جريمة القتل العمد و القتل غير العمد في القانون الجزائري.
شرح جريمة القتل العمدي و القتل غير
العمدي وفق القانون الجزائري.
أولا جريمة القتل العمدي في القانون الجزائري.
ثانيا جريمة القتل غير العمدي في القانون الجزائري.
ثالثا التعويض في جريمة القتل العمدي والقتل غير العمدي.
أولا جريمة القتل العمدي في القانون الجزائري.
تعريف جريمة القتل العمد :
تم تعريفه بنص المادة 254 قانون العقوبات " القتل إزهاق روح إنسان عمدا "، هذا التعريف ينظر إلى قتل شخص عادي أما إذا كان المجني عليه أب أو أم فيأخذ وصف قتل الأصول والذي عرفته مادة 258 ق.ع "قتل الأصول هو إزهاق روح الأب أو الأم أو أي من الأصول الشرعيين".
كما أن المادة 259 قانون عقوبات حددت وعرفت قتل الطفل بحيث إعتبرته "قتل الأطفال هو إزهاق روح طفل حديث العهد بالولادة" بحيث أن هذه الأوصاف الثلاثة حدد لها المشرع عقوبة خاصة خاصة بها وهذا يعني أن جريمة القتل يجب أن تتضمن الجانب الشرعي والمتمثل في البحث عن النصوص القانونية ، ثم الجانب المادي أي البحث عن موضوع الجريمة ،السلوك المادي لتحقيق هذه الجريمة ثم الجانب المعنوي وهو البحث عن القصد الجنائي ، وأن جريمة القتل تتنوع كما سبق ذكرها إلى قتل عمدي وغير عمدي .
وفيما يخص الجانب الشرعي يتعين البحث عن النص الواجب التطبيق وذلك بالرجوع إلى موضوع الجريمة وعناصر الملف ، فإذا كان موضوع الجريمة إنسان حي وحدثت الوفاة فنكون أمام جريمة قتل لأن المشرع يعتبر القتل هو إزهاق روح حياة إنسان ، فبالتالي لإذا ثبت بأن موضوع الجريمة ليس شخص حي فهنا لا يشكل جريمة القتل بل يشكل إعتداء على حرمة الموتي المعاقب عليه بنص مادة 150-154ق.ع والتي تتعلق
بتدنيس القبورأوالمساس بالحرمةالواجبةللمقبرة والدفن وإخفاء جثة بعدإخراجهاأوتشويهاأوتوقيع عليهاأعمال وحشيةهذه النصوص تجعل من الفعل جنحة معاقب عليها بالعقوبة المقررة لها بالنص ولكن من بين شروطها أن يكون الشخص ميتا ، وحتى إخفاء الشخص من أجل قتله يشكل شروعا ولكن إذا أخفى الجثة فيعاقب طبقا لنص المادة 154 أي أنه في جميع الحالات الفرق واضح من حيث موضوع الجريمة فالقتل يشترط الحياة أما إذا وجدت وإنتهت ووقع التعدي لاحقا عليها فنخرج من باب القتل .
يلاحظ أن المشرع حدد لجريمة القتل مادة 254-263 ق.ع أي ما يقارب 9 مواد وأغلبها جنايات بل جميعها جنايات وبالتالي فالشروع معاقب عليها بدون حاجة إلى البحث عن نص خاص وفقا للقواعد العامة السالفة الذكر (الشروع في الجنايات معاقب عليه بدون حاجة لنص ، في الجنح إلا بوجود النص، في المخالفات لايعاقب عليه إطلاقا).
كما يلاحظ أن المشرع أدخل بنص م263 وم263 مكرر1ق.ع جريمة التعديب وإعتبره صورة من صور القتل وحدد له عقوبة خاصة وبالتالي يجب التأكد من تاريخ الوقائع لتحديد ما إذا كان النص الوارد في م263 المستحدث سنة 2004 ينطبق على الوقائع أم لا وذلك بمراعاة القانون الأصلح للمتهم إذا توافرت شروطه على العموم القاضي ملزم بالإرتباط بالنص الذي يعرف الجريمة والإشارة إليه في حكمه وملزم بتحديد النص
الذي يحدد العقوبة ، وفي ذلك يقوم بالتكييف القانوني وهذا التكييف يتحدد له الإختصاص النوعي والشخصي بحيث ما دامت العقوبة المقررة في جريمة القتل العمدي بصوره المختلفة هي السجن إلى الإعدام فإن الجاني يحال على محكمة الجنايات ولايمكن أن يحال علىمحكمة الجنح أوالمخالفات،مما يستوجب بالتبعيةوجودقرارإحالةصادرعن محكمةالجنايات وبموجبه يحاكم الجاني.
الخلاصة : جريمة القتل تشكل جناية ، الشروع معاقب عليها ، والشخص يحاكم أمام محكمة الجنايات ,يعاقب على القتل العمد بالسجن المؤبد حسب المادة 263 من قانون العقوبات في فقرتها الثالثة إضافة الي تطبيق عقوبات تكميلية المنصوص عليها في المادة 9 المعدلة بموجب قانون 2006 ، وتكون إما إلزامية و إما اختيارية .
أركان جريمة القتل :
1-الركن المادي :
يتحدد بالنظر إلى محل الجريمة أو موضوع الجريمة كمايتحدد بالنظر إلى السلوك المادي ، محل الجريمة. المشرع في نص م 254 ق.ع إستوجب أن يكون محل الجريمة إنسان حي تتوافر صفات الإنسانية فيه وشرط الحياة وهو ما عبر عنه "روح" أي أن يكون الإنسان حيا،غياب ذلك تنعدم جريمة القتل ، بحيث إذا كان ميتاتصبح جريمة الإعتداءعلى حرمة الموتى م15 -154 ق.ع التي تتمثل في تدنيس القبور،تشويه جثة أوإخفائها،والعقوبة بهذه الصورة الأخيرةهي الحبس وبالتالي جنحةوليس جناية (م 5 ق.ع : السجن جناية من 5 إلي 20 سنة،الحبس في الجنح من 2 أشهر إلي 5 سنوات،الحبس من يوم إلى 2 أشهر في المخالفات).
إذا كان محل الجريمة حيوان فيخضع لأحكام م 443 ق.ع التي تتكلم عن قتل الدواب والمواشي وغيرها بالإضافة إلى م449ق.ع ، بحيث إذا كان موضوع الجريمة حيوان فالوصف القانوني يختلف إطلاقا
فيعني الوصف من جناية إلى مخالفة بحيث يصبح الوصف ليس قتل بل التعدي على ملك الأشياء ، غير أن الحياة تنعدم وتنعدم معها جريمة القتل إذا وقعت الجريمة قبل أن تبدأ حياة الإنسان أو أن الجريمة قد
وقعت بعد إنتهائها كإعدام جنين في بطن أمه ونكون أمام جريمة الإجهاض التي حدد لها المشرع نصوص خاصة بها في م304-313 ق.ع التي هي موضوع دراسة خاصة نظرا لتنوع صورها هي أيضا من جناية إلى جنحة فمخالفة.
