logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





12-03-2022 10:09 مساءً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 12-06-2021
رقم العضوية : 28090
المشاركات : 129
الجنس :
قوة السمعة : 10

شرح التحقيق القضائي في القانون الجزائري
تعريف التحقيق القضائي
هو نشاط إجرائي تباشره سلطة قضائية مختصة للتحقيق في مدى صحة الاتهام الموجه من طرف النيابة العامة، فهو مرحلة لاحقة لإجراءات التحقيق الابتدائي الذي يباشر الضبط القضائي، و يسبق مرحلة المحاكمة التي تقوم بها جهات الحكم، فهو بالتالي مستقل و محايد بين النيابة كسلطة اتهام و مرحلة المحاكمة، فتنص المادة 68 فقرة 1 ق.إ.ج : ( يقوم قاضي التحقيق وفقا للقانون، باتخاذ جميع إجراءات التحقيق التي يراها ضرورية للكشف عن الحقيقة، بالتحري عن أدلة الاتهام و أدلة النفي) .
لقد تعددت المصطلحات والمفاهيم الفقهية حول التحقيق القضائي غير أنها لا تخرج عن ما تراه بأنه مجموعة الإجراءات القضائية التي تمارسها سلطات التحقيق بالشكل المحدد قانونا، بغية التنقيب عن الأدلة في شأن جريمة ارتكبت وتجميعها ثم تقديرها لتحديد مدى كفايتها في إحالة المتهم إلى المحاكمة أو الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى .
إن أي قضية أو جريمة أو حادثة ما تستدعي التحقيق لا بد من المرور عبر مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى البحث عن الأدلة بشأنها ثم تقديرها لتحديد كفايتها لإحالة المتهم إلى المحاكمة، فكثيرا ما تعول المحكمة على الدليل المستمد منه بيد أنه لا يمكننا الولوج إلى هذه الإجراءات والمراحل دون الإحاطة بالمفاهيم العامة للتحقيق والأهمية منه أو حتى ما يتميز به عن غيره من آليات البحث عن الجريمة للوصول الى حيثياتها.

مقدمة
عندما ترتكب جريمة ينشأ للدولة حق معاقبة المجرم حماية للنظام العام والأمن في المجتمع، وهذا بحثا عن المجرم والأدلة هو التحقيق القضائي، ولكن البحث عن الشخص المرتكب للجريمة لا ينسيها حماية حرية الأفراد وحقوقهم.
لهذا فالغرض الأساس من الإجراءات الجزائية هو الكشف السريع عن حقيقة الأفعال الجرمية المرتكبة ضد أمن وسلامة المجتمع بالتحقيق والمحاكمة وإصدار قرار الحكم وتنفيذه أي إثبات الوقائع ونسبتها إلى شخص بعينه على سبيل اليقين لا الشك.
ومما لا شك فيه أن الوصول إلى الحقيقة مسألة دقيقة، تتلاقى عندها المصالح المتعارضة، مصلحة المجتمع في الوصول للحقيقة وتوقيع الجزاء على مرتكب الجريمة، ومصلحة المتهم في دفع عبء الاتهام الموجه إليه، ومن ثم وجب على الشارع أن يضع الحدود التي تقف عندها سلطة الدولة، لك لا تنتهك هذه الضمانات، لأن غاية المجتمع معرفة الحقيقة والوصول إلى فاعلها، كما أن للمتهم مصلحة حماية حقوقه وحرياته، لذا فقد بينت الدول والاعلانات والاتفاقيات الدولية، الحدود القانونية التي يجب أن يقف عندها التحقيق وأن أي تعد على هذه الحدود يعد جريمة تستوجب العقاب على مرتكبيها.

درجات التحقيق :
يقرر القانون الجزائري التحقيق على درجتين :
- الأولى بواسطة قاضي التحقيق في المواد: 66 إلى 175 من ق.إ.ج،
- الثانية بواسطة غرفة الاتهام كدرجة عليا في المواد 176 إلى 211 ق.إ.ج.
فقد نهج المشرع الجزائري سبيل الأنظمة التي تفصل بين جهاز النيابة العامة التي خولها سلطة المتابعة و الاتهام، ممثلة في النائب العام و مساعديه على مستوى كل مجلس قضائي طبقا للمادة 29 ق.إ.ج. و من جهة التحقيق مستقلة و محايدة التي خولها سلطة التحقيق، فتنص المادة 38 ق.إ.ج: (تناط بقاضي التحقيق إجراءات البحث والتحري ولا يجوز له أن يشترك في الحكم في قضايا نظرها بصفته قاضيا للتحقيق وإلا كان ذلك الحكم باطلا) .
و تنص المادة 67 فقرة 1 ق.إ.ج : (لا يجوز لقاضي التحقيق أن يجري تحقيقا إلا بموجب طلب من وكيل الجمهورية لإجراء التحقيق حتى ولو كان ذلك بصدد جناية أو جنحة متلبس بها). و تنص المادة 68 فقرة 1 ق.إ.ج : (يقوم قاضي التحقيق وفقا للقانون، باتخاذ جميع إجراءات التحقيق التي يراها ضرورية للكشف عن الحقيقة، بالتحري عن أدلة الاتهام و أدلة النفي).
و تنص المادة 67 فقرة 3 و 67 فقرة 4 ق.إ.ج : ( و لقاضي التحقيق سلطة اتهام كل شخص ساهم بصفته فاعلا أو شريكا في الوقائع المحال تحقيقها إليه. فإذا وصلت لعلم قاضي التحقيق وقائع لم يشر إليها في طلب إجراء التحقيق تعين عليه أن يحيل فورا إلى وكيل الجمهورية الشكاوى أو المحاضر المثبتة لتلك الوقائع) .
و تنص المادة 100 ق.إ.ج: (يتحقق قاضي التحقيق حين مثول المتهم لديه لأول مرة من هويته ويحيطه علما صراحة بكل واقعة من الوقائع المنسوبة إليه وينبهه بأنه حر في عدم الإدلاء بأي إقرار وينوه عن ذلك التنبيه في المحضر فإذا أراد المتهم أن يدلي بأقوال تلقاها قاضي التحقيق منه على الفور كما ينبغي للقاضي أن يوجه المتهم بأن له الحق في اختيار محام عنه فإن لم يختر محاميا عين له القاضي محاميا من تلقاء نفسه إذا طلب منه ذلك وينوه عن ذلك بالمحضر كما ينبغي للقاضي علاوة على ذلك أن ينبه المتهم إلى وجوب إخطاره بكل تغيير يطرأ على عنوانه ويجوز للمتهم اختيار مواطن له في دائرة اختصاص المحكمة).
