logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





25-05-2021 04:13 مساءً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 07-05-2013
رقم العضوية : 477
المشاركات : 225
الجنس :
الدعوات : 6
قوة السمعة : 30
المستوي : ليسانس
الوظــيفة : طالب

أولا التحليل الشكلي لنص المادة 39 قانون العقوبات 
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 39 قانون العقوبات.

أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي
تنص 39 من قانون العقوبات : { لا جريمة :
1- إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون.
2- إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء
} .


موقع النص القانوني :

يقع هذا النص ( المادة 39) في الأمر رقم 66-156 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق 8 يونيو سنة 1966، المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم .
و قد جاء في الجزء الأول منه عنوانه المبادئ العامة ، في الأحكام التمهيدية.

البناء المطبعي :
المشرع قد حاول إجمال المعنى في نص المادة 39 من قانون العقوبات حيث جعلها تتألف من 3 ثلاث فقرات.
الفقرة الأولي تبدأ من " لا  " وينتهي عند " جريمة " ،.
الفقرة الثاني تبدأ من " إذا كان " وينتهي عند " القانون " ،.
الفقرة الثالث تبدأ من " إذا كان  " وينتهي عند " الإعتداء" ،.

البناء اللغوي والنحوي :
استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت المادة 39 من قانون العقوبات محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع مبدأ الشرعية و كمثال على ذلك نشير إلى :
"عقوبة " ، " تدابير أمن " ، " قانون ".

البناء المنطقي :
المشرع إستهل نص المادة 39 من قانون العقوبات بعبارة " لاجريمة " وهنا يقصد أنه لا یمكن تجریم فعل ما وفرض عقوبة عليه إن لم ینص علیه القانون صراحة كذلك بالنسبة لتدابير الأمن فلا يمكن فرض و تطبيق تدابير الأمن بغير وجود نص قانوني صريح ينص علي ذلك.
نلاحظ أن المادة اعتمدت أسلوبا شرطيا .


ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 39 من قانون العقوبات يتضح أن المشرع الجزائري قد جعل أسباب الإباحة في حالات الأفعال المبررة, و هي الفعل الذي يأمر به أو يأذن به القانون و الدفاع الشرعي.


تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 39 ق ع  يمكن  طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
ماهو مبدأ الشرعية  الجزائية ؟ وكيف يطبق مبدأ الشرعية الجزائية على الجرائم و العقوبات و تدابير الأمن ؟



التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الأول : ما أمر و أذن به القانون و مبدأ الحق
المطلب الأول : ما أمر به القانون و أذن له
المطلب الثاني : مبدأ الحق و تطبيقاته
المبحث الثاني : الدفاع الشرعي و حالة الضرورة
المطلب الأول: الدفاع المشروط و شروطه
المطلب الثاني : حالة الضرورة
خـاتـمة


مقدمة :
إذا ارتكب شخص طبيعي خطا جزائيا,و توافرت في هذا الخطأ الشروط و الأركان الواجب توفرها في الفعل الذي يعد في نظر القانون مخالفة,فانه مبدئيا يتحمل المسؤولية الجزائية المترتبة عنه,ومن ثم يمكن إدانته و الحكم عليه قضائيا بعقوبة هدفها الردع والزجر ولكن الأمر لا يكون هكذا في كل الأحوال,إذا نص القانون على حالات ترتكب فيها أفعال مخالفة للقانون و مع ذلك ليعاقب مرتكبها جزائيا, يقصد من ذلك انه يستفيد من التخفيف و يحدث ذلك إذا ارتكب الفعل في ضل سبب من أسباب التبرير,أو أسباب الإباحة, أو إذا توفر مانع من موانع المسؤولية الجزائية , " إلى جانب الأفعال المبررة الخاصة ببعض الجرائم مثل الإجهاض و الذي يتم لأسباب صحية م 308 ق ع  فقد نص قانون العقوبات على أفعال مبررة عامة تطبق في كل الظروف و على كل الجرائم مهما كان وصفها و يتعلق الأمر بالفعل الذي أمر أو أذن به القانون و كذا الفعل الذي دفعة إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو الغير

المبحث الأول : ما أمر و أذن به القانون و مبدأ الحق.
لقد نصت المادة 39 من قانون العقوبات على أسباب الإباحة و التبرير بما أنها حالات خاصة اقرها المشروع الجزائري ليبين فيها بعض الحالات التي يمنع فيها العقاب حيث استهل نص المادة بجملة " لا جريمة" و هو نص صريح ,لا يجرم الفعل,و بذلك فان قانون العقوبات قد أوردها على سبيل الحصر,و بذلك نعرف مقياس الأفعال المختلفة,و كل فعل خارج عن هذا النطاق لا يعد مباحا و لا يعفي العقاب
و يمكننا تفصيل هذه الأسباب كما وردت مرتبة قانونا و هي :


لمطلب الأول : ما أمر به القانون و أذن له :
لم يحدد المشروع هذا النوع من الأفعال المبررة,و ترك المجال واسعا أمام الاجتهاد القضائي و لا تقتصد عبارة قانون النص الذي يعد على السلطة التشريعية و حسب, بل تتسع لتشمل كل قاعدة تنظيمية تقرر حقا
أولا : الأفعال التي يأمر بها القانون :
و هي بوجه عام الأفعال التي يقوم بها الموظف عند أدائه مهمته,و من هذا القبيل توقيف الشخص من قيل الشرطة القضائية تنفيذا الأمر بالقبض أو الإحضار,و إفشاء سر مهني من طرف الطبيب الذي يستوجب عليه التصريح ببعض الأوبئة, و مدير المؤسسة العقابية الذي يستلم شخصا و يحبسه تنفيذا لأمر الإيداع أوامر بالقبض
فالقانون يفرض على بعض الناس أو كلهم قيام بواجبات معينة, فهنا كل من لم يمتثل لهذه الواجبات فيكون قد خالف أحكام القانون, و من واجبه أن ينفذ ما أمر به القانون و يمتثل له, و ما هو معلوم عند الكافة إن إرادة المشرع هي وحدها التي لها الحق في أن تجرم الافعال دون غيرها, فقاضي التحقيق الذي يصدر مذكرة توقيف بحق المدعي عليه و يضعه قيد التوقيف, فهذا لا يمكن ملاحقة قاضي التحقيق بجرم حجز الحرية,لان القانون أجاز له توقيف المجرم كذلك لا يلاحق المواطن الذي يلقي القبض على مجرم باقترافه بجريمة و يسلمه للعدالة,انه ينفذ الواجب المفروض على الكافة,و كذلك إذا اصدر القاضي حكما بالإعدام على احد المجرمين,تطبيقا لنص القانون فلا يمكن اعتبار فعله شروعا في القتل,و نفس الشيء أيضا في قيام رجال الشرطة بإقامة الحواجز و إطلاق النار على من لم يمتثل للأوامر.


ثانيا : الأفعال التي يأذن بها القانون :
تأخذ هنا عبارة "القانون" مدلولا أوسع حيث يتفق القضاء الفرنسي و المصري على أنها لا تقتصر على القانون في حد ذاته بل تتعداه لتشمل العرف,و هذا ما يتفق مع واقعنا في الجزائر رغم عثورنا على أحكام قضائية في هذا الشأن و قد يكون الإذن من القانون في حد ذاته و مثال ذلك قيام ضابط الشرطة القضائية بتفتيش منزل, و هذا بإذن من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق وفقا للمادة 144 من ق.أ.ج.م
كما قد يكون الإذن من العرف الذي يبيح لأولياء ممارسة عنف خفيف على أولادهم لتربيتهم, و للمعلم تأديب تلميذه باستعماله عنف( م 269 ق.ع) كما يبيح للطبيب القتل أو العجز الدائم المترتب من إجرام عملية إجرامية. وفقا لمبادئ فن الجراحة, كما يبيح لممارسي بعض الرياضيات مثل الملاكمة, استعمال العنف وفق قواعد اللعبة كما قد يكون الإذن من الشريعة الإسلامية أيضا سواء اعتبرناها قانونا أو عرفا كحق التأديب الذي يبيح العنف الخفيف الذي يمارسه الوالد على ابنه القاصر
و إذا كانت الشريعة الإسلامية تقرر أيضا للزوج حق تأديب زوجته,و لو بالضرب شريطة أن لا يكون شديدا و لا مبرحا,و إنما خفيف و لا يحث كسرا و لا يترك أثرا,و لا ينشا عنه مرض فان هذا الحق لا يمكن التحجج به أمام القاضي الجزائي،إذا قدمت زوجته شكوى ضده من اجل الضرب,ذلك أن القانون الجزائي هو قانون وضعي محض,و من ثم فلا يأخذ مثلما هو مقرر في الشريعة الإسلامية,إلا إذا كان متوافقا مع أحكام قانون العقوبات مثلما هو الحال بالنسبة لحق تاديب الصغار الذي لا يعاقب عليه القانون( المادة 269 ق.ع).


ثالثا : مسالة أمر السلطة التشريعية :
و يتعلق هنا بالحالة التي يأتي بها الفاعل بفعل بأمر من السلطة العمومية كانت أو عسكرية شريطة أن تكون هذه المسالة شرعية و قد قررت بعض التشريعات _3_بأنه لا يعد جريمة الفعل المرتكب إنفاذا لأمر شرعي صادر عن السلطة أما في حالة كون الأمر الصادر عن السلطة غير شرعي برر الفاعل إذا لم يجز القانون له أن يتحقق من شرعيته كما قررت انه لا يعاقب الموظف العام أو العامل أو المستخدم في الحكومة الذي أمر بقيامه بفعل أو أقدم على فعل و هو في نضر القانون معاقب عليه معاقب على الفعل  إذا اعتقل لسبب غلط مادي انه يطيع أمر رؤساؤه المشروع في أمور داخلة في اختصاصهم و جبت عليه طاعتهم فيها, و هنا يثور التساؤل فيها حول ما إذا كان الأمر الذي تصدره السلطة الشرعية للمرؤوس بعد في حد ذاته فعلا مبررا,يصرف النضر عما إذا كان هذا الأمر قانوني أو غير قانوني.
و بمعنى آخر هل يسال جزائيا من ينفذ أمرا غير قانوني صادر عن رئيسه, أم أن ماحكم به بعد فعلا مبرر-1-؟
- هل كل شخص ينفذ أمر غير قانوني صادر عن رئيسه يعد مسؤولا,أم أن ما قام به المرؤوس يعد فعلا مبررا ؟.
اختلف الفقه في إجابته على هذا السؤال و انقسم إلى 03 طوائف أو فرق.


- فأما الفريق الأول فذهب إلى أقوال بان تنفيذ أمر و لو كان غير قانوني يع دائما سببا للإباحة , بحجة انه على المرؤوس إطاعة رئيسه في كل الأحوال و تنفيذ أوامره دون أن يكون له تقديرها أو مناقشتها.
- -فيما ذهب الفريق الثاني إلى القول بان من حق المرؤوس بل من واجبه تقدير شرعية الأمر الذي يتلقاه من رئيسه و رفض الإخضاع إذا كان من غير القانوني, و هذا ما يسمى بنظام الحرب الذكية Bainnettes intigentrs
- فيما يخص الفريق الثالث فيمر بين الأمر الذي تكون عدم مشروعيته ظاهرا جليا, و الأمر الذي يبدوا أنه قانوني.
- ففي الحالة الأولى أي ذا كانت عدم مشروعية الأمر ظاهرة بصفة جليلة فلا يستطيع أن يكون فعلا مبررا, و مقابل ذلك فإذا كان الأمر يظهر انه مشروع فانه في هذه الحالة يصبح مبررا  أخذ القضاء الفرنسي بوجه عام. فالمذهب الثالث حيث نص قانون العقوبات الفرنسي بان " لا عقاب على من يأتي فعلا يأمر به سلطة شرعية مالم تكن عدم مشروعية الأمر ظاهرة".
كما اخذ به أيضا المشروع التمهيدي لقانون العقوبات الجزائرية لسنة 1997.


غير انه قرر المشروع الفرنسي استبعاد بصفة استثنائية أمر السلطة الشرعية كفعل مبرر عندما يتعلق الأمر بالجرائم ضد الإنسانية, و في المقابل يجوز للمحكمة الأخذ به كظرف مخفف عند تحديد الجزاء
كما يمكن للمتهم في هذه الحالة أن يتمسك بالإكراه المعنوي_ ظرف مخفف_ و ذلك إذا أثبت أن إرادة رئيسه أبطلت إرادته.
و لذلك قد جاء عند البعض بأنه" استبعد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد بررها 17/07/1998 أمر السلطة الشرعية من الأفعال المبررة في حالة الإبادة الجماعية و الجرائم ضد الإنسان و جرائم الحرب و الجرائم الخطيرة الأخرى و هكذا نصت المادة 33 من النظام المذكور على أن الشخص الذي يرتكب مثل هذه الجرائم لا يعفي من المسؤولية الجزائية إذا كان ارتكاب تلك الجريمة قد تم امتثالا لأمر الحكومة رئيس عسكريا أو مدنيا عدا شخص الذي على عاتقه التزام قانوني بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس المعني, كما إذا لم يكن الشخص على علم فان الأمر غير مشروع إذا لم تكن عدم مشروعية الأمر ظاهرة مبدأ الحق وتطبيقاتـه.


