logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





look/images/icons/i1.gif بحث حول أسباب الإباحة وموانع المسؤولية
  26-11-2014 10:59 مساءً  
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 26-03-2013
رقم العضوية : 148
المشاركات : 94
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 50
المستوي : ليسانس
الوظــيفة : طالب
مطلب الثاني : الأسباب المطلقة للإباحة .

نتناول في هذا المطلب الدفاع الشرعي كسبب مطلق للإباحة باعتبار انه يستفيد منه كافة من توافرت فيه الشروط العامة للدفاع الشرعي دون شرط أو صفة خاصة في الشخص ، كما أنه مطلق من حيث الجرائم بمعنى أنه يؤثر في أي جريمة مهما كانت .

و نتناول كذلك في هذا المطلب رضا المجني عليه و لا نعني بإدراجنا إياه سببا مطلقا أنه صالح لتفي كل جريمة تم رضا المجني عليه بها ، لأنه أصلا المبدأ العام انه لا يجوز الاعتداد به كسبب إباحة ، و لكن صنفناه على أساس انه مطلق من حيث معيارالأشخاص المستفيدين منه بحيث أن التشريعات التي تبنته صراحة كسبب إباحة لم تحدد شرطا أو صفة خاصة في المجني عليه ، و تبعا لذلك نقسم هذا المطلب إلى فرعين ، نتناول في الفرع الأول الدفاع الشرعي و في الفرع الثاني رضا المجني عليه .

________________________

1)- د/ سمير عالية ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 356 - 357 .

2)- د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 192 .



الفرع الأول : الدفاع الشرعي .

يعتبر الدفاع الشرعي من أبرز أسباب الإباحة في القوانين الوضعية و هو قديم قدم التاريخ و الخلاف بين بني البشر ، أمر بدأ منذ النزاع بين ولدي آدم عليه السلام واستمر و سيبقى إلى أن يرث الله الأرض و من عليها لأنها سنة الله في خلقه و لا تبديل لسنة الله لقوله تعالى : « و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك و لذلك خلقهم » (*) .

و هذا الخلاف في دنيا البشر هو أساس العدوان الذي عرفته البشرية منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل و لذلك كان الدفاع الشرعي متجددا مع البشرية و متطورا بتطورها

وقد اعترف القانون الروماني بالدفاع الشرعي باعتباره حقا طبيعيا و ليس فقط حقا من الحقوق المكتوبة ، كما أجازت اللوائح الاثنى عشر قتل السارق ليلا أو نهارا إذا شرع في استعمال أسلحته .

أما في القانون الفرنسي المتأثر بالفكر المسيحي نجد قانون 1670 نص على أن الملك دون القاضي هو الذي يملك حق العفو عن القاتل دفاعا عن النفس و هو الذي يمنحه خطاب الغفران أو خطاب العفو و لم يكن الملك يرفض إذا كان هناك ضرورة للدفاع المشروع (1).

و بعد هذه اللمحة التاريخية حول الدفاع الشرعي نعرج إلى تعريفه فيما يلي :



أولا : تعريف الدفاع الشرعي .

لقد عرفت جل التشريعات الدفاع الشرعي كسبب من أسباب الإباحة ، لذلك نجد أن كل الدراسات الفقهية عالجت هذا الموضوع ، فتعددت تعاريف الدفاع الشرعي (*أ). و إن كانت تؤدي نفس المعنى و يمكن أن نعرفه على أنه « استعمال القوة اللازمة لصد خطر غير مشروع يهدد بالاعتداء على حق يحميه القانون »(2).

_______________________

*)-سورة هود ، الآية 119 .

1)- د/ محمد سيد عبد التواب ، الدفاع الشرعي في الفقه الإسلامي ، الطبعة الأولى ، مصر ، دار الهدى ، سنة 1983 ص 75

*أ)- يعرف د/ محمد أحمد المشهداني الدفاع الشرعي على أنه : « استعمال القوة اللازمة لمواجهة خطر اعتداء حال غير محق و لا مثار و معنى غير محق أي غير مشروع ، و معنى غير مشار أي التعرض الذي يصدر عن المعتدي لم يقابله استفزاز من المدافع » و يعرفه د/ عبد الله سليمان « الحق باستعمال القوة اللازمة الذي يقرره القانون لمصلحة المدافع لرد الاعتداء الحال عليه أو على ماله ، أو على نفس الغير أو ماله »

2)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 84 .

و قد عرفت الشريعة الإسلامية الدفاع الشرعي قبل أن تنص عليه التشريعات الوضعية بأربعة عشر قرنا تقريبا و سمته بدفع الصائل ، لقوله تعالى « فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم » (*أ) .

و نبحث فيما يلي طبيعة الدفاع الشرعي ، و أساسه ، و ما لا يؤثر في قيامه .



1- طبيعة الدفاع الشرعي .

لقد اختلف الشراح حول طبيعة الدفاع الشرعي ، فمنهم من قال أنه أداء لواجب اجتماعي ، و منهم من قال أنه حق ، و من ثم جرى الفقهاء على اعتبار الدفاع المشروع استعمالا لحق شخصي (1) .

و منهم من قال انه تفويض قانوني باستعمال سلطة الضبطية الإدارية في منع الجرائم

و لعل الصحيح أن الدفاع الشرعي ترخيص من القانون للمدافع برد الاعتداء ، و فرق بين الحق و الرخصة ، فالحق يقابله التزام بدين و ليست الرخصة كذلك (2) .



2- أساس الدفاع الشرعي :

اختلف فقهاء القانون الجنائي و رجال القانون فيما يتعلق بأساس الدفاع الشرعي فذهبوا إلى أراء مختلفة و عديدة في تفسيره (3) .

فذهب جانب من الفقه إلى أن أساس الدفاع الشرعي هو العدالة المطلقة (4) فالاعتداء شر و من العدل أن يقابل الشر بالشر ، و قد عبر الفيلسوف الألماني هيجل عن الفكرة بقوله

« إن الاعتداء نفي لحق و الدفاع نفي لهذا الاعتداء ، إذن الدفاع إثبات للحق » .

و ذهب آخرون إلى إسناد الدفاع الشرعي إلى نظرية العقد الاجتماعي التي نادي بها

جون جاك روسو لكن هذا الرأي انتقد على أساس أن هذه الفكرة لا تصلح لتفسير الدفاع عن حقوق الغير (5).

_______________________

*أ)- سورة البقرة ، الآية 194 .

1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سـابق ، ص 136.

2)- د/ محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 217 .

3)- د/ محمد احمد المشهداني ، الوسيط في شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 202 .

4)- د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 165 .

5)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 310 .

- و ذهب آخرون إلى اعتبار الإكراه المعنوي كأساس له ، لان الشخص الموجود في حالة دفاع شرعي عن نفسه يكون واقعا تحت تأثير معنوي يفقده حرية الاختيار إلا أن هذا التفسير انتقد لأن الاعتداء الذي يصيب المدافع لا يشترط فيه أن يصل إلى الحد الذي يفقده حرية الاختيار ، كما أن الإكراه المعنوي مانع من موانع المسؤولية في حين أن الدفاع الشرعي سبب من أسباب الإباحة ، فضلا عن أن هذا التفسير لا يستقيم مع أحوال إباحة الدفاع الشرعي عن نفس الغير و ماله .

- و ذهب جانب آخر من الفقه إلى تأسيسه على فكرة التفويض القانوني باعتبار أن المدافع في رده للاعتداء ينوب عن الدولة في ممارسة سلطتها في منع الجرائم إذا تعذر عليها التدخل في الوقت المناسب ، و قد انتقد هذا التفسير أيضا على أساس أن التفويض يمنح إليه ذات السلطات المخولة للمفوض و لا يبيح للمفوض إليه ما يمتنع على المفوض ، في حين نجد المدافع يرتكب أفعالا لا يباح لرجال السلطة العامة ارتكابها (1) .

و الراجح أن أساس الدفاع الشرعي يرجع إلى فكرة الموازنة بين المصالح المتعارضة للإفراد و إيثار مصلحة أولى بالرعاية تحقيقا للصالح العام ، و هو هدف كل نظام قانوني ، فالمبدأ العام أنه لا يجوز للشخص أن يقتضي حقه بنفسه ، و إنما يجب عليه اللجوء إلى السلطات المختصة و استثناءا من هذه القاعدة يجوز للشخص أن يدفع الاعتداء على حقه إذا تعذر عليه الاستعانة بالسلطات العامة (3).



3- ما لا يؤثر في قيام الدفاع الشرعي .

