تحليل نص المادة 442 من قانون العقوبات الجزائري
المخالفات المتعلقة بالأشخاص جريمة الضرب والجرح غير العمدي و بعض الجرائم المرتكبة ضد الاطفال أولا التحليل الشكلي لنص المادة 442 ق ع
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 442 ق ع
أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي
تنص المادة 442 قانون العقوبات :
{ يعاقب بالحبس من عشر (10) أيام على الأقل إلى شهرين (2) على الأكثر وبغرامة من 8.000 دج إلى 16.000 دج :
-1 الأشخاص وشركاؤهم الذين يحدثون جروحا أو يعتدون بالضرب أو يرتكبون أعمال عنف أخرى، أو التعدي دون أن ينشأ عن ذلك أي مرض أو عجز كلي عن العمل لمدة تتجاوز خمسة عشر (15) يوما و يشترط أن لا يكون هناك سبق إصرار أو ترصد أو حمل سلاح،
-2 كل من تسبب بغير قصد في إحداث جروح أو إصابة أو مرض لا يترتب عليه عجز كلي عن العمل لمدة تتجاوز ثلاثة (3) أشهر وكان ذلك ناشئا عن رعونة أو عدم احتياط أو عدم انتباه أو إهمال أو عدم مراعاة النظم،
-3 كل من حضر ولادة طفل ولم يقدم عنها الإقرار المنصوص عليه في القانون في المواعيد المحددة، وكل من وجد طفلا حديث العهد بالولادة ولم يسلمه إلى ضابط الحالة المدنية كما يوجب ذلك القانون ما لم يوافق على أن يتكفل به ويقر بذلك أمام جهة البلدية التي عثر على الطفل في دائرتها، وكل من قدم طفلا تقل سنه عن سبع (7) سنوات كاملة إلى ملجأ أو إلى مؤسسة خيرية متى كان قد سلم إليه لرعايته أو لأي سبب آخر ما لم يكن غير مكلف أو غير ملزم بتوفير الطعام له مجانا وبرعايته ولم يوفر له أحد ذلك.
لا يمكن مباشرة الدعوى العمومية في الحالة 2 من هذه المادة ، إلا بناء على شكوى الضحية.
ويضع صفح الضحية حدا للمتابعة الجزائية عن الأفعال المنصوص عليها في الحالتين 1 و 2 أعلاه.}
موقع النص القانوني :
يقع هذا النص ( 442 ) في الأمر رقم 66-156 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق 8 يونيو سنة 1966، المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بموجب القانون رقم 20-06 المؤرخ في 28 افريل سنة 2020 .
و قد جاء في الجزء الثاني , الكتاب الثالث عنوانه الجنايات و الجنح و عقوباتها، في الباب الاول وعنوانه الجنيات و الجنح ضد الشخص العمومي ,الفصل السابع وعنوانه التزوير ,القسم التاسع و عنوانه المساس بنزاهة الامتحانات و المسابقات.
البناء المطبعي :
المشرع قد حاول إجمال المعنى في نص المادة 442 من قانون العقوبات حيث جعلها تتألف من
6 فقرات.
الفقرة الاولي : تبدأ من " يعاقب بالحبس " وينتهي عند " 16.000 دج " ،
الفقرة الثانية : تبدأ من " الأشخاص" وينتهي عند " سلاح "،.
الفقرة الثالثة: تبدأ من " كل من تسبب " وينتهي عند " النظم " ،
الفقرة الرابعة : تبدأ من " كل من حضر" وينتهي عند "أحد ذلك "،.
الفقرة الخامسة : تبدأ من " لا يمكن " وينتهي عند " الضحية " ،
الفقرة السادسة : تبدأ من " ويضع " وينتهي عند " أعلاه "،.
البناء اللغوي والنحوي :
استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت المادة 442 من قانون العقوبات محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع
جريمة الضرب والجرح غير العمدي و بعض الجرائم المرتكبة ضد الاطفال و كمثال على ذلك نشير إلى :
"
يعتدون بالضرب " ، "
أعمال عنف أخرى " ، "
لا يكون هناك " ، "
سبق إصرار أو ترصد " ، "
تسبب بغير قصد " ، "
حضر ولادة طفل " ، "
قدم طفلا " وغيرها من المصطلحات التي تفيد موضوع جريمة الضرب والجرح غير العمدي و بعض الجرائم المرتكبة ضد الاطفال .
البناء المنطقي :
نلاحظ نص المادة 442 ق ع بدأت بعبارة
" يعاقب بالحبس " و
" الغرامة المالية " وهنا المشرع يقصد الاشخاص الذين يرتكبون جريمتي الضرب أو أعمال عنف أخرى ولا يكون هناك سبق اصرار او ترصد قبل ارتكاب هذا الفعل ,ثم تطرق المشرع الي جرائم ترتكب ضد الطفل وفي آخر المادة يوضح المشرع بأن
" صفح الضحية " يضع حدا للمتابعة القضائية بالنسبة للحالتين 1 و 2 من المادة.
وعليه يمكن القول أن البناء المنطقي لنص المادة 422 من قانون العقوبات الجزائري جاء متسلسلا ما أعطى للنص صفة السهولة و الوضوح فقد استعمل المشرع أسلوبا
إخباريا المناسب للإعلام و الأخيار.
ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 442 ق ع يتضح أن المشرع قد حرص علي تبيان العقوبة المقررة
لجريمة الضرب والجرح غير العمدي و بعض الجرائم المرتكبة ضد الاطفال وإنتقل في الفقرة الخامسة من المادة يبين ضرورة شكوي الضحية لمباشرة الدعوي العمومية وفي الفقرة الاخيرة يوضح لنا المشرع أن صفح الضحية علي مرتكب الجريمة يضع حدا للمتابعة القضائية و هذا طبعا بالنسبة للحالة 1 و 2 من المادة 442 ق ع ج .
تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 422 ق ع يمكن طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
ما هو الاطار المفاهيمي للخطأ غير العمدي ؟ وماهي العقوبات المقررة للجريمة الواقعة بسببه ؟ وماهي العقوبات المقررة لحماية الاطفال من بعض الجرائم الماسة بسلامتهم ؟
التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الثاني : الاطار المفاهيمي للخطأ غير العمدي
المطلب الأول : تعريف الخطأ غير العمدي
المطلب الثاني : صور و عناصر الخطأ غير العمدي
المطلب الثالث : أنواع الخطأ غير العمدي
المبحث الثاني : العقوبات المقرة لجريمة الضرب والجرح الخطأ
المطلب الأول : العقوبات الأصليـة لجريمة الضرب و الجرح الخطأ
المطلب الثاني : العقوبات التكميلية لجريمة الضرب و الجرح الخطأ
المبحث الثالث : حماية الاطفال من بعض الجرائم الماسة بسلامتهم
المطلب الاول : حماية طفل بتجريم عدم التصريح بميلاده
المطلب الثاني : جريمة عدم تسليم طفل حديث العهد بالولادة
المطلب الثالث : جريمة تقديم طفل إلى ملجأ أو مؤسسة خيرية
خاتمة
مقـدمة
لابد لقيام المسؤولية الجنائية لمن يصدر عنه فعل من الأفعال التي يعاقب عليها قانون العقوبات من توافر ركن معنوي يقوم على الإرادة الآثمة التي وجهت سلوك الجـاني المخالف للقانون , فهذه الإرادة الآثمة هي حلقة الوصل بين الجريمة كواقعة مادية لها كيان خارجي , و بين الإنسان الذي صدرت عنه , و الذي يعتبره القانون بالتالي مسؤولاً عن هذه الجريمة و يصفه بأنه جان أو مجرم.
و دراسة الركن المعنوي للجريمة هي دراسة للإرادة الآثمة للنفسية الإجرامية التي دفعت الجاني إلى إقتراف الجريمة و دراسة الركن المعنوي للجريمة هي دراسة للإرادة الآثمة للنفسية الإجرامية التي دفعت الجاني إلى اقتراف الجريمة , و البحث عن الجانب النفسي للجاني , فهل الفعل الضار الذي ارتكبه صدر عن قصد عمدي معبرًا عن سوء نية أو روح عدوان , أم كان مجرد فعل صادر عن خطأ أو عن اهمال بدون تعمد.
المبحث الثاني : الاطار المفاهيمي للخطأ غير العمدي
المطلب الأول : تعريف الخطأ غير العمدي
لم يعرف المشرع الجزائري ماهو الخطأ غير العمدي، ولكن الفقه عرفه بأنه
" عدم إتخاذ الجاني واجبات الحيطة والحذر لمنع النتيجة الضارة التي كان في وسعه توقعها وتجنبها " ويترتب على هذا النوع من الخطأ وقوع الجرائم غير العمدية.
الركن المعنوي في الجريمة غير العمدية يتمثل في الخطأ, والخطأ هو إتجاه إرادة الشخص إلى إتيان سلوك خطر دون القيام بما هو واجب عليه من التدبر و الحيطة , و عليه فمن يفضي سلوكه إلى نتيجة إجرامية يكون مسؤولا عنها إذا ثبت أن سلوكه يحمل معنى تجاوز واجبات الحيطة و الحذر حتى و لو أنه لم يتوقع النتيجة الإجرامية متى كان بوسعه أن يتوقعها.
وينحصر الاختلاف بين الخطأ و العمد في أمرين الأول عدم إتجاه إرادة المخطئ إلى النتيجة الإجرامية إن كانت هذه النتيجة عنصرا في الجريمة و الثاني قصور علم المخطئ عن الإحاطة ببعض عناصر الجريمة أو قعوده عن إتخاذ ما كان يجب عليه إتخاذه لتجريد سلوكه من أثره الضار أو الخطأ , و يتفق الخطأ مع العمد في ضرورة الإرادة إلى السلوك ذاته لأن هذا العنصر عام في الركن المعنوي أيا كانت صورته.
المطلب الثاني : صور و عناصر الخطأ غير العمدي
أولاً : صـور الخطـأ :
نصت المادة 288 من قانون العقوبات الجزائري على صور الخطأ حيث ورد فيها : كل من قتل خطأ أو تسبب في ذلك برعونته أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته الأنظمة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات , و بغرامة مالية من 1000 إلى 20000 دج . و ليست هذه الصور خاصة بالقتل فقط بل تشمل الجرح كما في المادة 289 , كما تضمنت الفقرة الثانية من المادة 442 جميع صور الخطأ.
1- الرعونة : نوع من التصرف يترك في طياته معنى سوء التقدير أو الطيش و الخفة في عمل يتعين بفاعله أن يكون على علم به كمن يقود سيارة وهو غير مُلَمّ بالقيادة إلمـامَا كافيَا. فالرعونة تفيد سوء تقدير الشخص لقدراته و كفاءاته في القيام بالعمل الذي قام به.
2-عدم الاحتياط : و ذلك عندما يدرك الفاعل طبيعة عمله و يعلم أنه يمكن أن تترتب عليه نتائج ضارّة, و لكنه مع ذلك يستخف بالأمر و يمضي في عمله ظاناً بأنه يستطيع أن يتجنب النتيجة. كمن يقود سيارته في وسط مزدحم بالناس معتمدا على مهاراته في تجنب النتيجة الضارة و لكنه لا يفلح إذ بصدم أحـد المـارة في الطـريق.
- 3 الإهمـال و عدم الانتباه : و يقصد به عدم القيام بالواجب كما ينبغي , و هو بذلك امتناع و عمل سلبي , بحيث يترتب على ذلك وقوع الجريمة , و مثاله من يحفر حفرة في النهار لأشغال ما , و يتركها إلى الليل دون تغطيتها ولا إنارتها , فيسقط فيها طفل و يموت .
