logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





25-11-2023 06:44 صباحاً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 30-03-2013
رقم العضوية : 157
المشاركات : 461
الجنس :
الدعوات : 12
قوة السمعة : 310
المستوي : آخر
الوظــيفة : كاتب

التعليق على المادة 110 من القانون المدني الجزائري
ﺴﻟطﺔ اﻟﻘﺎﻀﻲ ﻓﻲ ﺘﻌدﻴل ﻤﻀﻤون ﻋﻘد اﻹذﻋﺎن.
نص المادة 110 ق م ج : { إذا تم العقد بطريقة الاذعان، وكان قد تضمن شروطا تعسفية، جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها،وذلك وفقا لما تقضي به العدالة ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك }.

أولا التحليل الشكلي لنص المادة 110 ق م .
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 110 ق م .

cvawBSC
أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي.
تنص المادة 110 : { إذا تم العقد بطريقة الاذعان، وكان قد تضمن شروطا تعسفية، جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها.
وذلك وفقا لما تقضي به العدالة ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك }.

موقع النص القانوني :
يقع هذا النص ( المادة 110) في الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني،و قد جاء في الكتاب الثاني منه عنوانه الإلتزامات و العقود  ، من الباب الأول وعنوانه مصادر الإلتزام ، في الفصل الثاني وعنوانه العقد ، القسم الثالث و عنوانه آثار العقد.

البناء المطبعي :
النص عبارة على مادة قانونية هي المادة 110 من القانون المدني تتألف من فقرتين،  .
الفقرة الأولى : تبدأ من " إذا تم " وتنتهي عند " المذعن منها " ،الفقرة الثانية :  تبدأ من " وذلك "  وتنتهي عند " خلاف ذلك " .


البناء اللغوي والنحوي :
استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت فقرات المادة 110 من القانون المدني محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع، ﺴﻟطﺔ اﻟﻘﺎﻀﻲ ﻓﻲ ﺘﻌدﻴل ﻤﻀﻤون ﻋﻘد اﻹذﻋﺎن و كمثال على ذلك نشير إلى :
" العقد " ، " الاذعان " ، " جاز للقاضي " " العدالة " .

البناء المنطقي : 
جاء البناء المنطقي للمادة 110 من القانون المدني متسلسلا ما أعطى للنص صفة السهولة و الوضوح نلاحظ ان المادة بدأت بعبارة " إذا تم " وهنا ظرف للزمان المستقبل يفيد معنى الشرط لأحد المتعاقدين و ربطها بحرف عطف "و" في الفقرة الثانية من المادة .

نلاحظ أن المادة اعتمدت أسلوبا شرطيا .


ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 110 ق م يتضح أن المشرع قد بين بأن للقاضي سلطة ﻓﻲ ﺘﻌدﻴل شروط العقود التي تتضمن إذعان، و أن كل إتفاق علي خلاف هذا المبدأ يعد باطلا.


تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 110 ق م يمكن  طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
هل تعتبر عقود الإذعان حقيقة صورة من صور التراضي أم قيد من قيود الإرادة وما هي الآليات التى وضعها المشرع الجزائري لحماية الطرف الضعيف فيها ؟


التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الأول : ماهية عقد الإذعان و طبيعته القانونية.
المطلب الأول : تعريف و خصائص عقد الإذعان.
المطلب الثاني : الطبيعة القانونية لعقود الإذعان.
المبحث الثاني : الأحكام الخاصة لحماية الطرف الضعيف في عقود الإذعان.
المطلب الأول : سلطة القاضي في تعديل أو إعفاء الطرف الضعيف من الشروط التعسفية.
المطلب الثاني : سلطة القاضي في تفسير العقد لمصلحة المذعن مدينا أو دائن.
خاتمة.