المطلب الثاني : مبدأ الحق و تطبيقاته :
المقصود بممارسة الحق مـن يمارس حقا معترفا به لا يعتدي على أحد فالمشرع إذا منح شخصا بممارسة حق، فممارسة هذا الأخير لا يعد جريمة،وإلاّ كان الأمر عبثا ينزه عند الشارع.
والحق هو كل مصلحة يحميها القانون ،فالمصلحة المجردة لا تشكل حقا،فمن يقيم ببناء غير مرخص له مصلحة في ذلك لتجنب الوقت الضائع في استصدار الترخيص و النفقات التي يتطلبها ذلك ولكن القانون لا يقر هذه المصلحة بل يعاقب عليه ويحميها.
ولكـن الذي يؤدي صغيرا لتهذيبه وتعليمه العادات الصحيحة لا يرتكب جريمة بل يمارس حقا في جوهر مصلحة يحميها القانون ويعترف بها ولممارسة الحق صور أو تطبيقات عديدة مثل حق التأديب الممنوح للزوج و الأب و المعلم وحق الدفاع الشرعي وحق النقد المباح في الصحف وحق الدفاع أمام المحاكم وما قد يتضمنه من قذف و حق ممارسة مهنة الطب وحق ممارسة الألعاب الرياضية.


الفــرع 1 : ممارسة الحق كسبب عام للتبرير.
تقتضي ممارسة بعض الحقوق ارتكاب أفعال تتطابق والنموذج القانوني لجريمة من الجرائم،ولكن بالنظر إلى هذه الأفعال ضرورية لممارسة الحق،فإن المشرع يعتبرها مشروعة ويزيل عنها الصفة الإجرامية.
وحتى يتوفر بالنسبة لهذه الأفعال السبب المبيح يجب التأكد أولا من وجود الحق، وثانيا إلزام من صدر عند هذه الأفعال حدود الحق إذن يشترط لأعمال الحق شرطين عامين:وبعض الفقه أضاف شرط ثالث هو شرط حسن النية.
- أولا: وجود الحق قانونا.
- ثانيا: التزام حدود الحق.


الشرط الأول : وجود الــحق.
يختار النظام القانوني العام من بين مصالح الأفراد مصلحة يراها جديرة بالحماية أكثر من غيرها ،فيمنح صاحبها الحق في ممارستها ويحدد القانون أنواع الحقوق الشخصية المعترف بها،وهي إما خاصة أو عامة.
كمـا يوجد فرق بين الحق ومطلق المصلحة فقد يكون للفاعل مصلحة فيما يفعله لكن القانون لم يعترف بها كحق جدير بالحماية ولذلك فالحق هو المصلحة التي يقررها ويحميها القانون والمصلحة هي مجموعة مزايا التي بها أحد الأفراد، ولا تتحول هذه المصلحة إلى درجة الحق إلا إذا حماه واعترف بها القانون.
ولهذا فإن وجود الحق يتطلب التأكد من إقرار القانون للمصلحة وحمايته لها، فالحق وسيلة ضمان واحترام للمصلحة وبدون هذين الأمرين أو بدون أحدهما لا يعتبر الحق موجودا قانونا ،وتطبيقا لذلك إذا أوقع شخص حجزا على مال مملوك لشخص آخر، وكان المحجوز عليه غير مدين للحاجز،فإنّ المحجوز عليه تكون له مصلحة في إزالة الحجز وتحرير ماله منه،ومع ذلك فإن هذه المصلحة لا يعترف بها القانون كسبب لإباحة الاعتداء على الحجز وعرقلة إجراءات التنفيذ.
لوجود الحق قانونا يفترض وجود قاعدة قانونية تحتويه أي كانت هذه القاعدة مكتوبة أو غير مكتوبة سواء ينص عليها قانون العقوبات أو منصوص عليها في أي فرع آخر من فروع القانون،فلا أهمية لمصدر القاعدة القانونية، وإنما المهم وجود تلك القاعدة القانونية.


كما قد يكون العرف مصدرها الحق ومن أمثلة الحقوق التي تستند إلى العرف الظهور على الشاطئ بأمواج البحر،وثقب أذني البنت لوضع الحلق فيهما وإحداث الوشم الذي تقوم به أوساط معينة واستعمال الزوجة اسم عائلة زوجها.
و يجب أن تتوافر هذه القاعدة التي تعترف بالحق وتحميه شروطها الأساسية لاكتساب تلك الصفة بأن تصدر عن سلطة مختصة في إصدارها و أن تتصف بالعمومية والتجريد وتطبيقا لذلك فلا تصلح الأخلاق أو الدين مصدرا لهذه القواعد إلا في الحدود التي يعترف بها القانون فقط.


أي حينما يضفي القانون على قواعد الدين أو الأخلاق صفة القواعد القانونية وبغير ذلك لا تكون قواعد الدين أو الأخلاق صفة القواعد القانونية،وبغير ذلك لا يكون لقواعد الدين أو الأخلاق ضمن سلطات في تقرير الحقوق القانونية وحمايتها ولا يكون لها بالتالي سلطات في تبرير الأفعال التي تستند إليها،المهم أن يكون الحق موجودا ومعترفا به ومحميا من القانون فقد يكون مصدر حق التشريع العادي أو العرف أو الشريعة الإسلامية .
فيكفي إذن وجود الحق قانونا أن تعترف به و تحميه القاعدة القانونية صحيحة أيا كان مصدر تلك القاعدة.


فبعض الحقوق تجد مصدرها في النصوص التشريعية،وقد يكون هذا المصدر قانون العقوبات كما هو الشأن بالنسبة لحق الدفاع أمام المحاكم وما يبيحه من جرائم القذف بين الخصوم،وحق الطرفين ذوي الصفة العمومية بشروط معينة.
وقد يكون هذا لمصدر هو قانون الإجراءات الجزائية مثل حق التبليغ عن الجرائم وكذا حالة القبض في حالة التلبس بالجريمة وحق الشكوى في جرائم معينة.
قد يكون مصدر الحق الدستور نفسه مثل حق أعضاء مجلس الشعب في التعبير عن آرائهم في المجلس أو لجانه دون ملاحقتهم عن جرائم السب أو القذف التي يرتكبونها.
وقد يكون مصدر الحق القانون المدني مثل الحق في الحبس، فيجوز أن يمتنع المودع لديه عن رد الوديعة إلى صاحبها المودع إلى حين استفاء نفقات صيانتها، ولا يكون هذا لامتناع جريمة خيانة الأمانة.
ولصـدق نفس المعنى في حالة تمسك المدين بالمقايسة في مواجهة اعتدائه إذا توفرت شروطها.


ويمكن أن يكون مصدر الحق القانون التجاري،إذ يسمح هذا القانون لساحب الشيك بأن يأمر المسحوب عليه بعدم الوفاء بقيمة الشيك في حالة ضياعه أو إفلاس حامله.
وقد يكون مصدر الحق الشريعة الإسلامية وذلك في الحدود التي تعتبر فيها جزء من النظام القانوني كما هو الحال بالنسبة لقانون الأحوال الشخصية و في هذه الأحوال جعلت الشريعة الإسلامية للزوج حق تأديب زوجته،وولي الصبي حق تأديب الصغير.
وقد يستمد الحق من العرف فيكون مصدر له مثل حق النقد المقرر للصحفي في نقد تصرفات المسؤولين في الدولة،الشخصيات العامة فيه حتى ولو تضمنا سبا أو قذفا في هؤلاء الأشخاص ما دامت الغاية من هذا النقد هو الصالح العام و من ذلك أيضا الظهور على الشواطئ أو حمامات السباحة بملابس الاستحمام و بعض العمليات من خزف الأذن للبنات لوضع حلية ولذلك العرف مصدرا من مصادر التبرير إذا توفرت فيه شروط القدم والعموم والتجريد و الثبات وأن لا يخالف النظام العام والآداب العامة.


الشرط الثاني : الــتزام حدود الحق.
و تحديد حدود الحق التي يتطلب ويقتضي الرجوع إلى القاعدة القانونية التي تقرره و تحميه فهي التي تبين شروط ممارسة و الالتزام بحدوده كالأفعال اللازمة لذلك و من له حق ممارستها و الغاية من هذه الأفعال،ولما كانت هذه الشروط تختلف باختلاف الحقوق فإن مجال دراستها بطريقة موسعة يتطلب دراسة كل حق على انفصال،و تشير هنا أن التزام حدود الحق يتطلب توافر الأمور التالية :


الأمــر الأول : لابد من مراعاة صفة من يمارس الحق.
أي ممارسة الحق بواسطة من يملكه،سواء كان صاحب الحق الأصيل أو من كان نائبا عنه في الحدود التي يجيزها القانون و بناءا على ذلك فلا يجوز لغير الطبيب أن يعالج المرضى كالممرض أو الممرضة فلا يبيح لها القانون المساس بجسم المريض كإجراء لعملية جراحية وإلا وقع كلاهما تحت طائلة العقاب،وحق تأديب الزوجة فلا يثبت إلا للزوج،وحق تأديب الصغير فلا يثبت إلا للأب أو الولي عليه، فالأصل أن يستعمل الحق صاحبه ومع ذلك يجوز الإنابة عنه استعمال الحق متى كانت جائزة بمقتضى قانون أو تعاقد.
و من الحقوق التي لا تقبل الإنابة حق الزوج في تأديب زوجته،و حق الطبيب في مباشرة الأعمال الطبية،وحق الرياضي في القيام بالأعمال الرياضية.
أما الحقوق التي تقبل الإنابة فهي من حيث المبدأ الحقوق المالية،كما هو الحال في الوكالة في التصرفات القانونية،فالوكيل لا يرتكب نصبا أو خيانة أمانة إذا تصرف في حال الموكل لأنه يستعمل حق لموكل بمقتضى عقد الوكالة وغيره.
و لا تقتصــر الإنابة على الحقوق المالية وحدها إذ هي جائزة لغيرها من الحقوق مثل حق الدفاع،فالوكيل في ممارسة هذا الحق يباح له قانونا أن ينسب على خصم موكله وقائع تشكل له قذفا أو سبا لأنه يستفيد من سبب الإباحة المقرر لموكله المستند من حق في الدفاع.
كما تجوز الإنابة أيضا وفقا لما استقر عليه الفقه والقضاء بالنسبة لحق تأديب الصغار فهذا الحق ثابت للأب،إن لم يكن فوليه،إلا أنه ينتقل إلى المعلم في المدرسة أو المشرف في الحرفة،وبذلك يجوز لمراقب الصغار كالمعلم و المشرف ممارسة أفعال التأديب التي يملكها صاحب الحق فيها طالما كانت في حدود المقررة قانونا.


الأمــر الثاني : إنما يكون الحق مؤكد.
ويكون كذلك إذا كان ثابتا وغير متنازع فيه لا يجوز لمن يدعيه أن يقرره لنفسه و أن يستعمله بناءا على ذلك.وإنما عليه أن يسلك الطريق الذي رسمه القانون لتقرير الحقوق عند التنازع وهو الطريق القضائي و تطبيق لذلك حكم بأنه يعتبر سارقا الدائن الذي يختلس مالا مملوكا لمدينة وفاءا لدينه،فاستقاء الحقوق المدنية له طرق و إجراءات الخاصة نظمها القانون و حكم بأنه إذا كان المحجوز على ماله غير مدين للحاجز فإن ذلك لا يبرر له الاعتداء على الحجز بالتصرف أو العمل على عرقلة لتنفيذ الصحيح، ولا ينتفع له إنما أراد استراد أو ماله المحجوز عليه، فان أخذ الإنسان حقه بنفسه غير جائز وأخذ المالك مناعة مع علمه بتوقيع الحجز عليه مخالفة صريحة لواجب الاحترام لذا يقتضيه الحجز واعتداء ظاهر على السلطة التي أوقعته بل أن الاستعمال الغير المشروع للحق المتنازع عليه قد يعتبر اعتداء يبيح لمن يديعه دفع الاعتداء.
الأمــر الثالث : أن تكون الأفعال التي يلجأ إليها صاحب الحق من الأفعال الضرورية لممارسته
فحق التأديب لا يصح إلا بالضرب الخفيف الذي لا يترك ألما وحق النقد لا يجوز إلا بالأفعال الكتابية التي يتكون منها جرائم السب والقذف فقط دون الجرائم الأخرى،فلا بد أن يتعين أن إتيان الفعل كان ضروريا ولازما لممارسة الحق واستعماله
الأمــر الـرابع : أن تهدف الأفعال الضرورية لممارسة الحق
إلى تحقيق الغاية منه،فيجب أن تكون غاية الضرب في حق التأديب هي تهذيب وتأديب من يخص له،وأن تكون الغاية من أفعال النقد تحقيق الصالح العام،فإذا وجد الحق والتزمت في ممارسته حدوده القانونية فإن الأفعال الغير المشروعة التي تتحقق بها هذه الممارسة تتحول في مثل هذه الظروف إلى أفعال مشروعة أو مباحة،فعلى الرغم من توافر الصفة الإجرامية في هذه الأفعال إلا أنها تعتبر مباحة وتزول عنها هذه الصفة.