رغم استقلالية قاضي التحقيق عن النيابة العامة إلا أنه لا يجوز عليه مباشرة أي تحقيق دون طلب من النيابة العامة، عملا بالمادتين 38 و 67 ق.إ.ج، أو اختيار وكيل الجمهورية لقاضي التحقيق من بين قضاة التحقيق على مستوى المحكمة طبقا للمادة 70 ق.إ.ج، كما يجوز تنحيته من طرفه، كما للمتهم أيضا أو الطرف المدني حق رفض طلب لرئيس غرفة الاتهام لتنحية قاضي التحقيق عن القضية.
و وفقا للمادة 68 ق.إ.ج السالفة الذكر يجوز لقاضي التحقيق تقديم طلباته في الطلب الافتتاحي أو في طلبات إضافية، و ذلك بإصدار قرار مسبب خلال الخمسة أيام التالية لطلب وكيل الجمهورية، و هذا طبقا للمادة 69/3 ق.إ.ج و إذا رأى قاضي التحقيق أنه لا موجب لاتخاذ الإجراءات المطلوبة نته يتعين عليه أن يصدر قرارا مسببا خلال الخمسة أيام التالية لطلب وكيل الجمهورية، و لا يكون أمام وكيل الجمهورية إلا أن يطعن لدى غرفة الاتهام في قرارات و أوامر قاضي التحقيق تلك.

خصائص التحقيق :
أولا : سرية التحقيق بالنسبة للمتهم :
يعني به إجراء التحقيق في سرية و كتمان عملا بالمادة 11 ق.إ.ج، و كل من ساهم في التحقيق كقاضي التحقيق أو اتصل به كأعضاء النيابة العامة و الضبط القضائي و الخبراء و المترجمين، بالحضور أو الإطلاع على الأوراق أن يلتزم بالسر المهني و إلا تعرض لجريمة إفشاء السر المهني و المعاقب عليها في المادة 303 ق.ع.ج، و هذا ما نصت عليه المادة 11/2 ق.إ.ج.
ثانيا: علانية التحقيق بالنسبة للخصوم :
لقد أوجب القانون في المواد: 96، 102، 103، 104، 106، 107 ق.إ.ج إخطار الخصم و من له مصلحة في التحقيق كالمتهم و المدعي المدني و وكلائهما و النيابة العامة، فللمتهم حق اصطحاب محاميه، كما يلتزم قاضي التحقيق إخطار المحامي قبل كل استجواب يجريه لوكيلهم حسب المواد: 100، 102، 104 ق.إ.ج. كما يحق لوكيل الجمهورية حضور إجراءات التحقيق و إبداء الرأي و تقديم طلبات و إبداء رأيه في دفع المتهم و محاميه (المواد: 82، 87، 106 ق.إ.ج).
ثالثا : سلطة قاضي التحقيق في إجراء التحقيق في غياب الخصومة :
و هي حالات يجوز فيها لقاضي التحقيق الخروج على مبدأ حضور الأطراف الغير معنية بسرية التحقيق، كتعذر حضور شاهد، فينتقل إليه قاضي التحقيق لسماع شهادته أو يندب ضابط الشرطة القضائية فإذا علم كذب الشاهد عن عدم استطاعته الحضور جاز للقاضي أن يقوم في الحال بإجراء استجوابات و مواجهات تقتضيها حالة الاستعجال الناجمة عن وجود شاهد في خطر الموت أو وجود وقائع على وشك الاختفاء، و تدون في المحضر دواعي الاستعجال، كما أن في حالة الاستعجال يسمح للقاضي إجراء التفتيش في غياب صاحب المسكن أو من ينونه حسب المادة 47 ق.إ.ج و ذلك لعدم اختفاء الحقيقة أو ضياعها.
رابعا : التدوين أو الكتابة :
غرضها تمكين الخصوم في الدعوى من الإطلاع على الأوراق و المناقشة ما تم منها و هي عملية يقوم بها كاتب ضبط يصطحب قاضي التحقيق ليدون محضر مستوفي للشروط الشكلية كالتوقيع من طرف قاضي التحقيق أو الكاتب و الشاهد أن وجد، طبقا للمادة 68 و 95 ق.إ.ج، كما يجب أن تخلو أسطر المحضر من أي تحشير، و المصادقة على كل شطب أو تخريج من القاضي و الكاتب و الشاهد و المترجم أن وجد.
خامسا : مرونة التحقيق :
يتمتع قاضي التحقيق بسلطة واسعة بالنسبة للأشخاص، و لا يتمتع بمثلها بالنسبة للوقائع مما يضفي بمرونة على التحقيق في الحالة الأولى فقط، أما بالنسبة للثانية فيعود قاضي التحقيق لوكيل الجمهورية كل ما ظهرت وقائع جديدة لم ترد في طلب النيابة العامة الافتتاحي، لكي يبديها وكيل الجمهورية في طلب إضافي.

الجهات المختصة بالتحقيق :
يتم إجراء التحقيق على درجتين :
الأولى : بواسطة قاضي التحقيق في المواد: 66 إلى 175 ق.إ.ج.
الثانية : بواسطة غرفة الاتهام كدرجة عليا في المواد 176 إلى 211 ق.إ.ج، وفقا للمادة 38 ق.إ.ج يناط بقاضي التحقيق إجراءات البحث و التحري و لا يجوز له أن يشترك في الحكم في القضايا نظرها بصفته قاضيا للتحقيق و إلا كان الحكم باطلا.
كما يتعدد قضاة التحقيق على مستوى اختصاص إقليم محكمة واحدة كما يمكن أن يجمع قاضي تحقيق الواحد، بين مجموعة محاكم، ففي الحالة الأولى يختار وكيل الجمهورية أي قاضي التحقيق في موضوع ما بموجب طلب افتتاح للقاضي الذي يختاره حسب المادة 70 فقرة 1 ق.إ.ج.

إختصاص قاضي التحقيق :
أولا: الاختصاص الإقليمي :
يعني به المجال المكاني، قد يكون اختصاصا محليا حسب دائرة الاختصاص و قد يمكن تمديده لدوائر أخرى، كما قد يكون وطنيا يشمل كافة تراب الجمهورية.
أ ـ الاختصاص المحلي :
حددت المادة 40 ق.إ.ج الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق بقولها: (يتحدد اختصاص قاضي التحقيق محليا بمكان وقوع الجريمة أو محل إقامة أحد الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في اقترافها أو بمحل القبض على أحد هؤلاء الأشخاص حتى و لو كان هذا القبض قد حصل لسبب آخر) .
