logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





06-01-2016 02:33 صباحاً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 30-03-2013
رقم العضوية : 157
المشاركات : 455
الجنس :
الدعوات : 12
قوة السمعة : 310
المستوي : آخر
الوظــيفة : كاتب

بحث حول وسائل الإثبات الإداري
خطة
المقدمة
الفصل الأول : وسائل الإثبات الإداري والعوامل المؤثرة فيه
المبحث الأول : وسائل الإثبات الإداري
المطلب الأول : طرق الإثبات
المطلب الثاني : أهمية الإثبات وصعوبته في الخصومة
المبحث الثاني : العوامل المؤثرة في الإثبات الإداري
المطلب الأول : تأثير إمتيازات الإدارة على الخصومة
المطلب الثاني : أثر إمتازات الإدارة على الخصومة
الفصل الثاني : دور القاضي الإداري في الإثبات
المبحث الأول : ضمانات الخصومة القضائية
المطلب الأول : طبيعة إجراءات التقاضي الإدارية
المطلب الثاني : ضمانات التوازن بين أطراف الخصومة
المبحث الثاني : دور القاضي الإداري في تسيير إجراءات الخصومة القضائية
المطلب الأول : الدور الإجرائي للقاضي الإداري
المطلب الثاني : الدور الموضوعي للقاضي الإداري
خاتمة


مقدمة :
يقوم الإثبات الإداري ويعتمد أساسا على طبيعة و خصوصية الدعوى الإدارية هذه الدعوى التي تنشأ عن خصومة بين طرفين غير متكافئين , وهما الإدارة بوصفها سلطة عامة من جهة ,والمواطن من جهة ثانية ,إذ تعتبر الخصومة القضائية على أنها مجموعة من الإجراءات التي تبدأّ بإقامة الدعوى بناءا على مسلك إيجابي يتخذ من جانب المدعي , وينتهي بالحكم الفاصل في موضوع النزاع .
والمنازعة الإدارية هي الوسيلة القانونية التي يكفلها المشرع للأشخاص سواء كانت طبيعية أو معنوية لحماية حقوقهم أو مراكزهم القانونية في مواجهة الإدارة عن طريق القضاء.
وللإشارة فإن الإدارة تتخذ في معظم الدعاوى مركز المدعى عليه , لما تتمتع به من مظاهر السلطة العامة التي تجعلها في غير حاجة إلى الرجوع للقضاء لتنفيذ أعمالها القانونية أو المادية في مواجهة الغير, بما تمتلكه من سلطة التنفيذ المباشر.
وإن النشاط الإداري الذي يخضع لأحكام القانون الإداري والذي يختص القضاء الإداري بنظر المنازعات المتصلة به فهي التي تتعلق بتسيير المرافق العامة, وتستخدم الإدارة في اتخاذها أساليب وامتيازات القانون العام.
إذ تكون المنازعة إدارية إذا اتصلت بسلطة إدارية عامة ,بمعنى أن تكون الإدارة خصما في النزاع في حالة اتصال الدعوى بنشاط مرفقي تباشره السلطة الإدارية بوسائل القانون العام .
وباعتبار أن الإدارة في معظم منازعاتها تكون في مركز المدعى عليه ,وإن هذا المركز هو الأسهل في الدعوى طبقا للقوانين الإجرائية ,والطرف الأخر يكون في الغالب هو الفرد المتجرد من أية أدلة , وهو ما ينشأ مشكلة عدم التوازن بين أطراف الخصومة الإدارية ,الأمر الذي يتطلب معالجة هذا الوضع ,وخاصة ما يتعلق بعبء الإثبات لأن الفرد أو المتخاصم مع الإدارة هو الذي يتحمله ,فيما تتخلل منه الإدارة المدعى عليها .
وبإعتبار أن المتخاصم مع الإدارة هو المتضرر من قرارات الإدارة ,هذا ما يقتضي تقرير الحماية القضائية له , ذلك عن طريق اللجوء إلى القضاء الإداري ، وبما أن المدعي هو الملزم بتقدي البينة , وهو في الغالب لا يحوز على الدليل والإدارة بحسب إمتيازتها المقررة فهي التي تحوز الأوراق والمستندات في مواجهته,وهذا ما يصعب الحال على المدعي كونه لا يملك الدليل الكافي في مواجهة الإدارة ,وهذا ما يعرض دعواه للرفض.
ولكن رغم ذلك بإعتبار أن الدعوى الإدارية لها خصوصية يراعيها القاضي الإداري في رقابته على أعمال الإدارة ,حتى يكفل إعادة التوازن بين أطراف الخصومة وبالأحرى فإن القاضي الإداري هو حامي حقوق وحريات الأفراد ’كما هو الشأن بالنسبة للقضاء الطبيعي ,دون أن يغفل ماتحتاجه الأدارة من امتيازات غير مألوفة بغية تحقيق المصلحة العامة .
وعليه تثار الإشكالية حول ماهية وسائل الإثبات الإداري والعوامل المؤثرة فيه ؟
وماهو دور القاضي الإداري في التعامل مع مسألة عبأ الإثبات ؟
ومن اجل مناقشة هذا البحث رغم قلة المراجع ,كون أن هذه المسألة يشار إليها بصفة عرضية ,دون أن يخصص لها موضوعا للبحث .
ومع ذلك قمت بهذه المحاولة المتواضعة للإلمام بالعناصر الأساسية للبحث, عن طريق إبراز الدور الإيجابي للقاضي الإداري في التعامل مع وسائل الإثبات المتاحة للمدعي وذلك حتى يقلل من حدة قوة مركز الإدارة المدعى عليها
وقد إرتأينا تقسيم موضوع إلى فصلين ,الفصل الأول نخصصه لذكر وسائل الإثبات الإداري ,وعن العوامل المؤثرة فيه ,على إعتبار أن إثبات الواقعة من طرف المدعي بإسعاف من طرف القاضي الإداري يساعد على إظهار الحقيقة
وقد حدد المشرع الجزائري حالات لإثبات الحق أو المركز القانوني أمام القضاء الإداري ,مع مراعاة خصوصية الإثبات الإداري
أما الفصل الثاني سنبرز فيه دور القاضي الإداري في التدخل لتسيير الخصومة القضائية وفق ما تقتضيه مباديء العدالة والمساواة أمام القانون ,ذلك إعمالا منه لتحقيق التوازن بين أطراف الخصومة.


الفصل الأول: وسائل الإثبات الإداري والعوامل المؤثرة فيه
إن وجود الإدارة طرفا في النزاع ,أنشأ وضعية غير متوازنة بين الأطراف، صعبت فيه إعمال القواعد العامة في الإثبات, وذلك لتحصنها بقواعد قانونية وواقعية جعلتها في مركز أقوى .
وهذا ما سنبينه في هذا الفصل ,إذ نوضح في المبحث الأول وسائل الإثبات الإداري ,أما المبحث الثاني نذكر فيه العوامل المؤثرة في الإثبات الإداري .

المبحث الأول : وسائل الإثبات الإداري
للتحقق من خصوصية الإثبات الإداري, ينبغي دراسة قواعد الإثبات لمعرفة الأدلة الواجب توافرها لإقامة وإثبات الدعوى .

