logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





15-02-2021 07:04 مساءً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 09-03-2016
رقم العضوية : 4922
المشاركات : 166
الجنس :
قوة السمعة : 10
المستوي : ماستر
الوظــيفة : متربص

عقوبة الشروع في الجريمة
مادة 30 و 31 قانون العقوبات

صور الشروع في الجريمة
عناصر الركن المادي في الشروع
العقوبة المقررة في الشروع المحاولة
أساس العقاب على الشروع في الجريمة

نص المادة 30 ق ع: كل محاولات لارتكاب جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال لا لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقف أو لم يخب أثرها إلا نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها حتى ولو لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها.
نص المادة 31 ق ع : المحاولة في الجنحة لا يعاقب عليها إلا بناء على نص صريح في القانون.
والمحاولة في المخالفة لا يعاقب عليها إطلاقا.
ملخص

ينص المشرع الجزائري تحت عنوان المحاولة في نص المادة 30 من قانون العقوبات " كل المحاولات لارتكاب جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال لا لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقف أو لم يجب أثرها إلا نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها حتى ولو لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها ".
ومن خلال النص يتبين وأن المشرع الجزائري يعترف بمعاقبة الشروع الذي يعرفه بأنه جريمة وقعت ولكن لم يكتمل ركنها المادي سواء بسبب إيقاف تنفيذها قبل إتمامها أو خاب أثرها لسبب خارج عن إرادة الجاني، وعلى ذلك فإن نطاق بحث الشروع يتحدد مجال تطبيقه بالأمور الآتية.
- يكون الشروع في الجرائم المادية كالسرقة، أما الجرائم الشكلية فلا يتصور الشروع فيها.
- يكون الشروع في الجرائم العمدية وغير متصور في الجرائم غير العمدية.
- يكون الشروع في الجرائم الإيجابية وغير ممكن حسب بعض الفقه في الجرائم السلبية. - يكون الشروع في كل الجنايات طبقا لنص المادة 30 من قانون العقوبات، وفي الجنح التي يرد فيها نص على معاقبة الشروع فقط دون باقي الجنح طبقا لنص المادة 31 فقرة 1 من قانون العقوبات، ولا يتصور قيامه في المخالفات طبقا لنص المادة 31 فقرة 2 من قانون العقوبات.
اولا صور الشروع :

للشروع صورتان، إحداهما يبدأ فيها السلوك الإجرامي ولا يكتمل و الأخرى يكتمل فيها السلوك الإجرامي ولا تقع النتيجة، ويطلق على الصورة الأولى اسم الجريمة الموقوفة وعلى الصورة الثانية اسم الجريمة الخائبة.
1 -الجريمة الموقوفة :
ونعني بها أن يبدأ الفاعل بنشاطه الإجرامي ولا يستكمله، فالنتيجة لم تتحقق لأن الفعل قد أوقف بعد البدء فيه وقبل نهايته، مثل الجاني الذي يدخل منزل بغرض السرقة فيلقى عليه القبض قبل وصوله إلى المال، أو الجاني الذي يصوب بندقيته نحو عدوه وقبل أن يضغط على الزناد يأتي شخص آخر ويمسكه، وتسمى هذه الحالة بـ الشروع الناقص.
2-الجريمة الخائبة :
وفيها يقوم الجاني بسلوكه كاملا إلى غاية نهايته، أي يقوم بكل خطواته ولكن النتيجة لا تقع لسبب خارج عن إرادته، وفي مثالنا السابق أن الجاني دخل المنزل وفتح خزانة المال ولكنه لم يجده، والجاني الذي صوب اتجاه الضحية و خرجت الرصاصة فعلا لكنها انحرفت ولم تصبه، ففي كلا المثالين أن الجاني قد أتى كل السلوك ولكن النتيجة لم تقع وخابت آماله ويسمى هذا النوع بـ الشروع التام.
ويرى كثير من الفقه أنه يدخل في صورة الشروع التام ما يعرف بالجريمة المستحيلة، وفيها يستنفذ النشاط الإجرامي في ظروف كان يستحيل فيها تحقق النتيجة لعامل كان الجاني يجهله كمحاولة السرقة من جيب خال أو محاولة قتل شخص فارق الحياة بالفعل أو بسلاح غير محشو بالرصاص أو محاولة إسقاط امرأة غير حامل.
ثانيا عناصر الركن المادي في الشروع
باعتبار أن الشروع جريمة قائمة بذاتها، فإنها هي كذلك لا تكتمل إلا بثلاثة أركان وهي الركن الشرعي والمادي والمعنوى.وإذا كان الركن الشرعي فيها هو النص كما حددت ذلك المادة 30 و 31 من قانون العقوبات، فالمشرع يعاقب على الشروع في جميع الجنايات، وعلى الجنح التي ورد فيها نص ، في حين أن المخالفات لا عقاب على الشروع فيها، أما الركن المادي للشروع ووفقا لنص المادة يجب أن يكون هناك بدأ في تنفيذ الفعل من جهة وعدم إتمام هذا التنفيذ لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها، أما الركن المعنوي للشروع فلا بد توافر القصد الجنائي لارتكاب الفعل مع الإشارة أن الشروع لا يمكن تصوره في الجرائم غير العمدية.
وطبعا في مجال دراستنا في هذه النقطة سوف نستبعد الركن الشرعي للشروع باعتبار أنه تم التطرق إليه في السابق، كما نستبعد الركن المعنوى باعتبار أن مجال دراسته لم يحن بعد، ونكتفي بالركن المادي وتحديد عناصره.
1-البدء في التنفيذ الفعل :
يطرح هذا الموضوع إشكالية في غاية التعقيد وهي تحديد الحد الفاصل الذي يميز بين البدء في التنفيذ و الذي يعد شروعا معاقب عليه وبين المرحلة التي تسبقه وهي الأعمال التحضيرية والتي لا عقاب عليها رغم كونها أعمالا مادية.
وإذا كانت الأمور واضحة في بعض الحالات فإنها ليست كذلك في حالات أخرى، فمن يشتري حبال وسلالم ليستعملها في السرقة فإن عمله هذا هو عمل تحضيري ولا يعد شروعا في السرقة، وكذلك الحال بالنسبة لمن يشتري مسدس فلا يعد في حالة شروع في القتل، ولكن ماذا لو ضبط الجاني في حديقة منزل سيدة ثرية وجميلة فهل هذا عملا تحضيريا أم شروعا في تنفيذ جريمة سرقة أو جناية قتل عمد أو جناية هتك عرض ؟
إذن ليس من السهل تحديد معيار البدء في تنفيذ الفعل، وهو ما جعل الفقه ينقسم حول تحديد الضابط أو المعيار الذي بواسطته يمكننا التمييز بين الأعمال التحضيرية والشروع في الجريمة، وهو ما سوف نحاول توضيحه من خلال المذهب الموضوعي والمذهب الشخصي. 2- وقف التنفيذ أو خيبة أثره
و هو أن يقف هذا التنفيذ أو يخب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها، و هذا يعني أنه يجب ألا يعدل الجاني بإختياره عن تحقيق الجريمة، و وجوب التوقف أو الخيبة لكي لا تصبح جريمة تامة.
ثالثا العقوبة المقررة في الشروع المحاولة

