بحث الهبة في القانون الجزائري
الفصل الأول: مفهوم الهبة
المبحث الأول: تعريف الهبة
المطلب الأول: تعريف الهبة في الفقه الإسلامي
المطلب الثاني: تعريف الهبة الوارد في قانون الأسرة
المطلب الثالث: أدلة مشروعية الهبة في الشريعة الإسلامية
المبحث الثاني: مقومات عقد الهبة
المطلب الأول: الهبة عقد ما بين الأحياء
المطلب الثاني: الهبة تصرف في مال بلا عوض
المطلب الثالث: نية التبرع
المطلب الرابع: الهبة عقد عيني و شكلي
المبحث الثالث: التمييز بين الهبة و العقود المشابهة لها
المطلب الأول: التمييز بين الهبة و العقود الملزمة لجانب واحد
المطلب الثاني: التمييز بين الهبة و العقود الملزمة لجانبين
المبحث الرابع: موازنة بين الهبة في الشريعة و الهبة في القانون
المطلب الأول: من حيث التعريف
المطلب الثاني: من حيث المقومات
الفصل الثاني: أركان عقد الهبة
المبحث الأول: التـــراضـــي
المطلب الأول: شروط الانعقاد
المطلب الثاني: شروط الصحة
المبحث الثاني: المـــحــــل
المطلب الأول: الشيء الموهوب
المطلب الثاني: العوض في الهبة
المبحث الثالث: الســــــبب
المطلب الأول: السبب في الفقه الإسلامي و التشريع الجزائري
المطلب الثاني: السبب في القضاء الجزائري
المبحث الرابع: الشـكـليــــــة
المطلب الأول: الشكلية في هبة العقار و المنقول
المطلب الثاني: جزاء الإخلال بالشكلية و الاستثناءات من وجوبها
المبحث الخامس: قبض الهبة و الوعد بها
المطلب الأول: قبض الهبة
المطلب الثاني: الوعد بالهبة
المبحث السادس: موازنة أركان الهبة بين الشريعة و القانون
الفصل الثالث: أحكام الهبة
المبحث الأول: الآثار التي تترتب على الهبة
المطلب الأول: التزامات الواهب
المطلب الثاني: التزامات الموهوب له
المبحث الثاني: الرجوع في الهبة
المطلب الأول: الرجوع في الهبة في الفقه الإسلامي
المطلب الثاني: الرجوع في الهبة و آثاره في القانون الجزائري
المبحث الثالث: موانع الرجوع في الهبة
المطلب الأول: موانع الرجوع في الهبة في الفقه الإسلامي
المطلب الثاني : موانع الرجوع في الهبة في القانون الجزائري
المبحث الرابع: موازنة أحكام الهبة بين الشريعة و القانون
الخـاتمــة
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين و الحمد لله دائما و أبدا في كل فعل و قول ومقصد فهو الواهب و المنعم على خلقه بالكتابة في سبيل إعلاء كلمته و الدعوة إليه و تعريف الناس بفقهه و شرعه و سنة رسوله- صلى الله عليه و سلم- إصلاحا لشأنهم و إحقاقا للحق و العدل في معاملاتهم المتعددة بتعدد صور انتقالها فمنها ما يهدف إلى تحقيق المصلحة كالبيع و الإيجار و منها ما يهدف إلى التبرع كالوصية و الهبة.
فالهبة من العقود الناقلة للملكية الملزمة لجانب واحد إلا أن هناك استثناء حين تصبح ملزمة للطرفين و ذلك عندما تكون بعوض. و الهبة تحتاج إلى نظرة تخصصية من حيث فهم موضوعها سواء من الناحية الشرعية أو من الناحية القانونية.
فهي ذات أهمية بالغة في تقوية الروابط الإنسانية المبنية على أساس البر لقوله تعالى في الآية92 آل عمران{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، و ا لرحمة و الإحسان لقوله - صلى الله عليه و سلم-:" جبلت النفوس على حب من أحسن إليها" و تكريم الإنسان لأخي الإنسان، خاصة و أننا نشهد في عصرنا الحالي تفكك الروابط الإنسانية و تشتتها و اتسام العلاقات بين الناس بالفتور.
كما أن لها أهمية ملفتة في الحياة العلمية و القانونية فهي تصرف خطير، إذ يتطلب جرأة من الواهب للتنازل عن جزء من ماله قد يكون ذا تأثير كبير على وضعيته المالية بما قد يلحق ضررا بورثته كحرمانهم من الميراث.
و قد ارتأينا أن هذا البحث جدير بالاهتمام و الدراسة لأن الهبة تشكل حدثا هاما في حيات الإنسان إذ أصبحت من أهم التصرفات القانونية الجاري العمل بها. بالإضافة إلى العرض الخاص الذي نتوخاه من هذه الدراسة ألا و هو تنمية الفكر و تزويده بجملة من المعارف فيما يخص الجانب الفقهي و القانوني في هذا الإطار و كذا كمحاولة منا لإثراء المكتبة الجامعية بهذا البحث الذي نتوج به أربع سنوات من الدراسة الجامعية.
ومن هنا تبادر إلى ذهننا مجموعة من الإشكاليات التي نراها ضرورية في موضوعنا هذا و من بينها :
هل المشرع الجزائري أخذ أحكام الهبة كلها من الشريعة الإسلامية أو لا ؟
و إن كان قد أخذ من الفقه الإسلامي فهل اعتمد على كل المذاهب أو ركز على مذهب واحد ؟
و بما أن الهبة لها تأثير كبير على الحياة الأسرية فهل لها صلة عضوية بالأسرة ؟
و للإجابة على مجموع هذه الإشكاليات قسمنا بحثنا إلى ثلاثة فصول :
الفصل الأول: مفهوم الهبة.
الفصل الثاني: أركان عقد الهبة.
الفصل الثالث: أحكام عقد الهبة.
الفصل الأول مفهوم الهبة
المبحث الأول: تعـريـف الهـبــــة
المطلب الأول: تعريف الهبة في الفقه الإسلامي
الفرع الأول: تعريف الهبة لغة
الهبة في اللغة هي التبرع و التفضل على الغير و لو بغير مال أي بما ينتفع به مطلقا سواء كان مال أو غير مال(1).
مثلا هبة المال كهبة شخص لآخر فرسا أو سيارة أو دارا، و مثال هبة غير المال كقول إنسان لآخر ليهب الله لك ولدا، مع أن ولد ذلك الشخص حرا ليس بمال(2) ، لقوله تعالى: {فهب لي من لدنك وليا}(3) و قوله عز و جل{ يهب لمن يشاء إناثا و يهب لمن يشاء ذكورا} (4).
و الهبة إذا كثرت يسمى صاحبها وهابا، و هو من أبنية المبالغة، و يقال: رجل وهاب ووهابة أي كثير الهبة(5).
الفرع الثاني: تعريف الهبة اصطلاحا
I. الهبة في المذهب الحنفي : و هي "تمليك العين بغير عوض"(6) أي أن كل شخص يملك عينا ملكا صحيحا يستطيع أن يهبها لغيره من دون عوض في الحال أو المستقبل أثناء حياته.
II. الهبة في المذهب المالكي : قسم المالكية الهبة إلى هبة لغير ثواب و هبة الثواب، فالأولى هي:" تمليك من له التبرع ذاتا تنقل شرعا بلا عوض لأهل بصيغة أو ما يدل عليه"(7). أي أن الهبة تمنح من ذي أهلية خالي من عيوب الإرادة يريد بها وجه الشخص و مرضاة الله. أما الثانية فقد عرفها الإمام ابن عرفة:" عطية قصد بها عوض مالي" و هذا النوع من الهبة يعد بيعا من البيوع لاشتمالها على العوض.
(1) د. محمد كامل مرسي باشا، شرح القانون المدني الجديد، ج 5، العقود المسماة ، ص 16
(2) د. محمد بن أحمد تقية، دراسة عن الهبة في قانون الأسرة الجزائري مقارنة بأحكام الشريعة الإسلامية و القانون المقارن، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، الطبعة الأولى 2003، ص14
(3) سورة مريم، الآية - 05 -
(4) سورة الشورى، الآية - 48 -
(5) و (6) و (7) د. حسن محمد بودى، موانع الرجوع في الهبة في الفقه الإسلامي و القانون الوضعي، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2003 ، ص 19 ، 20 ، 21
III. الهبة في المذهب الشافعي: و هي: "تمليك العين بلا عوض حال الحياة تطوعا" و قد زاد الفقه الشافعي كلمة "تطوعا" عن الفقه الحنفي و ذلك لإخراج الواجبات كالزكاة و النذر والكفارات.
IV. الهبة في المذهب الحنبلي : عرف ابن قدامى الهبة بأنها:" الهبة و الصدقة و الهدية و العطية معانيها متقاربة و كلها تمليك في الحياة بغير عوض، و اسم العطية شامل لجميعها"،
و كذلك الهبة و الصدقة و العطية متغايران، فإن النبي- صلى الله عليه و سلم- كان يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة و قال في اللحم الذي تصدق به على بريرة: " هو عليها صدقة و لنا هدية" فالظاهر أن من أعطى شيئا يتقرب به إلى الله تعالى للمحتاج فهو صدقة و من دفع إلى إنسان شيئا للتقرب إليه و المحبة له فهو هدية و جميع ذلك مندوب إليه و محثوث إليه فإن النبي- صلى الله عليه و سلم- قال: " تهادوا تحابوا"(1).
و قد امتاز هذا التعريف عن التعريفات السابقة له بأنه أورد أن الهبة تقع في حياة كل من الواهب و الموهوب له و بذلك قد ميزها عن الوصية.
المطلب الثاني: تعريف الهبة الوارد في قانون الأسرة الجزائري
عرف المشرع الجزائري الهبة بنص المادة 202 قانون أسرة بقوله: " الهبة تمليك بلا عوض.
و يجوز للواهب أن يشترط على الموهوب له القيام بالتزام يتوقف تمامها على إنجاز الشرط "
الفرع الأول: تحليل عبارات التعريف
1)الهبة تمليك : تعني هذه العبارة أن الهبة وسيلة تمليك تنتقل بواسطتها ملكية المال الموهوب من الواهب إلى الموهوب له، و عملية نقل الملكية ينتج عنها عنصران آخران و هما عنصر افتقار في جانب الواهب و عنصر اغتناء في جانب الموهوب له(2).
(1) المغني للإمام موفق الدين بن قدامى للإمام شمس الدين بن أبي عمر بن قدامى المقدسي، ج6، دار الكتاب للنشر و التوزيع، بيروت، ب.ت، ص246.
(2) أ. عبد الفتاح تقية، محاضرات في قانون الأحوال الشخصية لطلبة الكفاءة المهنية للمحاماة، مطبعة دار هومة، الجزائر، 2000، ص106
2) بلا عوض : معنى ذلك أن المال الموهوب كله أو جزؤه ينتقل إلى الموهوب له مجانا دون مقابل و يتلازم مع وجود عنصر آخر هو نية التبرع من الواهب بغية التودد و التحبب إلى الموهوب له أو بغية التقرب إلى وجه الله أو للأمرين معا.
3) يجوز للواهب أن يشترط على الموهوب له القيام بالتزام يتوقف تمامها على إنجاز الشرط : حيث يمكن للواهب أن يشترط على الموهوب له القيام بعمل معين، و إتمام هذا العمل حتى تنتقل إليه العين الموهوبة، و هنا المشرع لم يقصد الهبة بعوض، بل قصد الهبة الموقوفة على شرط.
الفرع الثاني: الملاحظات الواردة على هذا التعريف
يتضح من الوهلة الأولى أن المشرع الجزائري في نص المادة202 ق.أ،
اعتبرت الهبة من التصرفات و ليست من العقود و لكن بالرجوع إلى نص المادة206ق.