غيرأن الأمر يتعقد بالنسبة للإستحالة المطلقة القانونية بحيث شرط الحياة لا يتصورتحقيقه في المجني عليه مسبقا وأن الجاني عقد العزم على قتله فهل ذلك يمثل شروعا بإعتبار أن الشروع يتخذ عدة صور منها الشروع الموقوف والشروع الخائب والشروع المستحيل الذي سنراهم لاحقا ؟.
بحيث الإستحالة المطلقة كإطلاق رصاصة على شخص تأكد من أن وفاته تمت قبل الإصابة فهل هذايشكل شروع أوتعدي على حرمة الموتى؟ وهذا ما سنتناوله في باب نتيجة القتل.
على العموم جريمة القتل تتحقق بتوقف وظائف الجسم توقفا تاما وإنتهاء الحياة ، أما إذا كانت الوظيفة قد توقفت سابقا فهذا مصدره الشروع ولكن هل بمجردتوافرالحياة وتوقف وظيفة الجسم يشكل جريمة القتل ؟.
بصفة عامة المشرع يتكلم عن القتل عند توافر الحياة ، أما قبل توافر الحياة فيتكلم عن الإجهاض غير أنه يفرق في العقوبة إذا تعلق بطفل حديث العهد بالولادة وبالتالي يجب تبيان لحظة إبتداء الحياة لأن ذلك ضروري لتحديد النص الواجب التطبيق ، فعلى العموم يعتبر الشخص حيا بعد ولادته نكون أمام قتل (بعد إنتهاء الولادة مباشرة) ونكون أمام قتل طفل حديث العهد بالولادة فلحظة الحياةالتي تبدأ بالولادة وصلاحية الجنين بالحياةحيث أنه قابل للتأثربالعالم الخارجي نكون أمام جريمة قتل.
على العموم فيقدر توافر الحياة في الإنسان بتحقق الركن المادي في الجريمة بغض النظر أن كان صغيرا أو كبيرا غنيا أو فقيرا فالجريمة تستند إلى الجاني ولو كان محكوما عليه بالإعدام أي أن الضحية هي التي حكم عليها بالإعدام ، كما أن القيام بقتله يكون جريمة ، لأن حق قتله يكون مرتبطا بعقوبة الإعدام ، وحتى إن كان مريضا لايرجى شفاؤه وتم القتل بناء على طلبه لتقليل الألم فالجاني يعتبر مسؤول ، وكذلك إذا كان المجني
عليه مشوه طبيعيا .
وكذلك إذا كان متخلف ذهنيا أو عقليا فلا يمكن لأحد القضاء على حياة ، بل لكل شخص حق في الحياة فالمشرع إستعمل عبارة إنسان حي دون تمييز ، بمفهوم آخر يجب إثبات الحياة في الإنسان وإثبات إنتهائها بفعل إنساني دون الدخول في وصف والبحث عن المجني عليه ، فهو ليس محل إعتبار فحياته هي محل إعتبار فهي جديرة بالحماية . على العموم الحياة و الوفاة تثبت بشهادة الميلاد وشهادة الوفاة التي يحررها الطبيب في غياب ذلك يجب اللجوء إلى الشهود المؤكدين بأن الشخص كان حيا ثم تعرض إلىالوفاة وكذلك اللجوء إلى وسائل علمية .
يلاحظ أن جريمة القتل تتميز عن جريمة الإنتحار بحيث الإعتداء على حياة الشخص المؤدي إلى الوفاة وإزهاق الروح بالنسبة للقتل يتم من طرف الغير أي أن هذا الغير هو الذي يعتدي على شخص آخر ، أما الإنتحار فهو إعتداء الشخص على نفسه ويؤدي إلى إلى وفاته أي أن الجاني والمجني عليه واحد وبالتالي لا يعتبر قاتلا والفعل لايوصف بالقتل وإنما يعتبر منتحرا والفعل يشكل إنتحارا والتجريم منعدم.
غير أنه يلاحظ أن الشريك الذي يساعد على إحداث الوفاة سواء بأفعال مسهلة أو مساعدة سابقة أو معاصرة فيعاقب على أساس أنه شريك في جريمة افنتحار ، في ذلك خروج عن النص الذي يشترط لمعاقبة الجاني كفاعل أصلي ومعاقبة معه الشريك أن تتوافر الجريمة الأصلية ، بينما فيما يتعلق بالإنتحار فثمة خروج عن المألوف ، وهذا ما نصت عليه المادة 273 ق.ع التي تنص " كل من ساعد عمدا شخصا في الأفعال التي تساعده على الإنتحار أو تسهله له أو زوده بالأسلحة أو السم أو الآلات المعدة للإنتحار مع علمه بأنها سوف تستعمل في هذا الغرض يعاقب بالحبس من سنة إلى 5 سنوات إذا نفذ الإنتحار"،
أي أن الشريك يعاقب على أساس جنحة لكن بشرط أن تحدث الوفاة للمجني عليه وبمفهوم المخالفة إذا لم ينفذ الإنتحار فتنعدم المسؤولية أي أن الشروع لايعاقب عليه وبالتالي فإن المشرع يميز بين حالة الإنتحار وحالة القتل ، فالقتل الشريك معاقب عليه إذا توافرت الجريمة الأصلية وهي القتل أما في الإنتحار فالشريك يعاقب عليه بشرط أن يتوافر الإنتحار بحيث غياب الإنتحار يؤدي إلى غياب الجريمة وهذا الإشتراك معاقب عليه رغم غياب الجريمة (الجاني في شروعه على الإنتحار لايعاقب عليه).
2- السلوك الإجرامي لجريمة.
القتل : جريمة القتل من الجرائم ذات الوسيلة الحرة أي قد يقع بجميع الوسائل المختلفة دون تمييز فالمشرع لايحصرها في وسيلة معينة أي أن المركز المادي يتحقق بإستعمال أي وسيلة فكل وسيلة صالحة لإحداث الوفاة تجعل الجريمة قائمة فالوسيلة قد تتمثل في إعطاء مادة ضارة، إستعمال شرارة كهربائية،سلاح،سيارة...