ينص قانون العقوبات الجزائري على أنه في الجنايات كل محاولة لإرتكاب جناية تعتبر كالجناية ذاتها و بذلك سوى في الجنايات بين عقوبة الجربمة التامة و الشروع.
فالعقوبة واحدة في الحالتين. كما ألغى المشرع الجزائري التمييز بين الجريمة الموقوفة و الجريمة الخائبة و كذلك بين الجريمة المستحيلة و غير المستحيلة.
و عاقب على الجريمة المستحيلة من حيث الوسيلة على نحو ما سبقت الإشارة إليه فيما تقدم.
أما الجنح فنص في المادة 31 منه أن لا عقوبة على الشروع فيها إلا بنص صريح في القانون و هذا النص يبين مقدار العقوبة التي يرى المشرع توقيعها في كل جنحة ينص على العقاب على الشروع فيها.
و أما المخالفات فلا عقاب على الشروع فيها أصلا.
ـ موقف التشريع الجزائري جاء مستخلصا من كلا النظريتين للمذهب الشخصي و المذهب الموضوعي .
ـ أخذ من المذهب المادي حصر العقاب في بعض الجرائم فقط وهي الجنايات وبعض الجنح بموجب النص الخاص، فمثلا لا يعاقب على الشروع في جريمة انتهاك حرمة منزل الفعل المجرم بالمادة 295 ق ع ولا عقاب على الشروع في المخالفات. بينما المادة 350 تقرر صراحة العقاب على الشروع في السرقة.
ـ ويأخذ بالمذهب الشخصي عندما يساوي بين الشروع والفعل التام في العقوبة.
وانتقدت فكرة المساواة في العقوبة بين الشروع والفعل التام فكان الموقف المؤيد يجد الحل للحالات التي قد لا يستحق فيها الشروع نفس عقوبة الفعل التآم في التفريد القضائي للعقوبة وإعطاء السلطة للقاضي بتقدير العقوبة المناسبة. والملائمة بين حديها الأدنى والأقصى، أو النزول عن الحد الأدنى إن وجد من الظروف القضائية المخففة ما يبرر ذلك.


شرح الشروع في الجريمة أو المحاولة
تمر الجريمة منذ طوافها بمخيلة المجرم إلى أن تدخل في دور التنفيذ بثلاثة أدوار أو مراحل قد تطول مدتها أو تقصر تبعا للظروف و هذه الأدوار هي :
أولا: الدور النفساني :
و الجريمة في هذا الدور لا تخرج عن كونها مجرد تفكير من الجاني في إرتكاب عمل إجرامي يعاقب عليه القانون فيعقد العزم على تنفيذه ولا عقاب عليه في هذه المرحلة بإجماع الآراء. طالما أن الجريمة لم تخرج من مخيلته إلى عالم الوجود لأنه ليس ثمة أي خطر من المجرم في هذا الدور أو إعتداء منه على حق الغير يوجب التعجيل بالعقاب و أنه قد يعدل عن تنفيذ فكرته فحالته الإجرامية وحدها لا تكفي لنهوض المسؤولية الجنائية.
غير أن القانون قد يعاقب أحيانا على مجرد التفكير أو التصميم الجنائي إذا كان في إظهاره خطر على المجتمع أو إخلال بالأمن العام. و هو لا يعاقب على التفكير أو التصميم بإعتباره شروعا و إنما بإعتباره جريمة قائمة بذاتها.
و مثال ذلك التحريض على التجمهر أو على اتخاذ تدابير لمخالفة القوانين و أوامر الحكومة أو على المشاجرة أو الفتنة أو حمل السلاح و هي المنصوص عليها في المواد 100 و 113 ،114 و 268/2 و 77 و 78 من قانون العقوبات الجزائري و تصل العقوبة فيها إلى الإعدام.
ثانيا: دور التحضير (توزيع الأدوار) :
في هذا الدور يبدأ الجاني بإعداد العدة لتنفيذ جريمته فيستحضر السلاح الذي ينوي استعماله في القتل مثلا أو يشتري السم الذي يريد التسميم به أو يصنع المفاتيح اللازمة لاستخدامها في جريمة السرقة أو يأتي بالبترول اللازم للحريق أو غير ذلك.
و في هذا الدور أيضا لا يعاقب القانون المجرم على هذه الأعمال لاحتمال أنه قد يعدل رغم ذلك عن ارتكاب جريمته التي أعد العدة لتنفيذها. و مع ذلك يعاقب القانون على الأعمال التحضيرية في بعض الأحوال باعتبارها جرائم قائمة بذاتها متى ترتب عليها خطر عام.
كمن يشتري بندقية لاستعمالها في جريمة القتل لا يعاقب على ذلك بإعتباره شروعا ولكن يعاقب على حمل السلاح بدون ترخيص، و كذلك ما نص عليه قانون العقوبات الجزائري من عقاب من يزيف المفاتيح لإستعمالها في جريمة سرقة على تزيف المفاتيح بإعتبارها جريمة مستقلة لا باعتبارها شروعا في سرقة (المادة 359).
ثالثا: دور التنفيذ :
و هو المعروف قانونا بالشروع، وقد تناوله المشرع الجزائري في المادتين 30 و 31 من قانون العقوبات في الفصل الثاني من الباب الأول من الكتاب الثاني.
فتضمن نص المادة 30 ما يأتي: كل محاولات... تبتدئ بالشروع في التنفيذ...الخ.
و نص في المادة 31 من قانون العقوبات الجزائري على الشروع في الجنح و لا شروع في المخالفات.
فالشروع في الجريمة يعرف على أنه : جريمة تامة قانونا و لكن ناقصة النتيجة واقعيا.
عناصر الركن المادي للشروع :
1 – البدء في التنفيذ.
2 – وقف التنفيذ أو خبية أثره لأسباب مستقلة عن إرادة الجاني.