و عليه يمكن القول أنه يتحقق اختصاص قاضي التحقيق بتوافر الشروط التالية:
ـ أن تكون الجريمة قد اقترفت في دائرة اختصاص قاضي التحقيق المكاني.
ـ أن تكون إقامة أحد المشتبه في ارتكابهم الجريمة بنفس دائرة الاختصاص.
ـ أن تكون قد ألقي القبض على أي من المشتبه فيهم في تلك الدائرة.
ملاحظة :
نصت المادة 38/3 ق.إ.ج أنه لا يمكن لقاضي التحقيق أن يجري أي تحقيق قضائي من تلقاء نفسه، و اشترطت أن يكون مختصا بالتحقيق بناء على طلب من طرف وكيل الجمهورية أو ادعاء مدني من المتضرر من الجريمة : ( ويختص بالتحقيق في الحادث بناء على طلب من وكيل الجمهورية أو شكوى مصحوبة بادعاء مدني…) .
كما يمكن أن يمتد هذا الاختصاص حسب الضرورة، تنص المادة 40/2 ق.إ.ج يجوز تمديد الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق إلى دائرة اختصاص محاكم أخرى، عن طريق التنظيم، في جرائم المخدرات والجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية والجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات و جرائم تبييض الأموال والإرهاب والجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف) .
و في حالة الجرائم المتلبس بها، فإنه يجوز له من تلقاء نفسه التنقل إلى دوائر اختصاص المحاكم المتخمة لدائرة الاختصاص، نصت المادة 57 ق.إ.ج: ( يسوغ لوكيل الجمهورية أو لقاضي التحقيق عندما يباشر الإجراءات حسبما هو موضح في هذا الفصل أن ينتقل إلى دوائر اختصاص المحاكم المتاخمة لدائرة الاختصاص التي يزاول فيها مهام وظيفته لمتابعة تحرياته إذا ما تطلبت ذلك مقتضيات التحقيق. ويجب عليه إذ ذاك أن يخطر مقدما وكيل الجمهورية بالدائرة التي ينتقل إليها. ويذكر في محضره الأسباب التي اقتضت هذا الانتقال كما يحيط النائب العام علما به) .
ب) الاختصاص الوطني :
و يشمل كافة التراب الوطني، و هو اختصاص يتحدد بنص المادة 47/3 و 47/4 ق.إ.ج: (عندما يتعلق الأمر بالجرائم المذكورة في الفقرة الثالثة أعلاه، يمكن قاضي التحقيق أن يقوم بأية عملية تفتيش أو حجز ليلا أو نهارا وفي أي مكان على امتداد التراب الوطني أو يأمر ضباط الشرطة القضائية اﻟﻤﺨتصين للقيام بذلك) .
و قد وضحت المادة 47/3 ق.إ.ج هذه الجرائم التي تسمح بتمديد اختصاص قاضي التحقيق إلى كامل التراب الوطني بقولها: (وعندما يتعلق الأمر بجرائم اﻟﻤﺨدرات أو الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية أو الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات وجرائم تبييض الأموال والإرهاب وكذا الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف فإنه يجوز إجراء التفتيش و المعاينة والحجز في كل محل سكني أو غير سكني في كل ساعة من ساعات النهار أو الليل وذلك بناء على إذن مسبق من وكيل الجمهورية اﻟﻤﺨتص) .
ثانيا: الاختصاص الشخصي :
وفقا للمواد: 67 فقرة 3 و 67 فقرة 4 و 68 ق.إ.ج، يحقق القاضي مع كل الأشخاص الذين يرى فيهم فائدة لإظهار الحقيقة، إلا أن هناك استثناء لهذه القاعدة فهناك أشخاص أو فئات قيد القانون قاضي التحقيق و خولها لجهة تحقيق أخرى، كالتحقيق مع الأحداث خوله القانون لقاضي الأحداث، و العسكريون ومن في حكمهم وفقا لأحكام قانون القضاء العسكري الصادر بالأمر: 71ـ28.
حيث نصت المادة 67 فقرة 3 ق.إ.ج : ( و لقاضي التحقيق سلطة اتهام كل شخص ساهم بصفته فاعلا أو شريكا في الوقائع المحال تحقيقها إليه) .
أما المادة 67 فقرة 4 ق.إ.ج فقد نصت : (فإذا وصلت لعلم قاضي التحقيق وقائع لم يشر إليها في طلب إجراء التحقيق تعين عليه أن يحيل فورا إلى وكيل الجمهورية الشكاوى أو المحاضر المثبتة لتلك الوقائع).
في حين نصت المادة 68 ق.إ.ج : (يقوم قاضي التحقيق وفقا للقانون، باتخاذ جميع إجراءات التحقيق التي يراها ضرورية للكشف عن الحقيقة، بالتحري عن أدلة الاتهام و أدلة النفي).
ثالثا: الاختصاص النوعي :
وفقا للمادة 66 ق.إ.ج التحقيق القضائي وجوبي في مواد الجنايات، أما في مواد الجنح فيكون اختياريا ما لم يكن هناك نصوص خاصة، مثلما هو الحال في جرائم النصب و خيانة الأمانة و الإفلاس، و جنح الأحداث، والجنح ذات الصبغة السياسية أو التي تخضع فيها المتابعة لإجراءات خاصة، أما في مواد الجنح كأصل و المخالفات عامة فتضل النيابة صاحبة السلطة في اختيار الإجراء المناسب بين طلب فتح تحقيق و بين رفع الدعوى مباشرة أمام محكمة الجنح و المخالفات و بين الأمر بحفظ الأوراق.

طرق عرض التحقيق على قاضي التحقيق :
1) الطلب الافتتاحي :
نصت المادة 38 فقرة 3 ق.إ.ج : (ويختص بالتحقيق في الحادث بناء على طلب من وكيل الجمهورية أو شكوى مصحوبة بادعاء مدني ضمن الشروط المنصوص عليها في المادتين 67 و73).
كما أن المادة 67 ق.إ.ج نصت: (لا يجوز لقاضي التحقيق أن يجري تحقيقا إلا بموجب طلب من وكيل الجمهورية لإجراء التحقيق حتى ولو كان ذلك بصدد جناية أو جنحة متلبس بها).