مقدمة :
الأصل في العقود أنها تقوم على مبدأ حرية التعاقد القائم على مبدأ سلطان الإرادة والتوازن في المصالح المتواخاة من إبرامها، كما أن المبدأ في التعاقد حرية كل طرف في المناقشة والتفاوض بشأن بنود العقد، إلا أن هناك نوعا من العقود ليست كذلك ، إذ يضع فيها أحد الطرفين لوحده شروط العقد دون مشورة أو تفاوض مع الطرف الثاني، والذي ما عليه إلا أن يقبلها أو يرفضها كلية وبالتالي فالقبول فيها  أقرب إلى التسليم منه إلى الرضا.
ويتعلق الأمر بالعقود التي يتمتع فيها الموجب بسلطة احتكار قانوي أو  فعلى لسلعة أو خدمة ما تشكل ضرورة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال ، مما يجعل من يريد التعاقد معه إلا الرضوخ له والإذعان لشروطه ، الشيء الذي يؤتر على تطابق إرادي المتعاقدين ، ويخل بالتوازن للعلاقة التعاقدية النابجمة عن إبرام العقد، لذللك تدخل معظم المشرعين ومنهم المشرع الجزائري بسنه حماية قانونية للطرف المذعن لإعادة التوازن لهذه العلاقة .
وذلك بوسيلتين تتعلق الأولى بسلطة  القاضى في التدخل في عقود الإذعان لصالح المذعن، إذ خوله المشرع سلطة تعديل العقد أو الإعفاء من الشروط التعسفية الواردة في العقد (المادة 110 ق م.ج ) ، وتتعلق الثانية بتفسير العقد لصالح المذعن سواء كان مدينا أو دائنا عندما يكون هناك شك في معرفة الإرادة المشتركة للمتعاقدين استثناء للقاعدة التي مفادها أن الشك يؤول فى مصلحة المدين (مادة 112 فقرة 2 ق.م.ج).

المبحث الأول : ماهية عقد الإذعان و طبيعته القانونية
المطلب الأول : تعريف و خصائص عقد الإذعان :


الفرع الأول : تعريف عقد الإذعان :
عند علماء اللغة  كلمة " الإذعان" لغةً تعني الانقياد والإقرار والذلة والإسراع في الطاعة. نقول : أذعن له إذا سلس وانقاد، وهو مذعن وأذعن. هذا هو المعنى اللغوي لكلمة الإذعان، والمعنى الاصطلاحي لهذه الكلمة لا يخرج عن معناها اللغوي.
أطلقت تسمية لعقد الإذعان من طرف الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري أيضا الذي اعتبر أن العقد يكون عقد إذعان عندما يكون القبول مجرد إذعان لما يميله الموجب، فالقابل للعقد لم يصدر قبوله بعد مناقشة ومفاوضة ، بل هو في موقفه من الموجب لا يملك إلا أن يأخذ أو يدع .



ولما كان في حاجة إلي التعاقد على شيء لا غناء عنه فهو ملزم بالقبول فرضاءه موجود لكنه مفروض عليه. وحيث لم يجمع الفقهاء على تعريف واحد لعقد الإذعان، وكذا فإن التشريعات لم تحدد له تعريفا، ومن الناحية الفقهية تعددت التعريفات لعقد الإذعان التي تنـصـب حول نفس المعنى تقريباً نذكر منها : عقد الإذعان هو محض تغليب لإرادة واحدة تتصرف بصورة منفردة وتملي قانونها، ليس على فرد محدد بل على مجموعة غير محددة، وتفرضها مسبقا ومن جانب واحد ولا ينقصها سوى إذعان من يقبل قانون العقد .


الأصل أن المتعاقدين لا يبرمان العقد إلا بعد مفاوضات ومناقشات في شروطه، الهدف منها الوصول إلى أفضل الشروط المناسبة للمتعاقدين، ولكن بعد تطور المجتمع  أدت ضروريات الحياة إلى ظهور عقود ذات طبيعة خاصة تعمل علــى تلبية حاجات الأفراد الضرورية، أطلقت عليها عقود الإذعان.


الفرع الثاني : خصائص عقد الاذعان :
ما يميز عقد الاذعان عن غيره من العقود ، هو عدم وجود حوار مسبق أو مساوومة سواء من أحد أطرافه أو من الغير بل ان تحديد محتوى العقد و مضمونه أي شروطه كان بارادة مقصودة و هذه الارادة المحددة لشروط العقد لا ينقصها سوى انضمام ارادة أخرى كي ترتب أثار قانونية.
يتيح التحرير الأحادي الجانب لعقود الإذعان إدخال شروط مغايرة للقانون، لأن محرر عقد مطبق بشكل موحد على عديد كبير من المتعاقدين يمكنه من أن يدخل شروطا تخفف من التزامات المذعن و تنقل التزامات المتعاقد معه ومثال ذلك يحدد البائع تمن البيع حسب تعريفاته الخاصة بتاريخ التسليم يحتفظ لنفسه بإمكانية تعديل خصائص الشيء دون تخفيض الثمن، يعفي نفسه من الضمان كليا أو جزئيا، و النص على تمديد العقد أو فسخه دون الرجوع الطرف الأخر .


