والمرأة التي يقبل الزوج على الزواج بها وأن يسعى جاهدا لحضور كل منهما أمامه.
بالرجوع دائما لنص المادة 08 من قانون الأسرة المذكورة أعلاه نجد أنها اشترطت لمنح الترخيص موافقة الزوجة السابقة، والمرأة التي يقبل الزوج على الزواج بها، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ماذا لو تعسفت الزوجة في استعمال حقها وأبدت رفضها بدون مبرر شرعي سوى الإضرار بالزوج والغيرة العمياء, وأثبت الزوج المبرر الشرعي وقدرته المالية وكل الشروط الضرورية واللازمة للتعدد، فهل يمتنع رئيس المحكمة عن منحه الترخيص بالزواج أم لا؟
من خلال التربص الميداني الذي أجريناه عبر المحاكم لاحظنا أن أغلب القضاة يمنحون الترخيص بالزواج في هذه الحالة وحسنا ما فعلوا لأن القاضي يجب أن يكون دقيقا وصائب التقدير إذا رفضت إحداهما الزواج عليها خصوصا الزوجة الأولى ومدى مطابقة رفضها لأحكام العدل، والمصلحة العامة للمجتمع.
فعلى القاضي أن يوازن بين قيمة المبرر الشرعي والقدرة على توفير العدل والشروط الضرورية للحياة الزوجية وبين موافقة الزوجة السابقة، حتى يكون قراره عادلا ومحققا للغاية التي أباح القانون والشرع لأجلها تعدد الزوجات.

المبحث الثاني : السلطة التقديرية للقاضي في انحلال الرابطة الزوجية
لقد حدد المشرع الجزائري أسباب انحلال الرابطة الزوجية ضمن الباب الثاني من الكتاب الأول تحت عنوان "انحلال الزواج" فالمادة 47 من قانون الأسرة نصت: "تنحل الرابطة الزوجية بالطلاق أو الوفاة".
وقد حصر اهتمامه في توضيح انحلال الرابطة الزوجية عن طريق الطلاق باعتبار أن الوفاة لا تثير أي لبس من حيث مفهومها.
والطلاق علاج هدام فهو كالبتر لبعض أعضاء الجسم لا يلجأ إليه الأطباء إلا اضطرارا لإنقاذ الحياة أو لدفع ضرر في الصحة أعظم من البتر ، فكذلك لا ينبغي شرعا اللجوء إلى الطلاق إلا عندما تكون الحياة الزوجية غير منسجمة, فالطلاق هو هدم لكيان الأسرة الذي يبنيه الزواج فهو ضرر لكنه ضروري لدفع ضرر أعظم منه، وقانون الأسرة الجزائري سمح للزوج أن يضع حدا للعلاقة الزوجية بإرادته المنفردة بواسطة الطلاق كما سمح للزوجة كذلك أن تنهي هذه العلاقة عن طريق الخلع أو التطليق وجعل القاضي حارسا ورقيبا أمينا على ذلك حتى لا يتعسف كل ذي حق في استعمال حقه كما منح له سلطة تقديرية واسعة لمحاولة إصلاح ذات البين بين الزوجين قبل انحلال الرابطة الزوجية وفي تقديره لحالات التطليق إضافة إلى تقدير تعسف الزوج في الطلاق وكذا تقديره للنشوز وعليه سنحاول معالجة ذلك في النقاط التالية:
أولا : دور القاضي في الصلح والتحكم
ثانيا: سلطة القاضي في تقدير حالات التطليق.
ثالثا: تقدير القاضي للطلاق التعسفي والنشوز.

المطلب الأول : دور القاضي في الصلح والتحكيم
تعد إجراءات الصلح والتحكيم في فك الرابطة الزوجية من الإجراءات الهامة والأولية التي أوجب قانون الأسرة على القاضي القيام بها قبل الشروع في بحث موضوع النزاع وإصدار حكم بشأنه وجعلها إجبارية.
لهذا يحسن بنا تقسيم هذا المطلب إلى فرعين نعالج في الأول إجراءات الصلح ومدى مساهمة القاضي في إصلاح ذات البين، ونعالج في الثاني إجراءات التحكيم ومدى مساهمة الحكمين والقاضي في فض النزاع بين الزوجين.

الفرع الأول: إجراءات الصلح وجهد القاضي في فض النزاع بين الزوجين.
نص المشرع الجزائري في المادة 49 من قانون الأسرة بأنه: "لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد عدة محاولات صلح يجريها القاضي دون أن تتجاوز مدته ثلاثة أشهر ابتداءا من تاريخ رفع الدعوى.
يتعين على القاضي تحرير محضر يبين مساعي ونتائج محاولات الصلح، يوقعه مع كاتب الضبط والطرفين.
تسجل أحكام الطلاق وجوبا في الحالة المدنية بسعي من النيابة العامة" يفهم من هذا النص أنه لا يثبت الطلاق إلا بحكم من القضاء وأن محاولات الصلح إجراء إجباري يجب على القاضي القيام به قبل النطق بالطلاق, وعليه فإنه يجب على القاضي المختص بنظر موضوع الدعوى أن يستدعي الزوجين معا إلى مكتبه بواسطة المحضر القضائي أو بأي طريقة يراها مناسبة وذلك بمجرد تسجيل الدعوى وطرحها عليه.
وأن يعين لهما جلسة خاصة في تاريخ محدد، يسمع فيها مزاعم كل واحد من الزوجين ثم يحاول أن يصلح بينهما بإظهاره لمساوئ النزاع ومضار الفرقة وبيان محاسن الألفة والانسجام، والتسامح المتبادل من أجل ضمان حياة زوجية هادئة لصالحهما وصالح أطفالهما، ولصالح استمرار علاقة القرابة والمصاهرة بين عائلتي الزوجين ، فإذا فشل القاضي في التوفيق بينهما فعليه أن يحاول مرة ثانية إذا تبين له جدوى محاولة الصلح فإذا فشل مرة ثانية ورأى أن هناك إمكانية للوصول إلى إصلاح ذات البين فله الحق في إجراء محاولة صلح ثالثة ورابعة لأن القانون أعطاه الحق في إجراء عدة محاولات للصلح قبل الطلاق على أن لا يتجاوز ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ رفع الدعوى، وهنا تتجلى سلطة القاضي التقديرية, وسواء أنجح القاضي أو فشل في محاولات الصلح فإنه يحرر محضرا بما توصل إليه من نتائج ويوقعه مع كاتب الضبط والطرفين، وهذا حسب نص المادة 49 في فقرتها الثانية المذكورة أعلاه، وأن يحيل الطرفين إلى حضور جلسة علنية تنعقد ضمن الجلسات المقرر للمحكمة وعندئذ يقع النقاش في الموضوع ثم يصدر القاضي حكمه.
لكن ما يلاحظ على قانون الأسرة الجزائري أنه سكت عن إجراءات انعقاد جلسات الصلح ,هذا ما يجعلنا نعتقد أنه يمكن أن تنعقد هذه الجلسات بناءا على رسالة مضمنة أو بواسطة محضر قضائي أو عن طريق استدعاء من كتابة الضبط، عمليا ومن خلال التربص الميداني لاحظنا أن القاضي يعلم الزوجين بجلسة الصلح شفويا في جلسة من جلسات المحاكمة، المهم لكي تنعقد جلسة الصلح يجب إعلان الزوجة إعلانا صحيحا يترتب عليه إيصال العلم إليها بتاريخ الجلسة وما قيل عن الزوجة يقال عن الزوج في حالة طلب التطليق من الزوجة لأن محاولات الصلح تعد أحد العناصر الجوهرية لصحة العمل القضائي.
ويجب على القاضي أن يتثبت من هوية الزوجين في هذا الطور الصلحي، لأن هناك نسوة تعرضن لعمليات تغرير فاحش نجمت عنها مضار جسام قد يعسر إصلاحها فالذي يحصل في هذا الصدد أن من الأزواج من تقدم بطلب الحكم بالطلاق وأحضر لجلسة محاولة الصلح امرأة غير زوجته المعنية بالأمر وتأتى له بهذه الوسيلة الحصول على الاتفاق على الطلاق والتنازل عن الحقوق التي كفلها القانون للزوجة .
وهناك العديد من القرارات الصادرة عن المحكمة العليا أكدت أنه لابد من مراعاة إجراءات الصلح قبل إصدار الحكم بالطلاق نذكر منها، القرار الصادر بتاريخ 18/06/1991 الذي جاء فيه من المقرر قانونا أنه لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح من طرف القاضي، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خطأ في تطبيق القانون).
إلا أن هناك قرار صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 21/07/1998 أثار الكثير من التساؤلات حيث اعتبر أن إجراءات الصلح ليست من الإجراءات الجوهرية جاء فيه ".. إن محاولة الصلح بين الطرفين في دعاوى الطلاق ليست من الإجراءات الجوهرية وأن لفظ الطلاق أو التطليق تصدر دائما نهائية "
وخلاصة القول أن إجراء محاولة الصلح إجباري خاصة بعد التعديل الأخير لقانون الأسرة، لأن المشرع أوجب على القاضي تحرير محضر يبين فيه مساعي ونتائج محاولات الصلح وإذا دخل القاضي مباشرة إلى مناقشة الموضوع دون المرور بمرحلة الصلح ثم حكم بالطلاق فإنه يكون بذلك قد أعاب حكمه بعيب مخالفة




القانون، فإذا انعقدت محاولة الصلح سواء تم الحضور أو لم يتم بعد الإعلان بواسطة الرسالة المضمنة أو المحضر القضائي أو بأي طريقة أخرى، يكون العمل القانوني قد استوفى شروطه وعلى القاضي أن يحدد تاريخ الجلسة التي يعلن فيها عن الطلاق إذ لم يتراجع طالبه عن ذلك، وقد جاء في قرار للمحكمة العليا أن "...عدم حضور أحد الطرفين لجلسة الصلح رغم تأجيل إجرائها عدة مرات يجعل القاضي ملزم بالفصل في الدعوى رغم عدم حضور أحدهما لان المادة 49 من قانون الأسرة تحدد مدة إجراء الصلح بثلاثة أشهر..."
من خلال كل ما تقدم يمكننا القول أن سلطة القاضي التقديرية في مرحلة الصلح واسعة جدا فعلية أن يبذل قصار جهده لتقريب وجهات النظر بين الزوجين ومحاولة وضع حد للتنافر والتنازع الحاصل بينهما.

الفرع الثاني : إجراءات التحكيم ومدى مساهمة الحكمين والقاضي في فض النزاع بين الزوجين.
نصت المادة 56 من قانون الأسرة الجزائري: "إن أشد الخصام بين الزوجين ولم يثبت الضرر وجب تعيين حكمين للتوفيق بينهما.
يعين القاضي الحكمين، حكما من أهل الزوج وحكما من أهل الزوجة، وعلى هذين الحكمين أن يقدما تقريرا عن مهمتهما في أجل شهرين".
من استقراء نص هذه المادة يتضح أن المشرع لم يوضح بشكل دقيق كيفية تعيين الحكمين وما إذا كانت إجراءات التحكيم يجب القيام بها بعد فشل محاولة الصلح أو أثناءها إلى غير ذلك من الإشكاليات.
والثابت في نص هذه المادة أن التحكيم وجوبي وإلزامي في دعاوى الطلاق، والرجوع إلى بيت الزوجية وذلك في كل حالة يشتد فيها الخصام ويبلغ النزاع بين الزوجين ذروته ولا يثبت وجود أي ضرر يمكن أن يلحق أحدهما من جراء ذلك، وعليه فإذا توفر شرط اشتداد الخصام وشرط عدم ثبوت الضرر فإنه يجب على القاضي قبل الشروع في دراسة موضوع النزاع ومباشرة الفصل فيه أن يعمل على إصلاح ذات البين بطريق التحكيم .
بالنسبة لتعيين الحكمين وصفاتهما فالقاضي يعينهما سواء من تلقاء نفسه تطبيقا للقانون أو بناءا على طلب واختيار الزوجين ويجب عليه أن يراعي قرابتهما من الزوجين إضافة إلى تأثيرهما عليهما وقدرة كل منهما على حل النزاع وهنا تتجسد السلطة التقديرية للقاضي في اختيار الحكمين العدلين الذين يمكن لهما حل النزاع المطروح.
فيما يخص مهمة الحكمين فإنها محددة من القاضي وتنحصر في دراسة أسباب النزاع القائم بين الزوجين وظروفه وملابساته وتحديد مسؤولية كل واحد منهما في النزاع إضافة إلى محاولة إزالة الخلاف والتوفيق بينهما وتقريب وجهات النظر بكل الوسائل والطرق الممكنة شرعا، وسماع أقوال الزوجين، وتوضيحات من كان يشاركهما مسكن الزوجية كالأولاد والأقارب إن وجدوا.
وسواء توصل الحكمان إلى إيجاد حل للنزاع أم لا فعليهما أن يقدما تقريرا إلى القاضي الذي عينهما في أجل شهرين من تاريخ تعيينهما يشتمل على النتائج التي توصلا إليها وعلى اقتراحاتهما لحسم الخلاف .وفي هذا المجال يمكن القول أنه إذا توافرت الأسباب والشروط اللازمة للجوء إلى مبدأ التحكيم المنصوص عليه في المادة 56 من قانون الأسرة المذكور أعلاه، يجب على القاضي المختص بالفصل في موضوع النزاع القائم بين

الزوجين أن يؤجل الفصل في الدعوى وأن يعين الحكمين وينتظر تقديم تقريرهما خلال المهلة القانونية المحددة، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 25/12/1989 والذي جاء فيه "... من المقرر قانونا أنه لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح من طرف القاضي وعند نشوز أحد الزوجين يحكم القاضي بالطلاق، وإذا اشتد الخصام بين الزوجين وعجزت الزوجة عن إثبات الضرر وجب تعيين حكمين للتوفيق بينهما ومن ثمة فإن القضاء بخلاف ذلك يعد خطأ في تطبيق القانون ولما كان من الثابت في قضية الحال أن المجلس القضائي قضي بالطلاق دون مراعاة أحكام المواد التالية: 49، 55، 56 من قانون الأسرة يكون بقضائه كما فعل قد خالف القانون وتجاوز اختصاصه ومتى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه.."
فالقاضي يحكم في ضوء تقرير الحكمين الذي لا يشترط فيه أن يكون معللا كما يجوز له رفض التقرير وتعيين حكمين آخرين وفقا لسلطته التقديرية في هذا المجال وهو غير ملزم بما تضمنه التقرير إذا فشلت إجراءات التحكيم وتصدى للفصل في موضوع الدعوى.
وتجدر الإشارة أن تعيين الحكمين لا يكون عادة إلا عندما ترفع الزوجة دعوى ضد زوجها وتزعم أنه أتى من الأعمال والتصرفات ما يضربها، وتجيز لها طلب التطليق ثم تعجز عن إثبات الضرر بالوسائل القانونية المتعلقة بالإثبات ويعجز القاضي عن إصلاح ذات البين ويفشل في محاولة الصلح ، أي أن تعيين الحكمين لا يكون إلا بعد تأكد القاضي من فشل مساعيه في الصلح واشتداد الخصام بين الزوجين وعدم ثبوت الضرر.
وأخيرا من خلال التربص الميداني لاحظنا أن القضاة لا يقومون بتعيين الحكمين ويكتفون بجلسات الصلح فقط، ومردّ ذلك إلى الغموض الكبير الموجود بالمادة 56 من قانون الأسرة الذي حاولنا إزالته قدر الإمكان بإبراز الشروط الواجب توافرها في الحكمين والمهمة المسندة إليهما إضافة إلى حجية التقرير المعد من قبلهما والوقت المناسب للقيام بالتحكيم. ورغم ذلك يبقى الغموض يكتنف نص هذه المادة خاصة في طريقة تعيين الحكمين، وكيفية استدعائهما، وكذا الحل في حالة رفض أحد الزوجين أو كلاهما للتحكيم .. كل هذا يدفعنا إلى القول بوجوب تدخل المشرع لإزالة الغموض وإعادة الحياة لهذه المادة.

المطلب الثاني : سلطة القاضي في تقدير حالات التطليق.
لقد أعطى القانون والشرع للرجل حق إنهاء العلاقة الزوجية بإرادته المنفردة دون أن يكون مجبرا على تبيان أسباب إقدامه على ذلك كما بينا ذلك عند تطرقنا لموضوع الطلاق التعسفي، وفي نفس الوقت لم يحرما – القانون والشرع- المرأة من حقها في إنهاء هذه العلاقة وذلك كي ترفع عنها ظلم الرجل إذا ما وقع عليها، فلها أن ترفع أمرها إلى القاضي طالبة إنهاء العلاقة الزوجية بينها وبين زوجها وذلك أذا أثبتت سببا من الأسباب الموجبة للتطليق.
وقد عدد المشرع الجزائري الأسباب التي تجيز للزوجة طلب التطليق في المادة 53 من قانون وسنحاول تبيان دور القاضي في التأكد من توافر هذه الأسباب وموضحين مجال سلطته التقديرية في ذلك.

الفرع الأول: التطليق لعدم الإنفاق
لقد نص المشرع الجزائري على هذا السبب في القفرة الأولى من المادة 53 من قانون الأسرة والتي جاء فيها " ... عدم الإنفاق بعد صدور الحكم بوجوبه ما لم تكن عالمة بإعساره وقت الزواج مع مراعاة المواد 78 و79 و 80 من هذا القانون..."
وطبقا لهذا النص فليس للزوجة أن تطلب التطليق لعدم الإنفاق إلا إذا صدر حكم يقضي بإلزام الزوج بأداء النفقة، وصيرورة هذا الحكم نهائيا وتكليفه بالوفاء طبقا لإحكام المادة 330 من قانون الإجراءات المدنية.
كما أن هذه المادة اشترطت ألا تكون الزوجة عالمة بإعسار الزوج وقت الزواج، فإن كان معسرا وكانت تعلم بذلك فلا يجوز لها طلب التطليق لعدم الإنفاق والسؤال المطروح هنا على من يقع عبء إثبات الإعسار فهل يقع على الزوج أم الزوجة؟
إن الأصل في الإنسان أن ذمته المالية ممتلئة وأن الإعسار هو حالة طارئة وتبعا لذلك فإنه يقع عبء الإثبات على الزوجة أن زوجها أصبح معسرا وعلى الزوج أن يثبت أنه كان وقت إبرام العقد معسرا وكانت الزوجة وقتئذ عالمة بإعساره، والإعسار واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة وسائل الإثبات بما فيها البينة والقرائن وهنا تتجلى السلطة التقديرية للقاضي في هذه المسألة.
وتجدر الإشارة هنا أن الإنفاق الممتنع عن تقديمه للزوجة والتي يحق لها طلب التطليق، بسببه هو إنفاق مثل زوجها على مثلها وبحسب مدخولاته وموارد رزقه وذلك ما حددته المادتين 78 و79 من قانون الأسرة وبذلك لا يجوز لها أن تزعم عدم الإنفاق عليها إذا طلبت طلبات تفوق دخل زوجها وتعجزه عنها.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل القاضي ملزم بالحكم بالتطليق بمجرد أن تثبت الزوجة عدم إنفاق الزوج؟ أم له سلطة تقديرية في أن يمنح له مهلة لتدبر أموره؟
المشرع الجزائري لم يتطرق إلى هذه المسألة إلا أنه بالرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية نجد أن جمهور الفقهاء من الشافعية والحنبلية والمالكية يجيزون التفريق لعدم الإنفاق وأن للمرأة حق المطالبة بالتفريق،
إذا ثبت عسر الزوج وعدم إنفاقه ويطلق عليه فورا عند ثبوت إعساره دون أن يؤجل أو ينظر عند الحنبلية، أما الشافعية والمالكية فقالوا بأنه يؤجل بين شهر وثلاثة أشهر .
وفي هذا يرى الدكتور بلحاج العربي أنه على القاضي أن يمهل الزوج مدة مناسبة ولا يطلق عليه زوجته للعسرة، للوهلة الأولى لأن الزوج في هذه الحالة لا يعد ظالما حتى يطلق عليه القاضي زوجته لرفع ظلمه عنها ونحن نميل إلى هذا الرأي.
فإذا ثبت للقاضي أن الضائقة المالية التي يمر بها الزوج مؤقتة وأن الضرر اللاحق بالزوجة ليس جسيما فمن الأفضل في رئينا أن يمهله مدة معينة بدلا من أن يحطم حياته الزوجية وما ينجر عن ذلك من آثار سلبية على الزوجة والأبناء، أما إذا كان الضرر الذي أصاب الزوجة من جراء عدم الإنفاق جسيما وأحوال الزوج المادية لا تنبئ بتحسنها في القريب فما عليه إلا الحكم بتطليق الزوجة تفاديا لتضررها أكثر، وهذا وفقا لما يتمتع به القاضي من سلطة تقديرية.

