بحث بطلان العقد وفق القانون الجزائري المبحث الأول: مفهوم البطلان
المطلب الأول:تعريف البطلان
المطلب الثاني:أنواع البطلان
المبحث الثاني : تمييز البطلان عما يقربه من النظم
المطلب الأول : البطلان وعدم النفاذ
المطلب الثاني : تمييز البطلان عن الفسخ و الانحلال
المبحث الثالث : مبدأ زوال العقد
المطلب الأول : الزوال الكلي للعقد
المطلب الثاني : زوال العقد بأثر رجعي
خاتمة
مـقــــدمة :
لقد نصت المادة 103 من التقنين المدني الجزائري على ما يأتي :" يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد في حالة بطلان العقد أو إبطاله ,فإن كان هذا مستحيلا جاز الحكم بالتعويض معدل"⁽¹⁾ ,كما تطرقت المادة 104 إلى إنقاص العقد ونصت المادة 105 على تحول العقد .
و رغم اختلاف الأحكام التي تسري على كل من البطلان المطلق والبطلان النسبي ,فإنه يترتب على تقرير كل منها نفس الأثر ,وهو زوال العقد بغض النظر عن بعض الاستثناءات التي قررها المشرع للصالح العام.
فهل يستند هذا الأثر إلى مبدأ معين ؟ وهل لهذا الأثر وجود قانوني؟
___________________________
) 1)_ المادة103 من القانون المدني الجزائري
المبـــــــــحث الأول : مفهوم البطلان
المطلب الأول : تعريف البطلان :
البطلان هو الجزاء الذي فرضه القانون على عدم توفر ركن من أركان العقد أو شرط من شروط صحته , وهو عبارة عن انعدام أثر العقد بالنسبة للمتعاقدين وبالنسبة للغير , والعقد الذي لم تراعى قوانين العقد في تكوينه يكون باطلا فلا ينتج أثرا قانونيا ,ولا ينشأ عنه حق أو التزام .
وتختلف قوة الجزاء باختلاف نوع القاعدة التي لم تراع في تكوين العقد ,فإذا كانت القاعدة تحمي مصلحة عامة كان البطلان مطلقا ,بحيث لا يكون للعقد وجود أمام القانون ,أما إذا كانت تلك القاعدة تحمي مصلحة خاصة كان البطلان نسبيا ,فيكون للعقد وجوده القانوني إلا أن يطلب إبطاله من تقرر الجزاء لمصلحته , ومتى تقرر ذلك الإبطال يزول ذلك الوجود ويرتد زواله إلى حين إبرامه.⁽¹⁾
المطلب الثاني : أنواع البطلان :
البطلان المطلق :
يكون العقد باطلا بطلانا مطلقا إذا تخلف ركن من أركانه أو وجد نص في القانون يقضي ببطلانه ,و أركان العقد ثلاثة وهي التراضي والمحل والسبب يضاف إليها ركن رابع هو الشكل المطلوب لانعقاد العقد في بعض العقود وقد رأينا أن للتراضي شروطا أساسية وهي أن يصدر من شخص بلغ سن التمييز وانه إدا صدر من عديم التمييز كان باطلا بطلانا مطلقا ولو كان العقد لمصلحته كما يشترط في المحل أن يكون موجودا أو ممكن الوجود في المستقبل وأنه إذا لم يكن موجودا عند التعاقد بل كان قد هلك يكون العق باطلا باطلان مطلقا وإذا كان المحل مستحيل الوجود في المستقبل استحالة مطلقة فإن العقد يكون كذلك باطلا بطلانا مطلقا . ⁽²⁾
_________________________
(1):أنظر – د/العربي بالحاج (النظرية العامة للإتزام في ق.م.ج)ص171
(2):أنظر-أ/علي علي سليمان(مصادر الإلتزام في ق.م.ج)ص77
كما رأينا كذلك أن المحل يشترط فيه معينا أو قابلا للتعيين وإلا فإن العقد يكون باطلا كما يجب كذلك أن يكون المحل مشروعا ويترتب على عدم مشروعيته البطلان المطلق, ورأينا أن السبب يجب أن يكون مشروعا وإلا كان العقد باطلا.