ما يشترطه القانون في فعل المعتدي أن يكون مخطورا بنص قانوني و لا عبرة بعد ذلك بنوع الجريمة ، أو كون المعتدي لا يخضع لقضاء الدولة ، أو كان المعتدي يتعلق برفع الدعوى ضده على شكوى ، أو طلب ، أو إذن ، أو كان المعتدي غير مسؤول عن أفعاله ، كذلك لا عبرة بوقوع المعتدي في عذر قانوني يخفف عقابه فيجوز الدفاع ضده .

________________________

1)- د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 165 – 166 .

3)-د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، المرجع السابق ، ص 142 .



أ- نوع الجريمة :

لا يشترط القانون في الجريمة التي ينشأ عنها حق الدفاع الشرعي قدرا معينا من الجسامة فيستوي الأمر إن كانت جناية ، أو جنحة ، أو مخالفة سواء كانت عمدية أو غير عمدية ، سواء اكتمل الركن المادي أو لا ، و إن كان حق الدفاع الشرعي قد شرع حتى لا يبلغ الركن المادي المكون لجريمة الاعتداء حده (1) .



ب- عدم خضوع المعتدي لقضاء الدولة .

هناك بعض الأشخاص بالرغم من إقامتهم على إقليم دولة غير دولتهم إلى أن قانون تلك الدولة لا يسري عليهم ، كأعضاء البعثات الدبلوماسية ، إلا أن ذلك لا يؤثر في قيام الدفاع الشرعي ضد أي فرد منهم إذا اعتدى على الغير .



ج- تعليق رفع الدعاوي على شرط .

يشترط القانون في بعض الجرائم عدم رفع الدعوى العمومية إلا بناءا على طلب أو إذن ، أو شكوى ، مثال ذلك السرقة بين الأقارب و الحواشي و الأصهار حتى الدرجة الرابعة حسب المادة( 369/1 قاع) ، و جريمة الزنا حسب المادة( 339/2 قاع ) ، إلا أن هذه القيود في رفع الدعوى لا تؤثر في قيام حالة الدفاع الشرعي .



د- امتناع مسؤولية المعتدي

إن فقدان المعتدي وقت ارتكاب الجريمة الشعور أو الاختيار لقيام أحد موانع المسؤولية لا يحول دون قيام الدفاع الشرعي ضده لدرء ما قد ينشا عنه و عن فعله من خطر .



هـ- المستفيد من العذر القانوني .

حدد المشرع بعض الأعذار القانونية التي تستوجب تخفيف العقاب في بعض الجرائم مثال ذلك ما نصت عليه المادة 279 قاع (*) ، فإذا شرع الزوج في قتل زوجته و من يزني بها فسارعه الآخر بالدفاع عن نفسه فقتل الزوج عد القاتل و هو من يزني بالزوجة مستغلا لحق الدفاع الشرعي ، و العلة في قيام الدفاع الشرعي ضد المتهم

________________________

1)- د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري " القسم العام " ، الجزء الأول ، مرجع سابق ، ص 131 .

*)- تنص المادة 279 قاع « يستفيد مرتكب القتل و الجرح و الضرب من الأعذار إذا ارتكب احد الزوجين على الزوج الآخر أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة تلبس بالزنا »

المستفيد من عذر قانوني هو كون فعله ما زال مجرما فلم تزل صفة التجريم بتوافر العذر القانوني (1).

بعد التطرق لمفهوم الدفاع الشرعي ندرس شروطه فيما يلي :



ثانيا : شروط الدفاع الشرعي .

يستوجب الدفاع الشرعي سلوكا من جانب المعتدي عليه يسمى فعل الدفاع لرد سلوك عدواني صادر من المعتدي يسمى الاعتداء و يلزم توافر شروط معينة في الاعتداء و أخرى في فعل الدفاع حتى يمكن القول أن الفاعل كان في حالة دفاع شرعي و نتطرق فيما يلي لشروط فعل الاعتداء ثم نتطرق لشروط فعل الدفاع .

1- شروط فعل الاعتداء .

الاعتداء هو الخطر الذي ينذر بوقوع ضرر يصيب النفس أو المال أو استمراره

و اشتراط وجود الاعتداء يعني توافر الخطر الذي يهدد بوقوع ضرر أو استمراره

و تطبيقا لذلك ، فان انتفاء الخطر يترتب عليه انتفاء الاعتداء و بالتالي انتفاء الدفاع الشرعي ، و يجب أن يكون فعل الاعتداء غير مشروع ، و حال ، و أن يكون محله إحدى جرائم النفس أو المال .

أ- فعل غير مشروع .

يكون محل الاعتداء غير مشروع إذا كان ينطوي على خطر حقيقي و كان غير مثار

* وجود تعرض ينطوي على خطر حقيقي : إن حالة الدفاع الشرعي لا تنشأ إلا إذا كان هناك خطر يجعل من المحتمل وقوع جريمة ، لذلك لابد من قيام المعتدي بنشاط يخشى

منه وقوع جريمة من الجرائم على حق يحميه القانون حتى تتوفر حالة الدفاع الشرعي (2).

و لا يشترط أن يكون فعل الاعتداء ايجابيا بل يكفي مجرد الامتناع الذي يقره القانون جريمة ، كامتناع الأم عن إرضاع طفلها لقتله فهو خطر يبيح الدفاع الشرعي متى توافرت باقي شروط الدفاع الشرعي سواء بإرغام الأم على إرضاعه أو باتخاذ أي وسيلة ملائمة أخرى لإنقاذه (3).

________________________

1)-د/ ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، المرجع السابق ، ص 112-113- 114

2)- د/ محمد علي السام عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع الساق ، ص 182 .

3)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات ، " القسم العام " ، المرجع الساق ، ص 86 .

إلا انه قد يعتقد شخص بأنه مهدد بخطر فيبادر باستخدام القوة اللازمة لدفعه ثم يتبين أن هذا الخطر لا وجود له و أن اعتقاده كان وهما ، كمن يرى شخصا في الظلام فيظنه عدوا يتربص به فيقتله ، فهذا الشخص لا يجوز له الاحتجاج بالدفاع الشرعي لإباحة فعله ، لأن الخطر الوهمي ما هو إلا صورة من صور الغلط في الإباحة لأنه ينصب على واقعة الاعتداء و التحقق مما إذا كان هذا الاعتداء ينطوي على خطر حال أو لا (1)

و بما أن أسباب الإباحة موضوعية فإنها لا تنتج أثرها إلا إذا تحققت في الواقع .

كذلك اذا وقع الاعتداء بأمر من القانون أو بإذنه كان عادلا و فقد الدفاع شرعيته كالشخص الذي أصدرت في حقه السلطات أمرا بقبضه ، و يقاوم تنفيذ هذا الأمر لا يكون في حالة دفاع شرعي ، كذلك الحال بالنسبة لمن يقاوم الضبط الذي يقوم به مواطن طبقا لأحكام المادة 61 قاع « يحق لكل شخص في حالات الجناية أو الجنحة المتلبس بها و المعاقب عليها بعقوبة الحبس ، ضبط الفاعل و اقتياده إلى أقرب ضابط للشرطة القضائية »



* تعرض غير مثار : حالة الدفاع الشرعي لا تقوم اذا كان الخطر مصدره المدافع نفسه فحالة الاعتداء غير المثار تعني أن الاعتداء الذي يصدر عن المعتدي لا يكون للمدافع يد فيه فالشخص الذي يكون سببا في حدوث الاعتداء لا يجوز له أن يحتج بالدفاع الشرعي و مثال ذلك اللص الذي يدخل منزلا في الليل ليسرق ، فإذا استعمل صاحب المنزل العنف لمواجهته كان في حالة دفاع شرعي ، أما اللص إذا واجه صاحب المنزل فليس له أن يحتج بأنه كان في حالة دفاع شرعي لأنه هو من أثار الاعتداء بدخوله منزل الغير ليلا بطريق غير مشروع قاصدا السرقة .



ب- فعل حــال .

يجب أن يكون الخطر حالا و ليس هناك وقت للجوء الى السلطات العامة لدرء الخطر ، فإذا كان الخطر آجلا لم يكن هناك مبرر للعنف و ارتكاب رد الفعل طالما اتسع الوقت لدرء الخطر باللجوء الى السلطات العامة و قد عبر المشرع الجزائري عن هذا الشرط في المادة 39/2 قاع بقوله « الضرورة الحالة للدفاع المشروع »

________________________

1)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 310 .



و يكون الخطر حالا اذا كان وشيك الوقوع أو بدأ و لم ينته بعد .