1)- البدء في التنفيذ :
إختلفت أراء الشراح في وضع ضابط يميز بين الأعمال التحضيرية و البدء في التنفيذ و حاول بعضهم وضع مقاييس للتفرقة فلم يفلحوا و ها هي أهم الآراء بإيجاز و تركيز.
أ – يرى فريق من الشراح و على رأسهم الكاتبان الإيطاليان منزينى و ألمينا أن دور التنفيذ يتميز عن دور الأعمال التحضيرية بأن فيه يحصل إعتداء على حق من الحقوق التي يحميها القانون. فالجاني إنما يجهز و يعد معداته للهجوم و لكن لم يتعرض بعد لإنتهاك حق من حقوق الآخرين فمن يتسلق سورا بقصد السرقة يعتبر شارعا فيها إذ أنه بتسلقه قد إعتدى على حق الملكية و كذلك من يلقي غازا على منزل قصد إحراقه و هكذا.
و لكن هذا الضابط رغم طلاوته لا يشمل كافة الصور التي تقضي المصلحة العامة بالعقاب فيها. فمن يضبط بجوار مخزن من القمح و معه خرقة مبللة بالبترول وقد أشعل فيها النار لإلقائها على المخزن فإنه يعتبر شارعا في الحريق و من يصوب بندقية على آخر بقصد قتله و يرفع الزناد لإطلاق الرصاص ثم توقفه يد أجنبية لاشك في أنه يعتبر شارعا في القتل لأن هذه الأعمال كلها تعتبر بدءا في التنفيذ و بالتالي شروعا تقضي المصلحة العامة و مصلحة الأمن بعقابه و مع ذلك فإن الجاني لم يعتد بعد على أي حق من حقوق المجني عليه أو سواه.

ب – أما الفريق الآخر من الشراح و على رأسهم العلامة ( جارسون) فيرون أن العمل يمكن إعتباره بدءا في التنفيذ إذا كان من شأنه أن يؤدي حالا و مباشرة إلى إرتكاب الجريمة و لكل عمل دون ذلك هو من الأعمال التحضيرية ولكن يعاب على هذا الرأي أيضا فضلا عن غموضه و حاجته إلى الإيضاح أنه يشترط التقارب الشديد بين الأعمال التي تدخل في دائرة التنفيذ و بين التنفيذ الفعلي للجريمة مع أنه في بعض أحوال الشروع قد تفصل بينهما حقبة طويلة من الزمن كمن يضع لآخر طعاما مسموما في غرفته الخاصة ليتناوله فإنه يعتبر شارعا في التسميم ولو فصلت بين وضع السم وضبط الطعام فترة من الزمن طالت أم قصرت و كحالة اللصوص الذين ينقبون سردابا تحت بنك من البنوك بقصد سرقته فإنهم يعتبروا شارعين في السرقة و لو أنه قد يمضي بين الحفر و إختلاس الأموال وقت طويل.

ج – و هناك فريق ثالث من الشراح و في مقدمتهم العلاقة ( جارو ) يرون أن الفارق بين الأعمال التحضيرية و التنفيذية هو التغيير الذي يطرأ على حالة المجرم النفسية و تطور عزمه من مجرد التجهيز إلى الهجوم فيجب البحث قبل كل شيء في الجانب النفساني للمجرم و نواياه التي يكون إستخلاصها من مجموع الأفعال التي صدرت منه و الظروف المحيطة به، فيشترط إذن في الفعل الذي يعاقب عليه كبدء في التنفيذ أن يؤدي حالا و مباشرة إلى إرتكاب الجريمة. و أنه يمكن القول على سبيل التأكيد بأن المتهم في فترة تنفيذ خطته إذا أخذ يستعمل الوسائل التي جمعها و أعدها و بأن قصده لا رجعة فيه – و يحاول الاستاذ (جارو) إيضاح هذه الفكرة فيقول أنه " في مرحلة التحضير يعبئ الفاعل قواته أما في مرحلة الشروع فإنه يستعملها لذلك فقد لوحظ بحق أن إنتقال الفاعل من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية يصحبه إنقلاب نفسي فإن الفاعل في تلك اللحظة يحرق سفنه و يقطع على نفسه خط الرجعة و يقوى على الإسترسال في الخطة التي إبتدأها و يخطو الخطوة التي تباعد بينه و بين الإستقامة.

و ظاهر أن هذا الضابط رغم تنميقه بالتشبيهات و الإستعارات لا يفي أيضا بحل الإشكال تماما. و طبيعي أن تكون إستعارات الأستاذ "جارو" هدفا للنقد اللاذع فمتى يمكن أن يقال أن الجاني قد أحرق سفنه و أنه قطع على نفسه خط الرجعة؟ و ما معنى أن الجاني يخطو الخطوة التي تباعد بينه و بين الإستقامة؟ و ما وقت هذه الخطوة ؟ وهل الشخص الذي يعقد العزم على الجريمة و يعدلها و يسير في طريقه إلى تنفيذها يظل بعد هذا كله في عداد الأخيار و في حيز الإستقامة و الشرف؟.

د – و هناك رأي رابع للعلامة (و ندبيه دي قابر) و مؤداه أن البدء في التنفيذ يتوافر إذا كان الفعل الصادر من الجاني يؤكد إرادته الإجرامية بحيث لا يتبقى بين ما صدر عنه و بين هدفه غير خطوة قصيرة لو ترك و شأنه لخطاها حتما و هذا الرأي قريب من الرأي السابق و هو يفتقر بدوره إلى تحديد مدلول بعض العبارات الواردة فيه.

هذه هي مجمل آراء أصحاب المذهب الشخصي أما المذهب المادي و هو مذهب مهجور غير مأخوذ به في معظم التشريعات فإن أصحاب هذا المذهب كعادتهم لا يهتمون إلا بالفعل المادي المكون لجسم الجريمة و يرون أنه لكي يعتبر العمل شروعا معاقبا عليه يجب أن يكون هذا العمل في تنفيذ الركن المادي للجريمة فإذا كسر الجاني خزينة النقود ولم يضع يده على المسروقات لا يعتبر شارعا في السرقة و إنما لكي يعتبر كذلك لابد من أن يضع يده على المسروقات و في جريمة القتل يجب لإعتبار الجاني شارعا أن يطعن الجاني المجنى عليه هذا المذهب رغم سهولته لا يتفق مع العدالة و مصلحة الأمن وقد أخذ المشرع الجزائري شأنه في ذلك الشأن كافة التشريعات الحديثة بالمذهب الشخصي فإشترط في المادة 30 أن يكون الشروع متحققا بالبدء في تنفيذ أفعال لا لبس فيها تؤدي مباشرة إلى إرتكاب الجريمة ولم يشترط في هذه الأفعال أن تؤدي حالا إلى إرتكاب الجريمة و يكاد ذلك يتفق مع رأي العلامة جارسون مع تهذيبه بإستبعاد الفترة الزمنية بين فعل البدء في التنفيذ و ضبط الجريمة. و هي التي كانت مثارا للنقد.

