التعليق على المادة 80 من القانون المدني الجزائري
التعبير الصريح والتعبير الضمني عن الارادة و تقرير المساعد القضائي.
أولا التحليل الشكلي لنص المادة 80 ق م .
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 80 ق م .
أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
تنص المادة 80 ق م : { إذا كان الشخص أصم أبكم، أو أعمى أصم، أو أعمى أبكم، وتعذر عليه بسبب تلك الـعـاهـة التعبير عن إرادته، جاز للمحكمة أن تعين له مساعدا قضائيا يعاونه في التصرفات التي تقتضـيـهـا مصلحته. ويكون قابلا للإبطال كل تصرف عين من أجله مـسـاعــد قـضــائي إذا صـدر مـن الشخص الذي تقررت مساعدته بدون حضور المساعد بعد تسجيل قرار المساعدة }.
موقع النص القانوني :
يقع هذا النص ( المادة 80) في الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني،و قد جاء في الكتاب الثاني منه عنوانه الإلتزامات و العقود ، من الباب الأول وعنوانه مصادر الإلتزام ، في الفصل الثاني وعنوانه العقد ، القسم الثاني و عنوانه شروط العقد.
البناء المطبعي :
النص عبارة على مادة قانونية هي المادة 80 من القانون المدني تتألف من فقرتين، .
الفقرة الأولى : تبدأ من " إذا كان " وتنتهي عند " تقتضيها مصلحته " ،الفقرة الثانية : تبدأ من " ويكون قابلا " وتنتهي عند " قرار المساعدة " .
البناء اللغوي والنحوي :
استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت فقرات المادة 80 من القانون المدني محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع، التعبير عن الإرادة و شروط تعيين المساعد القضائي و كمثال على ذلك نشير إلى :
" التعبير عن إرادته " ، " مساعدا قضائيا " ، " قابلا للإبطال " .
البناء المنطقي :
جاء البناء المنطقي للمادة 80 من القانون المدني متسلسلا ما أعطى للنص صفة السهولة و الوضوح نلاحظ ان المادة بدأت بعبارة " إذا كان " وهنا ظرف للزمان المستقبل يفيد معنى الشرط لأحد المتعاقدين و ربطها بحرف عطف "و" في الفقرة الثانية من المادة " يكون قابلا " وهنا يقصد العقد أنه يكون قابلا للإبطال .
نلاحظ أن المادة اعتمدت أسلوبا شرطيا .
ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 80 ق م يتضح أن المشرع قد بين بأن الشخص الذي يعاني من إعاقة تمنعه من التعبير عن إرادته، يجوز للمحكمة أن تعين له مساعد قضائي يعاونه في تصرفاته ، كما وضح لنا بأن الشخص الذي عين له مساعد قضائي ، تكون تصرفاته قابلة للإبطال إن لم يكن حاضرا المساعد القضائي الذي عين لمساعدته عند القيام بها.
تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 80 ق م يمكن طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
ماهي طرق التعبير عن الإرادة ؟ وماهي أسباب تعيين المساعد القضائي ؟
التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الاول : وجود الارادة و طرق التعبير عنها.
المطلب الأول : معنى التعبير عن الارادة و وجودها.
المطلب الثاني : طرق التعبير عن الارادة.
المبحث الثاني : تقرير المساعدة القضائية و الحالات الخاصة بها.
المطلب الأول : تقرير المساعدة القضائية.
المطلب الثاني : حالات تقرير المساعدة القضائية
المبحث الثالث : آثار تقرير المساعدة القضائية
المطلب الأول : حكم تصرف المشمول بالمساعدة القضائية
المطلب الثاني : حكم تصرف المساعد القضائي.
خاتمة.
.
المبحث الاول : وجود الارادة و طرق التعبير عنها.