الفرع الثاني : التطليق للعيوب.
لقد نص المشرع الجزائري على هذا السبب في الفقرة الثانية من المادة 53 والتي جاء فيها ".... العيوب التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج..."
والملاحظة الأولى على هذه الفقرة أن المشرع الجزائري لم يجعل هذه العيوب مشتركة بين الزوجين، بل أشترط أن تكون هذه العيوب في الزوج وحده دون أن يشترطها في الزوجة، أما الزوج إذا أراد حل عقد الزواج فله أن يستعمل حقه في الطلاق دون استناده إلى تلك الأسباب، وإذا استند إلى واحد من تلك الأسباب، فإنه يرمي من وراء ذلك إلى نفي التعسف عن نفسه في استعمال حقه في الطلاق.
وقد أخذ المشرع الجزائري في هذه النقطة برأي الحنفية الذين حصروا العلل الموجبة للتفريق بالرجل دون المرأة.
كما يمكن أن نلاحظ أن المشرع الجزائري لم يبين المقصود بالعيوب التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج هل هي العيوب الجنسية فقط أم أن العيوب الأخرى كالبرص مثلا تكون سببا لطلب التطليق؟
إضافة إلى أنه لم يبين إن كان علم المرأة بهذه العيوب قبل إبرام عقد الزواج مسقط لحقها في طلب التطليق أم لا؟
كما أنه المشرع لم يوضح كيفية إثبات هذه العيوب وهل على القاضي الحكم بالتطليق بمجرد ثبوت العيب أم أنه يمهل الزوج مدة للعلاج؟
للإجابة على كل هذه التساؤلات لا بد علينا من الرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية اعتمادا على نص المادة 222 من قانون الأسرة و بالرجوع إلى هذه الأحكام وجدنا أن الفقهاء قسموا العيوب التي تعطي الحق في طلب التطليق إلى قسمين:
- علل جنسية تحول دون الاستمتاع، وممارسة الحياة الزوجية بشكل عادي ومثال ذلك:
• الجب: وهو قطع الذكر والأنثين (الخصيتين)
• العنة:هي العجز عن الوطء وعرفها المالكية بأنها صغر الذكر بحيث لا يتأتي معها إتيان النساء.
• الخصاء: وهو رض الانثين (الخصيتين) أو قطعهما.
- وعلل جسدية لا تحول دون الاستمتاع ولا تمنع الدخول ولكنها علل منفرة ضارة تضر صاحبها وغيره كالجنون والجذام والبرص.
وقد اختلف الفقهاء في عدد العلل التي تسمح للمرأة بالمطالبة بالتطليق حيث قال المالكية أنها ثلاثة عشر وقال الشافعية والحنبلية أنها سبعة أما الحنفية فقالوا أنها علتان فقط وحصورهما في الجب والعنة، أما أبن القيم فتوسع إلى أكثر مما ذهب إليه المالكية حيث أن كل عيب ينفر الزوج الآخر ولا يحصل به مقصود النكاح من المودة والرحمة يوجب الخيار .
وفي رئينا فرأى ابن القيم هو الذي أخذ به المشرع الجزائري الذي أحسن صنعا عندما ما لم يحدد العيب وترك الأمر للسلطة التقديرية للقاضي على أساس معيار موضوعي وهو هل العيب يحول أم لا من تحقيق الهدف من الزواج.
بالنسبة لعلم المرأة بهذه العيوب قبل إبرام عقد الزواج وما إذا كان ذلك مسقط لحقها في طلب التطليق فقد ذهب جمهور الشافعية والحنبلية والمالكية إلى اشتراط ألا تكون الزوجة عالمة بالعيب قبل العقد حتى يحق لها طلب التطليق ما عدا العنة فإنه يثبت للمرأة حق المطالبة بالتطليق وإن كانت تعلم بعنة الزوج قبل العقد .
لكن إذا حدث العيب بعد إبرام عقد الزواج فقد قال الشافعية والحنبلية أن حصول الخيار للعيوب- طلب التطليق- يثبت إن كانت العيوب حادثة قبل العقد أو بعده أما المالكية والحنفية فقالوا أن العلل الحادثة بعد الزواج لا يثبت معها خيار أي لا يجوز للزوجة طلب التطليق إذا ظهرت العلل بعد إبرام عقد الزواج.
ونحن نميل إلى الرأي الذي أحذ به الشافعية والحنبلية لأن وقت حدوث العيب ليس هو أساس طلب التطليق بل أساسه هو الحيلولة دون تحقيق الهدف من الزواج وعدم رضا الزوجة بالعيب وتضررها منه، وهو الرأي الذي أخذت به العديد من التشريعات العربية كالمشرع المصري في المادة 9 من قانون الأحوال الشخصية والمشرع اللبناني في المادة 129 من قانون حقوق العائلة والمشرع الأردني في المادة 112 من قانون الأحوال الشخصية.
بالنسبة لمسألة إثبات هذه العيوب نرى أنه من الأفضل الاستعانة بأهل الخبرة لا ثبات ذلك إذا لم يكن هناك إقرار من الزوج وهذا ما ذهبت إليه الكثير من التشريعات العربية كقانون الأحوال الشخصية المصري في المادة 11 وقانون الأحوال الشخصية الأردني في المادة 119. بالنسبة لوقت إصدار القاضي للحكم بالتطليق بعد ثبوت العيب لم يبين لنا المشرع الجزائري ذلك إلا أننا وجدنا قرارا للمحكمة العليا صدر بتاريخ 19/11/1984 قضى بتأجيل الحكم بتطليق الزوجة مدة سنة نظرا لعجز الزوج عن مباشرتها وقد جاء فيه : " متى كان من المقرر في الفقه الإسلامي وعلى ما جرى به القضاء أنه إذا كان الزوج عاجزا عن مباشرة زوجته يضرب له أجل سنة كاملة من أجل العلاج، وأن الاجتهاد القضائي أستقر على أن تكون الزوجة بجانب بعلها وبعد انتهائها، فإن لم تتحسن حالة مرضه حكم للزوجة بالتطليق فإن القضاء بما يخالف أحكام هذه المبادئ يعد خرقا لقواعد الشريعة الإسلامية".
من خلال التمعن في هذا القرار يتبين لنا أنه لم يوضح سبب عجز الزواج عن مباشرة زوجته فهل كل العيوب التي تحول دون المباشرة الجنسية نؤجل الحكم فيها لمدة سنة؟ وماذا عن باقي العيوب؟
بالرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية طبقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة، نجد أن الفقهاء فرقوا بين العيب الذي يرجى شفائه والعيب الذي لا يرجى شفاءه فإذا ثبت أن العيب يستحيل شفاءه أو أن شفاءه يستغرق زمنا طويلا فإن القاضي يحكم بالتطليق على الفور، أما إذا ثبت له أن العيب يمكن شفاءه فإنه يؤجل الحكم سنة فإن لم يحصل الشفاء فرق بين الزوجين ومثال ذلك العنة، فإذا أدعت المرأة أن زوجها عنين لا يصل إليها، أجل مدة سنة فإن لم يحصل الاتصال وأصرت على التطليق يحكم لها القاضي بذلك أما الجب فهو من العلل التي لا يرجى شفائها والقاضي يحكم بالتطليق فورا دون منح الرجل أجل السنة لأنه ميؤوس منه ولا معنى للانتظار .
وتجدر الإثارة أن هناك العديد من التشريعات العربية التي نصت على تأخير الحكم بالتطليق مدة سنة في العيوب التي يرجى الشفاء منها وعلى الحكم به فورا في العيوب التي لا يرجى منها شفاء أو الشفاء منها يستغرق زمنا طويلا يتعدى السنة ومثال ذلك قانون الأحوال الشخصية الأردني في المادة 120 وقانون حقوق العائلة اللبناني في المادة 122.

الفرع الثالث: التطليق بسبب الهجر في المضجع فوق أربعة أشهر.
تطرق المشرع الجزائري إلى الهجر في المضجع كسبب من الأسباب التي تبيح للمرأة طلب التطليق في الفقرة الثالثة المادة 53 من قانون الأسرة، ويقصد بهذا الهجر أن يدير الزوج ظهره لزوجته في الفراش ولا يهتم بها الاهتمام المطلوب منه كزوج أي لا يعاملها في الفراش معاملة الأزواج ويشترط أن يدوم هذا الهجر أكثر من أربعة أشهر وأن يكون عمديا مقصودا لذاته نكاية بالزوجة وليس له ما يبرره لا شرعا ولا قانونا .
وتجدر الإشارة هنا أن الهجر في المضجع المشار إليه في المادة 53 من قانون الأسرة يتفق مع الإيلاء الذي أشرنا إليه عند تطرقنا إلى نشوز الزوج الوارد في المادة 55 من قانون الأسرة الجزائري في بعض النقاط وهي ترك وطء الزوجة وعدم الاقتراب منها لمدة أربعة أشهر فأكثر وإلحاق الضرر بها، إلا أنه يختلف معه في أن الإيلاء يكون هدفه الإضرار بالزوجة على خلاف الهجر في المضجع الوارد في المادة 53 الذي لا يشترط فيه توفر نية الأضرار بالزوجة لدى الزوج كما أن الإيلاء يمين أما الهجر في المضجع الوارد في المادة 53 لا يعتبر يمينا .
ولا بد أن نشير أن الهجر في المضجع كسبب قانوني من الأسباب التي تمنح للزوجة حق طلب التطليق والذي يشرط أن يكون متعمدا وليس له مبرر شرعي، ليس هو نفسه الهجر الذي ورد في الآية رقم 33 من سورة النساء في قوله تعالى " واللتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع" فهذا الهجر الأخير لا يهدف إلى الإضرار بالزوجة وإنما إلى تأديبها وهو هجر شرعي ولا يعتبر سببا من أسباب التطليق، ويدخل في إطار الحقوق الشرعية للزوج على زوجته، ولا يجوز أن يضار شخص بسبب استعمال حقه الشرعي إلا إذا تعسف في استعماله وتجاوز حدود هذا الحق المقرر له، والقاضي هو الذي يحدد ما إذا كان الهجر شرعيا أم لا وهل تعسف الزوج في استعمال حقه أم لا وفقا لما له من سلطة تقديرية في هذا المجال.

الفرع الرابع: التطليق بسبب الحكم على الزوج عن جريمة فيها مساس بشرف الأسرة وتستحيل معها مواصلة العشرة والحياة الزوجية.
نص المشرع الجزائري أن الحكم على الزوج عن جريمة فيها مساس بشرف الأسرة وتستحيل معها مواصلة العشرة والحياة الزوجية يعتبر سببا من الأسباب التي تجيز للزوجة طلب التطليق في الفقرة الرابعة المادة 53 من قانون الأسرة.
ومن خلال نص هذه الفقرة يتبين لنا أنه يشترط أن يصدر ضد الزوج حكم قضائي من الجهات القضائية الجزائية وأن يكون هذا الحكم حائزا لقوة الشيء المقضى فيه ويكون سببه جريمة فيها مساس بشرف الأسرة وتستحيل معها مواصلة العشرة والحياة الزوجية، وتحديد المقصود بالجريمة التي فيها مساس بشرف الأسرة يرجع إلى السلطة التقديرية للقاضي ونحن نرى أن المقصود بذلك هو تلك الجرائم الماسة بالآداب العامة والتي يستهجنها المجتمع الجزائري كجريمة الزنا أو هتك العرض أو النصب اوجرائم الخيانة والتحبس وعليه إذا حكم على الزوج في جريمة القتل غير العمدي مثلا فلا يعتبر ذلك سببا من الأسباب التي تبيح للزوجة طلب التطليق.
بالنسبة لاستحالة مواصلة العشرة والحياة الزوجية بسبب هذه الجريمة فالمقصود منه هو أن تؤدي هذه الأخيرة إلى توتر العلاقات بين الزوجين وتنتج عنها خلافات حادة بينهما ومثال ذلك الحكم على الزوج عن جريمة تحريض القصر على الفسق والدعارة مثلا لا محالة تستحيل معها مواصلة العشرة والحياة الزوجية، وتقدير كل هذا يرجع إلى القاضي وعليه أن يعتمد على عادات وتقاليد المجتمع لتحديد مدى مساس هذه الجريمة بشرف الأسرة وتأثيرها على الحياة الزوجية.

الفرع الخامس: التطليق بسبب غياب الزوج.
نص المشروع الجزائري على غياب الزوج كسبب من الأسباب التي تبيح للمرأة طلب التطليق في الفقرة الخامسة من المادة 53 من قانون الأسرة والتي اشترطت أن يكون الغياب قد دام أكثر من سنة وأن يكون هذا الغياب بدون عذر ولا نفقة، وعليه حتى يحكم القاضي للزوجة بالتطليق عليها أن تثبت أن غياب زوجها دام أكثر من سنة إبتداءا من يوم غيابه إلى يوم رفع الدعوى عليه، وأن يكون هذا الغياب دون عذر شرعي ولا نفقة.
الملاحظة الأولى حول نص هذه الفقرة أن هناك اختلافا بين النص العربي والنص الفرنسي، فالنص العربي اشترط أن يكون الغياب بدون عذر ولا نفقة أي أنه يشترط أن يكون الزوج غاب دون مبرر شرعي ولم يترك نفقة حتى تتمكن الزوجة من المطالبة بالتطليق أما إذا غاب الزوج بدون مبرر لكنه ترك نفقة للزوجة فلا يجوز لها طلب التطليق.
أما النص الفرنسي اشترط أن يكون الغياب بدون عذر أو نفقة « …Sans excuse valable ou sans pension d’entretien… »
وبالتالي يمكن للزوجة المطالبة بالتطليق إذا غاب الزوج أكثر من سنة دون مبرر شرعي ولكنه ترك النفقة وعليه فعلى أي من النصين يعتمد القاضي؟ إضافة إلى أن المشرع لم بين المقصود من العذر الشرعي المبرر لغياب الزوج والذي يحول دون تطليق زوجته عليه. بالرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية طبقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة وجدنا أن المالكية والحنابلة أجازوا التفريق للغيبة إذا طالت وتضررت الزوجة بها، ولو ترك لها الزوج مالا تنفق منه أثناء الغياب وهذا ما ينطبق مع النص الفرنسي للفقرة الخامسة من المادة 53 من قانون الأسرة وعليه فنحن نرى أن النص الفرنسي أقرب إلى الصواب لأنه مطابق لأقوال الفقهاء الذين قالوا بالتفريق للغياب ولأنه حتى لو ترك الزوج لزوجته مالا تنفق منه فإن بعده عنها يجعلها كالمعلقة لا هي ذات زوج ولا هي مطلقة كما أن طول الغياب مناف للإمساك بالمعروف.
بالنسبة للعذر الشرعي المبرر لغياب الزوج والذي يحول دون تطليق زوجته عليه فهو خاضع للسلطة التقديرية للقاضي فهو الذي يقدر ما إذا كان هذا العذر شرعيا ومبررا لغيابه أم لا ؟ فغياب الزوج مثلا لمزاولة الدراسة يعتبر مبررا شرعيا أما غيابه لأكثر من سنة في رحلة سياحية فهذا لا يعتبر مبررا شرعيا للغياب وهكذا فالقاضي يحدد مدى شرعية الغياب من عدمه وفقا لمعطيات الملف وظروف الزوج وعادات وتقاليد المجتمع.

الفرع السادس: مخالفة الأحكام الواردة في المادة 8 من قانون الأسرة
اعتبر المشرع الجزائري أن مخالفة الأحكام الواردة في المادة 8 من قانون الأسرة والمتعلقة بتعدد الزوجات سبب من الأسباب التي تسمح للزوجة بطلب التطليق وذلك في الفقرة السادسة من المادة 53 من قانون الأسرة.
وقد بينا الشروط المتعلقة بتعدد الزوجات عند تطرقنا إلى هذه المسألة في المطلب الثالث من المبحث الأول من الفصل والأول من هذه الدراسة.
فعدم وجود المبرر الشرعي أو عدم العدل بين الزوجات أو عدم إخبار أحدى الزوجات بالزواج مرة أخرى أو عدم الحصول على ترخيص من رئيس المحكمة كلها تعتبر أسبابا تبيح للزوجة المتضررة رفع دعوى للمطالبة بالتطليق، فبالنسبة لمسألة عدم العدل بين الزوجات فما على الزوجة إلا أن تثبت أن زوجها لا يعاملها معاملة عادلة مقارنة بالزوجة أو الزوجات الأخريات وللقاضي هنا سلطة تقديرية في تحديد عدل الزوج من عدمه.
أما مسألة عدم وجود المبرر الشرعي فالسؤال الذي يطرح نفسه هل زوال المبرر الشرعي بعد إبرام عقد الزواج الثاني يعد سببا من أسباب التطليق ومثال ذلك أن الزوج تزوج بزوجة ثانية بسبب مرض الزوجة مثلا وبعد الزواج شفيت هذه الأخيرة فهل يحق لها المطالبة بالتطليق؟ نحن نرى أن شرط المبرر الشرعي يشترط وجوده عند إبرام عقد الزواج الثاني وأن المشرع قصد من وراء شرط عدم وجود المبرر الشرعي كسبب من أسباب التطليق الزواج العرفي فإذا تزوج الزوج بزوجة ثانية زواجا مكتمل الأركان والشروط الشرعية دون أن يقوم بتسجيل هذا الزواج وانعدم المبرر الشرعي يجوز للزوجة المطالبة بالتطليق.
ونفس الأمر بالنسبة لعدم احترام شرط إخبار الزوجة السابقة والمرأة التي يقبل الزوج على الزواج بها فغالبا ما يكون هذا نتيجة للزواج العرفي أي الزواج الذي تتوفر فيه الأركان والشروط المطلوبة شرعا وقانونا.
كما يمكن أن نتصور عدم احترام هذا الشرط في حالة عدم إخبار إحدى الزوجتين عمدا ونتيجة لطرق احتيالية وتدلسية تمكن الزوج من الحصول على الترخيص من رئيس المحكمة وتجدر الإشارة هنا أن المادة 8 مكرر من قانون الأسرة تجيز للزوجة رفع دعوى قضائية ضد الزوج للمطالبة بالتطليق وذلك في حالة التدليس.
وأخيرا بالنسبة لشرط الحصول على ترخيص من رئيس المحكمة فكل زوجة تزوج زوجها عليها دون ترخيص يجوز لها رفع دعوى قضائية للمطالبة بالتطليق.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تتمكن الزوجة من إثبات زواج زوجها عليها إذا كان زواجه الثاني زواجا عرفيا لم يثبت بحكم قضائي مع العلم أن المادة 22 من قانون الأسرة نصت أن الزواج يثبت بمستخرج من سجل الحالة المدنية، وفي حالة عدم تسجيله يثبت بحكم قضائي.

الفرع السابع : التطليق بسبب ارتكاب فاحشة مبينة.
لقد جعل المشرع الجزائري ارتكاب الزوج لفاحشة مبينة سببا من الأسباب التي تبيح للزوجة طلب التطليق وذالك في نص المادة 53 القفرة السابعة من قانون الأسرة ومن خلال استقراء نص هده الفقرة نجد أن المشرع لم يبين لنا المقصود بالفاحشة المبينة التي يرتكبها الزوج وتكون سببا في طلب زوجته للتطليق.
والمقصود بالفاحشة المبينة هو تلك العلاقات الجنسية التي ترتكب بين ذوي المحارم والمنصوص عليها بالمادة 337 مكرر من قانون العقوبات ولقد ذكر المشرع على سبيل الحصر تلك الفواحش في قانون العقوبات ومن ثم فهو في غير حاجة لإعادة ذكر ما يعد فاحشة في قانون الأسرة .
وما تجدر الإشارة إليه أن قانون العقوبات الجزائري لم يصنف بعض الجرائم أو الأفعال التي تعتبرها الشريعة الإسلامية فواحشا كجريمة الزنا مثلا فهل تعتبر هذه الأفعال سببا من الأسباب التي تبيح للزوجة طلب التطليق؟
المشرع الجزائري قد ذكر الفواحش في المادة 337 مكرر على سبيل الحصر وبالتالي فجريمة الزنا مثلا لا تعتبر فاحشة مبينة تجيز للزوجة المطالبة بالتطليق.
وبناءا على أحكام المادة الأولى من القانون المدني التي تنص على ما يلي "يسري القانون على جميع المسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها أو فحواها، وإذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية".
طبقا لهذا النص فالقاضي ملزم بتطبيق القانون، و لا يمكن له أن يذهب للبحث في الشريعة الإسلامية لتحديد ما يعتبر من الفواحش، فقد تولى قانون العقوبات هذه المسألة .
وفي حالة ارتكاب الزوج لأي فعل تعتبره الشريعة الإسلامية من بين الفواحش فإنه بإمكانها المطالبة بالتطليق وفقا للفقرة الرابعة أو العاشرة من المادة 53 إذا أثبتت ذلك.

