الأصل هو حرية أطراف التعاقد في اختيار شكل التعبير عن إرادتهم . أي أن الأصل في العقود هو الرضائية ، لذلك فإن وجود إرادتين متطابقتين ، أي إيجاب معين وقبول مطابق له عن تراض صحيح يكفي لانعقاد العقود بصفة عامة ، وينطبق ذلك بطبيعة الحال على العقد الإلكتروني .غير أن القانون قد يتطلب إفراغ التراضي في شكل محدد ، كأن يشترط أن يكون العقد مكتوب.عندئذ يكون التراضي غير كاف لانعقاد العقد وترتيب آثاره. وهو ما يثير التساؤل حول مدي إمكان استيفاء هذه الشكلية بنفس الطريقة التي يبرم بها العقد الإلكتروني أي استيفاؤها بدعائم ومحررات إلكترونية .التى تعبر عن الكتابة في صورتها الحديثة ، أي الكتابة الإلكترونية.
الفرع الثاني : التصرفات المستبعدة من الخضوع لقواعد العقود الإلكترونية :
ولتفادي إجراءات الشكلية والرسمية في العقود فإن هناك من القوانين الوطنية المختلفة من استبعدت تطبيق القواعد الخاصة بالعقود الإلكترونية علي بعض التصرفات القانونية الهامة وفضلت إبرامها في الشكل التقليدي دون الشكل الإلكتروني ، باعتبار أن هذه الأمور ليست متعلقة بالنشاط التجاري وليس لها علاقة بالمعاملات التجارية الإلكترونية ، وإنما هي فقط مجرد تصرفات مدنية أو شخصية بحتة ، كالزواج والهبة والوصية ، أو لكونها تصرفات لها أهميتها وخطورتها ، مثال ذلك رهن السفينة ، وتسجيل العقار ، والحقوق العينية الواردة على العقار بصفة عامة ، وأحكام وقرارات المحاكم وأوراق ومستندات التقاضي . وقد تكون تلك الاستثناءات لا مبرر لها إذ أن الشكلية الإلكترونية أمر أقرته غالبية التشريعات الحديثة بشأن العقود والمعاملات الإلكترونية ، ومن ثم فإن إبرام العقود الإلكترونية لا يقتصر على نوع معين من العقود ، بل يجوز إبرام كافة أنواع العقود إلكترونياً ولو كانت عقوداً شكلية ، لا سيما وقد ظهرت مهنة جديدة في مجال المعاملات الإلكترونية ، وهي مهنة الموثق الإلكتروني notaire-électronique ، وهو عبارة عن وسيط محايد ومستقل وموثوق فيه ، وقد يكون هذا الوسيط شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً ، وتتركز الوظائف الأساسية للموثق الإلكتروني في إثبات مضمون المستندات والعقود الإلكترونية وتوثيقها.
الفرع الثالث : أركان العقد الإلكتروني
تتحقق صحة العقد الإلكتروني بتحقق صحة أركانه: المحل والسبب والرضا والأهلية التي تنتظم بذات إطار القواعد العامة المنظمة للعقد التقليدي مع بعض الخصوصية لهذه الأركان، لعدم اتساع نطاق القواعد العامة؛ لتستوعب أهلية المتعاقدين إذ يصعب التأكد من هوية الأطراف المتعاقدة وأهليتها، وعليه ظهر إلى حيز الوجود التوقيع الإلكتروني وجهات التصديق الإلكتروني لمحاولة سد الثغرات في هذا النطاق.
عادةً ما يسبق انعقاد العقد الإلكتروني مرحلة التفاوض التي يتم فيها تبادل الاقتراحات والمساومات وتعرف بالفترة قبل العقدية علماً بإمكانية إبرام العقد دون المرور بهذه المرحلة، وقد ثار خلاف حول طبيعة المسؤولية المترتبة على قطع المفاوضات فيما إذا كانت تقصيرية أم عقدية، كما ثار خلاف حول الطبيعة القانونية للعقد الإلكتروني فيما إذا كانت عقد إذعان أم عقد رضائي، وتتحدد هذه الطبيعة بالطريقة المتبعة في إبرام العقد على شبكة الإنترنت فالعقود المبرمة عبرها عادةً ما تكون عقود إذعان وبخاصة تلك التي تنعقد عبر شبكة المواقع (الويب) أما العقود المبرمة عبر البريد الإلكتروني أو المحادثة مع المشاهدة فتكون عادةً عقوداً رضائية.
ينعقد العقد الإلكتروني بتراضي طرفيه ويتوقف وجود التراضي على تلاقي التعبير عن إرادتين متطابقتين بصدور إيجاب للتعاقد وقبول لهذا الإيجاب بإحدى طرق التعبير، ومن هذه الطرق وفقاً للقواعد العامة التعبير بواسطة اللفظ والكتابة والإشارة المتداولة عرفاً أو باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته، وهناك صور خاصة للتعبير عن الإرادة عبر الإنترنت في العقد الإلكتروني وهي التعبير عبر البريد الإلكتروني وعبر شبكة المواقع (Web) وكذلك عبر المحادثة المباشرة مع المشاهدة، وبالإمكان استخدام رسائل البيانات الإلكترونية للتعبير عن الإرادة عبر هذه الصور إضافةً إلى بعض الطرق الأخرى التي نظمتها القواعد العامة.