أ : " تنعقد الهبة بالإيجاب و القبول و تتم الحيازة، و مراعاة أحكام التوثيق في العقارات و الإجراءات الخاصة في المنقولات.و إذا اختل أحد القيود السابقة بطلت الهبة."
نجد أن الهبة تنعقد بالإيجاب و القبول مما يجعلها كسائر العقود تنطبق عليها القواعد العامة التي تنظم العقود. إن تعريف الهبة الوارد في نص المادة202 ق.أ هو تعريف مأخوذ من الفقه المالكي.
- يستفاد من نص المادتين206،202 ق،أ، أن الهبة عقد بين الأحياء و ذلك أن الهبة عقد لابد أن يتوافق فيه الإيجاب و القبول و بالتالي يشمل التمليك في الحال أو المستقبل في حياة كل من الواهب و الموهوب له.
- إن الواهب ينقل كل ماله أو جزء منه بلا مقابل مما يترتب عليه افتقار الواهب و اغتناء الموهوب له.
- تنص المادة205 ق.أ: " يجوز للواهب أن يهب كل ممتلكاته أو جزء منها عينا أو منفعة أو دينا لدى الغير."، و الملاحظ على هذه المادة أن الهبة تختلف عن باقي عقود التبرع الأخرى كالعارية و الوديعة، كون الأولى تمليك عين أو منفعة أو حقوق شخصية أو عينية، و الثانية تقتصر فقط على تمليك منفعة.
- إن المشرع عندما عرف الهبة أغفل ذكر عبارة ( حال الحياة )، أي حال حياة كل من الواهب و الموهوب ل، إذ أن هذه العبارة هي التي تميز الهبة عن الوصية.
المطلب الثالث : أدلة مشروعية الهبة في الشريعة الإسلامية
الفرع الأول: من الكتاب و السنة
1- مـن الكتـــــاب : دل على مشروعية الهبة ما ورد في القرآن الكريم، منه قوله تعالى: { فإن طبن لكم عن شيء فكلوه هنيئا مريئا}(1)، و قوله: { و آتي المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل...}(2) ، و قوله أيضا: { و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي أن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين}(3)، و قوله عز و جل: { إن تبدوا الصدقات فنعما هي }(4) .
2- مـن السنـــــــة : ورد في السنة المطهرة أكثر من دليل على جواز الهبة: نخص منهم بالذكر ما روي عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: " كان النبي- صلى اله عليه و سلم- يقبل الهدية و يثب عنها"(5).
ما روي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: " قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: تهادوا تحابوا."(6)
(1) سورة النساء، الآية 04
(2) سورة البقرة، الآية177
(3) سورة الأحزاب، الآية50
(4) سورة البقرة، الآية275
(5)، (6) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص29،28
عن عمر- رضي الله عنه- قال: "حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه و ظننت أنه يبيعه برخص، فسألت النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: لا تشتره و لا تعد في صدقتك و إن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في هبته كالعائد في قيئه."(1)
ما روي عن علي- رضي الله عنه- قال:"أهدى كسرى لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقبل منه و أهدى إليه قيصر فقبل و أهدى له الملوك فقبل منها."(2)
فرع ثاني: من الإجماع و المعقول
1- مــن الإجـمـــــــاع : لقد أقر الصحابة- رضوان الله عليهم- الهبة و على رأسهم ما روي عن الصديق- رضي الله عليه- أنه قال للسيدة عائشة- رضوان الله عليها- "إني نحلتك جداد عشرين و سقا من مالي بالعالية، و إنك لم تكوني قبضتيه فإنه اليوم مال الوارث."(3) و ما روي عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنه قال:"من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه الصدقة فإنه لا يرجع فيها، إن لم يرض عنها."(4)
و تبعهم في ذلك الفقهاء و جموع المسلمين في شتى العصور بأن أقروا جواز الهبة و استحبابها بمختلف أنواعها ما لم تكن حرام.
2- مــن المعـقـــــول: إن ما ورد في القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة و إجماع الصحابة و الفقهاء يجعل الهبة ذات حكمة بالغة فمن شأنها غرس بذور المحبة و إزالة الضغينة و الحقد بين الواهب و الموهوب له و تحث على البر و الإحسان بين أمة الإسلام عملا بقوله تعالى: { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، كما أن الهبة صفة من صفات المولى عز و جل لقوله تعالى: { إنك أنت العزيز الوهاب}، و من عمل بها اكتشف صفة من أشرف الصفات لما فيها من استعمال الكرم و إزالة الشح عن النفس.
(1) عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام، تسيير العلام- شرح عمدة الأحكام- ، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى ألبان- مكة المكرمة- الرياض،د.ت، ص540.
(2) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص29.
(3) ،(4) د بدران أبو العينين بدران، المواريث و الوصية و الهبة في الشريعة الإسلامية و القانون و نصوص القوانين الصادرة بشأنها، مؤسسة شباب الجامعة للنشر و التوزيع، 1985 ، ص 217.
المبحث الثاني: مقومات عقد الهبة
المطلب الأول: الهبة عقد ما بين الأحياء
تنعقد الهبة بإيجاب و قبول كل من الواهب و الموهوب له أي تطابق إرادتهما دون أن يشوبها عيب من عيوب الرضا و هذا طبقا لنص المادة206 ق.أ، مما ينتج عنها انتقال ملكية العين الموهوبة في حياة كل منهما، و لا يجوز الرجوع في الهبة إلا في الحالة التي حددها المسرع و هي خاصة بحق الأبوين في الرجوع عن الهبة لولدهما و هذا طبقا لنص المادة211 ق.أ: " للأبوين حق الرجوع في الهبة لولدهما مهما كانت سنه إلا في الحالات التالية:
1)- إذا كانت الهبة من أحل زواج الموهوب له.
2)- إذا كانت الهبة لضمان قرض أو قضاء دين.
3)- إذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب ببيع، أو تبرع أو ضاع منه أو أدخل عليه ما غير طبيعته."
و هذا ما يميز الهبة عن الوصية، إذ الوصية تنعقد بإرادة الموصي المنفردة و يجوز لهذا أن يرجع فيها ما داما حيا، فلا تنتج الوصية أثرها إلا عند موته، أما رضا الموصى له بالوصية بعد موت الموصي فليس قبولا لإيجاب من الموصي، بل هو تثبيت لحق الموصى له في الموصى به حتى لا يكسب حقا بغير رضائه.(1)
و أخيرا فمادامت الهبة لا تنعقد إلا ما بين الأحياء، فإن أثر التصرف بها لا يمتد إلى ما بعد الموت كالهبة التي يعرفها القانون الروماني و لا يعرفها القانون الجزائري و المصري، فلا يجوز في هذين القانونين أن يعقد الواهب هبة أو يرجئ في الوقت ذاته نقل ملكية الموهوب إلى ما بعد موته فلا يستطيع أن يفعل ذلك إلا عن طريق الوصية التي يجوز له الرجوع فيها، و ذلك عندما يخشى الواهب دنو المنية منه في حالة مرض خطير أو أثناء
حرب فهبته لا تنتقل ملكية المال الموهوب فإذا مات الواهب انفسخت الهبة من تلقاء نفسها.(2)
(1) د.عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد،ج5، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان،1998، الطبعة الثالثة الجديدة، ص6.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص28.
المطلب الثاني: الهبة تصرف في مال بلا عوض
الهبة عقد من عقود التبرع بوجه عام إذ يتصرف الواهب في ماله بنية التبرع و بدون عوض، غير أن الهبة تتميز عن عقود التبرع الأخرى كالعارية و الوديعة كون الهبة تنقل ملكية الشيء الموهوب ساو كان عقارا أو منقولا كما يمكن أن تكون الهبة حق انتفاع أو حق استعمال أو حق ارتفاق و غير ذلك من الحقوق العينية الأصلية المتفرعة عن الملكية كما قال الدكتور السنهوري:" أن يكون الحق الموهوب هو حق الملكية في العقار أو المنقول بل يجوز أن يكون حق انتفاع أو استعمال أو حق سكني أو حف حكر أو حق ارتفاق، أو غير ذلك من الحقوق الأصلية المتفرعة عن الملكية."
أما عقود التبرع الأخرى كالعارية و الوديعة و الوكالة بدون أجر، و التبرع بأداء خدمة أو عمل آخر فالمتبرع يلتزم بأداء عمل أو الامتناع عن عمل.
و تشترك الهبة مع سائر التبرعات الأخرى في أنها تجعل الموهوب له يثري دون عوض و في أنها تقترن بنية التبرع، غير أنها تنفرد بخاصية هي أنها من أعمال التصرف، فالواهب يلتزم بنقل ملكية دون مقابل.
و لما كانت الهبة تصرف في المال فقد خرجت الكفالة العينية عن أن تكون هبة، و ذلك أن الكفيل العيني، و إن كان يتصرف في ماله بأن ينقل عينا مملوكة له برهن ضمانا لدين شخص آخر، إلا أنه لا يلتزم بنقل حق عيني أصلي لا إلى الدائن و لا إلى المدين و إذا نزعت ملكية العين المثقلة بالرهن وفاءا للدين، فإن الكفيل العيني له حق الرجوع على المدين بما وفاه من دينه، و إذا نزل عن هذا الحق فإنه يكون متبرعا، بحق الرهن الذي تنقل به
العين.(1) و يستفاد من نص المادة202ق.أ، أنه يجوز للواهب أن يشترط على الموهوب له القيام بالتزام معين حتى تنتقل العين الموهوبة إلى حيازته، على أن يكون هذا الشرط غير مخالف للنظام العام و الآداب العامة سواء اشترط ذلك لمصلحة الواهب أو لمصلحة الموهوب له أو لفائدة شخص أجنبي أو للمصلحة العامة. كما يجب ألا تكون قيمة العوض أكبر من قيمة العين الموهوبة، فإن كانت أكثر لا يلتزم الموهوب له سوى بقيمة العين الموهوبة فقط.
(1) د. السنهوري، المرجع السابق، ص10
المشرع الجزائري لم يورد نصوص تشريعية بل ترك الأمر لاجتهاد الفقهاء و فتح الباب على مصراعيه فبما يخص اشتراط الواهب العوض لمصلحته أو لمصلحة أجنبي أو للمصلحة العامة.
المطلب الثالث: نية التبرع
حتى تتحقق الهبة يجب أن يتوفر إلى جانب المقومات السالفة الذكر مقوم نية التبرع الذي يحتوي على عنصران:
العنصر المعنوي : و هو مسألة نفسية و العبرة فيه بما يقوم في نفس المتبرع وقت هل قصد التضحية من جانبه دون أن يقصد منفعة أو قصد من وراء تبرعه منفعة و ما عسى أن يقصده المتبرع من منفعة وراء تبرعه ل يدخل بطبيعة الحال في نطاق العقد و إلا كانت المسألة تتعلق بعوض الهبة لا بنية التبرع.(1)
العنصر المادي : هو انتقال العين الموهوبة من الواهب إلى الموهوب له دون مما ينتج عن ذلك افتقار من جانب الواهب و اغتناء من جانب الموهوب له، و العنصر المادي هو أساس التنظيم القانوني للهبة، حيث أن الهبة لا تقوم إلا بانتقال الحق المالي مهما كانت طبيعته أو قيمته و بتخلف هذا العنصر تنتفي الهبة و بالنظر إلى ما سبق فإن التصرف لا يعد هبة في الحالات التالية :
1- إذا كان الغرض من الهبة الوفاء بدين مدني أو طبيعي.