المطلب الأول: طرق الإثبات
يقصد بطرق الإثبات تلك الأدلة المثبتة للدعوى ,التي يستند عليها القاضي الإداري في الدعوى الإدارية سيما الوثائق والمستندات ,الشهادة, القرائن ,الخبرة ,والمعاينة [1].
إذ تعتبر المحررات المكتوبة من أهم طرق الإثبات, وترجع الحكمة في ذلك وعلى سبيل المثال التصرفات التعاقدية التي تبرمها الإدارة مع غيرها من أشخاص القانون الخاص ,وكذا تصرفاتها القانونية ,هذا ما يكون لدى الإدارة دليلا يمكن تهيئته في تصرفاتها ,وقبل قيام أي نزاع مستقبلا.
وما تجدر له الإشارة أنه قد لا يتم فحص الوثائق المقدمة ,أمام القضاء الإداري إلا بصدد المسائل المتنازع فيها .
بالإضافة إلى ذلك فعلى القاضي الإداري التثبت من سلامة المحرر ذاته من ناحية الشكل و المضمون, وقد يكون المحرر رسميا أو عرفيا [2].
فالمحرر الرسمي فهو الذي يثبت فيه موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة طبقا للأوضاع القانونية وفي حدود اختصاصه ما تم لديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن في حدود اختصاصه .
وبهذا تبدو أهمية الوثائق والمستندات في إقامة الدعوى ,فلقد أوجبت نص المادة 838 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية إيداع المذكرات والعرائض والوثائق من قبل الخصوم بأمانة ضبط المحكمة الإدارية .
وعليه تجدر الإشارة أن المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية والإدارية نص على الإحالة فيما يخص وسائل الإثبات المطبقة في القضاء العادي , وذلك من أجل تفادي التكرار ,دون إغفال ومراعاة خصوصية الإثبات الإداري . [3]
ومع ترك سلطة واسعة للقاضي الإداري في التعامل مع وسائل الإثبات.
إن قوة المحررات الرسمية تنصب في أن واحد على الكتابة ذاتها ومضمونها ,على إعتبار أنه يفترض صدور هذه الأوراق من موظف مختص الذي وضع توقيعه على هذه الأوراق ,وكذا اشتراط توافر الشكليات اللازمة لصحتها ,إلى أن يطعن فيه بالتزوير .
أما المحررات العرفية فهي التي تكتب بشأن تصرف قانوني , ولا يتدخل موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة في تحريرها , لذلك فالمصدر القانوني لإنشاء السند العرفي و اكتسابه الحجية في الإثبات هو التوقيع الذي يعتد به القانون ,وبالأحرى فإن التوقيع بالإمضاء أو البصمة أو بالختم هو المصدر القانوني لإضفاء صفة الحجية على الورقة العرفية [4].
وأن للمحرر العرفي حجية محدودة في الإثبات, وذلك بحكم إنشاءه وهو بذلك أقل حجية في الإثبات من حجية المحرر الرسمي,من حيث مصدره أو موضوعه.
وعليه فإن للكتابة أهمية بما كان في حماية الحقوق و المراكز القانونية, على إعتبار أن قواعد الإثبات الإداري هي من إجراءات التقاضي الإدارية[5].
وهذا ما جعل معظم التشريعات المنظمة لإجراءات القضاء الإداري ,تلزم المدعي أن يقدم مع عريضة دعواه مذكرة يبين فيها أسانيد الطلب .
إلى جانب الوثائق والمحرارات, توجد الشهادة ونعني بها الإخبار في مجلس القضاء من شخص لإثبات حق لغيره على غيره .
وما تجدر له الإشارة أن للشهادة قوة محدودة في الإثبات الإداري ,إذ تبقى الشهادة خاضعة لتقدير القاضي الإداري فله أن يأخذ بها إذ إقتنع بصحتها ,وله أن يطرحها إن شك فيها [6].
بالنظر للطابع التحقيقي للإجراءات أمام القضاء الإداري فقد أضاف المشرع الجزائري حكما يقضي بجواز إستدعاء أو سماع أو الإستماع تلقائيا إلى أي شخص يرى سماعه مجديا ولو كان عونا إداري إداريا لأجل تقديم الإيضاحات ,وهذا ما نصت عليه المادة 860 من قانون الإجراءات المدنية الإدارية .
وبذلك يجوز إثبات الوقائع المادية بكافة طرق الإثبات كونها لاتعد تعبيرا عن إرادة الإنسان حتى يتطلب لإثباتها أن يكون مظهرها ناتجا عن صاحبها ,إلا أن إعمال الشهادة في الإثبات الإداري يبقى محدودا [7].
كون أن التصرفات القانونية التي تبرمها الإدارة من قرارات وعقود إدارية تكون في الغالب مكتوبة بموجب محرارات رسمية ,أما إثبات الوقائع المادية المتنازع فيها المتعلقة بالخصومة الإدارية فإنه يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات [8].
بالإضافة إلى ذلك فتعتبر قرينة إذ يتم فيها إستنباط أمر غير ثابت من أمر ثابت , وذلك إستنادا على الوسائل المقررة في الإثبات , والتي يستنتجها القاضي الإداري بإجتهاده من موضوع الدعوى و ظروفها .
وعليه فإن للقرينة القضائية عنصران أولها مادي وهي الواقعة الثابتة المعلومة لدى القاضي والثابتة أمامه في الدعوى , وثانيها معنوي وهو إستنباط الواقعة المجهولة من الواقعة الثابتة [9].
وهذا الإستنباط ماهو إلا عملية ذهنية يقوم به القاضي متقيدا في ذلك بما يقتضيه مباديء المنطق والعقل , فقد يقتنع بقرينة واحدة ويبني عليها حكمه ,وقد لايقتنع بقرائن متعددة ,على إعتبار أن القاضي الإداري حر في تكوين إقتناعه .
وإن إعتماد القاضي الإداري على القرائن هذا من أجل تخفيف عبأ الإثبات الذي يقع في الغالب على عاتق المدعي ,إضافة على ذلك يمكن للقاضي الإداري الإنتقال لمشاهدة موضوع النزاع ,وذلك إذ إعتقد أن معاينته ستكون مجدية , وهذا من أجل الوقوف والتأكد من صحة الأوصاف التي يدعيها صاحب الشأن لتقدير مدى مشروعية القرار موضوع الطعن , وبهذا تعد وسيلة المعاينة طريقة مباشرة للإثبات , إذ تعتبر إتصال مادي مباشر بالواقعة المراد إثباتها [10].
وبهذا يمكن القول أن لهذه الوسيلة أهمية بالغة للتأكد من إثبات عدم مشروعية القرار المطعون فيه ,أو العمل المادي الذي باشرته الإدارة في نشاطها ,كونها تساعد القاضي الإداري على الإلمام الكافي والدقيق وبصورة محددة عن المركز أو الحالة الواقعية وشكلها الخارجي ,هذا ما يظهر للقاضي الإداري حقيقة موضوع النزاع , ولقد تم النص على هذه الوسيلة في المادة 861 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ,على أن تتم المعاينة بمقتضى قرار قبل الفصل الموضوع يصدر من القاضي الإداري سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحد الخصوم حتى يتسنى للقاضي الإداري معرفة المعلومات اللازمة لحل النزاع ,أوقد يعتمد القاضي الإداري على أشخاص لهم الإختصاص والخبرة [11] ,لا يستطيع فيها من الناحية الفنية و التقنية الإلمام بجميع موضوع المنازعات التي تعرض عليه وبهذا لا مناص من لجوء القاضي الإداري إلى الخبرة الفنية حتى يتمكن من الحصول على إيضاحات تساعده على تكوين إقتناعه , وهذا ما تم النص عليه في المادة 858 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية
وعليه فإن إعتماد القاضي الإداري على خبرة أشخاص متخصصين يساعده ويعينه على عمليات التحقق والفهم في المسائل التي تتطلب تخصصا فنيا دقيقا [12].
وما تجدر إليه الإشارة أن الإلتجاء إلى الخبرة الفنية مسألة إختيارية , فلا يلزم القاضي الإداري بالإستجابة إلى طلبات الخصوم بإجرائها .
إن هذه الوسائل المعدة للإثبات الإداري والتي تم النص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية ,لا تقيد القاضي الإداري في بحثه عن الحقيقة , فله أن يتخذ جميع الوسائل التي يراها ضرورية كون أن القضاء الإداري هو الذي ينشأ القاعدة القانونية [13].

المطلب الثاني : أهمية الإثبات وصعوبته في الخصومة القضائية
يحتل الإثبات أهمية خاصة بالنسبة للحقوق والمراكز القانونية, إذ يعتبر بمثابة إحياء لها, والحق دون إثبات يعد غير موجود من الناحية العملية
وبالأحرى فالحق لا قيمة له إذ لم تتوفر وسيلة إثباته , هذه الوسيلة تكون حسب ما تم النص عليه في القانون , وعلى مدعي الحق أن يثبت الإعتداء الحاصل على حقه أو مركزه القانوني [14].
ولذا فعلى من يلجأ إلى رفع الدعوى القضائية ، أن يوضح بالأدلة موضوع الإعتداء.
وبعد ذلك على القاضي الإداري إذا ما تحققت لديه تلك الوقائع أن ينزل حكم القانون عليها , على إعتبار أن وسائل الإثبات تعمل على إستقرار الحقوق و المراكز القانونية
فالقاضي يكون عقيدته من خلال عناصر الإثبات التي قدمت له وفقا للقانون وطبقا للإجراءات المنظمة لها [15].
على إعتبار أن مهمة القضاء تكمن في تطبيق القاعدة القانونية على الوقائع المعروضة عليه ,ولهذا لا يكفي أن يدعي أطراف الخصومة بواقعة ما ,بل يجب عليه إثباتها .
وبناءا عليه يتعين على القاضي الإداري أن يصدر قراره بناءا على الوقائع المثارة أمامه , فلا يعقد القاضي الإداري الإختصاص لنفسه إلا إذا أخطر بدعوى قضائية .
وعليه تبرز أهمية الإثبات في أنها تنير الطريق أمام القاضي حتى يتسنى تحقيق العدالة في وجدانها ,على إعتبار أن الحكم هو عنوان الحقيقة .
ومن ثم تعمل هذه القواعد على استقامة التفكير الذهني مع الأدلة القانونية للوصول إلى قناعة القاضي [16].
ففي القانون الإداري نلاحظ أنه وعلى الرغم من الخصوصية الموجودة في قواعده , باعتبار أدلة الإثبات الإداري تصاغ على أساس ظروف هذا القانون , و طبيعة الدعوى الإدارية على إعتبارها تشكل ظاهرة إنعدام التوازن العادل بين أطراف الخصومة الإدارية فيما يتعلق بتحمل عبأ الأثبات .
هذا ما يجعل لقواعد الإثبات أهمية خاصة , إذ تكون الحاجة ملحة لوضع هذه القواعد من أجل إقامة الدعوى الإدارية ,بما يتفق وظروف القانون الإداري , إلا أن ذلك لا يعني إنقطاع الصلة تماما بين قواعد الإثبات المقررة في القانون الإداري , وغيرها من قواعد الإثبات المقررة في القانون الخاص [17].
حيث أنه تكمن صعوبة الإثبات الإداري في طبيعته التي تتسم بالحداثة , إضافة لذلك فإن القانون الإداري نشأ في فترة متأخرة بالمقارنة مع نشأة القانون الخاص , وهذا ما جعل الخصومة الإدارية تفتقر إلى قانون خاص بالإجراءات الإدارية .
وكذا الطبيعة الخاصة للدعوى الإدارية التي تتعلق بروابط إدارية تنشأ بين الإدارة بإعتبارها سلطة عامة تقوم بوظيفتها الإدارية لتحقيق المصلحة العامة ,وبين الأفراد من جهة أخرى في إطار ما يقتضيه مبدأ المشروعية[18].
ذلك أدى إلى بروز عدة عوامل مؤثرة في الخصومة الإدارية تدور حول إمتيازات الإدارة الطرف الدائم في الدعوى الإدارية , وتتحكم في تشكيل قواعد الإثبات في القانون الإداري , وتؤدي هذه العوامل إلى إنشاء حالة قانونية غير متوازنة بين أطراف الخصومة من جهة الإثبات [19].
وتستهدف القواعد الخاصة بالإثبات الإداري أساسا للدعاوى الإدارية التي تتضمن فصلا في خصومة أو منازعة إدارية في طبيعتها المألوفة وهي دعاوى الإلغاء ودعاوى القضاء الكامل ,التي تقوم على منازعات إدارية تتصل بحقوق أو مراكز قانونية , الأمر الذي يبرر عدم الإعتماد عليها في صياغة قواعد خاصة للإثبات في القانون الإداري التي تقوم أساسا على الدعاوى الإدارية التي يكون الفرد فيها هو المدعي عادة [20].

المبحث الثاني: العوامل المؤثرة في الإثبات الإداري
إن الإثبات في المادة الإدارية يختلف عن غيره من الدعاوى الأخرى ,إذ تراعى فيه عدة عوامل وإعتبارات ,هذه العوامل مستمدة من طبيعة الدعوى الإدارية وخصوصيتها ,على إعتبار وجود الإدارة طرفا دائما في الخصومة القضائية ,وذلك في صورة سلطة عامة ذات إمتيازات غير مألوفة , هذا هو الأمر الذي يؤثر في عدم توازن بين أطراف الخصومة الإدارية .