الشــرط الثالث : شرط حسن النـية.
ويجب أن يستهدف صاحب الحق بفعله ذات المصلحة الاجتماعية التي شرع الحق من أجلها،حتى يتوافر له أساس التبرير، وهذا ما أصطلح على تسميته بحسن النية و المقصود بحسن النية هنا (1) التقيد بالغرض الذي من أجله تقرر الحق ذلك أن لكل حق وظيفة اجتماعية لا يؤديها إلا إذا استهدف صاحبه باستعماله غرضا معينا،فإذا سعى به إلى تحقيق غرض أخر انتقى لديه حسن النية،ولم يكن له أن يبيح باستعمال الحق لإباحة فعله.
فـإذا وجد الحق واستعمله في حدود القانون فلا مسؤولية على صاحبه،أما إذا ثبت أن صاحب الحق يريد به مصلحة أخرى ولو كانت غير مرذولة في ذاتها،فإنه يكون سيء النية وليس له أن يحتج لتبرير فعله بذلك الحق فالطبيب يرخص له القانون بالعلاج ابتغاء شفائه،فإن استهدف غاية أخرى هي تسهيل تعاطي المريض للمخدر بوصفه له فليس له أن يحتج بأي حق،ويكون قد اقترف جريمة تعاطي المخدرات(2).
وحـق التأديب المقرر للزوج المسلم على الزوجة يجب أن يمارس دائما بهدف التهذيب،فإذا انتقى الزوج غاية أخرى كإكراهها على إعطائه المال أو لانتقام منها لرفضها إبراء ذمته،كان فعله جريمة تستحق العقاب.

الفــرع 2 : تطبيــقات القـــانون لممـارسة الحــق.
قررت معظم التشريعات على أنه لا يمكن اعتبار الأفعال التي يجيزها القانون جرائم ،فالقانون يجيز الأفعال التي تستعمل في التأديب التي ينزلها الأولاد آباؤهم و أساتذتهم على نحو ما يبيحه القانون والعرف والشريعة الإسلامية.
والعمليات الجراحية و العلاجات الطبية المنطبقة على أصول الفن شرط أن تجرى برضا العليل أو رضا ممثله الشرعيين،وكذا أعمال العنف التي تقع أثناء الألعاب الرياضية إذ روعيت قواعد اللعب.
أولا-حـق التأديب : وتتجلى مظاهر إجازة القانون لحق التأديب في مظهرين اثنين هما تأديب الزوجة _ تأديب الصغار.
1) تــأديب الزوجة : ويستمد هذا الحق وجوده من القرآن الكريم في قوله تعالى:<<واللائي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربهن،فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا>>.
وحتى تكون أفعال التأديب التي يرتكبها الزوج على زوجته مبررة على أساس أنها ممارسة لحقه في التأديب يشترط ما يلي :
وجـود الحق أو نشأة الحـق :
لا ينشأ للزوج الحق في تأديب زوجته إلا إذا أتت بمعصية والتي عبّر عنها القرآن الكريم بالنشوز والذي يقصد به في نظر الشرع الإسلامي مخالفة الزوج فيما فرض الله به من حقوق على الزوجة كأن تمتنع عن الفراش أو تخرج من البيت دون إذن منه فصاحب هذا الحق هو الزوج المسلم الذي تزوج بموجب أحكام الشريعة الإسلامية وليس أي زوج آخر،وهنا ينشأ للزوج الحق في تأديب زوجته إذا أتت بمعصية لم يرد في شأنها حق مقرر،ويشترط أن يكون أمر هذه المعصية قد رفع إلى السلطات العامة، كما يشترط أن يكون الزوج قد تدرج في إتباع وسائل التأديب التي نصت عليها الآية القرآنية السابقة،أي بالوعظ وتليها طريقة أو وسيلة الهجر في المضاجع ثانيا وهكذا حتى يتعين أن يكون للزوج قد نشأ له حق في استخدامها،ولا ينشأ له الحق إلا بإتباع التدرج السابق،التأكد من عدم جدوى الوسائل الأخرى في التأديب.


التزام قيود التأديب والتزام حدود الحق :
فلا بد أن يمارس هذا الحق الزوج فقط،فلا يقبل من غيره ولو كان قريبا له كما يجب أن يكون لازما وضروريا بحيث لا يلجأ إلى الضرب إلا بعد الوعظ والهجر في المضاجع وعدم جدوى ذلك يلزم تقيد الزوج باستعمال حق التأديب المتمثل في الضرب الخفيف دون أن يكون مبرحا،فإن تجاوز الزوج هذا الحد فأحدث في جسم زوجته آثارا ويغير بذلك لون الجلد فيكون الزوج بذلك مسؤولا عن هذا الضرب الغير المبرر أو الضرب المبرح ولا يستفيد من سبب الإباحة في هذه الحالة ويعتبر فعله غير مشروع ومستوجبا لمسؤوليته كما يجب أن تكون غاية الزوج من حق تأديب زوجته ضربا خفيفا وتوجيهها الوجهة السليمة ،فإن كانت غاية الزوج غير ذلك كغرض الانتقام أو الاعتداء عليها يكون ذلك قد تجاوز حدود حق التأديب ومنه فقد تجاوز استعمال حقه.


2) تـــأديب الصغار :
نشأة ووجود الحق :
ينشأ الحق في التأديب للأب وأي تأديب للصغار تقويم لسلوكهم أو تعليمهم، وقيل أن المراد بالأولاد من لم يدركه بعد سن البلوغ الشرعي فواجب الأب أن يعتني بأبنائه الصغار.
وأن يحسن تأديبهم وتربيتهم وتعليمهم بما يتفق وقواعد القانون وما يأمر به الدين والقيم الاجتماعية،وعلى الأبناء طاعة أبيهم فيما يمكن من أداء هذا الواجب فإذا انحرف الأبناء أو شقوا عصى الطاعة المفروضة عليهم نشأ للأب أو من فيحكمه الحق في تأديبهم لإعادتهم في الطريق السليم،فانحراف الأبناء يعطي الحق للآباء في تقويمهم للوعظ و الإرشاد أولا و الضرب و تقييد الحرية إذا لزم الأمر ثانيا.
التزام حدود الحـق :
يثبت الحق في تأديب الصغار للأب في حالة وجوده فلا يستعمله غيره،بينما يستعمل بعض الفقه لفظ الآباء يشمل الأهل وهم المكلفون برعاية الصغير كالأب ثم الجد ثم العم،و يضيف العرف إلى هؤلاء الأم و الوصي أما الأساتذة فيتسع ليشمل كل من يقوم بتعليم الصغير علما أو فنا أو صناعة أو حرفة،و برأي البعض أن المخدوم خارج هؤلاء لا يحق له تأديب خادمه لأن الرابط بينهما قانونية تجعل من الخادم أجيرا خاصا،فحين يذهب الرأي الغالب إلى أن المخدوم مشمول باللفظ خاصة أن العرف العام يعترف له بهذا الحق .
و التأديب المباح لا يجوز أن يتعدى ما استقر عليه العرف العام و هو الضرب الخفيف باليد الذي لا يحدث كسرا أو جرحا و لا يترك أثرا ولا ينشأ عنه مرض،فإن تجاوز الضارب هذا الحد حق عليه العقاب لجريمة الإيذاء المقصود.
و حق التأديب له غاية سعيدة و هي تهذيب الخاضع له و تقويمه و تعليمه فإذا كانت وجهته غير ذلك فإن كان للانتقام أو للاعتداء أو حمل الصغير على اتخاذ مسلك سيء أو ارتكاب معصية أو جريمة لا يقوم حق التأديب و لا يتوافر سبب الإباحة،أما إذا صدرت أفعال التأديب من الأشخاص أصحاب الحق في اتخاذها
و التزموا حدود حرية الحق و غايته فإن أفعالهم تكون مباحة.


3) مزاولــة الأعمال الطبية :
أقرت معظم التشريعات على إجازة القانون للطبيب حق مباشرة العمليات الجراحية و العلاجات الطبية التي تتطلب منه المساس بأجسام المرضى، فالتشريعات أجازت للأطباء التعرض لأجسام المرضى ليس بالفحص فقط ووصف العلاج و لوجود مخدرة اضطرارية وصف جرائم الضرب أو الجرح أو القتل بحسب النتيجة التي ترتكب عليه،ولكن هذه وصف جرائم الضرب أو الجرح أو القتل بحسب النتيجة التي ترتكب عليه ، و لكن هذه الصفة غير مشروعة تزاول متى توافرت شروط استعمال حق مباشرة الأعمال الطبية وبالتالي لا تتقرر لا مسؤولية جزائية ولا مدنية،لأن الطبيب هنا هو من يستعمل حق مقرر له بمقتضى القوانين.
ويشترط لتبرير الأعمال الطبية الشروط التالية :
الترخيص بمزاولة العمل الطبي :
لا يباح العمل الطبي إلا إذا كان من أجازه مرخصا له بذلك قانونا وإلا فإنه يكون مسؤولا عن أعمال الإيذاء فضلا عن معاقبته لارتكابه جرم مزاولة مهنة الطب بلا ترخيص إلا إذا كان أمام حالة ضرورية بتوفر شروطها القانونية  فالترخيص ضروري لتبرير العمل.

ولم يصرح القانون باشتراط صفة الطبيب القائم بالعمل،وهو أمر لا بدّ منه أو على الأقل يتعين الحصول على إجازة علمية ترخص القيام بالعمل الطبي المطلوب
رضـا المريض أو من يمثله شرعا :
يلزم الطبيب وقبل بدء الفحص الطبي أو علاج أو إجراء عملية جراحية من أن يحصل مسبقا على رضا المريض أو ممثليه الشرعيين قبل إخضاعه للعمل الطبي ولا يشترط أن يكون رضاء المريض صريحا فيجوز أن يكون رضاء ضمنيا.
فإذا رفض المريض تدخل الطبيب فلا يجوز للطبيب أن يقوم بأي عمل من الأعمال الطبية وإلا تقررت مسؤوليته عن تلك الأعمال << ومع ذلك يجوز تدخل الطبيب في حالة الضرورة الماسة حيث تكون حياة المريض في خطر و لا يمكن أخذ رأيه و لا يوجد من يمثله لكي يرضى بدلا عنه في هذه الحالة لا يكون تدخل الطبيب مباحا بسبب تخلف رضاء المريض أو من يمثله، و لكن الطبيب لا يسأل في هذه الحالة من توافرت شروط الضرورة قانونا و يجوز كذلك أن يتدخل الطبيب بدون رضاء المريض و يكون عمله مباحا بناءا على سبب آخر، غير استعمال الحق هو أداء الواجب تنفيذ أمر القانون أو استعمال السلطة- كما يحدث في حالات الأوبئة.


مطابقة العمل على أصول الطب :
على الطبيب أن يبذل في مباشرة العمل القواعد أو الأصول العلمية المعروفة من أهل الاختصاص و لا يتسامحون مع من يجهلها أو يتخطاها ممن ينتسب إلى تخصصهم و لا يعني هذا أنه على القائم بالعمل أن يطبق العلم كما يطبقه غيره من زملاءه، فمن حقه أن يترك له قدر من الاستغلال في التقدير، و بذلك فلا يكون الطبيب مسؤولا، إلا إذا أثبت أنه قد أظهر جهلا فاضحا بأصول الطب.
و هكذا يكون الطبيب مسؤولا إذا أجرى عملية جراحية خارج عن اختصاصه أو أجرى العملية في غير صحو أي كان في حالة سكر و غيرها.


أن يكون تدخل الطبيب قصد العلاج :
إنما خوله القانون للطبيب بمباشرة و إجراء أعماله الطبية على جسم المريض فالقصد منها هو شفاء المريض من ألم به أو علة يشكو منها فإن ابتغى بعمله غرضا آخر كان مسؤولا عنه، و لو تم ذلك برضاء الضحية أو التحاقها، و مثال ذلك أن يرمي إلى تخليص المريض من آلامه عن طريق قتله و ليس بعلاجه أو يسهل له تعاطي المخدرات بحجة العلاج.
وكذلك لا يكون فعل الطبيب مبررا و تقوم مسؤوليته إذا كان الأعمال التي يباشرها مجرد إجراء تجربة علمية لم يقصد بها علاج المريض و إنما تحقيق شهرة أو اكتشاف جديد.


4) ممارســـة الألعاب الرياضية :
قد ينشأ عن ممارسة الألعاب الرياضية أفعال يصدق عليها وصف جريمة الضرب و الجرح و قد تصل إلى القتل، ولكن هذه الأفعال تعتبر مباحة إذا توفرت شروط معينة و أساس إباحتها هو أن النشاط الرياضي مسموح به من قبل الدولة و تشجع عليه و ترصد من أجله الأموال و تعترف بالهيئات التي تقوم على رعايته.


وحـتى تعتبر الأعمال الرياضية مباحة يجب توفر الشروط التالية :
الاعتراف باللعبة الرياضية :
وجود قواعد رياضية متعارف عليها، فيلزم أن تكون اللعبة الرياضية من الألعاب التي يعترف بها العرف الرياضي، أي أن تكون لها أصول و قواعد متعارف عليها فــي التي يعترف بها العرف الرياضي، أي تكون لها أصول و قواعد متعارف عليها في أوساط اللاعبين ،وأن تمارس في منطقة معينة أو من فئة معينة، كما يستحب أن تكون للعبة جمعيات أو هيئات تتولى تنظيمها والإشراف عليها أو تشجيع الانتساب إليه.
وقوع العنف أثناء اللعبة: أثناء مباراة نظامية :
ويعني ذلك أن تكون مباراة منظمة يشترك فيها اللاعبون بإرادتهم وأن تقنع أفعال العنف في تلك المباراة وتطبيقا لذلك لا تكون أفعال العنف مبررة إذا وقعت قبل أو بعد المباراة كان تكون ناتجة عن مشاجرة بين لاعبين قبل بدء المباراة أو بعد انتهاءها.