الفرع الثامن : التطليق بسبب الشقاق المستمر بين الزوجين.
نص المشرع الجزائري على أن الشقاق المستمر بين الزوجين يعتبر سببا من الأسباب التي تجيز للزوجة المطالبة بالتطليق، وذالك في الفقرة الثامنة من نص المادة 53 من قانون الأسرة ولقد تناولنا مسألة تعيين الحكمين المنصوص عليها في المادة 56 من قانون الأسرة في المطلب الأول من المبحث الثاني في الفصل الأول لهذه الدراسة وقلنا أنه في حالة اشتداد الخصام بين الزوجين وعدم ثبوت الضرر يحكم القاضي بالطلاق وبالتعويض للطرف المتضرر فاشتداد الخصام المنصوص عليه في المادة 56 هو نفسه الشقاق المستمر بين الزوجين المنصوص عليه في الفقرة 08 من المادة 53 من نفس القانون، فإذا كانت الإساءة أو كان الضرر غير معروفي المصدر فكل من الزوجين ينسب لصاحبه الضرر فعلى القاضي أن يبذل جهده في استئصال جذور الخلاف فإن لم يفلح يلجأ للتحكيم بين الزوجين فإن لم يجد في التحكيم نفعا يحكم القاضي للزوجة بالتطليق.
وقد صدرت العديد من القرارات عن المحكمة العليا والتي قضت بالتطليق بناءا على استفحال الشقاق بين الزوجين، ومثال ذالك الاجتهاد القضائي الذي صدر بموجب القرار المؤرخ في 24/09/1996 والذي جاء فيه: "من المستقر عليه أن استفحال الشقاق بين الزوجين يقضي بالتفريق القضائي شرعا.
ولما كان - في قضية الحال – أن المطعون ضدها ما تضررت من جراء استفحال الخصام مع زوجها لمدة طويلة مما نتج عنه إصابتها بمرض الأعصاب وأصبحت الحياة مستحيلة بينهما فإن القضاة بقضائهم بتطليق الزوجة لهذا السبب كافي للتفريق القضائي، وطبقوا صحيح القانون" .
كما ذهبت المحكمة العليا إلى نفس الاتجاه في اجتهاد قضائي آخر صادر بتاريخ 15/06/1999 جاء فيه" من المستقر عليه قضاءا أنه يجوز تطليق الزوجة لاستفحال الخصام وطول مدته بين الزوجين باعتباره ضررا شرعيا.
ومتى تبين من قضية الحال، أن الزوجة تضررت لمدة طول الخصام مع الزوج، وأن الزوج هو المسؤول عن الضرر لأنه لم يمتثل للقضاء بتوفير سكن منفرد للزوجة مما يجعل الزوجة متضررة ومحقة في طلبها للتعويض وعليه فإن قضاة الموضوع لما قضوا بتطليق الزوجة لطول الخصام وبتظليم الزوج وتعويض الزوجة طبقوا صحيح القانون ."

الفرع التاسع : التطليق بسبب مخالفة الشروط المتفق عليها في عقد الزواج.
نص المشرع الجزائري على أن مخالفة الشروط المتفق عليها في عقد الزواج تعتبر سببا من الأسباب التي تجيز للزوجة طلب التطليق في الفقرة التاسعة من المادة 53 من قانون الأسرة.
وقد نصت المادة 19 من قانون الأسرة على أنه: "للزوجين أن يشترطا في عقد الزواج أو في عقد رسمي لاحق كل الشروط التي يريانها ضرورية ولاسيما شرط عدم تعدد الزوجات وعمل المرأة ما لم تتنافى هذه الشروط مع أحكام هذا القانون"، وعليه إذا أخل الزوج بأحد الشروط المتفق عليها فإن ذلك يجيز للزوجة طلب التطليق وما على القاضي إلا أن يراقب تواجد هذا الشرط في عقد الزواج أو في عقد لاحق وعليه أن يقدر ما إذا كان يتوافق مع أحكام قانون الأسرة فإذا كان مخالفا لها، فالقاضي لا يستجيب لطلب الزوجة وذلك وفقا لنص المادة 35 من قانون الأسرة التي نصت على أنه "إذا اقترن عقد الزواج بشرط ينافيه كان الشرط باطلا والعقد صحيح"، ومثال الشروط المنافية لقانون الأسرة أن تشترط الزوجة على الزوج مثلا عدم الإنجاب فإذا تأكد القاضي من مخالفة الشروط المتفق عليها وأن هذه الشروط لا تخالف أحكام قانون الأسرة حكم للزوجة بطلب تطليقها تطبيقا لقوله عليه الصلاة والسلام: "المسلمون عند شروطهم".

الفرع العاشر: التطليق بسبب كل ضرر معتبر شرعا.
نص المشرع الجزائري على أن كل ضرر معتبر شرعا يعد سببا من الأسباب التي تجيز للزوجة طلب التطليق وذلك في الفقرة العاشرة من المادة 53 من قانون الأسرة وباستقراء نص هذه الفقرة نجد أن عبارة كل ضرر معتبر شرعا عبارة عامة جدا بحيث لم يتقيد المشرع بضرر معين وأن سلطة تقدير القاضي للضرر في هذا المجال سلطة تقديرية وموضوعية مطلقة ولا يقيدها أي قيد ولا تخضع لرقابة المحكمة العليا . ونحن نرى أن المشرع الجزائري فعلا حسنا في ذالك لأن ما يعتبر ضررا لزوجة ما قد لا يكون كذالك بالنسبة لأخرى وأن الضرر المعتبر شرعا في زمن معين ولدى جماعة معينة قد لا يكون كذالك بالنسبة إلى زمن آخر أو جماعة أخرى، ويمكن أن نضرب أمثلة للضر المعتبر شرعا من خلال بعض قرارات المحكمة العليا.
في القرار الصادر بتاريخ 20/02/1991 اعتبرت المحكمة العليا أن بقاء الزوجة مدة طويلة تقارب الخمس سنوات لا هي متزوجة ولا هي مطلقة يعتبر ضررا شرعيا يجيز للزوجة المطالبة بالتطليق
كما أن تماطل الزوج في إرجاع زوجته لبيت الزوجية ووقوفه موقف سلبي يعتبر ضررا شرعيا يجيز للزوجة طلب التطليق وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر في 26/09/1988 .
كما أن ضرب الزوج للزوجة ضربا مبرحا يعتبر كذالك سببا من أسباب التطليق وهو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في اجتهادها القضائي الصادر بتاريخ 20/06/2000 وتجدر الإشارة في هذا الصدد أنه لا يشترط صدور حكم جزائي لإثبات الضرب وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في القرار الصادر بتاريخ 23/01/2001 ، كما أن تقديم شهادة طبية وحدها غير كاف لإثبات الضرب الواقع على الزوجة من طرف الزوج، وهذا ما ذهبت إليه نفس الجهة القضائية في قرارها الصادر بتاريخ 02/01/1989 .
ومما هو جدير بالذكر في هذا المقام أن القانون لم يحدد معيارا للتمييز بين ما إذا كان الفعل الصادر عن الزوج تجاه زوجته يشكل ضررا لها أم لا. ونحن نرى أن المعيار المعتمد هو المعيار الشخصي انطلاقا من المعطيات والظروف الاجتماعية والثقافية الخاصة بكل زوج لأننا كما أشرنا ما يعتبر ضارا لزوجة قد لا يكون كذالك لزوجة أخرى وقد أكدت المحكمة العليا في العديد من قراراتها أن تقدير الضرر يخضع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع ومثال ذالك القرار الصادر بتاريخ 18/05/1999 .


المطلب الثالث : تقدير القاضي للطلاق التعسفي والنشوز:
لقد أحسن المشرع الجزائري صنعا عندما جعل فك الرابطة الزوجية يخضع لإشراف القضاة ورقابتهم مما يخول لهم منع أي تعسف في استعمال الحقوق، وجبر الضرر الذي يلحق بالطرف المتضرر ومنحه التعويض المناسب.
وقد حاولنا تبيان دور القاضي في تقديره لاعتبار الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج تعسفيا أم لا. إضافة إلى توضيح المقصود من النشوز الوارد بالمادة 55 من قانون الأسرة والذي يعتبر سببا من أسباب انحلال الرابطة الزوجية وذلك من خلال الفرعين التاليين:
أولا: تقدير القاضي لتعسف الزوج في الطلاق
ثانيا: دور القاضي في تحديد حالات النشوز

الفرع الأول : تقدير القاضي لتعسف الزوج في الطلاق
نصت المادة 52 من قانون الأسرة على ما يلي:"إذا تبين للقاضي تعسف الزوج في الطلاق حكم للمطلقة بالتعويض عن الضرر اللاحق بها". وعليه إذا كان الطلاق بيد الرجل في الشرع والقانون، فإنه لابد من سبب أو حجة شرعية تدعو إليه فلو طلق الزوج زوجته من غير داع مشروع للطلاق أو سبب معقول وأن الزوجة سيصيبها بذلك ضرر جاز للقاضي أن يحكم لها على مطلقها بحسب حالة ودرجة تعسفه وفقا لسلطته التقديرية بتعويض عادل.
وقد استقر القضاء الجزائري بأن حق الطلاق بالإرادة المنفردة مخول للزوج ولا يترتب على استعماله من الأحكام سوى استحقاق الزوجة المطلقة لمؤخر صداقها ونفقة عدتها التي يراعي القاضي في تقديرها حالة المطلق المالية.
غير أنه إذا كان الطلاق لغير سبب مشروع يدعوا إليه وجب على المطلق تعويض الزوجة المطلقة عن الأضرار التي أصابتها.
والتعسف في استعمال الطلاق هو الخروج عن الحكمة التي اقتضت إباحته كالطلاق في مرض الموت لحرمان الزوجة من الميراث أو الطلاق من دون أدنى سبب معقول.
ويشترط لاعتبار الطلاق تعسفيا أن يقع بلا سبب أو يكون بأسباب واهية مع الإشارة إلى أن للزوج أن يوقع الطلاق بإرادته المنفردة دون أن يفصح للقاضي عن الأسباب التي دفعته إلى ذلك لكنه يتحمل مسؤولية هذا الطلاق، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 15/06/1999 والذي جاء فيه "... من المقرر قانونا أنه يحق للزوج إيقاع الطلاق بإرادته المنفردة ومن ثمة فإن النعي على القرار المطعون فيه بالقصور في التسبيب ليس في محله.
ومتى تبين في قضية الحال أن للزوج الحق في تحمل مسؤولية الطلاق دون أن يفصح للقاضي عن الأسباب التي دفعته للطلاق وذلك تجنبا للحرج أو تخطيا لقواعد الإثبات خلافا للأزواج الذين يقدمون تبريرات لإبعاد المسؤولية عنهم وعليه فإن قضاة الموضوع لما قضوا بالطلاق بإرادة الزوج المنفردة دون تبرير قد طبقوا صحيح القانون..."
كما أن عدم بيان الزوج سببا للطلاق يكفي لاعتباره تعسفيا ولا تكلف المطلقة بإثبات التعسف.
و المشرع الجزائري لم يوضح في المادة 52 من قانون الأسرة معيار الطلاق التعسفي ونحن نرى أن هذا المعيار يقوم على أساسين أحدهما شخصي يتمثل في النية أو الباعث وثانيهما موضوعي وهو الموازنة بين الحقوق والظروف التي أحاطت باستعمال الحق فالمعيار هو ضمان حالة التوازن طبقا للقاعدة الشرعية "لا ضرر ولا ضرار" وهذا ما تجسده السلطة التقديرية للقاضي.
كما أن القانون لم يحدد الأسباب المعقولة التي تبيح الطلاق دون تعويض وترك تقدير ذلك للقاضي بعد دراسة ملابسات القضية وظروف وأحوال الزوجين وما أدى إلى الانفصال بينهما فإن قدر السبب وكان معقولا في نظره ردّ دعوى التعويض وإلا حكم على الزوج بالتعويض حسب وضعه المالي.
وبالرجوع إلى القانون المدني الجزائري نجد أن المشرع قد حدد معايير التعسف في استعمال الحق في الحالة العامة، بحيث يعتبر الشخص متعسفا في استعمال حقه إذا تحققت إحدى الصور التي نصت عليها المادة 124 من القانون المدني:"يشكل الاستعمال التعسفي للحق خطأ لاسيما في الحالات الآتية:
- إذا وقع بقصد الإضرار بالغير.
- إذا كان يرمي للحصول على فائدة قليلة بالنسبة للضرر الناشئ للغير.
- إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة".
من خلال هذا النص يمكن للقاضي أن يستخلص معايير التعسف حتى يسهل عليه التأكد من أن الزوج عند استعمال حقه في الطلاق بإرادته المنفردة متعسف أم لا.





الفرع الثاني : دور القاضي في تحديد حالات النشوز
نص المشرع الجزائري في المادة 55 من قانون الأسرة على أنه : "عند نشوز أحد الزوجين يحكم القاضي بالطلاق وبالتعويض للطرف المتضرر".
وعليه فإن النشوز قد يكون من الزوجة كما قد يكون من الزوج، لكن المشرع الجزائري لم يحدد حالات النشوز ولا تعريفه وترك أمره للقاضي.
وحسب نص المادة 222 من قانون الأسرة التي نصت :"كل ما لم يرد النص عليه في هذا القانون يرجع فيه إلى أحكام الشريعة الإسلامية".
بالرجوع إلى أحكام الشريعة نجد أن النشوز يعني الترفع ومنع أداء الحقوق كراهة قد يكون من الزوج وقد يكون من الزوجة.
بالنسبة للزوجة الناشز هي تلك التي خرجت عن طاعة زوجها بدون حق شرعي والتي خرجت من بيت الزوج بدون إذنه وبدون سبب شرعي وبالتالي قد فوتت حق الاحتباس على الزوج بغير حق.
والناشزة في اللغة هي العاصية على الزوج المبغضة له، وفي الشرع هي الخارجة من بيت الزوج بغير حق. ويمكن أن نذكر بعض الحالات التي تكون فيها الزوجة ناشز:
1- إذا امتنعت الزوجة عن الانتقال إلى منزل الزوج بدون وجه حق ودون سبب شرعي وقد دعاها للانتقال وأعد المسكن الملائم، أو أنها خرجت منه دون مبرر شرعي بعد انتقالها إليه ولم تعد، وهنا لا بد على الزوج أن يستصدر حكما برجوع الزوجة إلى بيت الزوجية ويثبت امتناعها عن تنفيذ هذا الحكم وهذا ما ذهبت المحكمة العليا في قرار صادر في 09/07/1984 جاء فيه : "متى كان من المقرر شرعا أن سقوط النفقة عن الزوجة لا يكون إلا بعد ثبوت بأنها بلغت بالحكم النهائي القاضي برجوعها لمحل الزوجية وبعد ثبوت امتناعها عن تنفيذ هذا الحكم مما يجعلها ناشزا عن طاعة زوجها ومن ثم فالنعي على القرار المطعون فيه بالخطأ في تطبيق الشريعة الإسلامية في غير محله ويستوجب الرفض" وهنا لا بد من الإشارة أنه يشترط أن يكون مسكن الزوجية مشتملا على لوازم الحياة الأساسية والمرافق الكافية وألا يكون مخوفا وموحشا وألا يجمعها مع ضرتها بغير رضاها فمتابعة الزوجة زوجها للمسكن الشرعي وهو بيت الزوجية الذي يختاره الزوج مستوفيا للشروط الضرورية للحياة هو واجب أساسي على المرأة من واجبات الحياة الزوجية، فإذا تمردت المرأة عن متابعة زوجها دون أن يكون هناك مانع، كما لو أن الزوج لم يؤدها ما يجب تعجيله من المهر أو لم يهيئ لها المسكن الزوجي الصالح فإنها بهذا التمرد الغير معذور تسقط نفقتها الزوجية عن عاتق الزوج مدة هذا التمرد والامتناع وتعود النفقة متى أذعنت وانقادت وهذا باتفاق جمهور الفقهاء وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 09/07/1984 المذكور أعلاه وقد أكدت هذه الأخيرة -المحكمة العليا – على أنه لا يمكن اعتبار كل زوجة امتنعت عن الرجوع إلى بيت الزوجية ناشزا وذلك في القرار الصادر بتاريخ 09/02/1987 الذي جاء فيه "من المقرر شرعا أنه ليست كل زوجة رغبت عن الرجوع لزوجها تعتبر ناشزا تحرم من أجلها من حقوقها الواجبة لها شرعا من جراء طلاقه لها، ومن المقرر أيضا أن النشوز لا يعمل به شرعا إلا إذا وفر الزوج لزوجته كل مطالبها المحكوم لها بها. ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذين المبدأين يعد خرقا للقوانين الشرعية" كما أن امتناع الزوجة عن الرجوع لبيت الزوجية بعد إهانتها من الزوج لا يعتبر نشوزا وهذا ما ورد في القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 19/05/1998 الذي جاء فيه "... ومتى تبين في قضية الحال أن المطعون ضده قد سبق وأن رفع دعوى طلاق على الطاعنة على اعتبار أنها مريضة عقليا، ثم تراجع عن ذلك وطالب برجوعها من جديد ليتجنب مسؤولية الطلاق، فإن امتناع الطاعنة عن الرجوع بعد إهانتها لا يعتبر نشوزا..." . وحتى اشتراط الزوجة لرجوعها إلى بيت الزوجية حضور الزوج إلى بيت أهلها كرد لكرامتها هو شرط ينتفي معه النشوز، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 17/02/1998 حيث جاء فيه: " من الثابت شرعا وفقها أنه في حالة الخصام بين الزوجين فإن حضور الزوج لبيت أهل الزوجة وطلب رجوعها إلى بيت الزوجية مرغوب لرد كرامتها لبناء حياة زوجية صحيحة".
ولما كان من الثابت – في قضية الحال- أن قضاة المجلس لما قضوا بجعل مسؤولية الطلاق على عاتق الزوجة باعتبارها ناشز، فإنهم أخطئوا في تفسير القانون والشرع لأن الزوجة لا تعتبر ناشزا، بل اشترطت لرجوعها حضور الزوج إلى بيت أهلها لرد كرامتها وهو الشرط الذي ينتفي معه النشوز بأغلبية آراء الفقهاء، فإنهم أخطأوا في تفسير القانون.
ومتى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه"
إضافة إلى هذا فامتناع الزوجة من السكن مع أقارب الزوج لا يعد نشوزا منها وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 21-11-2000 الذي جاء فيه "إن امتناع الزوجة عن السكن مع أقارب الزوج لا يعد نشوزا وأن القضاء بإيقاع الطلاق على الطاعنة يعد تعسفيا في حقها وتستحق التعويض جبرا للضرر"
2- تعتبر الزوجة ناشزا إذا كان الزوج يقيم معها في بيتها بإذنها ثم منعته من الدخول ولم تطلب منه الانتقال لمسكن آخر ولم تترك له فرصة للبحث عن مسكن لأن منعها له من غير طلب سابق والإمهال خروج عن طاعته.
3- خروج الزوجة من بيت زوجها في غيبته أو دون إذنه للحاجيات التي تستدعي خروجها أو للأمور أو الزيارات المشروعة كزيارة الأهل مثلا وجدنا فيه اختلافات كبيرة بين الفقهاء في اعتبار الزوجة ناشزا أم لا فهناك من يرى أنه ليس للزوجة الخروج من المنزل ولو إلى الحج إلا بإذن زوجها . وهناك رأي آخر وهو رأي فقهاء الحنفية الذين يرون أن للزوجة الحق في أن تخرج من بيت الزوجية لزيارة والديها وليس للزوج أن يمنعها من ذلك، وإن كان أبوها مريضا مرضا معقدا واحتاج إليها فعليها أن تذهب إليه وإن كان غير مسلم وان أبى الزوج، وليس للزوج منع أبويها وغيرهم من المحارم زيارتها ، كما أن الشافعية يرون أن للزوجة الخروج في غيبة زوجها إلى بيت أبيها أو أقاربها أو جيرانها ونحوها كالعيادة والتعزية، ولا يسقط هذا الخروج نفقتها لأنه لا يعد نشوزا عرفا . ونحن نميل إلى الرأي الذي ذهب إليه فقهاء الحنفية والشافعية لكن هذا لا يعني أن تتعسف الزوجة استعمال حقها بالخروج من بيت الزوجية بين كل لحظة وأخرى نكاية في الزوج أو ما شابه ذلك ونؤكد أن الخروج لا يكون إلا للحاجات التي تستدعي خروجها وللأمور والزيارات الشرعية فالقاضي هنا هو الذي يحدد الحالات الضرورية التي تستدعي خروج الزوجة من بيت الزوجية وكذا الزيارات التي تعتبر شرعية وذلك وفقا لسلطته التقديرية باعتماده على عرف المنطقة التي يقطن فيها الزوجان أو على عادات أهليهما وتقاليدهم.
4- قضية سفر الزوج بزوجته وكون عدم سفر الزوجة مع زوجها يعتبر نشوزا أم لا تعددت فيها آراء الفقهاء والرأي الراجع في الفقه أن للزوج بعد أدائه كل المهر المعجل لزوجته أن يسافر بها إذا كان مأمونا عليها ، فإن كان الزوج غير مأمون عليها يريد نقلها من بيت أهلها ليؤذيها، أو يأخذ مالها وامتنعت عن السفر فلا تعتبر ناشزا.
وعليه فوجوب سفر الزوجة مع زوجها ومتابعتها له فيه هو الأصل ما لم تكن قد اشترطت عليه في عقد الزواج خلاف ذلك، ويترك للقاضي في غير حالة الشروط العقدية تقدير الظروف والملابسات التي تسوغ إسقاط هذا الواجب عن الزوجة، ومنع الزوج من السفر بها، فالقاضي يقدر ذلك بحسب ما يراه من الوقائع ويأخذ بعين الاعتبار أن يكون الزوج مأمونا على نفس الزوجة ومالها ولا يقصد بنقلها الكيد والإضرار بها إلى غير ذلك من الاعتبارات التي تختلف باختلاف المواطن ولا تخفى على فطنة القضاة.