* يكون الخطر وشيك الوقوع : إذا صدر عن المعتدي أفعال تجعل وقوع الاعتداء أمرا منتظرا على الفور بحسب المجرى العادي للأمور (1) ، كأن يحاول المعتدي إطلاق النار على الشخص المدافع ، أو ضربه بعصا ، أو سكب البنزين تحضيرا لإلقاء عود ثقاب لحرق مؤسسة ففي هذه الأمثلة نكون بصدد اعتداء وشيك لا يعقل تجريد المعتدى عليه من حقه في الدفاع الشرعي في مواجهته ، قبل أن يتحول إلى عدوان بالفعل يلحق ضررا بمال أو نفس المعتدي عليه أو مال أو نفس غيره .

و لعل معظم حالات الدفاع الشرعي تندرج تحت هذه الصورة و إن اختلفت التسميات التي يضفيها البعض عليها كالقول بالخطر الحال ، أو الخطر الداهم أو التعدي على وشك الحلول (2) .



* خطر بدأ و لم ينته بعد : نكون أمام هذه الحالة إذا وقع الاعتداء بالفعل و اكتملت به الجريمة قانونا لكنه لازال مستمرا في إنتاج أثاره (3) ، و عليه يجوز الدفاع الشرعي في مواجهة السارق الذي بدأ في السرقة و لم يتمها ، و ضد من يواصل ضرب شخص آخر

أما بعد انتهاء الاعتداء لا يجوز للمعتدي عليه التذرع بحق الدفاع الشرعي في مواجهة المعتدي و إنما يعد في حالة انتقام كأن يضرب شخص آخر ثم يهرب فيتعقبه المجني عليه ليضربه .



جـ- محل الاعتداء إحدى جرائم النفس أو المال .

حسب المادتين( 39/2 قاع ) ،( 40 قاع ) الجرائم التي تبيح الدفاع الشرعي تشمل جرائم النفس و المال ، و يستوي بعد ذلك أن يكون فعل الاعتداء موجها لنفس المدافع أو غيره ، أو ماله أو مال غيره .

* جرائم النفس : تتخذ جرائم الاعتداء على النفس عدة مظاهر و هي كالآتي :

________________________

1)- د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري " القسم العام" ، الجزء الأول ، المرجع السابق ، ص 134

2)- د/ سليمان عبد المنعم ، النظرية العامة لقانون العقوبات ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار الجامعة الجديدة

سنة 2000 ، ص 429 .

3)- محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار الجامعة الجديدة ، سنة 2002

ص 249 .



- جرائم الاعتداء على حياة الإنسان و سلامة جسمه بما فيها جرائم القتل و الضرب و الجرح .

- جرائم الاعتداء على العرض مثل جرائم هناك العرض و الإخلال بالحياء .

- الجرائم الماسة بالشرف و الاعتبار مثل القذف و السب .

- جرائم الاعتداء على الحرية و يظهر هذا الاعتداء بعدة مظاهر منها الاعتداء على حرية الحركة و الانتقال .

* جرائم المال : تشمل كل الجرائم المرتكبة ضد الأموال المنصوص عنها في قانون العقوبات أو القوانين المكملة له (*) ، مثل جرائم السرقة و ابتزاز الأموال و النصب

و إصدار شيك دون رصيد ، و خيانة الأمانة ، و التعدي على الملكية العقارية ، و إخفاء الأشياء المسروقة ، و التعدي على الملكية الأدبية و التخريب ، أما جريمة الإفلاس بالرغم من أنها من جرائم الأموال ، إلا أن طبيعتها تتنافى و قيام حق الدفاع الشرعي لأن القانون التجاري أورد أحكام الإفلاس و مدى حقوق الدائنين في مواجهة المفلس و من ثم لا يجوز للدائن اللجوء إلى الدفاع الشرعي (1) .

بعد التعرف على شروط فعل الاعتداء نتطرق فيما يلي لشروط فعل الدفاع



2- شروط فعل الدفاع .

إذا توافرت في فعل الاعتداء الشروط التي ذكرت سابقا نشأ لمن يهدده هذا الاعتداء أو يهدد غيره الحق في استعمال القوة اللازمة لصده ، و بالقدر المناسب لدرئه ، و عليه

يشترط في فعل الدفاع شرطان هما اللزوم و التناسب .

و يرجع لقضاة الموضوع تقدير تحقيق هذه الشروط ، و ذلك تحت رقابة المحكمة العليا و من ثم يتعين إثارة الدفع بتوافر شروط الدفاع المشروع أمام قضاة الموضوع و لا يجوز إثارته لأول مرة أمام المحكمة العليا (1).

أ- اللــــزوم

يستلزم هذا الشرط أن تكون حالة الدفاع ضرورية لردع المعتدي و منعه من تنفيذ

________________________

*)-حصر المشرع المصري الجرائم التي تجيز الدفاع الشرعي عن المال ، في جرائم معينة هي جرائم الحريق العمد السرقة ، التخريب و الإتلاف ، و انتهاك حرمة منزل .

1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات ، " القسم العام " ، المرجع الساق ، ص 91 .

)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، المرجع السابق ، ص 144 .

جريمته عن طريق استعمال العنف ، و يجب أن يكون فعل الدفاع المرتكب هو الوسيلة الوحيدة لصد الاعتداء ، و أن يتجه إلى مصدر الخطر .

* فعل الدفاع هو الوسيلة الوحيدة لصد الاعتداء : يتحقق ذلك في حالة الاضطرار إلى الجريمة لدرء الخطر (1). و يعني ذلك أن الدفاع لا يباح إلا إذا كان المعتدي عليه غير قادر على درء الخطر إلا بالجريمة التي أقدم عليها ، أما إذا كان في وسعه رد الخطر بوسيلة أخرى غير الجريمة فان الدفاع بالفعل الإجرامي يكون غير لازم .

* اتجاه فعل الدفاع المرتكب إلى مصدر الخطر : لا محل لتبرير فعل الدفاع و لا يعتبر لازما لدرء الخطر إلا إذا وجه هذا الفعل إلى مصدر الخطر لوقفه و التخلص منه (2).

فإذا ترك المعتدى عليه مصدر الخطر ووجه مقاومته العنيفة إلى غيره ، فلا يعتبر فعله مباحا تمسكا بالدفاع الشرعي ، كأن يحرض شخص كلبه ليهاجم غريمه فيطلق المعتدي عليه النار على مالك الكلب فيقتله بدلا من قتل الكلب مصدر الخطر ، فلا يفسر فعل المعتدى عليه هنا إلا على أنه انتقام .



ب- التنــاسب .

نقصد بالتناسب أن تكون القوة التي استعملها المعتدي عليه في دفاعه لا تزيد عن القدر اللازم لدفع الاعتداء ، فهي إذن مقارنة الجرائم المتاحة للمدافع لدرء الخطر

و اختيار أقلها ضررا لدفع الخطر (3) . و حتى يتحقق شرط التناسب يجب :

* أن يكون فعل الدفاع متناسبا مع الخطر الذي تعرض له المدافع : و ذلك بأن يكون الأذى الذي أصاب المعتدي متناسبا مع الأذى الذي كان المدافع عرضة له و أراد تجنبه .

* أن يكون فعل الدفاع أقل ضررا من أي فعل آخر يمكن صد الاعتداء به : فإذا كان في وسع المعتدي عليه أن يدرأ الخطر بالضرب فلا يباح له أن يدرأه بفعل أشد جسامة كالجرح ، و من كان في وسعه أن يدرأ الخطر بالجرح فلا يباح له أن يدرأه بفعل اشد جسامة كالقتل و جسامة الاعتداء مسالة وقائع يفصل فيها القضاء بالنظر إلى الخطر

________________________

1)- د/ سمير عالية ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 369 .

2)- د/ محمد علي السالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 199 .

3)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات ، " القسم العام " ، المرجع الساق ، ص 93 .



الذي كان يهدد المدافع (1) .

و بعد دراسة المبادئ العامة للدفاع الشرعي نعالج فيما يلي تطبيق الدفاع الشرعي .

ثالثا : تطبيق الدفاع الشرعي .

و نتطرق من خلال هذا العنصر إلى الحالات الممتازة للدفاع الشرعي ، و إثباته و آثاره ، و حكم تجاوز حدود الدفاع الشرعي .



1- الحالات الممتازة للدفاع الشرعي .

بعد أن حددت المادة ( 39/2 قاع ) الأحكام العامة للدفاع الشرعي ، جاءت المادة (40 قاع ) و تحدثت عن حالات خاصة للدفاع الشرعي ، و هي حالات أجاز القانون فيها للمعتدي عليه دفع الاعتداء عنه دون التقيد بالشروط العامة للدفاع الشرعي نظرا لخطورتها.