2- إذا كانت القصد من التصرف الحصول على منفعة أي كان نوعها أو كانت صورتها سواء كانت هذه المنفعة مادية أو أدبية.
3- إذا كان القصد من الهبة مجازاة الموهوب له مثل أن يعطي شخص من يقوم بخدمته مبلغا من المال مكافأة له نظير تفانيه في خدمته و إخلاصه في العمل. فإن ذلك لا يعد هبة لانتفاء نية التبرع و غير ذلك من التصرفات التي يراد بها المجازاة مقابل خدمة ما.
4- الأموال التي يتم صرفها كجزء من الأجر وفقا لما جرى به العرف و العمل.(2)
(1) د. السنهوري، المرجع السابق، ص15، من الهامش.
(2) د. محمد بن أحمد تقية ، المرجع السابق، ص32.
المطلب الرابع: الهبة عقد شكلي و عيني
عقد الهبة مثله مثل العقود الأخرى لا يجب أن يتوفر فيه التراضي فقط بل يجب أن ينصب في قالب معين و هذا ما نصت عليه المادة206ق.أ، و ذلك بتحرير الهبة في عقد رسمي على يد موظف مختص هو الموثق و زيادة على ذلك بجب تسليم العين الموهوبة إلى الموهوب له أي انتقالها إلى حيازته، و الشكلية أي الرسمية هي ركن أساسي في عقد الهبة المنصب على عقار.
أما في عقد الهبة المنصب على المنقول فهو يخضع لإجراءات خاصة إلى جانب الحيازة و الرضا و ل يشترط فيه الشكلية إذ أن الحيازة هي الركن الأساسي في هبة المنقول لابد من توافرها.
ويلاحظ أن الفقهاء المسلمين لا يتطلبون لانعقاد الهبة أن تحرر في ورقة رسمية و بناءا على ذلك يخالفون القوانين الحديثة. و ذلك لا ينبغي أن يعتبر مخالفة لمقاصد الشرع ما دامت مصلحة الواهبين تقتضي ذلك، لأن في تصرفاتهم خطرا كبيرا على مصالحهم و مصالح ورثتهم. خاصة و أن مقاصد الشريعة الإسلامية تقتضي متى و أين توجد المصلحة فثم شرع الله بالإضافة إلى أن لولي الأمر أن ينظم الأعمال بطريقة تحفظ حقوق الناس و
ترعى مصالحهم.(1)
و نظرا إلى أن تصرف الواهب خطير يتجرد به من ماله دون مقابل، و ضار في نفس الوقت به و ورثته من بعده فقد فرض المشرع هذه الشكلية فيه حتى يتسع الوقت للواهب فيتدبر أمر هذا التصرف فهل يمضي فيه أو ينثني عنه.(2)
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص37.
(2) د. السنهوري، المرجع السابق، ص20، من الهامش.
المبحث الثالث: التمييز بين الهبة و العقود المشابهة لها
المطلب الأول: التمييز بين الهبة و العقود الملزمة لجانب واحد
الفرع الأول: التمييز بين الهبة و الوصية
قبل التطرق إلى الفرق بين الهبة و الوصية وجب تعريف الوصية فقها و قانونا.فقد عرفها الحنفية بأنها: " تمليك مضاف إلى ما بعد الموت"(1)، و عرفها المالكية بأنها: " عقد يوجب حقا في ثلث عاقده يلزم بموته أو نيابة عنه".(2)
و عرفها الشافعية بأنها: " تبرع بحق مضاف و لو تقديرا لما بعد الموت و ليست تبرع بتدبير و لا تعليق عتق و إن التحق بها حكما".(3)
و عرفها الحنابلة بأنها:" الأمر بالتصرف بعد الموت".(4)
و عرفها المشرع الجزائري في الكتاب الرابع من قانون الأسرة بنص المادة 184:
" الوصية تمليك مضاف إلى بعد الموت بطريق التبرع"
الهبة تتفق مع الوصية في كونهما من عقود التبرع إلا أنهما يتميزان عن بعضهما في
جوانب أخرى و هي كالتالي :
1- الهبة تصرف حال الحياة، و الوصية تصرف مضاف إلى ما بعد الموت.(5) حيث أن عقد الهبة يلزم لإنشائه توافق إرادتي كل من الواهب و الموهوب له و انتفاء العين الموهوبة حال حياة كل منهما، بينما الوصية يجب أن تتوفر فيها إرادة الموصي فقط لأنها تصرف ملزم لجانب واحد و بالتالي تخرج من دائرة العقود و تنتقل ملكية العين الموصى بها بعد وفاة الموصي.
2- الأصل في الهبة امتناع الرجوع فيها إلا في الأحوال التي يجوز فيها الرجوع، بينما الوصية يصح فيها للموصي أن يرجع عن وصيته متى شاء ما دام على قيد الحياة وفقا للمادة 182 ق.أ(6) " يجوز الرجوع قي الوصية صراحة أو ضمنا، فالرجوع الصريح يكون بوسائل إثباتها و الضمني يكون بكل تصرف يستخلص منه الرجوع فيها."
(1)،(2)،(3)،(4)،(5) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص 32.
(6) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 38.
3- أوجب المشرع الجزائري الرسمية في هبة العقار و الإجراءات الخاصة في هبة المنقول تحت طائلة البطلان طبقا لنص المادة206ق.أ، بينما الوصية لا تلزم فيها الشكلية إلا بمناسبة الإثبات و بعد وفاة الموصي و انتقال الملكية إلى الموصى له طبقا لنص المادة 191 ق.أ: " تثبت الوصية:
1 بتصريح الموصى أمام الموثق و تحرير عقد بذلك.
2 و في حالة وجود مانع قاهر تثبت الوصية بحكم، و يؤشر به على الهامش أصل الملكية".
3- الهبة سواء في القانون أو في الشرع ليست مقيدة بقدر معين فيجوز أن ترد على مال الواهب كله، إلا إذا كانت في مرض الموت، فلا تنفذ إلا في حدود الثلث، بينما الوصية يلتزم أن تتقيد بالثلث من التركة دائما.
و من ثم تنفذ في حدود ثلث التركة و ما زاد عن الثلث تتوقف على إجازة الورثة، المادة 185 ق.أ(1): " تكون الوصية في حدود ثلث التركة، وما زاد على الثلث تتوقف على إجازة الورثة." و قد قال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "الثلث و الثلث كثير". بالإضافة إلى ذلك فإن الهبة قد تكون لوارث بينما الوصية فلا تكون أبدا لوارث لقوله عليه أفضل الصلة و السلام:" لا وصية لوارث".
الفرع الثاني: التمييز بين الهبة والإباحة
تعرف الإباحة على أنها الإذن بإتيان الفعل كيف شاء الفاعل.و يقصد علماء أصول الفقه بالإباحة ما خير فيه الشارع بين الفعل و الترك فلا هو مدح على الفعل و لا ذم على الترك. و ليس المقصود من الإباحة هنا الإباحة من الشارع كما يقصد علماء الأصول، لأن الإباحة على هذا النحو حكم شرعي، و إنما المقصود من الإباحة هي الإباحة من العباد، كأن يضع شخص مائدة كي يأكل منها من يأذن له في الأكل.(2)
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص39.
(2) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص31.
و الإباحة على هذا النحو تختلف عن الهبة في أمور هي:
1- أن الهبة عند الجمهور تتوقف على الإيجاب و القبول بخلاف الإباحة فهي تتوقف على الإذن من المالك.
2- يحق للموهوب له أن يتصرف في الشيء الموهوب بكل أنواع التصرفات بخلاف المباح له فهو يحق له أن يتصرف إلا في حدود ما أبيح.
3- أن الهبة لا تكون إلا ذاتا، بخلاف المباح فقد يكون ذاتا و قد يكون منفعة.(1) تشترك الهبة مع الإباحة في أن كلا منهما فيه تليك للأعيان بلا عوض دنيويو أنه يجوز الرجوع فيهما قبل القبض عند المالكية.(2)
الفرع الثالث: التمييز بين الهبة و العارية
لقد عرف الحنفية العارية بأنها:" تمليك المنافع بغير عوض".(3) وعرفها المالكية بأنها:" تمليك منفعة مؤقتة بلا عوض".(4) و عرفها الشافعية بأنها:" إباحة منفعة ما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه".(5) و عرفها الحنابلة بأنها:" الانتفاع بعين من أعيان المال".(6)
و تشترك الهبة و العارية في كونهما عقد من عقود التبرع، و أن المنتفع فيهما يثري على حساب الغير بدون مقابل و يختلفان عن بعضهما في الأوجه التالية :
1- المشرع الجزائري استلزم الرسمية في هبة العقار و الإجراءات الخاصة في هبة المنقول بينما العارية استلزم فيها تراضي الطرفين المتعاقدين دون الرسمية.
2- في الهبة يحق للموهوب له تملك الشيء الموهوب و الانتفاع به عكس العارية التي يحق فيها للمستعير الانتفاع بالعين المعارة دون تملكها.
3- الأصل في الهبة أن يكون القصد منها التبرع بلا عوض، و ذلك بمنح الموهوب له منافع يحرم الواهب نفسه منها، بينما العارية على خلاف ذلك لا يكون قصد المعير منها في الأصل إفادة المستعير، بل يكون المراد منها تحقيق مصلحة نفسية و حتى إذا كان المقصود منها التبرع فإنها لا تكون هبة و ذلك لضآلة منفعة المتبرع بها، بالإضافة أن الدافع إليها في الكثير من الأحوال مراعاة حسن الجوار و المجاملة بين الناس.(7)
(1) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص32.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص41.
(3)،(4)،(5)،(6) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص33.
(7) د.محمد كامل مرسي باشا، المرجع السابق،ص18.
الفرع الرابع: التمييز بين الهبة و الوقف
قبل أن نعرج على الفرق بين الهبة و الوقف وجب أن نتوقف عند معنى الوقف. فقد عرفه الحنفية بأنه:" حبس العين على ملك الواقف و التصديق بالمنافع".(1)
و عرفه المالكية بأنه:" إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازما بقاؤه في ملك معطيها و لو تقديرا".(2) وعرفه الشافعية بأنه:" حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع تصرف في رقبته على مصرف مباح".(3) و عرفه الحنابلة بأنه:" تحبيس الأصل و تحبيس المنفعة".(4)
يظهر وجه الشبه بين الهبة و الوقف في أن كليهما عقد من عقود التبرع حيث أن مال الواهب يخرج إلى ملك الموهوب له أما الواقف فيخرج ماله من ملكه و يحبس العين على ملك الواقف.
و الفرق بينهما يتبين فيما يلي:
1- الهبة ترد على الذات أما الوقف فيرد على المنفعة.
2- أن الهبة يفسدها التوقيت، بخلاف الوقف فيجوز توقيته عند بعض الفقهاء.(5)
3- أن الهبة تؤدي إلى زوال ملك الواهب، بخلاف الوقف إذ يبقى الموقوف على ملك
الواقف، و قيل: ينتقل الملك بالوقف إلى الله تعالى.(6)
المطلب الثاني : التمييز بين الهبة و العقود الملزمة لجانبين
الفرع الأول: التمييز بين الهبة و البيع
قد يتخذ البيع ستارا للهبة، فيذكر فيه عوضا على أنه ثمن ثم يهب البائع الثمن للمشتري مثل هذا العقد في طبيعته هبة مكشوفة، بمعنى أن نية التبرع واضحة في العقد. و البيع يكون دائما في بمقابل، في حين أن الهبة تتم بدون مقابل. إذ هذا الأخير هو الذي يميز هذين العقدين، إلا أنه قد تكون الهبة بمقابل أي بعوض. فالسؤال المطروح هنا، كيف نميز بينهما ؟
(1)،(2)،(3)،(4) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص35.