4-عدم مراعـاة الأنظـمة و القوانين : قد يرى المشرع أن سلوكا معينا يهدد ارتكاب الجريـمة فيحظـره توقيًا من ارتكاب الجرائم. و من هذا القبيل اللوائح و الأنظمة و القوانين العـامة كلوائح تنظيم المدن , و يعد سلوك الجـاني المخالف لهذه الأنظمة سلوكًا خاطئًا , فإذا كان القانون يرتب جزاء على هذا الخطـأ فيعد الجاني عند ارتكابه قد ارتكب جريمـة مخالفـة هذه القوانين. كتجـاوز السرعة المسموح بها لقيادة السيارة.
ملاحظة : يذهب الرأي الغالب في الفقه إلى القول بأن صور الخطأ السابقة الذكر قد وردت على سبيل الحصر و ليس على سبيل المثال , و لذا وجب على القاضي عندما يحكم في جريمة غير عمدية أن يثبت انطواء الخطأ غير العمدي المنسوب إلى الجـاني في إحدى صور الخـطأ المذكـورة.
وذهب رأي مخالف في الفقه إلى القول بأن صور الخطأ قد وردت على سبيل المثال و ليس على سبيل الحصر , مستندًا في ذلك إلى نصوص القانون, ذلك أن النصوص القانونية العديدة التي ذكرت الخطـأ قد أوردت صوره على نحو مختلف فيما بينها, ففي بعض المـواد نجد صورة واحـدة للخطأ , و في مواد أخـرى نجد صورتين أو ثلاثة, في حين أن قليلاً منها ما يجمع بين صور الخطـأ كلها, و لهذا من الخطأ القول بأن نطاق الخطأ يتسع و يضيق تبعًا للصور الواردة في النصوص, فالخطـأ هو الخطـأ و ذكر صوره قد جاء على سبيل المثال لا على سبيل الحــصر
ثانـيا : عناصر الخطأ :
يشتـرط لقيـام الخطأ توافـر عنصرين :
- 1الإخلال بواجبات الحيطة و الحذر :
يفترض القانون أن الحياة الاجتماعية تتطلب أن يكون الفرد على قدر من الحذر في تصرفاته , فلا يقدم على عمل أو سلوك يحقق نتيجة إجرامية , وقد لا يحيط القانون بكل ما يتوجب على الفرد أن يراعيه في حياته اليومية , فيصبح عندئذ لا مفر من اللجوء إلى الخبرة الإنسانـية العامة لتحديد القواعد الواجب مراعاتها.
المعيار الواجب الأخذ به لتحديد هذا العنصر في الخطأ :
انقسم الفقه حول مسألة التمييز بين التصرفات التي يمكن أن تعد إهمالا أو عدم إحتياط و بين التصرفات التي لا تعد كذلك إلى فريقين :
أ - المعيار الشخصي : يقتضي هذا المعيار ضرورة النظر إلى الشخص المسند له الخطأ و إلى ظروفه الخاصة , فإذا كان من الممكن تفادي سلوكه الإجرامي بالنظر لظروفه و صفاته الخاصة عدّ الفاعل مخطئاً , أما إذا كان هذا الشخص بظروفه و صفاته لا يمكنه تفادي العمل المنسوب إليه عدّ الفاعل غير مقصِّر و لا مخطئ .
ب- المعيار الموضوعي : يقتضي هذا المعيار وجوب المقارنة بين ما صدر عن الشخص المخطئ و ما كان يمكن أن يصدر عن شخص آخر متوسط الحذر و الإحتياط , وضع في مثل ظروفه , فإذا وجدنا أن هذا الشخص العادي المتوسط الحذر كان سيقع فيما وقع فيه المتهم , فلا مجال لمساءلته لأنه ليس مهملاً , أما إذا لم يقع ذلك الشخص العادي المتوسط الحذر في ما وقع فيه المتهم فعندئذ يعدّ مهملا و يسأل عن الجريمة .
إن الفقه على العموم يميل إلى الأخذ بالمعيار الموضوعي ( المادي ) لتقدير قيام الخطأ مع مراعاة الظروف الشخصية للمتهم من أجل تقدير الجــزاء العادل.
2-العلاقة النفسية بين الإرادة و النتيجة :
تقتضي مسؤولية المتهم عن عمله الخاطئ أن تتوافر علاقة بين إرادته و النتيجة التي حصلت , هذه العلاقة قد تكون ضعيفة في حالات معينة , و قد تكون أشد أو أقل ضعفا في حالات أخرى , تبعا لإمكانية توقع النتيجة أو عدم إمكانية توقعها.
أ - في حالة عدم توقع النتيجة :
قد يقوم الشخص بسلوكه دون أن يتوقع النتيجة التي يمكن أن يؤدي إليها سلوكه الإجرامي , و مع ذلك فإنه يُسأل عن النتيجة التي حصلت إذا كان بإمكانه مع التبصر و الحيطة أن يتوقع النتيجة , إذ بإمكانه عندئذٍ أن يتجنب النتيجة الضارة , فالإرادة هنا مخطئة لأنها لم تتجنّب الشر و كان بوسعها ذلك , وإذا ثبت أن إرادة الفاعل لم تتوقع النتيجة و لم يكن بمقدورها ذلك , أو أنها لم تتجنب النتيجة لأنها لم تكن قادرة على تجنبها , فإن الرابطة بين الإرادة و النتيجة في مثل هذه الحالة تنقطع و لا تقوم الجريمة غير العمدية.
ب - في حالة توقع النتيجة :
تكون العلاقة بين الإرادة و النتيجة الإجرامية في هذه الحالة أقوى من حالة عدم توقع النتيجة , فالفاعل هنا يتوقع النتيجة الإجرامية , و لكنه يحسب أن بوسعه تجنبها فيقوده هذا التقدير الخاطئ إلى ارتكاب الجريمة غير العمدية , و يوصف الخطأ هنا على أنه خطأ واعي أو خطأ مع التبصر , ذلك أن الجاني لم يفاجأ تمامًا بالنتيجة لأنه كان قد توقعها و كان يحسب أن بمقدوره تجنبها فاعتمد على احتياط غير كاف للحيلولة دون حدوثها.