و بذلك تكون المادة( 40 قاع ) أنشأت قرينة قانونية مفادها أن من يدافع عن شخصه أو حرمة مسكنه من أي اعتداء حدث ليلا ، أو من يدافع عن نفسه أو غيره ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة هو في حالة دفاع شرعي دون حاجة لإثبات توافر الشروط العامة للدفاع المشروع ، و عليه تتمثل الحالات الممتازة للدفاع الشرعي في قانون العقوبات الجزائري في حالتين :

* الحالة الأولى : نصت عليها المادة ( 40/1 قاع ) و تتمثل في « القتل أو الجرح

أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة الشخص أو سلامة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز و الحيطان أو مداخل المنازل ، أو الأماكن المسكونة أو توابعها و كسر شيء منها أثناء الليل » ، وقد أدرج المشرع الجزائري هذه الحالة ضمن الحالات الممتازة للدفاع الشرعي لان الليل ظرف يستغله المجرمون لمفاجئة الناس بالعدوان و إثارة الخوف في نفوسهم ، مما يجعل تقدير الخطر الداهم ، و جسامته أمر صعب و للاستفادة من هذه القرينة يجب التقيد بالشروط التي وردت في النص و هي :

- أن يتم التسلق أو كسر متعلقا بمسكن ، أو أحد توابعه و يعتبر مسكنا المكان المخصص للسكن مهما كانت صفته ، و توابعه يقصد بها ما اتصل بالمسكن مباشرة.

________________________

1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، المرجع السابق ، ص 147 .

- أن يتم الدخول ليلا و ذلك لما يحدثه التهديد بالاعتداء على حياة الشخص و سلامة جسمه من فزع في نفس المدافع إذا حدث في الليل ، فضلا عن أن الاعتداء في الليل دليل على مدى خطورة المعتدي و سوء نيته .

- أن يكون الدخول بغرض ارتكاب جريمة لأنه إذا ثبت أن دخول المسكن عن طريق التسلق لم يكن بغرض ارتكاب جريمة و كان المدافع يعلم ذلك فان الإباحة تنتفي .

* الحالة الثانية : نصت عليها المادة( 40/2 قاع ) و تتمثل في «الفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو عن الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة » .

و قد اعتبرت هذه الحالة قرينة على توفر شروط الدفاع الشرعي حتى لا يبقى المجتمع تحت سلطة الأشرار و العصابات و إباحة مقاومة أعمالهم بالقوة و يشترط لقيام هذه الحالة :

- أن يهدد الخطر بالاعتداء على النفس المدافع أو نفس غيره .

- أن يقع التهديد من أشخاص يرتكبون جرائم السرقات أو النهب بالقوة ، سواء في الليل أو النهار و يلاحظ أن النص لم يشترط عددا معينا من المهاجمين ، أو استعمال وسيلة معينة في الهجوم .



2- إثبات الدفاع الشرعي .

عند الحديث عن إثبات الدفاع الشرعي يجب أن نفرق بين حالتين :

- إثبات الدفاع الشرعي بوجه عام .

- إثبات الحالات الممتازة .

أ- الإثبات بوجه عــام .

يذهب رأي في الفقه إلى القول بأن المتهم لا يتحمل عبء إثبات وقائع الدفاع الشرعي ، و إنما يقع هذا العبء على عاتق النيابة العامة استنادا لقرينة البراءة التي يتمتع بها المتهم (1) ، و على المحكمة أن تفصل في ذلك حسب ما يتضح من الوقائع و ملابسات القضية و الأدلة المقدمة لأن تقدير الوقائع المؤدية إلى قيام حالة الدفاع الشرعي

________________________

1)-د/ محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات اللبناني ، المرجع السابق ، ص 242 .

أو نفيها ، و التزام حدوده أو تجاوزها و حسن النية أو سوءها أمور متعلقة بموضوع الدعوى (1).

لكن محكمة النقض الفرنسية قضت بأن « إثبات أي سبب من أسباب الإباحة يقع على عاتق المتهم باستثناء الحالات الممتازة للدفاع الشرعي » (2) . فيجب على المتهم الذي يتمسك بالدفاع الشرعي أن يقيم الدليل على توافر شروطه .



ب- إثبات الحالات الممتازة للدفاع الشرعي .

يثور التساؤل حول قيمة القرينة القانونية الواردة في المادة( 40 قاع ج ) المقابلة للمادة( 329 قاع فرنسي) ، هل هي قرينة مطلقة أم قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس ؟.

ظاهر نص المادة( 40 قاع ج ) يفيد أنها قرينة قاطعة (3). لكن إذا تمعنا فيه نجد أنه من غير العدل أن يستغل المدافع هذا النص ، و يقوم بفعل الدفاع دون أي قيد إذا ثبت أنه كان على علم مسبق بفعل الغير لأن غاية هذا النص حماية حق المدافع أمام مفاجأة الغير له بالاعتداء على شخصه أو على مسكنه ليلا ، فالمنطق يقضي بتطبيق الأحكام العامة للدفاع الشرعي إذا كان المعتدي عليه يعلم بفعل الغير ، و بالتالي لا تكتسي هذه القرينة طابعا مطلقا و إنما تقبل الدليل العكسي (4).

أما بالنسبة لأفعال السرقة و النهب بالقوة فالقرينة قاطعة لا تقبل إثبات العكس .



3- أثار الدفاع الشرعي .

إذا توافرت شروط الدفاع الشرعي فان كل ما يصدر من أفعال عن المدافع يعتبر مبررا ، فإذا كان الملف على مستوى النيابة العامة وجب عليها حفظه ، و إذا كان على مستوى التحقيق تعين على قاضي التحقيق إصدار أمر بألا وجه لإقامة الدعوى ، و اذا كان على مستوى جهة الحكم كان عليها أن تقضي بالبراءة ، شرط أن يشمل حكمها على

1)- د-ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، مرجع سابق ، ص121 .

2)- د/ محمد مروان ، نظام الإثبات في الموارد الجنائية في القانون الوضعي الجزائري ، الجزء الأول ، الطبعة لا توجد ، الجزائر " بن عكنون " ، ديوان المطبوعات الجامعية ، سنة 2000 ، ص 107 .

3)- د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري " القسم العام" ، المرجع السابق ، ص 138 .

4)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، المرجع السابق ، ص 149 .

ما يفيد أنها محصت الدعوى و أحاطت بظروفها ، و بأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر و بصيرة ، ووازنت بينها و بين أدلة النفي (1) .



4- تجاوز حدود الدفاع الشرعي .

البث في ثبوت التجاوز من عدمه متعلق بالواقع يختص بالفصل فيه قاضي الموضوع (2) و كثيرا ما يصعب على المحاكم التمييز بين انتفاء الدفاع الشرعي ، و بين تجاوز حدوده (3) و يمكن القول تفريقا بينهما أن لزوم الدفاع الشرعي يقتضي عدم اللجوء إلى الجريمة لدفع الخطر المهدد طالما أمكن دفعه بغير الجريمة ، فان ثبت انه كان يمكن دفع الخطر بغير الجريمة انتفى الدفاع الشرعي كليا .

أما شرط التناسب فانه يقتضي إذا كان لابد من استعمال الجريمة فإنها لا تبرر إلا بالقدر اللازم لرد خطر الجريمة الماثل وقوعها وما زاد عن ذلك فهو تجاوز لحدود الدفاع الشرعي ، و لم يتعرض المشرع الجزائري لحكم تجاوز الدفاع الشرعي (*) و عليه نطبق القواعد العامة ، فإذا اعتدى المعتدي على المعتدى عليه يحق لهذا الأخير أن يرد الاعتداء عن نفسه بقدر جسامته ، أما إذا تجاوز حدود الدفاع الشرعي – أي لم يكن الدفاع متناسبا مع فعل الاعتداء – فان فعل المدافع يشكل جريمة يعاقب عنها المدافع و لا يعف من العقاب (4) و لتحديد مسؤولية متجاوز حدود الدفاع الشرعي نميز بين ثلاث حالات تتوقف على مدى توافر القصد الجنائي .



- إذا كان التجاوز مقصودا بأن يدرك المدافع جسامة الخطر و في وسعه رده بفعل متناسب معه ، و لكنه يلجأ إلى قوة تزيد على ذلك يكون مسئولا عن جريمة عمدية ، لأن فعله أقرب إلى الانتقام منه إلى رد الخطر المحدق به (5) ، كأن ينتهز شخص فرصة

________________________

1)- د/ كامل عبد الواحد الجوهري ، حكم البراءة في القضايا الجنائية ، الطبعة الأولى ، مصر ، دار محمود ، سنة 2006 ص 104 .

2)- د/ عبد الحكم فودة ، امتناع المساءلة الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، مرجع سابق ، ص 116 .

3)- د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 169 .

*)- على خلاف نظيره الأردني الذي نص في المادة 60 قاع « إذا وقع تجاوز في الدفاع أمكن إعفاء فاعل ، الجريمة من العقوبة بالشروط المذكورة في المادة 79 » .