وقد تحدث هذه الوسيلة أثر مباشر أو غير مباشر كإعطاء مادة سامة تحدث مفعولها لاحقا ، بحيث المحكمة لاتبحث عن الوسيلة وإذا طر حت بشأنها الأسئلة فيكون الغرض منها إثبات جريمة القتل فقط ، فإذا إستعمل الجاني سكين مخصص للدبح فيفيد أنه يريد جريمة القتل ، وإذا إستعمل سكين صغير فأحدث الوفاة فهنا تطرح مسألة القصد الجنائي .
وهنا تلاحظ أن الوسيلة ليست محل إعتبار إلا لإثبات الجريمة ، وهذا عكس الضرب و الجرح العمدي ، فالوسيلة تعتبر ظرف مشدد ، وغالبا ما يعبر عنها بالسلاح الأبيض بحيث التكييف القانوني لجريمة الضرب مرتبطا بهذه الوسيلة ، أما القتل فخلاف ذلك ، وقد تكون الوسيلة مادية كما قد تكون معنوية ، كأن يموت الجاني خوفا ما دامت الوسيلة تصلح لتحقيق عنصر الإعتداء ، وقد تحدث الوفاة بفعل واحد أو عدة أفعال متكررة.
فالمهم هو حدوث النتيجة ، فالنتيجة هي عنصر أساسي وجوهري لجريمة القتل ، وهذا لكون هذه الجريمة جريمة إيجابية فلابد من حدوث الوفاة ، فهذه الوفاة هي النتيجة في جريمة القتل وهي الأثر المترتب على سلوك الجاني ، غير أنه لايشترط أن تحدث الوفاة مباشرة فور وقوع الفعل بل تحدث بعد فترة زمنية ما دامت علاقة السببية قائمة ، ويجب أن يقدم الدليل على الوفاة وذلك بتحرير شهادة طبية من الطبيب ، وهذا حتى ولو لم تعرف شخصية الجاني.
ولكن هل يمكن معاقبة شخص في غياب الجثة ؟ هذه الإشكالية تطرح لأن إختفاء شخص لاتعتبر دليلا على وفاته وبالتالي يجب إثبات هذه الوفاة قضائيا والمتهم لايطالب على إقامة الدليل على قيامه بفعل القتل أو أنه على قيد الحياة ، وهذا حتى ولو كان الشخص خاضعا لرقابته ليكون يعمل عنده أو يتعلم عنده ، وغالبا في غياب الجثة تنعدم جريمة القتل ، ولكن هذا لايمنع من قيامها رغم غياب الجثة إذا توافرت أدلة قطعية لذلك.
غير أنه قد تغيب النتيجة في هذه الحالة الجريمة قائمة بشرط أن يكون هناك سلوك مادي يتمثل في البدء في التنفيذ وهو القيام بأعمال لا لبس فيها تؤدي إلى إحداث الوفاة ، وأن تغيب النتيجة لظروف خارجة عن إرادة الجاني بحيث العدول راجع إلى ظروف خارجة كسماع ضوضاء ، عدم صلاحية الوسيلة وغيرها من العوامل ، وجريمة القتل كذلك في غياب النتيجة وهذا لخيبة أثرها بحيث أن الجاني قام بجميع الوسائل بدأ السلوك وإنتهى لكن الجريمة لم تحدث.
لكن الإشكالية تطرح للحالة التي تكون فيها الضحية قد توفيت قبل قيام الجاني وعزمه علىقتلهافهل يعاقب على الشروع أولا ؟.
حيث نكون أما إستحالة حدوث النتيجة وهذه الإستحالة قانونية ، إذن المشرع إشترط لتوافر الجريمة أ، يكون الإنسان حي ومادام الإنسان قد مات أي لم يتوافر فيه عنصر الحياة فالحديث عن الشروع يصبح بدون موضوع ، ولهذا غالبا ما يلجأ القضاء إلىإعادةتكييف الوقائع إلىالتعدي على حرمة الموتى ، والبحث عن النص إذا كان يعاقب على الشروع أم لا لأننا أمام جنحة . بعدما تثبت النتيجة وهي وفاة الضحية ، أو غيابها لظروف خارجة عن إرادة الجاني ، يجب البحث عن توافر العلاقة السببية بين النتيجة والفعل .
ولكن قبل البحث عن العلاقة السببية فهل يمكن أن تحدث جريمة القتل لللإمتناع ، ما دام قد سبق التأكيد على أن جريمة القتل إيجابية تستوجب نتيجة أي لابد من حركة عضوية ، سيما الجريمة السلبية أو جريمة
الإمتناع لايشترط فيها القانون النتيجة فرغم ذلك تحدث فهل يعاقب عليها الجاني كإمتناع الأم عن إرضاع وليدها من أجل إحداث الوفاة فهنا جريمة سلبية وهي الإمتناع ونتيجة مرتبطة بهذا الإمتناع .
يميل الفقه والقضاء إلى معاقبة الجاني علىأساس القتل غيرعمدي بالإضافة إلى متابعة الجاني بجريمة الإمتناع.
إذا توافر السلوك المادي وتوافرت النتيجة بالشكل المحدد سابقا فيجب البحث عن العلاقة السببية لأنها عنصر جوهري في جريمة القتل ، فالوفاة يجب أن تكون نتيجة فعل الإعتداء على الحياة ، فهذا الفعل هو الذي أدى إلى وقوعها ، بحيث إذا غابت النتيجة نكون أمام الشروع كما ذكر سابقا على شرط أن يتوفر لديه القصد الجنائي .
علاقة السببية أحيانا لاتعتبر مشكل قانوني مادام فعل الجاني هو العامل الوحيد الذي أدى إلى الوفاة كطعن شخص بسلاح وتوفي على إثر ذلك ، حيث الوفاة كانت نتيجة هذه الطعنات دون غيرها ، غير أنه قد
تتفاعل مع فعل الجاني بعض العوامل الأخرى تكون مستقلة قد تكون سابقة أو معاصرة وحتى لاحقة كأن يصاب شخص بطعنة بسيطة ولكن تحدث الوفاة بسبب أن الضحية كان مريض القلب ، ولم يستطع تحمل الصدمة فحدثت الوفاة ، أو أن يصاب الشخص برصاصتين صادرتين عن شخصين مختلفين ، وقد يصاب الشخص برصاصة وينقل إلى المستشفى ولخطأ طبي تحدث الوفاة فهل هذه العوامل لها تأثير في نفي جريمة القتل أم لا ؟
لقد حاول الفقه إيجاد نظرية متقاربة وملائمة لمعاقبة مثل هذاالسلوك.