المطلب الثالث : أنواع الخطأ غير العمدي
يميّز الفقه بين عدة أنواع من الخطأ تتمثل في :
أولاً : الخطأ المادي و الخطأ الفني :
الخطأ المادي هو الإخلال بالإلتزام المفروض على الناس كافة باتخاذ العناية اللازمـة عند القيام بسلوك معين أو إتيان فعل ما لتجنب ما قد يؤدي هذا السلوك من نتيجة غير مشروعة , و الخطأ الفني يتمثل في إقتراف رجل الفن أو صاحب المهنة خطأً مهنياً .
إن المعيار الذي يهتدى به في مجال الخطأ المادي و الخطأ الفني هو معيار رجل المهنة العادي الذي يوضع في نفس ظروف المتهم , فإذا كان سلوكه يتفق مع سلوك المتهم فعندها لا يوصف عمل المتهم بالخطأ , أما إذا كان اختلف معه فيوصف عمل المتهم عندئذٍ بأنه عمل خاطئ و يتحمل مسؤوليته عن جريمة غير عمدية.
ثانيا : الخطأ الجسيم و الخطأ اليسير :
الخطأ الجسيم هو الخطأ الواضح الذي يستطيع أن شخص أن يتوقعه , أما الخطأ اليسير فهو أقل وضوحًا وإن كان باستطاعة الشخص العادي توقعه , في حين يكون الخطأ يسيرًا جدًا حيث تتطلب استطاعة توقعه تبصرًا غير عادي. و يعتبر القانون من أخطأ مسؤولاً و لو كان خطؤه يسيرًا , و إن كان من العدل أن يلجأ القاضي ضمن حدود سلطته التقديرية إلى تشديد عقوبة من يرتكب الخطأ الجسيم.
ثالثـا : الخطأ الجنائي و الخطأ المدني :
إن الخطأ مهما تضاءل ( الخطأ التافه أو اليسير جدًا ) يصلح لأن يرتب المسؤولية المدنية , و لكنه لا يصلح لترتيب المسؤولية الجنائية التي تتطلب خطأً أكـثر جسامة.
المبحث الثاني : العقوبات المقرة لجريمة الضرب و الجرح الخطأ :
المطلب الأول : العقوبات الأصليـة لجريمة الضرب و الجرح الخطأ :
- حسب ماجاء ضمن المادة 442 من قانون العقوبات الجزائري : يعاقب بالحبس من 10 ايام إلى شهرين وبغرامة من 100دج إلى 1000دج كل من تسبب في فعل إصابة أو جرح أو مرض أدى إلى العجز الكلي عن العمل لمدة لاتتجاوز ثلاثة أشهر.
- ويعاقب الجاني بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة مالية من 500دج إلى 15000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا نتج عن الفعل إصابة أو جرح أو مرض أدى إلى العجز الككلي لمدة تتجاوز ثلاثة أشهر.
المطلب الثاني : العقوبات التكميلية لجريمة الضرب و الجرح الخطأ :
لم ينص قانون العقوبات على العقوبات تكميلية في حين جاء قانون المرور ، الصادر بموجب القانون رقم 01-14المؤرخ في 19-08-2001 المتعلق بتنظيم المرور عبر الطرق وسلامتها وأمنها ، بمثل هذه العقوبات في حالة القتل الخطأ أو الجرح الخطأ المرتكب إثر حادث مرور ويتعلق الأمر بالعقوبتين الأتي ذكرهما :
ـ تعليق رخصة السياقة (SUSPENSION) :
وهي عقوبة تطبق بوجه عام إذا أرتكب سائق حادثا جسمانيا ( جنحة أو مخالفة) وكان في حالة سكر أو تحت تأثير مادة مخدرة أو تهرب من المسؤولية إثر إرتكاب الحادث، يكون تعليق رخصة السياقة لمدة ثلاث سنوات ويمكن الحكم بالتنفيذ المعجل لهذه العقوبة كتدبير وقائي ( المادة 110 ـ 111).
ـ إلغاء رخصة السياقة :
وهي عقوبة تطبق ، على وجه الخصوص ، إذا أرتكب في نفس الظروف المذكورة أعلاه ، سائق مركبة ذات محرك جنحة القتل أو الجرح الخطأ على راجل ( المادة 113 فقرة 1).
كما يجوز لجهات الحكم بإلغاء رخصة السياقة ومنع مرتكب الجنحة من الحصول عليها نهائيا ( المادة 113 فقرة 2)
ويشترط لتطبيق هذه العقوبة أن يكون المتهم يقودسيارة ذات محرك ، مما يجعل الحكم لاينطبق على دراجة بسيطة وأن يكون ضحية الحادث راجلا ، مما يجعل هذا الحكم لاينطبق على ركاب المركبات بكل أنواعها.
وتجدر الإشارة إلى أن تعليق رخصة السياقة وإلغاءها كلاهما عقوبة جوازية.
ـ الظـروف المشـددة :
نصت المادة 290 من قانون العقوبات الجزائري على ظرفين مشددين تعلق كلاهما بقيادة المراكب وهما :
1ـ السياقة في حالة سكــــر
2ـ محاولة تهرب الجاني من المسؤولية الجنائية أو المدنية الملقاة على عاتقه وذلك بالفرار أو بتغيير حالة الأماكن أو باية طريقة أخرى أو تهربه من المسؤولية إثر حادث مرور وهما الظرفان اللذان نص عليها قانون المرور أيضا في المادة (66) منه واضاف إليهما ظرفا مشددا 3- ويتعلق الأمر بالسياقة تحت تأثير مادة أو أعشاب مخدرة.
وما يشد الإنتباه ، في هذا الصدد هو عدم إنسجام النصين من حيث العقوبات ، كما نبينه فيما يأتي :
أ ـ في قانون العقوبـات :
نصت المادة 290 من ق ع ج على مضاعفة العقوبات المنصوص عليها في المادتين 288 و289 ق ع في حالتي السياقة في حالة سكر وتهرب الجاني من المسؤولية الجنائية أو المدنية بعد إرتكاب الجريمة أو محاولة التهرب من هذه المسؤولية.
