بحث حول مفهوم العقد في القانون الجزائري
المبحث الأول ماهية العقـد
المطلب الأول مفهوم العقد
المطلب الثاني تعريف العقد
المطلب الثالث أركان العقد
المبحث الثاني: أساس القوة الملزمة في العقد
المطلب الأول: المقصود بمبدأ سلطان الإرادة
المطلب الثاني: نشأة وتطور مبدأ سلطان الإرادة
المطلب الثالث: النتائج والقيود الواردة على مبدأ سلطان الإرادة
المبحث الثالث: تقسيمات العقود
المطلب الأول: تقسيمات العقود من حيث التكوين والموضوع
المطلب الثاني: تقسيمات العقود من حيث طبيعتها
المطلب الثالث: تقسيمات العقود من حيث الآثار القانونية
المطلب الرابع: تقسيمات العقود من حيث كيفية حدوث التراضي .
مقدمة :
التصرف بالمعنى الفقهي هو كل ما يصدر عن شخص بإرادته ويرتب المشرع عليه نتائج حقوقية وهو نوعان ، فعلي وقولي ؛ فالتصرف هو ما كان قوامه عملا غير لساني ، كاستلام الجميع وقبض الدين وما شابه ذلك ، والتصرف القولي نوعان عقدي وغير عقدي و أن العبرة في تميز التصرف القولي عن الفعلي إنما هي بطبيعة التصرف وصورته لا لمبناه الذي بقي عليه ، فلذا كان دفع الثمن وتسلم الجميع تصرف فعليا ولو أنه مبني على عقد البيع .
ولا تخلو الحياة اليومية لكل فرد من الأفراد من التصرفات التي تكتسي صبغة خاصة فيتصف جانب من هذه المعاملات بأنها مصادر إرادية منشئة للالتزام وأخرى توصف بأنها مصادر غير إرادية وقد قسم الفقهاء المصادر الإرادية إلا الإرادة المنفرد والعقد ، وهذا الأخير هو الذي تمحور عليه دراستنا هذه ، ومن هنا نطرح الإشكالية التاليـــــة :
ما مفهوم العقد ، وما هي أهم تقسيماته ؟
و لمعالجة هذه التساؤلات نبين في المبحث الأول ماهية العقد من خلال إعطاء مفهوم له في المطلب الأول ، أما في المطلب الثاني نتطرق إلى تعريف العقد وفي المطلب الثالث إلى أكان العقد وفي المبحث الثاني سنتطرق لأساس القوة الملزمة في العقد ومن ثم إلى نشأته ونتائجه والقيود الواردة عليه. أما في المبحث الأخير سنتطرق إلى تبيان تقسيمات العقود من حيث تكوينها وموضوعها وطبيعتها ثم من حيث آثارها و إلى كيفية حدوث التراضي بين أطرافها .
المبحث الأول : ماهيــــــــة العقــــــــد
وضع الفقهاء و التشريعات موسوعات عديدة تناولت تفسير وشرح هذا النظام المحكم الذي يعرف باسم "العقد" لما له من أهمية في خلق معادلة متوازنة بين أطرافه على اعتبار بأنه الضابط الرئيسي لأسس المعادلة التي تجري في مختلف الميادين ، وسنحاول قدر الإمكان تسليط الضوء عليه من خلال إعطاء مفهوم له وكذا تعريفه و أركانه .
المطلب الأول: مفهوم العقـــــــــد
العقد هو كلمة تفيد الربط بين أطراف الشيء أما بين الكلمتين فيراد به العهد ، هذا الجانب اللغوي أما الجانب الاصطلاحي هناك تعريفات متعددة سنتطرق لها .
المطلب الثاني : تعريف العقــد
العقد هو توافق إرادتين على إنشاء التزام معين فقد عرفته المادة 54 ق.م.ج بأنه " اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص اتجاه شخص أو عدة أشخاص آخرين بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما " ويعتبر العقد كما جاء في نص المادة 106 ق.م .ج شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين أو لأسباب التي يقررها القانون .