تناسق أو مسايرة الفعل مع قواعد اللعبة :
وجـب أن يـراعي اللاعب الحدود المقررة في اللعبة،إذ لكل لعبة قواعد تقررها الهيئات المشرفة على اللعبة دولية أو محلية،أو يكشف عنها العرف الثابت فإن خرج اللاعب عليها، كان مسؤولا طبقا للقواعد العامة عمن ركب أعمال عنف على منافسة لا يستفيد من سبب الإباحة وتكون أفعاله غير مشرعة.
ففــي الملاكمة مثلا لا يجوز للملاكم أن يستعمل غير القفاز الخاص بالملاكمة ولا إن يضرب خصمه في أسفل بطنه أو في ظهره فإذا فعل ذلك أو وضع في قفازه جسما صلبا كان مسؤولا عما يحدثه بمنافسة من إصابات ولا يستفيد من أسباب الإباحة.


حسن نية اللاعب :
ويشترط أخيرا لتبرير العنف الناجم من ممارسة الألعاب الرياضية أن يتوافر في الشخص حسن نية اللاعب، بأن يتجه قصد إلى الاشتراك في اللعبة ولهدف رياضي وليس بقصد تستر وراء اللعبة لشفاء ضغائن أو أحقاد وإبعاد الخصم على الرياضة.

رضا المجني عليه :
تقتضي الجريمة عادة وجود المجني عليه والغالب إنه وقع خلافا بإرادته أو بدون علم منه، وعليه يبدو غريبا أن يطرح المجني عليه كسبب للتبرير غير أن الواقع لا يخلو من حالات يوفق فيها المجني عليه مقدما على تحمل نتيجة الجريمة، كأن يوافق المريض غرضا للشفاء منه أن يقتل الغير تخلص من ألمه و أو يوافق الشخص على استعمال الغير لاستيائه أو يقبل المتبارز مقدما لتحمل نتائج المبارزة أو تقبل امرأة بإجهاضها من قبل الغير فهذه الأمثلة مختلفة ما هي إلا أوجه لرضا المجني عليه.


وكمبدأ أمام الأصل أنّ رضا المجني عليه لا أمر له على المسؤولية الجزائية وهذا اعتبارا إلى كون أن القانون الجزائي من النظام العام، ومن ثمة يجوز للمجني عليه أن يعطل تطبيق بإرادته.
وهكذا فإن رضا المجني عليه لا يؤثر في الجرائم الماسة في الحياة و الصحة وسلامة الجسم كالعقل و الضرب و الجروح العمدية،فلا آثار لرضا المجني عليه على تجريم فعل الطبيب الذي ينهي ألم مريض يؤدي شفائه وفي هذا السياق حرّم المشرع الجزائري خلاف للمشرع الفرنسي مساعدة للغير على الانتحار وتسهله له، أو زوده بالأسلحة أو السم أو بالآلات المعدة للانتحار مع علمه بأنها سوف تستعمل في هذا الغرض، يعاقب بالحبس من سنة إلى 55 سنة إذا نفذ الانتحار غير أن بعض التشريعات اعتبرت رضا المجني عليه سببا لتبرير فئة معينة من الجرائم فقط وهي الجرائم التي يعاقب عليها- لتعرضها لإرادة الغير- أما ما عاد ذلك من الجرائم فلا بد من الرجوع إلى القواعد العامة في القانون لتحديد أثر الرضا عليها.


غير أن بعض التشريعات بدأت تتجه نحو الأخذ برضا المجني عليه كسبب من أسباب الإباحة على وجه الخصوص في حالة مساعدة المريض الميئوس شفاءه على الموت وإذا طلب منه ذلك وكذلك لا أثر لرضاء المجني عليه في الجرائم ضد الأموال بل يؤدي أحيانا إلى احتمال تجريم المجني عليه كما هو الحال في جرائم الشيكات بالنسبة للمجني عليه الذي يقبل شيكا وهو يعلم أنه بدون رصيد وفقا للمادة 3742 ق.ع.


اســتثناءات :
توجد حالات يكون فيها رضاء المجني عليه أثرا في قيام الجريمة، فتراه يعدم ركنا من أركان الجريمة أو تارة أخرى يشكل رضا المجني عليه مبررا ناتجا عن رخصة ضمنية من القانون والعرف.
من الجرائم ما يلزم لقيامها عدم رضا المجني عليه عن الفعل وهي الجرائم التي يكون فيها عدم رضاء المجني عليه ركنا من أركان الجريمة فالسرقة مثلا يقوم ركنها المادي على الأخذ و الاختلاس،ولا يتحقق ذلك إلا إذا كان المجني عليه غير راض عن خروج الشيء عن حيازته ودخوله في حيازة الغير فإذا رضا بذلك فلا اختلاس ولا سرقة ولا تقوم جريمة الاغتصاب-هتك العرض- وللفعل المخل بالحياء على من تجاوز سن 16 سنة إذا حصل كل منهما برضا المجني عليه،ولا تقوم جرائم القبض و الخطف على الأشخاص وانتهاك حرمة ملك الغير برضا المجني عليه.


ويلاحظ أن الرضاء عنصر جوهري ومؤثر على قيام الجرائم السابقة، فتتوافر الجريمة وبالتالي تثبت المسؤولية إذا انتقى الرضاء ولا تنتفي الجريمة إذا كان المجني راضي بالفعل المكون لها غير أن رضاء المجني عليه في هذه الجرائم وأمثالها لا يعد سببا من أسباب الإباحة، ويرتب أحيانا على رضاء المجني عليه إفلات لجاني من العقوبة فيشكل بذلك فعلا مبررا مؤسسا على رخصة ضمنية من القانون فبمقتضى ترخيص القانون لا يتابع من أجل القتل العمد أو الضرب أو الجروح العمدية، الطبيب الجراح الذي يقتل المريض أو يحدث له عجزا دائما إثر إجراء عملية جراحية .

ولا يسال جزائيا ولا مدنيا عن فعله هذ ويعد الرضا في نظر الرأي الغالب في الفقه سبب إباحة بالجريمة التي تقال بالاعتداء وحقوقا يجوز التصرف فيها ونقلها إلى الغير، ويضرب الفقه مثالا على ذلك الجرائم هدم أو تخريب أو إتلاف في ملك الغير وجرائم التعدي على المزروعات والحيوانات والآلات الزراعية.
فالأفعال التي تقوم بها هذه الجرائم لا تعتبر غير مشروعة وإلا إذ ارتكبت بغير رضاء المالك.


وعليه فإن تأثر رضا المجني عليه على قيام بعض الجرائم يعد من قبيل الاستثناء، ولا يمكن اعتباره قاعدة عامة لأن غاية التجريد و العقاب عامة تستهدف حماية المصلحة العامة بغض النظر عن هذا الرضاء و مع ذلك فقد يكون لرضا المجني عليه بعض الأمر في حدود ما تقتضي به النصوص أو القواعد العامة فقد يشكل سببا لتبرير بعض الجرائم فبمقتضى ترخيص ضمني من القانون يباح الضرب و الجروح العمدية التي تحصل أثناء ممارسة الألعاب الرياضية العنيفة مثل الملاكمة والمصارعة اليابانية، ويشرط في ذلك مراعاة الحدود المقررة في اللعب ولكل لعبة قواعدها الخاصة التي تقررها الهيئات المشرفة على الألعاب الرياضية.


ففي الملاكمة مثلا لا يجوز للملاكم أن يستعمل قفازا آخر غير ذلك المخصص للملاكمة،كما لا يجوز للاعب أن يضرب خصمه في أسفل بطنه، فإذا فعل ذلك كان مسؤولا عما يحدث بخصمه من إصابات وفقا للقواعد العامة والرضا-رضا المجني عليه- وفقا لما أقرت التشريعات لا يكون صحيحا ونافذ قانونا إلا بتوافر شروط هي :
-1 يجب أن يصدر الرضا من شخص مميز مدرك لما يقوم به من أفعال وتصرفات وما يترتب عليها من نتائج ولم يحدد القانون سنا معينا للمجني عليه بل ترك الأمر لقاضي الموضوع لأن الإدراك العقلي يختلف من شخص لآخر تبعا للسن والنحو الجسماني، ولذلك اعتبر كل من يتعدى سن السابعة عديم الأهلية بقوة القانون،ولا يسال جنائيا لعدم إدراكه لطبيعة عمله وما يدور حوله من ملابسات وظروف ونجد أن هناك شروط يتطلبها القانون في بعض الجرائم بالنسبة لسن المجني عليه،فمثلا لا يوجد أثر للمجني عليه في جريمة هتك العرض إذا قل عمره عن سن معين-18سنة- والجريمة تكون جنائية إذا لم يبلغ عمره سبع سنوات وهتك عرضه لرضاه وكذلك لا أثر لرضا المجني عليه في جريمة لخطف إذا لم يبلغ عمره 16سنة، وهناك بعض القوانين قد رفعت سن الرضاء بالنسبة لجرائم الاغتصاب وجرائم الجنسية وجرائم القتل بناءا على رضاء لمن تزيد سنه عن 18سنة.
فالقانون الانجليزي قد حدد سن الرضاء كدفاع ضد الجريمة ب16سنة،فرضاء الشخص الذي يقل عمره عن 16سنة لا يعتبر دفاعا ضد الجريمة ولا يعد برضائه قانونا.
لا يتعدى برضاء للمجني عليه الأبله وفاقد الشعور و الإدراك لاختلال العقل أو الشخص الواقع تحت المخدر أو السكر أو النوم الطبيعي أو التنويم المغناطيسي، فإذا ما وقع شخص امرأة و هي تحت تأثير المخدر أو التنويم المغناطيسي يعتبر مرتكب في جريمة الاغتصاب.


يجب أن يصدر الرضاء باختيار المجني عليه و بإرادته الحرة السليمة فلا يوجد الرضاء على الإطلاق إذ صدر من شخص نتيجة الإكراه أو التهديد بالأذى الجسيم، أو إذا صدر من شخص نتيجة الغش و الخداع والحيلة و الغلط في الوقائع لأن كل هذه الصيفات تغيب الإرادة و تجرد الرضا من كل قيمة أو أثر و تنفي وجوده، فمثلا من ينتهز فرصة حلول الظلام و ينتحل صفة الزوج و يجامع الزوجة و هي نائمة و ترضى له بذلك اعتقادا منها أنه زوجها هذا الشخص يعتبر مرتكب لجريمة الاغتصاب.


يجب أن يكون الرضاء سابقا على ارتكاب الجريمة أو معاصرا لها وفق ارتكابها و بالتالي فالرضاء اللاحق لوقوع الجريمة لا يرفع المسؤولية الجزائية أو الصفة الإجرامية للفعل، و لا يمنع من القضاة، و لكنه يؤثر فقط عند النطق بالحكم بشكل عفوي أو التنازل من المجني عليه و كذلك نجد أثر هذا الرضاء اللاحق في الإعفاء من المسؤولية المدنية.


يجب أن يكون للمجني عليه حرية التصرف في الحق المعتدي عليه، و الأمر في ذلك يوكل للقاضي الذي يبين لنا الحقوق الجائز للتصرف فيها و تلك التي لا يجوز التصرف فيها رغم رضا المجني عليه لتعلقها بالمصلحة العامة و فرضا المجني عليه ليس دائما دفاعا ضد الجريمة إلا في الجرائم الاستثنائية ذات الصفة الخاصة التي لا تتعرض مع مبادئ الأخلاق و الشعور العام و التي لا يخل بالأمن العام و السياسة العقابية للدولة.


يشترط في الرضاء الذي يصدر من المجني عليه أن لا يكون مخالفا للنظام العام و الآداب العامة فالرضاء بالاشتراك في عراك على جائزة رضاء لا قيمة له لخرقه للأمن و الطمأنينة العامة، و قد اعتبر جميع المشتركين في هذا العراك مشجعين و لاعبين مرتكبين لجريمة الاعتداء و مسؤولين جزائيا، ورضاء الأطراف البالغين بالاتصال الجنسي مع بعضهم البعض علانية بارتكاب الجرائم الجنسية الشاذة، لا أثر لرضائهم هذا لمخالفتهم للآداب العامة و الأخلاق و يسألون جزائيا و الأصل في الرضاء أن يكون صريحا لا لبس فيه و قد يكون ضمنيا و إنما يجب التحرز من استنتاجه فلا يعتبر السكوت رضاء في كل الحالات لأن من الجائز أن يكون السكوت نتيجة خوف أو إكراه المجني عليه.