والبطلان المطلق يجعل العقد في حكم المعدوم بحيث لا ينتج أي أثر قانوني ,ولكل ذي مصلحة أن يطلب هذا البطلان ,بل وللمحكمة أن تحكم بهي من تلقاء نفسها دون طلب .⁽¹⁾
البطلان النسبي :
أما البطلان النسبي ففيه يكون العقد قائما ولكن معيبا بعيب من عيوب الرضا وهي نقص أهلية المتعاقد المميز والغلط والتدليس والإكراه والاستغلال ويكون طلب إبطال العقد لمن عيب رضاه أي أن قابلية العقد للإبطال شرعت لمصلحة المتعاقد الناقص الأهلية أو لمن وقع في غلط أو للمدلس عليه أو للمكره أو لمن أستغل ,فإن شاء أحدهم أجاز العقد أو تنازل عن طلب الإبطال فيصح العقد ويضل قائما ومنتجا لآثاره وقد حدد القانون مدة معينة لطلب الإبطال إذا أنقضت سقط الحق في الإبطال⁽²⁾.
__________________________
-(1):أنظر علي علي سليمان-مرجع سابق-ص77
-(2):نفس المرجع السابق
المبـــــحث الثــــــــاني : تميز البطلان عما يقاربه من النظم
المطلب الأول : البطلان وعدم النفاذ :
البطلان هو الجزاء على عدم توافر أركان العقد أو شروط صحته وهذا الجزاء يتمثل في عدم التزام العاقد بالآثار التي كان من المفروض أن يرتبها هذا العقد الباطل أو الذي قضى بإبطاله ، أما عدم النفاذ inopposabilité) ) فالمقصود به عدم الاحتجاج بالعقد ولو كان صحيحا في مواجهة الغير ، أي عدم سريانه في حق الغير ، ومن أمثلة عدم النفاذ في القانون الجزائري ، وجوب قيد التصرفات المنشأة لحق عيني أصلي ، أو التي من شأنها نقله أو تغييره أو زواله في السجن العيني حتى ترتب أثرها بين ذوي الشأن و بالنسبة للغير ن أو ترتيبا على ذلك ، فإن عقد بيع العقار الغير مقيد في السجن العيني لا يرتب أثره بين المتعاقدين ، كما لا يمكن الاحتجاج به في مواجهة الغير 793 م.ق ، و البطلان إذا كان مرتبا على عدم توافر صحة العقد ، يرتفع عن طريق الإجازة confirmation ) ) الصريحة أو الضمنية 100 م.ق ، أما عدم النفاذ فينتفي عن طريق إقرار الصحة للعقد ratification)) ، كإقرار بيع الغير بمعرفة العقد الحقيقي 398/1ق.م .⁽¹⁾
المطلب الثاني : تمييز البطلان عن الفسخ و الانحلال :
البطلان يرجع إلى عيب أصاب العقد في أحد أركانه ، أما الفسخ (la résolution) فهو جزاء عدم تنفيذ أحد المتعاقدين لالتزامه ، بعد أن يكون العقد قد انعقد صحيحا مستوفي لكل الشروط ، فيكون للعاقد الآخر إذا كان العقد ملزما للجانبين أن يتمسك بالفسخ لكي يتحلل مما عليه من التزام ن ولذا لا يكون الفسخ إلا في العقود التبادلية .
_______________________
(1)-أنظر العربي بلحاج-نفس المرجع السابق-ص174
أما الانحلال ( la dissolution ) يرد على كل عقد نشأ صحيحا ثم ينحل ، وهو إما باتفاق الطرفين (réalisation conventionnelle ) ، أو بالإرادة المنفردة لأحد العاقدين (réalisation unilatérale) أما البطلان كما سبق أن ذكرنا ، وهو الجزاء على عدم توافر أركان العقد أو شروط صحته ، ومن هنا يتشابه البطلان و الانحلال من حيث الأثر المترتب عليها وهو زوال العقد ( disparition du contrat ) .