2 - وقف التنفيذ أو خيبة أثره لأسباب مستقلة عن إرادة الفاعل :
فقد إشترط قانون العقوبات الجزائري لتحقيق الشروع أو البدء في التنفيذ أن توقف الجريمة أو يخيب أثرها لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها حتما ولو كان من غير الممكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف يجهله مرتكبها و هو ما يعبر عنه قانونا بالجريمة المستحيلة.
وقف تنفيذ الجريمة أو خيبة أثرها لظروف لا دخل لإرادة الفاعل فيها :
متى بدأ الجاني في تنفيذ جريمته فهو إما أن يصل إلى النتيجة التي أرادها و بذلك تكون الجريمة قد تمت و إما أن يوقف الجاني و يخيب أثر الجريمة بأحد أمرين:
أ – أن يعدل الجاني من تلقاء نفسه عن المضي في إتمام الجريمة.
ب – أن يعرض له سبب أجنبي أو ظرف خارج عن إرادته يحول بينه و بين تنفيذ الجريمة أما في الحالة الأولى (أ) فلا عقاب على الجاني لأن المادة 30 من قانون العقوبات الجزائري تشترط للعقاب على الشروع أن يوقف التنفيذ أو يخيب اثر الجريمة لأسباب مستقلة عن إرادة الجاني فإن كان لإرادته دخل في هذا الإيقاف كان ذلك عدولا بإرادته و إختياره يعفيه من المسؤولية ولعل الحكمة التي هدف إليها الشارع من ذلك هي رغبته في أن يترك للمتهم الفرصة إلى آخر لحظته عساه أن يثوب إلى رشده و يرجع عن إجرامه. ثم أنه ما دام أن العقاب مبنى على الفائدة و العدالة معا فلا محل إذن للعقاب في هذه الحالة حيث لا فائدة منه تعود على المجتمع.
يشترط في العدول الذي يعفى صاحبه من العقاب توافر شروط ثلاثة :
أولا: أن يكون عدولا إختياريا:
أعني بمحضى إرادة الجاني و إختياره بغض النظر عن الدافع الذي حمله على هذا العدول سواءا كان هو الندم أو تأنيب الضمير أو فداحة الخطر الذي يتهدده أو عدم التناسب بين الغنم و الغرم أو خوفه من الفشل في تنفيذ خطته أو عدم ملائمة الظروف لنجاحه في التنفيذ بالمجني عليه أو شعوره بأنه أخطأ في شخصية المجنى عليه المراد إصابته أو ما إلى ذلك … إلخ.
و إنما المهم أن يكون العدول إختياريا من الفاعل راجعا إلى إرادته الحرة و حادثا من تلقاء نفسه بحيث يمكن القول بإنصراف نيته عن إتمام الجريمة مع إمكانية إتمامها.
أما إذا أجبر على العدول بعامل خارجي فلا يعفى من العقاب كالقبض عليه أو منعه بالقوة أو التهديد عن إتمام الجريمة.
و لكن متى يعتبر العدول إختياريا؟ الإجابة على ذلك سهلة واضحة فإذا كان المتهم قد عدل عن تنفيذ جريمته بوازع من نفسه و تحت تأثير فكره الخاص فلا شك في نجاته من العقاب في هذه الحالة مادام أن العدول كان وليد إرادته وحده.
إنما تدق المسألة كثيرا إذا عدل المتهم عن تنفيذ جريمته تحت طارئ كمن يحاول سرقة منزل فيسمع وقع أقدام عن بعد أو يرى نورا ينبعث من شباك الغرفة التي يريد السرقة منها فيرتد هاربا. ففي هذه الأمثلة و ما شابهها يمتنع المتهم عن الإستمرار في تنفيذ الجريمة بإرادته و إنما تحت تأثير عامل خارجي فهل يعتبر هذا العدول عدولا إختياريا يمنع من قيام الشروع في الجريمة أو لا؟.
1- يرى بعض الشراح أن لا عبرة بالعدول ما لم يكن عدولا إختياريا بحتا ناشئا عن تفكير المتهم الداخلي فإن كان راجعا إلى قيام سبب خارجي فلا قيمة له و يعتبر هذا العامل الخارجي هو السبب الحقيقي في إيقاف الجريمة.
2- و يرى البعض الآخر أنه مادامت إرادة الجاني هي العامل الأول فالعدول يعتبر إختياريا و يعفى المتهم من العقاب. أعني أنه إذا عدل الفاعل من تلقاء نفسه و لكن بسبب عامل خارجي طرأ عند إرتكاب الجريمة كحالة المجرم الذي يرى قادما عليه أو يسمح أو يعتقد أنه يسمح خطوات شرطي فيمتنع عن إتمام جريمته عن السرقة أو اللص الذي يشاهد نورا ينبعث من الغرفة التي يريد سرقتها أو يسمع نباح كلب فيمتنع عن السرقة. في كل هذه الأحوال يجب معرفة أي العاملين هو الغالب في العدول فإن كان هذا العامل هو إرادة الجاني كان العدول إختياريا معفيا من العقاب و إن كان الغالب في العدول هو السبب الخارجي كان العمل شروعا معاقبا عليه.
و على العموم فإن الفصل في هذه المسألة الدقيقة موجهة إلى تقدير القاضي. وقد حكم في فرنسا بعدم الإختيار في عدول الجاني الذي إمتنع عن إطلاق العيار بعد تصويب سلاحه على المجني عليه خشية لقاء الموت على يد شخص ثالث صوب على وجه الجاني مسدسا لمنعه من ارتكاب الجريمة. و بعدم الإختيار في العدول أيضا بالنسبة للمجرم الذي نقل أمتعة غيره من مكان إلى آخر في المنزل حتى تسهل سرقتها فلما رآه شخص آخر أعادها إلى مكانها الأول خشية أن يبلغ عنه.
و حكم في مصر بعدم الإختيار بالنسبة لعدول الجاني الذي أراد قتل خصمه حرقا و هو نائم فنثر الكحول على فراشه و أشعل ورقة لإلقائها على الفراش و عندئذ إستيقظ المجني عليه فأطفأ الجاني النار و هرب و حكم في الجزائر بالشروع على شخص في طريقه للخروج بالبضائع من محل تجاري و لما شاهد حارسا بالباب أرجع البضائع إلى رفوف المحل.