المطلب الأول: تأثير إمتيازات الإدارة على الخصومة
ما يجب التنويه إليه أن للإدارة شخصية قانونية مستقلة , وحياة متميزة عن الحياة الخاصة بالعاملين فيها , هذه الشخصية لاتتغير ولا تنتهي بإنتهاء أو تغير حياة العاملين بها [21].
هذا بخلاف الشخص الطبيعي الذي يتمتع بذاكرة وعقل إنساني ,ما يؤخذ عليه أنه معرض للنسيان كونه يدافع أساسا على مصلحته الخاصة , وإن حياته سواء طالت أم قصرت تعتبر محدودة في عمومها , ومن ثم كانت حاجة الإدارة إلى تكوين ذاكرتها المستقلة التي تتمثل في إعداد ذاكرة إدارية متميزة , تظل باقية محتفظة بالوقائع الإدارية جميعها بعيدة عن النسيان , أو الغرض الشخصي .
حيث يتم الرجوع إلى هذه الذاكرة عند اللزوم للكشف عن حقيقة التصرفات الإدارية بمضمونها وتاريخها , إذ تكون مرجعا ثابتا على مر الأيام بغض النظر عن الأشخاص العاملين بها , وهذا ما يشكل بذاته العقل الإداري إن صح التعبير ,وأنه يتخذ شكل السجلات والملفات والأوراق , وجميع المصنفات والمحرارت التي أعدت من مختلف الجهات الإدارية .
وهذا ما يثبت الوقائع المتعلقة بالعمل الإداري, هذا كله يدرج في إطار ما يسمى بالأوراق الإدارية[22]
إذ تعد هذه الأوراق الإدارية الوسيلة الفعلية لإثبات ما تتخذه الإدارة من تصرفاتها المتصلة بنشاطها الإداري , وبهذا فإن هذه الوسيلة أساسية في الإثبات أمام القضاء الإداري ,كون أن الإجراءات الإدارية القضائية تتميز بأنها ذات طابع كتابي , وأن الإجراءات فيها إستيفائية تتم بسعي من القاضي الإداري [23].
ومع ذلك فإن المشكلة تكمن في حيازة الإدارة لهذه الأوراق والمستندات, والتي تبقى محفوظة لديها بما تتضمنه من بيانات مدونة في أرشيفها , وبالتالي يكون من الصعب على المدعي الذي يتحمل عبأ الإثبات الحصول على هذه الأوراق .
ولهذا إعتبر الفقه والقضاء الإداري المقارن على أن عيب الإنحراف بالسلطة، من العيوب القصدية في السلوك الإداري قوامه أن يكون لدى الإدارة سوء نية وقصد في الإنحراف بالسلطة , وهذا راجع لصعوبة الكشف عن نية الإدارة , هذا ما يتطلب فحص الوثائق والتأكد من الشكليات التي يتطلبها القانون , مع مراعاة جميع الظروف الداخلية والخارجية المحيطة بالإدارة[24] .
أما فيما يخص حجية الورقة الإدارية ,فإن لها ذات الحجية المقررة للورقة الرسمية إذا تم مراعاة الإجراءات الشكلية المقررة في القانون .
وبذلك تعتبر الأوراق الإدارية الموجودة في حيازة الإدارة المثبتة للوقائع الإدارية , وقد تثبت هذه المستندات تصرف قانوني أو واقعة مادية ,لأن النشاط الإداري يقتضي هذا النوع من التصرفات ,أو ما تتخذه الإدارة في علاقاتها مع الغير كما هو الشأن في العقود الإدارية سواء كان في إطار المقاولات أو التوريد , مع الإشارة كذلك إلى التصرفات غير التعاقدية كما هو الحال بالنسبة للأشخاص المنزوعة ملكيتهم أو المحددة إقامتهم , أو من تقرر منحهم الجنسية [25].
وهي في جميع الحالات تتضمن وقائع إدارية معينة تدخل في مجال الاختصاصات التي تمارسها الإدارة والتي تتصل بسير العمل الإداري والوظيفة الإدارية بصفة عامة .
والذي يجب التنويه إليه أن الأوراق الإدارية تكون محررة على نماذج معدة لدى الإدارة سلفا ,لإثبات بعض الوقائع [26],كما هو الشأن في النموذج المبين لحالة الموظف والذي يكون مرفق بملف الخدمة الخاص بالموظف بالإدارة , تبين فيه مؤهلات ومدة خدمة وبيان درجة وعلاوة ومرتب ,وكذا الجزاءات المقررة له إثر المخالفات التي إرتكبها في إطار الخدمة إلى غير ذلك من البيانات المتعلقة بحالته الوظيفية .
بالإضافة إلى الوثائق الإدارية الأخرى نذكرها على سبيل المثال وثائق السفر, نماذج الشهادات المدرسية , وإستمارات الحالة المدنية , والبطاقات العائلية والشخصية , وإستمارات التأمين والمعاشات ورخص البناء , إلى غير ذلك من النماذج والأشكال التي تثبت مختلف الوقائع الإدارية , والتي تختلف وفقا لطبيعة نشاطها الإداري ,والوقائع التي عدت هذه الأوراق لإثباتها .
وقد تتخذ الورقة الإدارية صورة قرار إداري في أي مرتبة أو شكل , سواء كان قرارا تنظيميا أو لائحة صادرة من سلطة مختصة ,أو قرار فردي بالتعين أو الترقية أو الفصل أو نزع الملكية الخاصة للمنفعة العامة إلى غير ذلك من القرارت الإدارية التنظيمية أو الفردية , كما قد تتخذ الورقة صورة عقد يحتفظ به بملف لدى الإدارة [27].
ويمكن أن تصدر الورقة إبتداءا في صورة طلب من صاحب الشأن سواء كان من العاملين لدى الإدارة العامة , أو من غيره .
ثم بعد ذلك تقدم للإدارة سواء بالبريد العادي أو المسجل أو باليد هذا الطلب , من أجل التأشير عليه مع وضع تاريخ وروده , إلى غير ذلك من مراحل وإجراءات تتخذ بشأنها , ثم حفضها ضمن ملفات الإدارة ,وعلى الموظف دوما إثبات جميع الوقائع المتصلة بعمله فور حدوثها , وتسجيل ما يتصل بنشاطه في السجلات والأوراق بالطريقة المعدة لذلك ,وبهذا التسجيل تتكون على مر الأيام الذاكرة الإدارية الموضوعية التي يرجع لها عند الحاجة [28].
مما سبق يتضح إمتياز الإدارة بحيازتها للأوراق الإدارية ,إذ تقوم بعد ذلك بحفظها بعيدا عن متناول صاحب الشأن , في حين أنها قد تمس مراكزهم وأوضاعهم القانونية أو حقوقهم الموضوعية [29], وهي بذلك إذ أختصمت أمام القضاء المختص تكون إكتسبت مركز الخصم الأقوى في الدعوى الإدارية , مزودة سلفا بأدلة الإثبات ,وفي الوقت ذاته يقف فيه المتخاصم مع الإدارة أمامها مجردا من الأدلة المثبتة لتأسيس وإقامة الدعوى .
مع الإشارة أنه قد لا يعلم ما سطر فيها من بيانات بصورة واضحة , على خلاف القانون الخاص حيث يعتمد الطرفين فيه على أدلة الإثبات المقررة مع إحترام مبدأ الوجاهية ,والمساواة أمام القانون .
بالإضافة إلى ذلك فتبقى الإدارة حق إتخاذ موقف معين تحدد به مركزها القانوني وحقوقها, دون توقف على إدارة الأفراد بمقتضى قرارات ملزمة , لها قوة تنفيذية بغير حاجة للإلتجاء إلى القضاء [30].
وبهذا يتضح أن الإدارة وتحقيقا للمصلحة العامة تملك إصدار قرارات إدارية تنفيذية , وذلك تعبيرا عن إرادتها المنفردة دون أخذ موافقة من صاحب الشأن الذي يمسه التصرف الصادر من الإدارة , بدون حاجة في تنفيذ أعمالها للإلتجاء إلى القضاء ,وإن الإدارة بذلك تحدد في حالات معينة الحقوق والإلتزامات والمراكز القانونية المراد المساس بها , وذلك حسب ما يقتضيه سلطتها في تقدير الملاءمة وكيفية مواجهة الظروف المستجدة وغير المتوقعة , فلو كان المشرع يستطيع تنبأ كل الحالات التي يمكن أن تواجهها الإدارة إثر القيام بنشاطها , لما منحت لها أصلا هذه الإمتيازات [31], وبالأحرى فإن هذه الإمتيازات لم تمنح لسواد عيون الإدارة , وإنما قررت لها من أجل تحقيق المصلحة العامة , فهذه المهمة النبيلة هي التي تركت الإدارة تتمتع بإمتيازات غير مألوفة , وهذا ما يبرر لها أن تتخذ قرار نزع الملكية الخاصة من أجل المنفعة العامة جبرا عن إرادة أصحابها ,وقرارات الفصل من الخدمة على خلاف رغبة الموظف في الإستمرار لخدمة المرفق العام .
ومن جانب أخر تصدر ولو من تلقاء نفسها قرارات التعين إن إقتضت الحاجة ذلك كما هو الشأن في حالة الموظف الفعلي ,أو أن تتخذ قرارا لنقل أي موظف أو ترقيته إلا أن هذه التصرفات لاتكون بمنئى من رقابة القاضي الإداري [32], كما لها أن تصدر القرارات المتعلقة بالضبط الإداري .
وإن هذه القرارات التي تصدرها الإدارة تلزمها في حد ذاتها على إعتبار أن من شأن هذا التصرف أن ينشأ مركزا قانونيا إذ يتكفل القانون بعد ذلك بحمايته ,وبالمقابل يلتزم صاحب الشأن في ذات الوقت بمراعاة ما ورد بهذه القرارات من قواعد وبنود .
وما يجب التنويه إليه أن أساس إمتياز المبادرة , يرجع إلى أن الوظيفة الإدارية المناطة للإدارة تستهدف إشباع الحاجات العامة للمجتمع , وكفالة أمنهم وسلامتهم [33].
ولما كان الأمر كذلك فليس للإدارة ترك إمتياز المبادرة والإلتجاء إلى القضاء لإستصدار حكم بدلا من تصرفها المباشر الذي يفرض عليها وعلى الأفراد ,وهذا ما يجعلها لا تقف في مركز المدعي ,ولا تتحمل ما يتطلبه هذا المركز من أعباء وما يؤدي إليه من نتائج بخصوص الإثبات
بالإضافة إلى ذلك فإن القرارات الإدارية تتميز بالفورية وترتب أثرها المباشر فور صدورها , إلا إذ حكم بوقف تنفيذها من قبل القضاء الإداري ,وهذا الأثر المباشر للقرار الإداري من أهم الإمتيازات التي تتمتع به الإدارة إلا أن حجيته أقل مرتبة من حجية الشيء المقرر فيه والتي تتمتع بها الأحكام القضائية .
وبهذا يمكن القول أن الإدارة تحدد وتنفذ بسلطاتها ما تقرره إتجاه الأخرين دون حاجة إلى موافقة القضاء المختص [34], وعلى من ينازع في صحة تصرفها , ما عليه إلا عرض الأمر على القضاء الإداري , وتحمل صعوبات مركز المدعي في الدعوى
هذا الأمر يخلف ظاهرة عدم التوازن العادل بين أطراف الخصومة الإدارية, مع العلم أن الدستور ينص على مبدأ المساواة أمام القانون[35].
ضف إلى ذلك أن القرارت الإدارية تتميز بقرينة السلامة والمشروعية ,على إعتبار أن العمل الإداري يحاط بضمانات خاصة إذ يفترض في العمل الإداري سلامته من حيث الإجراءات الشكلية المقررة قانونا ,وكذا إعتباره مطابقا للقانون , هذا حتى تحافظ الإدارة على إستمرارية النشاط المرفقي بصورة منتظمة [36].
ومؤدى ذلك أن يظل القرار الإداري قائما ونافذا في مواجهة صاحب الشأن, بإعتباره صحيحا ومنتج الأثر من تاريخ سريانه حتى تاريخ العمل به , إلا إذ تم تعديله أو إلغاءه من قبل الإدارة ذاتها المصدرة العمل ,كون أن للإدارة حق الرقابة الذاتية لأعمالها[37] , أو أن يتم إيقاف أثره أمام القضاء الإداري المختص بناءا على طلب يوجهه صاحب الشأن لهذا الأخير .
وإن قرينة السلامة والمشروعية صفة لصيقة بالقرارت الإدارية حتى ولو كانت معيبة وغير مشروعة إلى أن يحكم بإلغائها ,وبعد ذلك إذا إتخذ المتضرر من عمل الإدارة موقفا برفعه للدعوى القضائية [38], وبناءا عليه يقوم القاضي الإداري بعد فحصه للقرار الإداري بإخراج هذا العمل غير المشروع من وعاء المشروعية .
إلا أن هذا المبدأ يرد عليه إستثناء , وهو إذا تعلق الأمر بالقرارت المنعدمة التي بلغت فيها اللامشروعية حدا غير معقول من الجسامة , إذ لا يتصور أن يصدر هذا القرار من طرف الإدارة , هذا ما يجعل القاضي الإداري يلتفت عن رقابة هذا القرار الإداري[39] .
ومن ثمة فإنه لا تنسب قرينة السلامة إلا على الوقائع و الإجراءات والبيانات التي دونها الموظف المختص , ويتعلق الأمر بتاريخ القرار ومحل وإسم مصدره وصفته والإجراءات والأوضاع الشكلية التي يستند عليها القرار ,وذلك فضلا عن مضمون القرار من نصوص خاصة بالموضوع .
وإن هذه قرينة السلامة والمشروعية تجعل خصم القرار الإداري أو الإدارة, في مركز صعب يتحمل فيه مخاطر المنازعة في صحة هذه القرارات , وإن هذا الأمر يتطلب تدخل القاضي الإداري من أجل معالجة هذه المسألة .
إلى جانب ذلك فإن تنفيذ القرارات في مواجهة صاحب الشأن , إما بإختيارهم إحتراما منهم لقوتها القانونية الملزمة , ولهم في ذات الوقت إذا أرادوا الإلتجاء إلى الوسائل القانونية المقررة لمواجهة مدى مشروعية القرار الإداري ,سواء عن طريق الرقابة الإدارية ,وذلك عن طريق التظلم الذي يتخذه صاحب الشأن ضد العمل الإداري أمام نفس الجهة المصدرة له ,أو الرقابة القضائية[40] .
وتتم هذه الرقابة بعد تنفيذ القرار الإداري ولا يترتب وقف تنفيذه بإعتبار أنه لو تم لجوء الإدارة للقضاء لتنفيذ قراراتها فإن ذلك يضعف في العادة من مركزها ولا يحقق المصلحة التي أنشئ لها أصلا المرفق الإداري وبالتالي مما يؤدي إلى إضعاف مقدرتها على ضمان إنتظام العمل الإداري و إستمراريته و إشباع الحاجيات العامة للمجتمع ,ولهذا منحت للإدارة حق تنفيذ قراراتها بصورة مباشرة ,لأن الإدارة تأمر ولا تشاور, وهذا ما يعد إمتيازا خطيرا مقرر لمصلحة الإدارة [41].
على إعتبار أن التنفيذ المباشر قد يترك أثارا يتعذر أو يستحيل تداركها , كما هو الشأن في القرار الذي يتخذ قصد هدم منزل أو غلق محل تجاري ,فإذا تبين عدم مشروعيته يقدم فيه صاحب الشأن طلبا أمام القضاء الإداري لوقف أثره[42] .
وعلى إلى إثر ذلك يتدخل القضاء الإداري , للوقوف على مدى مشروعية القرار المراد الطعن فيه , وذلك بتفحص مدى مطابقته للقانون , ومدى ملائمة هذا التصرف الإداري وإحتياجات الإدارة .