وفي حالات معينة قد يساهم المنضم الى هذه العقود في وضع شروط العقد، الا أنه يبقى دائما في مركز التابع بالنسبة الى الموجب، و عليه فان الحماية من هاته العقود يتم حسب طبيعة كل عقد و لهذا لجأ المشرع الجزائري على غرار المشرع الفرنسي الى انشاء لجنة الشروط التعسفية لحماية المستهلك من ضعف اعلامه و المامه بحتوی العقد و هذا ما يتميز به عقد الاذعان و من أهم خصائصه في رأينا هما، وضع شروط غير قابلة لتفاوض و هي في نفس الوقت محددة مسبقا.

1-شروط غير قابلة للتفاوض :
يقصد به الطابع التنظيمي للعقد من جانب واحد أي بصفة منفردة، غير أن هذا النوع من العقود غير شخصي، لأنه يوجه بصفة عامة و ليس الى شخص معين بذات، و يوجد في شكل نمطي مفصل و يضم قائمة من الشروط غير قابلة للمناقشة.


2-شروط محدد مسبقا :
ينفرد الموجب بتحرير العقد نتيجة تمتعه بقوة اقتصادية و مصدر هذه القوة عادة هو الاحتكار القانوني ( مثل النقل بالسكك الحديدية عقود الكهرباء و الغاز و المياه) أوالاحتكار الفعلي ( عقد التأمين، عقد النقل البحري والجوي، عقد بيع السيارات الجديدة ). غير أن الراجح في الفقه القانوني، أن عقد الاذعان له ثلاثة خصائص تميزه عن غيره من العقود :
أ- عندما يكون محل العقد سلعة أو خدمة.
من الضروريات بالنسبة للمستهلكين بصفة عامة أو المنتفعين بحيث لا يمكنهم الاستغناء عنها دون أن يلحقهم أذى أو مشقة.


ب- أن تكون السلع أو الخدمة أي المرفق محتكرة ( من جانب الموجب).
سواء كان احتكارا قانونيا أو فعليا أو وجود منافسة محدودة النطاق بشأنها. و هذه الخاصية ناتجة عن عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية بين المهني و الطرف الضعيف. لأن الموجب باحتكاره لسلعة أو خدمة ملزم بالاستجابة . ولا يحق له أن يرفض القبول الا لسبب مشروع و الا كان رفضه تعسفا في استعمال الحق.
فاذا كان من حق الموجب كقاعدة عامة أن يرفض التعاقد، الا أنه بالنسبة الى من يتمتع باحتكار قانوني أو فعلي و يرفض التعاقد دون سبب مشروع .


ج- أن يكون الايجاب صادر الى جمهور المستهلكين.
و بشروط متماثلة مطبوعة مسبقا و غير قابلة لنقاش، و غالبا ما تكون في صورة عقود مطبوعة تحتوي على شروط لمدة غير محدودة ، أي بصفة دائمة.  ومنه يمكن القول بأن لكل من القبول و الايجاب في عقد الاذعان خصائص بارزة. فالإيجاب يصدر من (المهني) الذي يتمتع بمركز اقتصادي قوي، أما القبول فيصدر من شخص (المستهلك) الطرف الضعيف، و هو مضطر لتعاقد لتلبية حاجياته.


المطلب الثاني : الطبيعة القانونية لعقود الإذعان :
لقد ظهرت عقود الإذعان كنتيجة لإحتكار بعض المرافق العامة احتكارا قانونيا أو فعليا، فقد أصبحت هناك شركات تحتكر خدمة من الخدمات الضرورية للمجتمع، كخدمة المياه، أو الكهرباء أو الغاز، أو النقل ، كما أن المصالح العامة للدولة قد تولت مرافق البريد والهاتف والبرق إلخ... والعقود التي تبرم بشأن هذه الخدمات يضعها المحتكر أو تضعها المصلحة العامة في نموذج موحد، لا تقبل شروطها التعديل فيها، وما على المتعاقد الأخر إلا أن يقبل هذه الشروط كلها كما وردت وعندها يكون متعاقدا ، وإما أن يرفضها كلها فلا يكون متعاقدا ، فالإرادتان في مثل هذه العقود ليستا متساويتين ، بحيث أن إرادة المحتكر تملى وإرادة المشترك تذعن أي ترضح، وعلى هذا فإنعقد الإذعان contrat d'Adhésion هو ذلك العقد الذي يتحدد بنوده بصفة كلية أو جزئية وتتم صياغتها بصيغة عامة ومجردة في الفترة قبل  التعاقدية.