المطلب الأول : معنى التعبير عن الارادة و وجودها :
الفرع الأول : معنى التعبير عن الارادة :
معنى الإرادة يكون في رغبة كل إنسان تجاه ما يسعى إليه، وتكون في قدرة الإنسان على الاختيار بين الشيء الذي يريده، والشي الذي لا يريده، وهي الدافع الأقوى التي تدفع الإنسان للقيام بتصرفه، ان الارادة هي ذاتها عمل نفسي لا يعلم به الا صاحبه و هي لا تتخذ مظهرها الاجتماعي و بالتالي لا يعتد بها القانون الا بالعبير عنها و المبدا العام في انعقاد العقد هو الرضائية فلا يشترط القانون الجزائري مظهرا خاصا او طريقة خاصة يتعين ان يتم بها تعبير الشخص عن ارادته فيكون التعبير عن الارادة باللفظ او الكتابة او بالاشارة المتداولة عرفا.او باتخاذ موقف لايدع اي شك في دلالته على حقيقة صاحبه و قد يكون التعبير عن الارادة صريحا كما قد يكون ضمنيا فالتعبير يكون صريحا اذا قصد به صاحبه احاطة الغير علما بارادته بطريقة مباشرة كالكلام او الكتابة او الاشارة المفهمة التي لها دلالة بين الناس او باتخاذ موقف يدل على حقيقة المقصود.كوقوف سيارة الاجرة في موقفها و يكون التعبير عن الارادة ضمنيا اذا كان المظهر الذي اتخذه ليس في ذاته موضوعا للكشف عن الارادة ولكن مع ذلك لايمكن تفسيره دون ان يفترض وجود الارادة كالدائن الذي يسلم الدين للمدين اذ في هذا دليل انه اراد انقضاء الدين مالم يثبت عكس ذلك.
.
الفرع الثاني : معنى و جود الارادة :
يقصد بالإرادة انعقاد العزم على إجراء العملية القانونية محل التعاقد و توافر الإرادة بهذا المعنى يستوجب أن يعقل الإنسان معنى التصرف الذي يبرمه إن وجود الارادة سواء كانت ايجابا او قبولا هو صدورها من شخص لديه ارادة ذاتية يعتد بها القانون بنية احداث اثر قانوني معين .
اذا كان الشخص قادرا على ان يرضى جرى البحث عن امر اخر هو توافر النية لدى هذا الشخص في ترتيب اثر قانوني اذ قد يكون هازلا او مجاملا و في كلتا الحالتين لا يكون ملتزما و قد تنعدم الارادة لدى الشخص فعلا كمن فقد الوعي لسكر او مرض او غيبة عقلية كما انه قد تتحقق الارادة الذاتية لدى الشخص فعلا .و لكنها لا تكون منتجة لاثرها القانوني لعدم اعتداد القانون بها ذلك ان القانون لا يعتد الا بارادة الشخص المميز فلا ينعقد العقد مع فاقد التمييز كالطفل غير المميز و المجنون و كذا في حالات انعدام الارادة او عدم جديتها و قاضي الموضوع هو الذي يقرر توافر هذه النية او عدم توافرها.
أولا : أساس الإرادة الإدراك :
لكي يتوافر الرضا بالعقد لابد أن توجد الإرادة في كل من طرفيه و الإرادة يقصد بها أن يكون الشخص مدركا لما هو مقدم عليه و لذلك ربط القانون بين الإدراك و التمييز.و لذلك أيضا ربط القانون بينه و بين التمييز فالشخص عديم الإدراك فاقد التمييز كالصغير غير المميز و المجنون.
.
ثانيا : اتجاه الإرادة لإحداث أثر قانوني :
يجب الاعتبار بالإرادة أن نتيجة لإحداث أثر قانوني فعبرة الإرادة في دائرة المجاملات الاجتماعية كتعهد شخص بتقديم خدمة مجانية فهنا لا ينشأ عقد، و لكن يترتب عليه التزام قانوني من جانب المتعاهد له.و كذلك لا يعتد بالإرادة الهازلة، أو مقترنة بتحفظ ذهني يدركه الطرف الآخر و لا يعتد بالإرادة المعلقة شرط المشيئة و لا بالإرادة الصورية، فإن الإرادة في جميع هذه الأحوال تعتبر غير موجودة أصلا.
.
المطلب الثاني : طرق التعبير عن الارادة :
الفرع الأول : التعبير الصريح :
هو ذلك التعبير الذي يقصد به صاحبه الكشف عن إرادته بطريقة مباشرة و قد يكون التعبير باللفظ أو بالكتابة أو بالإشارة المتداولة عرفا أو باتخاذ موقف يدل دلالة واضحة على إرادة صاحبه.التعبير الصريح هو إفصاح عن الإرادة بطريقة مباشرة كالكلام أو بأي طريقة تظهر وتكشف عن الإرادة حسب ما هو مألوف بين الناس وبالتالي التعبير الصريح هو الذي يكون المظهر الذي اتخذه كالكلام والكتابة ونحو ذلك مظهرا موضوعا في حد ذاته للكشف عن الإرادة حسب ما هو مألوف بين الناس .