2) شكوى مصحوبة بادعاء مدني :
المادة 72 ق.إ.ج تقرر حق كل شخص مضرور من جريمة أن يدعي ماديا بتقديم شكوى لقاضي التحقيق المختص محليا و نوعيا، فيلتزم المدعي المدني بتقديم كفالة ضمانا لدفع المصاريف القضائية ما لم يعفى منها عن طريق حصوله على المساعدة القضائية، و أن يختار موطنا في دائرة اختصاص قاضي التحقيق المختص ما لم يكن متوطنا بنفس دائرة الاختصاص، ( يجوز لكل شخص متضرر من جناية أو جنحة أن يدعي مدنيا بأن يتقدم بشكواه أمام قاضي التحقيق اﻟﻤﺨتص) .

إختصاصات و اعمال قاضي التحقيق : تشمل ما يلي :
حسب المادة 68 فقرة 1 ق.إ.ج، فإنه و في سبيل الكشف عن الحقيقة يتخذ قاضي التحقيق جميع إجراءات التحقيق، (يقوم قاضي التحقيق وفقا للقانون، باتخاذ جميع إجراءات التحقيق التي يراها ضرورية للكشف عن الحقيقة، بالتحري عن أدلة الاتهام و أدلة النفي).
أ) الانتقال للمعاينة :
حسب مفهوم المادة 79 ق.إ.ج فانه يجوز لقاضي التحقيق الانتقال إلى أماكن وقوع الجرائم لإجراء جميع المعاينات اللازمة أو القيام بتفتيشها و يخطر بذلك وكيل الجمهورية الذي له الحق في مرافقته و يستعين بكاتب التحقيق و يحرر محضر لما يقوم به من إجراءات و قد تقترن المعاينة بإعادة تمثيل الجريمة و بحضور أطراف الدعوى، (ويجوز لقاضي التحقيق الانتقال إلى أماكن وقوع الجرائم لإجراء جميع المعاينات اللازمة أو للقيام بتفتيشها. ويخطر بذلك وكيل الجمهورية الذي له الحق في مرافقته. ويستعين قاضي التحقيق دائما بكاتب التحقيق ويحرر محضرا بما يقوم به من إجراءات).
و عملا بالمادة 96 ق.إ.ج يجوز له أيضا مناقشة الشاهد و مواجهته بشهود آخرين أو بالمتهم و أن يجري بمشاركتهم كل الإجراءات و التجارب الخاصة بإعادة تمثيل الجريمة مما يراه لازما لإظهار الحقيقة، (يجوز للقاضي مناقشة الشاهد ومواجهته بشهود آخرين أو بالمتهم وأن يجري بمشاركتهم كل الإجراءات والتجارب الخاصة بإعادة تمثيل الجريمة مما يراه لازما لإظهار الحقيقة).
كما قد يقتضي الانتقال إلى المعاينة أحيانا خروج قاضي التحقيق عن دائرة اختصاصه المكاني بتمديده لدائرة اختصاص أخرى التزاما منه لأحكام المادة 80 ق.إ.ج، التي تشترط عليه ما يلي:
ـ أن تكون هناك ضرورة الانتقال خارج اختصاصه.
ـ أن يخطر وكيل الجمهورية الذي يعمل معه في نفس دائرة اختصاصه الذي يجوز له مرافقته في انتقاله.
ـ أن يخطر وكيل الجمهورية المختص مكانيا.
ـ أن يدون هذا المحضر أسباب تمديده لدائرة اختصاصه المكانية.
نصت المادة 80: (يجوز لقاضي التحقيق أن ينتقل صحبة كاتبه بعد إخطار وكيل الجمهورية بمحكمته إلى دوائر اختصاص المحاكم المجاورة للدائرة التي يباشر فيها وظيفته للقيام بجميع إجراءات التحقيق إذا ما استلزمت ضرورات التحقيق أن يقوم بذلك على أن يخطر مقدما وكيل الجمهورية بالمحكمة التي سينتقل إلى دائرتها وينوه في محضره عن الأسباب التي دعت إلى انتقاله).
ب) تفتيش المساكن :
التفتيش كالمعاينة يتطلب الانتقال إلى المساكن المراد تفتيشها و يهدف للبحث عن دليل جريمة وقعت بالفعل.
و قد أجازت المادة 81 ق.إ.ج لقاضي التحقيق إجراء التفتيش في جميع الأماكن التي يمكن العثور فيها على أشياء لفائدة التحقيق: (يباشر التفتيش في جميع الأماكن التي يمكن العثور فيها على أشياء يكون كشفها مفيدا لإظهار الحقيقة).
و يتم إجراء التفتيش طبقا لأحكام المواد 45 إلى 47 ق.إ.ج، حيث نصت المادة 82: (إذا حصل التفتيش في مسكن المتهم فعلى قاضي التحقيق أن يلتزم بأحكام المواد من 45 إلى 47 غير أنه يجوز له وحده في مواد الجنايات أن يقوم بتفتيش مسكن المتهم في غير الساعات المحددة في المادة 47 بشرط أن يباشر التفتيش بنفسه وأن يكون ذلك بحضور وكيل الجمهورية).
أما في حالة إجراء التفتيش في غير مسكن المتهم فان قاضي التحقيق ملزم بتطبيق أحكام المادة 83 ق.إ.ج : (إذا حصل التفتيش في مسكن غير مسكن المتهم استدعي صاحب المنزل الذي يجري تفتيشه ليكون حاضرا وقت التفتيش فإذا كان ذلك الشخص غائبا أو رفض الحضور أجري التفتيش بحضور اثنين من أقاربه أو أصهاره الحاضرين بمكان التفتيش فإن لم يوجد أحد منهم فبحضور شاهدين لا تكون ثمة بينهم وبين سلطات القضاء أو الشرطة تبعية).
وعلى قاضي التحقيق أن يلتزم بمقتضيات المادتين 45، 47 ولكن عليه أن يتخذ مقدما جميع الإجراءات اللازمة لضمان احترام كتمان سر المهنة وحقوق الدفاع ).
و لا يحق عند إجراء التفتيش إطلاع أي كان على الأشياء المضبوطة، و التي بعد احصاءها يتم وضعها في إحراز مختومة، و لا يجوز بعد ذلك فتحها إلا بحضور المتهم مصحوبا بمحاميه، أو الشخص الذي ضبطت لديه هذه الأشياء و هذا وفقا لمقتضيات المادة 84 ق.إ.ج: (إذا اقتضى الأمر أثناء إجراء تحقيق وجوب البحث عن مستندات فإن لقاضي التحقيق أو ضابط الشرطة القضائية المنوب عنه وحدهما الحق في الإطلاع عليها قبل ضبطها مع مراعاة ما تقتضيه ضرورات التحقيق وما توجبه الفقرة الثالثة من المادة 83.