كما يتمثل الإذعان في أن من وضع محتوى العقد في الفترة ما قبل التعاقدية وهو أحد أطراف  العقد ، هو من يقدم إيجابا مجدد التفاصيل ولا يمكن لمن وجه إليه هذا الإيجاب المفصل القيام بأي اقتراح  للتعديل ويكمن قبوله في الموافقة أو عدم الموافقة على إبرام العقد ، لذلك فإن لعقد الإذعان طرفان ، الطرف الأول وهو من يعدد شروط العقد ويسمى المشترط وهو الطرف القوي في العقد ويكون في مركز متفوق على الطرف الثاني في العقد وهو الطرف الضعيف ويسمى المذعن .


التعليق على المادة 110 من القانون المدني الجزائري ﺴﻟطﺔ اﻟﻘﺎﻀﻲ ﻓﻲ ﺘﻌدﻴل ﻤﻀﻤون ﻋﻘد اﻹذﻋﺎن.
ويكون هذا الأخير في مركز متدني عن مركز المشترط ، وهده الدونية نابجة بشكل أساسي من دونية المذعن في تقرير محتوى العقد ، بمعنى أن محتواه تم إعداده بدونه أي لم يشارك فيه ، وبالنتيجة يكون دوره في العملية التعاقدية دور المنفعل ، في حين أن المشترط هو الفاعل ، لأنه كان له الوقت الكاي في التفكير وبكل أريحية في تقرير شروط العقد من جهة ، ومن جهة أخرى فإن تجربته في التعامل تجعله يعدل ي تقرير هذه الشروط ، ولا شك أن الفقه المعاصر عندما سلم بإعطاء الطابع التعاقدي هذا النمط من التصرفات على الرغم من غياب التفاوض لأن هذه الشروط العقدية المحررة مسبقا لا تكون لها القوة الملزمة أتجاه المذعن إلا بعدما أن يسلم بها اذ تبقى شروط العقد مجرد مشروع ما لم يرضى بها المذعن.


وعلى هدا الأساس يمكن القول أن عامل تقدير محتوى العقد يعتبر العنصر الأساسي عند تحديد مفهوم عقد الإذعان ، و به يتم التمييز بين طري العقد وتحديد القوي فيه من الضعيف ، دون الأخذ بعين  الاعتبار توازن القوى الاقتصادية الموجودة عند إبرام العقد ،وهو الذي يجدد مفهوم الإذعان كونه تصرفا  يعبر فيه أحد الأطراف عن إرادته الصريحة أو الضمنية في الرضوخ والإذعان لشروط الطرف الأخر ، مما يعني في النهاية أن معيار وجود عنصر الإذعان من عدمه يقارن بمدى وجود القدرة على مناقشة الشروط العقدية من عدمها فإن لم توجد هذه القدرة كنا بصدد عقد الإذعان .  


المبحث الثاني: الأحكام الخاصة لحماية الطرف الضعيف في عقود الإذعان
لكون القبول للعرض الموجه من طرف المشترط في عقود الإذعان هو ي الحقيقة تسليم وخضوع. لإرادة الطرف القوي ، وهو ما يلاحظ أثناء التعامل في مثل هكذا عقود فإبرام عقد مع شركة سونلغاز أو الجزائرية للمياه مثلا ما هو إلا تسليم لشروطها ، لكن وعلى الرغم من التفاوت و الفارق بين كلتا الإرادتين المتعاقدتين فإن ذلك لا يرقي. لدرجة تغييب رضا الطرف الضعيف ما دام حر في قبول التعاقد من عدمه ، واعتبار للفارق في الإمكانيات المتاحة لكل طرف .


فإن المشرع الجزائري قيد الطرف القوي فيها بقيد عدم التعسف في وضع شروط العقد. إذا أجاز للقاضى تعديل هذه الشروط أو الإعفاء منها كلية ، وهو ما تناولته المادة 110 ق م ج و له أي القاضى سلطة تقديرية في تحديد الشرط المجحف وجعل ذلك من النظام العام بنصه على أن يقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك مما ، و لذلك عتبرت عقود الإذعان خروجا على قاعدة العقد شريعة المتعاقدين . وعلى أساس أن عقود الإذعان غالبا ما ترد بها شروط تضر بمصلحة الطرف المذعن فإن المشرع الجزائري. خصه بحماية قانونية خاصة والتي تتم بوسيلتين الأولى تتمثل في منح سلطة للقاضي. في تعديل هذه الشروط التعسفية أو الإعفاء منها و الثانية خاصة بتفسيرالعقد.