4)- د/ محمد أحمد المشهداني ، الوسيط في شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 209 .

5)-د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري " القسم العام" ، الجزء الأول ، المرجع السابق ، ص 142



الاعتداء عليه بالضرب فيقتل المعتدي عن قصد .

- إذا كان التجاوز مبنيا على خطأ المدافع في تقدير جسامة الاعتداء ، و كان بوسعه التحديد الصحيح لجسامة الخطر الماثل عليه ، و فعل الدفاع اللازم لدرئه ، يكون المتجاوز مسؤولا عن الجريمة التي ارتكبها مسؤولية غير عمدية (1) .

- و في الأخير لا يكون المتهم مسئولا إذا ثبت تجرد فعله من القصد و الخطأ كما لو كان التجاوز وليد اضطراب شديد أصابه على حين غرة ، و تعليل انتقاء المسؤولية هو تجرد فعله من الخطأ العمدي و غير العمدي كذلك .

بعد دراسة أسباب الإباحة التي نص عليها المشرع الجزائري في قانون العقوبات نتطرق في الفرع الموالي إلى رضا المجني عليه كسبب إباحة أقره القانون المقارن هذا السبب الذي أثار جدلا كبيرا حول مدى مصداقيته في الصفة الإجرامية عن الفعل و تبعا لذلك نعالجه فيما يلي :



الفرع الثاني : رضا المجني عليه

تقتضي الجريمة وجود الجاني و المجني عليه ، و غالبا ما تقع الجريمة خلافا لإرادة هذا الأخير و دون علمه المسبق بها ، و عليه يبدوا غريبا أن يطرح رضا المجني عليه كسبب للإباحة ، إلا أن الواقع يثبت وجود حالات يوافق المجني فيها على أن يتحمل نتائج الجريمة أو أن يكون محلا لها ، كأن توافق امرأة على إجهاضها من قبل الغير ، أو يوافق شخص على قتله لمعاناته من مرض يستعصي شفاءه .

و ما هذه الأمثلة إلا صور لرضا المجني عليه بوقوع الجريمة ضده ، و فيما يلي

ندرس رضا المجني عليه كسبب إباحة (*) وفق العناصر التالية :

________________________

2)- د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 202 .

*)- لأنه قد يكون لرضا المجني عليه كذلك تأثير على الدعوى العمومية ، فليس للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية في بعض الجرائم إلا بناءا على شكوى يقدمها المجني عليه كجرائم السرقة بين الأزواج ، و جرائم الزنا ، و إن لم يقدم هذه الشكوى فان ذلك يعنى انه قد رضي بعدم محاكمة المتهم ، و قد يكون له كذلك تأثير على الركن المادي في بعض الجرائم ، فالسرقة مثلا يقوم ركنها المادي على الأخذ أو الاختلاس ، و لا يتحقق ذلك إلا إذا كان المجني عليه غير راض عن خروج الشيء عن حيازته و دخوله حيازة الغير – و قد يكون الرضا عنصرا في بعض أسباب الإباحة مثل إباحة الأعمال الطبية التي تندرج تحت إذن القانون .





أولا : تعريف رضا المجني عليه .

عرفه الفقيه جريسيني على أنه « الإذن المعطى بواسطة شخص من أشخاص القانون الخاص لفرد أو أفراد لتنفيذ عمل معاقب عليه بواسطة القانون الوضعي و يترتب على هذا العمل الإتلاف أو الإضرار بمال أو مصلحة للشخص الذي صدر منه الإذن ، أو تعريضها للخطر » (1) .

و عرفه قانون العقوبات الهندي على أنه « القبول المبني على تحكم العقل الحرفي التفكير في الأمور و عواقبها دون إكراه أو غش أو غلط في فهم حقيقة الواقع » (2).

و يتضح أن أطراف الرضا هي :

* المجني عليه : و هو " الشخص الذي وقع عليه الاعتداء مباشرة " ، أو أنه " ذلك الشخص الذي يملك الحق المحمي من الجريمة أو المعرض للخطر و يرضى بتحمل الآثار الناجمة عن الجريمة " .

* من صدر إليه الرضا : قد يكون شخصا واحد ، أو مجموعة من الناس دون تحديد الشخص منهم فعلى سبيل المثال رضا مالك الأرض بأن يقوم أي شخص دون تحديد ببناء على أرضه .

بعد تعريف رضا المجني عليه نتطرق فيما يلي إلى مدى مصداقيته في محو الصفة الإجرامية عن الفعل .



ثانيا : مدى مصداقية رضا المجني عليه كسبب إباحة .

1- المبدأ العام : عدم جواز الاعتداء برضا المجني عليه كسبب إباحة .

القاعدة العامة أن رضا المجني عليه ليس سببا من أسباب الإباحة ، و القاعدة التي وردت به على سبيل الاستثناء الذي لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه (2).

فلا يمكن الاعتداد برضا المجني عليه لإباحة الجرائم التي تمس حقا أو مصلحة للدولة مثل جرائم اختلاس المال العام ، و تزييف العملة ، و تزوير المحررات الرسمية .

كما لا يمكن الاعتداد به في الجرائم التي ينال فيها الاعتداد حقا للمجتمع ، مثل

________________________

1)- د/ محمد صبحي نجم ، رضا المجني عليه و أثره على المسؤولية الجزائية ، الطبعة لا توجد ، مصر ، ديوان المطبوعات الجامعية ، سنة 1975 ، ص 58 -59 .

2)- د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سـابق ، ص 282 .

جرائم الفعل العلني المخل بالحياء ، و المتاجرة بالأشياء الممنوعة ، و تزوير المحررات العرفية ، ولا أثر لرضا المجني عليه في الجرائم ضد الأموال (1) . و قد يكون هذا الرضا سببا في تجريم فعل المجني عليه مثل جريمة قبول المجني عليه شيكا و هو يعلم أنه دون رصيد كما انه كذلك لا أثر لرضا المجني عليه في الجرائم التي ينال الاعتداء فيها حقا لنظام الأسرة ، مثل جرائم الزنا و هجر العائلة ، و إن كان المشرع يقرر عدم جواز تحريك الدعوى العمومية في جريمة الزنا مثلا إلا بعد تقديم شكوى من الزوج فلا يعنى ذلك أن سكوت الزوج يفيد إباحة الجريمة بل يعنى فحسب امتناع المتابعة القضائية لاعتبارات قدرها المشرع ، فإذا رضي الزوج المجني عليه و قدم شكوى أمكن رفع الدعوى العمومية ضد الزوجة الزانية و معاقبتها (2) .

كما ينعدم تأثير الرضا على فئة الجرائم التي تنال من حقوق الأفراد ، إلا أن لها أهمية اجتماعية كبيرة بحيث لا يجوز للأفراد التنازل عنها لما في ذلك من إهدار لمصلحة اجتماعية على جانب كبير من الأهمية ، و من أهم هذه الجرائم الاعتداء على الحياة

و سلامة الجسم ، فالحق في الحياة و سلامة البدن ليس حقا خالصا للأفراد و إنما يشترك المجتمع مع الأفراد في هذا الحق لأنه يتوقف عليه سلامة المجتمع كله (3) .

و على العكس من ذلك فقد يكون حق الفرد المعتدي عليه في الجريمة حقا خالصا له ففي هذه الحالة يعتد برضا المجني عليه كسبب إباحة ، و لعل هذا الفرض هو وحده المقصود برضا المجني عليه كسبب إباحة . و بالتالي نجد أن هناك استثناءات ترد على المبدأ القاضي بعدم جواز الاعتداء برضا المجني عليه كسبب إباحة نتطرق إليها فيما يلي



2- الاستثناءات الواردة على هذا المبدأ العام .

المعيار في تحديد جرائم الرضا يستند إلى الحق المعتدى عليه إن كان القانون يجيز للمجني عليه التصرف فيه ، فإذا كانت الإجابة بالإيجاب فتعدي الغير على هذا الحق لا يعد جريمة (4) ، مثل جرائم هدم ، أو تخريب ، أو إتلاف ملك الغير ، أو التعدي على

________________________

1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، المرجع السابق ، ص 151 .

2)-د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 279 .

3)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 362 .

4)-د/ عبد الحكم فودة ، أسباب امتناع المسؤولية الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، مرجع سابق ، ص 133.

المزروعات و الحيوانات و آلات الزراعة . فهذه الأفعال لا تعتبر جرائم إلا إذا ارتكب بغير رضا المالك ، أما إذا ارتكبها بنفسه أو رضي بارتكابها من قبل الغير لا تقوم بها الجريمة ، لأن الفعل يتحول من اعتداء على الملكية في حالة انعدام الرضا إلى تصرف في الشيء محل الملكية إذا توفر الرضا ، و من الصعب حصر الجرائم التي يعد الرضا سببا لإباحتها لان ذلك يتوقف على تحديد الحقوق المعتدي عليها ، و بيان ما إذا كان القانون يجيز التصرف فيها و نقلها للغير أم لا .