(5)،(6) نفس المرجع، ص36.
هناك رأي يذهب في هذه الحالة إلى التفرقة بناءا على نية التبرع، فإذا توفرت النية لدى العاقد، فهنا العقد هبة دون النظر إلى المقابل و لو كان كبيرا.
لكن هناك رأي أخر يذهب إلى الاعتداد بالمقابل فإذا كان هذا الأخير مساويا لقيمة الشيء المبيع، فهنا نكون بصدد عقد بيع، وإذا كان المقابل أقل من قيمة الشيء المبيع، فالعقد هبة. أما إذا كان المقابل أكبر من قيمة الشيء المبيع فنكون بصدد عقد بيع. و هذا الرأي الموضوعي الأخير ينتقد فكرة النية التبرعية لأنه من الصعب استنتاجها.(1)
الفرع الثاني: التمييز بين الهبة و الإيجار
فالهبة هي تمليك مال بلا عوض بقصد التبرع، بينما عقد الإيجار ينشئ التزامات شخصية في جانب كل من المؤجر و المستأجر و لا يرتب حقا عينيا في الشيء المؤجر، ويترتب على ذلك أن الإيجار هو عقد ملزم لجانبين و أنه من عقود المعاوضات و ينقل ملكية الشيء المؤجر لمدة محدودة مقابل أجر، و عنصر الزمان فيه عنصر جوهري و لذا فهو عقد مؤقت. فبمقتضاه ينشأ ارتباط بين الأجرة و المدة، فالمدة هي مقياس الانتفاع بالشيء المؤجر،
و الأجرة فيه مقابل الانتفاع و الهبة عقد الشكلية فيه واجبة إذا وقع على عقار أو منقول يتطلب إجراءات خاصة، بينما عقد الإيجار عقد رضائي لا يتطلب فيه الشكلية، و هو من عقود الإدارة، لا من عقود التصرف.(2)
(1) أ. زاهية سي يوسف، عقد البيع، دار الأمل للطباعة و النشر و التوزيع، الجزائر، الطبعة الثالثة،2000، ص 18، 19.
(2) د. السنهوري، المرجع السابق، ص4-5.
المبحث الرابع : موازنة بين الهبة في الشريعة و الهبة في القانون
المطلب الأول: من حيث التعريف
مما سبق نرى أن المذاهب الأربعة اتفقوا على أن الهبة هي تمليك عين أو منفعة بلا عوض، غير أننا نلاحظ أن كل من المذهبين الحنفي و المالكي أغفلوا ذكر عبارة "حال الحياة"، بينما أبرزها المذهبين الشافعي و الحنبلي، حيث ذكروا عبارة "حال حياة كل من الواهب و الموهوب له".
إن المشرع الجزائري في قانون الأسرة و خاصة في باب الهبة قد تماشى و مبادئ الشريعة الإسلامية السمحاء لارتباطه الوثيق بها و لتمسك شعبه بالإسلام في تقاليده و أخلاقه و قيمه، فكان لابد على المشرع أن يربط حاضر الأسرة الجزائرية بماضيها الزاخر بالعلم و المعرفة و يختار ما يساير العصر و يضاهي التطور، ويضبط علاقات الأسرة برباط المحبة و الود و البر و الإحسان و المعروف و التبرع و فعل الخير عن طريق الهبة. تعريف الهبة الوارد في نص المادة202 من قانون الأسرة مستمد من الفقه المالكي و على الأخص مأخوذ من مختصر جليل بن إسحاق لحرفيته.(1)
وبتماشي المشرع مع الفقه المالكي لم يبرز عنصر إتمام الهبة بين الأحياء و لكنه استدرك ذلك في نص المادة206 ق.أ بقوله: ".......بإيجاب و قبول......". مما تعني حال حياة كل من الواهب و الموهوب له.
المطلب الثاني: من حيث المقومات
الهبة على اتفاق كل من الشرع و القانون خاصة المذاهب الأربعة: الحنفية، المالكية، الشافعية و الحنبلية و المشرع الجزائري في نصوص قانون الأسرة اعتبروها تصرف في مال بلا عوض سواء وردت على نقل ملكية أو منفعة، مع توفر نية التبرع في الواهب.
إلا أن المذاهب الأربعة اختلفت فيما يخص مقوم أن الهبة عقد ما بين الأحياء حيث أبرزها كل من المذهب الشافعي و الحنبلي و أهملها ، كل من المذهب الحنفي و المالكي.
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص303.
أما فيما يخص مقوم الهبة عقد شكلي و عيني فقد ألزم المشرع الجزائري تحرير الهبة في عقد رسمي إذا انصبت على عقار وأما إذا انصبت على منقول فيجب إتباع الإجراءات الخاصة طبقا لنص المادة206 ق.أ، و بتخلف الشكلية تكون الهبة باطلة عكس المذاهب الأربعة مجتمعة التي لم توجب الرسمية في الهبة نظرا لطبيعة المعاملات السائدة آن ذاك،
من تشجيع الناس على المحبة و الود ونشر أواصل الأخوة بينهم و مساعدة بعضهم البعض، وذلك بتسهيل المعاملات و حث المسلمين على القيام بالأفعال التي تشد حبل الود فيما بينهم، وتقربهم إلى الله عز وجل، و لهذه الأسباب مجتمعة كان ذلك العصر لم يعرف نظام التوثيق ونظام الشهر العقاري، و كانت تقتصر الشكلية في الهبة على القبض أي انتقال العين الموهوبة إلى حيازة الموهوب له.
الفصل الثاني أركان عقد الهبة
المبحث الأول: الـتـــــــــراضــــــــي
المطلب الأول: شروط الانعقاد
الفرع الأول: الإيجاب و القبول
تسري القواعد العامة المقررة في نظرية العقد في تطابق الإيجاب و القبول في عقد الهبة فيجب أن يصدر الإيجاب من أحد المتعاقدين يقبله المتعاقد الآخر و أن يكون القبول مطابقا للإيجاب، و يجوز أن تنعقد الهبة بين غائبين فتتم في الزمان و المكان الذين يصل فيهما القبول إلى علم الموجب، و يعتبر وصول القبول إلى الموجب قرينة على علمه به إلى أن يثبت العكس(1).
فالإيجاب هو تعبير عن الإرادة بغية التعاقد تعبيرا باتا و جازما و يتضمن الشروط و المسائل الجوهرية للتعاقد و قد يكون موجها لشخص بعينه و قد يكون موجها للجمهور. أما القبول فهو تعبير عن الإرادة صادر ممن وجه له الإيجاب و هذا التعبير يتضمن الموافقة على الإيجاب الموجه دون زيادة أو إنقاص للشروط و المسائل التي تضمنها الإيجاب و يكون التعبير عن القبول صراحة أو ضمنا أو عن طريق السكوت.
و يجب أن يكون القبول مطابقا للإيجاب بحيث لا يعدل منه أو يقيد منه أو يزيد عليه وإلا اعتبر إيجابا جديدا وفق ما تنص عليه المادة66 ق.م بقولها:" لا يعتبر القبول الذي يغير الإيجاب إلا إيجابا جديدا"، و تؤكد ذلك القواعد العامة و الخاصة(2). و القبول ككل تعبير عن الإرادة لا ينتج أثره إلا في الوقت الذي يتصل فيه بعلم الواهب و يعتبر وصوله إلى الواهب قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس ذلك(3). و للواهب أن يرجع عن هبته قبل وصول القبول إلى علمه و معنى هذا أن لا أثر للقبول إلا في الوقت الذي يتصل فيه بعلم الواهب و على ذلك كان للواهب قبل وصول قبول
الموهوب له إلى علمه أن يتصرف في المال الموهوب، و أن ينقله برهن نحوه و تنفذ هذه التصرفات في حق الموهوب له بعد قبول الهبة(4).
(1) د. السنهوري، المرجع السابق، ص28.
(2) د. علي علي سليمان، النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، طبعة1998، ص 28.(3) أنور العمروسي، العقود الواردة على الملكية في القانون المدني ، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، ظبعة2002، ص 320.
(4) د. بدران أبو العينين بدران، المرجع السابق، ص219.
و إذا مات الواهب أو فقد أهليته قبل أن يصدر الإيجاب إلى علم الموهوب له فإن ذلك لا يمنع من اتصال الإيجاب بعلم الموهوب له و قبوله للهبة و لكن القبول لا ينتج أثره إلا إذا وصل إلى علم الواهب و هذا إذا مات أو فقد أهليته يستحيل عليه القبول و من هنا لا تتم الهبة(1).
أما إذا الموهوب له أو فقد أهليته قبل أن يصدر منه القبول و لكن بعد أن صدر إيجاب الواهب فإن الهبة لا تتم لأن الإيجاب لم يلاقي شخصا يقبله إذ الهبة أمر خاص بشخص الموهوب له فلا تحل ورثته محله في القبول(2).
فأما في حال موت الموهوب له أو فقده أهليته بعد صدور القبول منه، ولكن قبل أن يصل هذا القبول إلى علم الواهب فإن القبول يبقى قائما و ينتج أثره إذا اتصل بعلم الواهب فتتم الهبة بالرغم من موت الموهوب له و يجوز قانونا صدور الهبة من غير الشخص الموهوب له فيصدر من النائب نيابة قانونية كالولي و الوصي و القيم(3).
الفرع الثاني: هل الهبة عقد؟
1- في التشريع الجزائري: بالرجوع إلى التشريع الجزائري نجد أنه لم يذكر في تعريفه للهبة بأنها عقد و لم ينص على ذلك صراحة و إنما يمكن أن نستخلص من نص المادتين 202،206 من قانون الأسرة أن المشرع اعتبر الهبة عقدا و ذلك أنه اشترط في الهبة أن تنعقد بالإيجاب و القبول و هما ركنان أساسيان في أي عقد سواء كان عقد هبة أو غيره وبناء على ذلك فإن الهبة في واقع الأمر تعتبر عقدا كسائر العقود باعتبار أنه يشترط
في إنشائها و تكوينها ما يشترط في كل عقد من رضا و محل و رسمية(4).
2- في الفقه الإسلامي :
فـي الـفـقـــه الـحـنـفـي: الهبة تنعقد بالإيجاب و حده إلى هذا ذهب الحنفية عدا الإمام زفر(5).
(1) د. بدران أبو العينين بدران، المرجع السابق، ص 220.
(2) أنور العمروسي، المرجع السابق، ص 320.
(3) د. بدران أبو العينين بدران، المرجع السابق، ص 220.
(4) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص58.
(5) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص39.
حيث أن ركن الهبة عندهم هو الإيجاب و القبول قياسا لأنه عقد كالبيع، و كذا القبض ركن كما في المبسوط ، لأنه لابد منه لثبوت الملك ، بخلاف البيع ، و استحسانا عند الكاساني و بعض الحنفية: ليس القبول من الموهوب له ركنا و إنما الركن فقط الإيجاب من الواهب لأن الهبة في اللغة عبارة عن مجرد إيجاب المالك من غير شرط القبول، و إنما القبول لثبوت ركنها أي الأثر المترتب عليها و هو نقل الملكية. وفائدة الاختلاف تظهر في من حلف
لا يهب هذا الشيء لفلان فوهبه منه فلم يقبل ، يحنث استحسانا ولا يحنث قياسا وأكثر شراح الحنفية على أن الهبة تتم بالإيجاب وحده في حق الواهب وبالإيجاب و القبول في حق الموهوب له لأن الهبة عقد تبرع، فيتم بالمتبرع كالإقرار و الوصية، لكن لا يملكه الموهوب له إلا بالقبول و القبض(1).