وقد نص المشروع الجزائري عن أحكام انحلال العقد في المواد من 119-123 ق.م ، وقد يجعل القانون لكل من المتعاقدين لحق أن يستقل بإلغاء العقد révocation ) ) كإلغاء الوكالة أو الشركة غير المحددة المدة و الإيجار غير المحدد المدة كذلك ، و العارية و الوديعة- أو يجعل أحد العاقدين دون الآخر الحق في هذا الإلغاء ( كإلغائه عند المقاولة ، وعقد التأمين على الحياة ) . و لا يكون للإلغاء في جميع هذه الأحوال أثر رجعي ⁽²⁾.
____________________
(2)-نفس المرجع ص175
المبحـــث الثـــــــــالث : مبدأ زوال العقد
المطلب الأول : الزوال الكلي للعقد :
إذا تقرر بطلان العقد أو إبطاله فإنه يزول كليا, حيث ينعدم تماما ويصبح كأن لم يكن ولم يوجد أصلا ,فالحقوق والواجبات التي رتبها العقد أو كان سيرتبها تزول عن آخرها .
فيترتب - مثلا- على تقرير بطلان العقد أو إبطاله زوال عملية البيع ,فتزول صفة البائع للمالك وكل الحقوق التي اكتسبها أو الواجبات التي تحملها بموجب العقد, وليس له الحق أن يطالب أو أن يقبض ثمن البيع أو مصاريفه,وليس عليه كذلك أن يسلم المبيع أو أن ينقل ملكيته أو أن يضمن عيوبه ,ويكون الأمر مماثلا بالنسبة للمشتري الذي يفقد هذه الصفة والحقوق والواجبات المتعلقة بها فهو غير مدين بالثمن ولا دائن باستلام المبيع .
وفي الحقيقة فإن هذا الأمر بديهي بالنسبة للبطلان المطلق كون العقد لم ينعقد تماما, ومن ثم فإن أطرافه لم تكسب حقوقا ولم تتحمل واجبات ,وعليه فإن تقرير الإبطال يزيل هذه الحقوق و الواجبات وذلك من يوم إبرامه . ⁽¹⁾
____________________________
(1):أ/علي فيلالي (الإلتزامات)ص271
المطلب الثاني : زوال العقد بأثر رجعي :
يفيد تقرير الإبطال أو البطلان انعدام العقد ليس مستقبلا فقط بل من يوم إبرامه أي بأثر رجعي ، ويقتضي في بعض الأحيان انسحاب آثار تقرير البطلان إلى يوم إبرام العقد و إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كان عليها قبل إبرام العقد حيث تقضي المادة 103ق.م " يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرام العقد في حالة بطلان العقد أو إبطاله فإن كان هذا مستحيلا جاز الحكم بتعويض معادل . . . غير أنه لا يلزم ناقص الأهلية إذا بطل العقد لنقص أهليته ، أن يرد غير ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد " يفيد واجب إعادة المتعاقدين إلى حالتهما الأصلية ، أن العقد قد تم تنفيذه أن شرع في تنفيذه و لكن لهذا الحل المبدئي حدود ، خاصة إذا كان هذا المتعاقد ناقص الأهلية أو ملوثا ، وكذلك الأمر بالنسبة للغير إذا كان قد اكتسب حقا من أفعال المتعاقدين . ⁽¹⁾
_________________________
-نفس المرجع السابق ص272
خـــــــــــاتمة :
وفي ختام هذا الموضوع ,نقول أنه إذا كان العقد باطلا أو قابلا للأبطال وتقرر إبطاله ,لا يكون له وجود قانوني ,فلا يترتب أثر ما سواء ما بين المتعاقدين أو بالنسبة إلى الغير , وذلك فيما عادا بعض الاستثناءات ,وفي الحالتين يزول العقد بأثر رجعي ,أي يعتبر كأن لم ينشأ أصلا.
قائمة المراجع :
د/ العربي بالحاج(النظرية العامة للإتزام في ق.م.ج)-الجزء الأول- ط2001 ،ديوان المطبوعات الجامعية،بن عكنون الجزائر.
أ/ علي فيلالي (الإلتزامات)،ط الكاهنة ،الجزائر.
أ/علي علي سليمان (مصادر الإلتزام في ق.م.ج)،ط1998 ،ديوان المطبوعات الجامعية،الجزائر.