و الرضاء يمكن إثباته و برهانه بالكلام أو شفاهة أو كتابة أو بالأفعال السلبية و الإيجابية، فمن قال نعم بإرادته الحرة السليمة قد رضا بالفعل لأنه شخص عاقل مدرك فلا يستطيع أن ينكر رضاءه هذا، فالسكوت و التراضي و عدم الاعتراض- مع المقدرة على الاعتراض- دليل على إثبات الرضاء و تأكيده شريطة أن يكون المجني عليه قادرا على الرفض في حالة اعتراضه على وقـــوع الفعــل.



المبحث الثاني : الدفاع الشرعي و حالة الضرورة.
- بعدما تطرقنا في المبحث الأول الفرع الأول من الأفعال المبررة و هي ما أذن و أمر به القانون و كذا مبدأ الحق,سنتناول الفرع الثاني من الأفعال المبررة و هو الدفاع المشروع, ففي هذا المبحث سنحاول التفصيل في الموضوع لما له من أهمية و كذا لحساسيته, فقد برر بعض أفعاله بأنها دفاع شرعي و لكن قد تكون هذه الأفعال المرتكبة من قبلهم محرمة قانونية.
- و لهذا فقد ارتأينا لتعريف بالدفاع البشري, حالاته, شروطه و كذا حالات الضرورة في حالة الدفاع الشرعي.
إذن يمكننا تعريف الدفاع الشرعي بأنه :


المطلب الأول : الدفاع المشروط و شروطه :
1- تعريفه :
يقصد بالدفاع الشرعي استخدام القوة اللازمة لمواجهة خطر اعتداء غير مشروع يهدد بضرر يصيبه حقا يحميه القانون, فالمشرع يرى أن المعتدى و قد صدرت عنه أفعال تنطوي على خطر اعتداء على حق من الحقوق التي يحميها القانون فيمنع المعتدي عليه_ أو المدافع_ الحق في حد هذا الخطر بالقوة اللازمة حتى لا يتحول إلى ضرر أو منع استمرار هذا الضرر, إذا كان فد بدا الفعل دون أن يتطلب منه انتظار تدخل السلطات العمومية أو اللجوء اليها لحمايته فالأفعال الخطرة التي صدرت عن المعتدي نشا عنها حق المعتدي عليه في حدها و هذا الحق هو الذي برر أو أباح ما صدر عن المعتدي عليه من أفعال غير مشروعة لمواجهة أفعال المعتدي الخطرة أي أن دفاع المعتدي عليه_أو المدافع_ هو مشروع.


و بعبارة أخرى فان حق الدفاع الشرعي تجرد أفعال المدافع من صفتها الإجرامية فتصبح أفعالا مبررة أو مباحة,ومن هنا اعتبر حق الدفاع الشرعي سبب تبرير أو إباحة و يعرف البعض الدفاع الشرعي على انه استعمال القوة اللازمة لمواجهة خطر اعتداء حال غير المحق و لا مثار يهدد بضرر يصيب حقا يحميه القانون إذا لم يكن في استطاعة المعتدي عليه التخلص من هذا الاعتداء أو الخطر إلا بالقتل أو الجرح أو بفعل المؤثر كما أن المشرع الجزائري تطرق إلى الدفاع المشروع في نص المادة 39 ق ع ج بقوله" لا جريمة :
1- إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون.
2- إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس,أو عن الغير.أو عن مال مملوك للشخص أو للغير بشرط أن يكون الدفاع متناسب مع جسامة الاعتداء.
وبهذا فالمشرع الجزائري شانه شان بقية التشريعات فقد عالج موضوع الدفاع الشرعي, كما بين شروط و مجال تطبيقه .
و لكن قبل التطرق إلى مجال تطبيق الدفاع الشرعي وشروطه ارتأينا الوقوف عند طبيعة الدفاع الشرعي وأساسه.


2- طبيعة الدفاع المشروع وأساسه :
تضاربت الآراء الفقهية في أساس الدفاع الشرعي, فمنهم من اعتبره حقا و من ثم جرى الفقهاء على اعتبار الدفاع الشرعي استعمالا لحق شخصي رئيس ويرى أخرون أن الدفاع المشروع يرجع إلى أداء الواجب,ويعرض على هذا بان كل واجب سيقابله جزاء على عدم القيام به. 

و من الفقهاء من اعتبر الدفاع المشروع تفويضا قانونيا باستعمال سلطة الضبطية الإدارية في منع الجرائم,أي منع الاعتداء على الحقوق التي يحميها القانون العقوبات, فالبوليس هو المكلف أصلا بمنع الجرائم,ولكن عندما لا يتم الالتحاق إليه لرد أو الاعتداء فمارس الفرد سلطته في ذلك بتفويض من المشرع,ولعل الصحيح أن الدفاع المشروع ترخيص من القانون للمدافع لرد الاعتداء.
و فرق ببن الحق والرخصة,فالحق يقابله التزام مدني و ليست الرخصة كذالك.

أما أساس الدفاع الشرعي-المشروع- فيرجع إلى فكرة الموازنة بين المصالح المتعارضة للإفراد وإتيان مصلحة أولى بالرعاية,تحقيق للمصالح العامة وهو هدف كل نظام قانوني فكل من الخصمين يرتكب عملا غير مشروع,ولكن بالنظر إلى الظروف التي وقع فيها كل من الفعلين رأي المشرع أن المصلحة العامة تتحقق بآثار مصلحة المدافع برد الاعتداء على مصلحة من بادر بالاعتداء و بالتالي فيتم قلب أو تحويل فعل أو عمل المدافع إلى عمل مشروع ومن المسلم به كقاعدة عامة انه لايجوز للإنسان أن يقيم العدالة لنفسه أو يبرا بنفسه الاعتداء على حقه أو مصلحته,وإنما عليه أن يلجا بذلك إلى السلطة المختصة, واستثناء من هذه القاعدة تجيز كافة التشريعات للمدافع ان يرد الاعتداء على حقه حين لا يتيسر الاستعانة بالسلطة العامة وهذا ما استقرا عليه المشرع الجزائري وفقا للمادة 39 ق.ع.ج.


3- مجال تطبيق الدفاع الشرعي :
أوردت المادة 39 ق.ع.ج الجرائم التي تبيح الدفاع المشروع و لم تحصرها في جرائم الاعتداء على الأشخاص بل وسعت من نطاقها حيث شمل :
جرائم الاعتداء على النفس :
يبدوا من أول وهلة أن المشرع حصر هذه الجرائم في القتل أساسا وفي أعمال العنف,ولكنها في حقيقة الأمر أوسع مما سبق,كما يتبين من خلال ذلك ففي المادة 40 ق ع ج التي أشارت عل الاعتداء على حياة الشخص أو سلامة في جسمه وهذه العبارة الأخيرة تغطي كل أعمال العنف بما فيها جرائم العرض المرتكبة بالعنف و تبعا لذلك تتخذ الجريمة على النفس مظاهر متعددة بحسب الحق المعتدي عليه أو النتيجة المعاقب عليها وهي كالأتي :

- جرائم الاعتداء على العرض إذ يجوز الدفاع لرد جرائم هتك العرض أو الإخلال بالحياء.
- الجرائم والماسة بالشرف والاعتبار كالقذف والسب,و إذ كان الطابع الفجائي هو الغالب على هذه الجرائم حيث لا تكون للمجني عليه فرصة للدفاع,فان الدفاع متصور في بعض الحالات وان يقوم الشخص المقذوف بتمزيق المحرر الذي يحوي على عبارات القذف قبيل إذاعتها,أو أن يقوم بإتلاف آلة التسجيل التي سجلت عليها العبارات المذكورة,وان يقوم بوضع يده على فم المعتدي لمنعه من إخراج العبارات المشينة وما إلى ذلك.


- جرائم الاعتداء على الحرية ولهذا الاعتداء عدة مظاهر نذكر منها على وجه الخصوص الاعتداء على حرية الحركة والانتقال وهي الحرية التي يصونها المشرع ويحميها من خلال تجريم القبض والحجز التعسفي والخطف,والتهديد بإيقاع جريمة من هذه الجرائم يجيز الدفاع الشرعي.


جرائم الاعتداء على الأموال :
وتشمل كل الجرائم المرتكبة ضد الأموال المنصوص عليها في قانون العقوبات وفي القوانين الخاصة المكملة له,ومن هذا القبيل جرائم السرقة والهدم والتخريب والإتلاف والحرق والتعدي على الملكية.
و يستوي في الحالتين أي جرائم الاعتداء على النفس أو الاعتداء على الأموال أن يكون الاعتداء على صاحب الشأن أو غيره.
و قد حصل القضاء الفرنسي نطاق تطبيق الدفاع المشروع في الجرائم العمدية وحدها, معللا ذلك بكون الدفاع المشروع لا يتلاءم و طبيعة الجرائم الغير عمديه وهذا ما أثار حفيظة بعض الفقهاء على أساس انه ليس بمقدور المعتدى عليه التكهن بان عمل المعتدي غير عمدي. 
إذا كان التشريع الجزائري و التشريع الفرنسي قد أطلق الدفاع ضد خطر الجريمة أيا كان,إلا أن التشريع المصري قد أورد الجريمة التي تجيز الدفاع عن المال حيث قصره على جرائم معينة وردت على سبيل الحصر وهي :
" جرائم الحرق العمدي والسرقة والتخريب والإتلاف وانتهاك حرمة منزل ".


4- شروط الدفاع المشروع :
يتطلب الدفاع المشروع سلوكا من جانب المعتدي المتمثل في الاعتداء وسلوكا من جانب المدافع المتمثل في رد الاعتداء,ويكون الفاعل في حدود الدفاع إذا توفرت شروط معينة في الاعتداء وشروط أخرى في الدفاع. 
- و يرجع لقضاة الموضوع تقدير هذه الشروط,وذلك تحت رقابة المحكمة العليا و من ثم ينبغي إثارة الدفع بتوفير شروط الدفاع المشروع أمام قضاة الموضوع ولا يجوز إثارة لأول مرة أمام المحكمة العليا.
أ- شروط الاعتداء :
يشترط في الاعتداء العناصر والشروط التالية :

يجب أن يكون الاعتداء حالا :
وقد عبرت عن ذلك المادة  39 فقرة 2 ق ع ج الضرورة الحالة و يتمثل في وجود خطر حال لم يكن ممكنا أبعاده إلا بارتكاب الجريمة,و بمعنى أن يكون هذا الخطر الحال حقيقة ملموسة و ليس من صنع خيال الفاعل,غير أن في قضاة فرنسا أنه ليس من الضروري أن يكون مرتكب القتل أو الضرب ردا للاعتداء في خطر الموت و القاضي هو من يقدر الطابع الحال للدفاع, فإذا لم يكن الخطر حالا و إنما كان مستقلا أو كان إدراكه فلا يعد في مثل هاتين الحالتين من يوجه إليه الخطر في حالة دفاع شرعي,وإنما يكون الدفاع في الحالة الأولى وقائيا و في الحالة الثانية انتقاما. 
 
المعتدي قد بدا في إيقاع الضرر بالمجني عليه بل يكفي مجرد القيام بالفعل,يحتمل معه وقوع الجريمة مستقبلا سواء كان هذا الفاعل بدأ في تنفيذ الجريمة أو أعمال تحضيرية و تقدير حلول الخطر يجب أن يستند إلى اعتبارات موضوعية وواقعية و يقاس وفقا لتوقيع الشخص العادي في مثل الظروف التي كان عليها المدافع وقت الاعتداء  والمشرع الجزائري اكتفى أيضا بحلول الخطر ولا يشترط أن يكون المعتدي قد بدا في إيقاع الضرر أي أصاب الحق المحمي بالفعل,وإلا ضاعت الفائدة من تقرير الدفاع الشرعي و يكفي لقيامها أن يكون الضرر وشيك الحلول.
و إذا بدا المعتدي في إحداث الضرر فالمعتدي عليه من باب الأول أن يمنع المعتدي من الاستمرار في الاعتداء.
" و بعض التشريعات جعلت الخطر الحال في إحدى الصورتين-2- خطر وشيك,خطر مستمر" 

أما الخطر الوشيك يفترض فيه أن الاعتداء لم يبدأ بعد,ولكنه في مرحلة التنفيذ على الأقل في مرحلة الشروع و المشرع لا يلزم المهدد بالخطر أن ينتظر ابتداء الاعتداء عليه حتى يبرر له الدفاع,وإنما يجيز له الدفاع بمجرد أن يهدده الخطر الداهم فمن يخرج مسدسه وأخذ بتجهيزه بالرصاص يكون الخطر الصادر عنه وشيكا ويجيز الدفاع,ولم يبدأ بإطلاق النار.

أما إذا كان الخطر في المستقبل فلا يوصف الفعل بان تعرض ولا يباح الدفاع, ويلاحظ أن لمراعاة الظروف التي كان يمر بها المدافع عند تقرير وجود الخطر ولا يجوز أن تختلط بالخطر الوهمي الذي يقوم الخطأ في اعتقاد المدافع و تصور للاشعور مثاله أن يتوهم صاحب المنزل وجود شخص يرغب بالسرقة ليلا فيطلق عليه الرصاص عندما يهرب و إذا به صديق للخادمة,وأن يهدد شخص أخر بمسدس أو يضع يده على وسط الجسم حيث يكون المسدس عادة,فيتبين بعد الدفاع عدم وجود سلاح.