أ- نظرية تعادل الأسباب :
يرى أصحاب هذه النظرية أن العوامل التي تؤدي إلأى إحداث النتيجة هي عوامل متعادلة فالعلاقة السببية تقوم بين الفعل و النتيجة إذا ساهم فعل الجاني مع غيره من العوامل في إحداث الوفاة ولو كانت أحد العوامل أشد في إحداث النتيجة فطالما أن فعل الجاني ساهم في إحداث النتيجة فيصبح مسؤولا ، فإذا قام شخص بطعن شخص آخر وساهم في إحداث الوفاة مرض الضحية السابق لأحداث الوفاة أو الخطأ الجسيم للطبيب ، أو وقع حادث مرور أثناء نقل الضحية في سيارة الإسعاف ، فالجاني يسأل عن ذلك ، أما إذا كان فعل الجاني لم يساهم في إحداث الوفاة بمعنى أن النتيجة تحث ولو لم يقم الجاني بذلك فلا يعتبر قتلا .
نرى أن هذه النظرية قد تم هجرها لأن الجاني قد يسأل عن أعمال وآثار ناجمة عن عوامل أخرى ساهمت إلى جانب فعله بإحداث الوفاة ، ولذلك ظهرت نظرية السبب الملائم .
ب - نظرية السبب الملائم :
بحيث تقتصر هذه النظرية على العوامل التي تعتبر ملائمة وكافية لحدوث النتيجة بحيث إذا كان وفقا للسير العادي للأمور إذا كان الفعل يؤدي إلى النتيجة فيعاقب طالما أن هذه العوامل متوقعة ، أما إذا كانت شادة وغير معروفة فالجاني لايعاقب على النتيجة.
على العموم القضاء يعتمد على النظرية الأخيرة ويعتمد بذلك معيار الأخذ بالرجل العادي ، غير أن الظروف الأخرى تكون غالبا ظروف مخففة لصالحه بحيث يسأل الجاني عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه ما لم تدخل عوامل أجنبية غير مألوفة التي من طبيعتها قطع العلاقة السببية .
بعد توافر هذه العناصر المادية ينتقل القضاء للبحث عن الجانب المعنوي وهذا البحث ضروري لأن جريمة القتل تأخذ وصف القتل العمدي المادة 254 ق.ع ووصف القتل الخطأ م288 ، وبالتالي يجب البحث عن الركن المعنوي ، ومادام القتل العمدي يشترط فيه العمدية ، فيعني ذلك توافر القصد الجنائي وهذا الأخير يجب أن ينصب من جهة على توافر الإرادة وإتجاه هذه الإرادة إلى إرتكاب الفعل ثم توافر العلم .
1- توافر الإرادة :
فهي تتوافر إذا كان الجاني مميزا أي يبلغ من العمر أكثر من 13 سنة أما إذا كان أقل فإنه لا يسأل فالمشرع لايسأله إطلاقا وفقا للقواعد العامة ويجب أن يكون الجاني شخص طبيعي يتمثل في الإنسان ، وبالتالي يستثنى الحيوان بالإضافة إلى الشخص المعنوي رغم تقرير المشرع لمسؤولية الشخص المعنوي ، لأن هذا الأخير لايسأل إلا إذا كانت الجريمة ترتكب لحسابه.
ولا يتصور إرتكاب جريمة قتل لحساب شخص معنوي (شركة مثلا) ولذلك إن الجريمة تنحصر في الجاني المجسد في الشخص الطبيعي دون غيره ، ويجب أن لايكون هذا الشخص في حالة جنون أو حالة إكراه،فإذا كان كذلك فيعفى من العقاب.
فبعد توافر صفة الجاني أي توافر الإرادة ، يجب البحث في كون هذه الإرادة إتجهت إلى فعل الإعتداء ، وإلى إحداث نتيجة ، وهي إزهاق روح وإذا لم تتجه الإرادة إلى ذلك أنعدم القصد الجنائي ، فإذا دفع شخص شخصا آخر فسقط على شخص عجوز فمات ، فهنا لايسأل على هذه النتيجة إذا لم تتجه إرادته إلى ذلك ، وغالبا ما يطلق شخص رصاصة في حفل فيصيب شخص آخرفهنالايعاقب علىالقتل لأن الإرادة لم تتجه إلى ذلك.
2 - توافر العلم :
إذ يجب أن يتوافر لدى الجاني العلم أي أن يكون عالما بقيامه بنشاط من طبيعته أن يؤدي إلى الوفاة وأن يتوقع حدوث النتيجة كأثر لرد فعله ، وحيث إذا حدثت نتيجة لم يتوقعها الجاني فهنا لايسأل عنها .
ويلاحظ أن القصد الجنائي قد يكون محدود وغير محدود .
1- القصد المحدد : ي
كون عندماتتجه إرادته إلىإحداث وفاةشخص معين أوأشخاص معينين بالذات فيصيب غير ذلك أي غير الأشخاص المحددين في ذهنه فهنا يعاقب على الشروع وجريمة القتل غيرالعمدي بالنسبة للأشخاص الغير موجودين في ذهنه .
2-القصد غير المحدد :
فهو إتجاه الجاني إلى إحداث القتل دون أي إعتبار للمجني عليه ، كوضع قنبلة في سوق ، فتحدث وفاة ، فهنا يعاقب الجاني على إحداث هذه النتيجة ، مما يفيد أن المشرع لم يميز بين القصد المحدد وغير المحدد .
وقد يحدث الغلط في شخصية الضحية فهنا لا تؤثر كذلك على جريمة القتل فمادامت النتيجة تحققت بصورة مجردة بغض النظر لشخص المجني عليه.
وأخير الباعث من أجل القتل ليس له أي أثر في تكييف الجريمة فقد يكون شريفا أو نبيلا فهو خارج عن إطار القصد الجنائي وبالتالي فالحكم لا يبرره إطلاقا ، وإذا ظهر الباعث وهذا بغرض الإستفادة من ظروف التخفيف أو التشديد.
إلى جانب هذا هناك القصد المباشر و القصد الإحتمالي :
1- القصد المباشر : بحيث يتوقع الجاني حدوث النتيجة وتتجه إرادته لحدوث الفعل .
2- القصد الإحتمالي : أما هنا فالجاني يقوم بسلوك معين فيتوقع إحتماليا حدوث الوفاة ، ويقبل هذا الإحتمال ، فالمشرع لم يميز بين هذا وذلك ، بل القضاء يتجه إلى إثبات الإرادة و وإثبات العلم وإتجاههما لإحداث النتيجة ، أو العلم بأنها سوف تقع لامحالة ويقوم بهذا الفعل .
على العموم القصد الجنائي يجب أن يثبت وقت إرتكاب الفعل ، ولو تأخرت النتيجة فالعبرة بهذا بهذا الوقت والتكييف القانوني يتحدد وفقا لذلك .