و الحقيقة أن الرضا في الأمثلة السابقة ليس سبب إباحة ، لأن أسباب الإباحة تفترض قيام الجريمة من حيث أركانها المادية ، ثم تقترن بها لتنفي الصفة الإجرامية عنها

و الأمر ليس كذلك في الجرائم السابقة ، فلو تمعنا فيها لوجدنا أن الجريمة غير قائمة أصلا ، فجريمة هدم ملك الغير لا يتصور وقوعها إلا إذا ارتكب الجاني أفعال الهدم دون رضا المالك ، فرض المالك عنصر سلبي من عناصر الركن المادي في هذه الجريمة

و انتفاءه يعني انتفاء الركن المادي للجريمة و بالتالي انتفاء الجريمة لعدم اكتمال أركانها و ليس لان رضا المجني عليه أباحها .

و نخلص مما تقدم إلى رفض اعتبار رضا المجني عليه سببا لإباحة الجرائم التي تنال حقوقا يجوز التصرف فيها و نقلها للغير ، و الصحيح أن الرضا يؤثر على أركان هذه الجرائم و على وجه الخصوص الركن المادي (2).



ثالثا : القتل برضا المجني عليه و بطلبه في القانون المقارن .

لم يأخذ المشرع الجزائري برضا المجني عليه كسبب إباحة في قانون العقوبات للأفعال المجرمة . و فيما يخص جريمة القتل مطلقا لم يأخذ برضا المجني عليه كسبب إباحتها و بالعكس تماما فهو يعاقب على مساعدة الغير على الانتحار طبقا لنص المادة 273 قاع و التي جاء فيها « كل من ساعد عمدا شخصا في الأفعال التي تساعده على الانتحار أو زوده بالأسلحة أو السم أو بالآلات المعدة للانتحار مع علمه بأنها سوف تستعمل في هذا الغرض يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا نفذ الانتحار ».

وفيما يخص التشريعيات الأخرى فقد نصت بعض التشريعيات على رضا المجني

________________________

1)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 362 - 364 .



عليه كسبب من أسباب الإباحة في حدود(1) من دلك المادة05 من ق ع الايطالي ( لا عقاب على من يعتدي على حق الغير أو يجعله في خطر إذا حصل دلك برضا صاحب الحق وكان من الجائز له التصرف في الحق ) (*) . وفيما يلي نركز على جريمة القتل برضا المجني عليه وبطلبه في بعض التشريعات.



1- في القانون الفرنسي :

إن قانون العقوبات الفرنسي لم ينص بنص خاص على جريمة القتل بناءا على الطلب بل ترك الأمر للقواعد العامة التي تعاقب على جريمة القتل العمد .فالقتل بناءا على طلب الضحية يعتبر جريمة قتل عمد حسب المادة295 قاع فرنسي. وهدا هو الرأي الراجح فقها و قضاء .

2- في القانون الانجليزي :

طبقا للرأي القاتل في انجلترا أن "حياة الإنسان ليست ملكه وحده بل ملك للمجتمع أيضا " فانه لا يحق لأي إنسان أن ينهى حياته برضاه أو بطلب من شخص أخر أن ينهى حياته. ولا اثر لرضا المجني عليه في جرائم القتل إلا في تخفيف العقوبة و تمييزها عن جريمة القتل العمد العادية .

3- في القانون الإيطالي :

نص القانون الإيطالي الصادر سنة 1930 فى المادة 579 على انه "من يرتكب جناية على شخص المجني عليه بناءا على رضاه يعاقب بالأشغال الشاقة من ( 06 سنوات إلى 15 سنة ) وتشدد العقوبات طبقا للمادة 61 إذا كان الفعل ارتكب في الحالات التالية :

- كل شخص يقل سنه عن18 سنه.

- كل شخص مجنون أو مريض عقليا أو مدمن على تعاطي المخدرات.

- كل شخص يكون رضاه اغتصب منه بواسطة الجاني بالعنف والتهديد (2).

________________________

1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، المرجع السابق ، ص 159 .

*)- كان القانون السوداني أسبق من القانون الإيطالي في النص على رضا المجني عليه كسبب إباحة ( المادة 51)

و قد نقل النص عن المادة 91 من القانون الهندي و نقلت المادة 39 من القانون الكويتي عن القانون السوداني .

2)- د/ محمد صبحي نجم ، رضا المجني عليه و أثره على المسؤولية الجزائية ، المرج السابق ، ص 128



4- في القانون السوداني .

على خلاف قانون العقوبات المصري الذي لا يعتبر رضا المجني عليه سبب مبيح لجريمة القتل بناءا على الطلب و الأخذ بقواعد القتل العمد طبقا للمادة230 ق ع مصري جعل قانون العقوبات السوداني الرضا سببا لتخفيف العقوبة بناءا على شروط محددة في المادة 51 من قاع هي :

– أن تكون سن المجني عليه تزيد عن 18سنة حتى يكون تميزه و تقديره للأفعال معتبرا.

- أن يكون الباعث أو الدافع انسانى نبيل يختلف عن الدافع الاجرامى .

وعلى هذا الشرط فان المنطق والعدالة يقتضيان عدم مساواة من يقتل زميله العسكري الجريح بجرح سام خطير بناءا على توسلاته مع من يقتل غيره حقدا

أو بدافع آخر (1).

وفيما يلي نتطرق لشروط رضا المجني عليه حتى ينتج أثره في قانون العقوبات.



رابعا : شروط رضا المجني عليه

سواء كان لرضا المجني عليه أثر على أركان الجريمة أو باعتباره أحد عناصر بعض أسباب الإباحة ، أو أحد أسباب الإباحة عند من يرى ذلك يجب أن تتوفر فيه الشروط التالية حتى يرتب آثاره و هي :

- أن يكون المجني عليه صاحب الحق متمتعا بأهلية الرضا .فتصح الإنابة من صاحب الحق نفسه أو ممن ينوب عنه متى كانت الإنابة جائزة (2). و يشترط أن يبلغ صاحب الحق سنا معينة لكي يعتد بالرضا الصادر عنه .و إذا لم يحدد المشرع سنا معينة يترك الأمر لتقدير قاضى الموضوع (3) .

- أن يكون الرضا خاليا من العيوب .فيجب أن يصدر الرضا باختيار المجني عليه و بإرادته الحرة السليمة ، ولا وجود له على الإطلاق إذا ما صدر عن شخص نتيجة تهديد



_______________________

1)- د/ محمد صبحي نجم ، رضا المجني عليه و أثره على المسؤولية الجزائية ، المرجع السابق ، ص 130 .

2)- محمد زكي أبوا عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 286 .

3)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 364 .

أو إكراه كما لا يعتد القانون الجزائي به إذا صدر عن شخص نتيجة الحيلة ، أو الخداع أو الغلط .

- المعاصرة الزمنية للرضا مع الفعل الواقع على المجني عليه , فلا عبرة للرضا إذا كان سابقا على الفعل , و إنما العبرة إذا استطال حتى وقت وقوع الفعل, كما لا عبرة به إذا قام بعد وقوع الفعل ، إذ الحكمة في المعاصرة أن الرضا بذلك ينفي عن الفعل وصف الجريمة و بالتالي ينفي عنه وصف الركن المادي ، و لا يحدث الرضا السابق أو اللاحق مثل هذا الأثر (1) .

- يشترط في الرضا الذي صدر من المجني عليه أن لا يكون مخالفا للنظام العام

و الآداب العامة ، فرضا الأشخاص البالغين بارتكاب الجرائم الجنسية علانية لا أثر له في إباحة جرائمهم لمخالفة النظام العام و الآداب العامة .



_______________________

(2): د/ عبد الحكم فودة ، امتناع المساءلة الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، مرجع سابق ، ص 134.






الفصل الثاني : مـــوانع المـــسؤولية .

بعد التطرق في الفصل الأول لأسباب الإباحة باعتبارها تلك الأسباب الموضوعية التي تقترن بالفعل الإجرامي فتزيل عنه الصفة الإجرامية بالنسبة لكل من ساهم فيه نحاول أن نتطرق في هذا الفصل إلى موانع المسؤولية .

و إذا كانت أسباب الإباحة تتصل بالركن الشرعي للجريمة فان موانع المسؤولية تتصل بالركن المعنوي للجريمة ، مما أكسبها الطبيعة الشخصية ، فلا يستفيد منها إلا من توافرت فيه و لا تتعدى إلى من ساهم في الجريمة .