قد يكون التعبير الصريح بالكلام وهو الغالب، وهذا باستعمال الألفاظ الدالة على ما ينطوي في النفس من إرادة، وقد يكون الكلام مباشرة أو بواسطة جهاز كالهاتف.
وقد يكون التعبير بالكتابة سواء بصفة شخصية كالرسالة أو غير شخصية كإعلان في الصحف وقد يكون التعبير بالإشارة مثل تحريك الرأس عموديا دلالة على الموافقة كما .
.
يكون التعبير الصريح باتخاذ موقف أو القيام بعمل ليس فيه شك على مقصود إرادة صاحبه، كعرض تاجر لسلعة مع بيان أثمانها.إذا فالتعبير الصريح هو الذي يدل بذاته ودون حاجة إلى توضيح، ومباشرة على اتجاه إرادة صاحب التعبير، وعليه فالتعبير الصريح له دلالة ذاتية غير متوقفة على ما يدعمها أو يكملها، ودون حاجة إلى تفسيرها وترجيح ما يمكن أن تعنيه.- المدرسة الالمانية التي ظهرت في منتصف القرن 19 ترى ان القانون انما يعنى بالظواهر الاجتماعية دون الظواهر النفسية و على ذلك يجب الاعتداد بالارادة الظاهرة او الاعلان عن الارادة لان في هذا ما يضمن سلامة المعاملات و استقرارها و لا يتطلب اصحاب هذه المدرسة ان ياخذ الاعلان شكلا معينا بل يكتفون بمجرد الاعلان سواء اتخذ طريقا صريحا او طريقا ضمنيا و متى تم الاعلان وصادف الاعلان مطابقا انعقد العقد و لايقبل بعد ذلك اثبات مخالفة الاعلان لحقيقة الارادة.
.
الفرع الثاني: التعبير الضمني :
ويكون التعبير عن الإرادة ضمنيا إذا اتخذ المعبر مظهرا يدل بطريقة غير مباشرة عن نيته مثل :
أن يبيع الشخص شيء عرف عرض عليه لكي يشتريه إذ أن هذا التصرف يدل على قبوله الشراء.التعبير الضمني عن الإرادة هو الذي يكشف عن الإرادة بطريق غير مباشر وذلك عن طريق استنباط التعبيرعن الإرادة من أفعال يقوم بها الشخص، وهذه الأفعال لا تعد بذاتها تعبيرًا مباشرًا عن الإرادة ولكنها مجرد إشارة تكشف عن تلك الإرادة وتنطوي عليها ، هذا ما ذهبت إليه المادة 60 فقرة 2 قانون المدني حيث أن التعبير عن الإرادة يتجه الي الإيجاب والقبول و يمكن أن يكون ضمنيًا من خلال طرق التعبير عنها ومن الأمثلة على التعبير الضمني "بقاء المستأجر في المأجور بعد انتهاء مدة الإيجار وسكوت المؤجر مع علمه بذلك واستلامه الأجر من المستأجر دون اعتراض وكذلك أن يعرض شيء على شخص ليشتريه فيقوم هذا الشخص ببيعه فهذا تعبير قبول ضمني منه بشرائه المدرسة الفرنسية.
.
تعتد بالارادة الكامنة اي الباطنة كظاهرة سيكولوجية و مادام الالتزام يستند الى ارادة الملتزم فالعبرة بارادته الحقيقية لا العلامة الخارجية التي تدل عليها و ان كانت ضرورية لانشائه فالتعبير في منطق هذه المدرسة ليس الا دليلا على الارادة يقبل اثبات العكس اي ان التعبير لا يؤخذ به الا بالقدر الذي يتفق فيه مع الارادة الحقيقية.وظاهر من مقارنة هاتين النظريتين انهما تختلفان اختلافا واضحا من حيث الاساس النظري و الفلسفي غير ان هذا الاختلاف ليس كبيرا من الناحية العملية و القانونية ومع ذلك لا يمكن في العمل الاخذ باحدى النظريتين بصفة مطلقة و اهمال الاخرى بل يتعين اذا اخذ باحدى هما الاعتداد بما تقضي به الاخرى و لو في حدود معينة و هذا ما قم به المشرع الجزائري في التقنين المدني و الذي اخذ بالارادة الباطنة مع التحقيق من نتائجها كما انه في كثير من الحالات اعتد بالارادة الظاهرة .