وإذا توافرت هذه العناصر المادية و المعنوية وتم تحديد النص الواجب التطبيق ما يجعل جريمة القتل قائمة ، غير أن هذا القتل قد يكون في بعض الحالات مصحوب بظروف التشديد : كسبق الإصرار أو الترصد ، أو مسبوق بجنحة أو جناية ، بحيث تختلف من عقوبة إلى أخرى ، وهذا ما أدى إلى تصنيف القتل إلى بسيط ومشدد ، وهذا للإختلاف في العقوبة ، فالأول يعاقب عليه عقوبة أصلية هي السجن المؤبد ، والثاني المصحوب بظروف التشديد فيعاقب بالإعدام . لهذا يتعين التمييز بين هذين النوعين من القتل . ففيما يخص القتل البسيط وهو سبق تحديده وهو إزهاق روح إنسان حي وإتجهت الإرادة إلى إحداث ذلك أما القتل العمدي مع سبق الإصرار يجب توافر أحد الظروف وهي الترصد ، سبق الإصرار.
وظروف أخرى والتي سوف نتناولها كالتالي : فالقتل قد يكون بسيطا خالي من ظروف التشديد وقد يكون مصحوب بظروف التشديد وهي ظروف موضوعية وليست شخصية، وبالتالي لتسند العقوبة إلى الشريك يجب أن يعلم بها .وظروف التشديد محددة على سبيل الحصر من طرف المشرع وهي الترصد،سبق الإصرار،قتل الأصول،وإصطحاب جريمة القتل بجريمة أخرى ،أولاحق القتل جريمة أخرى كالقتل من أجل السرقة .هذه الظروف الموضوعية يجب أن يبحث فيها القاضي ويطرح فيها السؤال :
هل هي متوافرة أم لا ؟
فإذا ثبت توافرها فلا يحدث أي تغيير في تكييف الجريمة لأن جريمة القتل في الأصل جناية وإنما الذي يتغير العقوبة ، لأنه بتوافر ظروف التشديد سالفة الذكر العقوبة هي الإعدام ، بحيث في غياب ظروف التشديد العقوبة هي السجن المؤبد ، والأخذ بهذه العقوبة أو غيرها له أهمية كبرى لأنه عند الإجابة بنعم عن ظروف التخفيف لايمكن للقضاء أن يقضي بعقوبة بأقل من 10سنوات في حال توافر ظروف التشديد لأن العقوبة في هذه الحالة هي الإعدام ، وخفض العقوبة إلى 5 سنوات إذا كانت العقوبة هي السجن المؤبد كما في العقوبة في جريمة القتل البسيط ، لذلك يتعين وجوبا معرفة توافر أو عدم توافر ظروف التشديد وهذا م 53 ق.ع القاضية بأحكام التشديد تطبيقا سليما .
سبق الإصرار و الترصد.
أولا : سبق الإصرار :
أما هذا الظرف عرفته م 256 ق.ع بقولها " عقد العزم قبل إرتكاب الفعل على الإعتداء على شخص معين أو حتى على شخص يتصادف وجوده أو مقابلته وحتى لو كانت هذه النية متوقعة على أي ظرف أو شرط كان " بهذا المعنى أن الإصرار السابق هو قصد مصمم عليه من طرف الجاني من أجل حداث النتيجة ، وسبق الإصرار متوافر حتى ولو كان معلقا على حدوث أمر موقوف على شرط ، وبالتالي فإن سبق الإصرار يعتمد على العنصر المعنوي بحيث تمر فترة من الزمن بين التحقق من نية الجاني في القتل و النتيجة ، ويجب إلى جانب هذا العنصر الزمني أن يتحقق عنصر ثاني وهو العنصر النفسي ويقصد به التفكير في الجريمة تفكيرا هادئا ومطمئنا ويقدم على الجريمة بحيث أن هذا الإقدام يبرر ويفيد الخطورة الإجرامية للجاني ، فلا يمكن مشابهته بالشخص الذي يرتكب القتل تحت تأثير الغلط أو إنفعال أو أي شيء آخر .
وبالتالي فإن سبق الإصرار حسب مفهوم م 256 يتضمن عنصرين : عنصر نفسي وعنصر زمني ، بحيث الجاني يقدم على إرتكاب الجريمة بعد تفكير هادئ وبعد ترو وتدبر ، ولو كانت الفترة بين هذا التدبير وحدوث النتيجة فترة قصيرة ، بحيث العزم على إرتكاب جريمة القتل وتنفيذها لاحقا ، ويجب على قضاة الحكم أن يتأكدوا من أن الجاني إرتكب الجريمة وهو في حالة هدوء ، وسبق هذا الهدوء تفكير وتدبر ، بحيث غالبا ما يتجسد ذلك بالتصميم على الجريمة وهو ما عبر عنه المشرع بعبارة العزم أي التفكير والتدبر في الجريمة وإستمرار هذا التدبر والتفكير وغالبا ما يتم ذلك من خلال رسم خطة لتنفيذ الجريمة وغالبا عند توافر سبق الإصرار الجاني لا يخطأ في النتيجة وفي توجيه الفعل .
ولكن إذا حدث ذلك فلا ينتفي القصد الجنائي ولاينتفي هذا الظرف ، بل يبقى سبق الإصرار قائما وقد يحدث أن يصمم الجاني على قتل شخص معين أو أشخاص معينين ولكن تحدث نتيجة غير النتيجة المتوقعة ، فهذا لا ينفي هذا الظرف بل يبقى قائما وهذا ما أكدته م 256 ق.ع بأنه لا يشترط لتوافر القصد أن يكون الشخص محددا مسبقا بل قد يكون غير ذلك ويتصادف معه الجاني ويقوم بقتله ، يبقى سبق الإصرار قائما،وهذا ما يجعل سبق الإصرار ينفصل عن القتل ، بل المادة 256 ق.ع ذهبت أبعد من ذلك أين أكدت أن سبق الإصرار يكون متوافر إذا كان موقوف على حدوث أمر أو شرط معين .
يلاحظ أن سبق الإصرار كما سبق ذكره هو حالة نفسية وبالتالي هو ظرف شخصي لا يتأثر به إلا من توافر فيه دون غيره من المساهمين في الجريمة(فاعل أصلي،أو شريك) وسبق الإصرار يختلف عن الإتفاق المسبق ، والإتفاق المسبق يشكل جريمة تكوين جمعية الأشرار ويفترض التعدد أما سبق الإصرار فلا يشترط هذا التعدد ، رغم وجود قرينة بين هذا وذاك غير أن التلازم غير مفترض إذ أنه قد يتم الإتفاق الإتفاق بين عدة أشخاص من أجل قتل شخصا معينا ويفكرون بذلك وتحدث الجريمة .