المطلب الأول : سلطة القاضي في تعديل أو إعفاء الطرف الضعيف من الشروط التعسفية :
إن التطورات التي عرفتها الحرية الاقتصادية خلال القرن الثامن عشر. و التي هي في الواقع ثمرة مبدأ سلطان الإرادة و التي تولد عنها ظهور تشريعات قائمة على مبدأ " دعه يعمل أتركه يمر " هذا المبدأ الذي سمح للأشخاص بتبادل الثروات و الخدمات و التعاقد فيما بينهم بكل حرية . مما أدى إلى قيام علاقات أكثر عادلا فيما بينهم و أكثر فائدة من الناحية الاجتماعية . لكن الإدعاء بأن حرية التعاقد يترتب عنه تلقائيا تحقيق التوازن العادل في الاداءات.


يفترض أن يكون هناك تكافؤ من كلا المتعاقدين في التفاوض ونقاش ما عرضه أحدها على الآخر من شروط . و لأحدهما قبول هذه الشروط أو البحث عن الأحسن منها في مكان أخر و عندها يمكن التحدث بأن الحرية التعاقدية تحقق فعلا توازن الاداءات . إذ أنه يلاحظ في بعض العقود أن الأمر ليس كذلك ، فأحد المتعاقدين فيهما طرف قوي يضع بنود أو قانون العقد و الأخر ما عليه إلا القبول أو الترك ، بما يمنع توازن الأداءات ، وهو ما يظهر بكل وضوح في عقود الإذعان فشروط العقد المقترحة مفروضة دون أية مناقشة تذكر ، والحرية الاقتصادية ما هي إلا حرية اسمية مادام أنه لا توجد مساواة بين أطراف العقد إذا كان قبول المذعن لإيجاب المشترط قبولا اضطراريا لكونه تم بإرادته الحرة فهو قبولا عن رضا من طرفه ،وحماية له من تعسف المشترط.


سلطة القاضي في تعديل العقد
فإن المشرع الجزائري خصه بحماية قانونية إذ نصت المادة 110 ق م .م. ج على أنه: (( إذ تم العقد بطريقة الإذعان و كان قد تضمن شروطا تعسفية ، جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفى الطرف المذعن منها ، و ذلك وفقا لما تقصى به العدالة ، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك )) .
و بمقتضي هذه المادة للمذعن الحق في اللجوء للقضاء لتعديل الشروط التعسفية. الواردة في العقد وللقاضي أن يعفي المذعن منها متي راى أنها بالغة التعسف ، فيصبح العقد ساري المفعول دون تلك الشروط ، كما أنه يعتبر كل اتفاق على خلاف ذلك باطلا بطلانا مطلقا ، وسلطة القاضي في التعديل أو الإعفاء من الشروط التعسفية سلطة تقديرية خاضعة لمقتضيات العدالة .
وبذلك أصبح الآن التعديل للعقد أو مراجعة شروطه أمرا. مألوفا وذلك بقصد تحقيق هدفين :


الهدف الأول :
تفادي عدم العدالة الناتج عن عدم المساس ببنود العقد الأولية التي وردت في العقد . وذلك في حالة ارتفاع الأسعار فعدم العدالة اللاحقة للتعاقد لا تقل شأنا عن عدم العدالة المتحققة وقت إبرام العقد.


الهدف الثاني :
كما يقصد بتعديل العقد تحقيق المصلحة العامة لتحقيق المقتضيات السياسة الاقتصادية فقد. يتدخل المشرع لتخفيض الأداءات المالية المتفق عليها ليس لكون الأسعار انخفضت وإنما بهدف تحقيق. سياسة محاربة الانكماش وليس لإعادة توازن أداءات المتعاقدين.
وبذلك فأحكام المادة 110 ق م ج بإعطائها للقاضى سلطة تعديل العقد والتي لا تقتصر على تفسيره . بل تتعداه إلى تعديله مما يشكل قيدا من القيود الواردة على مبدأ سلطان الإرادة .