ويجب على الفور إحصاء الأشياء والوثائق المضبوطة ووضعها في إحراز مختومة.
ولا يجوز فتح هذه الإحراز والوثائق إلا بحضور المتهم مصحوبا بمحاميه أو بعد استدعائهما قانونا كما يستدعى أيضا كل من ضبطت لديه هذه الأشياء لحضور هذا الإجراء ولا يجوز لقاضي التحقيق أن يضبط غير الأشياء والوثائق النافعة في إظهار الحقيقة أو التي قد يضر إفشاؤها بسير التحقيق ويجوز لمن يعنيهم الأمر الحصول على نفقتهم، وفي أقصر وقت على نسخة أو صورة فوتوغرافية لهذه الوثائق التي بقيت مضبوطة إذا لم تحل دون ذلك مقتضيات التحقيق.
وإذا اشتمل الضبط على نقود أو سبائك أو أوراق تجارية أو أوراق ذات قيمة مالية ولم يكن من الضرورة لإظهار الحقيقة أو المحافظة على حقوق أطراف الدعوى الاحتفاظ بها عينا فإنه يسوغ لقاضي التحقيق أن يصرح للكاتب بإيداعها بالخزينة.
ـ بالنسبة للمواعيد :
طبقا للمادة 47 ق.إ.ج يسمح لقاضي التحقيق بالتفتيش ليلا خارج النقاط المحددة قانونا، و هي حالة الجرائم الإرهابية، و كذلك طبقا للمادة 47 مكرر ق.إ.ج التي تسمح بها القانون القاضي الدخول عنوة للمساكن متى امتنع أصحابها عن ذلك، و في سبيل ذلك يجوز له الاستعانة بالقوة العمومية، ففي حالة الجنايات و الجرائم الموصوفة بالإرهابية أو التخريبية يقترن التفتيش استجواب المتهم مع دعوة محاميه، كما يجوز لقاضي التحقيق في هذه الجرائم تفتيش المتهم و ما يشبه مشاركتهم فيها أو الحيازة على أشياء تفيد إظهار الحقيقة و التي يقوم بضبطها قاضي التحقيق و حجزها في إحراز مختومة، و قد تكون أيضا أوراق أو وثائق تنفع في إظهار الحقيقة، أما النقود فيودعها في الخزينة العامة إذا لم تكن ضرورية في إظهار الحقيقة أو للحفاظ على حقوق أطراف الدعوى، و ذلك بحضور محامي المتهم و كل من ضبطت لديه الأشياء و الأوراق و المستندات.
حيث نصت المادة 47 ق.إ.ج: (لا يجوز البدء في تفتيش المساكن ومعاينتها قبل الساعة الخامسة (5) صباحا، ولا بعد الساعة الثامنة (8) مساء إلا إذا طلب صاحب المنزل ذلك أو وجهت نداءات من الداخل أو في الأحوال الاستثنائية المقررة قانونا .
غير أنه يجوز إجراء التفتيش و المعاينة والحجز في كل ساعة من ساعات النهار أو الليل قصد التحقيق في جميع الجرائم المعاقب عليها في المواد 342 إلى 348 من قانون العقوبات وذلك في داخل كل فندق أو منزل مفروش أو فندق عائلي أو محل لبيع المشروبات أو ناد أو منتدى أو مرقص أو أماكن المشاهدة العامة وملحقاتها ، وفي أي مكان مفتوح للعموم أو يرتاده الجمهور، إذا تحقق أن أشخاصا يستقبلون فيه عادة ممارسة الدعارة.
وعندما يتعلق الأمر بجرائم اﻟﻤﺨدرات أو الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية أو الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات وجرائم تبييض الأموال والإرهاب وكذا الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف فإنه يجوز إجراء التفتيش و المعاينة والحجز في كل محل سكني أو غير سكني في كل ساعة من ساعات النهار أو الليل وذلك بناء على إذن مسبق من وكيل الجمهورية اﻟﻤﺨتص .
عندما يتعلق الأمر بالجرائم المذكورة في الفقرة الثالثة أعلاه، يمكن قاضي التحقيق أن يقوم بأية عملية تفتيش أو حجز ليلا أو نهارا وفي أي مكان على امتداد التراب الوطني أو يأمر ضباط الشرطة القضائية اﻟﻤﺨتصين للقيام بذلك.
كما يمكنه اتخاذ التدابير الأخرى المنصوص عليها في التشريع المعمول به، وأن يأمر بأية تدابير تحفيظية، إما تلقائيا أو بناء على تسخير من النيابة العامة أو بناء على طلب من ضابط الشرطة القضائية.
لا تمس هذه الأحكام بالحفاظ على السر المهني المنصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة 45 من قانون الإجراءات الجزائية).
أما نص المادة 47 مكرر ق.إ.ج: (إذا حدث أثناء التحري في جريمة متلبس بها أو تحقيق متعلق بإحدى الجرائم المذكورة في المادة 47 الفقرة 3 من هذا القانون أن كان الشخص الذي يتم تفتيش مسكنه موقوفا للنظر أو محبوسا في مكان آخر وأن الحال يقتضي عدم نقله إلى ذلك المكان بسبب مخاطر جسيمة قد تمس بالنظام العام أو لاحتمال فراره ، أو اختفاء الأدلة خلال المدة اللازمة لنقله، يمكن أن يجري التفتيش بعد الموافقة المسبقة من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق وبحضور شاهدين مسخرين طبقا لأحكام المادة 45 من هذا القانون أو بحضور ممثل يعينه صاحب المسكن محل التفتيش) .
ج) الخبرة :
قد خول القانون لقاضي التحقيق من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم أن يصدر أمرا بإجراء الخبرة في مسائل ذات طابع فني، حيث نصت المادة 147 ق.إ.ج: (يجوز لقاضي التحقيق ندب خبير أو خبراء).
و الأصل أن يختار الخبير من بين الخبراء المسجلين في جدول المجلس القضائي و هذا وفقا للمادة 144 ق.إ.ج: (يختار الخبراء من الجدول الذي تعده المجالس القضائية بعد استطلاع رأي النيابة العامة).