وتبعا لذلك تكون العقوبة على النحو التالي :
ـ إذا أدى الحادث إلى جرح أو عجز عن العمل لمدة تفوق ثلاثة اشهر : الحبس من (04)اشهر إلى أربع (04) سنوات وغرامة من 1000دج إلى 30000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ب ـ في قانون المـــرور :
نصت المادة 66 من القانون رقم : 01 ـ 14 المؤرخ في 19-08-2001 على تطبيق عقوبة الحبس من سنة إلى 05 سنوات وغرامة من 50000 دج إلى 150000دج على كل سائق أرتكب جنحة الجرح الخطأ وهو في حالة سكر أو تحت تأثير مادة أو أعشاب مخدرة.
ونصت المادة 69 ـ 2 من نفس القانون على تطبيق عقوبة الحبس من ستة (06) اشهر إلى خمس (05) سنوات وغرامة من 50000دج إلى 150000دج على التهرب من المسؤولية الجنائية أو المدنية إثر جرح خطأ.
المبحث الثالث : حماية الاطفال من بعض الجرائم الماسة بسلامتهم :
المطلب الاول : حماية طفل بتجريم عدم التصريح بميلاده :
يعد حق النسب من الحقوق اللصيقة بالطفل و يشترط لثبوته أن يكون المولود ناتج عن زواج شرعي بين رجل وامرأة حيث نصت المادة 41 من ق أ على أن ينسب الولد لأبيه متى كانت الزواج شرعيا وأمكن الاتصال ولم ينفه بالطرق المشروعة .
وهذا من خلال عملية الولادة التي تعتبر واقعة طبيعية يبنى على أساسها نظام النسب ، ولقد تكفل المشرع الجزائري بتنظيم هوية الأشخاص لاسيما الأطفال وذلك بإصدار مجموعة من النصوص القانونية تعود أساسا إلى كل من قانون العقوبات ، قانون الحالة المدنية وقانون الجنسية بالإضافة إلى قانون الأسرة .
فضلا عما تتيحه هذه القوانين من معرفة تاريخ الميلاد والجنس والنسب وعلى أساسها تقررت حقوق الطفل في الجنسية والنفقة و الميراث وهذه الحقوق تصبح رحمة المحيطين بالطفل حال عدم تسجيله ولأجل هذا الغرض بين ق ح. م كيفيات و أوقات التصريح بالمواليد كما بين جريمة عدم التصريح بالميلاد.
الفرع الأول : كيفيات و اوقات التصريح بالمواليد
لقد نصت المادة 61 من قانون الحالة المدنية على أنه يجب أن يصرح بالمواليد خلال خمسة (5) أيام من الولادة إلى ضابط الحالة المدنية للمكان و إلا فرضت العقوبات المنصوص عليها في المادة 442 ف 3 من ق ع ج ولقد جاء في هذه الفقرة كل من حضر ولادة طفل و لم يقدم عنها الاقرار المنصوص عليه في القانون وخلال المواعيد المحددة يعاقب بالحبس من عشرة (10) أيام على الأقل إلى شهرين (02) على الأكثر وبغرامة من 8.000 الى 16.000 دج بينما أوجب المشرع المصري في نص المادة 14 من قانون الطفل لعام 1996 المعدل و المتمم الإبلاغ عن المواليد خلال 15 يوما من تاريخ حدوث الولادة أما المشرع المغربي فقد نظم التصريح بالولادة في قانون الحالة المدنية ومرسومه التطبيقي الصادر في 9 أكتوبر 2002 تحت رقم 2.99.665 إذ جعل التصريح إجباريا في أجل ثلاثين يوما من تاريخ وقوع الولادة ، وعلى ما يبدوا أنه أعطى لأشخاص الملزمين بالتصريح الوقت الكافي للتصريح بمواليدهم كذلك بينت المادة 61 ق ح م أنه لا يجوز لضابط الحالة المدنية عندما لم يعلن عن الولادة و في الأجل القانوني أن يذكرها في سجلاته إلا بموجب حكم يصدره رئيس محكمة الدائرة التي ولد فيها الطفل ، مع بيان الملخص في الهامش لتاريخ الولادة وإذا كان مكان الولادة مجهولا فيختص رئيس المحكمة محل إقامة الطالب ، ويتم تمديد أجل التصريح بالولادة في ولايتي الواحات و الساورة وكذا في البلاد الأجنبية ، فيتم التصريح خلال عشرة أيام (10) من الولادة ويجوز تمديد هذا الأجل إلى ستون يوما (60) وذلك في ولايتي الواحات و الساورة بموجب مرسوم يحدد إجراءات و شروط هذا التمديد ولا يحسب يوم الولادة في الآجال المحددة في الولايتين السابق ذكرهما و كذا البلاد الأجنبية، أما إذا كان آخر يوم جمعة أو صادفه يوم عطلة يمدد هذا الأجل إلى أول يوم عمل يلي يوم العطلة ، هذا فيما يخص مواعيد و أوقات التصريح بالولادة أما عن الأشخاص المكلفين بالتبليغ عن الولادة فقد حددتهم المادة 62 من ق ح م وهم الأب أو الأم أو الأطباء و القابلات أو أي شخص آخر حضر الولادة، وعندما تكون الأم ولدت خارج مسكنها فالمسؤول بالتبليغ هنا الشخص الذي ولدت عنده الأم وبالتالي يتم تحرير شهادة الميلاد فورا والملاحظ هنا أن المشرع الجزائري كان حريصا بالتبليغ عن ميلاد الطفل وذلك يبرز من خلال تكليفه للشخص الذي ولدت الأم عنده أو أي شخص اخر حضر الولادة ولو لم يكن أحد الأقارب .
كما يبين ضابط الحالة المدنية في عقد الميلاد يوم وساعة ومكان الولادة وجنس المولود و الأسماء التي أعطيت له، وأسماء و ألقاب و مهنة و مسكن الأب و الأم و كذلك بالنسبة للقائم بالتصريح م 63 ق ح م ويتم اختيار اسم المولود من طرف الأب أو الأم أو المصرح وذلك في حالة عدم وجودهما م 64 ق ح م ويترتب على التصريح بولادات متعددة إعداد عقد منفرد لكل طفل 66 ق ح م ولقد اهتمت كل التشريعات بتوفير حماية شاملة للطفل و يظهر ذلك من خلال توقيع معظم الدول على الاتفاقيات والمواثيق الخاصة به نذكر منها ما نصت عليه المادة 6 من الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل و رفاهيته لكل طفل الحق في اسم عند مولده و يقيد فور مولده كما له الحق في الحصول على الجنسية.
