حالات يكون فيها العقد قابل للإبطال
إن العقد القابل للإبطال على خلاف العقد الباطل ينفذ في الحال وينتج جميع آثاره فله وجود قانوني باعتباره تصرفا قانونيا فهو في هذه المرحلة الأولى بمنزلة العقد الصحيح.
يكون لأحد المتعاقدين الحق في طلب إبطاله، وهو العاقد الذي تقرر البطلان لمصلحته .
العقد الصحيح المبرم بين الأطراف يكون قابلا للنفاذ بقوة القانون، ولذا تنتج آثاره لأنه تم بين أطراف لهم الأهلية القانونية والرغبة في إقامة تعاقد قانوني. والعقد شريعة المتعاقدين، ولكن قد يشوب التعاقد بعض الأمور القانونية التي تجعل العقد قابلا للإبطال.
تعريف العقد القابل للإبطال :
هو عقد مشوب بأحد أسباب الإبطال، ويبقى صحيحا ما لم يتقرر إبطاله من الطرف الذي من مصلحته ذلك، ما لم يقرر تصحيحه وإجازته سواء بتعبير صريح أو بتنفيذه طواعية.
حالات يكون فيها العقد قابل للإبطال :
1- اذا صدر العقد مخالفا لنص قانوني خاص.
2- في حالة مضي مدة تقادم العقد فيحق إبطاله.
3- في حالة إكراه المتعاقد و دفعه للتعاقد
4- إذا نص القانون لأحد المتعاقدين حقا في إبطال العقد.
5- إذا أبرم العقد من طرف شخص ناقص الأهلية
6- في حالة الغلط والتدليس
7- اذا اختل في العقد ركن الشكلية التي تشترط في بعض العقود.
- إن الطرف الذي تقرر البطلان لمصلحته إذا طلب الإبطال، وجب على القاضي حتما أن يحكم به، خلافا للفسخ فللقاضي سلطة تقديرية في أن يحكم به أو لا يحكم كما سبق القول. ولكن الحكم بإبطال العقد منشئ للبطلان لا كاشف عنه، وهو في ذلك كالحكم بالفسخ. فإذا أبطل العقد، اعتبر باطلا بأثر رجعي منذ البداية ، وصار منذ نشوئه كالعقد الباطل، وألغيت جميع الآثار التي أنتجها من قبل، واعتبر كأن لم يكن. وهذه هي المرحلة الثانية للعقد القابل للإبطال، يكون فيها بمنزلة العقد الباطل ، على أن الحق في طلب إبطال العقد يزول بنزول صاحبه عنه، وهذه هي الإجازة، أو بانقضاء مدة معينة دون أن يستعمل، وهذا هو التقادم. فالعقد القابل للإبطال إذا، خلافا للعقد الباطل، تلحقه الإجازة، ويرد عليه التقادم، ثم هو يختلف عنه أيضا في بعض الأحكام عند تقرير البطلان.
- من الناحية القانونية، فإن العقد القابل للإبطال ينتج آثاره ما لم يقض بإبطاله، وإذا قُضي بإبطاله اعتبر كأن لم يكن أصلا. ومن ضمن الحالات التي تجعل العقد باطلا، أن يكون هناك تدليس أو غلط أو إكراه أو غيره. فوجود أي من هذه الحالات يجعل العقد قابلا للإبطال نظرا لأنه لم يتم برغبة ونية قانونية صحيحة؛ لأن التدليس، مثلا، يتم فيه عرض البضاعة بصورة غير سليمة وغير صحيحة بالرغم من أن من قدمها يعلم أنها غير سليمة وإضافة إلى أنه يعلم أن توضيح هذه الحقيقة قد لا تجعل الطرف الآخر يقبل التعاقد. ومن هنا، يظهر سوء النية وعدم منح الطرف الآخر المعلومات الحقيقية والتعاقد بموجب تدليس يؤثر على سلامة العقد. وهذا أيضا، ينطبق على الحالات الأخرى المتمثلة في الإكراه والغلط في الوقائع وغيره من الحالات التي تجعل القبول غير مكتمل الأركان وتشوبه شوائب عديدة.