فإذا كان طلب إجراء الخبرة من طرف الخصوم و كان رفض القاضي لذلك فيلزمه القانون تسبيب قراره برفض ندب الخبير طبقا للمادة 143/2 ق.إ.ج: ( وإذا رأى قاضي التحقيق أنه لا موجب للاستجابة لطلب الخبرة فعليه أن يصدر في ذلك أمرا مسببا في أجل ثلاثون (30) يوما من تاريخ استلامه الطلب) .
د) الشهادة :
الشهادة هي معلومات يدلي بها الشاهد أمام قاضي التحقيق في جريمة، كما يقصد بها سماع أشخاص ليسوا أطرافا في الدعوى العمومية، حيث يجوز للقاضي من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحد الخصوم سماع شهادة من يرى ضرورة سماعه، فالشهادة هي من أهم أدلة الإثبات في المسائل الجنائية بما تلعبه من دور في الكشف عن حقيقة الجريمة خاصة إذا تمت عقب ارتكابها و قبل ضياع معالمها.
إجراءات الإدلاء بالشهادة :
يقوم قاضي التحقيق باستدعاء الشاهد ليدلي بشهادته، و عملا بالمادة 97 ق.إ.ج يعتبر هذا الأخير ملزم بالحضور و حلف اليمين و أداء الشهادة مع مراعاة الأحكام القانونية المتعلقة بالسر المهني، حيث نصت المادة 97 ق.إ.ج: (كل شخص استدعي لسماع شهادته ملزم بالحضور وحلف اليمين وأداء الشهادة مع مراعاة الأحكام القانونية المتعلقة بسر المهنة).
غير أن القصر يتم سماعهم دون حلف اليمين حسب المادة 93/2 ق.إ.ج: (وتسمع شهادة القصر إلى سن السادسة عشر بغير حلف اليمين).
و يطلب من الشاهد قبل سماعه أن يذكر اسمه وعمره ومهنته وسكنه وتقرير ما كان له قرابة أو نسب للخصوم أو ملحق بخدمتهم أو ما إذا كان فاقدا الأهلية تبعا للمادة 93 ق.إ.ج التي نصت: (يطلب من الشهود قبل سماع شهادتهم عن الوقائع أن يذكر كل منهم اسمه ولقبه وعمره وحالته ومهنته وسكنه وتقرير ما كان له قرابة أو نسب للخصوم أو ملحق بخدمتهم أو ما إذا كان فاقدا الأهلية وينوه في المحضر عن هذه الأسئلة والأجوبة.
و يؤدي كل شاهد ويده اليمنى مرفوعة بالصيغة الآتية: « أقسم بالله العظيم أن أتكلم بغير حقد ولا خوف وأن أقول كل الحق ولا شيء غير الحق »
الأصل في الشهادة أن تسمع شفاهة إلا أنه يجوز أن تكون كتابة في حالات خاصة كالأصم و الأبكم طبقا للمادة 92 ق.إ.ج. التي نصت: (إذا كان الشاهد أصما أو أبكما توضع الأسئلة وتكون الإجابات بالكتابة وإذا لم يكن يعرف الكتابة يندب له قاضي التحقيق من تلقاء نفسه مترجما قادرا على التحدث معه ويذكر في المحضر اسم المترجم المنتدب ولقبه ومهنته وموطنه وينوه عن حلفه اليمين. ثم يوقع على المحضر).
الأشخاص الذين تمنع سماع شهادتهم :
ـ المدعي عليه مدنيا حسب مفهوم المادة 89 ق.إ.ج: (… يجوز لمن توجه ضده شكوى مصحوبة بادعاء بحق مدني أن يرفض سماعه بصفته شاهدا وعلى قاضي التحقيق أن ينبهه إلى ذلك بعد أن يحيطه علما بالشكوى وينوه بذلك في المحضر ولا يجوز لقاضي التحقيق في حالة الرفض أن يستجوبه حينئذ إلا بوصفه متهما).
ـ المدعي المدني إذا تم ادعاؤه مدنيا أمام قاضي التحقيق المادة 72 ق.إ.ج.
ـ الأشخاص الذين تقوم دلائل ضدهم قوية لأن سماعهم يعتبر إهدار لحق الدفاع المقرر للمتهم المادة 89/2 ق.إ.ج: ( ولا يجوز لقاضي التحقيق المناط به إجراء تحقيق ما ولا لرجال القضاء وضباط الشرطة القضائية المعهود إليهم القيام بإجراء بمقتضى إنابة قضائية بغية إحباط حقوق الدفاع الاستماع إلى شهادة أشخاص تقوم ضدهم دلائل قوية ومتوافقة على قيام اتهام في حقهم).
و) الاستجواب و المواجهة :
و يعرف الاستجواب بأنه مناقشة و مواجهة المتهم بالتهمة المنسوبة إليه و بالأدلة القائمة ضدهم طرف المحقق و مناقشته تفصيليا فيها، و مطالبته بإبداء رأيه فيما نسب إليه، فهو إجراء يعني المتهم، أما المواجهة فتعني مواجهة المتهم بالغير، أي مواجهته بمتهم أو متهمين آخرين أو بالشهود، و هو بهذا يختلف عن سؤال المتهم و سماع أقواله فيما هو منسوب إليه و إحاطته علما بنتائج التحقيق من حيث عدم تضمن سماع الأقوال مناقشة المعني مناقشة تفصيلية فيما يستند إليه. و يجري الاستجواب مع التنويه القاضي للمتهم بحقه في الاستعانة بمحام، و في حالة عدم اختياره يعين له محام متى طلب منه ذلك، كما يجب على المتهم إخطار قاضي التحقيق عن كل تغيير في العنوان كما له حق اختيار موطن في دائرة اختصاص المحكمة حيث نصت المادة 100 ق.إ.ج: (يتحقق قاضي التحقيق حين مثول المتهم لديه لأول مرة من هويته ويحيطه علما صراحة بكل واقعة من الوقائع المنسوبة إليه وينبهه بأنه حر في عدم الإدلاء بأي إقرار وينوه عن ذلك التنبيه في المحضر فإذا أراد المتهم أن يدلي بأقوال تلقاها قاضي التحقيق منه على الفور كما ينبغي للقاضي أن يوجه المتهم بأن له الحق في اختيار محام عنه فإن لم يختر محاميا عين له القاضي محاميا من تلقاء نفسه إذا طلب منه ذلك وينوه عن ذلك بالمحضر كما ينبغي للقاضي علاوة على ذلك أن ينبه المتهم إلى وجوب إخطاره بكل تغيير يطرأ على عنوانه ويجوز للمتهم اختيار مواطن له في دائرة اختصاص المحكمة).