الفرع الثاني : تجريم عدم التصريح بالميلاد
تعتبر واقعة الميلاد واقعة مادية لذلك اهتم المشرع الجزائري بها اهتماما بالغا ونظمها بقواعد خاصة في قانون الحالة المدنية ، فأوجب الإبلاغ عن كل مولود وحدد مدة القيام بذلك تحت طائلة الجزاء الجنائي كما حدد الأشخاص المكلفين بذلك وكل ما يتعلق بإجراءات ضبطها و إثباتها .
ويمكن تعريف هذه الجريمة أنها التستر أو السكوت عن واقعة ميلاد طفل وهو الفعل المعاقب عليه بموجب المادة 442 ف 3 ق. ع .ج وسوف نتناول في هذا المطلب أركان جريمة عدم التصريح بالميلاد والعقوبة المقررة لجريمة عدم التصريح بالميلاد .
لقيام كل جريمة توفر أركان خاصة بها ولهذا سوف نتناول في هذا الفرع الركن المادي لجريمة عدم التصريح بالميلاد والركن المعنوي لجريمة عدم التصريح بالميلاد.
أولا : الركن المادي :
يقوم الركن المادي على جملة من العناصر يمكن استنباطها من النصوص القانونية المذكورة أعلاه ويمكن إجمالها في عنصرين، عنصر الامتناع عن التصريح بميلاد طفل خلال الأجل القانوني و عنصر الأشخاص المعنيين بواجب التصريح .
يعد عنصر الامتناع عن التصريح بميلاد طفل خلال الأجل القانوني من العناصر الخاصة التي تساهم في قيام جريمة عدم التصريح بالولادة و التي تقوم على التصرف السلبي الصادر من الأب أو الأم أو من أحد الأشخاص الذين ذكرتهم المادة ق ح م ، والمذكورين عل سبيل الحصر وذلك بسهو أو إهمال أو إغفال التصريح به دون مبرر شرعي أو قانوني ولم تفرق المادة هل الطفل ولد حيا أو ميتا ولكن يشترط الفقه الفرنسي أن تستمر مدة الحمل 180 يوما حتى يجب التصريح بالطفل في حالة وفاته وهذه المدة هي اقل مدة يمكن أن يولد فيها الطفل حيا وهي تعادل مدة 6 أشهر وجاء تحديدها من خلال قوله تعالى :« ووصينا الانسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا»
كما يستدل بقوله تعالى : « الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين »
فإن أقل مدة حمل ستة أشهر لأن مدة الرضاع هي سنتان إذا أسقطناها من ثلاثين شهرا بقيت ستة أشهر مدة الحمل ، وهذا ما جاء في المادة 42 ق أ أقل مدة حمل ستة أشهر و أقصاها عشرة أشهر .
أما العنصر الثاني لقيام الجريمة هو فوات الأجل المحدد في القانون للتبليغ عن ميلاد الطفل وهو (5) أيام بالنسبة للأطفال المولودين ضمن واحدة من بلديات الوطن و (10) أيام ابتداء من اليوم الموالي ليوم الولادة بالنسبة للأطفال المولودين في بلديات ولايتي بشار و ورقلة.
كما يعد عنصر توفر الالتزام بالتصريح من العناصر المكونة لهذه الجريمة حيث نصت المادة 62 من ق ح م على الأشخاص الملزمين بالتصريح بالميلاد و يمكن ترتيبهم على النحو التالي :
الأب و هو المسؤول عن عدم التصريح ، باعتباره أول من ذكر في النص فمن المنطقي أن يلتزم بهذا الواجب عندما يكون حاضرا في عملية الولادة ، وتأتي الأم في المقام الثاني فالمشرع هنا لم يراعي الظروف الصحية للأم و أجبرها على التصريح بالمولود على عكس المشرع الفرنسي الذي يعفي الأم من واجب التصريح طبقا للنص المادة 56 قانون مدني فرنسي أما الأطباء والقابلات فيحتلون المقام الثالث إذا كان الوالد غائبا أو عاجزا أو ميتا ولم تقم الأم بالتصريح بالميلاد أو في حالة امتناع الأب أو الأم بالتصريح ينتقل هذا الواجب إلى الأطباء أو القابلات أو الأشخاص الآخرون الذين حضروا الولادة وهذا يكون إذا ولدت الأم في محل إقامتها أو في أحد الأماكن المشروعة أما في حالة ولادتها خارج محل الاقامة يلزم الشخص الذي ولدت عنده بالإقرار بالولادة و الادلاء بالتصريح من أحد الملزمين يحرر الآخرين من واجب التصريح
ثانيا : الركن المعنوي :
تعد جريمة عدم التصريح بالمولود في المواقيت القانونية جريمة عمدية يجب لقيامها توفر النية الاجرامية بأن يتعمد الجاني عدم التبليغ عن ميلاد الطفل خلال الآجال القانونية ويحدث هذا كثيرا عندما يكون الحمل غير شرعي للتستر عن الفضيحة ، وحماية لنسب الأطفال من الضياع قرر المشرع عقوبة لهذه الجريمة سنتطرق لها لاحقا.
ملاحظة :
ان المشرع لم يشترط القصد الجنائي في هذ ا النوع من الجرائم، لاعتباره يشكل مخالفة ، ومن ثم فإن الحالة الجرمية تتحقق دون البحث عن الباعث أو النية.