كل هذا عن نشوز الزوجة، أما عن نشوز الزوج فيتحقق بمنع الزوجة من حقوقها كترك الإنفاق عليها، أو المبيت عندها أو هجرها بالمرة أو إيذائها بالضرب والسب وما إلى ذلك من ضروب الإهانة والتعسف، فيصدق على الزوج وصف الناشز إذا منع زوجته من حقوقها، ولو في بعض منها ويسئ خلقه معها وهناك العديد من الحالات التي يعتبر فيها الزوج ناشزا وبالتالي يمكن للزوجة أن تطلب حل الرابطة الزوجية والحصول على التعويض طبقا لنص المادة 55 من قانون الأسرة ونذكر منها:
1. نشوز الزوج عن طريق الظهار :
قد تصدر عن الزوج عبارة لا تدل على الفرقة وإنما على تحريم الحياة الزوجية، فهي تدل على بقاء العلاقة الزوجية لكنها تبقى علاقة محرمة، وذلك بأن نسب زوجته إلى إحدى محارمه فيقول لها أنت علي كظهر أمي أو نحو ذلك، والظهار هو تشبيه الرجل زوجته في التحريم بإحدى المحرمات على وجد التأبيد سواء كان ذلك بالنسب أو المصاهرة أو الرضاع .
2. نشوز الزوج عن طريق الإيلاء :
الايلاء هو الحلف على ترك قربان الزوجة أربعة أشهر فصاعدا بالله أو بتعليق القربان على ما يشق، فالحلف بالله ألا يقرب زوجته خمسة أشهر ايلاء، وإذا علق الدخول بها على عبادة فيها مشقة أو أمر فيه مشقة عليه فهو ايلاء.
3. نشوز الزوج عند هجره للأسرة وإهماله لواجباته لمدة تتجاوز شهرين:
فالزوج الذي يترك مقر أسرته لمدة تتجاوز شهرين ويتخلى عن كافة التزاماته الأدبية أو المادية المترتبة عن السلطة الأبوية أو الوصاية القانونية، وذلك بغير سبب جدي، يعتبر ناشزا كما أن الزوج الذي يتخلى عمدا ولمدة تتجاوز شهرين عن زوجته مع علمه بأنها حامل وذلك بغير سبب جدي يعتبر ناشزا أيضا.
4. نشوز الزوج بسبب عدم الإنفاق :
إن امتناع الزوج عن الإنفاق عن زوجته دون سبب شرعي يعد نشوزا منه، وعدم الإنفاق إذا أّثبت بحكم قضائي حائز لقوة الأمر المقضى فيه يعد سببا من أسباب التطليق الواردة في المادة 53 من قانون الأسرة، واشتراط إثبات عدم الوفاء بالنفقة بواسطة حكم قضائي وصيرورة هذا الحكم حائز لقوة الأمر المقتضى به فيه غبن للزوجة لذلك في رأينا أنه من الأحسن أن يكون إثبات نشوز الزوج لعدم الإنفاق طبقا للقواعد العامة للإثبات.
امتناع الزوج عن توفير مطالب الزوجة المحكوم بها قضاءا يعد نشوزا منه وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 21/4/1998 حيث جاء فيه "من المقرر قانونا أنه عند نشوز أحد الزوجين يحكم القاضي بالطلاق والتعويض للطرف المتضرر ومتى تبين في قضية الحال أن الطاعن ثبت نشوزه بامتناعه عن توفير السكن المنفرد المحكوم به للزوجة وتعويضها، طبقوا صحيح القانون..."
تم تحرير الموضوع بواسطة :Harrir Abdelghani بتاريخ:12-12-2015 07:29 مساءً

look/images/icons/i1.gif السلطة التقديرية لقاضي شؤون الاسرة في الزواج وإنحلاله
  12-12-2015 10:34 صباحاً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 13-08-2015
رقم العضوية : 1926
المشاركات : 306
الجنس :
تاريخ الميلاد : 3-4-1988
الدعوات : 4
قوة السمعة : 150
المستوي : ليسانس
الوظــيفة : طالب
الفصل الثـاني : السلطة التقديرية للقاضي في الآثار المترتبة على نشوء الرابطة الزوجية وانحلالها

المبحث الأول : السلطة التقديرية للقاضي في الآثار المالية للزواج وانحلاله
آثار الزواج المالية هي حقوق مالية للزوجة على الزوج وهذه الحقوق نوعان فمنها ما يجب مرة واحدة لا أكثر وهو المهر، ومنها ما يستمر باستمرار الزوجية وهو النفقة وقد تناولنا موضوع النفقة دون موضوع المهر لكون تدخل القاضي في هذا الأخير يعتبر محدودا مقارنة بالنفقة.
كما أننا تناولنا الآثار المالية الناتجة عن انحلال الزواج وحاولنا تبيان دور القاضي في ذلك وهذا في مطلبين اثنين.

المطلب الأول : الآثار المالية الناتجة عن الزواج وتقدير القاضي لها.
المقصود بآثار عقد الزواج هو النتائج القانونية التي تترتب على العقد بمجرد انعقاده، وتعتبر النفقة من أهم الآثار المالية المترتبة على عقد الزواج الصحيح المستوفي لجميع أركانه حسب نص المادتين 9 و 9 مكرر من قانون الأسرة الجزائري.
ويقصد بالنفقة ما يصرفه الزوج على زوجته وأولاده وأقاربه من طعام وكسوة ودواء ومسكن وكل ما يلزم من ضروريات الحياة وذلك بحسب المتعارف عليه بين الناس وحسب قدرة الزوج المالية .
وقد نصت المادة 74 من قانون الأسرة أنه تجب نفقة الزوجة على زوجها بالدخول بها أو دعوتها إليه ببينة مع مراعاة أحكام المواد 78، 79، 80 من هذا القانون.
والسبب المباشر لوجوب النفقة للزوجة على زوجها هو حق الزوج في احتباسها ودخولها في طاعته واستيفائه لحقوقه الزوجية.
ومن خلال ما جاء في مواد قانون الأسرة يتضح لنا أن الشروط الواجب توافرها حتى تجب نفقة الزوجة على زوجها هي:
1- الدخول بالزوجة.
2- أن يكون عقد الزواج صحيحا.
3- أن تكون الزوجة صالحة للمعاشرة.
ولقد نص المشرع الجزائري في المادة 78 من قانون الأسرة على أنه : " تشمل النفقة : الغذاء والكسوة والعلاج، والسكن أو أجرته، وما يعتبر من الضروريات في العرف والعادة".
وبهذا يجب على القاضي الذي سيحكم، بمثل هذه النفقة للزوجة، أن يضع نصب عينيه كل هذه العناصر مجتمعة عندما يقرر الحكم بالمبلغ المناسب للنفقة المطلوبة.
وحسنا فعل المشرع الجزائري في قانون الأسرة عندما نص على أنه يدخل في النفقة ما يعتبر من الضروريات في العرف والعادة وفي إطار المستوى العام للحياة الاجتماعية في حدود طاقة الزوج بلا إسراف ولا تقصير، ذلك أن ما اعتبره المشرع من الضروريات في العرف والعادة يتغير حسب الزمان والمكان وأحوال الناس لأن ظروف الحياة في تغيير مستمر، فقد يصبح ما لم يكن مطلوبا في وقت لازما في وقت لاحق، وما يعتبر من الضروريات في منطقة معينة هو من الكماليات في منطقة أخرى، وهذا ما يبرز لنا السلطة الواسعة التي أعطاها المشرع للقاضي في تقدير النفقة على حسب عادات وأعراف المنطقة وكذا حالة الأطراف من عسر أو يسر.
كما أن المادة 79 من قانون الأسرة منحت للقاضي سلطة تقديرية واسعة في تقدير النفقة على أن يراعي حالة الطرفين وظروف المعاش ولا يراجع تقديره قبل مضي سنة من الحكم، وعليه مراعاة ظروف المعيشة وغلاء الأسعار من يوم الطلب، على ألا تقل قيمة مبلغ النفقة عن الحاجات الضرورية مهما كان وضع الزوج من العسر ، ومن هنا كان من الجائز الزيادة أو الإنقاص في قيمة النفقة حسب تغير حالة الزوج المالية أو الأسعار في البلد غير أن القانون قيد القاضي بعدم مراجعة قيمة النفقة قبل مضي سنة على فرضها إلا في الحالات الاستثنائية، وأكدت المحكمة العليا ذلك في القرار الصادر بتاريخ 23/04/1996 الذي جاء فيه " من المقرر قانونا أنه لا يجوز للقاضي مراجعة النفقة بعد مضي سنة من الحكم ولا يجوز الطعن بحجية الشيء المقضي فيه في النفقة تبعا للمستجدات التي تطرأ على المعيشة والنفقات بصفة عامة" ، ويتبين أن هذه المدة معقولة حيث أن الأسعار لا تتغير في أقل من مدة سنة حتى وإن كان هناك تغيير فإنه لا يكون تغيرا كبيرا.
ورغم أن طالب النفقة قد يتجرأ على طلب مبالغ ضخمة من المكلف بدفع النفقة، حيث تصل أحيانا إلى مبالغ خيالية لا يحكمها عقل ولا منطق وفي انعدام مراقبة الضمير فإن القاضي ستكون مهمته صعبة في تقدير مبلغ النفقة وفق ميزان عادل ، ومع ذلك ستكون سهلة نوعا ما إذا حكم ضميره، واعتمد في تقديره على مراعاة الأيسر و الأسهل على الزوج في الدفع، ذلك أن الهدف من إصدار الأحكام القضائية هو الوصول إلى حسن تنفيذها فإذا كان في حكم القاضي نوع من الإرهاق للمكلف بالنفقة وتحميله مالا طاقة له به فهنا نجده يمتنع عن آدائها وبالتالي تضيع الحكمة من الحكم بإلزام الزوج قضائيا بها، حيث أنه من المقرر شرعا وقانونا أن تقدير النفقة يكون حسب وسع الزوج أي على القاضي أن يقدر المبلغ المستحق وفق قدرة المكلف، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 16/01/1989 والذي جاء فيه "من المقرر شرعا وقانونا أن تقدير النفقة يكون حسب وسع الزوج إلا إذا ثبت نشوز الزوجة ومن المقرر أيضا أن يراعي القاضي في تقدير النفقة حال الطرفين وظروف المعاش ولا يراجع تقديره قبل مضي سنة من الحكم."
وما تجدر الإشارة إليه أنه يصح أن تفرض النفقة سنويا أو شهريا أو أسبوعيا أو يوميا حسب ما هو ميسور للزوج، والمتعارف عليه الآن وجاري به العمل في المحاكم هو فرض أجرة شهرية للنفقة بكل أنواعها بدون تفصيل مع مراعاة الكفاية في الطعام والكسوة والسكن حسب حالة الزوجين.
بالنسبة لنفقة السكن، مما تقدم عرفنا أن النفقة تشمل السكن، فيجب إذن على الزوج إعداد مسكن مستوفي للشروط الشرعية، كما يتضح من نص المادة 78 من قانون الأسرة، وإذا لم يقم بذلك فرض القاضي للزوجة أجرة المسكن إذا طلبت ذلك، وعليه أن يراعي في هذا المسكن ملاءمته لحال الزوج المالية وبيئته وأن تأمن فيه الزوجة على نفسها ومتاعها وأن يكون مشتملا على كل ما يلزم للسكن من أثاث وفراش ومرافق ضرورية، وأن يكون المسكن خاليا من سكن الغير ولـو كان من أهل الزوج، أي على القاضي عند حكمه على الزوج
بتوفير سكن للزوجة أو بدفع بدل الإيجار أن يراعي أولا حال الزوج كما تم بيانه، ثم ينظر في الشروط السابق ذكرها في السكن.
بالإضافة إلى ما تقدم بخصوص مشتملات النفقة هناك ثمن الدواء والعلاج الذي يقع ضمن النفقة المقررة للزوجة على زوجها وذلك وفقا لنص المادة 78 من قانون الأسرة.
بالنسبة لتاريخ استحقاق النفقة، فقد نصت المادة 80 من قانون الأسرة بأنه : " تستحق النفقة من تاريخ رفع الدعوى وللقاضي أن يحكم باستحقاقها بناء على بنية لمدة لا تتجاوز سنة قبل رفع الدعوى"، ويتضح من خلال نص هذه المادة أن تاريخ استحقاق النفقة يبدأ من تاريخ رفع الدعوى وتسجيلها في كتابة ضبط المحكمة، إلى تاريخ صدور الحكم، ولا يجوز للقاضي أن يحكم بنفقة لما قبل الدعوى كقاعدة، ولكن يحدث في الواقع أن ترفع الزوجة دعوى قضائية ضد زوجها طالبة النفقة لها ولأولادها لمدة طويلة سابقة قد تمتد إلى شهور وسنوات وتقديرها من طرف القاضي يكون بمبالغ خيالية، وعادة ما يكون الزوج عاجزا عن دفعها، ولقد أحسن المشرع الجزائري صنعا عندما منع القاضي من الحكم للزوجة بكل ما تطلبه من نفقة متراكمة عن مدة سابقة بل يجب أن يحكم لها بما تستحقه هي وأولادها في حدود ما بعد رفع الدعوى وابتداءا من تاريخ تسجيلها في كتابة ضبط المحكمة إلى تاريخ صدور الحكم كقاعدة عامة، إلا أن المادة 80 من قانون الأسرة سمحت للقاضي بأن يحكم بالنفقة المتراكمة لمدة سنة واحدة سابقة لتاريخ رفع دعوى النفقة التي تستحقها هي وأولادها شرعا، بشرط أن تثبت عدم الإنفاق، والإثبات هنا يكون بكل طرق الإثبات.
كما أن المادة 57 مكرر من نفس القانون نصت على أنه "يجوز للقاضي الفصل على وجه الاستعجال بموجب أمر على عريضة في جميع التدابير المؤقتة ولاسيما ما تعلق منها بالنفقة... والمسكن"، وتقدير حالة الاستعجال يخضع للسلطة التقديرية للقاضي.
فنتيجة الإهمال في عدم رفع الدعوى لا يعني سقوط الحق، فتبقى ذمة الزوج مشغولة بنفقة ما قبل هذه المدة، إن لم يكن قد أداها، ولو أدى هذه النفقة مما وراء المدة يعتبر مؤديا حقا وليس له استرداده.

أما بخصوص مراجعة تقدير النفقة فإن المادة 79 من قانون الأسرة تقرر بوضوح إمكانية ذلك بعد مضي سنة من تاريخ الحكم، إذا تغير حال الزوج الذي أتخذ أساسا لتقدير النفقة أو تغيرت الأسعار تغيرا كبيرا زيادة أو نقصا، فيجوز لكل من الزوجين الذي يتأثر حقه بهذا التغير أن يطلب تعديل النفقة زيادة أو نقصا، ومجال تدخل القاضي في هذه النقطة واسع جدا فهو الذي يقدر مدى تأثير تغير حال الزوج أو الأسعار على المبالغ المحكوم بها.

بالنسبة لمسقطات النفقة على الزوج، فإذا تحققت شروط وجوب النفقة استحقتها الزوجة لها ولأولادها بالتراضي أو بالتقاضي ولا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء، كما تجوز المقاصة، فإذا كان للزوج دين ثابت على زوجته جاز أن يطلب منها إسقاط ما يقابل دينه من النفقة المفروضة، فالنفقة على الزوجة واجبة بتوفر عقد صحيح حسب نص المادة 74 من قانون الأسرة كما اشرنا إلى ذلك، ولا بد أن تكون الزوجة صالحة للمعاشرة لتحقيق أغراض الزواج، وإذا فقد شرط من هذه الشروط فلا تستحق النفقة وذلك ما يظهر في الزوجات الآتية:
- المعقود عليها بعقد فاسد، وكذلك المدخول بها بناءا على شبهة بغير عقد، فهاتان لا نفقة لهما لفقدان إحدى الشروط الأساسية لوجوب النفقة وهو عقد الزواج الصحيح وكذا انعدام الاحتباس المشروع .
- الزوجة المريضة قبل أن تزف ولم يدخل بها، وعلى عكسها من ذلك الزوجة المريضة تستحق النفقة مع بقائها في بيت الزوجية .
- الزوجة الناشز وهي التي خرجت عن طاعة زوجها بدون حق شرعي، والتي خرجت من بيت زوجها بلا إذنه وبغير وجه شرعي، وبالتالي فقد فوتت حق الاحتباس على الزوج. وعلى العموم فإن سقوط النفقة على الزوجة الناشز لا يكون إلا بعد تقدير القاضي وفقا لما يتمتع به من سلطة تقديرية في تقرير النشوز من عدمه، وبعد تبليغها بالحكم النهائي القاضي برجوعها لبيت الزوجية، وثبوت إمتناعها عن تنفيذ هذا الحكم .
كل هذا بالنسبة لنفقة الزوجة أما نفقة الأولاد والأقارب، فكافة الأحكام السابقة في تقدير النفقة من طرف القاضي للزوجة تنطبق على الأولاد إلا بعض الاستثناءات وبعض الأحكام التي خص بها المشرع الجزائري في قانون الأسرة الأولاد والأقارب بحيث نص في المادة 75 من قانون الأسرة أنه:
" تجب نفقة الولد على الأب ما لم يكن له مال، فبالنسبة للذكور إلى سن الرشد والإناث إلى الدخول وتستمر في حالة ما إذا كان الولد عاجزا لآفة عقلية أو بدنية أو مزاولا للدراسة وتسقط بالاستغناء عنها بالكسب".
أما المادة 76 منه فقد نصت على أنه: "في حالة عجز الأب تجب نفقة الأولاد على الأم إذا كانت قادرة على ذلك ". ومنه نتوصل إلى النتائج التالية:
1- أن نفقة الولد واجبة على والده كمبدأ عام، ولا تسقط عنه إلا إذا أثبت أن لهذا الولد ما يمكن أن ينفق منه على نفسه، وذلك بغض النظر عن كون الولد موسرا أو معسرا ، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر في 16/03/1999 والذي جاء فيه :"... النفقة على الابن واجبة على الأب تجاه ابنه المحضون ..." .
2- إن مدة وجوب النفقة للأبناء على الآباء مدة مؤقتة أحيانا ومستمرة أحيانا أخرى، فهي تنتهي بالنسبة إلى الولد الذكر السليم عند بلوغه سن الرشد المدني وهو سن 19سنة، وتنتهي بالنسبة للفتاة السليمة عند زواجها ودخولها إلى بيت زوجها ، وفي قرار صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 16/02/1999 جاء فيه :"أن القضاة لما قضوا بحرمان البنتين من النفقة دون توضيح السبب المعتمد عليه في حكمهم مع أن نفقة البنت تبقى على عاتق والدها إلى أن تنتقل لبيت الزوجية أو حصولها على كسب وعليه فإن القضاة بقضائهم كما فعلوا خالفوا أحكام المادة 75 من قانون الأسرة" .
أما إذا تعلق أمر وجوب النفقة بولد أو فتاة ممن أعجزهم المرض العقلي أو البدني عن الكسب أو كانوا ممن يزالون التعليم والدراسة، فإن وجوب النفقة على الأب يبقى مستمرا ولا يسقط هذا الواجب على الأب إلا بشفاء المريض، وانقطاع الطالب عن طلب العلم أو باستغناء أي منهم عن النفقة بالكسب الحلال وبالوسائل المشروعة ، وهذا ما جاء في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 17/02/1998 الذي جاء فيه: "من المقرر قانونا بأنه يلزم الأب بالإنفاق على الولد الذي ليس له كسب ومتى تبث- في قضية الحال- أن الولد المنفق عليه معوق ويتقاضى منحة شهرية فإن القضاة بقضائهم بحقه في النفقة لأن المنحة التي يتقاضاها مجرد إعانة لا تكفي حاجياته طبقوا صحيح القانون" .
3- إن مبدأ وجوب نفقة الأبناء على الآباء يستلزم بالضرورة أن يكون الأب موسرا وقادرا على الكسب، والابن فقير وعاجز على الكسب أيضا، أما إذا أصبح الأب فقيرا وعاجزا عن الكسب وتوفير المال اللازم بالإنفاق على نفسه وعلى زوجته وأولاده فإن واجب الإنفاق على الولد الصغير الذي ليس له مال ينتقل من على كاهل الأب إلى كاهل الأم، وتصبح هي الملزمة بالإنفاق على أولادها سواء بصفة مؤقتة أو بصفة مستمرة، ولكن هذا الواجب لا ينتقل إلى الأم إلا إذا كانت ذات مال وذات مدخول .
ويتضح مما تقدم أن للقاضي من خلال ما يتمتع به من سلطة تقديرية دورا مهما وحساسا في تقرير وتقدير قيمة النفقة للزوجة والأولاد، وأن مجالها واسع خاصة في البحث عن قدرة الزوج وظروف وحالة الطرفين والبيئة التي يعيشون فيها وتغير ظروف المعيشة وغلاء الأسعار وانخفاضها، كل هذا يفرض على القاضي المختص أن يكون باحثا اجتماعيا واقتصاديا يعلم بكل التغيرات الواقعة بالإضافة إلى احترام القواعد التي وضعها المشرع في قانون الأسرة من خلال المواد 74 إلى 80 وكذا أحكام الشريعة الإسلامية حسب ما جاء في نص المادة 222 من قانون الأسرة حتى يستطيع الوصول إلى قرار سديد وعادل لا يظلم فيه أحد.
وقد استقر اجتهاد المحكمة العليا أن تقدير النفقة يكون بنفقة شهرية بكل مشتملاتها بدون تفصيل مراعيا في ذلك الكفاية في الطعام والكسوة وكل ما هو من الضروريات حسب حالة كل من الزوجين، كما أنها اعتبرت -المحكمة العليا- أن تقدير النفقة يعد مسألة موضوعية من اختصاص وتقدير قضاة الموضوع.