.
المبحث الثاني : تقرير المساعدة القضائية و الآثار المترتبة عنها.
المطلب الأول : تقرير المساعدة القضائية :
في المساعدة القضائية لا بد من وجود طرفين هما : المساعد القضائى ، والمشمول بالمساعدة، لذا كان علينا أن ندرس الشروط المطلوبة في المساعد القضائي ، ثم في المساعد .
.
الفرع الأول : الشروط المتعلقة بالمساعد القضائي :
لم ينص المشرع الجزائري مثله مثل باقي التشريعات على الشروط الواجب توافرها في المساعد القضائي ، غير أنه وبالنظر إلى المقصود من المساعدة القضائية وهو معاونة الشخص غير القادر على التعبير عن إرادته بشكل سليم رغم كمال أهليته ، فإنه لا بد أن تتوافر فيه الشروط اللازمة في الولي والوصي ، خصوصا وأن بعض التشريعات جعلت تعيين وصي بدلا عن مساعد قضائي في مثل هذه الحالات ، على غرار ، والمشرع الجزائري سابقا .
وبناء على ذلك لا بد أن يكون المساعد القضائي كامل الأهلية ، أي بالغا ، عاقلا ، غير محجور فقولنا باشتراط بلوغه سن الرشد وهو تسع عشرة سنة لا نعتي به أن المميز لا يمكنه التعبير عن إرادته بشكل سليم أو مساعدة غيره في ذلك ، غاية الأمر أنه إذا كان المساعد القضائي مميزا فإن تصرفه نفسه يكون عرضة للإبطال ، وتلافيا لذلك قلنا بوجوب بلوغه سن الرشد .
.
وبالنسبة إلى قولنا : «عاقلا» ، فغير العاقل لجنون أو عته ، غير أهل لمباشرة التصرفات لنفسه ، فكيف يكون أهلا لمباشرتها لغيره حتـى ولو على سبيل المساعدة .
أما القول : « غير محجور عليه » ، فالحجر إما أن يجعل تصرفات الشـخص باطلة كما في المجنون والمعتوه ، والمحكوم عليه بعقوبة جناية ، وإما أن يجعلها قابلة للإبطال كما فى حالة السفه والغفلة ، وفي كل الحالات لا يمكن لهذا لشخص أن يكون معينا لغيره في إبرام التصرفات القانونية .
بيد أن هذه الشروط لا تكفي في نظرنا حتى يكون الشخص أهلا لأن يكون مساعدا قضائيا ، إذ لا بد له أن يكون عدلا وكفؤا فعدالته تتمثل في حسن سيرته ونزاهته حتى يكون أمينا في معاملته مع من تعررت المساعدة بحقه ، وكفاءته يمكن تفسيرها بكونه يتمتع بخبرة كافية في فهم إرادته ، فيكون عارفا بلغـة الإشارات إذا كان الشخص المراد مساعدته أصم أبكم ، أو عارفا بلغة الكتابة الخاصة بالمكفوفين إذا كان الشخص أعمى أبكم ، أو أعمى أصم.
.
الفرع الثاني : الشروط المتعلقة بالمشمول بالمساعدة القضائية :
طبقا لنص المادة 80 من التقنين المدني ، تكون المساعدة القضائية مقررة لمن اجتمعت فيه عاهتان تتعلق بحاستي البصر والسمع ، يضاف إليهما النطق .
إذا حتى تتقرر المساعدة القضائية لا بد من اجتماع عاهتين بالشخص في آن واحد ، فإن وجدت عاهة واحدة فلا محل لتقريرها.
ذلك أن العاهة الواحدة ليست عائقا كبيرا في التعبير عن الإرادة؛ فالأعمى مثلا الذي يسمع ويتكلم تصرفاته قانونا كلها صحيحة ، وحتى في الفقه الإسلامي نجد أن تصرفاته وسائر عقوده صحيحة عند كل من الحنفية والحنابلة والظاهرية ، ويشترط المالكية أن لا يكون التصرف مما يحتاج إلى الرؤية لمعرفته ، أما الشافعية فقالوا بأن تصرفاته في المعاملات صحيحة إلا فيما لا يصح السلم فيها.
.