المطلب الثاني : أثر امتيازات الإدارة على الخصومة .
نظرا لما تحوزه الإدارة من الإمتيازات و السلطات غير المألوفة , فمن الطبيعي أن تؤثر هذه الأخيرة بشكل أو بأخر على سير الخصومة الإدارية [43], لاسيما ما يتعلق بإجراءات الإثبات , ذلك أن الإدارة بإستئثارها لهذه الإمتيازات فإنها تعد الطرف الأقوى في الدعوى , والمهيمنة في العادة على أدلة الإثبات , في حين يقف المتخاصم مع الإدارة مجردا من الأدلة , وهذا هو الموقف الذي يصعب إقامة الدعوى القضائية أصلا أمام القضاء .
هذا ما يؤدي في الأخير إلى إنشاء وضعية قانونية غير مألوفة , يختل فيها التوازن بين أطراف الخصومة [44].
إن المدعي هو كل من تقدم بطلب إلى القضاء في مواجهة خصم أخر , وتثبت له الصفة في الدعوى في مباشرة وإقامة الدعوى , هذا كون أن القاضي الإداري لا يتحرك من تلقاء نفسه [45], وإنما لابد أن يخطر بدعوى إدارية , ولهذا يشترط لإكتساب صفة المدعي أن يكون لديه أهلية الإختصام , وهي صلاحية الشخص التي يحددها القانون بما تتضمنه من حقوق وواجبات إجرائية , هذا ما يقرر ويجعل المدعي له الوصف بإعتباره صاحب المركز القانوني والحق الموضوعي في الدعوى القضائية [46].
وإن كان صاحب الشأن هو المدعي في الدعوى الإدارية كأصل عام , فإن هذا الأصل لم تتضمنه قواعد إجراءات القضاء الإداري المعمول به , وإنما إمتيازات الإدارة في التنفيذ المباشر هو الذي جعل المتضرر من العمل الإداري يسعى للإدارة في بداية الأمر[47] , ثم بعد ذلك يلجأ للقضاء الإداري لمخاصمة الإدارة أو القرار الإداري لإيقاف الأثر المباشر للقرار الإداري أو إلغاء العمل غير المشروع .
إلا أنه في بعض الحالات الإستثنائية قد تبادر الإدارة في اللجوء إلى القضاء , نظرا للطابع الخاص لهذه الدعوى , هذا من شأنه أن يكسبها مركز المدعي في الخصومة القضائية [48].
وإن هذه الحالات الإستثنائية تتعلق بالدعاوى الجزائية , ويقصد في المقام الأول تدخل القضاء الجزائي بهدف فرض عقوبات جزائية لمن يقوم بمخالفة القرارت الإدارية .
ففي قضاء الجزاء تبادر الإدارة باللجوء إلى القضاء الجزائي المختص ,وذلك من أجل توقيع الجزاءات المقررة قانونا , والتي تقع من قبل موظفيها أو غيرهم من الأشخاص الخاضعين للقانون الخاص , نتيجة لمخالفتهم التعليمات الإدارية الملزمة أو اللوائح التي تحمي المال العام , أو التي ترمي إلى حماية إستقرار النظام العام [49].
وإن الدعوى الجزائية تختلف عن الدعوى الإدارية بإعتبار أن هذه الأخيرة تكون مقررة لمواجهة الإدارة في دعاوى القضاء الكامل ,أو مواجهة القرار الإداري في دعاوى الإلغاء , بينما تهدف الدعوى الجزائية إلى توقيع الجزاء على كل من خالف القرارت الإدارية , وبذلك فإنها في الأصل دعوى إدارية ذات طبيعة خاصة .
ففي هذه الدعاوى يظهر بشكل واضح إلتزام الإدارة باللجوء إلى القضاء الجزائي لتوقيع الجزاء المقرر, دون أن تقوم بنفسها بتوقيع الجزاء الذي أقرته [50].
وبناءا عليه فما على الإدارة إلا إثبات المخالفة , وبعد ذلك يتحرك القضاء الجزائي لتطبيق القاعدة الإدارية , وذلك في الحالات التي يجوز للإدارة أن تشرع بالأوامر أو باللوائح والتنظيمات .
وإن هذا التوزيع في الأدوار بين الإختصاص والفصل بين سلطتي الإتهام والجزاء , بمعنى الفصل بين الجهة الجهة التي تنشأ النص الجزائي وكذا تتولى إثبات المخالفة وعرضها أمام القضاء الجزائي , والجهة التي تتولى توقيع الجزاء .
وأي كانت الإمتيازات المقررة للإدارة في تنفيذ قراراتها فإن ذلك لايخولها سلطة توقيع الجزاء إثر مخالفة قراراتها , بإعتبار أن هذه الجزاءات مقررة أصلا للقاضي الجزائي .
وإستثناءا من ذلك يختص بالمنازعة القضاء الجزائي الإداري ,إذا تعلق الأمر بمخالفات الطرق[51] .
فقد ذهب القضاء الفرنسي وأقر بإختصاص المحاكم الإدارية وأن من شأنها توقيع بعض الجزاءات ذات الشبه بالعقوبات الجزائية وذلك بقصد حماية المال العام وتوظيفه في الإطار الذي خصصه القانون [52].



الفصل الثاني : دور القاضي الإداري في الإثبات
إن منح كل هذه الإمتيازات غير المألوفة للإدارة في تسيير المرفق العمومي , إنما منحت لها لتحقيق غاية نبيلة من أجل إشباع إحتياجات المجتمع وتنويع الخدمات ,وكذا مسايرة المستوى المعيشي , هذا ما يقتضيه وجود إدارة رشيدة في مستوى هذه التطلعات ,وفي حالة حياد الإدارة عن هذه الغاية يخلق خلل في المراكز القانونية ويمس بالحقوق الموضوعية , على إثر ذلك فما على صاحب الشأن إلا اللجوء إلى القضاء الإداري حتى يوقف الإدارة في الحد الذي يقتضيه القانون .

المبحث الأول: ضمانات الخصومة القضائية
إن صعوبة الإثبات في الدعوى الإدارية يكمن في خصوصية هذه الدعوى, بإعتبارها تقوم بين أطراف غير متكافئة , بين الفرد المدعي الطرف الضعيف المجرد من الأدلة , والإدارة المدعى عليها وما تتمتع به من إمتيازات وإمكانيات قانونية , وفنية للدفاع في الخصومة القضائية