ثانيا: أن يكون عدولا تاما :
أما مجرد الإنتظار فليس إلا عدولا مؤقتا لا يعفى من العقاب كمن يصور منزلا بقصد السرقة ثم يخشى تنبه الحارس فيعود إلى الحديقة ليحتمي تحت شجرة فيها لا يعتبر أنه عدل عن السرقة.

ثالثا: يجب أن يكون العدول قبل إتمام الجريمة :
فإذا تمت فلا محل للعدول كمن يرد الأشياء المسروقة بعد سرقتها فإنه لا ينجو من المسؤولية الجنائية و إن كان ذلك قد يعفيه من المسؤولية المدنية بعد إرتكاب الجريمة. و يعاقب على جريمة التسميم لأن هذه الجريمة تعتبر في القانون الفرنسي تامة بمجرد تناول السم ولو لم يترتب عليه الوفاة. و هي من نوع الجرائم التي يسميها الفقهاء الفرنسيون شكلية بخلاف الجرائم المادية التي لا تعتبر تامة إلا بتحقيق النتيجة التي قصدها الجاني كالسرقة و القتل العمدي و الإجهاض.
و هناك بعض الشرائع الأجنبية ومنها القانون الألماني تجعل اصلاح الضرر كله بإختيار الجاني بعد وقوع الجريمة إذا كانت من جرائم الإعتداء على أموال الغير سببا قانونيا لمنع المسؤولية الجنائية. إتباعا لنظرية قال بها الجنائيون القدماء تسمى نظرية ( التوبة الإجابية).

و على ذلك فإن من يلقي آخر في الماء بقصد إغراقه ثم يندم على فعلته فيعود و ينتشله أو من يطعن آخر بسكين طعنة غير مميتة ثم يعدل عن الإجهاز عليه. فإنه لا يعتبر في كلتا هاتين الحالتين شارعا في القتل و إن كان يعاقب في الحالة الثانية على إحداث جرح عمدا بالمجني عليه و كذلك من يقدم لآخر طعاما مسموما بقصد تسميمه ثم يتداركه بترياق يزيل به أثر السم لا يعاقب لأن خيبة أثر الفعل في هذه الحالة إنما كانت بإرادة الجاني و بتدخله لمنع تحقق نتيجة و ليست بسبب ظروف مستقلة عن إرادته و بذلك لا يمكن إعتبار عمله شروعا و لكن ما الحكم بالنسبة لمن أطلق عيارا على آخر لإغتياله فلم يصبه ثم سكت عن الإطلاق ثانية مع إمكانه القضاء عليه بعيار آخر. هل يعاقب على الشروع في القتل العمدي ولو أن عدوله حادث في الظاهر قبل تحقق النتيجة المقصودة؟.

يرى البعض عدم إعتبار هذا الفعل شروعا مادام أن الجاني قد عدل عن إتمام الجريمة مع إمكانه إتمامها. و يرى البعض الآخر و نحن من هذا الرأي أن هذا العمل يعتبر شروعا إذا الشروع هنا قد تم بعنصريه بعد إطلاق العيار الأول و عدم إصابته للهدف أي خيبة أثره لسبب خارج عن إرادة الجاني قبل أن تبدأ إرادته في العدول عن إطلاق العيار الثاني، فهو في الواقع قد عدل عن إرتكاب جريمة جديدة بعد أن توفر الشروع في جريمة سابقة ولا يمكن مقارنة هذه الحالة بحالة من يطعن آخر أول طعنة بسكين ثم يعدل عن الإجهاز عليه بطعنات أخرى مع إمكانه ذلك لأن فعل الجاني في هذه الحالة و هو الطعنة الأولى هو مما يمكن تداركه و ليس في الإمكان أن يؤدي وحده إلى القتل ما لم يتبعه الجاني بعدة طعنات أخرى فلإرادة الجاني إذن أثر كبير في عدم احداث النتيجة و هي القتل.
أما في حالة اطلاق العيار فان هذا العمل مما لا يمكن تدراكه و هو كاف وحده لإحداث الجريمة المقصودة و هي القتل و لكن خاب أثره لظرف مستقل عن إرادة الفاعل و هو الحياد عن الهدف.

العدول في الجريمة الموقوفة و الجريمة الخائبة :
قدمنا فيها سبق أن القانون نص على نوعين من الجرائم في الشروع و إن كان يسوي بينهما في توافر الشروع و في عقابه و هما الجريمة الموقوفة التنفيذ و الجريمة الخائبة الاثر فالاولى هي التي لا يتم فيها الفاعل الاعمال التنفيذية للجريمة أو التي لا ينفذ فيها استعمال الوسائل التي اعدها لارتكابها كما إذا ضبط الجاني أو هرب بعد دخول المنزل و قبل حيازة المال المراد سرقته و كما إذا منع الجاني عن إطلاق العيار بعد تصويب السلاح على خصمه، و الثانية هي التي يقوم فيها الفاعل بجميع الأعمال المنفذة للجريمة و لكنها لا تحدث النتيجة المطلوبة كما لو أطلق العيار على المجني عليه فأخطأه أو أصابه ثم شفى من الإصابة أو كما لو اعطاه السم و لكنه أسعف بالعلاج. و يتضح من ذلك أن الشروع في الجريمة الموقوفة ناقص و في الجريمة الخائبة تام و لكنه شروع في الحالتين لأن الجريمة المقصودة لم تتحقق و العدول فالجريمة الموقوفة سهل التصور كما لو هم الجاني بإطلاق النار ثم عدل عن ذلك شفقة بالمجني عليه و أما العدول في الجريمة الخائبة فهو نادر الحدوث و مثله من يضع السم لخصمه في الطعام المقدم له ثم يمنعه عن تناوله أو يعطيه ترياقا يضيع أثر السم بعد تناوله. هذا بالنسبة للحالة الأولى و هي حالة ما إذا عدل الجاني من تلقاء نفسه. أما في الحالة الثانية و هي ما إذا عرض للجاني ظرف أو سبب أجنبي مستقل عن إرادته حال بينه و بين تنفيذ الجريمة كما لو قاومه المجني عليه و تغلب عليه أو نزع شخص السلاح من يده أو أطفأت الريح النار التي حاول إشعالها أو ما إلى ذلك فإن عمله في هذه الحالة يسمى شروعا معاقبا عليه و يسميه البعض كما قدمنا بالجريمة الموقوفة.
و كذلك الحال إذا خاب أثر الجريمة بسبب مستقل عن إرادة الفاعل بأن قام من جانبه بكل ما يوصله إلى إتمام الجريمة ثم فشل بعد ذلك في تحقيق الجريمة التي قصدها كمن يطلق عيارا على شخص بقصد قتله فلا يصيبه أو يصيبه في غير مقتل فإنه يعتبر شارعا في القتل و يسميه البعض بالجريمة الخائبة.