والاخرس كذلك كامل الأهلية ، وتصرفاته صحيحة ، وتعبيره عن إرادته يكون بالإشارة ، وقد أجمع الفقه الإسلامي على أن إشارة الأخرس هي وسيلة أصلية للتعبير عن الإرادة لديه. إلا في بعض المسائل كاللعان والقذف ففيهما خلاف.
غير أن هذا الشرط وحده غير كاف ، إذ يجب فوق ذلك أن يتعـذر علـى ذي العاهتين أن يعبر عن إرادته ، أو يكون من غير السهل عليه أن يحيط بظروف التعاقد، لأنه إذا كان قادرا على التعبير عن إرادته بشكل سليم كأن يكون أصم أبكم ، ويتقن لغة الإشارة ، وتعامله كان مع شخص مثله أو يجيد هذه اللغة ، فإنه لا يكون بحاجة إلى شخص يساعده على إبرام عقد ما . وهذا راجع إلى أن ذا العاهتين شخص بالغ عاقل ، لولا العاهتان لما احتاج إلى من يعينه .
لكن حتى مع تعذر تعبير ذي العاهتين عن إرادته بشكل سليم ، تبقى مسألة تقرير المساعدة له مسألة جوازية ، ذلك أن نص المادة 80 لم يوجب هذا الأمر بل أعطى الحرية للقاضي في تعيين المساعد أو عدم تعيينه .
.
المطلب الثاني : حالات تقرير المساعدة القضائية :
إن تقرير المساعدة القضائية منوط بتوافر إحدى الحالتين : ازدواج العاهـة أو العجز الجسماني الشديد .
الفرع الأول : حالة ازدواج العاهة :
إذا كان الشخص مزدوج العاهة بأن كان أعمى أصم ، أو أعمى أبكم ، أو أصم أبكم ، وتعذر عليه التعبير عن إرادته بأي وسيلة أخرى كالكتابـة أو الإشارة ، فإن لمن له مصلحة في تعيين المساعد القضائي أن يقدم طلبا إلى المحكمة لأجل ذلك؛ فيكون للخلف العام الحق في هذا الطلب دون غيره.
هذا إذا كان الشخص مزدوج العاهة ، لكن ماذا لو كان الشخص ثلاثـي لعاهة ، لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم ، هل يمكن تعيين مساعد قضائى له يعينه على إجراء التصرفات القانونية أم يعتبر عديم الأهلية فيكون تحت الولاية أو الوصاية .
يقول الدكتور رمضان أبو السعود بأنه يشترط لتقرير المساعدة القضائية أن يكون الشخص مصابا بعاهتين على الأقل. وهذا يقتضي أن من كانت به العاهات الثلاث معا مشمول بالنص ، فيمكن أن يعين له مساعد قضائي يعينه في إبرام التصرفات .
غير أننا لا نتفق معه كل الانفاق في هذه المسألة التي تقتضي بعض التفصيل والتدقيق؛ ففي نطرنا يجب أن نفرق بين حالتين : حالة كون العاهة الثلاثيـة أصلية ، أي وجدت مع الشخص منذ ولادته ، وبين طروئها بعد ذلك .
.
الحالة الأولى :
فإذا كان الشخص قد ولد أعمى أصم أبكم ، فإنه من المستحيل عليه أن يدرك ما حوله ، فيكون بمثابة المجنون والمعتوه والصبي غير المميز ، وبالتالي فجميع تصرفاته تكون باطلة ، ولا يكون محلا للمساعدة القضائية وإلما محلا للو لاية أو الوصاية .
.
الحالة الثانية :
أما إذا كانت العاهات قد طرأت عليه بعد زمن من ولادته ، فإننا نفرق بين فرضين : الأول كون الشخص قد اكتسب معارف وقدرات تجعـل بإمكانه التواصل مع الغير ، بأن يكون قد أدرك في وقت سابق المعارف الـتي تتعلق بالمعاملة التي سيجريها ، وأن يكون قد تعلم الكتابة أو لغة الإشارة ليبلغ إرادته للغير ، وأن يكون قد تعلم إحدى لغات القراءة الخاصة بالمكفوفين حتى يصله تعبير غيره .
ففي هذه الحالة نقول إنه بالإمكان تعيين مساعد قضائي له يكون ذا خبرة في مجال الإشارات ولغة العمي .
والفرض الثاني هو كون الشخص لم يتلق معارف مسبقة حول التصرف القانوني المراد إجراؤه إلا إذا أمكن توضيحه له ولم يكن قادرا على الكتابة أو التعامل بالإشارة ، وبالخصوص إذا لم يكن متعلما لغة المكفوفين، فإن حكمه مثل حكم من كانت به هذه العاهات منذ ولادته ، فيكون محلا للولاية أو الوصاية وليس المساعدة القضائية .