وقد عرفه الدكتور خليل أحمد حسن قدادة على أنه اتفاق يقوم بين شخصين أو أكثر على إنشاء رابطة قانونية أو تعديلها أو إنهائها .
المطلـب الثالث : أركان العقــد
يرتكز العقد على ثلاث أركان هي التراضي ، المحل ، و السبب ، كركائز أساسية لأي عقد غير أنها قد يضاف إليها ركن آخر هو ركن الشكلية في بعض العقود الخاصــــــــة .
التراضــــي : يتحقق التراضي باقتران إرادتين متطابقتين ، وأن تتجها إلى إحداث قانوني وأن التراضي يتم بإيجاب يطابقه قبول في إنشاء التزامات يترتب على اتفاقهما ، فطبقا لنص المادة 59 ق م ج "يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتيهما المتطابقتين دون الإخلال بالنصوص القانونية ". ويجب أن يصدر الإيجاب والقبول عن شخص ذي أهلية وبسلامة الإرادة مما يستوفيها من عيوب كالغلط والتدليس والإكراه و الغبن أو الاستغلال .
المحــــــــــل : هو الأداء الذي يلتزم به المدين في مواجهة الدائن ، وهذا الأداء قد يكون نقل حق عيني لصالح الدائن وقد يكون القيام بعمل وقد يكون الامتناع عن القيام بعمل .
السبــــــــب : السبب هو ركن جوهري لا ينعقد العقد بدونه ، ويختلف السبب عن المحل فالمحل ما يلتزم به المدين ، أما السبب فهو الهدف الذي من أجله التزم المدين ، و قد تناولت المادتين ركن السبب المادتين 97 و 98 ق.م .ج شرح ركن السبب .
أو الغاية المباشرة التي يقصد إليها الملتزم من التزامه الإرادي وهو بهذا المعنى يتأكد لنا بأنه من طبيعة معنوية ، وبالتالي يعتبر عنصرا من عناصر الإرادة .
المبحث الثانــــــي: أســـاس القـــوة الملزمــــــة للعقــــــــد
يقتضي منا التطرق لمبدأ سلطان الإرادة التعريف به وبالأسس التي يقوم عليها تم التطرق للنتائج التي يترتب عن الأخذ بهذا المبدأ ، وكذلك النتائج والقيود الواردة عليه و هو ما سنتطرق له من خلال هذا المبحث .
المطلـب الأول: المقصـود بمبـدأ سلطـان الإرادة
سبق القول أن العقد هو توافق بين إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني إذا أن أساس العقد هو الإرادة المشتركة لطرفيه فمبدأ سلطان الإرادة هو توافق إرادتين لإنشاء العقد وأن المتعاقدين هي من الالتزامات التي يرتبها العقد وهذا يعني أن كل الالتزامات ترجع في مصدرها إلى الإرادة الحرة وأي هذه الإرادة هي التي تحدد ما يرتب على الالتزام من آثار قانونين ويترتب عن هذا وجوب احترام حرية المتعاقدين و القوة الملزمة للعقد المستمدة هنا مشيئة المتعاقدين فلا يجوز نقص العقد أو تعديله إلا باتفاقها فلا يتدخل المشرع أو القاضي في هذا العقد إلا في حالات خاصة .
المطلـب الثـاني : نشـــأة وتطــــور مبــــدأ سلطــــان الإرادة
لم تكن تكفي الإرادة في القوانين القديمة لإبرام العقد إذا فرض القانون الروماني وجوب اتخاذ إجراءات شكلية وقد سادت هذه الفكرة العصور القديمة إلى غاية زوال الدولة الرومانية ، أما في العصور الوسطى مهدت الكنيسة للرضائيين محلا ، وأيضا للشريعة الإسلامية دور في انتشار العقود الرضائيــــة ، ووصل هذا المبدأ ذروته ما بين القرنين 17 و19 ميلادي وذلك لظهور المذهب الفردي الذي قام بتبجيل احترام الفرد واعتباره محورا للقانون ، وقد ظهر في التقنين المدني الفرنسي تقديس هذا المبدأ في العقود وبهذا اعتبرت الشكلية أصلا و الرضائية استثناء ، إلا أنه مع بداية القرن الـــ 20 ميلادي تقلص تحت تأثير الاشتراكية مع بقائه ضرورة بل مبدأ لإنشاء العقود.