ضمانات المتهم في الاستجواب :
وضع القانون قيودا على سلطة قاضي التحقيق أثناء مباشرة التحقيق، و هي مجموعة شروط يجب الالتزام بها عند استجواب المتهم بغرض التقليل من المبالغة في استعمال السلطة، هذه القيود أو الشروط تعتبر بدورها ضمانات للمتهم، أحاط بها المشرع استجوابه استدعتها مناقشة المتهم التفصيلية في أقواله و مواجهته بالأدلة القائمة ضده، التي قد تؤدي به إلى الحرج و الاضطراب، و الإدلاء بأقوال قد لا تكون في صالحه و على قاضي التحقيق الالتزام بها و هي:
جهة التحقيق :
يجوز لقاضي التحقيق إجراء استجواب المتهم و مواجهته بنفسه أو إنابة غيره من قضاة المحكمة، أو أحد ضباط الشرطة القضائية للقيام بعمل من أعمال التحقيق، حيث نصت المادة 138 ق.إ.ج: (يجوز لقاضي التحقيق أن يكلف بطريق الإنابة القضائية أي قاض من قضاة محكمته أو أي ضابط من ضباط الشرطة القضائية المختصة بالعمل في تلك الدائرة أو أي قاض من قضاة التحقيق بالقيام بما يراه لازما من إجراءات التحقيق في الأماكن الخاضعة للجهة القضائية التي يتبعها كل منهم…ولا يجوز أن يأمر فيها إلا باتخاذ إجراءات التحقيق المتعلقة مباشرة بالمعاقبة على جريمة التي تنصب عليها المتابعة).
عند مباشرة الإنابة القضائية يتمتع القاضي و مأمور الضبط القضائي المنيب بجميع صلاحيات قاضي التحقيق، دون أن يكون التفويض عاما، مع عدم جواز قيام مأمور الضبط القضائي باستجواب المتهم، أو مواجهته، أو سماع أقوال المدعي المدني، حيث نصت المادة 139 ق.إ.ج: (يقوم القضاة أو ضباط الشرطة القضائية المنتدبون للتنفيذ بجميع السلطات المخولة لقاضي التحقيق ضمن حدود الإنابة القضائية غير أنه ليس لقاضي التحقيق أن يعطي بطريق الإنابة القضائية تفويضا عاما.
ولا يجوز لضباط الشرطة القضائية استجواب المتهم أو القيام بمواجهته أو سماع أقوال المدعي المدني).
استجواب المتهم و لو لمرة واحدة :
يجب على قاضي التحقيق قبل الأمر بإيداع المتهم الحبس أو إحالته على الجهات القضائية المختصة أن يستجوبه و لو مرة واحدة كما يستجوب المتهم في الحال لبعض الأوامر التحقيق كالأمر بالإحضار (المادة 112 ق.إ.ج) الأمر بالقبض (المادة 121 ق.إ.ج) خلال 48 ساعة من اعتقاله، و الأمر بالإيداع (المادة 118 ق.إ.ج) التي تقرر جميعها وجوب استجواب المتهم قبل تقرير إيداعه في مؤسسة عقابية، و أن الأمر بإيداع في مؤسسة عقابية فيكون بناء على أمر قضائي.
حرية المتهم في إبداء أقواله :
طبقا للمادة 100 ق.إ.ج فإن المتهم حر في إبداء أقواله بحرية و له الحق في الامتناع عن الكلام بالصمت و عدم الإجابة عن أسئلة قاضي التحقيق الموجهة إليه، فأوجب القانون على عاتق قاضي التحقيق واجب إخطار المتهم بهذا الأمر و إحاطته علما و صراحة بكل الوقائع المنسوبة إليه و حريته في الإدلاء أو عدم الإدلاء بأي قرار مع التنويه عن ذلك في المحضر.
عدم تحليف المتهم اليمين :
يعفي القانون المتهم بأن يحلف اليمين لأن الأصل فيه أنه برئ مما ينسب إليه إلى حين إقامة الدليل ضده من طرف الادعاء العام و صدور حكم بذلك طبقا للمادة 89 ق.إ.ج، التي نصت: (يتعين على كل شخص أستدعي بواسطة أحد أعوان القوة العمومية لسماع شهادته أن يحضر ويؤدي اليمين عند الاقتضاء ويدلي بشهادته وإلا عوقب بمقتضى نص المادة 97 غير أنه يجوز لمن توجه ضده شكوى مصحوبة بادعاء بحق مدني أن يرفض سماعه بصفته شاهدا وعلى قاضي التحقيق أن ينبهه إلى ذلك بعد أن يحيطه علما بالشكوى وينوه بذلك في المحضر ولا يجوز لقاضي التحقيق في حالة الرفض أن يستجوبه حينئذ إلا بوصفه متهما.
ولا يجوز لقاضي التحقيق المناط به إجراء تحقيق ما ولا لرجال القضاء وضباط الشرطة القضائية المعهود إليهم القيام بإجراء بمقتضى إنابة قضائية بغية إحباط حقوق الدفاع الاستماع إلى شهادة أشخاص تقوم ضدهم دلائل قوية ومتوافقة على قيام اتهام في حقهم) .
حق المتهم في الدفاع و الاستعانة بمحام و إحاطته بالتهمة أو الوقائع المنسوبة إليه :
نصت المادة 100 ق.إ.ج: (يتحقق قاضي التحقيق حين مثول المتهم لديه لأول مرة من هويته ويحيطه علما صراحة بكل واقعة من الوقائع المنسوبة إليه وينبهه بأنه حر في عدم الإدلاء بأي إقرار وينوه عن ذلك التنبيه في المحضر فإذا أراد المتهم أن يدلي بأقوال تلقاها قاضي التحقيق منه على الفور كما ينبغي للقاضي أن يوجه المتهم بأن له الحق في اختيار محام عنه فإن لم يختر محاميا عين له القاضي محاميا من تلقاء نفسه إذا طلب منه ذلك وينوه عن ذلك بالمحضر كما ينبغي للقاضي علاوة على ذلك أن ينبه المتهم إلى وجوب إخطاره بكل تغيير يطرأ على عنوانه ويجوز للمتهم اختيار مواطن له في دائرة اختصاص المحكمة).
دعوة المحامي لحضور الاستجواب :
طبقا لنص المادة 105فقرة 2 ق.إ.ج فان محامي المتهم يتم استدعاءه بكتاب موصى عليه بيومين، فهذا الاستدعاء هو بمثابة التزام قانوني على عاتق قاضي التحقيق بوجوب القيام به في كل استجواب، كما أن للمحامي لا يجوز له الكلام فيما عدا توجيه الأسئلة بتصريح من القاضي، نصت المادة 105 فقرة 2 ق.إ.ج : (و يستدعى المحامي بكتاب موصى عليه يرسل إليه بيومين على الأقل قبل استجواب المتهم أو سماع الطرف المدني حسب الحالة).