المطلب الثاني: الآثار المالية الناتجة عن انحلال الزواج وتقدير القاضي لها
لاشك وأن الطلاق يرتب أضرار لأحد الزوجين ولومن باب خدش الشعور، هذا ما نص عليه المشرع الجزائري في عدة مواد من قانون الأسرة مثل المواد 52 ،53 مكرر، 55 من هذا القانون، وترك للقاضي سلطة تقدير الضرر والحكم للطرف المتضرر بتعويض عادل، وما دام الأشخاص يختلفون باختلاف البيئة والثقافة والتربية والمكانة فيمكن القول بأن معيار الضرر ومسبباته تتباين بدورها بتباين طبائع الأشخاص وعاداتهم وتقاليدهم وسننهم في الحياة، وعليه فالمعيار المعتمد هنا هو المعيار الشخصي وما دام كذلك فإن تقدير الضرر عنصر واقعي في الدعوى أي واقعة مادية، لذلك فتقدير القاضي للضرر يندرج ضمن تقديره للوقائع وتقدير الوقائع من طرفه يعتبر إحدى المراحل الأساسية للحكم القضائي.
والطلاق قد يكون بإرادة الزوجين أو بإرادة الزوج وحده، أو بإرادة الزوجة إذا توافرت لها الأسباب المقررة قانونا، وعليه فإن درجة الضرر الحاصلة لإحدى الزوجين من الطلاق تختلف بحسب الطرف الذي طلب إنهاء الرابطة الزوجية، وبحسب الأسباب التي دفعت إلى ذلك.
ففي حالة الطلاق بالتراضي: إذا اتجهت إرادة الطرفين إلى الطلاق واتفقا على ذلك بأن أدركا استحالة استمرار العشرة الزوجية بينهما فإن القاضي لا يملك سوى الإشهاد لهما على الاتفاق الحاصل بينهما، فإذا تنازلت المطلقة على حقها في التعويض فإنه يشير إلى ذلك في الحكم وقد يعرض عليها المطلق مبلغ مالي مقابل الطلاق بالتراضي فتقبل به وعليه ذكر ذلك في الحكم.
أما في حالة الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج فهل أن مجرد طلب الزوج للطلاق يجعل الطلاق تعسفيا ويترتب عليه إلزامه بدفع التعويض؟ إن العصمة الزوجية بيد الزوج وعليه فإذا طالب بالطلاق وأصر عليه رغم محاولة الصلح التي يجر يها القاضي والحكمين، فإن القاضي لا يملك سوى الإستجابة لطلبه ولكن انطلاقا من قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" وحتى لا تحس المرأة المطلقة أن هناك إجحاف في حقها وأن مصيرها لعبة في يد الرجل يتصرف فيه كيفما شاء، فإن المشرع قد منح لها الحق في طلب التعويض إذا ما أصابها ضرر من هذا الطلاق طبقا لنص المادة 52 من قانون الأسرة التي نصت على أنه: " إذا تبين للقاضي تعسف الزوج في الطلاق حكم للمطلقة بالتعويض عن الضرر اللاحق بها "، فالرجل وإن كانت العصمة بيده فإنه لابد أن يبرز الدوافع التي أدت إلى مطالبته بالطلاق، فإن كانت المبررات جدية حسب تقدير القاضي المختص فإن طلاقه لا يعد تعسفيا، وبالتالي فالسؤال المطروح هو هل أن الزوجة تستحق التعويض عن الطلاق إذا كان مبررا من طرف الزوج؟.
بالرجوع إلى القاعدة العامة فإن التعويض يكون لجبر الضرر الحاصل للطرف المتضرر وانطلاقا من المادة 124 من القانون المدني الجزائري فإن كل من أحدث ضرر للغير بخطئه يلزم بالتعويض، واستنادا على المادة 124 مكرر التي تنص على التعسف في استعمال الحق، فإنه يجب إثبات الضرر والخطأ، لكن بالنسبة لقضايا الطلاق والضرر الناتج عنه فيلاحظ أن المعمول به في الغالب هو أن عنصر الضرر مفترض دون حاجة إلى إثباته متى كان الأساس الذي اعتمد عليه الزوج لطلب الطلاق غير جدي، أو منعدم تماما لأنه إذا انعدم التبرير أو كان غير كاف فإن ذلك يفهم منه أن الزوج تعسف في استعمال حقه في الطلاق.
لكن قد يكون طلب الزوج للطلاق بسبب من الزوجة التي امتنعت عن الرجوع إلى بيت الزوجية رغم صدور حكم قضائي بإلزامها بالرجوع، فمتى أثبت الزوج أن حكم الرجوع قد أصبح نهائيا وأنه سعى لتنفيذه إلا أنها امتنعت، فهنا يستجاب لطلبه المتضمن الطلاق ويكون ذلك بسعي منه وبتظليمها لنشوزها وفي هذه الحالة فإنها تحرم من حقها في التعويضات.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو هل أن التعويض ونفقة المتعة شيئان مختلفان أم أنهما شيء واحد؟.
لم يأت المشرع الجزائري ضمن نصوص قانون الأسرة بأي مادة قانونية تشير إلى ما يسمى بالمتعة بل أشارت فقط لحق المطلقة طلاقا تعسفيا في التعويض في نص المادة52 من قانون الأسرة، ونص في المادة 53 مكرر أيضا أنه يجوز للقاضي في حالة الحكم بالتطليق أن يحكم للمطلقة بالتعويض عن الضرر اللاحق بها.
وعن موقف الإجتهاد القضائي بخصوص نفقة المتعة فإن المحكمة العليا أصدرت قرار جاء فيه: " إذا كانت أحكام الشريعة الإسلامية تقرر للزوجة التي طلقها زوجها متعة تعطى لها تخفيفا عن ألم فراق زوجها لها وهي في حد ذاتها تعتبر تعويضا" .
فالمحكمة العليا قررت أن نفقة المتعة هي نفسها التعويض.
هناك إشكال أخرى وهو ما مدى استحقاق المطلقة قبل البناء للتعويض عن طلاقها، من المقرر شرعا وقانونا أن المطلقة قبل البناء تستحق نصف المهر، فهل يسمى هذا المهر تعويضا عندما يمنحه القاضي في حكمه؟ المشرع الجزائري لم يشر في قانون الأسرة إلى حقوق المطلقة بصفة عامة، وبما أن التعويض هو جبر للضرر الحاصل للمطلقة فإنه لا يعقل أن يأخذ نفس تسمية المهر ذلك أن المهر هو حق شرعي للزوجة، وبالرجوع إلى قرارات المحكمة العليا وجدنا القرار الصادر بتاريخ 23/04/1996 والذي جاء فيه: "... ولما ثبت –في قضية الحال- أن القضية تتعلق بزواج تام الأركان، إلا أن الزوج تأخر عن الدخول بزوجته لمدة 5 سنوات فإنه بذلك يعتبر تعسفا في حقها ويبرر التعويض الممنوح له..." .
وبالتالي نحن نرى أن المطلقة قبل البناء زيادة على نصف مهرها، لها الحق في الحصول على تعويض عن الأضرار التي قد تصيبها من جراء هذا الطلاق.
وتجدر الإشارة إلى أن المطلقة تحرم من التعويض إذا كان الطلاق بتظليمها، فإذا تأكد القاضي أنها هي المتسببة في الطلاق بتصرفاتها وإذا تبين له نشوزها، فإنها تحرم من التعويض، كذلك إذا كان الطلاق بواسطة الخلع فإنها لا تستحق أي تعويض، وهناك حالات تحرم فيها المرأة من التعويض وعلاوة على ذلك تلزم بدفع التعويض لزوجها في حالة الطلاق، ذلك أنه إذا ثبت نشوزها كان من حق الرجل المطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر و هذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 27/04/1993 والذي جاء فيه: " متى كان من المقرر قانونا أن يحكم القاضي بالطلاق و بالتعويض للطرف المتضرر عند نشوز أحد الزوجين فإن القضاء بغير ذالك يعد خرقا للقانون، ومن تم فإن عدم وجود أي سبب واضح يجعل من الزوجة في قضية الحال تلجأ إلى طلب التطليق بعد نشوزها فإن ذالك يعدد سببا كافيا لاعتبار الزوج متضررا من هذا الطلاق وعليه فإن قضاة الموضوع قد أخطأوا حين قرروا أن الضرر و التعويض عنه يكون للزوجة وحدها مما يستوجب نقض قرارهم " .
بالنسبة لتقدير التعويض المستحق للمطلقة فهو من صلاحيات القاضي الذي يفصل في قضية الطلاق وهو يخضع لسلطته التقديرية ولا يمكن تقييده أو حصره، وعلى القاضي أن يأخذ بعين الاعتبار بعض المعطيات وهي مدخول الرجل وظروف المعيشة وحتى عدد سنوات العشرة الزوجية التي قضياها معا، وبالرجوع إلى القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 18/06/1991 والذي جاء فيه: "إن تحديد مبالغ المتعة والتعويض ونفقة العدة ترجع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع، غير أنهم ملزمون بذكر أسباب تحديدها".
وعليه فحتى وإن كان تقدير التعويض يخضع للسلطة التقديرية للقاضي إلا أنه ملزم بذكر أسباب تحديده.
وفي نهاية هذا المطلب ارتئينا معالجة نفقة العدة، فوجوب العدة على المطلقة يعتبر من الآثار المترتبة عن انحلال الرابطة الزوجية، و هي أجل ضربه الشارع لانقضاء ما بقي من آثار الزواج أو شبهته، وقد تناول المشرع موضوع العدة في المواد من 58 إلى 61 من قانون الأسرة وسنركز دراستنا حول آثار العدة وسلطة القاضي التقديرية في ذلك حيث نص المشرع في نص المادة 61 من قانون الأسرة بأنه: "لا تخرج الزوجة المطلقة ولا المتوفى عنها زوجها من السكن العائلي ما دامت في عدة طلاقها أو وفاة زوجها إلا في حالة الفاحشة المبينة ولها الحق في النفقة في عدة الطلاق".
ومن خلال استقراء نص هذه المادة نجد أن المشرع أعطى الحق لكل مطلقة أو متوفى عنها زوجها في النفقة من مال زوجها طيلة مدة عدتها، وذلك يعتبر من مبادئ العدل على أساس أن المعتدة في هذه المرحلة تكون محتبسة عن الزواج بأمر الشرع لمصلحة النظام العام ولمصلحة الرجل الذي تعتد لصيانة النسب إليه، ولذلك على المحكمة أن تحكم بها وتحددها وتشير إليها في نفس الحكم الذي تقضي فيه بالطلاق حتى وإن كان ذلك بتظليمها وذلك للعبرة المذكور أعلاه، وهذا ما أخذت به المحكمة العليا في قرارها الصادر في 22/10/1984 والذي جاء فيه "متى كان من المقرر شرعا أن نفقة العدة تظل واجبة للزوجة على زوجها سواء كانت ظالمة أو مظلومة، فإن القضاء بما يخالف أحكام هذا المبدأ يعد خرقا لأحكام الشريعة الإسلامية" .
وحق نفقة العدة ربطه المشرع بمكوث الزوجة في بيت زوجها أي أن هذا الحق يسقط إذا تركت المطلقة مقر الزوجية ولم تقضي العدة فيه دون مبرر شرعي، وتعتبر وكأنها ناشز، وعلى القاضي أن يحكم بنفقة العدة سواء طلبتها الزوجة أو لم تطلبها وذلك لاعتبار أن النفقة هي حق ثابت شرعا من حقوق الزوجية ولا تسقط إلا إذا أسقطها الشارع في بعض الأحوال المحددة شرعا، أو تنازلت عنها الزوجة صراحة، وعلى القاضي كذلك أن يراعي حال الطرفين عند تحديده لمبلغ النفقة وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 18/06/1991 المذكور أعلاه.
ونستنتج من خلال استقراء نصوص المواد 58، 59، 60 من قانون الأسرة أنه على القاضي عند تقديره لقيمة نفقة العدة أن يأخذ بعين الاعتبار مدتها حسب ما هو مقرر شرعا وقانونا وألا يفوق في تقديرها مدة 10 أشهر من تاريخ الوفاة أو الطلاق على اعتبار أن المشرع اعتبرها أقصى مدة للحمل، أما المعتدة من وفاة فنجد أن المشرع لم ينص على حقها في نفقة العدة على اعتبار أنها لا تستحقها لكن هناك من يرى أن للمتوفى عنها زوجها الحق في نفقة عدة تأخذها من تركة زوجها.
بالنسبة لنفقة الإهمال التي يحكم بها القاضي يجب عليه أن يراعي في ذلك حال الطرفين في تقديرها والمدة التي بقيت خلالها الزوجة دون إنفاق بحيث تشمل النفقة الغذائية والكسوة وغيرها كما تم بيانه في المطلب الأول من هذا المبحث أي تطبق عليها كافة الأحكام التي تعرضنا لها في هذا المطلب.