المطلـب الثالث: النتائـــج والقيـــود الـــواردة عن مبـــدأ سلطـــان بالإرادة
أول ما يمكن ندركه من خلال مبدأ سلطان الإرادة هو أن الالتزام الإرادية هي أصل العقود، إذ لا يلزم الشخص إلا بإرادته فهو أعلم بمصلحته و إذا تقررت عليه التزامات غير إرادية فأن ذلك يعتبر استثناء ضيق حدود واقعيا أما ثاني ما يترتب عن مبدأ سلطان الإرادة حرية التعاقد فإرادة الفرد هي من تنشئ الالتزام العقدي دون أية قيود غير اعتبارات النظام العام وحسب الآداب ، وثالث ما ندركه هو الالتزام وتحدد أثاره وإن تدخل القانون بقواعد المكملة في تنظيم التصرف القانوني فيجوز لأطراف الاتفاق على غير ما جاء به ، أما القواعد الآمرة فهي قليلة تضمن حقوق الدائن والسير الحسن للمعاملات وهذا ما يقودنا إلى رابع نتيجة لمبدأ سلطان الإرادة هي أن العقد شريعة المتعاقدين فهما من يشنؤه وهما من يضعوا التزاماتــــه ، وهما من يحددوا نوع التصرف الذي يترتب عليه .
لكن انتقص هذا المبدأ لاسيما في القرن الــعشرين مما أدى إلى اتساع الالتزامات غير الإرادية وإضفاء بعض القيود عليه وتتمثل في :
1 - القيود المتعلقين بإبرام العقد إذ اشترط فيه المشرع إفراغ بعض العقود في أشكال معينة باتخاذ إجراءات محددة .
2 - قيود ناشئة عن فكرة النظام العام والآداب العامة مما ضيق عن حرية المتعاقدين في إنشاء الالتزام .
3 - القيود المتعلقة بحرية تحديد آثار العقد إذ جاز المشرع للقاضي تعديل الشروط التعسفية في عقود الإذعان بحكم القانون .
المبحث الثالث : تقسيمـــــات العقـــــــــود
تتنوع العقود وتتعدد حتى لا يكاد يحصرها ، فالإرادة حرة في إنشاء الالتزامات و ليست محددة ، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى تنوع العقـــود .
و ينظم القانون طائفة من العقود يمكن النظر إليها من حيث تكوينها وموضوعها وطبيعتها ومن حيث آثارها القانونية و كيفية حدوث التراضي بها .
المطلب الأول : تقسيمات العقــود من حيث التكوين والموضـوع
1-من حيث التكويــن : العقود الشكلية الرضائيــــة والعينيـــــــــة :
أ-العقد الرضائــــي : هو ذلك العقد الذي تكفي لانعقاده إرادة الطرفين باقتران الإيجاب بالقبول مثل عقد الإيجــــــار .
ب-العقد الشكلي : هو ذلك العقد الذي لا تكفي الإرادة المتعاقدين لانعقاده فقط بل وجب عليه أن يخضع لشكل معين أي الكتابة الرسمية مثل عقد بيع قطعة أرض.
ج- العقد العيني : هو ذلك العقد الذي لا تكفي لانعقاده إرادة المتعاقدين بل يستوجب تسليم العين، محل العقد أو بشكل أوضح الشيء المتعاقد عليه مثال ذلك عقد بيع سيارة أو عقد بيع أرض.
2-من حيث الموضــــوع : العقد المسمى العقد غير المسمى .
أ- العقد المسمى: هو ذلك العقد الذي نظمه المشرع .
ب-العقد غير المسمى : هو ذلك العقد الذي لم يتناوله المشرع في نصوصه الخاصة والتي تحكمه القواعد العامة مثل عند الحضانة .