و على الرغم من عدم صلاحية النظر الوهمي لقيام حق الدفاع لان أسباب التبرير موضوعية في مصدرها ولا تتوقف على عنصر شخصي فهناك من يعيد بالخطر الوهمي للقول بتوفر الدفاع حتى كان الاعتقاد بالخطر مبينا على أسباب معقولة.
أما الخطر المستمر تفترض هذه الصورة الخطر الحال أنه لا يزال قائما يحدق بالغير و أنه لم ينته بعد،كما لو أطلق المعتدي رصاصة على المجني عليه,وكان يستعد لإطلاق الرصاصات الأخرى أو طعنه بالسكين طعنة ويتهيأ للطعنات الأخرى فهذا الدفاع جاهز لتفادي الخطر الداهم.

- أما إذا كان الخطر قد تم وانتهى فان اية رد فعل ضد المعتدي عليه تعتبر نوعا من الانتقام ولا تشكل حال الدفاع,فالدفاع المشروع لم يشرع للانتقام وإنما شرع لمنع المعتدي من إيقاع فعل المعتدي أو الاستمرار فيه بحيث إذا كان الاعتداء قد انتهى فلا يكون الدفاع الشرعي موجود.

و قد ينتهي الخطر قبل حصول الضرر كما لو تمكن المعتدي عليه من انزاع السلاح من يد المعتدي وهنا لا يجوز للمعتدي عليه أن يستعمل السلاح ضد المعتدي لانه يتم عقب انتهاء الخطر فيصبح مجرد انتقام يعاقب عليه القانون و قد ينتهي الخطر بعد حصول الضرر أي بعد تمام الجريمة التي كان المعتدي ينوي ارتكابها,وهنا لا يجوز للمجني عليه أن يلجا لاستعمال العنف ضد الجاني لأنه بعد زوال الخطر محدق به و لا يكون في مركز الدفاع.


- و يتخذ أنه هنا يليق الأمر عند تحديد وقت تمام الجريمة حتى يتحدد الزمن الفاصل بين وجود الحق في الدفاع وزواله وهنا يختلف الأمر باختلاف الركن المادي للجرائم-1- ففي الجريمة الوقتية تقع الجريمة و تنتهي بالنشاط الذي أتاه الجاني سواء بفعل أو عدة أفعال فجريمة الضرب قد تتم بفعل واحد و قد تتم بعدة ضربات و جريمة السرقة لا تتم ألا باستيلاء الجاني على الحيازة الهادئة للشيء المسروق فلا تتم السرقة بمجرد فرار الجاني بالشيء المسروق بل أنها تكون في مرحلة التنفيذ حتى يتمكن الجاني من جعل الشيء في حيازته الهادئة ونحن نعرفه و لذا يجوز للمجني عليه أن يستعمل العنف ضد الجاني أثناء فراره بالشيء المسروق لمنعه من الاستيلاء عليه,كما يجوز تفتيشه في هذه الفترة لضبط الشيء المسروق
و في الجرائم المستمرة يعتبر الاعتداء مستمرا مما يبيح الدفاع حتى تنتهي حالة الاستمرار مثل جريمة الخطف, فيجوز للمخطوف لما كان مسلوب الحرية أن يدافع عن نفسه ضد خاطفيه.
و يتعين عند تقدير وقت زوال الخطر الاعتداء بمقاييس موضوعية واقعية أي وفقا لتوقع الشخص العادي في مثل الظروف التي كان يمر بها الجاني.


أن يكون الاعتداء غير مشروع :
يجب أن لا يستند الاعتداء إلى حق أو أمر من القانون, أما إذا وقع الاعتداء بأمر من القانون أو بإذن منه طبقا للقانون,ففي مثل هذه الحالات يكون الاعتداء عادلا و يفتقد الدفاع مشروعيته.
فالشخص الذي أصدرت في حقه السلطة القضائية أمر بقبضه ويقاوم تنفيذ هذا الأمر لا يكون في حالة دفاع شرعي,كذلك الحال بالنسبة لمن يقاوم الضبط الذي يقوم به مواطن طبقا لنص المادة 61 ق اج التي تخول كل شخص في حالات 
تلبس بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس.

ضبط الفاعل واقتياده إلى أقرب ضابط للشرطة القضائية فهنا الشخص الذي يقاوم الضبط لا يمكن أن يستند إلى أنه في حالة دفاع مشروع و لهذا أن يتوفر فعل يهدد بخطر أو إحدى المصالح المحمية بقانون العقوبات و يكفي مجرد السكوت أو الامتناع عن البحت,ولا يشترط في العقد المهدد بالخطر أن يكون عملا ايجابيا بل يكفي مجرد الامتناع الذي يعتبره القانون جريمة,ويقتضي إباحة الدفاع الشرعي, و وروده على أمر غير مشروع,وهو حالا يتوافر عندما يكون الاعتداء قائما على فعل يهدد بخطر مشروع,والضابط في عدم مشروعيته الخطر هو تهديده بارتكاب جريمة ما ينص عليها قانون العقوبات.


ففعل الاعتداء إنما يتجه إلى الخطر لصده قبل وقوع الاعتداء,وهنا يكمن الهدف الاجتماعي للدفاع-2- وهو منع الخطر من أن يتحول إلى ضرر أي اعتداء فعلي ويستوي في الجريمة أن تكون عمديه أو غير عمديه ونجد أن امتناع مسؤولية المعتدي إذا كان فاقد الشعور أو الاختيار وقت ارتكاب الفعل لصغر سنه أو لجنون الم به أو لعاهة عقلية أو لغيبوبة ناشاه عن تناول مادة مسكرة أو مخدرة لا يحول دون الدفاع الشرعي و هو ما أثار التساؤل أيضا حول ما إذا كان الاعتداء الصادر عن عديمي المسؤولية كالمجنون مثلا والطفل الغير المميز مشروعا.


أجاب الفقهاء( ستيفاني ولوفاسور و يورك) على هذا السؤال ليقولهم "إذا كان هذا الاعتداء مشروعا من الناحية الذاتية بسبب عدم المسؤولية فان غير مشروعية من الناحية الموضوعية,ذلك أن أسباب انعدام المسؤولية الذاتية لا تمحوا الطابع الإجرامي عن الفعل المرتكب من طرف المعتدي,وخلصوا إلى القول:بان الاعتداء الذي يقوم به المجنون أو الطفل يمكن أن يكون محل رد مشروع" و هو القانون الذي وافق عليه الشرع الجزائري.
- كما لا يفقد المدافع حقه في الدفاع المشروع إذا كان قد تسبب باستفزازه في صدور الاعتداء من المعتدي,ومتى كان الخطر مهددا بجريمة فلا يحول دون توفر حق الدفاع المشروع أن يكون المتهم قد توفرت لديه أحد موانع العقاب لان هذا المانع لا يؤثر في بقاء وصف التجريم بالفعل.


و لا يحول دون توفر الدفاع الشرعي أن يكون المعتدي متمتع بالحصانة الدبلوماسية لان هذه الحصانة يقتصر إعفائه من الخضوع لسلطات القضاء الوطني,ولكنه لا تحول دون خضوعه لقانوني العقوبات وإخفاء صفة التجريم على أفعاله المخالفة للقانون.
تتعدى المسالة عندما يتم القبض بصفة غير شرعية,كان يقبض على شخص بدون أمر قضائي, أو أن يتعرض المقبوض عليه بأمر قضائي إلى ضرب مبرح من طرف أعوان السلطة أثناء القبض يثور التساؤل حينئذ حول ما إذا كانت مقاومة المقبوض عليه دفاعا مشروعا أم لا ؟.
اختلف الفقه والقضاة في بداية الأمر,انتهى القضاء الفرنسي إلى المقاومة غير شرعية ومن ثم خلص إلى انعدام الدفاع المشروع بدون وجود الانصياع دائما لإعمال السلطة غير أن هذا لا يمنع المعتدي عليه من متابعة السلطة من أجل الاعتداء عليه.


المحل الذي يرد عليه التعرض أو الخطر أو الاعتداء :
نص المشرع الجزائري في المادة 39 ق.ع.ج على أن الدفاع المشروع يكون خلال المداهمة أو التعرض أو الاعتداء على حق يحميه القانون,وهذا الحق هو الدفاع عن النفس أو الغير أو عن مال مملوك للشخص أو الغير ومن هنا فالتعرض أو الاعتداء يقع على النفس أو الملك أو نفس الغير أو ملكه ومن هنا فتم تحديد الجرائم التي يرد عليها الخطر تحديدا على سبيل الحصر فأجاز الالتجاء إلى الدفاع الشرعي ضد جميع الجرائم,الاعتداء على النفس ثم اقتصر على الإباحة إلى بعض جرائم الاعتداء على المال,يشترط أن تقع هذه الجرائم على نفس أو مال المدافع لأنه يستوي في نظر القانون أن يقع الاعتداء على المدافع أو غيره,فيجوز للغير الذي لم تقع عليه الجريمة أن يدافع عن المجني عليه ضد المعتدي.


وأباح ضد أي اعتداء يهدد المجني عليه بجريمة من جرائم الاعتداء على النفس ويشمل ذلك جرائم الاعتداء على حياة الإنسان وسلامة جسمه,حيث يجوز الدفاع لدرء جرائم القتل والضرب والجرح وما إليها,والجرائم الماسة بالشرف والاعتبار كالقذف و السب وجرائم الاعتداء على الحرية.
-غير أن القانون لم يطلق الدفاع ضد جميع جرائم الاعتداء على المال بل حصرها في جرائم السرقة,و بالهدم والتخريب والإتلاف والحريق العمدي وانتهاك حرمة ملك الغير,التعدي على الملكية ...


ب- شروط فعل الدفاع :
إذا توفرت شروط الاعتداء السابقة في استخدام القوة لدرء هذا الاعتداء,ويستوي بعد ذلك ممارسة هذا الحق ممن وقع ضده الاعتداء أو من شخص آخر غيره.
- و لا يشترط القانون أن يكون لهذا الغير علاقة بمن وقع ضده الاعتداء كما يشترط أن يكون الفعل بعلم أو برضاء هذا الأخير,فالمدافع يستخدم حقه في الدفاع ضد الاعتداء الذي يهدده شخصيا في نفسه أو في ماله,أو ضد الاعتداء الذي يهدد الغير في نفسه أو في ماله.
وبما إن رد الاعتداء أو الدفاع هو رد الخطر فالأصل فيه أن يتم بسلوك ايجابي, ولكنه قد يتم بطريقة الامتناع,كما لو امتنع الميكانيكي عن إصلاح السيارة عندما علم بان سائقها سيتوجه حالا للقتل أخر فتظاهر بإصلاحها وهو لم يصلحها,وشروط الدفاع لا بد أن يكون لازما لدفع الاعتداء متناسبا مع الاعتداء.


- شرط لزوم الدفاع :
لم يقيد القانون الدفاع بعدم القدرة على تفادي الخطر بطريقة أخرى غير أن ارتكاب الجريمة بينها قيدت التشريعات التي تأخذ بحالة الضرورة بذلك إذ لا يمكن أن يطالب الإنسان بالهروب عند تخوف الاعتداء عليه بما في ذلك من الجبن الذي لا تقرره الكرامة الإنسانية.
و بذالك يكون الدفاع لازما إذا كان هو الوسيلة الوحيدة لصد فعل الاعتداء,أي إذ لم يكن أمام المدافع وسائل أخرى-غير الهروب- يستطيع تحقيق بها هذه الغاية.
و تبعا لذلك لا يكون الدفاع لازما عندما يشكل العمل الذي قام به "المدافع" الوسيلة الوحيدة لرد الاعتداء فحسب, بل ويكون الدفاع لازما أيضا حتى وان كان لمرتكب الجريمة وسيلة أخرى غير ارتكاب الجريمة لصد الاعتداء ذلك أن الدفاع المشروع يرتكز على حق بل وعلى القيام بواجب ويجعل البعض وسيلة احتياطية لا يجوز اللجوء إليها إلا إذا تعذر رد الاعتداء بوسائل أخرى غيرها,فلا يجوز للشخص أو الغير أن يأخذ حقه من المعتدي بيده,بل يجب أن يلجا إلى هذا الشخص أو الغير إلى الجهات المختصة لتعيد له حقه من المعتدي إلا إذا تعذر ذلك هنا اجاز القانون الدفاع الشرعي وأصبح الدفاع لازما لمواجهة التعدي.


و على هذا أن لا ينشا حق الدفاع الشرعي إذا وجدت وسائل أخرى_ غير فعل الدفاع_ لرد الاعتداء كإمساك يد المعتدي أو إلقاء شيء في طريقه يمنع وصوله إليه أو انتزاع الأداة التي يستخدمها أو عرقلة اعتدائه بأية وسيلة من الوسائل أو الاستنجاد برجال السلطة العامة.