الإيجاب الإلكتروني لا يختلف في جوهره عن الإيجاب التقليدي سوى في الوسيلة المستخدمة فقط للتعبير عنه، وتبرز أهمية التفرقة بين الإيجاب والدعوة إلى التفاوض في تحديد ما إذا كان بالإمكان الرجوع عن الإيجاب، حيث أن اقتران الإيجاب بقبول يؤدي إلى انعقاد العقد ولا يتمكن الموجب من الرجوع عن إيجابه، بينما في حالة الدعوة إلى التفاوض يظل من حق المعلن الرجوع عن إعلانه حتى لو اقترن بقبول، وهناك شروط للإيجاب الإلكتروني، منها أنه يجب أن يكون موضحاً وموجهاً إلى شخص بعينه أو أشخاص معينين وأن يكون باتاً ومحدداً تحديداً كافياً.
كما تطبق القواعد العامة على الإيجاب الإلكتروني فإنها تطبق كذلك على القبول الإلكتروني في تنظيمه، وهناك طرق خاصة للقبول الإلكتروني تتماشى مع طبيعة العقود المبرمة عبر شبكة الإنترنت. منها تقنية التحميل عن بعد والضغط على الأيقونة الخاصة بالقبول وذلك بملء الفراغ المخصص بإحدى العبارات التي تعبر عن القبول. وقد يكون التعبير عن القبول صراحةً أو ضمناً، أما السكوت فلا يعتبر قبولاً إلا في حالات استثنائية وهذا الفرض يصعب تطبيقه على العقود المبرمة عبر الإنترنت.
الفرع الرابع : خصائص العقد الإلكتروني : ينفرد العقد الإلكتروني بعدة سمات تميزه عن العقود التقليدية هى :
1- إن إبرام العقد الإلكتروني يتم بدون التواجد المادي لأطرافه ، فالسمة الأساسية للتعاقد الإلكتروني أنه يتم بين عاقدين لا يجمعهما مجلس عقد حقيقي حيث يتم التعاقد عن بعد بوسائل اتصال تكنولوجية ، وينتمي إلى طائفة العقود عن بعد ، ولذلك فهو عقد فوري متعاصر ، وقد يكون العقد الإلكتروني غير متعاصر أي أن الإيجاب غير معاصر للقبول .ويشترك العقد الإلكتروني في صفة الإبرام عن بعد مع بعض العقود مثل التعاقد بالمينتل Minitel ، أو بالتليفزيون ، أو بالتليفون ، أو بالمراسلة كإرسال كتالوج ، ولكنه يتميز عن تلك العقود بتلاقي الأطراف بصورة مسموعة مرئية عبر الإنترنت ، ويسمح بالتفاعل بينهم .
2- في إبرام العقد الإلكتروني يتم استخدام الوسائط الإلكترونية حيث يتم إبرامه عبر شبكة اتصالات إلكترونية وتلك الوسائط هي التي دفعت إلى اختفاء الكتابة التقليدية التي تقوم على الدعائم الورقية لتحل محلها الكتابة الإلكترونية التي تقوم على دعائم إلكترونية .
3- يتصف العقد الإلكتروني غالباً بالطابع التجاري والاستهلاكي ، لذلك يطلق عليه عقد التجارة الإلكترونية ، وقد جاءت تلك الصفة من السمة الغالبة لذلك العقد حيث أن عقود البيع الإلكترونية تستحوذ على الجانب الأعظم من مجمل العقود ، ويترتب على ذلك أن العقد الإلكتروني يتسم بطابع الاستهلاك ومن ثم فإنه يعتبر ، في الغالب من قبيل عقود الاستهلاك .
4- العقد الإلكتروني يتسم غالباً بالطابع دولي ، ذلك لأن الطابع العالمي لشبكة الإنترنت وما يرتبه من جعل معظم دول العالم في حالة اتصال دائم على الخط On line ،. ويثير الطابع الدولي للعقد الإلكتروني العديد من المسائل كمسألة بيان مدي أهلية المتعاقد للتعاقد وكيفية التحقق من شخصية المتعاقد الأخر ومعرفة حقيقة المركز المالي له ، وتحديد المحكمة المختصة وكذلك القانون الواجب التطبيق على منازعات إبرام العقد الإلكتروني.