المطلب الثانــي : تقسيمات العقود من حيث طبيعتـــها
1-العقد المحدد والعقد الاحتمالي:
العقد المحدد : لقد نص عليه القانون المدني الجزائري في المادة 57 فقرة 1 تحت اسم العقد التبادلي "يكون العقد تبادليا متى التزم أحد الطرفين بمنح أو فعل شيء يعتبر معادلا لما يمنح أو يفعل له"، فهو ذلك العقد الذي يستطيع كل متعاقد فيه أثناء إبرام العقد أن يعرف ما له من حقوق وما عليه من التزامات مثل عقد البيع وعقد الإيجار .
العقد الاحتمالي : (عقد الغرر) هو ذلك العقد الذي لا يستطيع فيه على متعاقدين أثناء إبرام العقد أن يعرف ما له من حقوق وما عليه من التزامات فلا يتحدد ذلك إلا في المستقبل مثل بيع ثمار لم تنضج بعد (مادة 574 ق.م.ج) .
2-العقـــد الفـــوري والعقد الزمنــــــي :
-العقد الفـــــوري : هو ذلك العقد الذي يتم تنفيذه دفعة واحدة أو على دفعات دون أن يكون الزمن عنصرا أساسيا فيه ومثال ذلك (البيع ولو كان الدفع أو دفع الثمن على أقساط).
- العقد الزمني : هو ذلك العقد الذي يعتبر فيه الزمن عنصرا أساسيا فيه إذ تحدد محله مثل (عقد العمل، عقد الإيجار) .
-عقد المعاوضة : هو العقد الذي يحصل فيه المتعاقد مقابل ما التزم به أمام المتعاقد الآخر فالبائع يلتزم مقابل حصوله على ثمن الشئء المبيع بإعطاء المبيع إلى المشتري ، فعقد البيع من عقود المعاوضة وكذلك عقد الإيجار وعقد التأمين .
- عقد التبرع : هو العقد الذي لا يحصل فيه المتعاقد مقابل ما التزم به أمام المتعاقد الآخر أي دون أن يلتزم هذا الأخير في مواجهة المتعاقد المتبرع بأي نوع من الإلتزامات .
المطلب الثالـث: تقسيمات العقود من حيث الآثار القانونيـــــــــة
1-العقد الملزم لجانبين والعقد الملزم لجانب واحد :
أ- العقد الملزم للجانبين : هو ذلك العقد الذي ينشأ التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين وهذا طبقا لنص المادة 55 ق.م.ج التي تنص على أنه " يكون العقد ملزما للطرفين لنص متى تبادل المتعاقدين الالتزام بعضهما بعض مثال ذلك عقد البيع تسليم و استلام " .
ب- العقد الملزم لجانب واحد : وهو ذلك العقد الذي ينشئ التزامات في ذمة أحد المتعاقدين دون الآخر وهذا حسب المدة 56 ق.م.ج "يكون العقد ملزما لشخص أو لعدة أشخاص إذ تعاقد فيه شخص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين دون التزام من هؤلاء الآخرين مثال: الهبة تمليك بلا عوض ( المادة 202 ق.الأسرة .ج ) .
المطلب الرابـــع: كيفيـــــة حـــدوث التراضــي :
عقد المساومــــة وعقـــــد الإذعـــــان :
أ- عقد المساومة أو التفاوض : وهو ذلك العقد الذي يساهم كل متعاقد بحرية كاملة في وضع شروط العقد وبنوده ، وهو الشأن الغالب في جميع العقود المدنية كما هو الحال في عقود البيع والإيجار والمقاولة والشركة و الوكالة .
ب- عقد الإذعان : هو ذلك العقد الذي لا يملك أحد المتعاقدين الحرية الكاملة بما يتمتع به الطرف الآخر بوضع شروط العقد في جملتها إلى حرية قبول العقد أو رفضه مثل عقد التأمين.
ومثالها عقود الاحتكار كعقود الاشتراك في الماء والكهرباء والغاز والهاتف وعقود التأمين وعقود النقل حيث يكون القبول في مثل هذه العقود يقتصر على مجرد التسليم بالشروط التي يضعها الموجب مقدما ولا تقبل المناقشة أو المساومة فيها.