الجريمة المستحيلة :
إذا خاب أثر الجريمة التي بدأ المتهم في تنفيذها. فإما أن يكون ذلك بسبب خارج عن إرادته و يعتبر عمله في هذه الحالة شروعا.
و إما أن يكون إتمام الجريمة على الصورة التي إرتكبت بها و الوصول إلى النتيجة التي أرادها الجاني أمر مستحيل أعني أن تكون الجريمة ذاتها غير ممكنة الوقوع كمن يطلق عيار على شخص بقصد قتله فإذا هو ميت من قبل والأم التي تحاول قتل طفلها فإذا به ولد ميتا و من يحاول إجهاض إمرأة. فيتضح أنها غير حامل أو يضع يده في جيب خال بقصد السرقة أو يدس لآخر في طعامه مادة غير سامة بقصد إحداث الوفاة و من يسرق منقولا يتضح فيما بعد أنه ملكه. أو يطلق عيارا على المجني عليه في غرفته فيتضح أن البندقية غير معمرة (غير مزودة بالذخيرة) أو أن المجني عليه قد غادر الغرفة إلى غرفة أخرى خلافا لعادته. في هذه الأحوال و ما شابهها نرى أن المتهم قد قام بكل الأعمال التنفيذية اللازمة لإتمام الجريمة و لكن لم يصل إلى النتيجة التي أرادها لإستحالة ذلك فهل يعاقب على البدء في تنفيذ هذه الجريمة المستحيلة بإعتبارها شروعا ؟.
إختلفت أراء الشراح في ذلك و قبل أن نستعرض هذه الآراء و أثرها في التشريع و القضاء يجب أن نلاحظ في الجريمة المستحيلة أمورا جوهرية عند البحث في جواز عقابها من عدمه.
أولا: أنها جريمة لم تتم و هذا أمر بديهي و بغيره لا تكون مستحيلة.
ثانيا: أن إستحالتها راجعة إلى سبب الفاعل أو يخطئ في وجوده عند إرتكابها.
ثالثا: إن معنى العقاب للجريمة المستحيلة هو العقاب على الشروع فيها لأن النتيجة لم تتحقق و على ذلك فلا يمكن العقاب عليها في الجرائم التي يمنع القانون من العقاب على الشروع فيها.
و نعود بعد ذلك إلى إستعراض الآراء المختلفة في العقاب على الجريمة المستحيلة.