كما أن عموم وشمول هذا النص ما هو في الحقيقة إلا أداة قوية في يد القاضى لحماية الطرف المذعن من الشروط التعسفية التى تفرضها الشركات العملاقة على صغار المستهلكين .


و تبقى سلطة تقدير الشرط ما إن كان شرطا تعسفيا أم لا تؤول للقاضى وحده ، فإن إتضح له أن هذا الشرط أو ذاك شرطا تعسفيا له أن يعدله أو يعفي المذعن منه ، أما إذا لم يتضح له كذلك تركه على حاله .
وفي هذا الصدد يرى الأستاذ الدكتور محسن عبد الحميد البيه أن الشروط تعتبر تعسفية إذا جاءت. متجافية مع ما ينبغي أن يسود التعامل من روح الحق والعدل . و إذا كان الشرط تعسفيا فإنه للطرف المذعن أن يطلب من القاضى رفع هذا التعسف أو الإعفاء منه .
وتحديد وصف التعسف من عدمه متروك لسلطة القاضي وفقا للعدالة ولا يخضع القاضى فيه لرقابة المحكمة العليا . لذلك لا يمكن للمذعن مطالبة ذلك أمام محكمة النقض حتى لا تختلط لديها مسائل الواقع مع مسائل القانون .


سلطة القاضي في تعديل العقد
كما تجدر الإشارة أنه لا يمكن للمتعاقدين أن يتفقوا على عدم تعديل أو إلغاء بعض الشروط التي ممكن أن تقدر أنها تعسفية ، لأن تعطيل سلطة القاضي بشأن تحديد ما إن كانت هذه الشروط تعسفية ام لا من النظام العام و يقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك . ولو جاز ذلك لتعطلت الحماية التي أرادها المشرع من ذلك الحكم . ويبقى الطرف المذعن وهو الضعيف في العقد بدون حماية.


زيادة على ذلك فإن تعديل الشروط التعسفية الواردة في عقد الإذعان أو الإعفاء منها يكون بناءا على طلب الطرف المذعن. وذلك حفاظا على حياد القاضى و بالتالي فلا يجوز أن يتصدى لها من تلقاء نفسه . لذلك فإننا نؤيد ما ياه الأستاذ الدكتور بودالي محمد في ضرورة الاعتراف للقضاء بسلطة إنارة التعديل أو الإعفاء من الشروط التعسفية، من تلقاء نفسه وذلك بمناسبة نظره في دعوى التنفيذ أو وفسخ العقد الأصلي كما هو معمول به في بعض التشريعات الأوروبية على اعتبار أن ذلك يساهم في بناء نظام قضائي متكامل للحماية من الشروط التعسفية .


المطلب الثاني : سلطة القاضي في تفسير العقد لمصلحة المذعن مدينا أو دائن :
يتضح أن المشرع الجزائري حدد ثلاث حالات. لتفسير عبارات العقد لمصلحة المذعن بدءا من  :
1- حالة وضوح عبارة العقد.
والتي لا يجوز فيها الانحراف عن المعنى الظاهر لها .
2- الحالة الثانية إذا كانت عبارة العقد غامضة.
فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين .
3-تليها الحالة الثالثة وهي حالة الشك.
في معرفة هذه الإرادة وهنا تفسر العبارات. لمصلحة المدين الملتزم و استثناء المصلحة المذعن.

لقد وضعت م 111 ق .م.ج القاعدة العامة في تفسير العقود إذ نصت على أنه :
" إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تأويلها للتعرف. على إرادة المتعاقدين أما إذا كان هناك محل لتأويل العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين. دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي. أن يتوفر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقا للعرف الجاري في المعاملات ".


و بناءا عليه فإن عملا بأحكام المادة 112 / ف1 من ق.م. ج فإنه في حالة الشك في معرفة الإرادة أو النية الحقيقية للمتعاقدين فإن ذلك الشك يفسر لمصلحة المدين كأصل عام وذلك على اعتبار أن الإنسان بريء حتى يثبت الدليل أنه مدين و هو ما أكدته المادة 323 من ق.م.ج.
و قد تكرس هذا المبدأ في عدة قرارات للمحكمة العليا نذكر منها  :



القرار رقم 53577 الصادر بتاريخ 22-06-1998 و الذي جاء فيه :
"من المقرر قانونا أن على الدائن إثبات الالتزام و على المدين إثبات التخلص منه ." ومن ثم فإن القضاء بما يخالف ذلك يعد مخالفا للقانون.
ولما كان من الثابت – في قضية الحال- أن قضاة الموضوع بقضائهم على الطاعن بإرجاع المبلغ المطالب به من طرف المطعون ضده دون مطالبته بإقامة الدليل على ادعائه يكونوا قد خالفوا القانون.
ومتى كان كذلك استوجب نقض وإبطال القرار المطعون فيه.