بحيث الهدوء وإنعدام الغضب لدى الجميع وقد يتوافر الغضب عند أحدهم دون الآخرين بحيث ينعدم سبق الإصرار ، كما أن بعض الجناة يفكرون تفكيرا هادئا في إرتكاب الجريمة ويتوافر لدى كل واحد منهم سبق الإصرار وقد يكون للبعض الآخرمنهم إنعدام التفكيرالمطمئن ، فينعدم لديهم سبق الأصرار، وفي كل هذا يتجسد أن سبق الإصرار ظرف شخصي يجب أن يحث عنه لدى كل جاني ، وكيف كانت وضعيته وقت إرتكاب الجريمة .
فعلى العموم سبق الإصرار والإتفاق الجنائي مختلف وغير متلازم وبالتالي يجب البحث لكل ظرف على حدى.
ثانيا : الترصـــد :
عرفته المادة 257 قانون العقوبات " إنتظار الشخص لفترة طالت أو قصرت في مكان أو أكثر وذلك إما لإزهاق روحه أو الإعتداء عليه " فقد ينتظر الجاني الضحية مختفيا وراء سور أ, شجرة أو غيرها ، وحتى الإنتظار في مكان ظاهر للناس ، وهذا الإنتظار قد يكون في طريق عام أو مكان خاص وحتى في مكان لايعتاد الضحية إستعماله أو لايمكن أن يتواجد فيه كالإختفاء في شرفة لغاية مرور الضحية .
كما أنه لا يؤخذ بعين الإعتبار مدة الإنتظار طالت أو قصرت ، فالترصد قائم إذا كان الإنتظار طويلا أو قصيرا ، وبالتالي فإن الترصد ظرف عيني يتعلق بماديات الجريمة أي إثبات هذا التواجد ، وغالبا ما يختلط الترصد مع سبق الإصرار فعلى العموم المشرع يعاقب على الترصد لأنه يتضمن في طياته عنصر المفاجأة ولما يتوفر عليه من عنصر الغدر خلسة ، بحيث الضحية بهذه المفاجأة لا يستطيع الدفاع عن نفسه بل يعتريه الإضطراب ، فإذا إنتظر الجاني الضحية من أجل مفاجأته بالإعتداء ، فإن عنصر الترصد يتوفر وهو مسألة موضوعية ترجع في إثباته إلى قضاة التحقيق وغرفة الإتهام ثم إلى إقتناع محكمة الجنايات بها .
وعلى العموم سبق الإصرار والترصد يجب أن يظهر في الحكم لأن ذلك يأخذ صفة الظرف المشدد لأن إنعدام هذا الظرف يمنع من تطبيق عقوبة الإعدام وللقول بأن المحكمة طبقت القانون وذلك بالنظر إلى العقوبة يتعين الرجوع إلى توافر ظرف التشديد.
يلاحظ أن هذا الظرف المشدد يقتضي مراعاة مايلي :
1- فيما يتعلق بالمادة المستعملة :
المشرع لم يحدد طبيعة هذه المادة فيكفي أن تكون مادة سامة تؤثر في الجسم تأثيرا كيمياويا يؤدي إلى الوفاة ، دون النظر إلى شكل هذه المادة فقد يكون شكلها سائلا أو غازيا ودون النظر في مصدرها نباتيا أو معدنيا ومهما كانت سرعة تأثيرها ، بل يكفي أن تعطى في ظروف تجعل لها آثارا سامة ، بمفهوم المخالفة أن هذه الجريمة لا تقوم إذا كانت المادة المستعملة سامة بطبيعتها ولكنها مزجت قبل إعطائها بمادة أخرى بحيث زال عنها صفة التأثير ، فالمادة تعتبر سامة ولولم تؤد إلى الوفاة إلا إذا أعطيت للضحية بكميات كبيرة لأن المشرع ينص على إمكانية إحداث الوفاة آجلا أم عاجلا.
على العموم فإن تحديد ما إذاكانت المادةسامة أم لا فهي تخضع إلى خبرة فنية غالبا ما يلجأ إليها القضاء ، بحيث يعتمد الخبراء على جدول خاص للمواد السامة المحددة بقانون الصيدلة وق.الصحة.
على العموم يجب أن تكون هذه المادة سامة من حيث الأصل فإذا لم تكن كذلك فالقتل يعتبر جريمة عادية كأن يعطي شخص شخصا آخر طعاما ممزوجا بمسحوق الزجاج أو أجزاءا من المسامير فيترتب عن ذلك الموت فلا تعتبر جريمة قتل بالتسميم بل تخضع لأحكام جريمة القتل العادية وفقا للمواد 254 و 563 فقرة أخيرةمن ق.ع بحيث العقوبة هي السجن المؤبد وليس الإعدام.
2- استعمال المادة السامة :
يعني تمكن هذه المادة من مباشرة تأثيرها على الجسم الإنساني ، ومادامت هذه الجريمة جريمة شكلية غير مرتبطة بتحقيق النتيجة ، بحيث مجرد استعمال المادة السامة
يجعل الجريمة قائمة ، ولهذا يلاحظ أن حدوث النتيجة لا يغير شيئا في التكييف القانوني للجريمة ، فعدم حدوث الوفاة لا يغير شيئا في تكييف الجريمة بحيث القتل بالتسمم يبقى على حاله.
ويلاحظ أن الشروع في هذه الجريمة يطرح إشكالية وبالخصوص أنه معاقب عليه لأن الجريمة جناية ولو لم ينص القانون على ذلك ، بحيث الشروع يختلط بالجريمة التامة إذ في كليهما لا تحدث النتيجة، ولهذاعمد القضاءإلى إبراز بعض العناصر وهي :
- وضع المادة السامة في متناول المجني عليه كخلطها بطعامه أوبوضعها في زيت أوقهوة أو غير ذلك ، أويسلمها له ليتناولها.
فيشترط أن تكون الأعمال التي يقوم بها الجاني تؤدي مباشرة إلى تمكين الضحية من تناول هذه المادة خارج ذلك لا يعتبر شروعا كوضع المادة السامة في مرحاض أو في مكان آخر بعيد عن متناول الشخص كوضعه في حديقة مثلا فهنا هذا الوضع لا يشكل شروعاولاجريمةأماوضعه فىبئريعتادالضحيةأخد الماء منه شأنه شأن الذي يضع المادةالسامةفي الطعام المعد للضحية،أما فى طعام معد للكلاب وتناوله شخص فهنالسنا بصدد جريمة بالتسميم لأن الأعمال التي قام بهاالجاني لاتؤدي مباشرةلإحداث النتيجة.
يلاحظ كذلك ان الجريمة قائمة عند الإستعانة بشخص آخر لإعطاء المادة السامة وذلك باعتبار الفاعل الأول فاعلا أصليا والثاني شريكا بشرط ان يعلم بأن المادة سامة أما إذا كان وسيطا لا يعلم شيئا فإنه لا يعاقب.