فـي الـفـقــه الـمـــالـكــي : يرى فريق من فقهاء هدا المذهب أن الهبة تملك بالإيجاب والقبول أما قبضها فليس بشرط في تملك بالإيجاب و القبول، أما قبضها فليس بشرط في تمليك الموهوب على المشهور، فإذا قال المالك وهبت هذه الدار لفلان و قبلها، أصبحت الدار مملوكة له، بحيث لا يصح للواهب الرجوع فيها بعد ذلك، و إذا امتنع عن تسليمها و لو برفع الأمر للحاكم أي القضاء(2).
و جاء في البداية : 'و أما الهبة فلا بد فيها من الإيجاب و القبول من الجميع.'(3) و يرى بعض المالكية أنه يشترط في تمام الهبة القبض و الحيازة، فإن عدم القبض فإنها لا تلزم و إن كانت صحيحة، و يجوز تأخير القبول عن الإيجاب، فإذا وهب دارا فسكت عن قبولها ثم قبلها بعد ذلك فإن له ذلك.
(1) د.وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي و أدلته، ج 5، دار الفكر، الجزائر، الطبعة الأولى، 1991، ص 7.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص65.
(3) الإمام القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي(الشهير بن الرشد الحفيد)، بداية المجتهد و نهاية المقتصد، ج 2، دار الفكر،د.ت، ص 329.
و يرى بعض المالكية أنه يشترط في تمام الهبة القبض و الحيازة، فإن عدم القبض فإنها لا تلزم و إن كانت صحيحة، و يجوز تأخير القبول عن الإيجاب، فإذا وهب دارا فسكت عن قبولها ثم قبلها بعد ذلك فإن له ذلك(1). و في رأي آخر للفقهاء المالكيين، و في مقدمتهم الإمام مالك: ينعقد بالقبول و يجبر على القبض كالبيع سواء، فإذا تأن الموهوب له في طلب القبض حتى أفلس الواهب أو مرض بطلت الهبة(2).
و في هذا الصدد جاء في كتاب البداية: 'فمالك القبض عنده في الهبة من شروط التمام و لا من شروط الصحة.'(3)
فـي الـفـقــه الـشـــافـعـــي : أن المذهب الشافعي يعرف الهبة بالقول:" التمليك بلا عوض هبة" و هو يعني أن التمليك بعين بلا عوض في حال الحياة تطوعا هبة، فخرج بالتمليك العارية و الضيافة، و بالعين الدين و المنفعة، و بنفي العوض ما فيه عوض كالبيع، و بالحياة الوصية لأن التمليك فيها إنما يتم بالقبول و هو بعد الموت، و الواهب من زكاة و كفارات و نحوهما.
و شروط الهبة في المذهب إيجاب و قبول، لفظا، ولا يشترطان في الهدية على الصحيح. بل يكفي البعث من هذا و القض من ذاك، و في المذهب كذلك لا يشترط الإيجاب و القبول في الهدية على الصحيح و لو في غير المطعوم، بل يكفي البعث من هذا- أي المهدي- و يكون كالإيجاب، و القبض من ذاك – أي المهدي إليه- و يكون كالقبول كما جرى الناس عليه في الإعصار.
و قد أهدى الملوك إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- الكسوة و الدواب و الجواري، و في الصحيحين: ( كان الناس يتحرون بهدياتهم يوم عائشة - رضي الله عنها-) و لم ينقل إيجاب و لا قبول، و أما الصدقة فلا اشتراط فيها بلا خلاف(4).
(1) عبد الرحمن الجزيري، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة،ج3، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة السادسة، ب. ت، ص298.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 65.
(3) أبو وليد القرطبي، المرجع السابق، ص 326.
(4) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 67،66.
فــي الـفـقـــه الـحـنـبـلــي : قال ابن قدامى المقدسي الحنبلي في مسألة الهبة : و تحصل الهبة بما يتعارفه الناس هبة من الإيجاب و القبول، و المعاطاة المقترنة بما يدل عليها.
و تصح بالمعاطاة المقترنة بما يدل عليها و إن لم يحصل إيجاب أو قبول و أضاف قائلا: ذكر القاضي و أبو الخطاب أن الهبة و العطية لابد فيهما من الإيجاب و القبول و لا تصح بدونه سواء وجد القبض أو لم يوجد، و هو أكثر أصحاب الشافعي، لأنه عقد تمليك فافتقر إلى الإيجاب و القبول كالنكاح و الصحيح أن المعطاة و الأفعال الدالة على الإيجاب و القبول كافية، و لا يحتاج إلى لفظ اختاره ابن عقيل، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم- كان
يهدى إليه و يعطى و يفرق الصدقات و يأمر سعاته بأخذها و تفريقها، و كان أصحابه يفعلون ذلك و لم ينقل عنهم في ذلك إيجاب و لا قبول و لا أمر به و لا تعليمه لأحد، و لو كان ذلك شرطا لنقل عنهم نقلا مشتهرا, و روي أبو هريرة أن النبي – صلى الله عليه وسلم- كان إذا أتى بطعام يسأل عنه فإن قال صدقة قال لأصحابه كلو و لم يأكل، و إن قالوا هدية ضرب بيده و أكل معهم و لا خلاف بين الفقهاء فيما علمنا في أن تقديم الطعام بين يدي الضيفان الإذن في أكله أن ذلك لا يحتاج إلى إيجاب و لا إلى قبول و لأنه وجد ما يدل على التراضي بنقل الملك فاكتفى به كما لو وجد الإيجاب و القبول، قال لبن عقيل: إنما يشترط الإيجاب مع الإطلاق وعدم العرف القائم من المعطي له و المعطي لأنه إذا لم يكن عرف ما يدل على الرضا فلابد من قول دال عليه. أما مع قرائن الأحوال و الدلائل فلا وجه لتوقفه على اللفظ(1).
المطلب الثاني : شروط الصحة
الفرع الأول: الأهلية في عقد الهبة
يعنى بالأهلية في عقد الهبة عناية خاصة، فيفرق بين أهلية الواهب و أهلية الموهوب له و يتشدد القانون في أهلية الواهب فيتطلب أهلية كاملة للتبرع باعتبار أنها أقوى من أهلية
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 69، 70.
التصرف لأن الواهب يقوم بعمل ضار به ضررا محضا و على النقيض من ذلك يخفف القانون من أهلية الموهوب له فلا يشترط فيه حتى أهلية التصرف بل يكفي فيه التمييز لأنه يقوم بعمل نافع له نفعا محضا(1).
I. الشروط الواجب توافرها في الواهب :
في التشريع الجزائري:
يستخلص من نص المادة203ق.أ"يشترط في الواهب أن يكون سليم العقل، بالغا تسع عشرة (19) سنة و غير محجور عليه." أنه يجب توافر الشروط التالية في الواهب:
- أن يكون سليم العقل غير مجنون ولا معتوه لأن كليهما لا يستطعان التعاقد لانعدام التمييز لديهما و بالتالي التصرفات الصادر منهما تكون باطلة بطلنا مطلقا.
- أن يكون بالغ سن الرشد و ذلك ببلوغ19 سنة كاملة طبقا لنص المادة40ق.م:" كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، و لم يحجر عليه، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية. و سن الرشد تسعة عشر(19) سنة كاملة."
- أن يكون غير محجور عليه لسفه أو غفلة.
في الفقه الإسلامي :
* فـي الـفـقــــه الـحـنـفـــي :
- أن يكون حرا فلا تصح هبة الرقيق.
- أن يكون عاقلا غير محجور عليه، فلا تصح هبة المجنون و المحجور عليه.
- أن يكون بالغا فلا تصح هبة الصغير( سن البلوغ عند الحنفية هو 18 سنة للفتى و 17 سنة للفتاة).
- أن يكون مالكا للموهوب له فلا تصح هبة ما ليس بمملوك(2).
(1) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 97.
(2) عبد الرحمن الجزيري، المرجع السابق، ص 294.
* فـي الـفـقـــه الـمـالـكـــي :
- أن لا يكون محجورا عليه لسفه أو صغر فتبطل هبة السفيه و المحجور عليه أساسا ( و سن البلوغ عند المالكية هو 17 سنة للفتلة و الفتى).
- أن لا يكون مدينا بدين يستغرق كل ماله و هبته وإن كانت تصح إلا أنها تقع موقوفة على إجازة رب الدين فإن أجازها فإنها تنفذ فهذا شرط لنفاذها.
- أن لا يكون مجنونا و لا سكرانا فلا تصح هبتهما.
- أن لا يكون زوجة فيما زاد عن ثلث مالها.
- أن لا يكون مريض مرض الموت فيما زاد عن الثلث، فإذا وهب المريض زيادة على ثلث ماله انعقدت هبة موقوفة على إذن الوارث(1).
* فـي الـفـقـــه الـشـافـعـــي:
يشترط في الواهب أن يكون مالكا حقيقيا أو حكما و الملك الحكمي هو كملك صوف الأضحية الواجبة بالنذر فإنها و إن كانت خرجت عن ملكه بالنذر إلا أن له بها اختصاص فيصبح له أن يهب صوفها(2).
* فـي الـفـقــــه الـحـنـبـلــي:
اشترط في الواهب أن يكون جائز التصرف فلا تصح من سفيه و لا صغير و لا عبد و نحوهم كسائر التبرعات، فإذا وهب الصغير أو السفيه فلا تصح هبتهما و إن أجازها الولي أما العبد فتجوز هبته بإذن سيده(3).
الشروط الواجب توافرها في الموهوب له :
في التشريع الجزائري :
اشترط القانون في الموهوب له أن يكون موجودا حقيقية أو يكون موجودا حكما كالجنين في بطن أمه و هذا طبقا لنص المادة209 ق.أ: "تصح الهبة للحمل بشرط أن يولد حيا." و يشترط التمييز لدى الموهوب له أي الصبي المميز و السفيه و ذو الغفلة فهؤلاء
(1).(2)،(3) عبد الرحمن الجزيري ، المرجع السابق، ص 296، 299، 300.
الأشخاص أهلا لقبول و قبض الهبة دون إذن من الولي أو القاضي إذا كانت تعود عليهم بالمنفعة، أما إذا اقترنت الهبة بشرط و التزامات فتتوقف على إقرار الولي أو القاضي طبقا لنص المادة 83 ق.أ: "من بلغ سن التمييز و لم يبلغ سن الرشد طبقا للمادة(43) من القانون المدني تكون تصرفاته نافذة إذا كانت نافعة له، و باطلة إذا كانت ضارة به و تتوقف على إجازة الولي أو الوصي فيما إذا كانت بين النفع و الضرر، و في حالة النزاع يرفع الأمر
للقضاء."، عكس عديم التمييز و المجنون و المعتوه و الجنين فيقبضها نيابة عنهم الولي أو الوصي أو القيم. أما بالنسبة للبالغ الرشيد فله أهلية قبول الهبة دون إذن من أحد حتى لو كانت مقترنة بشروط أو التزامات.
في الفقه الإسلامي :
* فــي الـفـقــه الـحـنـفـــي: تصح الهبة للصغير و نحوه، ثم إن كان الواهب يعول الصغير كالأخ و العم عند عدم الأب فإن الهبة تتم بالإيجاب وحده، أما إذا وهب له أجنبي فإن الهبة لا تتم إلا بقبض الولي و هو أربعة: الأب ثم وصيه، ثم الجد، ثم وصي الجد. و عند عدم وجود أحدهم تتم بقبض من يعوله كعمه و أمه و أجنبي، فإن كان الصبي مميزا فإنها تتم بقبضه هو و لو مع وجود أبيه لأنها من مصلحته(1).