أ – المذهب المادي أو الموضوعي:
و يرى انصاره أن الجريمة المستحيلة لا يمكن أن تعتبر شروعا يعاقب عليه لأن القانون يستلزم للعقاب على الشروع أن يكون هناك بدءا في التنفيذ و بما أن الجريمة مستحيل تنفيذها فإن البدء في تنفيذ المستحيل مستحيل و يعاب على هذا الرأي تطرفه و مجافاته للعدالة و المصلحة العامة فهو يؤدي إلى نتائج فاحشة تنتهي إلى عدم العقاب في جميع أحوال الإستحالة رغم ما في بعضها من الخطر على حقوق الأفراد و على المجتمع و خاصة إذا كانت الإستحالة راجعة إلى سبب عارض كرطوبة البارود في المقذوف الناري الذي يستعمله من يريد القتل و خلو الجيب أو الخزانة من النقود التي يراد سرقتها و بمعنى أوضح فإن الأخذ بهذا الرأي يؤدي إلى إعفاء كثيرين من العقاب في حالات عديدة يكون فيها تنفيذ الجريمة مستحيلا و مع ذلك يكون من مصلحة الأمن مؤاخذتهم عليها كالشخص الذي يضع يده في جيب المجني عليه الأيمن لسرقة حافظة نقوده فيتصادف وجودها في الجيب الأيسر فإنه مما يتنافي مع العدالة أن يفلت هذا الشخص من العقاب.
و إزاء هذا التطرف في المذهب المادي حاول بعض أنصاره الحد من هذا التطرف فقسموا الإستحالة إلى مطلقة و نسبية و قالوا أن الإستحالة المطلقة لا عقاب عليها إذ لا خطر فيها إطلاقا على المجني عليه فالجريمة خائبة لا محالة مهما كانت الظروف و الملابسات كمن يطلق عيارا على شخص بقصد قتله فإذا هو ميت من قبل.
و أما الإستحالة النسبية فهذه يجب العقاب عليها لأن المجني عليه في هذه الحالة يكون معرضا لخطر حقيقي لا يقيه منه إلا بمجرد المصادفة كما إذا تعمد شخص قتل آخر فأطلق عليه عيارا ناريا في المكان الذي إعتاد المجني عليه أن يكون فيه فإذا هو مصادفة غيره فوجد في مكان آخر.
و أضاف أصحاب هذا المبدأ أن الإستحالة في كل من هاتين الحالتين متعلقة بالوسيلة التي إستعملت في إرتكاب الجريمة و قد تكون متعلقة بموضوع الجريمة أي بجسم الجريمة و تكون الإستحالة المتعلقة بالوسيلة مطلقة متى كانت الوسيلة التي إستعملت في إرتكاب الجريمة لا يمكن بطبيعتها أن تحدث هذه الجريمة أو توصل إلى النتيجة التي أرادها الجاني كما إذا أراد شخص قتل آخر فأطلق عليه من بندقية كان قد أفرغ رصاصها على غير علم منه و كمن أراد تسميم آخر فدس له في طعامه مادة غير ضارة معتقدا أنها سامة كذلك تكون الإستحالة المتعلقة بالوسيلة نسبية إذا كانت الوسيلة التي إتخذت من شأنها أن تؤدي إلى الجريمة لأسباب خارجة عن إرادة الفاعل لم توصل إلى أحداثها كما إذا نشأت عن سوء إستعمال المتهم لهذه الوسائل.كما لو قدم للمجني عليه مواد سامة بكمية ضئيلة لا تكفي لأحداث الوفاة و كما لو أطلق شخص عيار ناري من بندقية من مسافة بعيدة بحيث لا يصل المقذوف إلى المجني عليه.
و أما الاستحالة المتعلقة بموضوع الجريمة فهي بدورها يمكن أن تكون مطلقة كما إذا انعدم جسم الجريمة بتاتا أو إنتفت صفة من الصفات الضرورية الحيوية اللازمة لكيانه كمن يطلق عيارا ناريا على شخص ميت أو يحاول إجهاض إمرأة غير حامل. أو يسرق مالا يحسبه ملك غيره فإذا به ملكه وقد تكون نسبية كما لو كان جسم الجريمة موجودا أي له كيان محسوس في الوجود و لكنه غائب وقت إرتكاب الجريمة كمن يطلق عيارا على شخص يحسب أنه في غرفة نومه فإذا به قد إنتقل منها على غير عادته إلى غرفة أخرى أو من يحاول السرقة من جيب المجني عليه الأيمن الذي إعتاد أن يضع فيه نقوده فإذا به قد وضعها مصادفة في الجيب الأيسر.
غير أن هذا الرأي و إن كان بلا شك أقرب للعدالة و مصلحة الأمن من الرأي القديم الذي لا يعاقب على جميع أحوال الإستحالة إلا أنه من ناحية أخرى غير واف بالغرض المطلوب لأنه يؤدي إلى إفلات أشخاص مجرمين من العقاب رغم ظهور خطورتهم بشكل واضح كما أن تقسيم الإستحالة إلى مطلقة و نسبية تقسيم تحكمي لا يستند إلى أساس من المنطق الصحيح فالإستحالة بطبيعتها لا تقبل التدرج فهي إما أن توجد أو لا توجد فمن يطلق عيارا ناريا على شخص غير موجود بغرفته أو على شخص إتضح إنه كان ميتا من قبل فإن الجاني في كلتا الحالتين أمام إستحالة تامة فلماذا نعاقبه في الحالة الأولى دون الثانية ثم ما الفرق بين من يحاول إجهاض إمرأة غير حامل و من يحاول السرقة من جيب لا نقود فيه أليس جسم الجريمة معدوما في الحالتين ولا داعي للتفرقة بينهما.
ب المذهب الشخصي :
يرى أنصار هذا المذهب أنه يجب النظر إلى الفاعل و خطورته لا إلى الفعل كما كان يذهب إلى ذلك أنصار المذهب السابق و لذلك فهم يرون معاقبة الشروع في كافة الأحوال الأخرى لا فرق بين ما إذا كان التنفيذ ممكنا أو مستحيلا و ما إذا كانت الإستحالة مطلقة أو نسبية مادام الفاعل قد أظهر نيته في إرتكاب الجريمة بأفعال مقاربة لها و في ظروف تقطع بخطورته و يضاف إلى ذلك إستحالة الجريمة و إن كانت تمنع المجرم عن تنفيذ الجريمة فإنها لا تحول دون إبراز نفسيته الإجرامية الخطيرة.
و بعبارة أخرى مادام أساس العقاب هو النفسية الإجرامية الخطيرة على المجتمع فهي كما تظهر من الشروع في جريمة موقوفة أو خائبة تتضح كذلك من الشروع في جريمة مستحيلة و تستوجب العقاب دون التفريق بين الإستحالة و ما إذا كانت نسبية أو مطلقة غير أنه حتى أشد أنصار هذا المذهب تطرفا يستقون بعض حالات خاصة من العقاب كما لو كانت أفعال المتهم تدل على جهل فاضح و غفلة زائدة كمن يحاول قتل آخر بوسائل سحرية و هو يعتقد بتأثيرها. و كمن يعطى آخر بقصد القتل كمية كبيرة من السكر و لكنه يعتقد أنه صالح لأحداث الوفاة و ذلك لأن الجريمة في هذه الحالة لا تكون مستحيلة بل في الواقع جريمة وهمية صورية لا وجود لها إلا في مخيلة مرتكبيها فضلا عن أن مثل هذا الشخص الذي هو على درجة كبيرة من الجهل و الغفلة فكيف تكون نفسيته منطوية على الإجرام.

القصد الجنائي :
و هو ركن يشترط توافره في جريمة الشروع شأنه شأن الجرائم العمدية الأخرى و القصد اللازم توافره في الشروع هو نفس القصد المشترط توافره في الجريمة التامة و هو إتجاه إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة مع علمه بكافة عناصرها و أركانها القانونية فإذا كان القانون يتطلب في جريمة القتل إزهاق الروح و في السرقة إختلاس الأموال المملوكة للغير و هو في جريمة الشروع في القتل أو السرقة يتطلب نفس النية أيضا فإذا نجح الجاني في بلوغ هدفه تكون الجريمة تامة و إن لم ينجح لأسباب مستقلة عن إرادته وقفت عند حد الشروع.
و يثبت القصد الجنائي عادة في حالة الشروع بكافة وسائل الإثبات المتبعة في المسائل الجزائية. كإعتراف المتهم و قرائن الأحوال يثبت من نوع السلاح المستعمل و مكان الإصابة فمن يطلق عيارا ناريا على آخر في رأسه أو يطعنه بسكين في صدوره فلا شك في أنه يرتكب فعلا يستدل منه على نية القتل و من يضع نارا في جرن من القمح فلا جدال أنه يقصد الحريق. و القصد الجنائي يتوفر دائما في الجنايات لأنها كلها جرائم عمدية أي مقصودة و كذلك في الجنح العمدية مثل جنح الضرب أو إحداث جروح أو ما إليها. و إنما لابد من أن ينص القانون على عقاب الشروع فيها حيث لا عقاب على الشروع في الجنح إلا بنص خاص صريح في القانون كما نصت على ذلك المادة 31/1 من قانون العقوبات الجزائري.
و أما المخالفات فلا عقاب على الشروع فيها إطلاقا و أما الجرائم غير العمدية و هي التي لا يتوافر فيها ركن العمد و بالتالي لا يوجد لدى فاعليها قصد جنائي. فلا عقاب على الشروع فيها لإنعدام ركن من أركانها الهامة و هو الركن المعنوي أو القصد الجنائي. فلا عقاب على الشروع في القتل الخطأ أو الإصابة الخطأ كمن يقود سيارة بسرعة في طريق مزدحم فيدهم أحد المارة أو من يلقى بشيء من نافذة مسكنة دون إحتياط فيقع على إنسان و يصيبه فمثل هذه الجرائم لا يعاقب على الشروع فيها بإعتبارها شروعا و إنما قد يعاقب عليها القانون بنصوص خاصة أخرى و بإعتبارها جرائم مستقلة و لما كان القصد الجنائي ركنا هاما من أركان الشروع فيجب على محكمة الموضوع أن تذكره في حكمها بالإدانة و تبين أن الجاني كانت لديه نية إتمام الجريمة التي عوقب على الشروع فيها.