على العموم قد تؤدى المادة السامة عن طريق الفم او الأنف او الحنجرة أوغير ذلك ، إذ المادة 260 ق.ع تتكلم أيا كان استعمال أو إعطاء هذه المواد ، بحيث الوسيلة المستعملة غير مهمة .
وأخيرا يلاحظ أن الجريمة لا تشترط حدوث الوفاة كل ما يشترط ن توجد المادة السامة وتتم ملاحظتها ولو لم يتناولها المجني عليه ، غير أنه يلاحظ أن شراء المواد المكونة للمواد السامة تعتبر عملا تحضيريا ، فيجب أن تعد هذه المادة وتعرض للتداول من طرف الضحية أي توضع تحت تصرفه فإذا لم يضع الجاني المادة في تصرف المجني عليه فالجريمة تنعدم.
على العموم بعدإعطاءالمادةالسامة وتناولها وإحداث تأثيرها بجسم الضحية تعتبر جريمة قائمةبحيث العدول بإعطاء مواد لإزالة هذه المادة السامة ليس له أي أثر،إذطبيعة هذه الجريمة تقوم في غياب النتيجة . خارج هذه الحالات تبقى العقوبة هي السجن المؤبد .
- الجاني في جريمة القتل يجب أن يكون شخصا طبيعيا فقط وبالتالي لايمكن أن يكون شخصا معنويا رغم تقرير المشرع لمسؤولية الشخص المعنوي طبقا للم 18 و 51 مكررق.ع ولكن في جريمة القتل لا أحد يستدعي الشخص المعنوي يجب أن يتمثل الجاني في الإنسان وبالتالي يستبعد الحيوان.
- ويجب أن يكون الجاني مميزا أكثر من 13 سنة فإذا كان أقل يعفى من العقاب فتبقى المسؤولية المدنية فقط.
- ويجب أن يكون الجاني فاعلا أصليا أو شريكا ، فاعل أصلي عندما يكون على مسرح الجريمة وله دور في جريمة القتل.
كدور المرافق أوالحارس والشخص الآخر يقوم بالقبض علىالضحية و ثالث يقوم بالفعل المادي، وقد يكون في وضعية الشريك،وهنا لاتكون جريمة أصلية وتحدث الوفاة وهذا الفعل معاقب عليه.
أماإذا كانت الجريمة الأصلية منعدمة لسبب من أسباب الإباحة فالشريك لايعاقب علىالقتل ويجب أن يقوم بفعل إيجابى وليس بفعل المتفرج سواءبمساعدةالجاني مساعدة مادية أومعنوية بشرط أن تكون المساعدة سابقة
أو معاصرة لإرتكاب الجريمة وليس لاحقة،فإذاكانت لاحقة كأخذ الجثة إلى المقبرة فهنايعاقب على أساس إخفاء جثة لأن المساعدة لاحقة وليست معاصرة،لأن الشريك يشترط فيه الق أن يقوم بأفعال سابقة أومعاصرة بإستثناء حالة تقديم مسكن للأشرار الذين قاموا بالقتل فهنا يعتبر شريكا وهذا بحكم م 43 ق.ع،إذالم يأخذ الجاني إحدى هاتين الوضعيتين فلا يعتبر جاني.
- الجاني يأخذ بعد القتل صفة المشتبه فيه وبعد التحقيق صفة المتهم وبعد الحكم صفة المحكوم عليه .
ثانيا جريمة القتل غير العمدي في القانون الجزائري.
حدد له المشرع إطاره القانوني في المادة 288 قانون العقوبات واعتبر هذا القتل جنحة إذ خصص له عقوبة من 6 أشهر إلى 3 سنوات وبالتالي فهذه الجريمة من اختصاص محاكم الجنح وليست الجنايات أوالمخالفات إلا إذا أعادت محكمة الجنايات تكييف الجريمة إلى القتل العمد.
جريمة القتل غيرالعمدي مثلها مثل جريمة القتل العمدي يشترط المشرع لتحققها أن يكون محل الجريمة إنسان حي غيرأن الفرق هوفي الركن المعنوي،بحيث أنه في جريمة القتل غيرالعمدي الإرادة تتجه إلى إحداث الفعل دون النتيجة أي إلى إحداث الوفاة، بحيث النتيجة تحدث خطأ وهو ما يسمى بالخطأ غير العمدي، والقتل غير العمدي يتمثل في الخطأ وهذا الأخير.
يتجسد في صور متعددة والتي تأخذ إتجاهين :
1- توقع الجاني نتيجة فعله الإرادي دون قبولها.
بحيث يعتقد بأن الوفاة لن تحدث وتحدث رغها عنه ، كقيادة السيارة في مكان مزدحم بسرعة فائقة بحيث يعتمد الجاني على مهاراته ولكن تحدث النتيجة المتمثلة في القتل .
2-عدم توقع النتيجة إطلاقا من طرف الجاني.
ولكن كان بإمكانه توقعها لو إتخذ الحيطة والحذر ، والخطأ قد يكون مع التوقع وهو الخطأ الواعي بحيث يعتمد الجاني على عوامل أخرى لتجنب النتيجة ، ورغم ذلك فإنها تقع ، غير أن الجاني إذا لم يتخذ الحيطة والحذر ، أو لم يتخذ ما كان في وسعه أوما كان يجب عليه أن يتخذه ، وتقع النتيجة والمتمثلة في جريمة القتل ، فهنا يأخذ هذا القتل وصف القتل غير العمدي ويستفاد من هذا أن الجاني يخضع دائما إلى العقوبة لأنه يتوافر إلأى جانبه جزء من الإهمال و الرعونة وعدم الحيطة والحذر ، وقد تناول المشرع القتل غير العمدي في مادة 288 وحدد لها وصف الجنحة وهذه الجنحة قد تحدث بعدة صور أو أشكال تجسد الخطأ وهذه الأشكال هي :
الصورة الأولى الرعونة :
أي سوءالتقدير،ويقتضي ذلك الدراية التي تفترض في الجاني بحيث يعلم الجاني أنه يقود سيارة تشكل خطرا دون أن يكون ملما بقواعد السياقة،هذه الرعونة غالبا ما نجدها في ميادين خاصة وبالخصوص الميدان الطبي كإجراءعملية جراحية من شخص غيرمختص في الجراحة.
صورة الثانية عدم الإحتياط :
أي عدم الإحتراز والتبصربالعواقب كأن تضع الأم بجانبهارضيعهافتنام عليه فيموت،فهذا القتل نتيجة عدم الحيطة.وقدأضاف أيضاالمشرع الإهمال بالإضافةإلىعدم مراعاة القوانين واللوائح بحيث أن هذه اللوائح تحددسلوك معين يجب علىالشخص إتباعه غير أن الجانى أهمل ذلك فيتجاوزالسائق السرعة المسموح بها قانونا.