كما يمكن استدعاء محامي المتهم شفاهة و يقوم قاضي التحقيق بتثبيت ذلك في المحضر المادة 105 فقرة 3 ق.إ.ج.
السماح للمحامي بالإطلاع على ملف موكله :
طبقا للمادة 105 فقرة 4 ق.إ.ج: (و يجب أن يوضع ملف الإجراءات تحت طلب محامي المتهم قبل كل استجواب بأربع وعشرين ساعة على الأقل كما يجب أن يوضع تحت طلب محامي المدعي المدني قبل سماع أقواله بأربع وعشرين ساعة على الأقل).
عدم الفصل بين المحامى و موكله :
إن لقاضي التحقيق سلطة منع المتهم من الاتصال بغيره لمدة حددها القانون حرصا على سير التحقيق، إلا أن هذه السلطة لا تعني فصل المتهم عن محاميه، فلهذا الأخير حرية الاتصال بموكله بعد الحضور الأول متى شاء.
حكم إطالة الاستجواب لإرهاق المتهم :
المادة 150 من الدستور تنص على حماية القانون للمتقاضين من أي تعسف أو انحراف يصدر من القاضي، ففي حالة تعذر الاستجواب في الأمر بالإحضار أو القبض أو الإيداع، يودع المتهم في مؤسسة عقابية و لا تتجاوز هذه المدة 48 ساعة المقررة قانونا لاستجوابه قبل انقضاءها من القاضي الآمر أو من أي قاض آخر و إلا أخلى سبيله لأن عدم استجوابه و بقائه في الحبس يعتبر حبسا تعسفيا.
ي) تحرير محضر الاستجواب :
طبقا للمادة 108 ق.إ.ج تحرر محاضر الاستجواب و المواجهات وفق الأوضاع المنصوص عليها في المادتين 94 و 95 ق.إ.ج، و في حالة استدعاء مترجم تطبق أحكام المادتين 91 و 92 ق.إ.ج، حيث يستخلص من هذه النصوص ما يلي :
1 ـ تحرير محضر الاستجواب بواسطة كاتب التحقيق.
2 ـ استدعاء مترجم كلما رأى قاضي التحقيق ضرورة لذلك بشرط أن لا يكون من الشهود أو كاتب التحقيق، و يؤدي اليمين ما لم يكن قد أداها سابقا.
3 ـ كتابة الشهادة في حالة عاهة كالصم و البكم، و في حالة معرفة هذا الشاهد الكتابة يسأل و يجيب كتابة، و في حالة العكس يندب له قاضي التحقيق مترجم خاص.
4 ـ التوقيع على المحضر و على كل صفحة من صفحاته من طرف قاضي التحقيق و الكاتب و المتهم، في حالة امتناع المتهم عن ذلك أو تعذره ينوه في المحضر بهذا الوضع.
5 ـ أن تكون المحاضر نظيفة غير محشوة بمعلومات أو تحشير بين السطور، و إذا كان عليها تخريج يصادق عليها قاضي التحقيق و الكاتب و الشاهد و المترجم، كما يستطيع قاضي التحقيق قبل إقفال التحقيق و التصرف فيه أن يجري استجوابا إجماليا في مواد الجنايات فقط طبقا للمادة 108 فقرة 2 ق.إ.ج.

خاتمة :
إن موضوع التحقيق رغم كونه موضوعا شيقا، إلا أنه شائك ولا يستطيع هذا البحث الموجز أن يلم به إلماما من كافة الجوانب، وتعد مرحلة التحقيق من أكثر المراحل تعقيدا في الدعوى الجنائية، نظرا لتنوع إجراءاتها وتعدد الجهات التي تقوم بها، فضلا عن كونها مرحلة تتعرض فيها حقوق وحريات الأفراد للمساس، فتتقيد حرية المتهم بكشف أسراره ويتعرض مسكنه وشخصه للتفتيش، ورغم كل ذلك قد ينتهي التحقيق في النهاية إلى حفظ الدعوى أو الأمر بأنه لا وجه لإقامتها، أو ببراءة المتهم في النهاية.
ورغم ما أحرزته الانظمة القانونية الحديثة من تقدم وتطور في مجال حقوق الانسان، ووضع مختلف القواعد التي تستهدف توفير المزيد من الضمانات التي تحمي حقوق الإنسان، وحريات الأفراد من أشكال التعسف والتحكم فإنها لم تستطع بلوغ المستوى الذي بلغته الشريعة الإسلامية فضلا عن أسبقية أحكام الشريعة المتعلقة بضمانات الأفراد أمام القضاء وهي أكثر واقعية ونجاعة على صعيد التطبيق الميداني وأن الشريعة الإسلامية بصفتها شريعة ربانية نصت على كل المبادئ المتعلقة بالمشتبه فيه، والتي توصل إليها الفقه القانوني والقضاء، ولكن بصورة أعمق وأشمل وأدق وأعدل وأصح فهي بذلك تبرهن بحق أنها صالحة لكل زمان ومكان.
ومن تم يجب إحاطتها بسياج منيع من الضمانات وذلك لكي تمارس هذه الاجراءات بشكل يضمن الموازنة بين حق المجتمع في الوصول للحقيقة من جهة، وحق المتهم من تعسف السلطة إذ أن غاية التحقيق هي معرفة الحقيقة والوصول إليها، ولا يتحقق ذلك إلا بالنتائج المتوصل إليها والمتمثلة في:
- ألا يبقى تعيين قضاة التحقيق للقيام بهذه المهمة من قبل النيابة العامة، وإنما يوكل لرئيس المحكمة بوضع جدول سنوي لقضاة التحقيق يعينن بناء عليه في جميع القضايا مهما اختلف نوعها.
- لابد من إقامة التوازن بين مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد، إذ لا يمكن الاعتداء على حريات الافراد، إلا إذا كانت هناك أدلة مؤكدة على ارتكاب الشخص فعلا يعاقب عليه القانون.
- أن تحاط إجراءات التحقيق بضمانات تقي المتهم من تعسف السلطة المختصة بالتحقيق، تماشيا مع الاعلانات والاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
التحقيق ، القضائي ، الجزائر ،









الساعة الآن 08:51 AM