المسؤولية الجزائية وفق التشريع الجزائري ماهية المسؤولية الجنائية
تعريف المسؤولية الجنائية للمسؤولية الجنائية مفهومان :
الأول مجرد و الثاني واقعي ، و يراد بالمفهوم الأول صلاحية الشخص لأن يتحمل تبعة سلوكه و هنا نجد المسؤولية صفة في الشخص أو حالة تلازمه سواء وقع منه ما يقتضي المساءلة أو لم يقع منه شيء و يراد بالمفهوم الثاني (الواقعي) تحميل الشخص تبعة سلوك صدر منه حقيقة و هنا المسؤولية ليست مجرد صفة أو حالة قائمة بالشخص بل هي جزاء ايضا و هذا المفهوم يحتوي على المفهوم الأول لأنه لا يتصور تحميل شخص تبعة عمله المجرم بخضوعه للجزاء المقرر لفعله في قانون العقوبات.
تطور مفهوم المسؤولية الجنائية :
لم تكن المسؤولية الجنائية فكرة مجهولة في القوانين القديمة ، و ان كانت تحدد على نحو مخالف لها هي عليه الآن ، ذلك أن القانون يتأثر بمعتقدات البيئة التي ينشأ فيها ، فالمسؤولية الجنائية لا يجب أن تعزل عن اطارها التاريخي في سياق نمط الحياة و طرق التفكير اللذين عرفا ، في المجتمعات القديمة.
لقد شغلت فكرة السلام و الاستقرار المجتمعات القديمة ، و لذا فلا غرابة أن نجدها سعيا وراء تحقيق هذه الغاية تضحي بالحاجات الفردية فلقد اهتدت تلك المجتمعات بفضل اعتقادها الديني و ارتباط الإنسان بالجماعة التي ينتمي إليها و قصور تفكيرها حول طبيعة الخطأ إلى القول بنوع من المسؤولية الجنائية تميزك بالخصائص التالية :
المظهر الآلي و الموضوعي للمسؤولية الجنائية :
ساد الاعتقاد قديما بأنه لا بد من وجود مذنب وراء كل فعل ضار ، يكون مسؤولا عنه ، فإذا عرف الفاعل مسبب الضرر ، فإن رد الفعل عليه يكون تلقائيا أو آليا ، لم تكن المجتمعات تهتم بصفات فاعل الضرر الشخصية فلم تميز فاعل عاقل أو مجنون ، كبير أو صغير ، حيوان أو إنسان ، فإسناد الفعل الضار إلى أي مصدر كان يجعله مسؤولا ، فالفعل و الضرر هما ما يميزان المسؤولية (لذا فهي موضوعية)
المظهر الجماعي و الشامل للمسؤولية :
كانت النظرة إلى المسؤولية أوسع و أشمل مما هو معروف اليوم ، فقد كانت تتوسع لتشمل أشخاصا لا علاقة لهم بالفعل المرتكب.
كمسؤول الأسرة كلها أو عشيرة الجاني أو قبيلته عن فعل أحد أفرادها فلم تكن المجتهدات القديمة تفرق بين شخص و آخر .
تطور فكرة المسؤولية (ظهور مسألة الخطأ) :
فكرة المسؤولية الموضوعية لم تكن لتستمر على مدى الأزمة ، فقد بدأ كفرة الخطأ تتبلور شيئا فشيئا لتنحصر المسؤولية ج في أضيف الحدود ، و ساهم في هذا التطور ظهور الدولة التي أخذت على عاتقها إقامة العدالة فبفضل الدولة بدأت المجتمعات القديمة تتحويل عن مفهوم المسؤولية الجماعية الضالمة الى مفهوم المسؤولية الفردية العادلة ، ليترسخ بعد ذلك مبدأ ”شخصية العقاب” تواحد من أهم مبادئ المسؤولية الجنائية في الوقت الحاضر .
تأثير الدين :
أجهد الحكام انفسهم في المجتمعات القديمة لارضاء الآلهة و التنفيذ بأوامر الدين فأنزلوا أشد العقوبات بمن يخالف التعاليم الدينية ، خشية من ان تحل لعنتها على المجرم بالمجتمع ، و لقد ورثت الدولة عن المجتمعات القديمة هذا الاتجاه ، فدعمتته لما في ذلك من تقوية لمركزها باعتبارها حامية المقدسات ، و باعتبار الجرائم الدينية عامة .