و لمعرفة الضوابط التي تحكم موانع المسؤولية أثرنا أن ندرج تحت هذا الفصل مبحثين ، نعالج في المبحث الأول عموميات حول المسؤولية الجزائية و في المبحث الثاني تقسيم موانع المسؤولية و تفصيل ذلك كالتالي .





المبحث الأول : عموميات حول المسؤولية الجزائية .

قبل قيام الثورة الفرنسية كانت المسؤولية تنسب للإنسان و الحيوان على حد سواء عند ارتكاب فعل ضار ، و كانت الأفعال الإجرامية و العقوبة المحددة لها تخضع للسلطة التقديرية للقاضي، فكان الشخص إذا أتى فعلا لم يكن مجرما بنص قانوني ورغم ذلك رأى القاضي أن ذلك الفعل يستحق العقاب فإن ذلك الشخص حتما يعاقب.

كما كان فاقد الإدراك وحرية الاختيار يعاقب على ارتكابه الجريمة كما يعاقب من قام بها عن وعي وإرادة، وبقيام الثورة الفرنسية زالت هذه الأفكار وحلت محلها مبادئ جديدة جعلت الإدراك وحرية الاختيار أساسا لقيام المسؤولية الجزائية ، و أصبح المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه سياسة التجريم و العقاب أنه لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص القانون

و قرنية براءة المتهم إلى أن تثبت إدانته (1).

و بعد هذه اللمحة الوجيزة حول تطور المسؤولية الجزائية نتطرق فيما يلي لمفهوم المسؤولية الجزائية من خلال معرفة الأساس الذي تقوم عليه و المراحل التي مرت بها إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم .



المطلب الأول : مفهــوم المسؤولية الجــزائية .

إذا كانت الجريمة هي العمل الخارجي الذي نص عليه القانون و قرر له عقوبة إذا صدر عن إنسان ، فالمقصود بذلك أن الدولة ترمي بمباشرة حقها في العقاب المحافظة على كيانها بصفتها دولة ، و السهر على حماية الأمن و النظام العام .

و من الواضح أن نجاح العقوبة في بلوغ الغايات المذكورة رهين بمدى إدراك من تنزل به لما تنطوي عليه من معاني بمقدار ما تسلط عليه من ألم .

لذلك كان الإنسان على فرض تمتعه بالملكات التي تؤهله للإدراك و الإحساس هو دون غيره الذي يصلح لان يكون محلا للمسؤولية الجزائية .

و المسؤولية الجزائية قال عنها البعض أنها « تعبير عن ثبوت نسبة الوضع الإجرامي للواقعة المادية التي يجرمها القانون إلى شخص معين متهم بها ، بحيث

________________________

1) – د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المجلد الخامس ، مرجع سابق ، ص 140 .

يضاف هذا الوضع إلى حسابه فيتحمل تبعته ويصبح مستحقا للمؤاخذة عنه بالعقاب » (1)

و يرى البعض أن للمسؤولية الجزائية مفهومان .

- مفهوم مجرد : يراد به صلاحية الشخص لأن يتحمل تبعة سلوكه ، و هنا نجد أن المسؤولية تتعلق بصفة الشخص ، أو حالة تلازمه سواء وقع منه ما يقتضي المساءلة أو لم يقع منه شيء .

- مفهوم واقعي : يراد به تحميل الشخص تبعة سلوك صدر منه حقيقة، و هنا المسؤولية ليست مجرد صفة أو حالة قائمة بالشخص ، بل هي جزاء أيضا و هذا المفهوم يحتوي المفهوم المجرد لأنه لا يتصور تحميل شخص تبعة سلوكه إلا إذا كان أهلا لتحمل هذه التبعة (2) .

و هناك من يرى أن المسؤولية الجزائية هي « أهلية الإنسان العاقل الواعي لأن يتحمل جزاء العقاب نتيجة اقترافه جريمة من الجرائم التي نص عليها قانون العقوبات ، و هو بذلك يميزها عن المسؤولية المدنية التي هي أهلية الإنسان لتحمل التعويض المترتب عن الضرر الذي ألحقه بالغير نتيجة الإخلال بالتزام قانوني أو تعاقدي » (3).

و المسؤولية الجزائية على الوجه السابق توضيحه ليست ركنا من أركان الجريمة إذ لا تنشا إلا إذا توافرت ابتداءا جميع أركان الجريمة ، فهي أثر لاجتماع هذه الأركان في شخص عاقل مميز متمتع بحرية الاختيار في إتيان الأفعال أو الامتناع عنها ، و يتوافق هذا التحليل مع اشتقاق لفظ المسؤولية فهو مرادف المساءلة أي سؤال الجاني عن السبب في اختياره الجريمة سلوكا مخالفا لما يقضي به القانون.

و فكرة المسؤولية الجزائية ليست فكرة وليدة العصر الحديث ، و إنما كانت معروفة في القوانين القديمة ، كل ما في الأمر أنها كانت تتحدد على نحو مخالف لما هي عليه الآن ، لأن القانون إذ ينشأ في بيئة معينة فانه يتأثر بها و بمعتقداتها ، و عليه فان دراسة

المسؤولية الجزائية لا يجب أن تتم بمعزل عن إطارها التاريخي و لا يتحقق ذلك إلا

________________________

1)- د/ عبد الحميد الشواربي ، المسؤولية الجنائية في قانون العقوبات و الإجراءات الجنائية ، الطبعة لا توجد ، مصر دار الجامعة الجديدة ، سنة 1998 ، ص 05 .

2)- د- أحمد أبو الروس ، القصد الجنائي و الشروع و علاقة السببية و الدفاع الشرعي ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار المكتب الجامعي الحديث ، سنة 2000 ، ص 71 .

3)- د- سمير عالية ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 273 .

بمعرفة أساس المسؤولية الجزائية ، و المراحل التي مرت بها عبر الزمن لغاية وصولها إلى ما هي عليه اليوم و تبعا لذلك ندرج تحت هذا المطلب فرعين ، نتناول في الفرع الأول أساس المسؤولية الجزائية و في الفرع الثاني مراحل المسؤولية الجزائية .



الفرع الأول : أساس المسؤولية الجزائية .

إن تحديد أساس المسؤولية الجزائية يعتبر أمر لا غنى عنه عند رسم السياسة الجزائية. إذ أنه بمقتضاه يتم تحديد الشروط الواجب توفرها لقيام المسؤولية الجزائية

و هو الذي يحدد رد الفعل الاجتماعي إزاء الجريمة إن كان عقوبة أو تدبير أمن . كما تبرز أهمية تحديد أساس المسؤولية الجزائية بصفة خاصة بالنسبة لطوائف المجرمين الذين يشكل سلوكهم و حالاتهم الخاصة خطورة على المجتمع .

و يتمحور أساس المسؤولية الجزائية حول فكرتين أساسيتين هما حرية اختيار السلوك الإجرامي من ناحية ، و حتمية السلوك الإجرامي من ناحية أخرى .

و فيما بعد ظهر مذهب يهدف للتوفيق بين حرية الاختيار و الحتمية . و هذا ما سنتطرق إليه فيما يلي :



أولا : مذهب حرية الاختيار .

يرى بعض الفقه أن المسؤولية الجزائية تقوم على أساس حرية الإنسان في الاختيار .

فكل إنسان بالغ عاقل يستطيع التمييز بين المباح و المحظور ، كما يستطيع التحكم في سلوكه فلا يأتي من الأفعال إلا ما يريد (1) . و لهذا يجب أن يسأل عما وقع منه ، و أن يتحمل تبعته . و لا تنتف المسؤولية عند أنصار هذا المذهب إلا إذا فقد الشخص قدرته على الإدراك و الاختيار ، لان عقابه سيكون ظلما من جهة ، و غير مجد من جهة أخرى .

فمناط المسؤولية حسب هذا المذهب هو حرية الإنسان في توجيه إرادته نحو السلوك الإجرامي ، و طالما توفرت هذه الحرية الكاملة كان الإنسان مسئولا عن سلوكه و إذا انعدمت حرية الإرادة أو إذا انتقصت وجب القول بانعدام المسؤولية أو تخفيفها ، فالإنسان لا يسأل جزائيا إلا في حدود القدر من الحرية التي توافرت له وقت التصرف الذي وجه

________________________

1)- د/ عوض محمد عوض ، قانون العقوبات " القسم العام " ، الطبعة لا توجد ، دار الجامعة الجديدة ، سنة 2000 ص 418 .