و لقد ثار التساؤل بشان الهرب إذا كان هو الوسيلة المحتاجة لتفادي الاعتداء غير استخدام القوة,فهل يتعين على المعتدي عليه الفرار من وجه المعتدي,لان فعل الدفاع في هذا الغرض لا يكون لازما ؟
- الرأي السائد في الفقه والقضاء يرفض اعتبار الهرب وسيلة يمكن بها صد الاعتداء لان الهرب اغلب الحالات يعرض صاحبه للسخرية والاستهزاء نظرا لما ينطوي عليه من مظاهر الضعف والجبن ولا يليق بالقانون أن يجبر إنسانا على أن يكون جبانا يغير أمام المخاطر ولا يدافع على نفسه ضد العدوان,يضاف إلى ذلك أن الدفاع حق والهرب مشين,ولا يجبر صاحب حق على النزول عنده
و مع التسليم بضرورة الجريمة للدفاع فإنها لا تبيح إلا بالقدر اللازم للمحافظة على الحق, ولكن الصعوبة تحديد القدر المناسب
- و هكذا فمن الصعب- على سبيل المثال قبول ضرورة الدفاع المشروع عندما يتعلق الأمر بجروح خطيرة تسبب فيها شخص بالغ على طفل اعتدى عليه أو عندما يصاب المعتدي في ظهره و تصبح المسالة أكثر تعقيد عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الأملاك,وفي هذا الصدد يشدد القضاء الفرنسي على أن يكون الدفاع ضروري جدا لبلوغ الهدف المراد.


- شرط دفاع متناسب مع الاعتداء :
يجب أن يكون الدفاع متناسب مع جسامة الاعتداء حيث يتعين أن لا يكون الأذى الذي أصيب المعتدي يتناسب مع الأذى الذي كان المدافع عرضة له وإرادة تجنبه.
و جسامة الاعتداء مسالة وقائع يفصل فيها القضاء بالنظر الذي يتلقى لطمه فيقابلها بقتل المعتدي.
و لكن لا يشترط أن يكون الأذى الذي أصاب المدافع- أخطر مما قد ينجز عن دفعه, فالمرأة التي تقتل من يحاول هتك عرضها تكون في حالة دفاع مشروع وفي كل الأحوال يرجع القضاء تقرير بكل سيادة مدى الالتزام بالتناسب الضروري .
و هو مطالب بتقدير هذا التناسب بصرامة أكبر عندما يتعلق الأمر بالاعتداء على الأملاك و ذلك أن الدفاع على ملكيته مهما كانت مشروعية ألا يبرر بأي حال من الأحوال التضحية بحياة إنسان أو إصابته بجروح خطيرة,لا يرجى شفاؤها,وهذا ما كرسه المشرع الفرنسي في قانون العقوبات حيث قضى على أن الدفاع عن الأملاك لا يبرر القتل العمدي.

و في حالة إذا ما كان الدفاع غير متناسب مع الاعتداء فهذه الوضعية هي تجاوز الدفاع المشروع ومن ثم يستبعد الدفاع المشروع,غير أن هذا لا يمنع مرتكب الأعمال الإجرامية من التحجج بالإكراه المعنوي للإفلات من العقاب أو التمسك بعذر الاستفزاز للاستفادة من تحقيق العقوبة.

5-إثبات الدفاع المشروع :
أ-مسالة الإثبات بوجه عام :
يثور التساؤل حول من يقع عليه عبأ الإثبات أن الإثبات كان حالا وغير مشروع من جهة,وأن الدفاع كان ضروريا من جهة أخرى,فهل يقع ذلك على سلطة المتابعة- النيابة العامة- أم على المدافع- المتهم.؟
- الأصل وانطلاقا من قرينة البراءة أن على النيابة العامة إثبات أن الشروط المطلوبة قانونا متوفرة غير أن القضاء الفرنسي ذهب مذهبا مغايرا حيث قضى في عدة مناسبات أن على المتهم إثبات توفر الشروط القانونية للدفاع المشروع و سواء فيما يتعلق بعمل الاعتداء أو بعمل الدفاع.
- و يستند القضاء في حكمه إلى الطابع الاستثنائي الذي يجبه تبرير الجريمة بالدفاع المشروع والى حكم القانون الذي تضمن حالات خاصة يكون فيها الدفاع المشروع بقرينة حيث يعفى فيها المتهم من تقديم دليل توافر شروط الدفاع المشروع.

ب- قرينة الدفاع المشروع: طبقا للمادة 40 ق ع ج التي تنص بما يلي :
" يدخل ضمن حالات الضرورة حالة للدفاع المشروع بما يلي:
1- القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب للدفاع على حياة الشخص أو سلامة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل
2- الفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو عن الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة"-2- و تبعا لذلك يستفيد المدافع من قرينة الدفاع المشروع في ثلاثة حالات و هي:
- دفع اعتداء واقع على حياة شخص أو سلامة جسمه
- منع تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل.


- الدفاع عن النفس أو الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة
- و يثور التساؤل حول ماذا كانت هذه القرينة مطلقة لا تقبل إتيان العكس أو أنها نسبية بحيث يكون للنيابة العامة والطرف المدني إبعاد الفعل المبرر بتقديم البينة على أن مرتكب القتل أو الجرح لمنع التسلق للحواجز أو كسرها يعلم بان حياته و أملاكه لم تكن مهددة .
- أخذ القضاء الفرنسي يؤدي الأمر بالطابع المطلق لقرينة الدفاع المشروع و كما يستشف ذلك من أحكام البراءة التي أصدرتها المحاكم الجنائية في عدة مناسبات لصالح مرتكبي القتل أو الجرح الخطير ضد من دخلوا ليلا بواسطة تسلق الحيطان إلى ملكهم _ و أشهر هذه القصة قضية جوفوس jeufosse و قضية بوشو pochou و تتلخص وقائعها في كون المجني عليهما دخلا ليلا على ملك المتهمين بواسطة تسلق الحيطان لإيداع كلمة غزل على نافذة ابنتهما.
- و من هنا أصبح الميل بالأخذ بالطابع البسيط لقرينة الدفاع المشروع لا يكتسي طابعا مطلقا وإنما تقبل الدليل العكسي.


6- آثار الدفاع المشروع :
- إذا ثبت الدفاع المشروع يزول عن عمل الفاعل أي طابع إجرامي,ومن ثمة لا تسلط عليه أي عقوبة,فإذا كان الملف على مستوى النيابة العامة يتعين عليها حفظه,أما إذا كان على مستوى التحقيق يتعين على قاضي التحقيق إصدار أمر بانتفاء وجه الدعوى,وإذا كان على مستوى جهة حكم تعين عليها إصدار حكم البراءة أي أنه من توفر الدفاع المشروع و التزم المدافع حد التناسب كان الفعل الذي ارتكبه مباحا, وبناءا على الطبيعة الموضوعية لأسباب الإباحة يستفيد من هذا الأمر جميع المساهمين في الجريمة سواء علموا أو لم يعلموا بتوفر الدفاع الشرعي.


و يتعين على النيابة العامة أذا اثبت لديها توفر الدفاع الشرعي بعد التحقيق أن تصدر أمرا بعدم توجيه لإقامة الدعوى الجزائية .
- و هذا كما أنه لا يسأل المدافع مدنيا,ولا يجوز للمجني عليه أن يقيم ضده دعوة مدنية للمطالبة بالتعويض.
و إذا كان التشريع الجزائري لا يعرف من أسباب الإباحة إلا الأفعال التي يأمر بها أو يأذن بها القانون,والدفاع المشروع فان القانون المقارن يعرف سببين آخرين للإباحة هما حالة الضرورة و رضا المجني عليه.

و مع ذلك فقد اختلفت التشريعات في جعل رضا المجني عليه سببا من أسباب الإباحة كالمصري والايطالي,فالأمر على خلاف ذلك بالنسبة لحالة الضرورة حيث أن القضاء المصري يعتبر حالة الضرورة مانع من موانع المسؤولية الجزائية أما القضاء الفرنسي فبقى محتفظا بها كسبب من أسباب الإباحة إلى غاية صدور قانون العقوبات الجديد حيث أعتبرها سببا موضوعيا لانعدام المسؤولية شأنها شأن الدفاع المشروع والفعل الذي يأمر أو يأذن به القانون وأمر السلطة الشرعية.


المطلب الثاني : حالة الضرورة :
اختلف الفقه بشأن حالة الضرورة،فمنهم من اعتبرها مانع من موانع المسؤولية الجزائية ومنهم من اعتبرها كسبب من أسباب الإباحة ومنهم من اعتبرها غير ذلك فجعلها مانع من موانع العقاب.
مفهوم حالة الضرورة :
يعرفها الفقيه { بوزات } بأنها حالة من لا يستطيع أن يدفع عن نفسه أو عن غيره شرا محدقا به أو بغيره إلا بارتكابه جريمة بحق شخص أو أشخاص أبرياء.
كما رأى بعض الفقه أنه يراد بحالة الضرورة وضع مادي للأمور ينشأ بفعل الطبيعة أو بفعل إنساني موجه إلى الغير.
وينذر بضرر جسيم على النفس يتطلب دفعه بارتكاب جريمة على إنسان بريء، فحالة الضرورة تفترض التضحية بحق أو مال للغير لإنقاذ الحق الشخصي،أو حق الآخرين، ومعنى هذا أن الإنسان عندما يجد نفسه أو ماله أو نفس الغير أو ماله مهدد لضرر جسيم على وشك الوقوع فيضطر إلى ارتكاب الجريمة للوقاية من هذا الخطر،ومثالها أن يشب حريق في مبنى فيندفع صاحبه للنجاة وهو بالثياب الداخلية.
والضرر الجسيم على النفس أن ترتكب الجريمة على إنسان بريء في سبيل درئه،يستوي فيه أن يكون مهدد إذ أن الشخص الذي ارتكب هذه الجريمة أو أن يكون مهددا شخصا آخر غيره.


علـى أنه حين يكون المهدد بالضرر الجسيم على النفس هو ذات الشخص الذي ارتكب جريمة الضرورة دفعا لهذا الضرر،يتعين أن يكون مصدر إنذاره بالضرر فعل الطبيعة لأفعال الإنسان،وإلاّ توافر إكراه معنوي مصدره هذا الإنسان
أمـا حين يكون المهدد بالضرر الجسيم على النفس شخصا آخر غير مرتكب الجريمة المدفوع بها هذا الضرر فإنه يستوي في هذه الحالة أن يكون مصدر إنذار الغير بذلك الضرر هو فعل الطبيعة أو فعل إنسان لأنه في حالة كون هذا المصدر فعلا إنسانيا لا يعتبر إكراها معنويا مادام موجها إلى الغير لا إلى مرتكب الجريمة نفسه.
إذن فحالة الضرورة تتفق مع الإكراه المعنوي في أنّ الجريمة الناشئة من كل منهما تصيب إنسانا بريئا وفي أنّ ركنها المعنوي قائم بجانب ركنها المادي.


وإنما تختلف حالة الضرورة عن الإكراه المعنوي من نواح ثلاثة،فمن ناحية قد تتمثل حالة الضرورة في فعل الطبيعة بينما الإكراه المعنوي لا يمكن إلا أن يكون فعلا لإنسان ومن ناحية ثانية فإن جريمة المكره تهدف إلى رديء ضرر يهدد المكره شخصيا،وأما جريمة الضرورة فقد يسعى بها فاعلها إلى فعل رديء يشكل ضرر لا يهدده شخصيا وإنما يهدد الغير،ومن ناحية ثالثة فإنه حين يكون مصدر الضرر المدفوع بجريمة الضرورة فعلا لإنسان يتعين أن يكون هذا الفعل موجها إلى الغير الذي ارتكب الجريمة دفعا للضرر عنه،لأنه إذا كان موجها إلى فاعل الجريمة نفسه تكون به إكراه معنوي.
خلاصـة ما تقدم،أن جريمة الضرورة تتميز بكونها جريمة تصيب شخصا بريئا دفعا لضرر جسيم على النفس تهدد به الطبيعة فاعل الجريمة نفسه أو شخصا آخر غيره، أو يهدد به إنسان ما،شخصا آخر غير فاعل الجريمة.


وبنـاءا على ذلك لا تتعدى حالة الضرورة فروضا ثلاثة :
- الفـرض الأول : أن يرتكب إنسان جريمة على شخص بريء وذلك ليدفع بها عن نفسه ضررا جسيما تهدد به الطبيعة.
- الفـرض الثـاني : أن يرتكب إنسان جريمة على شخص بريء وذلك ليدفع بها ضررا جسيما تهدد به الطبيعة نفس إنسان آخر غيره
- الفـرض الثـالث : أن يرتكب إنسان جريمة على شخص بريء وذلك ليدفع بها ضررا جسيما يهدد به أحد الأشخاص إنسانا آخر غيره.
القاسم المشترك في كافة فروض جريمة الضرورة وذلك في الإكراه المعنوي أنّ الجريمة تصيب شخصا بريئا ذلك لأنه حين تصيب الجريمة شخصا أثيما هو مصدر الضرر المدفوع بها، تعتبر دفاعا شرعيا سواء من نفس المدافع أم عن نفس غيره والجريمة المباحة للدفاع شيء و الجريمة الناشئة من ضرورة أو إكراه شيء آخر،وفيما يلـي أمثلة لفروض جريمة الضرورة.