المطلب الأول : طبيعة إجراءات التقاضي الإدارية
في البداية لا بد من الإشارة بأن إجراءات التقاضي الإدارية , لا تعتبر في جوهرها مجرد تطبيق بسيط لأحكام الإجراءات العادية , وإنما تتسم بطابع خاص مع إمتيزاجها ببعض السماة والخصائص العامة , على إعتبار أن هذه الأخيرة هي من ضمانات حقوق الدفاع , والمساواة أمام القانون و المحاكمة العادلة [53].
بالإضافة إلى ذلك فتعد بالنسبة للقاضي الإداري وسيلة لتحقيق التوازن بين أطراف الخصومة , ومن ثمة فإن هذه الإجراءات ما هي إلا وسيلة لتحقيق العدالة وليست أداة للمبارزة بين الأطراف , هذا من شأنه أن يؤدي إلى تنوع إجراءات التقاضي المطبقة أمام القاضي الإداري حتى يصل في النهاية إلى عنوان الحقيقة وإستقرار أمن المجتمع بإعطاء الحماية القضائية اللازمة للحقوق والمراكز القانونية .
مع التنويه على أن الدعوى الإدارية تقوم على روابط القانون العام التي يحكمها مبدأ المشروعية وإحترام القانون على حد السواء , هذا ما يجعل القضاء الإداري يساهم في تكوين دولة القانون [54].
وإن المعادلة غير المتوازنة القائمة بين أطراف الخصومة تجعل من الإدارة صاحبة الإمتيازات العامة في موقف السلطة العامة متمتعة بمركز أقوى في الخصومة إذ يكفي أن تتخذ موقفا سلبيا في الدعوى [55], ويبقى في الجهة الأخرى المدعي المتخاصم مع الإدارة يسعى من أجل إقامة الدعوى رغم عدم إمتلاكه للأدلة المثبتة للإعتداء , هذا ما يجعل القاضي الإداري يتدخل في الخصومة لإسعاف المدعي في إقامة دعواه , و يبدء بعد ذلك في إعمال الوسائل الفنية والتحقيقية مع الإدارة [56], دون أن يكتفي بتلقي مستندات الخصوم والفصل في الطلبات , وعليه يتولى القاضي الإداري الإشراف على الإجراءات , وتسيير الخصومة القضائية حسب ما يراه منتجا للفصل في النزاع , وإن ما يجب التنويه له أن أسلوب القاضي الإداري ودوره الإيجابي في الخصومة يختلف حسب نوع الدعوى , وظروفها وسلوك الطرفين وطبيعة الإدعاءات و الدفوع المقدمة .
ومن ثمة فإن الدور الذي يلعبه القاضي الإداري يجب أن يسير في إطار إعادة الموازنة بين أطراف الخصومة , كون أن القاضي الإداري ينافس القاضي الطبيعي في مجال حماية حقوق وحريات الأفراد ,إذ يقوم هذا الأخير بتوجيه الإجراءات من تاريخ رفع الدعوى , حيث يتحقق من إعلان أصحاب الشأن للدعوى وإجراءاتها , ويأمر بالإطلاع على المستندات , ويحدد المواعيد الخاصة بذلك , كما يحدد مواعيد مذكرات الرد والمذكرات الجوابية , وهذا من أجل ضمان مبدأ الوجاهية , وله أن يأمر بإتخاذ ما يراه مناسبا لتحضير وتحقيق الدعوى ,كأن يأمر بتقديم المستندات التي يراها ضرورية للفصل في الموضوع , كما يقوم بتبليغ المذكرات المقدمة إلى الخصوم خلال المرحلة الفاصلة بين إختتام التحقيق وإعادة السير فيه [57], وهذا ما تم النص عليه في المادة 857 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية , فله أن يبين تاريخ إنتهاء المرافعة عندما تكون الدعوى جاهزة للفصل فيها , ويمكنه إستبعاد هذه الوسائل حينما يبدو له من الوهلة الأولى أن مضمون الحكم في الدعوى واضحا ولا يحتاج إلى إستيفاء وهذا ما نصت عليه المادة 847 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية , كأن يتعلق الأمر بالطرد من السكن الوظيفي الواقع داخل المرفق العام مع إنتهاء علاقة العمل .
وبذلك نلاحظ بأن القاضي الإداري في إجراءات التقاضي الإدارية هو من يقوم بالمبادرة ويراقب سير الإجراءات القضائية , هذا ما يجعل إجراءات التقاضي الإدارية مبسطة, و التي من شأنها أن تساعد صاحب الشأن تخفيف عبأ الإثبات الواقع عليه في إقامة الإثبات وفقا لظروف الدعوى [58].
وهذا ما يؤدي إلى إبراز الدور الإيجابي للقاضي الإداري , في التعامل مع وسائل الإثبات بصفة عامة , وتنظيم مراقبة عبأ الإثبات بصفة خاصة
هذا ما قد يؤدي بالقاضي الإداري إلى أن يعفي المدعي في بعض الحالات من عبأ الإثبات مع نقله للإدارة المدعى عليها , وفي حالات أخرى يخفف من عبأ الإثبات الواقع على المدعي [59], وذلك بأن يأخذ بالإدعاءات المحددة والعناصر المجدية المقدمة من طرف المدعي, والتي لم تدحضها الإدارة ولم تقدم بشأنها الإيضاحات المطلوبة وبذلك يأمر القاضي الإداري بما يراه مناسب لمختلف وسائل تحضير الدعوى , وبهذا يكون القاضي الإداري قد شارك إيجابيا في إستيفاء وتنظيم عبأ الإثبات , الأمر الذي يكفل في النهاية إعادة التوازن بين أطراف الخصومة الإدارية وتحقيق مبدأ المساواة أمام القانون .

المطلب الثاني : ضمانات التوازن بين أطراف الخصومة القضائية
ما يجب التنويه له أن دور المشرع في كفالة التوازن محدود في مجمله , كون أن القاضي الإداري هو الذي ينشأ القاعدة القانونية تماشيا مع التطور الحاصل للإدارة , فأينما حلت الإدارة يحل القاضي الإداري [60], فما على المشرع إلا وضع المبدأ الذي أقره القضاء الإداري في قالب قانوني .
إلا أن هذا لا يعني إغفال دور المشرع في وضع نصوص قانونية تساهم في تكريس المباديء العامة , يرجع لها القاضي الإداري في إخضاع الإدارة للنص القانوني .
وأن ما يعتمد عليه القاضي الإداري هو القرائن القضائية , التي تؤدي في حالات إلى إعفاء من يتمسك بها من العبأ الفعلي للإثبات بصفة مؤقتة , إذا كانت قابلة لإثبات العكس , أو بصفة دائمة إذا كانت غير قابلة لإثبات العكس .
وبه تعد القرائن القضائية من أهم الضمانات التي وردت في بعض النصوص للتخفيف عبأ الإثبات , لأجل إعادة التوازن بين الطرفين في الدعوى الإدارية [61].
فقد إعتبر مجلس الدولة الفرنسي على أنه في طلبات الطعن بالإلغاء في القرار الإداري , فإن فوات الأجل المقرر للطعن من تقديم التظلم للإدارة , دون أن يصدر قرار بشأنه , يعد قرار ضمني بالرفض .
ويتعين لقيام هذه القرينة أن يثبت صاحب الشأن تقديم التظلم للإدارة ,وفوات الأجل المقرر لذلك , دون أن يصدر قرار من جانبها .
ويمكن أن يتم إثبات تقديم التظلم بإيصال إستلام من الإدارة المختصة , بالإضافة إلى مرور المدة القانونية , هذا ما يشكل في مجمله قرينة مطلقة على قيام القرار الضمني الذي يعتبر بمثابة قرار بالرفض .
إلى جانب ذلك يعتبر في حكم القرارات الإدارية , رفض السلطة الإدارية أو إمتناعها عن إتخاذ قرار كان من الواجب عليها إتخاذه وفقا للقوانين والتنظيمات [62], وقد أخذ القضاء الإداري في البداية بنظرية العلم اليقيني بالقرار الإداري , حتى ولو لم يصل هذا القرار فعلا إلى صاحب الشأن , ومن هذا التاريخ يبدأ إحتساب أجال الطعن بالتظلم أمام الإدارة مصدرة القرار , وإذا فات الأجل المقرر للطعن ولم يسعى المتضرر منه إلى التظلم فيه , أصبح هذا القرار محصنا ومشروعا .
إلا أنه ونظرا للصعوبات الناتجة عن الأخذ بهذه النظرية , كونها في صالح الإدارة ,وهذا ما أدى بالقضاء الإداري إلى التراجع عنها , والأخذ بالتبليغ والنشر كقرينة واضحة تبين علم صاحب الشأن بالقرار الصادر ضده[63] .
بالإضافة إلى ذلك عملت بعض التشريعات المقارنة على تنظيم محل الإثبات الإداري , على نحو يستبعد فيه بعض الشروط الصعبة , من مجال قيام الحق أو المركز القانوني هذا ما يؤثر في إعمال قواعد الإثبات , هذا ما يجعل المدعي لا يتحمل عبأ الإثبات كما يقتضيه الحال في القواعد العامة .
وبهذا تجدر الإشارة إلى أن المشرع تدخل في تنظيم عبأ الإثبات , كما هو الحال في تشريعات التعويض عن أضرار الحرب , والتأمين على حوادث العمل من أجل توفير الحماية القانونية اللازمة ضد المخاطر الإجتماعية والطبيعية [64].
ومن ثمة فإن تدخل المشرع في هذه الحالة , لا ينصب مباشرة على قواعد الإثبات بنقل العبأ وتحميله على عاتق المدعى عليه , ولكنه ينصب على محل الإثبات ذاته المفترض بقوة القانون .
وإن بإستبعاد المشرع لبعض الشروط التي يصعب إثباتها , ويخشى إخفاق المدعي في إقناع القاضي بقيامها , إنما قررت لحماية المراكز القانونية وإستقرارها .
وهذا ما يجعل المدعي في مركز يسهل عليه الإثبات , ويحصل على حماية قانونية تجعله بمنئى عن إعمال مجهود يرهقه في إثبات حقه أو حماية مركزه القانوني .
كما تظهر عملية تنظيم المشرع لمحل الإثبات فيما يتعلق بالمسؤولية الإدارية على أساس المخاطر , حيث أنه ومع تطور القضاء الإداري في رقابته لأعمال الإدارة إستبعد فكرة الخطأ أساسا للمسؤولية الإدارية [65], خلافا للأصل الذي يقضي أنه يعتبر الشخص مسؤولا إذا إرتكب بخطأه فعلا ,إذ إعتبر الإدارة مسؤولة عن أفعالها حتى بدون خطأ , طالما أن الفرد تضرر من عمل الإدارة .
وعلى إثر ذلك يتم نقل عبأ الإثبات الفعلي وصعوباته إلى الجهة الإدارية المدعى عليها , هذا ما يكفل إعمال مبدأ المساواة أمام القانون , وتوضيح أن القاضي الإداري لا يعد قاض أنشأته الإدارة لتحقيق مصالحها , وإنما يعمل على حماية حقوق وحريات الأفراد[66] .
وبذا يتضح بأن المشرع رغم قلة فعاليته , إلا أنه وبتكريس المباديء التي يتوصل لها القضاء الإداري , مع إعمال قواعد العدالة يفعل في تحقيق التوازن بين أطراف الخصومة الإدارية , وذلك عن طريق وضعه لنصوص قانونية يفهم منها تحقيق هذا الهدف ,بالإضافة إلى وضع قواعد إجرائية خاصة بإجراءات القضاء الإداري[67] .

المبحث الثاني : دور القاضي الإداري في تسيير إجراءات الخصومة القضائية
إن تسيير الخصومة الإدارية يعتمد أساسا على دور القاضي الإداري, سواء تعلق الأمر بإجراءات التقاضي الإداري , وذلك بتحضير الدعوى وسلطته في مباشرة وسائل الإثبات , وكذا دوره الموضوعي في تنظيم ومراقبة الخصوم في الأدلة المقدمة للإثبات .
وإن من شأن هذا التدخل في الخصومة القضائية , أن يحقق التوازن بين أطراف الدعوى الإدارية بما يتلائم مع طبيعة القانون الإداري بصفة عامة, وظروف الدعوى الإدارية بصفة خاصة [68].