.
الفرع الثاني : حالة المصاب بعجز جسماني شديد :
لم ينص المشرع الجزائري على هذه الحالة مع أنها شبيهة بحالة ازدواج العاهة، فالشخص قد لا يكون أعمى أصم ، أو أعمى أبكم ، أو أصم أبكم ، ولكنه مع ذلك هو غير قادر على التعبير عن إرادته بشكل سليم ، أو يصعب عليه الإلمام بظروف التعاقد بشكل واضح .
فمن كان مشلولا شللا نصفيا مثلا ، أو أن حواسه ضعيفة إلى درجة تجعله قريبا من فاقدها ، بأن يكون ضعيف السمع والبصر ضعفا شديدا لا يبلغ مبلغ الصمم والعمى، فإنه يكون في حكم ذي العاهتين ، ويكون جديرا بالحمايـة ومن ثم بتقرير المساعدة القضائية .
كذلك قد يجتمع هذا العجز مع عاهة أو أكثر ، مما يجعل تعبيره عن إرادته صعبا أو مستحيلا .
.
المبحث الثالث : آثار تقرير المساعدة القضائية :
إذا كان الهدف من تقرير المساعدة القضائية هو معاونة المشمول بها سواء كان ذا عاهتين أم ذا عجز جسمانى شديد في إبرام التصرفات القانونية ، لتكون سليمة ونافذة وغير مهددة بالإبطال؛ فإنتا نقف عند بعض المسائل التي تقتضي منا البحث في النصوص القانونية وفي غير النصوص لنحصل على الإجابة عليها .
ومن هذه المسائل أن المشمول بالمساعدة القضائية قد يباشر تصرفا قانونيا قبل أن يعين له مساعد قضائي ، وقد يباشره بعد تعيينه . وإذا باشر التصرف بعد تعيين المساعد قد يقوم به منفردا أو بمعية المساعد القضائى كذلك ، هذا المساعد القضائي قد يرفض أن يعين المشمول بالمساعدة في إبرام تصرف قانوني معين ، كما قد يقوم هو بمباشرته دون الرجـوع إلى رأي المشمول بالمساعدة أو رغم رفضه له .
كل هذه المسائل سنحاول أن نجيب عنها من خلال المطلبين المواليين .
.
المطلب الأول : حكم تصرف المشمول بالمساعدة القضائية :
يختلف حكم تصرف من تقررت المساعدة القضائية له فيما لو أبرمه قبل تسجيل قرار المساعدة. وهذا ما سنبينه من خلال الفرع الأول ، عن حكم تصرفه بعد ذلك ، وهو ما نردفه في الفرع الموالي .
.
الفرع الأول : حكم تصرفه قبل تعيين المساعد القضائي :
إن المشمول بالمساعدة القضائية ليس عديم الأهلية فيكون تصرفه باطلا بطلانا مطلقا ، وليس ناقصها حتى يكون تصرفه قابلا للإبطال وفق التقنين المدني أو موقوفا وفق تقنين الأسرة.
وبناء على ذلك يتعين أن يكون التصرف الذي يباشره قبل أن يعين له مساعد قضائى صحيحا نافذا، وما هذا إلا تطبيق للقواعد العامة في القانون ، وذلك بالرجوع إلى نص المادة 40 من التقنين المدني .
ويمكن أن نستخلص ذلك أيضا من خلال نص المادة 80 من التقنين المدني بمفهوم المخالفة ، فهي إذ تقضي بقابلية التصرف للإبطال بعد تسجيل قرار المساعدة القضائية فإنها تقضي بعدم قابليته للإبطال قبل تسجيل القرار .
ومما سبق يمكن القول إن جميع تصرفات ذي العاهتين أو من به عجز جسماني شديد ، قبل تعيين المساعد القضائي له ، صحيحة ولا يمكن إبطالها إلا لسبب آخر كوجود غلط أو تدليس أو إكراه أو نقص في الأهلية ، أو في الحالات الخاصة الأخرى التي نص عليها القانون .
.