• هذا و كان لظهور الدين المسيحي أثر بالغ في تعديل مضمون الجزاء و المسؤولية في الفكر الغربي ، فلقد وجدت المسحية في الخطيئة اساس مفهوم الجريمة فمن يرتكب الخطيئة يعد اثما و يكون مسؤولا ، و في هذا النطاق أفاض رجال الفقه الكنسي في مناقشة بعض المفاهيم التي تعد اليوم أساسا للمسؤولية ج كالاسناد الإثر و الجزاء ، على سبيل المثال : استناد الواقعة الإجرامية إلى فاعلها و تحميله نتائجها (الاعتماد على الارادة في تفسيرها). و من ناحية أخرى فقد ربط الفكر المسيحي الاثم بالنية فمرتكب الجريمة ليس اثما ان لم تتوافر لديه نية الاجرام (الارادة ، و حربة الاختيار).
• و في وقت لاحق ظهر الإسلام بنظريته المميزة الى التجريم و العقاب ، فقد حددت الشريعة الاسلامية شروط المساءلة الجنائية على نحو يفوق أحدث النظريات الجائية ، فالعقل و الارادة الحرة هما مناظ تحمل التبعة تحملا كاملا من حيث النتائج و الغايات ، و هو ما أجمل عليه الفقهاء المسلمين من ان التبعة التامة لا تقوم إلا على العاقل ، فلا يثبت تكليف الأعلى من أو في عقلا سليما بأن كان بالغا عاقلا و يسقط الاثم في حالة الخطأ (الغلط) و النسيان و الاكراه ، لقوله صلى الله عليه و سلم “رقع القلم على ثلاث : عن الصغير حتى يحتلم و عن النائم حتى يستيقظ ، و عن المجنون حتى يفيق” كما راعت الشريعة الجانب النفسي في الجريمة.
شروط المسؤولية الجنائية :
حتى تتحقق المسؤولية الجنائية لا بد من حدوث واقعة توجب المسؤولية الجنائية و شرط الواقعة الموجبة للمسؤولية الجنائية أن تكون جريمة و كذا حتى تتحقق م ج لا بد من وجود شخص معين يحملها و يلزم في هذا المسؤول شرطان ، أن يكون أهلا لتحمل المسؤولية و الثاني أن يكون هو مرتكب الجريمة .
موجب المسؤولية الجنائية : حتى تقوم م ج لا بد أن تكون هناك جريمة وقعت و أن نستوفي الجريمة أركانها و ان يكون الشخص خاضعا لقانون العقوبات.
مناط المسؤولية الجنائية :
الأهلية ج هي أساس م ج و لا تكتمل الأهلية الجنائية إلا باجتماع أمرين هما : التميز وحرية الإختيار .
يقصد بها : مجموعة الصفات الشخصية اللازم توفرها في الشخص حتى يمكننا أن ننسب إليه الواقعة الإجرامية . التي إقترفها عن إدراك واردة .
وعليه فهي تقييم أو تقدير لحالة الفرد النفسية والعقلية بحيث تكون لديه القدرة على تحمل تبعة عمله . ولاتتحقق الأهلية إلا إذا توافر العقل والرشد بحيث يكون قادرا على التمييز والإدراك ويقتضي ذلك أمرين
- النضج العقلي الكافي : لايعبر الفرد أهلا للمسؤولية إلا بعد أن تتضح ملكاته النفسية والذهنية ويصبح قادرا على التمييز .
- الصحة العقلية : بلوغ الفرد لسن معين يجعله عاقلا مميزا .
- حرية الاختيار : حرية الاختيار التي يمكن الأخذ بها هي حرية الاختيار الواقعية التي تمكن الفرد من التحكم بإرادته وتوجيهها التوجيه السليم المتفق مع القانون .
- صفة المسؤول : الإنسان لا يسأل بصفته فاعلا أو شريكا إلا عما يكون لنشاطه دخل في وقوعه من الأعمال التي نص القانون على تجريمها . سواء كان ذلك بالقيام بفعل أو الامتناع الذي يحرمه القانون .
- مدى لزوم العلم بنص التجريم : العلم بنص التجريم عنصر في القصد الجنائي ومن الفقهاء من يعتبر هذا العلم شرطا لنفاذ القانون وسريان أحكامه على المخاطبين به ومنهم من يعتبر العلم بالقانون شرطا لثبوت المسؤولية وقاعدة عدم جواز الاعتذار بجهل القانون مقررة بنصوص صريحة في عدد من التشريعات المعاصرة .