المطلب الأول: الدور الإجرائي للقاضي الإداري
يقوم القاضي الإداري وفي إطار دوره الإجرائي بتحضير الدعوى , وذلك من خلال جمع عناصر أدلة الإثبات , وذلك بمعاونة الطرف الضعيف وهو المدعي في الخصومة , وذلك بعدم التشدد في شروط قبول الدعوى , حتى يتمكن القاضي الإداري من الوصول إلى الحقيقة .
وما تجدر له الإشارة أن القاضي الإداري ينافس القاضي الطبيعي في مجال حماية حقوق وحريات الأفراد , حيث يتولى من أجل إستيفاء الدعوى القيام بالعديد من الإجراءات التي تضمن حقوق الدفاع , وإحترام مبدأ المواجهة , مع توجيه الخصوم لتحقيق ذلك [69].
وبجانب ذلك يتولى القاضي الإداري مباشرة وسائل الإثبات المختلفة , وذلك بفحص الوثائق أو ما يقدمه المدعي للقضاء , ويقرر بشأنها ما يراه مناسبا , كما له أن يكلف الإدارة بإحضار الوثائق والمستندات اللازمة , وإجراء التحقيقات إذا كان لها موضع
ويقوم بفحص الوثائق والأوراق المقدمة له , وبموجبها يقرر متى تعتبر الدعوى جاهزة للفصل , ويقدر بما له من سلطة ما قدم له من وسائل لإثبات الحق أو المركز القانوني , كما له أن يأمر بإدخال أي طرف في الدعوى لإظهار الحقيقة , وذلك بتقديم أي دليل ينير القاضي الإداري في إصدار قراره [70].
ونظرا للطابع التحقيقي للإجراءات أمام القضاء الإداري , فقد أضاف المشرع الجزائري حكما يقضي بجواز إستدعاء أو الإستماع تلقائيا إلى أي شخص يرى سماعه مجديا , ولو كان عونا إداريا لأجل تقديم التوضيحات , وهذا ما نصت عليه المادة 860 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية .
وإن كان دور القاضي الإداري في التحضير والتحقيق , يحقق الإسراع في فصل النزاع , فإنه بدوره يعمل على إسعاف المدعي في إقامة دعواه [71], وتمكينه من الحماية القضائية اللازمة , والحد من إمتيازات الإدارة كلما توضح سوء نيتها .
وبذلك يجعل القاضي الإداري الأطراف على قدم المساواة فيما يخص إجراءات الدعوى الإدارية , إذ يلزم القاضي الإداري الإدارة بإحضار الوثائق التي يراه مجدية في النزاع .
إن عملية التحضير تعتبر أساس الإثبات أمام القضاء الإداري , ذلك كونها الوعاء الذي تجتمع فيه عناصر الإثبات , وتتضح من خلالها إتجاهات القاضي الإداري بخصوص تنظيم عبأ الإثبات ووسائله ,ومدى تحمل كل طرف , حيث يفصل في النهاية على أساس ما تجمع في الملف من مستندات وأوراق [72].
ولما كان الدور الإجرائي للقاضي الإداري في الدعوى يستهدف الوصول إلى الحقيقة , فإنه يتعين توافر الشروط الواجبة في الواقعة المراد إثباتها , على أن تكون الواقعة محددة , ومحل نزاع , ومتعلقة بالدعوى , ومنتجة ومما يجوز إثباته قانونا .
وعلى إثر ذلك فإنه يتولى القاضي الإداري , إتخاذ الوسائل التي تدخل في مرحلة التحضير ويدير النقاش الدائر بين أطراف الخصومة , مع تمكينهم من الإطلاع على الوثائق المدرجة بالملف , وهذا ما يضمن الوجاهية وإحترام حقوق الدفاع[73] .
إن هذا التدخل في تسيير الخصومة , هو الذي أدى بالفقه الإداري إلى المطالبة بإيجاد قانون خاص بإجراءات التقاضي الإدارية , نظرا لخصوصية هذه المنازعة .
وبموجب الدور التدخلي للقاضي الإداري , فيجوز له أن يأمر ولو من تلقاء نفسه بجميع وسائل التحضير والإثبات اللازمة في إيجاد حل للنزاع مراعيا في ذلك النصوص القانونية , بإعتباره قاضي المشروعية , وذلك بإعطاء الطبيعة القانونية للوقائع , وإتخاذ وسيلة الإثبات التي إقتنع بها سببا في تأسيس قراره .
هذا ما يوضح مدى سلطة القاضي الإداري , إذ يمكنه الأمر بأي إجراء تكميلي للإثبات في حالة إذا كان هذا الإجراء لازما .
وعليه فإن القاضي الإداري لا يلتزم بالنتيجة التي توصل إليها وفق الوسيلة التي إتخاذها , بإعتبارها تساعده فقط في إنارة المحكمة , بحيث إذا توصل إليها من ما يحيط بالقضية , فله أن يطرح النتيجة التي توصل إليها وفقا لوسيلة الإثبات التي قررها , والأخذ بما إطمئن إليه من خلال ما إستخلصه من أوراق الدعوى وكل الظروف المحيطة بالقضية[74] .
غير أنه ما يجب الإشارة له أن القاضي الإداري , وهو يمارس سلطته الإيجابية في توجيه الإجراءات , يلزم عليه إحترام مبدأ الوجاهية بإعتباره من أهم عناصر حقوق الدفاع المتعلقة بإجراءات التقاضي , هذا ما يبرر أن يتخذ القاضي الإداري إجراءا وذلك بإخطار أي شخص أو هيئة بوجود دعوى إدارية , ذلك حتى يمكن من تدخله في الدعوى , فالقاضي الإداري هو الذي يقدر مدى تعلق موضوع الدعوى بشخص أو جهة معينة , وبذا يعتبرها صاحبة الشأن في الخصومة القضائية ,إذ يقوم بإخطارها بالإجراءات المتخذة فورا , وتوجه له ملف الدعوى .
وعليه وعلى هذه الطريقة يكون القاضي الإداري قد أعمل مبدأ المواجهة في الإجراءات , كأصل عام بشأن الوسائل العامة للإثبات ووسائل التحقيق، ذلك بخصوص الأمر بها ومباشرتها , وتبني النتائج المتوصل لها , هذا مايحقق حسن سير مرفق العدالة ,وضمان حقوق الدفاع في الدعوى [75], لأن عدم إعمال الدور الإيجابي للقاضي الإداري في تنظيم الخصومة وفقا لما تقتضيه مباديء العدالة , قد يؤدي إلى بطلان إجراءات الدعوى .
وعليه فإن إعمال مبدأ المواجهة يجب فيه تمكين أصحاب الشأن , من الإطلاع على جميع الوثائق والمستندات المودعة بالملف , هذا ما يجعل من هو طرفا في الخصومة يمارس حقه في العلم ومناقشة مزاعم الطرف الأخر[76].
لإن مثل المبدأ هو ضمانة كافية لإحترام حقوق الدفاع , هذا ما يجعل القاضي الإداري لا يعتمد في إصدار حكمه , طالما أن أطراف الخصومة لم تطلع بصفة كافية على مستندات الملف .
مع الملاحظة أن سلطة القاضي الإداري في توجيه الإجراءات , ومنها التكليف بإيداع المستندات المنتجة في الدعوى هي تقديرية حسب ما يقتضيه كل ملف , ولكن ممارسة هذا التقدير ليست مطلقة , فعلى القاضي تسبيب حكمه والإقناع بوجهة نظره في الطلب أو الدفع الذي يقدمه الأطراف .
مما سبق يتضح أن قيام القاضي الإداري بتحضير الدعوى ينطوي على سلطة واسعة , لتقدير ما تحتاجه الدعوى القضائية من الإجراءات والتدابير حتى تكون جاهزة للفصل فيها , هذا ما يوضح الدور التحقيقي المنوط به للقاضي الإداري الذي له صلة مباشرة بالعمل القضائي الإداري .
دون أن نغفل أن تحضير الدعوى يتطلب نوعا من المرونة والتعاون بين القاضي والإدارة , إحتراما لمبدأ الفصل بين السلطات , فالقاضي يتفهم النشاط الإداري حسب ما تقتضيه إحتياجات المرفق دون أن يعمل نفسه رئيسا على الإدارة[77] , وعليه فالقاضي يوجه التكليف للإدارة بإيداع المستندات والأوراق ذات الصلة بالنزاع القائم أمامه , وعلى الإدارة الإستجابة لهذا الطلب حتى لا تعقد من الوضع القائم وتحرم الطرف الضعيف في الدعوى من تقرير الحماية القضائية لحقه .
وإذا كان القاضي يتمتع بسلطة واسعة في توجيه الإجراءات أثناء تحضير الدعوى الإدارية , إلا أن هذا لا يعني أن يوجه القاضي الإداري أوامر أو تعليمات للإدارة أو الحلول محلها في إصدار قراراتها , وهذا نتيجة منطقية لإعمال مبدأ الفصل بين السلطات , الذي يجعل الإدارة مستقلة عن القضاء الإداري .
حيث تقتصر ولايته على إلغاء القرار المطعون فيه , أو الحكم في دعاوى القضاء الكامل , بإعتبار أن القضاء الإداري يراقب مدى مطابقة العمل الإداري للقانون والأنظمة المعمول بها .
لذلك يمكن للقاضي الإداري الأخذ بالوسائل العامة المقررة لإثبات الحق أمام القضاء, وهذا ما أخذ به المشرع عندما نص في قانون الإجراءات المدنية والإدارية على الإحالة إلى المواد الخاصة بالإثبات أمام القضاء العادي , ومنح الحق للقاضي الإداري الإستعانة بهذه الوسائل كلما إقتضى الأمر ذلك [78].
بالإضافة إلى ذلك فإن دور القاضي الإداري في التحقيق , بإستعمال الوسائل المعدة للإثبات , فهي تنطوي في الواقع على طرق وأدلة مقررة للإثبات بجانب غيرها من الأدلة التي يستعملها القاضي الإداري إذا إقتضى الأمر ذلك .
بمعنى وسائل الإثبات الأخرى التي يباشرها القاضي الإداري وتعبر عن دوره في تحقيق الدعوى [79].

المطلب الثاني : الدور الموضوعي للقاضي الإداري
يعمل القاضي الإداري على كفالة و ضمان التوازن بين أطراف الخصومة, وذلك بالإستعانة بجميع الوسائل المتاحة لتركيب قناعنه في إتجاه ما , إذ يقوم بإعمال القرائن القضائية المستخلصة من وقائع سير الخصومة القضائية , إذ تعتبر من أدلة الإثبات المقبولة أمام القضاء الإداري , إذ تشكل ترجمة فعلية لإقتناع القاضي , إذ تعتبر هذه الوسيلة مألوفة في العمل القضائي تتلائم وظروف كل دعوى , وإنها بدورها تؤدي إلى تيسير عبأ الإثبات الواقع على المكلف بإثبات مزاعمه أمام القضاء[80] , كما أنه وإعمالا للدور الموضوعي فإن القاضي الإداري , يتدخل في بعض الأحيان لمراقبة وتنظيم شروط وطرق الإثبات , وذلك بإستبعاد الشروط والعناصر التي يتعذر عادة إثباتها ,من إمكانية تحقق المركز القانوني مع الإكتفاء بغيرها لقيام هذا المركز , كما هو الشأن في مسؤولية الدولة علفى أساس المخاطر .
وتبعا لذلك فإن القاعدة العامة هي أن المدعي هو الذي يتحمل طبقا لما تقتضيه الأصول القضائية , ولكن بالنظر لموقف كل من المدعي المجرد من الأدلة , والمدعى عليها الإدارة المتمتعة بمركز يجعلها تتخذ موقفا سلبيا في الدعوى [81].
وإن موقف القضاء الإداري هو أن يتدخل بإستعمال دوره التحقيقي لمراقبة الخصوم , من أجل تخفيف عبأ الإثبات الملقى على عاتق رافع الدعوى, وأن القاضي الإداري لا يتشدد في شروط قبول الدعوى .
هذه الرقابة تكون على شروط الإثبات أو الطرق المقبولة, والعناصر المطلوب توافرها والواجب إثباتها بمعرفة المدعي لتحقق المركز القانوني الذي يهدف رافع الدعوى لحمايته قضائيا.
وحتى يتسنى القضاء بطلباته , وذلك من خلال تحليل الشروط و الوقائع الواجب توافرها لإجابة المدعي على طلباته , وما إذا كان للمدعي قدرة في الظروف العادية إقناع القاضي بقيامها .
حيث أن الأصل يتوجب على الخصوم في الدعوى , أن يتحملوا عبأ إثبات صحة إدعائتهم , بإعتبارهم أقاموا الدعوى أمام القضاء من أجل الحصول على حكم يحمي حقوقهم ومراكزهم القانونية .
وبناءا عليه يلزم المدعي الذي يزعم أمام القضاء , بإدعاء ما يهدف إلى إقناع القاضي الإداري به , وذلك بتقديم الدليل على صحتها كونه هو الذي بادر في طلب خلاف ما هو واقع أصلا بإستعمال حقه في الدعوى [82].
وبذا تتعارض وتتناقض غاية الدعوى وهدفها , في تعديل الحالة القانونية القائمة التي تتماشى مع إستمرارية المرفق العام في تقديم الخدمات , مع قاعدة ضرورة إستقرار المراكز القانونية التي أنشأتها الإدارة أو التي تهدف إلى حمايتها حسب ما يقتضيه نوع النشاط الإداري[83] .
إن الطابع الخاص للقاضي الإداري في تسيير الخصومة, تجعله لا يتشدد في قبول الدعوى, كون أن المدعي في غالب الأمر يعجز عن إظهار الدليل المحتجز لدى الإدارة, إنما يقيم دعواه على ظاهر الحال وملابسات القضية.