الفرع الثاني : حكم تصرفه بعد تعيين المساعد القضائي :
إذا تم تقرير المساعدة القضائية لشخص ما لأحد الأسباب المذكورة سابقا . وجب اشتراك المساعد مع من تقررت المساعدة لمصلحته في مباشرة التصرفات التي تقررت المساعدة بشأنها . ويكون حينها التصرف صحيحا غير قابل للإبطال .
غير أنه إذا انفرد المشمول بالمساعدة القضائية بمباشرة هذا التصرف دون أن يعينه عليه المساعد القضائي . كان التصرف قابلا للإبطال ، وهذا ما نصت عليه المادة 280 من التقنين المدني الجزائري ، والنصوص المقابلة لها. والقابلية للإبطال هنا هي لمصلحة من تقررت له المساعدة القضائية.
ويملك المساعد القضائي حق المطالبة بإبطال التصرف القانوني.
فتعيين المساعد القضائي هو بمثابة الحجر على من عين له . غير أنه حجر مخصوص ، كونه مقصور على التصرفات المذكورة في قرار المساعدة القضائية.
وقد يحدث أن يقوم المشمول بالمساعدة بإبرام تصرف قانوني. بعد طلب تسجيل قرار المساعدة القضائية وقبل تسجيله ، فهل يمكن حينها إبطال التصرف؟
بالطبع يمكن إبطال العقد ، لأن طلب تسجيل المساعدة يعتبر بمثابة تسجيله ، ولكن يجب مع ذلك مراعاة قواعد حسن النية ، فإذا كان المتعاقـد الآخر يجهل صدور قرار التسجيل فإن له أن يدفع دعوى الإبطال.
فإن كان إبطال التصرف مقرونا بتسجيل الحكم بتقرير المساعدة القضائية . فإن أثر هذا الحكم يقتصر على الغير وليس على من تقررت له المساعدة ، ومن ثم لا يجوز الاحتجاج به على الغير حسن النية إلا من تاريخ تسجيل الطلب .
فـإن لم يكن مسجلا فمن تاريخ تسجيل الحكم. لكن ماذا لو أراد المشمول بالمساعدة القضائية. عقد تصرف قانوني ورفضه المساعد القضائي أو العكس ؟ هاتان الحالتان لم ينص عليهما المشرع الجزائري ، كما لم تنص عليهما الكثير من التشريعات العربية.
.
المطلب الثاني : حكم تصرف المساعد القضائي :
المساعد القضائي لا يعتي انتهاء العقبات أمام من تقررت له المساعدة . إذ قد يرفض معاونة ذي العاهتين لأسباب موضوعية أو ذاتية ، كما قد يقوم من تلقاء نفسه بإجراء التصرف القانوني الذي عين من أجله دون مشورة المعتني بالأمر ، مما قد يخلق مشاكل لطرفي المساعدة القضائية وحتى الغـير . وهذا ما سنلقي الضوء عليه من خلال الفرعين الآتيين .
الفرع الأول : حالة رفض المساعد القضائي معاونة المشمول بالمساعدة :
قد يرى المشمول بالمساعدة القضائية إبرام تصرف قانوني ما . وعند عرضه على المساعد القضائي يصطدم برفضه له لتقديره أنه ليس في مصلحته أو لأي سبب آخر، فيكون هنا لمن تقررت لمصلحته المساعدة القضائية أن يرفع الأمر إلى القضاء، فإذا رأى القاضي أن اعتراض المساعد في غير محله أذن للمشمول بالمساعدة بإبرام التصرف منفردا . أو عين له مساعدا آخر يعينه على ذلك .
ويكون التصرف حينها صحيحا غير قابل للإبطال، فإن كان اعتراض المساعد القضائي في محله. بأن كان من شأن التصرف أن يعرض أموال من تقررت له المساعدة القضائية للخطر ، منعه من إبرامه .
الفرع الثاني : حالة انفراد المساعد القضائي بالتصرف :
عكس الحالة التي ذكرناها أعلاه ، قد يحدث أن يمتنع من تقررت المساعدة له عن إبرام تصرف قانوني معين . بما يؤدي إلى تعريض أمواله للخطر ، وحينها يحق للمساعد القضائي التدخل ورفع الأمر إلى القضاء ، وبعـد إجراء تحقيق في المسألة ، يجوز للقاضي أن يأمر المساعد القضائي بالانفراد بإبرام هذا التصرف ، ويكون صحيحا غير قابل للإبطال.