* فــي الـفـقـــه الـمــالـكــي : رأى الإمام مالك و أصحابه أن الهبة جائزة لكل من الجنين و المعدوم، فمن وهب لحمل مالا، و التزم له شيئا من المعروف، كل ذلك صحيح لازم و يوقف ذلك الشيء، فإن ولد حيا و عاش كان ذلك له، و إن استهل صارخا ثم مات كلن لورثته، و إن خرج ميتا أو انفش الحمل بقي الشيء على ملك صاحبه، و كذلك تصح الهبة للمعدوم، فمن التزم لمن سيوحي بشيء، صح الالتزام إذا وجد الملتزم حيا صحيحا غير مدين بدين محيط، و كان الشيء الملتزم له به بيده لم يفوته، كما لو قال الواهب إن
(1) عبد الرحمن الجزيري، المرجع السابق، ص 294، 295.
ظهر لفلان ولدا فهذه الدار له، أو هذا الفرس له و غير ذلك، فإن إرادة الملتزم تفويته ببيع أو غيره قبل وجود الملتزم له، فالظاهر من مذهب مالك أن له ذلك، و من رأي ابن القاسم ليس له أن يبيع حتى ييأس من الولد الموهوب له(1).
* فــي الـفقــــه الـشـــافـعــي : يشترط في الموهوب له أن يكون أهلا للتملك، و هل يكفي في ذلك التمييز بحيث لو أهدى رجل بالغ صبيا مميزا شيئا و قبله تصح الهبة، و يملكه الصغير أو لا؟ و الجواب إن الصغير لا يملك بالقبول و لكن لا يحرم الدفع له إلا إذا قامت قرينة بأن الولي لا يرضيه ذلك خوفا من تعويد الصبي على التسفل و الدناءة، فإن كان ذلك فإنه يحرم إعطاء الصبي شيئا بدون رضا وليه.
و تصح الهبة للمحجور عليه و يقبض له وليه أو الحاكم إن لم يكن له ولي، أما الأب و الجد فإنهما لا يعزلان على الولاية لعدم قبولهما الهبة. و لابد من ملك الهبة من القبض فإذا وهب الجد أو الأب ابنه الصغير شيئا لا يملكه إلا إذا قبضه عنه و طريقة قبضه أن ينقله من مكان إلى آخر(2).
* فــي الـفـقـــه الـحـنـبـلــي : و يشترط في الموهوب له أن يكون أهلا للتصرف فلا يصح قبول الهبة من الصغير و لو كان مميزا كما لا يصح قبضه للهبة و مثله المجنون فيقبض و يقبل لهما وليهما، فالأب العدل و لو ظاهرا يقوم مقامهما فإن، لم يوجد لهما ولي أو وصي يقبل عنهما الحاكم أو من يقيمونه مقامهم و عند عدم الأولياء يقبض لهما من يليهم أو قريب(3).
الفرع الثاني: عيوب الرضا في عقد الهبة
1) الغلط في عقد الهبة : الغلط قانونا هو وهم يحدث في ذهن الشخص يدفعه للتعاقد، و في الفقه هو اعتقاد خلاف الحقيقة و الواقع يدفع صاحبه للتعاقد و هو مصطلح يدخل في مجال العقد و يعتبر عيبا من عيوب الرضا، و هو يحتسم بالجانب النفسي و قد نصت عليه المواد من 81 إلى 85 ق.م و تتمثل شروطه فيما يلي :
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 111
(2)،(3) عبد الرحمن الجزيري، المرجع السابق، ص 299، 300.
- أن يكون الغلط الذي يعيب الإرادة و جعل العقد قابل للإبطال واقعا في صفة جوهرية في الشيء أو في شخص المتعاقد إذا كانت شخصيته محل اعتبار و هذا طبقا لنص المادة81 ق.م: " يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد، أن يطلب إبطاله."
- أن يكون الغلط جوهريا أي أن يكون دافعا للتعاقد و أن يكون الغلط جسيما بحيث لو علم المتعاقد بحقيقة الأمر لما أقدم على التعاقد، و هذا ما نصت عليهالمادة82 ق.م في تعريفها للغلط الجوهري:" يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حدا من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط.
و يعتبر الغلط جوهريا على الأخص إذا وقع في صفة للشيء يراها المتعاقدان جوهرية، أو يجب اعتبارها كذلك نظرا لشروط العقد و لحسن النية.
إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته، و كانت تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد."
و يلاحظ أن الدكتور علي علي سليمان صحح عبارة الفقرة الثانية( نظرا لشروط العقد و حسن النية) بقوله: ( نظرا للظروف التي أبرم فيها العقد و لحسن النية الذي يجب أن يسود التعامل) على ضوء نصها الفرنسي و النص المصري و طبقا لهذا النص فالقانون المدني الجزائري، كالقوانين العربية الأخرى قد أخذ بمعيار ذاتي في الغلط، و ترك المعيار المادي الذي كان سائدا لدى الفقه الفرنسي القديم متأثرا فيه برأي الفقه الفرنسي القديم بوتييه(1).
إن المعيار الذاتي الذي يرجع إليه لتحديد ما إذا كان الغلط جوهريا هو ما إذا كان الغلط قد بلغ حدا من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط، فالعبرة إذا في جسامة الغلط هي التي تكون كذلك في نظر المتعاقد الذي وقع في الغلط، فالمهم هو إذا ما يرجع إلا اعتبار المتعاقد(2).
(1) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 56.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 129.
فالهبة عقد من عقود التبرع، و الغلط في شخصية المتعاقد في عقود التبرع دائما محل اعتبار و يجعل العقد قابلا للإبطال، فإذا وهب شخص إلى شخص آخر يعتقد أنه محمد إذا هو أحمد كان هناك غلط في شخصية الموهوب له يجعل الهبة قابلة الإبطال، و قد يقع الغلط في صفة الموهوب له فقط، كما إذا وهب له و هو يعتقد أن هنالك علاقة قرابة بينهما ثم ظهر أنه لا قرابة بينهما(1).
كما يستفاد من نص المادة83 ق.م: " يكون العقد قابلا للإبطال لغلط في القانون إذا توفرت فيه شروط الغلط في الواقع طبقا للمادتين81 و82 ما لم يقض القانون بغير ذلك".
إن الغلط في القانون يجعل العقد قابلا للإبطال كالغلط في الواقع تماما بشرط أن يكون جوهريا أي بلغ حدا من الجسامة بحيث لولاه ما أبرم المتعاقد(2).
ومثال الغلط في القانون في مجال عقد الهبة قيام شخص بهبة لزوجة طلقها طلاقا رجعيا و انتهت عدتها، و هو يعتقد أنها مازالت في العدة، و بالتالي يستطيع أن يرجعها، يعد غلطا في القانون يجعل الهبة قابلة الإبطال(3). و أخيرا يلاحظ بوجه عام أن معيار الغلط في الهبة أخف من معياره في البيع لأن الهبة عقد تبرع فجسامة الغلط فيه قد لا يرقى إلى جسامته في عقد البيع(4).
2) التدليس في عقد الهبة : تنص المادة86 ق.م على التدليس بقولها: " يجوز إبطال العقد للتدليس إذا كانت الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو النائب عنه، من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد. و يعتبر تدليسا السكوت عمدا عن واقعة أو ملابسة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان
ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة."
فالتدليس هو غلط يقوم لدى المتعاقد نتيجة استعمال وسائل احتيالية من طرف المتعاقد الآخر و تدفعه للتعاقد.
(1) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 57.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 131.
(3) د. علي علي سليمان، المرجع السابق،ص 59.
(4) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 131.
فهو إذن يفترض قيام عنصرين: عنصر مادي: وهو استعمال حيل، و عنصر شخصي: وهو أن تكون هذه الحيل من الجسامة بحيث لولاها ما أبرم المدلس عليه العقد(1).
و الحيل وسائل أو مظاهر خداعة، مثل إبراز أوراق مزورة أو التظاهر باليسار، أو كتابة منشورات أو إعلانات كاذبة. وليس من اللازم أن تبلغ الحيل في التدليس ما يشترطه القانون الجنائي في النصب من أن تكون الحيل مادية، و أن تأخذ مظهرا خارجيا، بل يكفي أن تكون الحيل من شأنها أن تحمل المدلس عليه على التعاقد، و لو كان مجرد كذب أو كتمان للحقيقة(2).
و لكن قد يكون الكذب وحده كافيا إذا كان المدلس عليه لم يكن يستطيع اكتشافه و كان هو الدافع إلى التعاقد، و لولاه ما أبرم المدلس عليه العقد(3).
و التدليس بمختلف الطرق الاحتيالية و أساليب الخداع هو أثر تأثيرا في الهبة منه في عقود المعاوضات، فأي طريق من الطرق الاحتيالية يدفع الواهب إلى الهبة يكفي لإفساد رضائه فلو أوعز الموهوب له صدر الواهب على ورثته بأكاذيب يختلقها فدفعه بذلك إلى أن يهب له شيئا من ماله ليحرم منه الورثة، كان هذا التدليس يجيز للواهب حتى و لو لم يكن يستطيع الرجوع في الهبة، أن يطلب إبطالها للتدليس(4). و كذلك إذا كتم الموهوب له عن الواهب أمورا لو علم لما اندفع إلى الهبة كان هذا تدليسا من الجسامة بحيث لولاه ما أبرم المدلس عليه العقد، فإنه يجوز له المطالبة بإبطال
العقد للتدليس، هذا هو الحكم الذي يستخلص من نص المادة86 ق.م(5).
كما تنص المادة 87 ق.م على التدليس الواقع من غبر المتعاقدين بقولها:" إذا صدر التدليس من غير المتعاقدين، فليس للمتعاقد المدلس عليه أن يطلب إبطال العقد، ما لم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم، أو من المفروض أن كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا التدليس."
(1)،(2)،(3)،(4) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص60 ، 61.
(5) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 132 ،133.
فالمفروض هنا أن شخصا من غير المتعاقدين أي من غير الواهب و الموهوب له هو الذي استعمل الحيل التي دفعت المدلس عليه و هو الواهب مثلا إلى إبرام العقد، فلكي يستطيع هذا الأخير أي الواهب أن يبطل العقد للتدليس يجب عليه أن يثبت أن المتعاقد معه أي الموهوب له كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بقيام الغير بهذا التدليس، إذ في هذه الحالة يكون متواطئا مع من استعمل الوسائل الاحتيالية أو على الأقل سيء النية، فإذا لم يستطع المدلس عليه أي الواهب أن يثبت ذلك، فإن له أن يطلب إبطال العقد، أي عقد الهبةللغلط ما دام التدليس الذي قام به الغير من الجسامة بحيث لولاه ما أبرم العقد(1).
3) الإكراه في عقد الهبة : لقد نصت المادة 88 ق.م على الإكراه الذي يعد عيبا من عيوب الرضا بقولها: " يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بينة يبعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق. و تعتبر الرهبة قائمة على بينة إذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعيها
أن خطرا جسيما محدقا يهدده هو، أو أحد أقاربه، في النفس، أو الجسم، أو الشرف، أو المال، و يراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه، و سنه، وحالته الاجتماعية، و الصحية، و جميع الظروف الأخرى التي من شأنها أن تأثر في جسامة الإكراه."
و يعتبر إكراها الأعمال غير المشروعة التي تصدر من المتعاقد و تبعث في نفس المتعاقد الآخر رهبة بينة تحمله على التعاقد، و الرهبة البينة أركانها: الخطر و الشخص الواقع عليه الإكراه و الخطر فيه معيار الجسامة و أن يكون محدقا أي إذا لم يقع حالا يقع بعد مدة وجيزة و يضيف الفقهاء شرط آخر للخطر و هو الاستمرارية.