المطلب الثالث: مجال تدخل القاضي في النزاع حول متاع البيت
يعتبر النزاع حول متاع البيت من الآثار المهمة لانحلال الرابطة الزوجية وقد عالجه المشرع الجزائري بنص واحد وهو المادة 73 من قانون الأسرة والتي تطرح مجموعة من الإشكالات على القاضي عند تطبيقها وفيها مجال واسع لإعمال سلطته التقديرية، وقد نصت هذه الأخيرة على أنه: "إذا وقع النزاع بين الزوجين أو ورثتهما في متاع البيت وليس لأحدهما بينة فالقول للزوجة أو ورثتهما مع اليمين في المعتاد للنساء والقول للزوج أو ورثته مع اليمين في المعتاد للرجال، والمشتركات بينهما يقتسمانها مع اليمين".
من خلال نص هذه المادة نجد أن المشرع قد وضع لنا قاعدة عقلانية يعتمد عليها القاضي في تقدير ملكية أثاث البيت بحيث أنه إذا كان لأحد المتنازعين بينة حكم له القاضي بمقتضى البينة، وإن لم تكن لأحدهما بينة على دعواه فالقول قول من يشهد له الظاهر بذلك، أي ما يصلح للرجال عادة كأدوات الصيد وأدوات التجارة وما يتعلق بمهنته، وطلبه الزوج ونازعت فيه الزوجة وأنكرت ملكيته له دون بينة، فإنه يحكم به للرجل مع يمينه، وأن ما يصلح لاستعمال النساء عادة كالحلي وأدوات الخياطة وما شابه ذلك وطلبته الزوجة دون بينة فنازع فيه الزوج وأنكر ملكيتها له فإنه رغم ذلك يحكم به لها مع يمينها وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 17/03/1992 الملف رقم 81455 وكذا القرار الصادر بتاريخ 27/01/1986 ملف رقم 39775 عن غرفة الأحوال الشخصية.
ومن خلال تربصنا الميداني على مستوى المحاكم وجدنا أن النزاع يثور حول ملكية المتاع الذي تجلبه الزوجة معها في عرسها والذي اشترته بالمهر المقدم لها على اعتبار أن العادات تلزم على الزوجة أن تشتري بعض الأثاث من صداقها، رغم أن هذا الصداق ملك لها، فهنا لا يجد القاضي معيارا لتحديد المشترك من الأثاث وما هو معتاد للنساء أو للرجال، ويمكننا القول أن هذا المهر قدم للزوجة نحلة ومنه كافة الأثاث والمتاع الذي أحضرته معها واشترته من المال المقدم لها كصداق هو ملك لها وعلى القاضي أن يحكم، ما لم يثبت الزوج خلاف ذلك بالبينة.
وفي حالة ما إذا كان متاع البيت المتنازع عليه يحتمل أن يصلح لاستعمال الرجل والمرأة وليس لكلاهما بينة على امتلاكه فنجد هنا رأيين:
- الرأي الذي ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 16/01/1989 والذي جاء فيه: "إن أثاث البيت المخصص للاستعمال الثنائي بين الزوجين يعتبر ملكا للزوج ما لم تثبت الزوجة بالبينة أن ذلك ملك لها اشترته أو هو من جملة صداقها فإن لم يكن هذا فالزوج أحق به مع يمينه" .
- والرأي الثاني أنه إذا وقع النزاع حول بعض متاع البيت ولم يكن لأحد الخصمين بينة ولم يتمكن القاضي من التفريق بين ما يصلح لاستعمال النساء وما يصلح لاستعمال الرجال، فإن حل هذا النزاع لا يمكن أن يتم إلا بالحكم بتقسيم متاع البيت بينهما مناصفة.
ونحن نرى أنه على القاضي أن يعمل سلطته التقديرية في تحكيم العرف، ويقضي بما يقضي به عرف تلك المنطقة في المعتاد أن تأتي به الزوجة عند زواجها فيحكم لها به وإن تعذر عليه ذلك يأخذ بما جـــاءت به المادة 73 فقرة 2 من قانون الأسرة بأن المشتركات بين الزوجين يقتسمانها مع اليمين. وهذا ما أخذت به المحكمة العليا في قرار صادر بتاريخ 21/04/1998 تحت رقم 189245.
ويشترط في المتاع موضوع النزاع أن يكون موجودا ومشاهدا سواء أكان موجودا بمسكن الزوجية أو غيره من الأماكن، وبذلك فإنه لا يمكن إقامة دعوى على متاع غير موجود أي محل إنكار من المدعى عليه بناءا على نص المادة 73 المذكورة أعلاه، كأن يقدم أحد الزوجين قائمة تكون محل إنكار من الزوج الآخر، فهنا لابد من إقامة الدليل على هذه القائمة وإلا توجه يمين النفي للمدعى عليه.
أما في حالة عدم إنكار المدعى عليه لموضوع الدعوى ذاكرا بأن المدعية قد تسلمت أمتعتها فقد انقلب إلى مدع وبذلك فقد أصبح مطالبا بإقامة الدليل على دعواه، ويقصد بالدليل، البينة أو شهادة الشهود لإثبات ملكية المتاع لأحد الزوجين وعلى القاضي أن يقدر هذه الشهادة، ويسجلها في محضر، والدليل الكتابي في إثبات ملكية المتاع المتنازع عليه هو الفواتير التي تثبت الشراء، وعلى القاضي أن يطلب من المدعي تحديد قيمة الأشياء المتنازع فيها كل على حدى وإذا اختلف في تحديد قيمة الأمتعة بين الزوجين فهناك رأيان الرأي الأول يرى أن للقاضي سلطة في تحديد ذلك ولا يجوز له أن يحول سلطته إلى شخص آخر، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 11/04/1988 الذي جاء فيه: "من المقرر قانونا أنه إذا اختلف الزوجان حول قيمة الأمتعة فللقاضي سلطة في تحديد ذلك، ولا يجوز له تحويل سلطته إلى شخص آخر ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون" .
أما الرأي الثاني فيرى أن هذه المسألة تعود لأهل الخبرة وهو ما أخذت به المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 18/05/1999 والذي جاء فيه:" تقيم مبالغ المتاع مسألة فنية ترجع إلى أهل الخبرة من الصناع والتجار وليس إلى القضاة" .
ونحن نميل إلى الرأي الأخير لأن تحديد قيمة المتاع خاصة عندما تكون المبالغ المطلوبة مرتفعة، مهمة لابد من اللجوء فيها إلى أهل الخبرة ولا تكفي السلطة التقديرية للقاضي وحدها لتحديدها.
وكما تم ذكره أنه في حالة عدم وجود بينة جعل المشرع العرف دليل القاضي باعتباره المصدر الثالث للتشريع فنصت المادة 73 من قانون الأسرة على "المعتاد" فهذا اللفظ يقصد به ما جرى عليه العرف في تحديد ما يصلح للنساء من متاع البيت وما يصلح للرجال، فإذا كان المتاع ما يصلح للرجال عرفا يحكم له به القاضي بعد أداء اليمين من الزوجة والعكس، وإن نكل فهو للزوج الآخر.
إذا تخلف الدليل لدى الزوجة لإثبات إدعائها بوجود المتاع ببيت الزوجية عليها أن تحتكم إلى ضمير زوجها وتوجه إليه اليمين الحاسمة، إلا أن للقاضي سلطة تقديرية في ذلك فيستطيع منع الخصم من إساءة استعمال هذا الحق وله أن يرفض توجيه اليمين، إذا كانت الواقعة موضوع الحلف ليست متعلقة بشخص الحالف أو ليست منتجة في النزاع.
وما لاحظناه كذلك أنه عند حضور الزوج أو ورثته أمام القاضي قد يدعون أن الزوجة أخذت المتاع من بيت الزوجية عند خروجها أي ينكرون وجوده بالبيت الزوجي فيرجع القاضي هنا للقواعد العامة للإثبات أي إثبات أن الزوجة أخذت المتاع إما بالكتابة وذلك عن طريق محضر إثبات حالة يحرره المحضر القضائي يشهد فيه بأن الزوجة سلمت متاعها، أو بشهادة الشهود ويجب أن تكون هذه الشهادة واضحة ودقيقة حتى يمكن الاعتداد بها، بأنهم شاهدوا الزوجة وهي تحمل أثاثها إلى بيت أهلها، و في حالة عدم وجود أي دليل يدعم إدعاءه فيمكن له أن يلجأ إلى آخر وسيلة للإثبات وهي توجيه اليمين الحاسمة لزوجته فإن حلفت سقطت دعواه وإن نكلت أو وردت عليه اليمين وحلفها كسب دعواه.
أما في الحالة العكسية أي في حالة إدعاء الزوجة بأنها تركت متاعها ببيت الزوجية وطالبت الزوج بإرجاعه لها، فإنها تكون بذلك هي المدعية ويقع عليها عبئ إثبات هذا الإدعاء، إما بالكتابة أو شهادة الشهود إذا لم يكن للزوجة دليل كتابي أو باليمين الحاسمة، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 16/03/1999 والذي جاء فيه: "إن المدعى عليه إذا أنكر الأمتعة المطالب بها، يفرض على قضاة الموضوع توجيه اليمين له على أساس إنكاره لوجود المتاع المطالب به عنده" ، واليمين التي يوجهها القاضي تؤدي أمامه بالجلسة وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 10/06/1997 الذي جاء فيه: "إن اليمين المنصوص عنها ضمن المادة 73 من قانون الأسرة تؤدي بالجلسة أمام قاضي الأحوال الشخصية الفاصل في موضوع النزاع وأن الحكم بأدائها بالمسجد الكبير يعد خطأ في تطبيق القانون" ومسألة إثارة اليمين تعد من النظام العام يمكن لأي طرف التمسك بها في أي مرحلة تكون عليها الدعوى في شكل دفع ولو للأول مرة أمام المجلس القضائي ولا يمكن وصف ذالك على أنه طلب جديد، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في اجتهادها الصادر بتاريخ 19/07/1994 الذي جاء فيه: "من المقرر قانون أن الدفع المتعلق بعدم تأدية اليمين بشأن الأثاث لا يعتبر طلبا جديدا، بل هو دفع يثار في أي درجة من درجات التقاضي" .
وإذا وجهت اليمين إلى الخصم في نزاع أوردت عليه فإن الخصم يقوم بحلف اليمين بنفسه في الجلسة ويمكن تأديتها بحضور محامي الخصم لأن حضور هذا الأخير يغني عن حضور الخصم وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 07/12/1987 والذي جاء فيه: "كان مؤدى المادة 433 من قانون الإجراءات المدنية أنها توجب حلف اليمين بحضور الخصم الآخر أو بعد تبليغه لحضور الجلسة، فإن حضور محاميه أثناء تأدية اليمين يغني عن حضور الخصم ..." .
وتجدر الإشارة أن اليمين التي جاءت في نص المادة 73 من قانون الأسرة هي يمين متممة تتمم بداية الدليل.

المبحث الثاني : سلطة القاضي التقديرية في النسب والحضانة :
تعد الأسرة الخلية الأساسية في المجتمع تجب المحافظة على متانتها ووحدتها لقيامها على أسس منظمة، ولما كان الأولاد في هذه الحياة هم عماد المستقبل أولاهم التشريع الإسلامي عناية كبيرة وخصتهم الشريعة الإسلامية بجانب كبير من الاهتمام فشرعت كثيرا من الأحكام المتعلقة بالطفل، إبتداءا من الزواج كوسيلة لإنجابهم وإيجادهم فإذا ما ولد الطفل حافظت عليه من الذل وحضنته من الضياع وأبعدته عن العار، فأثبتت له النسب من والديه، وهذا أول حق يثبت له بعد انفصاله عن أمه، فإذا تبث نسب الولد من والديه تفرع منه العديد من الحقوق الخاصة بالطفل مثل حقه في النفقة والميراث، ويتقدم كل هذه الحقوق حق الطفل في الحضانة لضمان تربيته ورعايته والقيام بكل شؤونه.
وتعتبر الحضانة واحدة من أهم المسائل التي أقرتها الشريعة الإسلامية، وكذا قانون الأسرة الجزائري لأجل توفير الحماية والرعاية المادية والمعنوية للطفل وذلك نتيجة ال




وتعتبر الحضانة واحدة من أهم المسائل التي أقرتها الشريعة الإسلامية، وكذا قانون الأسرة الجزائري لأجل توفير الحماية والرعاية المادية والمعنوية للطفل وذلك نتيجة الوفاة أو الطلاق الذي يمكن أن يحدث بين الزوجين والذي من شأنه أن يؤدي إلى التنازع في مسألة الحضانة بالنسبة للأطفال الناتجين عن هذه العلاقة الزوجية التي لم تستمر والمشاكل التي تطرحها حول مصيرهم ومن يكفلهم وكيفية الاعتناء بهم؟
سنركز في دارستنا على سلطة القاضي التقديرية في إثبات النسب ونفيه، وكذا تقديره للحضانة وهذا في نقطتين أساسيتين:
1- تقدير ثبوت النسب ونفيه.
2- تدخل القاضي في الحضانة.

المطلب الأول : تقدير القاضي لثبوت النسب و نفيه
تناول المشرع الجزائري موضوع النسب في الفصل الخامس من القسم الثالث من الباب الأول في الكتاب الأول من قانون الأسرة وذلك في المواد من 40 إلى 46 منه وسنحاول إبراز مجال تدخل القاضي في نقطتين أساسيتين:
- أسباب ثبوت النسب.
- طرق إثبات النسب.

الفرع الأول: أسباب ثبوت النسب:
نص المشرع الجزائري في المادة 40 من قانون الأسرة على أن النسب يثبت بالزواج الصحيح أو بالبينة أو بنكاح الشبهة أو بكل زواج تم فسخه بعد الدخول ومن خلال نص هذه المادة فالنسب يثبت بالزواج الصحيح، فالعقد الصحيح سبب شرعي لثبوت نسب الولد سواء أثناء قيام الزوجية أو بعد انقضائها بالطلاق أو الوفاة متى كان الاتصال بين الزوجين ممكنا، و لم يكن الزوج قد نفاه بالطرق المشروعة، و يكون العقد صحيحا إذا كان مستوفيا لجميع أركانه و شروطه التي نص عليها المشرع في المواد 09و09 مكرر في قانون الأسرة والزواج الصحيح يسمى في الفقه الإسلامي بالفراش، فالولد لصاحب الفراش أي الزوج.
وقد نص المشرع الجزائري في المادة 41 من قانون الأسرة على أن الولد ينسب لأبيه متى كان الزواج شرعيا وأمكن الاتصال ولم ينفه بالطرق المشروعة وتعني إمكانية الاتصال بين الزوجين حدوث التلاقي بينهما فعلا كما قال أصحاب المذاهب الثلاث المالكية والشافعية والحنبلية، كما يشترط أن يكون الزوج ممن يأتي منه الحمل بأن يكون بالغا أو مراهقا على الأقل وخاليا من العيوب التي تحول دون الاتصال بالزوجة بصفة كلية.
إضافة إلى أن المشرع الجزائري نص في المادة 45 من قانون الأسرة على جواز اللجوء للتلقيح الاصطناعي وقيده بمجموعة من الشروط لا تخالف الشريعة الإسلامية.
كما يشترط حسب نص المادة 42 من قانون الأسرة أن يولد الجنين بين أدنى مدة الحمل وهي ستة أشهر وأقصاها وهي عشرة أشهر لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ما هي الشهور المعتمدة في حساب أقصى مدة الحمل هل هي الشهور القمرية مثلما قال به الفقهاء أم هي الشهور الشمسية؟ لم يجب المشرع الجزائري عن هذا السؤال إلا أن القضاء الجزائري يعتد بالأشهر الشمسية وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 17/11/1998 .
إضافة إلى شرطي إمكانية الاتصال وولادة الولد بين أدنى وأقصى مدة الحمل، أضاف المشرع الجزائري شرطا ثالثا لثبوت النسب بالزواج الصحيح وهو عدم نفي نسب الولد من قبل الزوج بالطرق المشروعة، وهذا ما نصت عليه المادة 41 من قانون الأسرة، غير أن المشرع لم يحدد الطرق المشروعة لنفي النسب لذا وجب على القاضي الرجوع لأحكام الشريعة الإسلامية طبقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة و بالرجوع لهذه الأحكام نجد أنها حصرت نفي النسب في طريق واحد يتمثل في اللعان .
و يعرّف اللعان على أنه كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به أو إلى نفي الولد ، و يشترط الفقهاء لصحته أن تتوافر فيه الشروط الآتية .
1- قيام الزوجية الصحيحة بين المتلاعنين، سواء دخل بها أم لا، وبذلك لا يقع اللعان إذا كان الزواج باطلا أو فاسدا.
2-أن يكون كل من الزوجين عاقلا، بالغا، و ألا يكون هذا النفي سبقه إقرار بهذا الولد سواء كان إقرارا صريحا أو ضمنيا بالقول أو بالفعل.
3-ألا يكون للزوج بينة أخرى لإثبات زنا زوجته وأن تكون الزوجة ناكرة لذلك إنكارا صريحا واضحا، و إذا تم اللعان، يفرق القاضي بين الزوجين فرقة مؤبدة وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
لكن ما يأخذ على نص المادة 41 من قانون الأسرة أنها لم تبين الإجراءات الواجب إتباعها في طريقة نفي الولد باللعان كما أنها لم تحدد المدة التي يتم فيها اللعان و لا المكان الذي يتم فيه بالرجوع لأحكام الشريعة الإسلامية يتم اللعان بأن يحلف الزوج بالله أربع مرات أنه لصادق فيما يتهمها به أن الولد ليس منه، و يقول في الخامسة أن غضب الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم بعد ذلك تحلف الزوجة أربع مرات بالله أنه لمن الكاذبين فيما اتهمها به وتقول في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين .
أما عن مدة اللعان فقد قررت المحكمة العليا في القرار الصادر بتاريخ 20/10/1989 "أن نفي النسب يجب أن يكون عن طريق رفع دعوى اللعان التي حددت مدتها في الشريعة الإسلامية والاجتهاد بثمانية أيام من يوم العلم بالحمل أو رؤية الزنا" ، إلا أننا وجدنا قرارا آخر للمحكمة العليا صادر بتاريخ 25/02/1985 قرر "أن دعوى اللعان لا تقبل إذا أخرت ولو ليوم واحد بعد علم الزوج بالحمل أو الوضع أو رؤية الزنا" .
ونحن نميل إلى الرأي الذي أخذت به المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 20/08/1998 حيث تعطي للزوج مدة معقولة للقيام بالإجراءات اللازمة لرفع الدعوى.
بالنسبة لمكان الملاعنة فقد ذهبت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 28/10/1997 إلى أن اللعان لا يتم أمام المحكمة بل أمام المسجد العتيق.
وعلى مستوى التربص الميداني لاحظنا أن القاضي يصدر حكما قبل الفصل في الموضوع بتعين محضر قضائي لحضور جلسة اللعان مع تحديد المسجد وتاريخ الجلسة وتوضيح صيغة اللعان.
والسؤال الذي سيطرح نفسه هل يمكن نفي النسب بواسطة الطرق العلمية للإثبات وهل تدخل هذه الأخيرة ضمن الطرق المشروعة التي نصت عليها المادة 41 من قانون الأسرة؟ بالرجوع إلى نص المادة 40 نجد أنها أجازت للقاضي اللجوء للطرق العلمية لإثبات النسب لكنها لم تتكلم عن نفيه و نحن نرى أنه بمفهوم المخالفة لهذا النص يمكن للقاضي اللجوء للطرق العلمية لنفي النسب و سنبين الطرق العلمية التي يمكن للقاضي اللجوء إليها عند تناولها لمسألة طرق إثبات النسب.
كل هذا عن ثبوت النسب عند قيام الرابطة الزوجية، أما مسألة ثبوت النسب بعد انحلال الرابطة الزوجية لابد أن نشير لمسألة ثبوت ولد المطلقة بعد الدخول فالمشرع أشار في المادة 43 من قانون الأسرة أن الطلاق لا يثبت إلا بحكم، وأشار في المادة 43 من قانون الأسرة أن الولد ينسب لأبيه إذا وضع الحمل خلال 10 عشرة أشهر من تاريخ الانفصال أو الوفاة، في حين أن المادة 60 من قانون الأسرة أشارت أن أقصى مدة الحمل 10 عشرة أشهر من تاريخ الطلاق أو الوفاة والسؤال الذي يطرح نفسه هل المدة القصوى للحمل يبدأ حسابها من تاريخ صدور الحكم بالطلاق أو من تاريخ الانفصال الفعلي بين الزوجين، نحن نرى أنه طبقا للقواعد الشرعية يبدأ حساب هذه المدة من تاريخ الانفصال الفعلي بين الزوجين.
وما تجدر الإشارة إليه أنه على القاضي أن يتأكد قبل إلحاقه للنسب من توافر أركان وشروط الزواج وهذا ما لاحظناه على مستوى التربص الميداني في قضايا إثبات الزواج العرفي وإلحاق النسب.
إضافة أن نكاح الشبهة يمكن أن يثبت النسب به حسب نص هذه المادة، وما يمكن ملاحظته في هذا الصدد أن المشرع كان يتكلم عن الوطئ بشبهة، فنحن نرى أن عبارة النكاح بشبهة لم تكن في محلها لأن هذا الأخير ما هو إلا صورة من صور الزواج الفاسد والذي هو أيضا سبب من أسباب ثبوت النسب.

الفرع الثاني : طرق إثبات النسب
الإقرار هو طريق من طرق إثبات النسب ويوجد هناك الإقرار بالبنوة والأبوة والأمومة كأن يدعي أب أو أم بنوة ولد معين أو يقوم ولد بإدعاء أمومة امرأة معينة أو أبوة رجل معين، وهناك الإقرار في غير الأبوة والأمومة ومثال ذلك أن يقر شخص بأن شخصا آخر أخوه أو ابن عمه، والفرق بين النوعين أن النسب يثبت مباشرة بالإقرار المجرد مادامت شروط الإقرار الذي ليس فيه تحميل النسب على الغير قد توافرت، أما الإقرار الذي فيه تحميل النسب على الغير فلا يثبت به النسب مباشرة وإنما لابد من البينة.
بالنسبة لإثبات النسب عن طريق البينة فقد رفضت المحكمة العليا في القرار الصادر بتاريخ 15/06/1999 إجراء فحص الدم واعتماده كدليل لإثبات النسب وهذا معناه أنها لم تأخذ بالمعنى العام للبينة كونه يشمل الكتابة والقرائن، وأخذت بالمعنى الخاص، أي شهادة الشهود دون غيرها من الأدلة، لكن بعد التعديل الأخير الذي طرأ على نص المادة 40 من قانون الأسرة أضاف المشرع الطرق العلمية كدليل لإثبات النسب.
بالنسبة لإثبات النسب بالطرق العلمية فالمشرع لم يحدد لنا هذه الطرق ولم يحصر لنا صورها علما أن الأبحاث العلمية في هذا المجال أثبتت وجود نوعين من الطرق العلمية يتصف الأول منها بأنه ظني الثبوت ولا يقدم سوى مجرد إحتمالات ومثال ذلك نظام فحص الدم، وهناك طرق أخرى قطعية الإثبات كالبصمة الوراثية وهذه الأخيرة هي التي قصدها المشرع في رأينا.
والسؤال الذي يمكن طرحه في هذا الصدد، هل يوجد تعارض بين لجوء الزوجة لاستخدام الطرق العلمية لإثبات نسب مولودها من الزوج وبين طلب الزوج إجراء اللعان؟.
نحن نرى أن الإجابة على هذا التساؤل متعلقة بالقاعدتين الأصوليتين التاليتين "أن اليقين لا يزول بالشك" وقاعدة "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" وعليه يمكن القول أن اللعان ليس من لزومه نفي النسب، لأن اللعان يقوم بنفي النسب على الشك لا على اليقين، على عكس ما تؤكده البصمة الوراثية.
بقيت مسألة غاية في الأهمية متعلقة بسلطة القاضي في تقدير الطرق العلمية لإثبات النسب ومدى حجيتها.
فطبقا للقواعد العامة فالخبرة القضائية بالنسبة للقاضي من المسائل التي تخضع لسلطته التقديرية، فله أن يصادق على تقرير الخبير كليا أو جزئيا كما له أن يحكم من دونه، لكن يرى البعض إمكانية الخروج عن هذه القاعدة فيما يتعلق بالخبرة العلمية في مجال إثبات النسب استنادا إلى القيمة العلمية لهذه الطرق ونتائجها القطعية كالبصمة الوراثية مثلا، ونحن نساند هذا الرأي.
وفي ختام هذا المطلب لابد أن نشير أن هناك قاعدة فقهية اعتمدتها المحكمة العليا في العديد من قراراتها تمكّن من إثبات النسب حتى مع الشك، فعلى القاضي أن يبحث بشتى الطرق وأن يحاول إثبات نسب الطفل بذلك لأن النسب حق من حقوق الله وحتى لا نترك هذا الصغير من دون نسب لأن في ذلك آثار جد وخيمة عليه وعلى المجتمع وهذه القاعدة هي قاعدة إحياء الولد.