لكن ماذا لو أبرم المساعد القضائي تصرفا قانونيا فعلا دون الرجوع إلى رأي المشمول بالمساعدة القضائية. ودون أخذ إذن من القضاء ، فهل يسري التصرف في حق من تقررت له المساعدة ، وهل يعتبر نائبا له أم لا ؟
إذا نظرنا إلى مركز المساعد القضائي فإننا نجده يختلف عن مركز النائب. لأن دوره يقتصر على مساعدة ذي العاهتين أو صاحب العجز الجسماني الشديد والاشتراك معه. في إبرام التصرف القانوني محل المساعدة . بينما في النيابة تحل إرادة النائب محل إرادة الأصيل فى إنشاء التصرف القانونى.
فنقول إن التصرف القانوني الذي يقدم عليه المساعد القضائي. دون الرجوع إلى رأي المشمول بالمساعدة القضائية ، أو دون إذن من المحكمة ، لا يكون نافـذا في حق صاحب الشأناة.
ولا يبقى أمامنا إلا تطبيق أحكام الفضالة المنصوص عليها في المواد 150 وما يليها من التقنين المدني الجزائري . كون أن الشخص الذي يقوم بعمل معين لشخص آخر قاصا ذلك دون أن يكون ملزما به هو في حكم الفضولي . وهنا ما يمكن أن نلمسه في حالتنا .
ومن ثم ، إذا أجاز المشمول بالمساعدة القضائية هنا التصرف ، أصبح المساعد القضائي وكيلا له في هذا التصرف القانوني ، بناء على عقد الفضالة وليس على عقد المساعدة القضائية . على أن يكون تصرفه مشمولا بعناية الرجل العادي ، فيكون مسؤولا عن الخطأ والضرر الذي يسببه للمشمول بالمساعدة القضائية .
غير أن المشمول بالمساعدة ليس أهلا لإجازة التصرف ما دام تحت قرار المساعدة . فلا يمكن له ذلك إلا إذا تقرر زوال المساعدة القضائية عنه وانقضى المانع أو العارض الذي اعتراها.
.
خاتمة :
إن ذوي العاهات والأشخاص اللذين يصعب عليهم التعبير عن إرادتهم بشكل سليم أو يستحيل . لم ينالوا الاهتمام الكافي من المشرع الجزائري فيما يتعلق بأحكام تصرفاتهم القانونية. فقد لاحظنا وجود عدة نقائص وثغرات مقارنة ببعض التشريعات العربية ، لاسيما وأنه خصص نصا وحيدا لهذه الفئة .
لهذا أردنا تكملة هذا النقص من خلال اقتراح تعديلات وتتمات لنص المادة 80 بـ تعدية الحكم إلى ثلاثي العاهة . أو ممن هو في مثل حالته كضعيف حاستي السمع مع البصر أو عسر النطق مع ضعف إحدى الحاستين . أو ضعف الحواس جميعها ، أو من هو في حالة عجز جسماني شديد كالمشلول .
استبدال عبارة ( بدون حضور المساعد) بعبارة بدون معاونة المساعد.
ذكر حالة انفراد المساعد القضائي بإبرام ذلك التصرف القانوني. ومسألة رفض ذي العاهتين إبرام التصرف أو رفض المساعد القضائي معاونة المشمول بالمساعدة القضائية.
.
المراجع :
أ- القوانين :
الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني.
ب- الكتب :
1- نضرة علي نطام المساعدة القضائية في التقنين المدني الجزائري، مقارنة بالتقنيات العربية، الأستاذ سمير شيهاني.
2- محمد صبري السعدي ، شرح القانون المدني الجزائري ، النظرية العامة للالتزامات ، ج1 (التصرف القانوني) ، دار الهدى ، الطبعة الثائة ، 2004 .
3- بلحاج العربي - نظرية العقد في القانون المدني الجزائري - ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر-2015.
4- على فيلالي الالتزامات النظرية العامة للعقد موفم للنشر - الجزائر - الطبعة الثالثة - 2013 .
5- بلحاج العربي النظرية العامة الالتزام في القانون المدني الجزائري الجزء الأول . ديوان المطبوعات الجامعية - الجزائر - طبعة 2008 .
6- عبد الرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني . ج1 (مصادر الالتزام) ، منشورات الحلبي الحقوقة ، بيروت ، لبنان ، 2000 .
7- رمضان أبو السعود، الوسيط في شرح مقدمة القانون المدني . المدخل إلى القانون ، النظرية العامة للحق ، النار الجامعية ، بيروت ، 1983 .