أما الشخص الواقع عليه الإكراه إما المتعاقد نفسه أو أحد أقاربه، و بالتالي فالإكراه الذي يعيب الإرادة يقوم على عنصرين هما:
(1) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 84.
عنصر مادي : و هو استعمال وسائل ضاغطة على حرية الإرادة، سواء كانت وسائل مادية كالضرب و العنف الذين يعدمان الإرادة، أو وسائل مادية كالتهديد بالأذى، و هو الذي يعنيه النص حين يتكلم على الرهبة البينة التي تصور للمكروه أن خطرا جسيما(محدقا) أي وشيك الوقوع يهدده هو شخصيا أو يهدد أحد أقاربه سواء بإلحاق أذى مادي بجسمه أو بإلحاق ألم بنفسه، أو بما يمس شرفه، أو بما يصيب ماله بخسارة، و يستوي أن يكون
التهديد بإلحاق الأذى حالا أو في المستقبل، ما دام التهديد يخيف المكره و يجعله يبرم العقد تحت سلطان الخوف، أي أن الخوف هو الذي يجب أن يكون حالا، و ليس الخطر، كما يستوي أن يكون التهديد موجها إلى المتعاقد نفسه أي أن يكون بإلحاق الأذى بشخصه هو أو يكون التهديد بإلحاق الأذى بأحد أقاربه(1).
عنصر شخصي : و هو أن يكون من شأن التهديد أن يبعث رهبة أو خوفا في نفس المتعاقد، و يراعى في تقدير هذا العنصر الذاتي جنس من وقع عليه التهديد، فمن وسائل التهديد بالخطر ما يؤثر على المرأة و لا يؤثر على الرجل، كما ينبغي أن تراعى سن من وقع عليه الإكراه و حالته الاجتماعية و الصحية و جميع الظروف الأخرى التي من شأنها أن تؤثر في جسامة الإكراه مثلما في الفقرة الأخيرة من المادة 88 ق.م(2).
كما يعتبر النفوذ الأدبي إكراها مفسدا للإرادة، إذ أكثر ما يكون الإكراه في الهبة عن طريق التأثير في نفس الواهب بواسطة النفوذ الأدبي للموهوب له على الواهب، فيؤثر في إرادته و يحمله على التجرد من ماله لمصلحته، و يكون ذلك النفوذ الأدبي للأب على ابنه و في الكثير من الأحيان للزوج على زوجته(3). فإذا استعمل الأب أو الموصي نفوذه لحمل الابن الموصى عليه إلى إبرام عقد يراه نافعا، فإن هذا العقد يكون صحيحا ولو كان الابن
القاصر المميز قد أبرم العقد على غير رغبة منه، أما إذا كان القصد من استعمال النفوذ الأدبي هو الوصول إلى غرض غير مشروع،فإنه يعتبر كالإكراه الذي يعيب الإرادة(4).
(1) د. علي علي سليملن، المرجع السابق، ص 65.
(2)،(3) محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 136.
(4) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 66.
و تنص المادة89 ق.م على الإكراه الصادر من غير أحد المتعاقدين بقولها:" إذا صدر الإكراه من غير المتعاقدين، فليس للمتعاقد المكره أن يطلب إبطال العقد إلا إذا أثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا الإكراه." و هكذا ساوى القانون بين الإكراه و التدليس، فالإكراه الذي يرتكبه شخص ثالث من غير المتعاقدين لا يبطل العقد إلا إذا أثبت من وقع عليه الإكراه أن المتعاقد معه كان يعلم بهذا الإكراه فيكون
متواطئا مع هذا الغير، أو كان من المفروض حتما أن يعلم به، كما لو كان من ارتكب الإكراه ضيفا أو قريبا للمتعاقد الآخر، أما إذا لم يكن المتعاقد الآخر على أي علم بالإكراه فليس للطرف المكره إبطال العقد و لكن له أن يرجع على من ارتكب الإكراه بالتعويض إذا توافرت شروط المسؤولية التقصيرية من خطأ و ضرر و علاقة سببية بينهما(1). و خلاصة القول أن الإكراه الذي يعيب الإرادة و يفسد رضا الواهب و يجعل الهبة قابلة للإبطال هو الذي يقع من الواهب تحت تأثيره بسبب ما يلط عليه من وسائل الإكراه المادي ألمعنوي فوقع تحت تأثير خوف جعله نتيجة الإكراه يبرم العقد رغم إرادته، و سواء
كان هذا الإكراه من أحد المتعاقدين أو من الغير(2).
4) الاستغلال في عقد الهبة : لقد نصت المادة 90 ق.م على الاستغلال بقولها:
" إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين متفاوتة كثيرا في النسبة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر، و تبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا أن المتعاقد الآخر قد استغل فيه ما غلب عليه من طيش أو هوى، جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقض التزامات هذا المتعاقد. و يجب أن ترفع الدعوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد، و إلا كانت غير مقبولة.
و يجوز في عقود المعاوضة أن يتوقى الطرف الآخر دعوى الإبطال، إذا عرض ما يراه القاضي كافيا لرفع الغبن."
(1) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 66.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 137.
فالاستغلال هو تفاوت جسيم بين التزامات أحد المتعاقدين و الفائدة التي يجنيها من العقد أو مع التزامات أحد المتعاقد الآخر و يكون هذا التفاوت الجسيم ناشئا عن استغلال المتعاقد الآخر للمتعاقد المستغل ما غلب عليه من طيش بين و هوى جامح و هو ما يسمى في بعض المراجع الفقهية بالغبن الاستغلالي و هو عيب في الرضا الذي يختلف عن الغبن العقاري و هو ليس عيب في الرضا إذ هو نقص في قيمة العقار المبيع بنسبة أكبر من الخمس(1/5).
ومما سبق نخلص إلى أن الاستغلال المعيب للرضا يقوم على عنصرين أساسيين هما :
عنصر مادي : حسب ما يشير إليه نص المادة 90 ق.م هو التفاوت الجسيم في التزامات وحقوق الطرف المستغل و له صورتان:
- أن يكون التفاوت الجسيم بين التزامات المتعاقد و الفائدة التي يجنيها من خلال العقد : أي أن يكون عدم التعادل قد وقع في مقدار الفائدة التي حصل عليها الطرف المغبون بالنسبة إلى ما تحمل من التزامات مرهقة كالبيع بثمن زهيد(1) أو كالمتعاقد الذي تكون التزاماته المادية
5000 د.ج و الفائدة التي يجنيها تقدر بـ 1000 د.ج فنقول أن هناك استغلال.
- التفاوت الجسيم بين التزامات المتعاقدين دون النظر إلى الفائدة التي يجنيها المتعاقد من العقد : أي أن يكون ما تحمل به من التزامات غبر متعادلة مع التزامات الطرف المستغل كأن تكون التزامات أحد المتعاقدين المادية 10000 د.ج و التزامات المتعاقد الآخر 2000د.ج، و يخضع تقدير هذا العنصر المادي للقضاء فهو يقدر التزامات كل من الطرفين بحسب ظروف كل منهما، و بحسب الملابسات التي أحاطت بهما عند التعاقد، و أكثر ما يقع
عدم التعادل في العقود المحددة و قد يقع في عقود التبرع، مثال ذلك أن يقوم زوج بعمل هبة لزوجته الثانية الشابة أو لأولادها منه ليحرم الزوجة الأولى و أولادها منه، و يتم ذلك تحت تأثير الزوجة على زوجها المسن، فتخضع الهبة لعيب الاستغلال، و لا يكون أي التزام على الزوجة فيتحقق عدم التعادل بصفة مطلقة(2).
(1) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 67.
(2) نفس المرجع، ص 68.
عنصر معنوي : قد يكون التفاوت الجسيم ناتج عن استغلال أحد المتعاقدين للآخر ما بلغ عليه من طيش بين و هوى جامح، فالطيش البين مثل السفيه الذي لا يتوخى عواقب الأمور، يستوي عنده الربح و الخسارة أي تصرفاته كلها يعتريها طيش. أما الهوى الجامح مثل الخاطب الذي يبيع لخطيبته سكنا قيمته الحقيقية 300 ألف د.ج و يبيعه لهابـ 20 ألف د.ج، ثم تقوم المخطوبة بفسخ الخطبة و في هذا الإطار من المفيد أن نذكر المثال الذي أورده الأستاذ السنهوري فيما يخص استغلال الموهوب له في الواهب طيشا بينا أو هوى جامح، مثل ذلك أن يتزوج شيخ من فتاة فيقع تحت سلطانها و تستغل ضعفه و هواه و تستكتبه من الهبات المستمرة لنفسها و لأولادها ما تشاء. و على العكس من ذلك قد تتزوج امرأة ثرية من زوج شاب فيستغلها و يبتز أموالها عن طريق الهبات المستمرة(1).
و مسألة العنصر المعنوي القائم على الطيش البائن و الهوى الجامح مسألة واقع تخضع لتقدير القاضي، و يقع عبء إثبات الطيش أو الهوى على عاتق الطرف المغبون(2).
و لو يرتب القانون على عيب الاستغلال قابلية العقد للإبطال في كل الأحوال، بل أجاز إبقاء العقد مع إنقاص التزامات الطرف المغبون حتى تتعادل و لو لم يكن تعادلا تاما مع التزامات الطرف المستغل(3).
(1)،(2)،(3) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 139 ، 140.
الفرع الثالث: الهبة في مرض الموت
i. هبة المريض مرض الموت في الفقه الإسلامي :
- التعريف الفقهي لمرض الموت: لقد تعددت و اختلفت تعريفات الفقهاء لمرض الموت غير أن المتتبع لهذه التعريفات المختلفة في عباراتها، المتضاربة في ظواهرها يجد معنى لا يختلفون فيه و هو أن المريض مرض الموت يجب أن يتحقق فيه أمران:
أحدهما: أن يكون مرضا يحدث منه الموت غالبا.
ثانيهما: أن يموت الشخص بالفعل موتا متصلا به.
فلا تكاد تجد اختلاف بين الفقهاء في أن هذين الأمرين لابد من تحققهما لكي يتحقق وصف الشخص بأنه مريض مرض الموت، و لكن اختلاف التعريفات إنما يدور حول الأمارات و الأوصاف الظاهرة التي بها يتبين أن المرض يتصف بالوصف الأول وهو حدوث الموت غالبا فمن قائل أن أماراته أن يلازم المريض الفراش، أو الذي لا يقوم بحوائجه في البيت كما يعتاده الأصحاء، و من قائل أن علاماته أنه لا يقدر على الصلاة قائما، أو لا يخطو المريض ثلاث خطوات بغيره أو أن يعجز على الإشراف على مصالحه خارج الدار إن كان ذكرا أو أنثى أن تعجز عن رؤية مصالحها داخل الدار. و لكن المعنى المقصود في مرض الموت هو أن يكون المريض في حال يغلب فيها الهلاك و يتوقعه(1).
و من المقرر في الفقه الإسلامي أن أي تصرف ينطوي على تبرع صادر من المريض مرض الموت مثل الهبة، كان لهذا التصرف حكم الوصية، ذلك أن المريض وهو على شفا الموت أي الواهب هنا إذا نبرع بماله فإنما يقصد أن ينقل هذا المال( الشيء الموهوب) إلى غيره بعد موته، لا في المدة المحدودة القصيرة التي تقدر له الحياة فيها، و لا يستطيع الواهب أن ينقل ماله بعد موته، بتصرف إرادي ألا إذا كان ذلك عن طريق الوصية
بقيودها المعروفة(2).
(1)،(2) أ. عبد الفتاح تقية، المرجع السابق، ص 107، 108، 113.