الفرع الثالث : العقوبة المقررة لجريمة عدم التصريح بالميلاد :
عاقب المشرع الجزائري مرتكب جريمة عدم التصريح بالميلاد من خلال المادة 442 ف 3 من (ق ع ج)حيث جاء فيها:« يعاقب بالحبس من عشرة أيام على الأقل إلى شهرين على الأكثر و بغرامة من 8.000 إلى 16.000 دج كل من حضر ولادة طفل ولم يقدم عنها الإقرار المنصوص عليه في القانون في المواعيد المحددة » أما المشرع المصري فقد جرم كل فعل من شأنه الإدلاء ببيان غير صحيح عند التبليغ عن المولود ، حيث تناولت المادة 24 من قانون الطفل المصري ، جريمة الادلاء عمدا ببيان غير صحيح من البيانات الواجب ذكرها عند التبليغ عن المولود وهو يوم الولادة ، وتاريخها وجنس الطفل و اسمه ولقبه واسم الوالدين و لقبهما و جنسيتهما ومحل إقامتهما ومهنتهما ومحل قيدهما (المادة 16 من قانون الطفل )، إذ يعاقب بالحبس مد لا تزيد عن سنة و بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد عن 500 جنيه أو بإحداهما والملاحظ أن المشرع الجزائري لم ينص على هذه الأفعال في قانون الحالة المدنية لكن بالرجوع إلى المادة 216 و 217 من ق ع ج نجد أنها تجرم كل تزييف الشروط أو الإقرارات أو الوقائع التي أعدت هذه المحررات لتلقيها أو لإثباتها و موضوع النسب يندرج ضمن المحررات الرسمية ، فأي تصريح غير صحيح أو تزييف للبيانات يعرض مرتكبها إلى نفس العقوبات والغرامات المقررة في هاذين النصين والملاحظ على نصوص قانون العقوبات أنها بالرغم من احتوائها على أحكام تقرر الحماية الجنائية للنسب الطفل ، إلا أنها جاءت خالية من تجريم إنكار النسب ، وهو ما يشكل فراغا قانونيا من الواجب تداركه، ولتوفير حماية أكبر للأطفال والحفاظ على نسبهم سنتناول جريمة أخرى وهي جريمة عدم تسليم الأطفال حديثي العهد بالولادة و التي غالبا ما تكون أسباب التخلص منهم نتيجة عدم رغبت الأم في الاحتفاظ بالطفل بسبب علاقة غير شرعية أقدمت عليها مع والد الطفل .
المطلب الثاني : جريمة عدم تسليم طفل حديث العهد بالولادة :
أصبحت واقعة العثور على طفل حديث العهد بالولادة أكثر انتشارا وهذا راجع لانحلال المجتمع الجزائري نتيجة تبنيه القيم الغربية و تخليه عن القيم الإسلامية وهي ظاهرة خطيرة لما فيها من تعريض حياة الطفل للخطر.
لكن رغم هذا أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 و ميثاق الطفل العربي لعام 1984 على حقوق الطفل الذي عثر عليه في الرعاية و الحماية أسوة بالطفل المولود عن علاقة شرعية ولهذا يعامل الأطفال غير شرعيين معاملة الأطفال الشرعيين على عكس التشريعات الأردنية التي تعطي الطفل الشرعي حقوقا كالنسب و الميراث و الحضانة و النفقة بينما تحرم منهم الطفل غير الشرعي.
وجاءت المادة 67 ف 1 ق ح م تلزم كل شخص وجد مولودا حديث الولادة أن يصرح به إلى ضابط الحالة المدنية التابع لمكان العثور على الطفل والذي زاد من تعزيز هذه الحماية ما تكفل به قانون العقوبات من خلال نص المادة 442 ف 3 التي جاءت لتعاقب كل من يخل بالالتزامات المنصوص عليها في المادة 67 ق ح م .
الفرع الاول : اركان جريمة عدم تسليم طفل حديث العهد بالولادة :
أولا : الركن المعنوي لجريمة عدم تسليم طفل حديث العهد بالولادة
يتحقق الركن المادي لهذه الجريمة بالعثور على الطفل حديث العهد بالولادة ويقصد بالطفل حديث العهد بالولادة هو الذي ولد منذ بضعة ساعات أو بضعة أيام على الأكثر .
حيث اختلفت التشريعات في تحديد هذه الفترة فأعتبر المشرع الانجليزي الطفل حديث العهد بالولادة الذي لم يكمل عامه الأول أما المشرع الفرنسي فحداثة الولد عنده تنتهي بمرور ثلاثة أيام وهي الفترة المحددة للتصريح بالمواليد ويمكن تعريف هذه الجريمة على أنها إخلال بالتزام قانوني يتمثل في تسليم طفل حديث العهد بالولادة إلى السلطات المحددة قانونا .
كما يتحقق هذا الركن بامتناع كل من وجد طفل حديث العهد بالولادة القيام بما يلي :
تسليمه إلى ضابط الحالة المدنية كما يوجب القانون ، إضافة إلى الإقرار به أمام جهة البلدية التي عثر على الطفل في دائرتها إذا ما وافق على التكفل به .
وجرم القانون المصري هو الآخر واقعة عدم الإبلاغ عن اللقطاء وتسجيل ميلادهم في المادة 20 من (ق ط م) كل من عثر على طفل حديث الولادة في المدن أن يسلمه فورا بالحالة التي عثر عليها إلى إحدى المؤسسات المعدة لاستقبال الأطفال حديثي الولادة أو أقرب جهة شرطة مختصة أما إذا عثر عليه في إحدى القرى يسلم للعمدة أو الشيخ بمثابة التسليم لجهة الشرطة ويقوم العمدة بتسليم الطفل فورا إلى المؤسسة أو جهة الشرطة الأقرب على أن يحرر محضر يتضمن جميع البيانات الخاصة بالطفل كساعة ومكان وظروف التقاطه وسنه الظاهري و جنسه أو أية علامة خصوصية من شأنها أن تسهل التعرف عليه والسلطة أو الشخص الذي سلم الطفل إليه ويسجل هذا المحضر بتاريخ تحريره في سجلات الحالة المدنية إذ يعد عقدا مفصلا بمثابة عقد ميلاده يذكر فيه كل البيانات السابقة والأسماء واللقب المعطاة للطفل ويكون هذا المحضر بمثابة عقد ميلاد مؤقت إذا تم العثور على عقد ميلاد الطفل أو صرح بنسبه الحقيقي بموجب أمر من وكيل الجمهورية م 67 ف 6 أو المعلومات الخاصة بالشخص الذي عثر عليه إذ لم يرفض هذا الأخير ذلك .