هذا الخطأ قد يكون مادياوهوالإخلال بالإلتزام المفروض على الناس كافة ، وقد يكون خطأ فنيا وهو الإخلال بإلتزام معين مفروض علىرجل الفن كالطبيب والصيدلي،بحيث كل مهنة تشترط شروطا معينة،بحيث إهمال مراعاتها،وعدم الإمتثال إليهايشكل صورة من صور الخطأ . يلاحظ أن الخطأ غير العمدي لا يعد سببا للإعفاء من العقوبة إلا إذا كان غير متوقعا أو كان غير قابل للمقاومة ، بحيث يقع الشخص تحت عامل الإكراه.
على العموم القتل غير العمدي أكثر شيوعا في حوادث المرور بحيث هذا القتل ناتج عن إستعمال مركبة ، ويلاحظ أن هذا القتل يختلف عن القتل العادي من حيث الوسيلة فالقتل غير العمدي الناتج عن حوادث المروريجب إستعمال مركبة، خلاف ذلك لايكون نتيجة إستعمال وسائل أخرى ، وهذا الإختلاف ليس في المتابعة أو العقوبة وإنما في التعويضات المقررة لذوي الحقوق،فالقتل الناجم عن إستعمال مركبة يعتبر قائما في حالةعدم التمكن من التحكم في السرعة إذ هذا الأخير ملزم أن يكون هو المتحكم في السيارة وليس العكس ، بحيث بخلاف ذلك يشكل خطأ ويتابع على جريمة القتل غير العمدي إذا حدثت الوفاة.
إطلاق طفل في طريق معبد وإصطدامه بسيارة يعتبر السائق مخطئا لأنه يقع عليه إلتزام مراقبة الطريق وملزم بتوقيف وتوجيه عربته بحيث أي خلل لذلك يعتبر مرتكبا لجريمة القتل ويكون مسؤولا على ذلك ، المشرع بشأن حوادث المرور جعل التعويض يقع على عاتق شركة التأمين أو الصندوق الخاص المحدد بالمرسوم 80-43 الصادر في 16/02/1980 المتضمن تطبيق م7 من الأمر 74 بحيث التعويض يتحمله الصندوق الخاص أو شركة التأمين.
كما هو الشأن في حالة عدم بلوغ الجاني السن الشرعي ، فالتعويض يتحمله الصندوق الخاص ويعتبر طرفا في النزاع حيث يتم إستدعاؤه من أجل تحميله التعويض ، هذا التعويض الذي يمنحه القاضي الجزائي يرتكز على وجود الخطأ بحيث إنعدام هذا الخطأ تنعدم الجريمة فالجريمة هي التي تشكل مصدر الضرر للمطالبة بالتعويض هذا كأصل عام ، لكن يلاحظ أنه في حوادث المرور حتى حصول الجاني على البراءة يتطلب التعويض ، بحيث يستفيد ذوي الضحية به ، سواء كان الجاني مخطئا أم لا فالجريمة قائمة على أساس نظرية المخاطر.
- يلاحظ أن التعويض محدد في القانون ولا يتدخل القاضي بتقديره وهو محدد على ضوء قانون 88-31 بحيث أ، هذا التعويض يوزع بنسبة مئوية وفقا للأجر الذي يتقاضاه المتوفي وفي غياب ذلك يرجع إلى الأجر الوطني الأدنى المضمون،غير أنه في حالة عدم إستعمال المركبة التعويض يكون بشكل جزافي يخضع إلى سلطة القاضي التقديرية .
- قد سبق وأكدنا أن العقوبة من 6 أشهرإلى 3 سنوات وغرامة من 1000 إلى 2000 دج ، غير أنه يلاحظ إذا إرتكب الجريمة بوسيلة المركبة فإن الجاني يعرض إلى عقوبة تكميلية وهي سحب رخصة السياقة وهذه العقوبة تشدد في حال إرتكاب جريمة القتل تحت تأثير الخمر أو تناول المخدر ، وفي حالة الفرار لغرض التهرب من المسؤولية المدنية والجزائية ، أو يتغيير حال الأماكن للتهرب من المسؤولية ، فبتوافر حالة السكر أو الفرار أو تغيير الأماكن فإن العقوبة تضاعف ، غير أن م 290 التي تتكلم عن هذه الظروف لا تحدد المقدار الذي تضاعف به العقوبة .
وأخيرا نشير أن إخفاء جثة الضحية وعدم الحصول على رخصة الدفن ، أو تشويه هذه الجثة يشكل جريمة خاصة حدد لها المشرع نصوصا خاصة م 150 وما يليها .
ثالثا : التعويض في جريمة القتل العمدي والقتل غير العمدي :
التعويض في جريمة القتل بنوعيها يشكل موضوع الدعوى المدنية التي يفصل فيها القاصي بالتبعبة.
أ- فيما يخص القتل العمدي :
فمحكمة الجنايات بعد أن تثبت الإدانة وتنطق بالعقوبة تجتمع وتفصل في طلبات الأطراف المدنية (ذوي حقوق المرحوم) وهذا التعويض يكون جزافا ، إما يصدر في حكم مستقل ويبين الحكم عناصره ، وغالبا ما قد يكون مبلغ إجمالي لكل واحد من الأطراف ، فقد يعطى للزوج أوالزوجة والأب والأم والأولاد وكذلك الإخوة . فعلى العموم يجب على القاضي أن يثبت الضرر.
ب- فيما يخص القتل غيرالعمدي :
هناك نوعين من التعويض
1- إذاكان القتل ناتج عن وسيلة نقل أي مركبة :
فهنا التعويض يكون بحسب قانون رقم 88-31 المتعلق بالمرور بحيث يحدد لكل طرف نسبة مئوية من رأس المال التأسيسي ، أي أن التوزيع لا يتم وفقا لقواعد الميراث بل يكون وفقا للقانون .
2- إذاكان القتل ناجماعن غيرمركبة أي بوسائل أخرى :
فهنا فالمشرع حدد نسب مئوية لكل ويكون التعويض جزافيا وكذلك لايخضع لقانون الميراث بل القاضي يحدده لكل طرف وفقا للضرر المادي و المعنوي للضحية . فالتعويض الذي يوزع بعنوان التركة هو ذلك التعويض الناجم عن فعل إجرامي لم يؤد إلى إحداث الوفاة وإنما هذه الأخيرة لاحقة له كإصابته بعاهة مستديمة كبتر أحد أرجله ثم مات لاحقا لسبب طبيعي فالتعويض ينقل إلى الورثة بعنوان التركة.