- شروط المريض مرض الموت فقها :
- أن يقعد المريض عن قضاء مصالحه فيجب أن يجعل المرض المريض عاجزا عن قضاء مصالحه العادية المألوفة التي يستطيع الأصحاء عادة مباشرتها كالذهاب إلى السوق و ممارسة المهنة إذا لم تكن شاقة و قضاء الحوائج المنزلية، إذا كان المريض من الإناث، و ليس واجبا ليكون المريض مرض الموت، أن يلزم المريض الفراش فقد لا يلزمه مع ذلك عاجزا عن قضاء مصالحه(1).
- أن يغلب في المرض خوف الموت و لا يكفي أن يقعد المريض عن قضاء مصالحه، بل يجب أيضا أن يغلب فيه خوف الموت، و أن يكون مرضا خطيرا من الأمراض التي تنتهي عادة بالموت،أو أن يكون مرضا بدأ بسيطا ثم تطور حتى أصبحت حالة المريض سيئة يخشى عليه فيها الموت(2).
- أن ينتهي المرض بالموت فعلا(3).
هبة المريض مرض الموت في القانون الجزائري :
- هبة المريض مرض الموت حكمها حكم الوصية: يستفاد من نص المادة 204
ق.أ : " الهبة في مرض الموت، و الأمراض و الحالات المخيفة، تعتبر وصية." أنه إذا صدر الهبة من الواهب و هو في مرض موته فإن الهبة تعتبر وصية(4). و هذه المادة جاءت تكريسا لما ورد في المادتين 776،777 ق.م الآتي ذكرهما على
التوالي :
المادة 776: " كل تصرف قانوني يصدر عن شخص في حال مرض الموت بقصد التبرع يعتبر تبرعا مضافا إلى ما بعد الموت، و تسري عليه أحكام الوصية أيا كانت التسمية التي تعطى إلى هذا التصرف........."
(1) ، (2) ، (3) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 118، 119، 120.
(4) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 127.
المادة 777: " يعتبر التصرف وصية و تجري عليه أحكامها إذا تصرف شخص لأحد ورثته و استثنى لنفسه بطريقة ما حيازة الشيء المتصرف فيه و الانتفاع به مدة حياته ما لم يكن هناك دليل يخالف ذلك."
و غرض المشرع الجزائري هو حماية الورثة من الهبات المستترة و من التصرفات التي تصدر من المورث في مرض الموت، و التي تنطوي في الحقيقة على اعتداء على حق الورثة في الإرث من الغير، و الحال أن الوارث يتلقى حقه من القانون " أي من الشريعة الإسلامية التي أقرت له هذا الحق" لا من المورث(1).
- الهبة التي لا تزيد على ثلث التركة: إذا لم تزد قيمة الموهوب وقت الموت على ثلث التركة، صحت الهبة، سواء كان الموهوب له وارثا أو غير وارث، فإن الوصية أصبحت تجوز للوارث في الثلث، كما تجوز لغير الوارث، و لا حاجة إلى إجازة الورثة(2). و هذا ما تنص عليه المادة 185 ق..أ ف 1: " تكون الوصية في حدود ثلث التركة."
- الهبة التي تزيد على ثلث التركة: إذا كانت قيمة الموهوب تزيد على ثلث التركة، فلا تصح الهبة فيه إلا بإقرار الورثة، فإن لم يقروها وجب على الموهوب له أن يرد إلى التركة ما جاوز الثلث وفق ما تقضي به المادة 185 ف2 :" و ما زاد عن الثلث تتوقف على إجازة الورثة." و إذا تصرف الموهوب له في الموهوب الزائد على الثلث، لم ينفذ التصرف في حق الورثة بغير إقرارهم(3).
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 125.
(2) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 127.
(3) أ. عبد الفتاح تقية، المرجع السابق، ص 116.
المبحث الثاني: المـحـــــــــــــل
المطلب الأول: الشيء الموهوب
الفرع الأول: في الفقه الإسلامي
* فــي الـفـقـــه الحـنـبـلـــــي :
- أن يكون الشيء الموهوب موجودا وقت الهبة، فلا تصح هبة ما ليس بموجود وقت العقد بأن وهب له ثمر بستانه في العام المقبل أو ما تلد أغنامه بعد حملها.
- أن يكون الموهوب مالا متقوما فلا تصح هبة ما ليس بمال أصلا كالميتة و الدم و الخنزير و صيد الحرم و غير ذلك، كما لا تصح هبة المال الذي لا قيمة له في نظر الشرع كالخمر.
- أن يكون الموهوب مقبوضا، و هذا شرط للزوم الهبة و ثبوت الملك للموهوب له فلا يثبت له الملك إلا بالقبض.
- أن لا يكون الموهوب مشاعا بما يقبل القسمة، فإذا وهب له نصف دار غير مقسومة فإن الهبة لا تصح.
- أن لا يكون الموهوب مشغولا بملك الواهب، فإذا وهب لابنه بستانا على أن الثمر الذي عليه للواهب فالهبة لا تصح.
- أن يكون الموهوب مملوكا للواهب فلا تجوز هبة الأشياء المباحة كالماء و العشب كما لا تجوز هبة ملك الغير بدون إذنه(1).
* فــي الـفـقـــــــه الـمــالـكـــي :
- أن الموهوب مملوكا فلا تصح ما لا يصح ملكه كالكلب الذي لم يؤذن في اقتنائه، كما لا تصح هبة ملك الغير بدون إذنه.
(1) عبد الرحمن الجزيري، المرجع السابق، ص 295 ، 296.
- أن يكون الموهوب من الأشياء القابلة للنقل من ملك إلى ملك في نظر الشارع فلا تصح هبة الاستمتاع بالزوجة لأن نقل هذا الاستمتاع ممنوعا شرعا و مثل ذلك هبة أم الولد.
و تصح هبة جلود الأضاحي لأنها و إن كانت لا يصح بيعها فلا تقبل النقل بالبيع و لكن يصح إهداؤها و التبرع بها فتصح هبتها.
- و اشترط في الموهوب أن يكون معلوما فيجوز أن يهب مجهول العين و القدر ولو كان يظن أنه يسير فظهر أنه كثير، فإذا وهب ميراثه من عمه لشخص و كان لا يعرف قدره و يظن أنه يسير و اتضح أنه كثير فإن الهبة تصح(1).
* فـــي الـفـقــــه الحـنـبـلــــي :
- اشترط في الموهوب أن يكون معلوما فلا تصح هبة المجهول إلا إذا تعذر علمه كما تقدم فلا تصح هبة الحمل في البدن و اللبن في الضرع و الصوف على الظهر و إذا أذن صاحب الشاه في جز الصوف و لبن الشاه كان إباحة و مثل ذلك هبة الدهن في السمسم و الزيت في الزيتون فإنه لا تصح هبته قبل عصره.
- و يشترط في الموهوب أيضا أن يكون موجودا فلا تصح هبة المعدوم كهبة الثمر قبل أن يبدو.
- أن يكون مقدورا على تسليمه فلا تصح هبة الطير في الهواء و نحو ذلك.
- أن يكون مما يصح بيعه فلا تصح هبة ما لا يصح بيعه و بعضهم يقول تصح هبة الكلب المأذون فيه و النجاسة التي يبيح الانتفاع بها(2).
الفرع الثاني: في التشريع الجزائري
يسري على الشيء الموهوب باعتباره محل العقد ما يسري على محل العقد بوجه عام، و يشترط في محل الهبة أو الشيء الموهوب، ليكون عقد الهبة صحيحا منتجا لآثاره الشروط الأربعة التالية :
(1) ، (2) عبد الرحمن الجزيري، المرجع السابق، ص 297 ، 298.
- أن يكون الشيء الموهوب مملوكا للواهب : وفقا لنص المادة 205 ق.أ يسوغ للواهب أن يهب ما يملك فقط سواء كل ممتلكاته أو جزءا منها أو عينا أو منفعة أو دينا لدى الغير، مما يجعل الجواز مشروطا بأن يكون الواهب مالكا لما يهب، أما إذا لم يكن مالكا للشيء الموهوب فلا يصوغ له أن يهبه و بالتالي و وفق مفهوم المخالفة لهذا النص فلا يجوز للواهب أن يهب ملك الغير(1). فإذا وهب الواهب ملك الغير فللموهوب له وحده لأن يطلب
إبطال الهبة حتى قبل أن يتعرض له المالك الحقيقي، و يبقى ملكا للموهوب، و لا تنتقل منه الملكية إلى الموهوب له إلا إذا أقر المالك الحقيقي الهبة، و حينئذ تنقلب الهبة صحيحة من وقت صدورها، و لكن الملكية لا تنتقل إلى الموهوب له إلا من وقت الإقرار(2).
- أن يكون المحل موجودا وقت الهبة : يشترط في الموهوب أن يكون موجودا وقت العقد، فإن وجد كان العقد نهائيا و إلا كان باطلا بطلانا مطلقا، و إذا ظهر أن الشيء الموهوب قد هلك قبل العقد أو وقت التعاقد فإن العقد لا ينعقد، لعدم وجود محل له، مثال ذلك أن يهب شخص لشخص آخر منزله ثم يظهر أنه احترق قبل ذلك، أو يهب له ماشية ثم يظهر أنها نفقت قبل التعاقد أو وقت حصوله و يعتبر الشيء غير موجود، أيضا إذا فقد وجوده
القانوني كالنزول لآخر عن حق انتفاع انقضى قبل ذلك بانتهاء مدته(3).
- أن يكون المحل معينا أو قابلا للتعيين : يجب أن يكون المحل الموهوب معينا تعيينا كافيا، و نافيا للجهالة، فلا تصح هبة المجهول، لأن الهبة من العقود الناقلة للملكية، كي لا يقع لبس بشيء مماثل له من الأشياء القيمية و الأشياء المثلية، و يجب أن يكون الموهوب معينا
بمقداره و نوعه مثل القمح فهنا يجب تحديد النوع و إلا كان العقد باطلا بطلانا مطلقا،
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 146.
(2) د. بدران أبو العينين بدران، المرجع السابق، ص 230.
(3) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص 61.
أما المقدار لابد أن يكون هناك ما يستشف به عليه، و عندما لا يكون هناك ضابط يحدد من خلاله المقدار فهنا العقد باطلا، أما فيما يخص الجودة فإذا لم تحدد الواهب ملزم بالصنف المتوسط، ويعتبر العقد صحيحا دائما إذا تخلف عنصر الجودة في المثليات طبقا لنص المادة 94 ق.م:" إذا لم يكن محل الالتزام معينا بذاته، وجب أن يكون معينا بنوعه، و مقداره و إلا كان العقد باطلا. و يكفي أن يكون المحل معينا بنوعه فقط إذا تضمن العقد ما يستطاع به تعيين مقداره. و إذا لم يتفق المتعاقدان على درجة الشيء، من حيث جودته و لم يمكن تبين ذلك من العرف أو من أي ظرف آخر، التزم المدين بتسليم شيء من صنف متوسط."، و هذا باعتبار أن القانون المدني هو الشريعة الأم.
- أن يكون صالحا للتعامل فيه : يجب أن يكون الشيء الموهوب مشروعا غير مخالف للنظام العام و الآداب العامة؟، و توجد بعض الأشياء لا يجوز التعامل فيها بمقتضى القانون مثل: مرفق عام، مخدرات، هبة أموال التركة المستقبلة، و هناك ما لا يجوز التعامل فيه بمقتضى الطبيعة مثل: الشمس، الهواء، البحار، الأزهار.........، و يرجع إلى استحالتها أو إلى عدم استطاعة أحد الاستبداد بحيازتها و تسليمها و التصرف فيها.