وإذا جعل القانون لأحد المتعاقدين حقا في إبطال العقد ، فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بإبطال العقد إلا بناء على طلب صاحب الحق. وإذا قــام سبب الإبطال ، وتمسك به من تقرر لمصلحته ، تعين على المحكمة القضاء بإبطال العقد ، وذلك ما لم ينص القانون على خلافه . ويزول حق إبطال العقد بالإجازة الصريحة أو الضمنية ممن له حق طلب إبطاله ، وتطهر الإجازة التي تتم العقد من العيب الذي انصبت عليه ، دون إخلال بحقوق الغير.
ويسقـط الحـق فـي إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خلال ثلاث سنوات من وقت زوال سببه ما لم يقض القانون بخلافه . ويبدأ سريان هذه المدة في حالة نقص الأهلية ، من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب ، وفي حالة الغلط أو التدليس من اليوم الذي ينكشف فيه ، وفي حالة الإكراه من يوم زواله ، وفي كل حال لا يجوز التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت خمس عشرة سنة من وقت إبرام العقد.
و وفق القانون، يجــوز لــكل ذي مصلحة أن يعذر من لـه حق إبطال العقد بوجوب إبداء رغبته في إجازته أو إبطاله ، خلال مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ، تبدأ من تاريخ استلام الإعذار من غير أن يترتب على ذلك أي أثر بالنسبة للمدة المقررة لسقوط الحق في الإبطال . ولا يعتد بإعذار من لـــه حق طلب الإبطال بسبب الغلط أو التدليس أو الإكراه ، إلا إذا كان قد وجه بعد انكشاف الغلط أو التدليس أو زوال الإكراه . كما أنه لا يعتد بإعذار ناقص الأهلية ، إلا إذا كان قد وجه إليه بعد اكتمال أهليته . فإذا انقضى الميعاد المحدد بالإعذار من غير اختيار ، اعتبر ذلك إجازة للعقد.
وهنا لا بد من التنويه، أن من بأتي للتعاقد عليه أن يكون سليم النية وأن يكون أمينا مع الطرف الآخر وعدم إكراهه أو غشه أو غير هذا من الأفعال المخالفة للقانون. وعليه أن يعلم أن القانون يعطي الطرف الآخر الحق في المطالبة بإبطال العقد لأن العقد يكون قابلا للإبطال وفق رغبته بعد علمه بما حدث له أثناء التعاقد. وهكذا يوفر القانون، لمن يتم تدليسه أو إكراهه أو بحدوث الغلط ، الحق في إبطال العقد وما ينجم من ذلك من الأضرار والتعويضات اللازمة لذلك.
من الذي يتمسك ببطلان العقد ؟
العقد القابل للإبطال لم تتقرر قابليته للإبطال إلا لمصلحة أحد العاقدين، فهذا للعاقد وحده ، دون العاقد الأخر، هو الذي يجوز له أن يتمسك بالبطلان فإذا كان سبب القابلية للإبطال نقص الأهلية، تمسك بالبطلان ناقص الأهلية، وقد يكون كل من العاقدين ناقص الأهلية، فلكل منهما أن يتمسك بالبطلان. ولا يكون العقد لذلك باطلا بل يبقى قابلا للإبطال، فتصح إجازته ويزول بطلانه بالتقادم، ولو كان العقد باطلا لما جاز ذلك.
وإذا كان السبب هو عيب شاب الإرادة، فمن شاب إرادته العيب هو الذي يتمسك ببطلان العقد وفي بيع ملك الغير المشتري وحده هو الذي يتمسك بالبطلان.