- وعلى هذا وطبقا للمادة 112 فقرة 2 من ق م ج فإنه يتعين تفسير الشك في معرفة الإرادة أو النية المشتركة للمتعاقدين في مصلحة الطرف المذعن في عقود الإذعان سواء أن كان دائنا أو مدينا ، وهذا الاستثناء جاء تأسيسا على أن المذعن هو الطرف الضعيف اقتصاديا .
وبالتالي فإن الطرف القوي هو الذي يستقل بتحرير العقد وبنوده فإذا كانت عبارات العقد وشروطه غامضة وجب أن لا يستفيد. من هذا الغموض لأنه هو واضعه أو صانعه وهو من تسبب فيه ، كما خص المشرع الجزائري في إطار حماية المستهلك بحماية خاصة للمستهلك إذ فسر الشك في العقود الاستهلاكية الغامضة غير المتوازنة لمصلحته .


سلطة القاضي في تفسير العقد لمصلحة المذعن
لذلك يكون المتدخل الاقتصادي ( التاجر أو الحرفي أو (المهني هو الطرف القوي في الاستهلاك لما لديه من معلومات عن البضاعة محل التعاقد و لما له من كفاءة وخبرة وقدرة مالية لا تتوفر لدى المستهلك (المواد 18، 17، 19، 20 من القانون رقم 09-03 : المؤرخ في 25-02-2009 المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش ).
وعلى نفس المنوال تدخل المشرع في عقد العمل لحماية مصلحة العامل ، والأمر كذلك بالنسبة للعقود النموذجية أو النمطية والتي تتحمل مسؤولية إعدادها الأطراف القوية فيها ، ويفسر الشك فيها لغير صالحها إذا وردت فيها شروط تعسفية أو غامضة بكونها لها من الإمكانيات و الوسائل ما يجعل من شروط العقود التي أعدتها أن تكون واضحة ولا لبس فيها.


جدير بالذكر أن بعض الفقه يقول بان لفظ المدين ينبغي أن يفسر ليس على المعنى الفني المألوف له أي الشخص الذي يتحمل عبء الالتزام ، ولكن يؤخذ بمعنى الشخص الذي يسبب له الشرط عند تنفيذه ضررا حتى ولو كان دائنا في الالتزام ، وإذا كان هذا هو الأصل في تفسير الشك لمصلحة المدين ، فإن المشرع الجزائري أورد استثناء فيما يتعلق بعقود الإذعان ، إذ يفسر الشك فيها لمصلحة الطرف المذعن مدينا كان أو دائنا ، وأن هذا الأخير في حاجة إلى حمايته والأخذ بيده.


سلطة القاضي في تفسير العقد لمصلحة المذعن
وبذلك تم العمل بخلاف للقاعدة العامة في تفسير الشك لمصلحة الطرف المذعن مهما كانت صفته ( دائنا أو مدينا ، فإذا أملى القوي إرادته على المذعن وهو الضعيف بطبيعة الحال ، وكان ما أملاه من شروط غامضا أو مبهما ، فإنه يعد مقصرا ومخطئا ويفسر ذلك الغموض أو الإبهام لمصلحة المذعن.


و هذا الاستثناء مؤسس على أن الطرف المذعن هو الطرف الضعيف اقتصاديا مما يستوجب حمايته . كما أن الطرف الأخر وهو الطرف القوي في العقد وهو من يعد بنوده فإذا احتوى العقد إبهاما أو تقصيرا فيؤول ذلك الإبهام والتقصير إليه. كما أنه من العدل أن يتحمل مسؤولية تقصيره في إيضاح شروط العقد. التي أملاها وفرضها على المستهلك والذي قبلها بخضوع وإذعان.