كما يقرر القضاء الإداري رد إدعاءات الإدارة في منازعات الإلغاء , إذا لم تثبت صحة إدعاءاتها بشكل يطمئن له كيان المحكمة .
مما يقتضي أن تقيم الدليل على سبيل المثال عن اليوم الذي تم فيه تبليغ القرار أو نشره , إذا إلتمست من القضاء رفض الدعوى شكلا , لتقديمها بعد فوات الميعاد .
إذ أن ما تتميز به, العلاقة القانونية الإدارية هي عدم مساواة المراكز القانونية لأطرافها , كون الإدارة هي الطرف القوي بالنظر لما تتمتع به من إمتيازات غير مألوفة في القانون الخاص , على أساس أن الغاية من نشاطها هو تغليب المصلحة العامة وتحقيق الأمن الإجتماعي ,على المصلحة الخاصة .
هذا لا يجعل القاضي الإداري يغض الطرف على المصلحة الخاصة, إذ يقوم بمد يد العون للمدعي صاحب الشأن لإقامة الدليل على صحة مزاعمه, فمن غير المعقول أن يخسر المدعي دعوى الإلغاء التي تهدف أساسا إلى حماية مبدأ المشروعية بسبب عجز المدعي في إقامة دعواه [84].
إذ يتأكد القضاء الإداري إبتداءا من أن الواقعة المراد إثباتها , تكون المصلحة فيها قائمة , فلا يمكن قبول الطلبات التي لا تجدي نفعا للبت فيها إذ تكون غاية المدعي هو جر الإدارة للقضاء , لأن هذا يشكل إطاحة من مركز الإدارة , أو أن هدفه هو إطالة أمد النزاع .
فإذا كان من حق الأطراف المتنازعة الدفاع عن حقوقها ومراكزها القانونية, جراء القيام بالمطالبة القضائية وإتخاذ الإجراءات اللازمة لتأكيد مزاعمها.
كون أن للقاضي الإداري سلطة رقابة هذا الحق , بإتخاذ كل ما يراه مناسبا لتحقيق العدالة , ففي هذا الصدد لا يخضع كليا لرغبات الأطراف المتنازعة ,ويمكن أن يخرج عن ما أتى به الخصوم ويقرر مبدءا يراه يتناسب وطبيعة النزاع [85].
فالقاضي الإداري له سلطة تقدير الدليل المقدم من قبل الأطراف, أو الإجراء الذي طلبه بما يراه مناسبا لحل النزاع.
فإذا كانت إجراءات الخصومة قد وجدت من أجل إعطاء الحماية القضائية للمراكز القانونية والحقوق الموضوعية المحمية بالقانون , فإنه بالمقابل لا يجب عليه أن يقبل من أطراف الخصومة كل ما تقدموا به لحماية مزاعمهم, وإنما لابد من الموازنة بين أطراف الخصومة رغم تناقض مصالح أطرافها حتى يكون عنوانا للحقيقة .

وقد درج القضاء على أنه بإمكان القاضي الإداري رفض طلب إجراء الخبرة , إذا كانت الوثائق المقدمة أمامه كافية لتكوين قناعته [86].
وعلى هذا الأساس فإن القضاء الإداري لا يبحث أساسا في العمل موضوع الإثبات , وإنما يبحث عن مدى ملائمة إجراءات التحقيق التي طلبها الأطراف لإثبات ما قدموه من مزاعم .
بالإضافة لذلك فإن القاضي الإداري مقرر له أن يأمر بإتخاذ أي إجراء في التحقيق ولو من تلقاء نفسه ,وبدون طلب من الأطراف ,إن هذه السلطة تتماشى مع خصوصية المنازعة الإدارية وطابعها التحقيقي .
وإذا كان من المقرر قانونا أنه يحق للقاضي الإداري اللجوء إلى الإدارات المعنية لطلب الوثائق والمستندات , التي يعتبرها ضرورية للتأكد من صحة مزاعم المدعي , إلا أن هذا السلطة يرد عليها إستثناء ذلك أن رفض تقديم الوثائق والمستندات المطلوبة ,قد يكون مبررا بمقتضيات السر المهني وسر الدفاع الوطني [87].
إن السلطة المعترف بها للقاضي الإداري في القضايا العامة , والتي من خلالها يأمر بتقديم الوثائق والمستندات , قد تكون مقيدة في بعض الحالات الخاصة وهذا ما أشارت إليه المادة 61 وما بعدها , والمادة 301 من قانون العقوبات .

إلا أن هذا التقييد لا يبقي القاضي الإداري مكتوف الأيدي ,فإذا كان رفض الإدارة مبررا لأسباب سرية , على إعتبار أنه لا يجوز للقاضي الإداري أن يناقش الإدارة , بإعتبار أن هذا العمل الذي قامت به الإدارة يفقد فيه الطابع الإداري ,فإنه بالمقابل يلزم بالفصل في النزاع طبقا للوثائق المحالة أمامه , ولا يوجد أي مانع في حالة ما إذا كانت هذه المعلومات ضرورية لتكوين إقتناعه , وبعد ذلك يتخذ الإجراءات التي تمكنه بالطرق القانونية عن الحصول على التوضيحات الضرورية التي تتعلق بطبيعة الوثائق الخاضعة للسرية , ولكن دون أن يمس سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة بالسر المضمون والمقرر قانونا .
فمن حق القاضي في حالة ما إذا إمتنعت الإدارة عن تسليمه الوثائق السرية , ما عليه إلا توجيه طلب إستعلامات للإدارة متعلق بتلك الوثائق , فإن هذا الطلب الجديد يخضع للمباديء العامة , وعليه يجوز له في حالة عدم الإستجابة لهذا الطلب إضافة هذا العنصر لتكوين إقتناعه[88]


خاتمة :
إن تشعب وتنوع النشاط الإداري في تقديم الخدمات إلى المواطن , يقتضي مسايرة تطور الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية , حتى تكون بذلك الإدارة قد حققت الغاية التي أنشأت لها أصلا وهي تحقيق المصلحة العامة .
في ضل مسايرة هذا التطور الحاصل , قد يؤدي نشاط الإدارة في الغالب إلى المساس بالمراكز القانونية المكتسبة , أو الحقوق الموضوعية المعترف بها قانونا ,وهذا ما يهدد المصلحة الخاصة بالأفراد , لأن الإدارة قد مكنت من إمتيازات غير مألوفة , من حرية المبادرة في تحقيق عصرنة وتطوير خدمات المرفق العمومي بما يتماشى والذوق العام , وكذا إقتران عملها بقرينة السلامة والمشروعية حتى يتسنى للمرفق العمومي أن يستمر في أداء الخدمة , لأن المهمة التي تهدف لها الإدارة يقتضي تمكينها من هذه الإمتيازات الإستثنائية , بالإضافة إلى إعتبار قراراتها نافذة بمجرد تبليغ صاحب الشأن بالقرار أو نشره .
وإن من شأن مسايرة الإحتياجات المتطلبة للمواطن , أن ينشأ إعتداءا على المراكز القانونية التي أنشأتها , أوعلى الحقوق الموضوعية المحمية قانونا.
هذا ما يجعل صاحب الشأن حسب قانون الإجراءات المدنية والإدارية أن يلجأ مباشرة للقضاء الإداري بعد إستيفاء إجراء الصلح , ويطلب الحماية القضائية جراء الإعتداء الصادر من الإدارة .
إبتداءا من هذه الخطوة التي يتخذها صاحب الشأن , وذلك بإقامة الدعوى أمام القضاء الإداري , يتحرك القاضي الإداري مباشرة في تحضير الدعوى وتسيير الخصومة الإدارية , بأن يتخذ كل ما يراه مناسبا للوصول إلى الحقيقة , وذلك بأن يتفهم خصوصية النزاع المطروح أمامه , من جهة ينظر إلى أن الإمتيازات الممنوحة للإدارة هي من أجل تحقيق غاية نبيلة لأجل إشباع الإحتياجات العامة للمجتمع ,ومن جهة أخرى حماية المصلحة الخاصة للمدعي , حتى لاينظر إلى القاضي الإداري بأنه ينحاز مع الإدارة لأنها هي التي أنشأته في بداية الأمر , لأن القاضي الإداري ينافس القاضي الطبيعي من أجل حماية وحريات الأفراد , بهذه الوسيلة يكون القاضي الإداري إتخذ خطوة في الموازنة بين أطراف الخصومة الإدارية .
وبمجرد إخطار القضاء الإداري بالدعوى القضائية , يتحرك القاضي الإداري ويقوم بإتخاذ جميع الإجراءات الخاصة بتحضير وتسيير هذه الدعوى , إذ يطلب من الإدارة تقديم المستندات والوثائق التي لم يمكن منها المدعي , وله أن يسمع أي شخص يرى في سماعه ما يفيد إنارة المحكمة , وقد يكتفي ببعض الإجراءات التي إقتنع بها, دون أن يلتفت إلى ما يطلبه الخصوم من إجراءات أخرى .
وما يجب الإشارة له أن القاضي الإداري وفي إطار إعمال سلطته التحقيقية ينشأ القاعدة القانونية ويكون مباديء القضاء الإداري , دون أن يكون حبيس النص القانوني , هذا ما يمكن القاضي الإداري من مراقبة الإدارة أينما حلت وإرتحلت ,
دون أن يتجاوز القاضي الإداري حدوده إحتراما لمبدأ الفصل بين السلطات, وتمكين الإدارة من ممارسة حقها في المبادرة مع ما يتلائم وظروف الحال .
لأن القاضي الإداري هو قاضي المشروعية أساسا ينظر في مدى مطابقة النشاط الإداري والقانون بالمعنى الواسع, ويتدخل بحذر في مراقبة الملائمة باعتبارها المجال المخصص للإدارة .
إن هذه المجازفة التي يقوم بها القاضي الإداري في رقابته لأعمال الإدارة ,والصعوبات التي يتلقاها من ما يقتضيه القانون في إحترام مبدأ الفصل بين السلطات حتى ولو نطبق هذا المبدأ بمرونة , فهذا لا يجعل القاضي الإداري رئيسا على الإدارة .
هذا كله يصعب في إعمال الرقابة القضائية على أعمال الإدارة عندما لا تتضح نيتها من الوثائق , دون إغفال مبدأ السلامة والمشروعية في العمل الإداري .
إلا أن ذلك لا يكون حائلا وعن منئى من رقابة القاضي الإداري , لأن القاضي الإداري يصارع الإدارة , وفي كل مرة يخضع الأعمال التي لم تكن تراقب إلى رقابته , بهذه العملية يستفيد المدعي من كل هذه المبررات ويخضع للحماية من جراء إعتداء الإدارة على مركزه القانوني أو حقه الموضوعي..
إذ يقوم بإسعاف صاحب الشأن إبتداءا في إقامة دعواه , إذ لا يتشدد في قبولها, وعليه يقوم بإتخاذ جميع التدابير في تحضير وسائل الإثبات , دون أن يتقيد بالإجراءات المنصوص عليها قانونا .
ذلك بمراعاة خصوصية الإثبات في المادة الإدارية, وإعادة التوازن بين أطراف الخصومة , لمعرفة مواطن مخالفة الإدارة للقانون بالمعنى الواسع, وإلغاء القرار غير المشروع , ويقرر الحماية القضائية بالتعويض عن الضرر الذي ألحقته الإدارة بصاحب الشأن .
بعد كل هذا يكون القاضي الإداري قد أعمل سلطته التحقيقية في تسيير الخصومة القضائية بما يحقق مصلحة الأطراف , وإن قراره يصبح بعد الفصل في النزاع عنوانا للحقيقة والمحاكمة العادلة .