ولا يستطيع أن يطلب إبطال العقد لا الدائن ولا الخلف العام ولا الخلف الخاص بمقتضي حق مباشر لهم. ولكن يستطيعون ذلك باعتبارهم دائنين للعاقد، فيستعملون حقه في طلب إبطال العقد عن طريق الدعوى غير المباشرة. كذلك لا تستطيع المحكمة أن تقضي بإبطال العقد من تلقاء نفسها إذا لم ينمسك بالإبطال المتعاقد ذو المصلحة
متى يجوز التمسك بالبطلان ؟
ويجوز التمسك بالبطلان ما دام البطلان لم يسقط بالتقادم بانقضاء المدة المقررة ،ويجوز إبداء الدفع بالبطلان في أية حالة كانت عليها الدعوى على النحو الذي بيناه في العقد الباطل.
كيف يتقرر البطلان ؟
إذا لم يتم الاتفاق على إبطال العقد، فالعقد لا يبطل حتي برفع ذو المصلحة من المتعاقدين دعوى البطلان ويحصل على حكم بذلك.
إن حكم القاضي هو الذي يبطل العقد، أي أن هذا الحكم هو الذي ينشئ البطلان، ولا يقتصر على الكشف عنه كما في العقد الباطل، ولكن إذا رفعت دعوى الإبطال أو دفع به، ووجد القاضي سببه قائمة، فهو لا يملك إلا أن يبطل العقد، وليست له السلطة التقديرية التي يملكها في الفسخ .
ويتبين من ذلك أن المتعاقد ذا المصلحة إذا لم يستطع الاتفاق مع المتعاقد الآخر على إبطال العقد، فليس أمامه إلا أن يرفع دعوى البطلان ليحصل على حكم بإبطال العقد، ولا يجوز له أن يستقل بإعلان البطلان بإرادته المنفردة، كما أجاز ذلك كل من التقنين المدني الألماني وتقنين الالتزامات السويسري. فقد قضت الفقرة الأولى من المادة (143) من التقنين المدني الألماني بأن البطلان يتقرر بإعلان يتوجه إلى الطرف الآخر، وقضت المادة (31) من تقنين الالتزامات السويسري بأن العقد إذا شابه غلط أو تدليس أو إكراه يعتبر قد أجيز إذا كان الطرف الذي لا يلزمه هذا العقد سكت سنة دون أن يعلن للطرف الآخر تصميمه على إبطاله، أو دون أن يسترد ما دفعه ، وتسري السنة من وقت انكشاف الغلط أو التدليس أو من وقت زوال الإكراه .
أثر تقرير البطلان :
إذا تقرر بطلان العقد القابل للإبطال ، اعتبر كأن لم يكن، فيما بين المتعاقدين وبالنسبة إلى الغير ، فهو في هذا والعقد الباطل سواء .
بزول كل أثر للعقد فيما بين المتعاقدين، ويجب إرجاع كل شيء إلى أصله كما في العقد الباطل. فإذا كان العقد القابل للإبطال بيعة وتقرر بطلانه ، رد المشتري المبيع إلى البائع ورد البائع الثمن إلى المشتري، على التفصيل الذي قدمناه في العقد الباطل. وإذا كان العقد قابلا للإبطال النقص أهلية أحد العاقدين وتقرر بطلانه ، فإن ناقص الأهلية يسترد ما دفع تطبيقا للقواعد التي قدمناها. أما العاقد الآخر فلا يسترد من ناقص الأهلية إلا مقدار ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد.
ويزول كل أثر للعقد أيضا بالنسبة إلى الغير. فإذا رتب المشتري بعقد قابل للإبطال على العين التي اشتراها حقا عينيا، كحق انتفاع، أو حق ارتفاق، ثم أبطل البيع، فإن البائع يسترد العين خالية من الحقوق العينية التي رتبها المشتري، كذلك إذا باع المشتري العين من آخر، فإن البائع الأول بعد إبطال البيع الصادر منه يسترد العين من المشتري الثاني، وهذا عين ما قررناه في صدد العقد الباطل.