المسؤولية الجنائية بين الحتمية و الحرية (اساس المسؤولية الجنائية) :
يوجد في هذا الصدد مذهبان الأول تقليدي و يبين المسؤولية على أساس حرية الانسان في الاختيار ، و الثاني وضعي و هو يبني المسؤولية على اساس الخطورة الاجرامية للجاني.
المذهب التقليدي : فصل المسؤولية الجنائية عن المسؤولية الاخلاقية.
يرى أنصار هذا المذهب أن اساس المسؤولية يبنى على أساس حرية الانسان في الاحتياز فكل انسان بالغ عاقل يستطيع التمييز بين المباح و المحظور ، كما يستطيع التحكم في سلوكه فلا يأتي من الأفعال إلا ما يريد و لهذا فإنه يبغي ان يسأل عما وقع منه و أن يتحمل تبعته .
المذهب الوضعي Ecole position :
ترى المدرسة الوضعية أنه لا يمكن بأسس المسؤولية الجنائية على أساس اخلاقي أو أدبي فالإنسان مسيتر لا مخير ، و لهذا الخصوص يقول جارو فالو أحد اقطاب المدرسة “لا تستطيع أن تبني قانونيا العقابي على أساس المسؤولية الاخلاقية فإرادة الفرد تخضع و على الدوام لمؤثرات داخلية و خارجية.
و يلخص الفتية أنريكو فري موقف المدرسة الوضعية يقوله : أن المدرسة الوضعية تنكر حريت الاختيار و اذا فهي تنكر المسؤولية الأدبية و فكرة الإثم و الاستناد المعنوي و لا تهتم (لا بالانسان الفيزيائي المادي) الذي تترب عليه المسؤولية الجنائية.
فالمدرسة الوضعية تنادي نبوع آخر من المسؤولية تسمى المسؤولية الاجتماعية التي تقوم على الخطوره الإجرامية التي يمثلها الجاني و التي تستجوب التدخل لمنع الإجرام.
* و أمام هذه الآراء المتعارضة حول أساس المسؤولية ج و التي تعكس الخلاف الفلسفي القديم حول حقيقة الإنسان : هل هو مسير أم مخير : مدارس فقهية للتوفيق بين المدرستين
عملت المدارس الوسيطة على تجنب الخلاف بين المدرستين بشأن القول بحرية الاختيار أو رفعت ، انتقاء أفضل ما عندها في محولة للوصول إلى (ساس جديد تقوم عليه المسؤولية) و لكن هذه المحاولات لم تصل إلى جديد .
موانع المسؤولية الجنائية :
الحقول أو عاهة الحقول: يشترط لهذا المانع شرطان. الأول : توافر الجنون أو عاهة العقل :
الجنون هو كل آفة تعتري الإنسان فتؤثر على أجهزته أو قواه التي تهيمن على إدراكه أو اختباره فتفسد أحدهما أو كلاهما سواء كانت هذه الآفة أصلية أو عارضة سواء تمثلت في مرض عقلي أو عصبي أو نفسي أو عضوي ، و المشرع ساوى بين الجنون و عاهة العقل لأنهما يؤديان إلى أثر واحد هو فقد حرية الاختيار.
الجنون يتسع ليشمل كل خلل عقلي و يتناسب هذا الرأي مع لا نص القانوني خاصة و أن المادة 47 التي تتكلم عن الجنون ترجعنا إلى المادة 21 التي تتكلم عن الخلل العقلي، مما يوحي بأن القانون يتكلم عن الحالتين بمعنى واحد.
- معاصرة الجنون لزمن ارتكاب الجريمة :
لا أثر للجنون السابق على ارتكاب الجريمة إذا اثبت أن الجاني كان مصابا بالجنون و لكنه شفي منه قبل أن يرتكب جريمته ، فشرط التوافق الزمني هو المحول عليه لمنع المسؤولية ، إذا العبرة بسلامة الإرادة عند افتراق الجريمة.
أثر الجنون الطارئ بعد ارتكاب الجريمة :
إذا وقع الجنون بعد الجريمة و قبل المحاكمة: فإنه يحول الجنون الطارئ دون اتخاذ الإجراءات القانونية و محاكمة المتهم فلا يجوز محاكمة المجنون إلا بعد أن يعود إلى رشده.