أساس العقاب على الشروع
يختلف الفقه حول مسألة العقاب على الشروع، لكن هناك اتفاق في الموقف التشريعي والقضائي.
أولا: موقف الفقه من العقاب على الشروع :
أ) المذهب الموضوعي :
ـ يعتد بالضرر الاجتماعي، إذ لا عقوبة على مجرد الشروع بفعل يعرض المصلحة الاجتماعية للخطر دون أن يسبب لها ضررا ولا يمثل إخلالا فعليا بالنظام الاجتماعي. ولا عقاب على مجرد الشروع لأن مناط قيام الجريمة هو تحقق النموذج التشريعي، فالعقوبة مرتبطة بالتحقق الفعلي لضرر الجريمة.
ـ يعاب على النظرية الموضوعية أنها تسمح بالإفلات من العقاب لكل الأفعال التي لا تحدث نتيجة، حتى ولو كان عدم تحقق النتيجة راجع لظروف خارجة عن إرادة الفاعل.
ويميل إلى التخفيف من العقوبة على المحاولة، فما دامت النتيجة الإجرامية لم تتحقق فيكون من العدل أن تخفف عقوبتها عن عقوبة الجريمة التامة.
ب) المذهب الشخصي :
ـ لا يهتم بالنتيجة الجرمية، وإنما يعتد بدرجة الفساد والانحلال الأخلاقي للشخص أو درجة خطورته الإجرامية وضعف قابليته للإصلاح، فإن الشروع الذي يكشف عن الإرادة الإجرامية والطبيعة الخطرة لشخصية الفاعل هو أكثر خطورة من الجريمة التامة، لذا يجب أن يقمع بصرامة. وعلته، هو تعريض المصلحة المحمية لخطر الاعتداء عليها، فالعبرة بالنية الإجرامية التي اتجهت لتحقيق النتيجة الجرمية حتى ولو لم تتحقق فعلا.
ـ يساوي هذا المذهب في العقاب بين الجريمة التامة والجريمة الناقصة، لأن تخلف النتيجة لا يرجع لإرادة الجاني وإنما إلى ظروف خارجة عن إرادته، لذلك فاستحقاقه العقاب لا يقل عن استحقاق مرتكب الجريمة التامة.
-يعاب على النظرية الشخصية معاقبة كل أنواع المحاولة لارتكاب الجريمة دون تمييز، وبنفس العقوبة المطبقة على الجريمة التامة لمجرد ظهور الإرادة الإجرامية.
جـ) في الشريعة الاسلامية :
القاعدة في الشريعة أن العقاب على الشروع هو عقاب تعزيري يقدره ولي الأمر ولا يكون مثل عقوبة الجريمة التامة ولا من جنسه، فلا يعاقب الشروع في السرقة بعقوبة السرقة ولا يعاقب الشروع في القتل بعقوبة القتل ولا الشروع في الزنى بعقوبة الزنا، لقوله صلى الله عليه وسلم " من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين". ولكن يجازى الشخص على الفساد، والترويع، وقصد الشر والعمل على تنفيذه، لأن هذا القصد انتقل من مرتبة التفكير إلى مرتبة السعي للتنفيذ، وفات التنفيذ لأمر لم تكن فيه للجاني إرادة. وخالف البعض هذا الرأي استنادا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما الآخر فالقاتل والمقتول في النار "، فقالوا يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول ؟ قال " إنه كان حريصا على قتل صاحبه"
ثانيا: موقف التشريع من العقاب على المحاولة :
ـ كل التشريعات متفقة على معاقبة المحاولة لكن اختلف أساس العقاب لديها.
ـ التشريعات التي تستلهم من النظرية الموضوعية لا تعاقب على الشروع إلا في جرائم معينة هي الجنايات وبعض الجنح وهذا إذا كانت الإرادة الإجرامية ظاهرة بواسطة البدء فى التنفيذ، وفي جميع الحالات بعقوبة أقل شدة من الجريمة التامة.
ـ التشريعات التي تكرس النظرية الشخصية تعاقب على الشروع في جميع أنواع الجرائم، وبنفس عقوبة الجريمة التامة حتى ولو كان الفعل بسيطا وتافها أو لم يكن هناك بدء في التنفيذ أصلا، المهم هو أن الإرادة الجنائية تظهر بوضوح.
موقف التشريع الجزائري جاء مستخلصا من كلا النظريتين .
ـ أخذ من المذهب المادي حصر العقاب في بعض الجرائم فقط وهي الجنايات وبعض الجنح بموجب النص الخاص، فمثلا لا يعاقب على الشروع في جريمة انتهاك حرمة منزل الفعل المجرم بالمادة 295ق ع ولا عقاب على الشروع في المخالفات. بينما المادة 350 تقرر صراحة العقاب على الشروع في السرقة.
ـ ويأخذ بالمذهب الشخصي عندما يساوي بين الشروع والفعل التام في العقوبة.
وانتقدت فكرة المساواة في العقوبة بين الشروع والفعل التام فكان الموقف المؤيد يجد الحل للحالات التي قد لا يستحق فيها الشروع نفس عقوبة الفعل التآم في التفريد القضائي للعقوبة وإعطاء السلطة للقاضي بتقدير العقوبة المناسبة. والملائمة بين حديها الأدنى والأقصى، أو النزول عن الحد الأدنى إن وجد من الظروف القضائية المخففة ما يبرر ذلك.

look/images/icons/i1.gif الشروع في الجريمة في القانون الجزائري
  10-11-2021 11:27 صباحاً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 12-06-2021
رقم العضوية : 28091
المشاركات : 50
الجنس :
قوة السمعة : 10
الشروع في الجريمة في القانون الجزائري موضوع مميز شكرا لك

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
الشروع ، الجريمة ، القانون ، الجزائري ،









الساعة الآن 07:55 AM