المطلب الثاني : مجال تدخل القاضي في الحضانة
الحضانة هي القيام بتربية الطفل الذي لا يستقل بأمره وذلك برعاية كافة شؤونه من تدبير طعامه وملبسه وتنظيفه ووقايته مما يعرضه للهلاك والضرر، وقد عرفتها المادة 62 من قانون الأسرة الجزائري بنصها "الحضانة هي رعاية الولد وتعليمه والقيام بتربيته على دين أبيه والسهر على حمايته وحفظه صحة وخلقا.
ويشرط في الحاضن أن يكون أهلا للقيام بذلك"
وقد نظم المشرع الجزائري مسألة الحضانة كأثر من آثار الطلاق في الفصل الثاني من الباب الثاني من الكتاب الأول في قانون الأسرة الجزائري وذلك في المواد من المادة 62 إلى المادة 72.
وباستقراء مجمل نصوص هذه المواد نجد أن المشرع الجزائري فتح الباب واسعا للقضاة لإعمال سلطتهم التقديرية باعتماده أساسا على مصلحة المحضون كمعيار أساسي لمعالجة القضايا المتعلقة بالحضانة.
لذلك سنحاول إبراز دور القاضي في مسألة الحضانة وذلك في النقاط التالية:
أولا: إسناد الحضانة
ثانيا: إسقاط الحضانة
ثالثا: مجال تدخل القاضي في ترتيب أصحاب الحق في الحضانة وتنظيم حق الزيارة.

الفرع الأول: دور القاضي في إسناد الحضانة:
بالرجوع إلى نص المادة 62 من قانون الأسرة المذكورة أعلاه في فقرتها الثانية نجد أن المشرع الجزائري حصر شروط الحضانة في الأهلية ولا يقصد هنا بلوغ سن الرشد أي 19 سنة. فالأهلية هنا هي القدرة على القيام بمهمة شاقة ومحفوفة بالمخاطر تتعلق بحضانة الطفل والقاضي هو الذي يحدد الشروط ومدى توافرها في الشخص الذي تستند إليه الحضانة وذلك وفقا لما يتمتع به من سلطات واسعة في هذا المجال، والمشرع لم يحدد له شروطا ومواصفات محددة وما عليه إلا الاعتماد على نص المادة 222 من قانون الأسرة والرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية.
وبالرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية نجد أنها فصلت في شروط الحاضن ونذكر منها:
شرط العقل: وهذا الشرط يتماشى والمنطق فلا يعقل أن يتولى المجنون حضانة طفل لأنه في حد ذاته في حاجة إلى من يتولاه ويرعى شؤونه وبالتالي لا يكون له تولى شؤون غيره.
وعليه فلابد أن يتأكد القاضي من السلامة العقلية للحاضن وألا يحرم صاحب الحق في الحضانة منها إلا بعد إن يثبت بالدليل عدم سلامته العقلية وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 13/02/2002 والذي جاء فيه "إن إسناد الحضانة للأب بحجة مرض الزوجة عقليا دون إثبات هذا المرض يعد انعداما في الأساس القانوني ومخالفة للقانون ينجر عنه النقض دون إحالة" .
شرط البلوغ: الصغير الذي لا يتولى شؤون نفسه لا يمكن الاعتماد عليه لتولي شؤون غيره لأن الحضانة مهمة شاقة وليست بالأمر الهين، لذلك يشترط في الحاضن أن يكون بالغا والمقصود بالبلوغ في القانون الجزائري هو سن الرشد المدني وهو تمام 19 سنة حسب نص المادة 40 من القانون المدني.
وتجدر الإشارة هنا أن القاصرة التي تحصلت على الترخيص بالزواج من طرف رئيس المحكمة تعتبر أهلا لتحمل المسؤولية الناتجة عن الزواج ويمكنها حضانة أولادها إذا توفرت فيها باقي الشروط وهذا استنادا على نص المادة 7 من قانون الأسرة التي جاء في فقرتها الثانية "يكتسب الزوج القاصر أهلية التقاضي فيما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات"
شرط الأمانة على لأخلاق: الأمانة على الأخلاق شرط يجب توفره في الحاضن حتى يكون أهلا لممارسة الحضانة، فالحاضن الذي لا يقيم وزنا للأخلاق لا يكون أهلا للحضانة لأنه غير أمين على نفس الطفل وخلقه، فالأم التي ترتكب جريمة الزنا مثلا تسقط حضانتها على أولادها وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 30/09/1997 والذي جاء فيه "من المقرر شرعا وقانونا أن جريمة الزنا من أهم المسقطات للحضانة مع مراعاة مصلحة المحضون.
ومتى تبين – في قضية الحال- أن قضاة الموضوع لما قضوا بإسناد حضانة الأبناء الثلاثة للأم المحكوم عليها من أجل جريمة الزنا، فإنهم بقضائهم كما فعلوا خالفوا القانون وخاصة أحكام المادة 62 من قانون الأسرة" .
وعليه لابد أن يتأكد القاضي من استقامة الحاضن وحسن سلوكه وأخلاقه قبل منحه الحضانة.
شرط القدرة: يقصد بالقدرة الاستطاعة على صيانة المحضون في كل الجوانب والاعتناء بشؤونه والسهر على سلامته الجسدية والخلقية فلا تكون الحضانة مثلا لمسن عاجز عن القيام بشؤون نفسه فما بالك بشؤون الغير أو المريض بمرض يقعده الفراش كالمشلول مثلا، أو مصاب بمرض معدي وخطير من شأنه أن يؤذي المحضون، وقد تكلم القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 9/7/1984 عن شرط القدرة وجاء فيه "من المقرر في الفقه الإسلامي وجوب توافر شروط الحضانة ومن بينها القدرة على حفظ المحضون ومن ثمة فإن القضاء بتقرير ممارسة حق الحضانة دون توفر هذا الشرط يعد خرقا لقواعد الفقه الإسلامي.
ولما كان الثابت - في قضية الحال- أن الحاضنة فاقدة البصر، وهي بذلك تعد عاجزة عن القيام بشؤون أبنائها، ومن ثم فإن قضاة الاستئناف بإسنادهم حضانة الأولاد لها وهي على هذا الحال، قد حادوا عن الصواب وخالفوا القواعد الفقهية ومتى كان كذلك استوجب نقض وإبطال القرار المطعون فيه تأسيسا على الوجه المثار من الطاعن بمخالفة هذا المبدأ".
شرط الإسلام: أكدت المادة 62 من قانون الأسرة على أن يربى المحضون على دين أبيه والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل يشترط أن يكون الحاضن مسلما.
اختلفت آراء الفقهاء في هذه المسألة فمنهم من قال بحرمان الحاضنة من الحضانة لاختلاف الدين كالحنابلة والشافعية ومنهم من قال أن المحضون يبقى مع الحاضنة الكافرة إلى انتهاء مدة الحضانة شرعا، فإن خيف على المحضون من الحاضنة أعطي حق الرقابة إلى أحد المسلمين ليحفظ الولد من الفساد وهذا الرأي هو رأي الإمام مالك" .
ونحن نميل إلى رأي الإمام مالك، لأن مناط الحضانة هو الشفقة وهي لا تختلف باختلاف الدين وهذا هو الرأي الذي أخذت به المحكمة العليا في العديد من قراراتها ومثال ذلك القرار الصادر بتاريخ 13/3/1989
الذي جاء فيه: "من المقرر شرعا وقانونا أن الأم أولى بحضانة ولدها ولو كانت كافرة، إلا إن خيف على دينه وأن حضانة الذكر للبلوغ وحضانة الأنثى حتى سن الزواج ومن ثمة فإن القضاء بخلاف هذا المبدأ يعد خرقا لأحكام الشرعية والقانونية"
من خلال هذا فالقاضي هو الذي يقدر تأثير الحاضنة على دين المحضون، فإن تبين له ذلك اسقط الحضانة عنها وإن تبين انه لا خوف على دينه فيعطيها الحضانة ولو كانت كافرة.
إذا كان الحاضن رجلا يشترط أن يكون محرما للمحضون إن كانت أنثى، لم يتطرق المشرع الجزائري إلى هذا الشرط إلا أن فقهاء الشريعة الإسلامية فصلوا فيه تفصيلا وافيا، فقد حدد الحنابلة والحنفية سن المحضونة بسبع سنين تفاديا للخلوة بها لعدم المحرمية وإن بلغت البنت حد الفتنة لم تعط له بالاتفاق لأنه في حالة بلوغها هذه المرحلة لا يكون لغير المحرم حضانة البنت ومثال ذلك حضانة ابن العم لبنت عمه، وأجازها الحنفية إذا لم يكن لبنت العم غير ابن العم وإبقائها عنده بأمر القاضي إذا كان مأمون عليها، ولا يخشى عليها الفتنة منه والخوف من الفتنة أو عدمه يحدده القاضي وفقا لمعطيات كل قضية مطروحة بين يديه.

الفرع الثاني : سلطات القاضي في إسقاط الحضانة
بالرجوع إلى قانون الأسرة الجزائري نلاحظ أنه حدد حالات سقوط الحضانة وسنحاول التطرق لبعض الحالات مبرزين الدور الهام الذي يلعبه القاضي في ذلك.
نصت المادة 66 من قانون الأسرة على ما يلي "يسقط حق الحضانة بالتزوج بغير قريب محرم، وبالتنازل ما لم يضر بمصلحة المحضون" من استقراء نص هذه المادة يمكن أن نطرح بعض التساؤلات فهل سقوط الحضانة عن الحاضنة بزواجها بغير قريب محرم يكون في كل الحالات؟ وهل يعتبر هذا الزواج تنازلا اختياريا عن الحضانة أم أنه غير اختياري؟ وفي حالة التنازل على الحضانة هل يمكن إجبار المتنازل عليها؟.
المشرع الجزائري لم يعطي إجابة واضحة على هذه التساؤلات وما على القاضي إلا أن يجيب عليها وفقا لما له من سلطة تقديرية.
إن زواج الحاضنة بغير قريب محرم يعد سببا من أسباب سقوط الحضانة وهذا حسب نص المادة 66 من قانون الأسرة وحسب العديد من القرارات الصادرة عن المحكمة العليا ومثال ذلك القرار الصادر 5/5/1986 والذي جاء فيه "من المقرر في أحكام الشريعة الإسلامية أنه يشرط في المرأة الحاضنة ولو كانت أما. أحرى بغيرها أن تكون خالية من الزواج أما إذا كانت متزوجة فلا حضانة لها لانشغالها عن المحضون، فإنه من المتعين تطبيق هذا الحكم الشرعي عند القضاء في مسائل الحضانة".
لكننا نرى أن سقوط الحضانة يكون بزواج الحاضنة بغير قريب محرم كقاعدة عامة، إلا أن لهذه القاعدة استثناءات فالقاضي لا يحكم بسقوط الحضانة مباشرة بمجرد زواج الحاضنة وإنما عليه أن يراعي مصلحة المحضون، فلو لم يقبل المحضون غير حاضنته- أما كانت أو غيرها-وأصر على البقاء معها فهل إسقاط الحضانة عنها فيه مصلحة للمحضون، نحن نرى انه لا مانع من عدم إسقاط الحضانة عن الحاضنة لزواجها بغير قريب محرم إذا كان في ذلك مصلحة للمحضون وتأكد القاضي من تمسك المحضون بالحاضنة وكان الزوج رجلا مستقيما محمود الأخلاق لا يخشى منه على المحضون، أو انه ليس للمحضون حاضن غير أمه التي تزوجت بغير قريب محرم أو له حاضن آخر غير أمين عليه وهناك استثناء وضعه المالكية على سقوط الحضانة عن الحاضنة التي تزوجت بغير قريب محرم وهو أن تكون هذه الأخيرة- الحاضنة- وصية على المحضون، لأن حق الوصاية لا تسقطه الزوجية ويحصرون هذا الاستثناء في الأم الحاضنة فقط، فقد قال الإمام مالك إن المرأة الوصي على أولادها لا تسقط حضانتها بتزوجها ولا ينزع منها، وهذا هو الرأي الغالب وقال رأي بامتداد هذا الحكم ولو كانت المرأة الوصي غير الأم.
بالنسبة لمسألة اعتبار زواج الحاضنة بغير محرم تنازلا اختياريا عن الحضانة أو تنازلا غير اختياري وبالتالي حقها في المطالبة بالحضانة بعد سقوطها عنها من عدمه مسألة لم يتطرق إليها المشرع الجزائري وحتى المحكمة العليا لم تستقر على رأي واحد فهناك قرارات تعتبر أن هذا الزواج تنازل اختياري عن الحضانة ومثال ذلك القرار الصادر بتاريخ 25/02/1990 والذي جاء فيه "...ولما كان من الثابت في قضية الحال – أن الأم أسقطت حضانتها بعد زواجها بأجنبي فإن المجلس لما قضى بإسناد الحضانة إليها بالرغم من أن زواجها بالأجنبي يعد تصرفا رضائيا واختياريا يكون قد خالف القانون"
وهناك قرارات أخرى تعتبر أن سقوط الحضانة بعد طلاق الأم من أجنبي غير محرم لا يمنعها من المطالبة باستعادة الحضانة واعتبرت أن هذا الزواج هو سبب غير اختياري لسقوط الحضانة ومثال ذلك القرار الصادر بتاريخ 21/07/1998 والذي جاء فيه "من المقرر قانونا أنه يعود الحق في الحضانة إذا زال بسبب سقوطها غير الاختياري.
ومتى تبين - في قضية الحال- أن المطعون ضدها قد تزوجت بغير قريب محرم ثم طلقت منه ورفعت دعوى تطلب فيها استعادة حقها في الحضانة، فإن قضاة المجلس بقضائهم بحقها في الحضانة طبقا لأحكام المادة 71 من قانون الأسرة قد طبقوا صحيح القانون"
من خلال هذا فهل زواج الحاضنة من غير قريب محرم يعد سببا اختياريا لسقوط الحضانة أم أنه سبب غير اختياري لذلك؟ وهل يحق للحاضنة التي سقطت عليها الحضانة أن تطالب بها بعد طلاقها أو وفاة زوجها؟ طبقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة وبالرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية نجد أن آراء الفقهاء اختلفت في هذه المسألة كالمالكية الدين انقسموا إلى فئتين فمنهم من قال لا تعود الحضانة لمن سقطت حضانتها بالتزويج بعد الطلاق لها أو موت زوجها وهذا لأن الحضانة حق للحاضن حسب هذا الرأي.
وهناك رأي يقول أن زواج الحاضنة بأجنبي عن المحضون أنما يسقط حقها في حال تزوجها فإن طلقها الزوج أو مات عنها، رجعت في ولدها لأن تزوجها ليس رضا منها بترك الولد، لأن النكاح مما تمس الحاجة إليه كالطعام والشراب فأشبه إذا مرضت وضعفت عن الحضانة، أن الولد يأخذ منها لهذه العلة، فإذا ارتفعت العلة عادت الحضانة إليها وأخذت ولدها.
أما عن رأي الأحناف والحنابلة والشافعية فقد اتفقوا على أن من سقطت حضانتها بالتزويج يعود إليها حقها في الحضانة إذا ارتفعت الزوجية.
وعليه فاختلاف قرارات المحكمة العليا حول اعتبار الزواج سببا اختياريا لإسقاط الحضانة أم لا مرده الاختلاف بين الفقهاء، ونحن نرى أن الرأي القائل بحق المرأة التي تسقط حضانتها بالزواج من غير محرم في المطالبة بالحضانة بعد الطلاق أو وفاة الزوج، أكثر ملائمة للظروف التي نعيشها اليوم فليس من السهل على المرأة أن تعيش مطلقة أو أرملة دون أن يكون لها رجل يساعدها على مجابهة مصاعب الحياة كما أن هذا الرأي ليس فيه أي إحجاف لحق المرأة واتفق عليه غالبية الفقهاء.
فإذا تزوجت سقط حقها في الحضانة وإن زال هذا الزواج لسبب من الأسباب عاد لها حقها وهذا اعتمادا على القاعدة الفقهية التي تقول إذا زال المانع عاد الممنوع، والقاضي هنا له مطلق السلطة التقديرية في إعادة الحضانة للأم من عدمه فلو رأى أن المحضون كبر وترعرع في كنف أبيه بعد زواج أمه لعدة سنين مثلا، أو أن المحضون يرفض العودة لأمه والعيش من أبناء رجل آخر خوفا منهم فالقاضي هنا لا يعيد الحضانة للأم إذ قدر أن مصلحة المحضون تقتضي بقاءه مع والده، فالقاضي يصدر الحكم وفقا لمعطيات كل قضية وطبقا لمصلحة المحضون.
بالنسبة لمسالة إجبار المتنازل عن الحضانة عليها، فالقاعدة أن حق الحضانة يسقط إذا تنازل عنه صاحبه اختياريا ولا يقبل طلب استرجاعها وهذا ما أكدته المحكمة العليا في العديد من قراراتها ومثال ذلك القرار الصادر بتاريخ 27/03/1989 والذي جاء فيه "من المقرر فقها وقانونا أن المتنازلة عن الحضانة باختيارها لا تعود إليها ولا يقبل منها طلب استرجاع الأولاد لها، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا للقواعد الفقهية والقانونية.
ولما كان من الثابت - في قضية الحال- أن الطاعنة تنازلت عن حضانتها باختيارها دون أن ترغم على ذلك، فإن قضاة الاستئناف الذين قضوا بإلغاء الحكم المستأنف لديهم ومن جديد القضاء برجوع المطعون ضدها أم الأولاد عن تنازلها عن حقها في الحضانة وبإسناد من كان منهم في حضانة النساء إليها، فإنهم بقضائهم كما فعلوا خالفوا الفقه والقانون".
إلا أن لهذه القاعدة استثناءات، فلو كان في هذا التنازل إضرار بالمحضون يرفضه القاضي ويجبرها على الحضانة ومثال ذلك أن يكون المحضون رضيعا في حاجة ماسة إلى أمه أو في حالة عدم وجود حاضن آخر غير الأم وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في العديد من قراراتها ومثال ذلك القرار الصادر بتاريخ 19/12/1988 والذي جاء فيه "من المقرر شرعا وقانونا أن تنازل الأم عن حضانة أولادها يقتضي وجود حاضن آخر يقبل منها تنازلها وله القدرة على حضانتهم، فإن لم يوجد فإن تنازلها لا يكون مقبولا وتعامل معاملة نقيض قصدها، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا لأحكام الحضانة".
وبناء على هذا فالقاضي إذا طرحت أمامه مسألة التنازل على الحضانة فعليه أن يبحث عن الآثار المترتبة عن هذا التنازل على المحضون وله مطلق السلطة التقديرية في قبول هذا التنازل من عدمه وفقا لما يراه مناسبا لمصلحته –المحضون-.
هناك حالة أخرى منح فيها المشرع للقاضي مطلق السلطة التقديرية في إثبات الحضانة أو إسقاطها وهي حالة الشخص الموكول له حق الحضانة الذي يريد أن يستوطن في بلد أجنبي فقد نصت المادة 69 من قانون الأسرة على ما يلي "إذا أراد الشخص الموكول له حق الحضانة أن يستوطن في بلد أجنبي رجع الأمر للقاضي في إثبات الحضانة له أو إسقاطها عنه مع مراعاة مصلحة المحضون".
وعليه فعلى القاضي عند النظر في هذه المسألة أن ينظر إلى رأي الأبوين وظروفهما ومصلحة المحضون، وهذا ما جاء في القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 23/06/1993 والذي جاء فيه "من المقرر قانونا أنه إذا رغب الشخص – الموكول له حق الحضانة – الإقامة في بلد أجنبي أن يرجع للقاضي لإثبات الحضانة له أو إسقاطها عنه مع مراعاة مصلحة المحضون.
ولما ثبت -في قضية الحال- أن قضاة المجلس عند تـأيدهم لحكم المحكمة، القاضي بإسناد الحضانة بالجزائر بالرغم من عدم معارضة الأب عن إقامة ابنه بفرنسا لكونه هو نفسه يقيم بفرنسا، وعليه كانت تجب مراعاة حال الطرفين ومصلحة المحضون قبل وضع أي شرط، وما دام قضاة الموضوع لم يلتزموا بأحكام القانون فإن قرارهم استوجب النقض الجزئي."
كما على القاضي أن ينظر إلى الدولة التي سينتقل إليها الحاضن بالمحضون ومدى تأثير المجتمع الجديد على هذا الأخير وما إذا كانت هذه الدولة مسلمة أم لا، وهذا ما جاء في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 25/12/1989 والذي جاء فيه "من المقرر قضاءا في مسألة الحضانة أنه في حالة وجود الأبوين في دولة أجنبية غير مسلمة وتخاصما على الأولاد في الجزائر فإنه من يوجد بها أحق بهم ولو كانت الأم غير مسلمة...".
لكن هناك نقطة متعلقة بسفر الحاضن بالمحضون داخل التراب الوطني لم يتطرق إليها المشرع الجزائري ولم يبين إذا كان ذلك من أسباب سقوط الحضانة أم لا، لكن بالرجوع إلى قرارات المحكمة نجد أنها تناولت هذه المسألة في العديد من قراراتها وصدر عنها اجتهاد قضائي بتاريخ 22/09/1986 جاء فيه "من المستقر فقها وقضاءا أن بعد المسافة لصاحب الزيارة والرقابة على الأطفال المحضونين لا يكون أكثر من ستة برود، ومن ثم فإن القضاء بما يخاف هذا المبدأ يعد خطا في تطبيق القانون."
والمسافة الواردة في الاجتهاد القضائي الوارد أعلاه هي التي قال بها المالكية في أحد أقوالهم والبريد الواحد يساوي 12 ميلا، والميل عبارة عن 1852 متر فتكون الستة برود 6 ×12×1852= 130 كيلومتر و 400 متر.
كما أنه عند الرجوع إلى آراء الفقهاء نجد أنهم دائما يتشرطون مسافة قريبة، والعلة في ذلك هي تمكين الأب من ممارسة حقه في رعاية ابنه والمحافظة عليه.
ولا يغير من واقع هذه المسافة، تغير وسائل المواصلات وسرعتها فالمقصود من تحديد المسافة كما يظهر من أقوال الفقهاء هو القرب، حيث أن رؤية المحضون من قبل الأب ليست هدفا لذاتها لكنها جزء من الهدف، وإنما المقصود من الرؤية هو الإشراف والتعليم والتأديب ومتابعة مصالح الصغير، وكل هذا لا يأتي بمجرد وصول الأب ليشاهد ابنه لوقت قصير ثم يعود. لذا يجب على القاضي قبل الفصل في مسألة إسقاط الحضانة من عدمه أن يراعي كل هذه الاعتبارات مع تركيزه على مصلحة المحضون.