فالفـرض الأول،وهو ارتكاب الجريمة على بريء دفعا للضرر تهدد به الطبيعة نفس مرتكب الجريمة فيتوافر له مثال إذا وجدنا صائدان في قارب يمخر عباب البحر وهبت عاصفة أثارت أمواج البحر فصارت تلتطم صاخبة ولم يكن بد في سبيل أن ينقذ كل الصائدين نفسه أن يلقي بآخر في اليمن تخفيفا لحمل القارب و إنقاذا له من الغوص و الغرق فألقى الأقوى منهما بالأضعف في اليم إنقاذا لحياته الشخصية أو مرتكبا بذلك جريمة قتل.
والفـرض الثاني،هو ارتكاب الجريمة على بريء دفعا لضرر تهدد به الطبيعة إنسانا آخر غير مرتكب الجريمة ،شأنه أن تنزل صاعقة من الجو على مسكن مصنوع من مادة قابلة للحرق فينشب الحريق في هذا المسكن أثناء نوم سكانه فيه ويأتي صاحبه من الخارج فيفطن إلى ذلك فيهجم إلى المساكن المجاورة ويختطف منها أشياء ومواد يستعين بها على إطفاء النار في مسكنه إنقاذا لحياة من هم بداخله فهنا ارتكب على الجيران الأبرياء جرائم سرقة أو إتلاف،وصيانة بهذه الجرائم نفوس غيره لا نفسه ضدّ أخطار الحريق.
أمـا الفـرض الثالث،وهو ارتكاب الجريمة على بريء دفعا لضرر يهدد إنسان آخر غير مرتكب الجريمة و مصدره فعل الغير فمثاله أن يشعل زيد النار عمدا أو إهمالا في مسكن بكر فيسارع خالد بإطفائها منتزعا بعض الأشياء و المواد من مساكن جيران بكر الأبرياء وذلك لإنقاذ حياة بكر ومن معه في المسكن.
يخضع الفقه و القضاء الذي أخذ بحالة الضرورة سببا للإباحة أو مانعا من موانع المسؤولية لشروط مقيدة و هذه الشروط نجدها مكرسة في التشريعات التي أقرت حالة الضرورة كالقانون المصري و القانون الفرنسي.


هذه الشروط كما نبنيها فيما يأتي مستلهمة في مجملها من أحكام القانون المتعلقة بالدفاع المشروع :
1- الشـروط المتعلقة بالخطر :
مثلها هو الحال في الدفاع المشروع يشترط لعدم العقاب على الجريمة في حالة الضرورة أن يجد الشخص نفسه أمام خطر حال أو على وشك الوقوع يهدده في شخصيته أو في ماله أو يهدد شخصا غيره.
وإذا كـان القانون الفرنسي لا يشترط أن يكون الخطر جسيما فإنّ المشرع المصري يشترط ذلك كما تشترط ذلك المادة 308 ق.ع الجزائري بالنسبة للإجهاض.
ويـبرر الفقهاء المصريون اشتراط جسامة الخطر في الضرورة على عكس الدفاع المشروع الذي لا يشترط فيه أن يكون الاعتداء جسيما لأن جريمة الضرورة تقع على بريء بينما الدفاع على معتدي ومن ثم فإذا كان الأذى الذي ينجم عن الخطر ضئيل فإنه لا يجيز الإعفاء من المسؤولية وجسامة الخطر تقدرها محكمة الموضوع،وفقا لمعيار مجرد هو معيار الشخص المتوسط.

الذي يوجد في ظروف المتهم فإذا كانت هذه الظروف تلجئه إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة صح تطبيق المادة 61 عليه،هذا ما استقر عليه القضاء المصري حيث حكم بأنه لا يعني من المسؤولية من كان صغير السن واشترك في جريمة إحراز مواد مخدرة مع متهم آخر من أهله هو مقيم معه و محتاج إليه،لأنه ليس في صغر سنه وإقامته مع المتهم الآخر وحاجته إليه ما يجعل حياته في خطر جسيم لو لم يشترك مع هذا المتهم في إحراز المواد المخدرة وحكم بأنه لا يجوز للمتهم القاصر أن يعتذر عن جريمة ارتكبها بأنه مكره عن ارتكابها بأمر والده،وبأن العلاقة الزوجية في ذاتها لا تصلح سندا للقول بقيام حالة الضرورة الملجئة إلى ارتكاب الجرائم أو حرق محارم القانون،ويستوي أن يكون الخطر يهدد الشخص في نفسه أو في ماله،أما إذا كان الأمر يتعلق بالغير فلا يأخذ إلا بالخطر الذي يهدده في شخصيته.


وتـستبعد بعض التشريعات حالة الضرورة إذا كان الخطر الذي يهدد الشخص ناتجا عن خطئه وهذا ما فعله قانون العقوبات السويسي الذي يشترط أن لا تكون الجريمة التي يرتكبها الشخص المهدد بخطر ناتجة عن خطأ سابق له (المادة 34 -1 ق.ع سويسري) وهو م انتهى إليه أيضا القضاء الفرنسي.
كـما اشترط التشريع المصري،أن لا يكون لإرادة الفاعل دخل في حلول الخطر المحدق به فلا يعني من المسائلة الجزائية من يضع النار عمدا في مكان إذا ما أحاطت النيران به واضطر إلى قتل شخص أو جرحه وهو يحاول النجاة ولا الفتاة التي تحمل سيفا ما إذا أجهضت نفسها أو قتلت طفلها خشية العار و الحكمة من ذلك واضحة فلا مفاجأة ولا عذر لمن تسبب بنفسه في إحداث الخطر.
ويبغـي على ذلك أنه إذا كان الخطر قد نشأ عن إهمال الجاني وعدم احتياطه فلا يمنع ذلك من أن يدرأ المسؤولية عن الجريمة التي يرتكبها دفعا لهذا الخطر.


2-الشـروط المتعلقة بالعمل المرتكب :
يجب أن يكون العمل المنجز في مواجهة الخطر الحال ضروريا للحفاظ على سلامة الشخص أو المال،ويرجع القضاء تقدير الضرورة وقد أبدى في ذلك القضاء الفرنسي تشددا ملحوظا حيث ذهب في مجمل أحكامه إلى اشتراط ألاّ تكون هناك وسيلة أخرى للحفاظ على الشخص أو المال إلاّ ارتكاب الجريمة.
كمـا يشترط أيضا تناسب الوسائل المستعملة مع جسامة الخطر وفي هذا الصدد يشترط البعض أن تكون المصلحة المضحى بها أقل من المصلحة المحمية في القيمة(حياة امرأة أو طفل أفضل من ملكية خبرة واحدة).
وفـي حالة ما إذا كانت المصالح المتنازع عليها متساوية في القيمة(قتل الغير للإبقاء على قيد الحياة) يرفع البعض اعتبار العمل المرتكب ضمن حالة الضرورة مفضلين تأسيس عدم العقاب على الإكراه المعنوي.


أمـا إذا كانت المصلحة المضحى بها أعلى من المصلحة المحمية في القيمة ففي هذا الفرد لا يمكن لحالة الضرورة تبرير الجريمة لما يترتب عنها من ضرر لمصلحة المجتمع،بل لا يمكن تبرير الجريمة حتى بحال الدفاع المشروع .
وهـكذا فإن الخطر الذي يهدد النفس يجوز دفعه بجريمة من جرائم المال، كما يجوز دفعه أيضا بجريمة من جرائم النفس،و لكن لا يجوز الالتجاء لواحدة من الأخيرة متى تيسر الإفلات من الخطر بواحدة من الأولى فإذا أوشكت سفينة على الغرق يلقى ما بها من البضائع أولا.
وإذا كـان يسهل تطبيق ذلك في جرائم الأموال فإن الأمر ليس بهذه السهولة في الاعتداء على النفس و لكن يمكن القول أنّه إذا دعت الضرورة إلى تضحية نفس لوقاية نفس أخرى،يرى البعض بأن الإعفاء واجب إذ إنّ للنفس قيمة واحدة في نظر القانون إذن فهذه هي شروط الضرورة لتأتي الآن لتبيان آثار حالة الضرورة.


أ- على مستوى المسؤولـية الجـزائية :
تتفق الأنظمة القانونية التي أخذت بحالة الضرورة على أن توافر حالة الضرورة يؤدي إلى عدم العقاب على عمل المرتكب سواء كان ذلك على أساس انعدام الجريمة (بالنسبة للأنظمة القانونية التي تعتبر حالة الضرورة مانعا للمسؤولية كما في قانت العقوبات الفرنسي لسنة 1992).


ب-عـلى مستوى المسـؤولية المدنية :
ما دام العمل المرتكب من قبل هو في حالة الضرورة لا يشكل الخطر فالأصل أن لا يسال مرتكبه مدنيا.
غير أن ضحية هذا العمل لم ترتكب أيّ خطأ فهي في وضع مغاير لوضع من وقع عليه الاعتداء في حالة الدفاع المشروع،الأمر الذي أدى ببعض التشريعات التي أخذت بحالة الضرورة إلى إقرار تعويض الضحية ويكون ذلك في الغالب على أساس الإثراء بلا سبب.
ويبـدو أن القضاء الفرنسي لم يستسغ ذلك حيث أصدرت محكمة النقض الفرنسية قرارين في قضية تتعلق بأعوان الشرطة استعملوا أسلحتهم قضت فيهما بأنّ العمل الضروري ينفي الخطأ.
غـير أنّ القرارين المذكورين في الاجتهاد القضائي الذي كان يعتبر حالة الضرورة سببا للإباحة ومن المحتمل أن تتراجع محكمة النقض الفرنسية عن هذا الاجتهاد بعدما أقر المشرع حالة الضرورة في قانون العقوبات الجديد واعتبرها سببا مانعا للمسؤوليـة.

الخـــــاتمة :
لقد حاولنا بدراستنا لمذكرتنا هذه كل ما يمكن أن يشمل هذا الموضوع من تعريف العقاب , أنواعه, خصائصه و كذا الأفعال المبررة من أمر و إذن للقانون و دفاع شرعي.
لقد كان من المفروض على المشرع بسن قوانين تعاقب المجرم عن فعلته و قد تعدد صفات و أنواع و كذا أشكال العقاب بهذا الفعل المجرم, مما يفترض تقسيم العقوبة على حسب درجة خطورتها و كذا ظروف و أسباب وقوعها, و نتيجة ذلك واحدة و هي ردع كل تجاوز على القانون و كذا مساس الفرد في حريته و شخصيته بصفة عامة و خاصة بسط قانون الدولة و تطبيقه على جميع أفراد المجتمع.


و إن كان هذا العقاب بأنواعه وخصائصه شامل لكل ما هو إجرامي إلى أنه هناك بعض الأفعال التي لم ترد فيها عقوبة مع العلم أن طابعها و كذا مضمونها إجرامي بحت, و هي أفعال استثناها المشرع الجزائري من حيث تطبيق نص مادة قانونية, يعني تعطيل نص التجريم فتمحوا الفعل المجرم و تجعله كان لم يكن و هذا حسب نص المادة 39 ق ع ج و التي استهلت ب " اللاجريمة " حال توافر أسباب الإباحة أي أن الجريمة تضمحل كليا بتوافر الأسباب.


إن الأفعال المبررة المذكورة في المادة 39 ق ع ج ما كانت أن تكون لولا أن المشرع الجزائري أخرجها من دائرة الإجرام إلى الأفعال المباحة, حيث أن الدفاع الشرعي مثلا قد نجده في العديد من الحالات و المواقف فلا يمكننا تجريم الفاعل عن فعله مع العلم انه كان مدافعا على حياته أو ماله, و حتى إذن و أمر القانون فقد كانت على شكل رخص أقرها القانون و هذا للحد من كل سبب قد يقع.


لقد كانت الأفعال المبررة المبرر الوحيد و السند القانوني للقاضي لتمييز الفعل الإجرامي و المجزي على الفعل الغير المجزي, أي أن للقاضي السلطة التقديرية في الحكم على الفعل أكان مباحا أو مجرم, و هنا قد تعترضنا بعض الحالات فيما يخص رضا المجني عليه و حالات الضرورة و كذا مبدأ الحق و قد تعرضنا لهذا في مذكرتنا.
لقد ذكرت الأفعال المبررة في الكتاب الثاني من الجزء الأول لقانون العقوبات و المتعلقة بالأفعال و الأشخاص الخاضعون للعقوبة. و هذا لأهميتها و كذا تأثيرها على تكييف الجرائم و قوة سندها القانوني الثابت.

المراجع
القوانين :
الأمر رقم 66-156 و المتضمن قانون العقوبات الجزائري مؤرخ في08 يونيو 1966،ج.ر 49 مؤرخة في 10 أوت 1966 معدل و متمم.

المؤلفات :
- د.لحسن بوسقيعة, الوجيز في شرح القانون الجزائي العام, ديوان الأشغال التربوية سنة 2002
- عبدالله أوهايبية، شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام ،بدون ط،موفم للنشر،الجزائر،سنة 2009 ،
- عمر خوري، شرح قانون العقوبات القسم العام- كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2007.
- ابراهيم الشبابي، الوجيز في شرح القانون العقوبات الجزائري ، ط1، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،بدون سنة، 

look/images/icons/i1.gif التعليق على المادة 39 من قانون العقوبات الجزائري
  16-01-2022 11:45 صباحاً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 14-01-2012
رقم العضوية : 1
المشاركات : 850
الدولة : الجــــزائر
الجنس :
الدعوات : 12
قوة السمعة : 570
موقعي : زيارة موقعي
المستوي : آخر
الوظــيفة : كاتب
التعليق على المادة 39 من قانون العقوبات الجزائري عمل مميز شكرا لك

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
التعليق ، المادة ، قانون ، العقوبات ، الجزائري ،









الساعة الآن 07:24 PM