لكل هذه الأسباب خرج المشرع الجزائري عن الأصل في تفسير عبارات العقد . فبعد أن نص في الفقرة الأولى من المادة 212 ق.م. ج على أن الشك يفسر لمصلحة المدين قرر في الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة العمل بالاستثناء وذلك بالنص على أنه : " لا يجوز أن يكون تأويل العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضارا بمصلحة الطرف المذعن " .
وبالتالي تفسير العبارات الغامضة لمصلحة المذعن حتى ولو كان دائنا ، لاسيما وأن طرفي العقد ليسوا على حد سواء من حيث القوة ، إذ أن هناك طرف قوي اقتصاديا والأخر ضعيف ، وأن رضاء الضعيف في العقد أقرب إلى التسليم منه إلى القبول الاختياري.


كما يجد هذا الاستثناء بتبريره كذلك في أن المذعن ما كان عليه إلا الخضوع للشروط الذي انفرد بموضعها الطرف القوي و لا يملك أي قدرة على مناقشتها وما عليه إلا قبولها كلية أو تركها كلية ، لذلك من باب العدالة أن حالة الشك تفسر لمصلحته مهما كانت الصفة التي كان عليها دائنا أو مدينا.


خاتمة :
لقد نشأت عقود الإذعان نتيجة للتطور الاقتصادي الحديث الذي أدى إلى ظهور شركات ومؤسسات ضخمة تتمتع باحتكار قانون أو فعلي لسلعة أو خدمة تعتبر من الضروريات الأساسية للمستهلك ولا يمكنه الاستغناء عنها كما هو الحال في توزيع المياه والكهرباء والغاز، الهاتف، الإيجار، القرض، النقل، التأمين وغيرها، وتدون هذه الشروط التي لم يناقشها المستهلك في وصل أو فاتورة أو تذكرة تقدم من طرف المحتكر ( الطرف القوي ) في العقد ولا تقبل مناقشة من الطرف الثاني، مما جعله مضطرا للرضوخ والتسليم بها كما هي، و تصبح تلك الشروط عقدا له قوته الملزمة اتجاه عاقديه وبمثابة القانون بالنسبة لهما، وذلك طبقا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين.


لذلك وحماية  للطرف الضعيف في هذا العقد، خرج المشرع الجزائري عن هذه القاعدة  ومنح للمذعن حق اللجوء للقضاء  للتعديل أو الإعفاء من هذه الشروط التعسفية وفقا لما تقتضيه به العدالة وجعل ذلك من النظام العام ، ومن جهة أخرى وضع استثناء بخصوص قاعدة تفسير الشك لمصلحة المدين، إذ نص على أنه لا يجوز أن يكون تأويل العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضارا بمصلحة الطرف المذعن مدينا كان أو دائنا.


قائمة المراجع :
1- القوانين :
الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني.
2- الكتب :

- على فيلالي الالتزامات النظرية العامة للعقد موفم للنشر - الجزائر - الطبعة الثالثة - 2013 .
- بلحاج العربي النظرية العامة الالتزام في القانون المدني الجزائري الجزء الأول - ديوان المطبوعات الجامعية - الجزائر - طبعة 2008 .
- بلحاج العربي - نظرية العقد في القانون المدني الجزائري - ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر-2015.
- محمد صبري السعدي الواضح في شرح القانون المدني النظرية العامة للالتزامات - العقد والإرادة المنفردة - دار الهدى - عين مليلة الجزائر -2012.
- أحمد سليمان شهيب السعداوي - جواد كاظم جواد سمسم مصادر الإلتزام مكتبة زين الحقوقية والأدبية بيروت لبنان - الطبعة الأولى -2015.
- بودالي محمد - الشروط التعسفية في العقود في القانون المدني الجزائري - دار هومة للنشر والتوزيع - الجزائر -2007.


- أحسن زقور - المقارنة بين فقه المعاملات المالكي والقانون المدني الجزائري -منشورات دار الأديب - وهران الجزائر .
- أمجد محمد منصور النظرية العامة للإلتزامات مكتبة الوفاء القانونية الإسكندرية مصر الطبعة الأولى - الإصدار الخامس - 2009.
- بلحاج العربي - مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري – الجزء الثاني المصادر الإرادية العقد والإرادة المنفردة - دار هومة للنشر والتوزيع الجزائر 2014.
- عبد الرزاق احمد السنهوري شرح القانون المدني - النظرية العامة للالتزامات.
- علي علي سليمان - النظرية العامة الالتزامات مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري - ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر -2015.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
التعليق ، المادة ، القانون ، المدني ، الجزائري ،









الساعة الآن 03:02 PM