5- من حيث الوفاء ، فقد حلت وسائل الدفع الإلكترونية Electronic Payment System ، في التعاقد الإلكتروني محل النقود العادية وتتضمن وسائل الدفع الإلكترونية المستخدمة في التجارة الإلكترونية عدة وسائل منها البطاقات البنكية ، والأوراق التجارية الإلكترونية، والنقود الإلكترونية Electronic Money ، والتي تتمثل في نوعين هما ، النقود الرقمية Digital Money ، والمحفظة الإلكترونية Electronic Wallet ، بالإضافة إلى الوسائط الإلكترونية الجديدة التي ظهرت حديثاً مثل الذهب الإلكتروني E-gold ، والشيك الإلكتروني Electronic Check ، وتتم عملية تحويل الأموال إلكترونياً Electronic Fund Transfer ( EFT) بين أطراف العقد الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت بواسطة جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك SWIFT ، أو عن طريق شبكة الاتصال بين البنوك والتي تسمي مشروع بوليرو Bolero Project .
6- من حيث الإثبات ، فالدعامة الورقية هي التي تجسد الوجود المادي للعقد التقليدي ، ولا تعد الكتابة دليلاً كاملاً للإثبات ، إلا إذا كانت موقعة بالتوقيع اليدوي ، أما العقد الإلكتروني فيتم إثباته عبر المستند الإلكتروني والتوقيع الإلكتروني هو الذي يضفي حجية على هذا المستند .
7- العقد الإلكتروني عقد مقترن بحق العدول right to repent ، إذ أنه من المقرر، وفقاً للقواعد العامة وبموجب القوة الملزمة للعقد ، أن أيا من طرفي التعاقد لا يستطيع أن يرجع عنه ، فمتي تم التقاء الإيجاب بالقبول أبرم العقد ، ولكن نظراً لأن المستهلك في العقد الإلكتروني ليس لديه الإمكانية الفعلية لمعاينة السلعة والإلمام بخصائص الخدمة قبل إبرام العقد ، لأن التعاقد يتم عن بعد ، فإنه يجب أن يتمتع بحق العدول
8- تنفيذ العقود الإلكترونية: كما أن إبرام العقود الإلكترونية يتم عن بعد، فإن تنفيذه أيضا يمكن أن يتم عن بعد، دون انتقال الأطراف المادي والتقاؤهم في مكان معين، مثل عقود الخدمات المصرفية بين البنك والعميل (البطاقات الائتمانية)، وعقود الاستشارات القانونية بين المحامى وموكله، وعقود الاستشارات الطبية بين المؤسسات الطبية، وكل هذه العقود يتم تنفيذها عن بعد عبر شبكة للاتصالات عن بعد. أي أن العقد يتم تنفيذه على الشبكة مباشرة.
9- إثبات العقود الإلكترونية : يتم إثبات العقد الإلكتروني بوسائل إلكترونية، حيث يتم إثباته عبر الوثائق الإلكترونية، والتوقيع الإلكتروني.
10- القانون الواجب التطبيق على العقود الإلكترونية: حيث أصبحت العقود الإلكترونية تشكل نسبة كبيرة من حجم التجارة الدولية، وحيث إن كافة المعاملات الإلكترونية ذات طابع دولي، فان أغلب النظم تجمع على خضوعها لقانون إرادة الأطراف أسوة بالعقود الدولية، حيث يقوم أطراف العقد من خلال الشبكة ومن خلال الوسائل الإلكترونية باختيار القانون الواجب التطبيق على العقد بينهما. وفي حال عدم تحديد الأطراف للقانون الواجب التطبيق، يتولى القضاء تحديد القانون الواجب التطبيق بالنظر إلى قانون الدولة التي تم منها تقديم الخدمة، أو قانون الدولة التي يقيم فيها المستهلك.
الفرع الخامس : المشاكل القانونية التي تفرزها العقود الإلكترونية
أولاً: قصور القواعد القانونية التقليدية الحالية في نظرية العقد على حل المشاكل القانونية التي تفرزها العقود الإلكترونية وصعوبة تحقيق بعض المتطلبات القانونية الشكلية التي تفرضها القواعد العامة فى العقود كالكتابة والتوقيع.
ثانياً : خروج العقد الإلكتروني عن القاعدة التقليدية التي تقضي أن العقد شريعة المتعاقدين، فأعطت تشريعات حماية المستهلك في البيع عن بعد، الحق للمشتري في إعادة النظر في المبيع، فله الحق في استبدال المبيع أو رده دون أية مسئولية. بالإضافة إلى المسؤلية الملقاة على عاتق المهني، حيث تفرض عليه أن يؤكد الإيجاب مرة أخرى للمشتري بعد استلامه للقبول وذلك يعد خروجاً على القاعدة العامة التي تقضي بأن العقد ينشأ بمجرد إلتقاء إرادتين متطابقتين يعبر عنها بالإيجاب والقبول.
ثالثاً : الأصل أن الأهلية شرط في صحة العقد فإنه في بيئة التجارة الإلكترونية يصعب التثبت من أهلية المتعاقدين.
رابعاً : القاعدة العامة في نظرية العقد أنها تقف عند التعامل بين حاضرين وتمتد بين غائبين ولكن في نطاق ضيق قد لا يتعدى وسائل الاتصال العادية كالبريد والهاتف لكن تلك القاعدة لا تناسب التعاقد الذي يتم عبر شبكة الإنترنت.