ثانيا : الركن المعنوي لجريمة عدم تسليم طفل حديث العهد بالولادة
إن جريمة عدم تسليم طفل حديث العهد بالولادة جريمة عمدية يكفي لتحققها توفر القصد الجنائي
،وهو الامتناع عن تسليم طفل عثر عليه وهو حديث العهد بالولادة إلى الجهات المعنية و بالتالي يتقرر الجزاء على الجاني .
الفرع الثاني : العقوبة المقررة لجريمة عدم تسليم طفل حديث العهد بالولادة :
إن جريمة عدم التصريح بالميلاد تشكل مخالفة معاقب عليها طبقا لنص المادة 442 ف 3 من ق ع ج بالحبس من 10 أيام على الأقل إلى شهرين على الأكثر وبغرامة من 8.000 إلى 16.000 دج وتشمل العقوبة الشخص الذي يقدم طفل دون السابعة من عمره إلى ملجأ أو مؤسسة خيرية في حين كان الطفل قد سلم إليه لرعايته أو لسبب آخر، ويمكن للمتهم التملص من العقوبة المذكورة سابقا إذا أثبت أنه غير ملزم بتوفير الطعام له مجانا ولم يجد من يوفر له ذلك ، كما نصت المادة 23 من قانون الطفل المصري أن يعاقب على مخالفة أحكام المادة 20 من هذا القانون بغرامة لا تقل عن عشرة جنيهات و لا تتجاوز مائة جنيه .
المطلب الثالث : جريمة تقديم طفل إلى ملجأ أو مؤسسة خيرية
يمكن تعريف هذا الفعل على أنه إخلال بالتزام رعاية الطفل ،عن طريق تسليمه إلى ملجأ أو مؤسسة خيرية، و هي الصورة المنصوص عليها في المادة 442 فقرة 3 ق ع التي تنص على "يعاقب بالحبس من عشرة أيام إلى شهرين على الأكثر و بغرامة من 8000 إلى 16000.ج كل من قدم طفلا تقل سنه عن سبع سنوات كاملة إلى ملجا أو إلى مؤسسة خيرية متى كان قد سلم إليه لرعايته أو لأي سبب آخر ما لم يكن مكلف أو غير ملزم بتوفير الطعام له بجانا و برعايته و لم يوفر له أحد ذلك ".
و عليه سنتطرق إلى الأركان يليها الجزاء المقرر لهذه الجريمة
أولا: أركان جريمة تقديم طفل إلى ملجا أو مؤسسة خيرية
أ- الركن المفترض: يجب أن يتعلق الأمر بطفل لا يتجاوز سنه السابعة.
ب - الركن المادي: و يتمثل في أن يكون مرتكب الجريمة شخصا مكلفا و ملزما بتوفير الطعام للطفل و رعايته بجانا، وقد يكون هذا الالتزام مصدره في علاقة الرحم كالجد و الجدة والأخ أو الأخت في عقد شرعي كما في حالة الكفالة و من ثم فإن الجريمة لا تقوم في حق الوالدين.
ج- الركن المعنوي: تتطلب الجرعة قصدا عاما، و إن كان الوصف الجزائي لها مخالفة و ذلك بانصراف إرادة الجان إلى تقدم الطفل إلى ملجأ أو مؤسسة خيرية بعد أن سلم له قصد رعايته.
ثانيا: الـجزاء المقرر لجريمة تقديم طفل إلى ملجأ أو مؤسسة خيرية
يعاقب الجان مرتكب المخالفة بالحبس من عشرة أيام على الأقل إلى شهرين على الأكثر و بغرامة من 8000 إلى 16000 دج.
خـاتمة
تحصيلا لما سبق يمكننا القول أن كل الجـرائم تشترط لقيامها توافر ركن معنوي , فأما الجرائم العمدية فيتمثل ركنها المعنوي في القصد الجنائي و يقصد به العلم بعناصر الجريمة و إرادة إرتكابها و أما الجرائم غير العمدية فيتمثل ركنها في الخطأ غير العمدي و هو إتجاه إرادة الشخص إلى إتيان سلوك خطر دون القيام بما هو واجب عليه من التدبر و الحيطة.
القضاء الجزائري يتعامل مع التصرفات المفضية إلى الضرب و الجرح غير العمدي بنوع من التساهل والتخفيف في الأحكام القضائية، حيث يتحصل المتورطون في هذه القضايا على أحكام مخففة أغلبها غير نافذة هذه الوضعية ساهمت في تزايد مخيف لحوادث الإعتداءات بين الأشخاص، ما دعا بعدد كبير من الحقوقيين والأئمة والسياسيين إلى المطالبة بالتعامل مع هاته الجريمة بنوع من التشديد و الحزم.
المراجع
القوانين :
الأمر رقم 66-156 و المتضمن قانون العقوبات الجزائري مؤرخ في 08 يونيو 1966،معدل و متمم.بموجب القانون رقم 20-06 المؤرخ في 28 افريل سنة 2020 .
المؤلفات :
- د/ عبدالله أوهايبية، شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام ،بدون ط،موفم للنشر،الجزائر،سنة 2009 ،
- د/ احسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجنائي الخاص- الجزء الاول دار هومه - الجزائر طبعة رقم 9 سنة 2008
- د / منصور رحماني . الوجيز في القانون الجنائي العام , دار العلوم للنشر و التوزيع , عنابة , 2006.
- أ / عبد الله سليمان . شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام , ج:1 (الجريمة) ديوان المطبوعات الجامعية, الجزائر , 1998.
- د / فتوح عبد الله الشاذلي . شرح قانون العقوبات القسم العام , أبو العزم للطباعة , 2001
- د/ عمر خوري، شرح قانون العقوبات –القسم العام- كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2007.