أما إذا وقع الجنون أثناء المحاكمة:
لا يحاكم المجنون حتى يشفى ، فلا يجوز محاكمة من لا يستطيع الدفاع عن نفسه ، أو الحكم على من لا يفهم العقاب .
و إذا وقع الجنون بعد الحكم بالدانة يوجد وقف تنفيذ العقوبة حتى يتم شفاء الجاني اذا لا يجوز تنفيذ العقوبة على المجنون .
وضع المجنون في الحجز القضائي :
إذا اثبت جنون المتهم أو أي خلل عقلي يمتع مسؤوليته وقت ارتكاب الجريمة أو أن يكون المتهم قد اعتراه خلل عقلي بعد ارتكاب الجريمة فإنه يجوز للقاضي أن يأمر بوضعه في الحجز القضائي كتدبير آمن وقائي بموجب نص المادة 21 التي نصت على ما يلي : الحجز القضائي في مؤسسة نفسية هو وضع الشخص بناء على قرار قضائي في مؤسسة مهيئة لهذا الغرض بسبب خلل في قواه العقلية قائم وقت ارتكاب الجريمة او اعتراه بعد ارتكابها.
صغر السن :
تختلف التشريعات الوضعية على تحديد سن معين ، يعد الفرد بعد بلوغه مسؤولا عن أعماله الإجرامية ، تبعا للسياسة (الجنائية التي تنتهجها في هذا الميدان فأغلب التشريعات تعتبران الطفل الذي يبلغ سن السابعة معدوم التمييز و لا يحاسب على أي فعل يرتكبه و تمتد هذه المدة في القوانين الأخرى إلى سن الثانية عشر و حتى الخامسة عشر في بعض القوانين ، نصت المادة 49 من قانون ع الجزائري على ما يلي : “لا توقع على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشر إلا تدابير الحماية أو التربية”
و يلاحظ في النص أن قانون العقوبات الجزائري قد ميز بين ثلاث مراحل للمسؤولية بحسب عمر الجاني القاصر على النحو التالي : المرحلة الأولى :
و هي المرحلة التي تسبق سن الثالثة عشر، و هي مرحلة ايغدام الاهلية و انعدام المسؤولية العقابية تبعا لذلك ، يتضح ذلك من نص م49 ، المشار إليها أن الصبي دون 13 لا يعد مسؤولا بحكم القانون.
المرحلة الثاني :
وهي المرحلة التي تمتد من سن 13 حتى 18 عاما من عمر القاصر و هي مرحلة نقص الأهلية و يسأل فيها الجاني القاصر مسؤولية مخففة تبعا لنقص الأهلية ، فإذا ارتكب القاصر بعد بلوغه 13 و قبل بلوغه سن الرشد الجنائي (18) جريمة فإن القانون يسمح بإخضاعه لتدابير الحماية أو العقوبات المخففة.
و تطبيق تدابير الحماية أو التربية لا تثير أمرا جديدا ، فقد رأينا أن هذه التدابير تطبق حتى على من لم يبلغ سن 13 و لكن الجديد هو إمكانية تطبيق العقوبات المخففة فيما يعني أن المشرع يعتقد بإرادة القاصر و يرتب له جزءا جنائيا و لو في حدود بينتها المادة 50 على النحو التالي :
- إذا قضي بأن يخض القاصر الذي يبلغ سنة من 13 إلى 18 لحكم جزائي فإن العقوبة التي تصدر عليه تكون كالآتي:
إذا كانت العقوبة التي تفرض عليه هي الإعدام أو السجن المؤيد فإنه يحكم عليه بعقوبة الحبس من 10 سنوات إلى 20 سنة.
و إذا كانت العقوبة هي السجن أو الحبس المؤقت فإنه يحكم عليه بالحبس لمدة تساوي نصف المدة التي كان يتعين الحكم عليه بها إذا كان بالغا، هذا و أضافت المادة 51 الحكم الخاص لمواد المخالفات فأجازت أن يحكم على القاصر إما بالتوضيح أو الغرامة.
كما أن النص لم يقيد القاضي و لم يجب عليه تخفيض الغرامة فهو يحكم في حدود سلطة التقديرية (القاصر يتساوى مع البالغ عند الحكم بالغرامة).
تم تحرير الموضوع بواسطة :كوكب العدل
بتاريخ:25-11-2016 08:12 مساءً