المراجع :
1/ القوانين :
القانون العضوي رقم98/01 المؤرخ في 30/05/1998 المتعلق بإختصاصات مجلس الدولة , وتنظيمه وعمله .
القانون العضوي رقم 98/02 المؤرخ في 30/05/1998 المتعلق بالمحاكم الإدارية .
القانون رقم 08/09 المؤرخ في 25/02/2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية .
2/المراجع القانونية:
الدكتور أحمد محيو المنازعات الإدارية ترجمة فائز أنجق المطبوعات الجامعية طبعة 2005
الدكتور مسعود شيهوب المباديء العامة للمنازعات الإدارية الهيئات والإجراءات أمامها ديوان المطبوعات الجامعية الجزء الثاني طبعة 1998
الدكتور عمار عوابدي النظرية العامة للمنازعات الإدارية في النظام القضائي الجزائري ديوان المطبوعات الجامعية طبعة 2009
الدكتور سليمان محمد الطماوي القضاء الإداري قضاء الإلغاء الكتاب الأول دار النشر العربي 1991
الدكتور محمد الصغير بعلي دعوى الإلغاء دار العلوم طبعة 2007
الدكتور بربارة عبد الرحمان شرح قانون الإجراءات المدنية والإدارية منشورات بغدادي طبعة 2009
الدكتورة عايدة الشامي خصوصية الإثبات في الخصومة الإدارية مدرس القانون العام كلية الحقوق جامعة تعز طبعة 2008
الدكتور محمد عاطف البنا الوسيط في القضاء الإداري نظرية رقابة القضاء الإداري الدعاوى الإدارية دار الفكر الإسلامي القاهرة
الأستاذ علي خطار شطناوي موسوعة القضاء الإداري الجزء الثاني دار الثقافة للنشر والتوزيع الأردن الطبعة الأولى 2004
الأستاذ لحسين بن الشيخ أث ملويا مباديء الإثبات في المنازعات الإدارية دارهومة 2002
الأستاذ بوبشير أمحند أمقران قانون الإجراءات نظرية الدعوى نظرية الخصومة الإجراءات الإستيفائية ديوان المطبوعات الجامعية طبعة 2000
الرسائل و المجلات :
الأستاذ بن سليمان حسان السلطات التحقيقية للقاضي الإداري المدرسة العليا للإدارة دفعة 2000 /2001
الأستاذ مراد بدران الطابع التحقيقي للإثبات في المواد الإدارية مجلة مجلس الدولة رقم 09

الهوامش




[1] د.عايدة الشامي خصوصية الإثبات في الخصومة الإدارية طبعة 2008 ص 109
[2] د.سليمان محمد الطماوي القضاء الإداري الكتاب الأول قضاء الإلغاء دار النشر الفكر العربي سنة 1991 ص 67
[3] د.بربارة عبدالرحمان شرح قانون الإجراءات المدنية والإدارية منشورات طبعة 2009 ص 75
[4] د.عايدة الشامي المرجع السابق ص 122
[5] أ. لحسين بن الشيخ أث ملويا مباديء الإثبات في المنازعات الإدارية دار هومة طبعة 2002 ص 89
[6] د.عايدة الشامي المرجع السابق ص143
[7] د.بربارة عبد الرحمان المرجع السابق ص45
[8] د.مسعود شيهوب المباديء العامة للمنازعات الإدارية الهيئات والإجراءات أمامها ديوان المطبوعات الجامعية طبعة 2009الجزء الثاني ص 79
[9] أ علي خطار شطناوي موسوعة القضاء الإداري الجزء الثاني الطبعة الأولى دار الثقافة للنشر والتوزيع الأردن 2004 ص163
[10] دعايدة الشامي المرجع السابق ص 112
[11] د.مسعود شيهوب المرجع السابق ص78
[12] دعمار عوابدي النظرية العامة للمنازعات الإدارية في النظام القضائي الجزائري طبعة 2009 ديوان المطبوعات الجامعية ص153
[13] دأحمد محيو ترجمة فائز أنجق وبيوض خالد المنازعات الإدارية المطبوعات الجامعية 2005ص59
[14] دعايدة الشامي المرجع السابق ص154
[15] د محمد الصغير بعلي دعوى الإلغاء طبعة 2007 دار العلوم ص96
[16] دعايدة الشامي المرجع السابق ص187
[17] د سليمان محمد الطماوي المرجع السابق ص251
[18] د.مسعود شيهوب المرجع السابق ص59
[19] د. عايدة الشامي المرجع السابق ص211
[20] أ علي خطار شطناوي المرجع السابق ص187
[21] دعايدة الشامي المرجع السبق ص 241
[22] أ بوبشير محندأمقران قانون الإجراءات المدنية نظرية الدعوى ,نظرية الخصومة الإجراءات الإستيفائية طبعة 2000ديوان المطبوعات الجامعية ص96
[23] أ لحسين بن الشيخ أث ملويا المرجع السابق ص 78
[24] د.محمد عاطف البنا الوسيط في القضاء الإداري نظرية رقابة القضاء الإداري الدعوى الإدارية دارالفكر الإسلامي القاهرة ص54
[25] أ علي خطار شطناوي المرجع السابق ص 121
[26] د عايدة الشامي المرجع السابق ص 165
[27] د مسعود شيهوب المرجع السابق ص 94
[28] د عايدة الشامي المرجع السابق ص 143
[29] دسليمان محمد الطماوي المرجع السابق ص 213
[30] أ علي خطار شطناوي المرجع السابق ص 231
[31] دأحمد محيو المرجع السابق ص 132
[32] د عايدة الشامي المرجع السابق ص 165
[33] د مسعود شيهوب المرجع السابق ص 87
[34] أ لحسين بن الشيخ أث ملويا المرجع السابق ص 132
[35] د مسعود شيهوب المرجع السابق ص 89
[36] دعايدة الشامي المرجع السابق ص 143
[37] دأحمد محيو المرجع السابق ص 97
[38] د عمار عوابدي المرجع السابق ص 102
[39] بن سليمان حسان رسالة تخرج من المدرسة العليا للإدارة السلطات التحقيقية للقاضي الإداري دفعة200.2001ص 65
[40] دسليمان محمد الطماوي المرجع السابق ص212
[41] أ لحسين بن الشيخ أث ملويا المرجع السابق ص 97
[42] د عايدة الشامي المرجع السابق ص 167
[43] د محمد عاطف البنا المرجع السابق ص 153
[44] د عايدة الشامي المرجع السابق ص 201
[45] دمحمد الصغير بعلي المرجع السابق ص 78
[46] د بربارة عبد الرحمان المرجع السابق ص 98
[47] مداخلة الأستاذ مراد بدران الطابع التحقيقي للإثبات في المواد الإدارية مجلة مجلس الدولة العدد 09 ص 32
[48] أ علي خطار شطناوي المرجع السابق ص 89
[49] د عايدة الشامي المرجع السابق ص 145
[50] أ بوبشير محند أمقران المرجع السابق ص 129
[51] د عايدة الشامي المرجع السابق ص 179
[52] د أحمد محيو المرجع السابق ص 106
[53] دمسعود شيهوب المرجع السابق ص 94
[54] د عمار عوابدي المرجع السابق ص 172
[55] د عايدة الشامي المرجع السابق ص 132
[56] د أحمد محيو المرجع السابق ص 105
[57] د بربارة عبد الرحمان المرجع السابق ص 89
[58] د عايدة الشامي المرجع السابق ص 157
[59] أ علي خطار شطناوي المرجع السابق ص 129
[60] د سليمان محمد الطماوي المرجع السابق ص 216
[61] د عايدة الشامي المرجع السابق ص 211
[62] د عمار عوابدي المرجع السابق ص 96
[63] أ لحسين بن الشيخ أث ملويا المرجع السابق ص 93
[64] د عايدة الشامي المرجع السابق ص 204
[65] دمسعود شيهوب المرجع السابق ص 69
[66] أ علي خطار شطناوي المرجع السابق ص 214
[67] د عايدة الشامي المرجع السابق ص 219
[68] د عمار عوابدي المرجع السابق ص 144
[69] د أحمد محيو المرجع السابق ص 103
[70] د مسعود شيهوب المرجع السابق ص 38
[71] د محمد عاطف البنا المرجع السابق ص 176
[72] د عايدة الشامي المرجع السابق ص 215
[73] د عمار عوابدي المرجع السابق ص 105
[74] د عايدة الشامي المرجع السابق ص 276
[75] د محمد الصغير بعلي المرجع السابق ص 121
[76] أ بوبشير محند أمقران المرجع السابق ص 76
[77] أ حمد محيو المرجع السابق ص 104
[78] د بربارة عبد الرحمان المرجع السابق ص 143
[79] دعايدة الشامي المرجع السابق ص 214
[80] د سليمان محمد الطماوي المرجع السابق ص 198
[81] د عايدة الشامي المرجع السابق ص 218
[82] د محمد الصغير بعلي المرجع السابق ص 102
[83] أ علي خطار شطناوي المرجع السابق ص 219
[84] دعايدة الشامي المرجع السابق ص 282
[85] د أحمد محيو المرجع السابق ص 125
[86] د بربارة عبد الرحمان المرجع السابق ص 193
[87] أ علي خطار شطناوي المرجع السابق ص 214
[88] د عايدة الشامي المرجع السابق ص 251.

look/images/icons/i1.gif الإثبات الإداري في القانون الجزائري
  17-10-2017 07:23 مساءً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 17-10-2017
رقم العضوية : 16125
المشاركات : 1
الجنس :
تاريخ الميلاد : 2-5-1989
قوة السمعة : 10
المستوي : ماستر
الوظــيفة : طالب
عمل جيد جدا شكرا لك

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
الإثبات ، الإداري ، القانون ، الجزائري ،









الساعة الآن 09:16 PM