الفرع الثالث : مجال تدخل القاضي في ترتيب أصحاب الحق في الحضانة وتنظيم حق الزيارة
لقد أورد المشرع الجزائري ترتيب الحاضنين في المادة 64 من قانون الأسرة وذلك بنصها على أن "الأم أولى بحضانة ولدها، ثم الأب، ثم الجدة لأب، ثم الخالة، ثم العمة، ثم الأقربون درجة مع مراعاة مصلحة المحضون في كل ذلك وعلى القاضي عندما يحكم بإسناد الحضانة أن يحكم بحق الزيارة".
وهذا الترتيب لا يجوز مخالفته إلا استثناءا وبناءا على مصلحة المحضون وقد أكدت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 17/03/1998 ذلك والذي جاء فيه " من المقرر قانونا أنه لا يجوز مخافة الترتيب المنصوص عليه في المادة 64 من قانون الأسرة إلا إذا أثبت بالدليل من هو أجدر بالقيام بدور الحضانة..."
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا قصد المشرع بعبارة الأقربون درجة؟ وما هو الترتيب الذي يعتمده القاضي بينهم – الأقربون درجة- ؟.
ما على القاضي إلا الاعتماد على نص المادة 222 والرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية وبالرجوع إلى هذه الأحكام وجدنا اختلافا كبيرا بين الفقهاء في هذه المسألة، فمنهم من يرى أن لذوي الأرحام حضانة، ومنهم من ينفي حضانة ذوي الأرحام، ومنهم من يقدمون الأشقاء أولا ثم الذين لأم ثم الذين لأب، ومنهم من يقدم الذين لأب على الأخوة لأم، وهذا ما يجعل مهمة القاضي صعبة للغاية في تحديد معنى عبارة الأقربون درجة الواردة في المادة 64 من قانون الأسرة، ونحن نرى أن القاضي عند نظره في هذه المسألة عليه أن ينظر إلى مصلحة المحضون بالدرجة الأولى، أما عن المذهب الذي يعتمده فما دام المشرع أحاله في المادة 222 من قانون الأسرة إلى الشريعة الإسلامية بمختلف مذاهبها، فه حر في اختيار المذهب الذي يراه مناسبا وفقا لما له من سلطة تقديرية ونحن نميل إلى الرأي الذي أخذ به شيخ الإسلام ابن تيمية وذلك لوضوح حجته فهو يرى أن في الحضانة يقدم أقرب الأقارب من الطفل، وأقومهم بصفات الحضانة، فإذا اجتمع اثنان فأكثر، فإن استوت الدرجة قدمت الأنثى على الذكر، فتقدم الأم على الأب والجدة على الجد والعمة على العم والأخت على الأخ، فإن كانا ذكرين أو أنثيين قدم أحدهما بالقرعة عند استواء درجتهما، وعند اختلاف الدرجة إن كانا من جهة واحدة قدم الأقرب فتقدم الأخت على ابنتها وهكذا، ولا حضانة للأخ لأم بحال لأنه ليس من العصبات وكذلك الخال"
لكن كان من الأفضل لو أن المشرع ضبط ترتيب أصحاب الحق في الحضانة في مادة قانونية واضحة على غرار بعض القوانين العربية كالقانون المصري في المادة 20 والقانون السوري في المادة 139.
كما أن المشرع ألزم القاضي في نفس المادة -المادة 64- عند الحكم بإسناد الحضانة أن يحكم بحق الزيارة لكنه لم يبين لنا كيفية ممارسة هذا الحق ولا ضوابطه.

ونحن نرى أن كل هذا يرجع لتقدير القاضي حسب معطيات كل ملف ولا بد أن يكون تحديد حق الزيارة تحديدا مرنا وفقا لما تقتضيه حاله المحضونين، ومن المفيد الإشارة هنا إلى القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 16/04/1990 والذي جاء فيه" متى أوجبت أحكام المادة 64 من قانون الأسرة على القاضي حينما يقضى بإسناد الحضانة أن يحكم بحق الزيارة، فإنه من الواجب أن يكون ترتيب هذا الحق ترتيبا مرنا وفقا لما تقتضيه حالة الصغار فمن حق الأب أن يرى أبناءه على الأقل مرة في الأسبوع لتعهدهم بما يحتاجون إليه والتعاطف معهم.
ومن ثم فإن القرار المطعون فيه القاضي يترتب حق زيارة الأب مرتين كل شهر يكون قد خرق القانون" ، كما أنه يجب على القاضي عند ترتيبه لحق الزيارة ألا يضع شروطا قد تتعارض مع الهدف من هذا الحق ومثال ذلك تحديد مكان ممارسة حق الزيارة بيت الزوجة المطلقة، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 15/12/1998".
وبالرجوع إلى أحكام الشرعية الإسلامية فالفقهاء لم يضعوا طريقا لتنظيم حق الرؤية (الزيارة) ولذلك يجب – دفعا للضرر- أن يراعي القاضي عادات الناس وعرفهم في استعمال هذا الحق ، وأن ينظر إلى مصلحة صاحب الحق في الزيارة حتى يتمكن من مراقبة المحضون والاطمئنان على أحواله وإشباع غريزته العاطفية من التمتع برؤية ولده كما يجب عليه النظر إلى مصلحة المحضون.
كما لابد أن نشير إلى ما ورد في المادة 65 من قانون الأسرة بخصوص المدة المحددة لممارسة الحضانة وسلطة القاضي في تمديدها إلى 16 سنة بالنسبة للذكر إذا كانت الحاضنة هي الأم، ولم تتزوج.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل يستطيع القاضي تمديد حضانة الذكر إلى 16 سنة إذا لم تكن الحاضنة أمه وكانت مصلحته تقتضي ذلك؟
نحن نرى أنه يمكن للقاضي ذلك وفقا لما يتمتع به من سلطة تقديرية في هذا المجال لأن الأساس الذي تقوم عليه الحضانة هو مراعاة مصلحة المحضون بالدرجة الأولى.
من خلال كل ما تقدم فالمتمعن في جل مواد قانون الأسرة المتعلقة بالحضانة، وكذا أغلب إن لم نقل كل قرارات المحكمة العليا المتعلقة بنفس المسألة، يجد عبارة مصلحة المحضون واردة فيها إلا أنه لا يجد تعريفا واضحا لها.
ويمكن إرجاع صعوبة عدم وضع تعريف لقاعدة مصلحة المحضون لكونها تتعلق بمادة وثيقة الصلة بالحياة يصعب وضعها في إطار محدد، لكن بالرغم من ذلك فإن لهذه القاعدة مميزات وخصائص يمكن إبرازها فيما يلي:
1. قاعدة مراعاة مصلحة المحضون هي قاعدة ذاتية شخصية، بمعنى تتعلق بكل طفل على حدى، وعلى هذا الأساس ينظر القاضي إلى حالة كل طفل بمنظار يخصه ويحدد مصلحته، فما كان يصلح لطفل حديث العهد بالولادة لا يصلح بالضرورة لمن بلغ سن السادسة أو السابعة من عمره.

2. قاعدة مراعاة مصلحة المحضون قاعدة قابلة للتغير فما كان يصلح للمحضون في وقت معين قد لا يصلح له في وقت آخر، وعلى هذا الأساس وضع المشرع حالات من خلالها يمكن إسقاط الخضانة على الحاضن مراعاة لتغير مصلحة المحضون.
وقاعدة مصلحة المحضون يحكمها عنصران أساسيان هما:
تغليب المصلحة المعنوية على المصلحة المادية للمحضون، وتحقيق الأمن والاستقرار النفسي والعاطفي للطفل.
فمناط الحضانة هو المصلحة المعنوية بالدرجة الأولى ولا يختلف اثنان على أن الطفل حتى ينموا نموا سليما سواء جسديا أو عقليا أو نفسيا لا بد أن نؤّمن له الاستقرار النفسي ونلبي حاجته الفطرية للعطف والحنان.
ومن هنا فالطفل الذي يغير مسكنه من مكان إلى آخر، ويتغير حاضنه من حاضن إلى آخر سيعيش اضطرابا نفسيا حادا لا محالة، والقاضي هنا عليه أن يكون محلا نفسيا قبل أن يكون قاضيا وعليه أن يضع نصب عينية مصلحة الصغير عند الحكم بالحضانة وخاصة عند إسقاطها عن شخص ومنحها لشخص آخر.

فالمشرع الجزائري جعل قاعدة مراعاة مصلحة المحضون هي الأسمى وفوق كل اعتبار وأعطى للقاضي كامل الصلاحيات للوصول إلى ما هو أصلح للمحضون وخير دليل على ذلك الاجتهاد القضائي الصادر عن المحكمة بتاريخ 18/02/1997 والذي جاء فيه "من المستقر عليه قضاءا أن الحضانة تمنح حسب مصلحة المحضون.
ولما كان ثابتا –في قضية الحال- أن الحضانة أسندت إلى الأب مرعاة لمصلحة المحضون واعتمادا على تقرير المرشدة الاجتماعية التي تؤكد ذلك فإن قضاة الموضوع أعمالا لسلطتهم التقديرية فقد طبقوا القانون، مما يستوجب رفض الطعن".
وحتى يتمكن القاضي من تكوين قناعته وتقدير مصلحة المحضون تقديرا سليما يمكنه اللجوء إلى العديد من الوسائل قبل إصدار حكمه ونذكر منها:
- التحقيق و المعانية: للقاضي الاستماع إلى أطراف النزاع وتحديد أيهم أصلح لمراعاة مصلحة المحضون، كما له الاعتماد على الوثائق المقدمة من الأطراف وذلك بالاستناد على نص المادة 43 من قانون الإجراءات المدنية، وهذا لجمع أكبر قدر من المعلومات التي تساعده للوصول إلى القرار الصائب.
- الاستعانة بالخبراء: ويمكن للقاضي الاعتماد على نص المادة 47 وما يليها من قانون الإجراءات المدنية والتي تناولت موضوع الخبرة ومن قبيل الخبراء الذين يمكن للقاضي الاعتماد عليهم المرشدة الاجتماعية، وذلك لتحديد مصلحة المحضون بل أن تعين المرشدة الاجتماعية قد يكون إلزاميا في بعض الحالات وهذا جاء في اجتهاد المحكمة العليا الصادر بتاريخ 18/05/1999 الذي جاء فيه "من المقرر قانونا أنه في الحكم بإسناد الحضانة أو إسقاطها يجب مراعاة مصلحة المحضون.
ومتى تبين – في قضية الحال- أن الزوجة أسندت لها حضانة أبنائها الأربعة بأحكام مع الحكم على والدهم بتوفير سكن لممارسة الحضانة، وبعد مماطلة المطعون ضده (الأب) في عدم توفير السكن، أصبح يدفع بكون الطاعنة لم تسع في التنفيذ (ممارسة الحضانة) مدعيا أنه يمارس الحضانة الفعلية.
فإن القضاة بقضائهم بإسقاط الحضانة على الأم طبقا لأحكام المادة 68 من قانون الأسرة وعدم استعانتهم بمرشدة اجتماعية لمعرفة مصلحة الأولاد وعدم الإشارة لجنس الأولاد وأعمارهم، فإنهم بقضائهم كما فعلوا أخطئوا في تطبيق القانون وعرضوا قرارهم للقصور في التسبيب، مما يتعين نقص القرار المطعون فيه".
-الاستماع إلى أحد أفراد العائلة: يجوز للقاضي أن يطلب حضور، أقارب الخصوم، أو أصهارهم، أو زوج أحد الخصوم إضافة إلى أخوة وأخوات وأبناء عمومة الخصوم وغيرهم من الأقارب كل هذا من أجل جمع أكبر قدر من المعلومات للتحديد الأمثل لمصلحة المحضون وهذا عملا بأحكام المادة 64 من قانون الإجراءات المدنية.
ولابد أن نشير هنا أنه من الأفضل استبعاد شهادة الأطفال المحضونين لأنهم لا يستطيعون تقدير ما هو أصلح لهم، إضافة إلى أن شهادتهم قد يدلون بها بنوع من الخوف أو تحت تأثير الضغط، وهذا بدوره قد يؤثر على الاختيار الموفق.
كما أن الطفل عادة يختار من يساعده على اللعب وعدم الاكتراث وفي هذا الصدد صدر قرار عن المحكمة العليا بتاريخ 21/10/1982 نقض قرار صادر من مجلس قضاء قسنطينة والذي اعتمد على رفض المحضونين الالتحاق بأمهما وعلى رغبتهما في البقاء عند جدتهما لأبيهما، فاعتبرت المحكمة العليا هذا الموقف مخالف لقواعد الشريعة والقانون الوضعي.


خــــاتمـــــة
ما يمكن أن نخلص إليه في نهاية هذا الموضوع أن قانون الأسرة الجزائري له العديد من المميزات التي تميزه عن أغلب القوانين العربية والإسلامية المتعلقة بالأحوال الشخصية، فهذا القانون فتح المجال واسعا أمام القاضي لحل كل نزاع قد يطرح أمامه بما له من سلطة تقديرية واسعة في هذا المجال فالحلول القضائية وإن كانت تعبر عن إرادة المشرع أو تهدف إلى ذلك إلا أن للطابع الشخصي وقدرات القاضي نصيب فيها، إضافة إلى مرونة جل نصوصه وعدم أخذه بمذهب محدد من المذاهب الفقهية المختلفة وإنما استنبط أحكامه من أغلب المذاهب وهذا ما يسميه فقهاء الشريعة الإسلامية بالاجتهاد الانتقائي، كما أنه أحال القاضي في حالة عدم وجود النص القانوني إلى الشريعة الإسلامية بمختلف مذاهبها أيضا، وهذا وإن كان نقطة إيجابية تسمح للقاضي بإيجاد الحلول المناسبة إلا أنه يجعل من مهمته صعبة ومعقدة للغاية خصوصا وأننا – كقضاة – يعوزنا التكوين الفقهي الكامل والشامل في كل مذاهب الشريعة الإسلامية.
فمهمة قاضي شؤون الأسرة الجزائري ليست بالمهمة البسيطة فإضافة إلى وجوب تمكنه من القانون بكل فروعه فعليه التعمق في دراسة الشريعة الإسلامية بمختلف فروعها ومذاهبها كما عليه معرفة عادات وتقاليد وأعراف المنطقة التي يمارس بها مهامه إضافة إلى وجوب تمكنه من الغوص في أغوار النفس البشرية لأن مهمته متعلقة بأمور شديدة الصلة بالأمور النفسية، فهو إضافة إلى كونه قاضيا عليه أن يكون فقيها ومحللا نفسيا واجتماعيا واقتصاديا.
فنصوص قانون الأسرة الجزائري وإن كانت مرنة في غالب الأحوال كما اشرنا إلا أنها جاءت جد مقتضبة ويشوبها الكثير من الغموض والأمثلة التي تناولناها كثيرة في هذا المجال ومثال ذلك النصوص المتعلقة بالخطبة والتحكيم في الشقاق بين الزوجين والنشوز وترتيب أصحاب الحق في الحضانة...
أما القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية في الدول العربية والتي تمكنا من الإطلاع عليهما فإنها جاءت وافية شاملة في غالب الأحوال ولم يتقيد جلها بمذهب معين من مذاهب الشريعة الإسلامية مثلها مثل المشرع الجزائري إلا أن بعضها أحال القضاة في حالة غياب النص التشريعي إلى مذهب محدد ومثال ذلك القانون الأردني الذي أحال إلى مذهب أبي حنيفة وذلك في المادة 183 منه.
وقد لاحظنا في تربصنا الميداني على مستوى مختلف المحاكم والمجالس القضائية في مختلف ربوع الوطن انتشارا رهيبا لقضايا الطلاق بمختلف أنواعه على جداول المحاكم إضافة إلى كثرة الجرائم المرتكبة ضد الأسرة ، كل هذا يحتم على القضاة التشمير على سواعدهم لمحاولة إيجاد الحلول الملائمة لمعالجة هذا الخلل الذي يهدد كيان الأسرة الجزائرية وبالتالي كل المجتمع الجزائري.
كما أننا لاحظنا انتشارا واسعا لظاهرة الزواج العرفي -الزواج الشرعي- من خلال كثرة قضايا إثبات الزواج العرفي على جداول المحاكم وهذا الأخير-الزواج العرفي- تترتب عليه الكثير من المشاكل التي يصعب حلها، ويمكننا القول انه يلغى الكثير من أحكام قانون الأسرة كوجوب الحصول على ترخيص رئيس المحكمة لزواج القصر أو في تعدد الزوجات، فالقاضي يجد نفسه أمام واقع مفروض عليه، فالكثير من الأشخاص يلجئون لهذا النوع من الزواج للهروب من أحكام قانون الأسرة، ثم يرفعون دعاوى لإثبات الزواج العرفي وما على القاضي إلا أن يحكم بذلك إذا توافرت الشروط المنصوص عليها قانونا، إضافة إلى كثرة عديمي الضمير من الرجال في وقتنا الحالي والذين ينكرون هذا الزواج الذي قد تعجز المرأة عن إثباته، وبالتالي تضيع حقوق المرأة والأولاد وتصبح أحكام النسب والنفقة والحضانة وغيرها في مهب الريح، كل هذا جعل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تصدر تعليمة تمنع بموجبها الأئمة من إبرام عقود الزواج الشرعية إلا بعد إبرام العقد المدني كما أن بعض المناطق في الوطن قننت ذلك في مواثيق عرفية ومثال ذلك ميثاق أعراف الزواج الصادر عن بعض أئمة وأعيان ولاية بسكرة من طرف الزاوية العثمانية بتاريخ 24 ماي 2007.
وفي الختام هناك مجموعة من التوصيات نراها ضرورية:
1. إعادة نظر شاملة في أحكام قانون الأسرة الجزائري تجعلها أكثر وضوحا وشمولا ولعل الكثير من التوصيات التي جاءت في ملتقى قضايا المرأة والأسرة بين المبادئ الإسلامية ومعالجات القانون الوضعي المنعقد في 11، 12، 13 سنة 1999 بمقر المجلس الإسلامي الأعلى كانت في محلها، والتي أخذ المشرع ببعضها في التعديل الأخير لقانون الأسرة بموجب الأمر 05/02.
2. إحالة قاضي شؤون الأسرة في حالة عدم وجود النص التشريعي إلى مذهب محدد من مذاهب الشريعة الإسلامية لتسهيل المهمة على القاضي، وعدم تضارب واختلاف الأحكام القضائية.
3. إقامة دورات تكوينية خاصة بقضاة شؤون الأسرة في مجال الشريعة الإسلامية.
4. اتخاذ إجراءات من شأنها الحد من انتشار ظاهرة الزواج العرفي كتوعية أفراد المجتمع عن طريق وسائل الإعلام، أو اعتماد نظام المأذون الذي أخذت به جمهورية مصر العربية.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
السلطة ، التقديرية ، لقاضي ، شؤون ، الاسرة ، الزواج ، وإنحلاله ،









الساعة الآن 10:16 AM