إرادته فيه إلى السلوك المخالف للقانون (1). و يستند أنصار هذا المذهب إلى حجة رئيسية مؤداها أن حرية الاختيار هي الأساس الوحيد الذي يمكن تصوره للمسؤولية الأخلاقية

أو القانونية و دون هذه الحرية لن يكون للمسؤولية معنى ، و لا يمكن أن تستند إلى أساس آخر يدعمه القانون . و في مجال القانون الجزائي يتوافق مذهب حرية الاختيار كأساس للمسؤولية الجزائية مع الوظيفة الاجتماعية لهذا القانون ، فإذا كان العقاب يهدف إلى الشعور بالعدالة وجب لضمان تحقيق هذا الهدف أن لا يخضع للعقاب إلا من يكون سلوكه مستوجبا ، اللوم و السلوك لا يكون كذلك إلا حين يكون وليد حرية الاختيار (2).

إلا أن هذا المذهب انتقد بشدة على أساس ان حرية الاختيار وهم يكذبه الواقع ، و لا يمكن تأسيس المسؤولية الجزائية على أساس أخلاقي أو أدبي فالإنسان مسير لا مخير (*)

كما انتقد هذا المذهب على أساس أنه يركز جل اهتمامه على الجريمة دون المجرم ، في حين نجد أن الجريمة ما هي إلا مظهر خارجي لنفس شريرة ، و دليل على وجود شخصية خطرة هي الأولي بالعناية و الدراسة و ذلك لاتخاذ الوسائل المناسبة لتجنب شرها (3).

وعلى اثر هذه الانتقادات التي وجهت لهذا المذهب ظهر مذهب آخر هو مذهب الحتمية .



ثانيا : مذهب الحتمية .

يطلق البعض على هذا المذهب اسم النظرية الواقعية أو الجبرية ، التي مؤدها إن الإنسان خاضع خضوعا تاما لظروف الحياة التي لا تترك حرية الاختيار ، و إن كل نشاطه الضار و النافع نتيجة حتمية لأسباب مختلفة متصلة بطبيعته و بيئته و تكوينه و هذا لا يعني ترك المجرم دون عقاب ، لأن الجريمة مقدرة عليه بل يجب اتخاذ الوسائل الكفيلة بحماية المجتمع من خطورته .

____________________

1)- د/ عبد الحميد الشواربي ، المسؤولية الجنائية في قانون العقوبات و الإجراءات الجنائية ، المرجع السابق ص 05 .

2) - د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " مرجع سابق " ، ص 08 .

*)- حيث يقول في هذا الصدد الأستاذ جاروفالو و هو أحد أقطاب المدرسة الوضعية « لا نستطيع أن نبني قانوننا العقابي على أساس المسؤولية الأخلاقية ، فإرادة الفرد تخضع و على الدوام لمؤثرات داخلية و خارجية »

3)- د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 517

و المجرم حسب هذا المذهب منقاد إلى الجريمة ، و لا محل لإسناد المسؤولية إليه على أسس أخلاقية ، و إنما يسأل مسؤولية اجتماعية تقوم على مجرد توافر رابطة السببية بين الفعل و الفاعل بشرط أن تثبت خطورة هذا الأخير على المجتمع .

و بناءا على ذلك يتجرد الجزاء الذي يتخذ قبل المجرم من كل معاني اللوم ، و يصبح مجرد وسيلة دفاع اجتماعي بهدف تجنب الخطورة الإجرامية . و لا يكون داع لموانع المسؤولية فكل مجرم و لو كان مجنونا هو مصدر خطورة و لا بد من تدبير يتخذ لمواجهة هذه الخطورة (1) . و لكن هذا المذهب هو الآخر لم ينج من النقد .فالقول بأن المجرم مجرد آلة بيد الظروف و العوامل المختلفة قول لا يمكن التسليم به ، لأنه و إن كانت الجريمة ترجع فعلا إلى عوامل مختلفة إلا أن الإرادة و حرية الاختيار هي أقوى هذه العوامل .

كما أن هذا المذهب يغفل شعور الناس بضرورة إقامة العدل ، و معاقبة المجرم على مخالفته القانون ، و الاعتداء على حقوق الغير ، و يهتم فقط بإجراءات الوقاية التي تحمي المجتمع مستقبلا .

و أمام هذه المواقف المتعارضة تماما حول أساس المسؤولية الجزائية ظهرت مدارس وسطية حاولت التوفيق بين الرأيين السابقين (2) .



ثالثا : المذهب التوفيقي .

يقوم هذا المذهب على مبدأ حرية الاختيار ، و لكنه يذهب الى أن هذه الحرية غير مطلقة و لا متساوية عند جميع الأشخاص . فأما انها غير مطلقة فلأن هذه الحرية هي قدرة مقاومة الدوافع و الميول المختلفة ، و هذه القدرة مقيدة بطباع الإنسان و ما وجد فيه من ظروف . و أما أنها غير متساوية عند جميع الأشخاص فيعني ذلك أنها تتفاوت من شخص إلى آخر حسب ميوله و نزعاته الشخصية ، بل أنها تختلف حتى عند الشخص الواحد باختلاف الأزمنة و الملابسات. و التسليم بحرية الاختيار كأساس للمسؤولية الجزائية لا يعني إهمال دراسة العوامل التي تحيط بسلوك الفرد ، و تتظافر مع إرادته في إنتاج الجريمة . فالعناية بشخص مرتكب الجريمة .

________________________

1)- د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 519

2) – د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 243 .

و محاولة استئصال خطورته الإجرامية عن طريق العقوبة أو التدبير لا يتعارض مع نسبة الجريمة إلى إرادته الحرة و لا تناقض في الجمع بين المسؤولية الجزائية التي تقوم على حرية الاختيار ، و التي تقوم على توافر الخطورة الإجرامية (1) .

و قد أقام الاتحاد الدولي لقانون العقوبات المسؤولية الجزائية على مذهب حرية الاختيار من جهة ، و نادى بالخطورة الإجرامية من جهة أخرى (2) .

أما المشرع الجزائري فقد اعترف بحرية الاختيار في إقامة المسؤولية الجزائية . و الدليل على دلك أنه استبعد المسؤولية الجزائية في الحالات التي انتفت فيها حرية الاختيار حسب ما سيتم بيانه في المبحث الثاني من هذا الفصل.

و مع ذلك لم يأخذ بمبدأ حرية الاختيار على إطلاقه ، و إنما هذه الحرية مقيدة تستتبع وضع تدابير أمن للحالات التي يستلزم فيها قيام المسؤولية ذلك .



الفرع الثاني : مــراحل المسؤولية الجزائية .

محل المسؤولية الجزائية في التشريعات الحديثة هو الإنسان الحي الذي ارتكب سلوكا مجرما ، و توافرت لديه الأهلية الجنائية . ذلك أن قانون العقوبات قانون إنساني لا يوجه أوامره و نواهيه إلا لمن يدركها . و إذا كان هذا هو الأصل العام إلا أن المسؤولية الجزائية قد تقوم بحكم القانون قبل من لا وعي له ، و لا إرادة . و نقصد بالضرورة هنا الشخص المعنوي . هذا ما يجرنا للحديث على مراحل المسؤولية الجزائية .

أولا : المسؤولية الجزائية التقليدية .

لقد كانت المسؤولية الجزائية ثمرة تطور في المفاهيم الجزائية استغرق حقبة من الزمن انتهت في أواخر القرن التاسع عشر (19) إلى الإقرار بشخصية المسؤولية . ففي البداية كان أساس المسؤولية الجزائية يتمثل في الفعل المادي ، و كان الإنسان يسأل عن فعله باعتباره مصدرا للضرر بصرف النظر عما إذا كان قاصدا فعله ، أو غير قاصد له سواء كان مدركا لفعله ، أو غير مدرك له ، و سواء كان حرا أو مكرها في ارتكابه (3)

ثم جاءت التعاليم الدينية لإقامة المسؤولية على أساس الخطأ الشخصي ، و لقد أقرت

________________________

1)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 16 .

2) – د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 243 .

3)- د-/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 166 .



الشريعة الإسلامية هذا الأساس منذ أكثر من أربعة عشر قرنا . حيث نجد عدة آيات في القرآن الكريم تقيم المسؤولية على أساس الخطأ الشخصي نذكر منها :

قوله تعالى « لا تزر وازة وزر أخرى » (*أ) .

و قوله تعالى « من يعمل سوءا يجز به »(*ب) .

و قوله تعالى « و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم » (*جـ) .

غير أن قيام الخطأ وحده غير كاف لمساءلة شخص عن فعله المجرم قانونا و تحميله نتائج هذا الفعل ، فيجب أن يكون الفاعل قد قام بالفعل و هو مدرك و قادر على اتخاذ القرار بشأن ما يفعل .

و يذهب البعض إلى القول أن الخطأ نفسه لا يتوافر عند فقدان الادارك و الوعي لأن القصد أو الإهمال يفترضان صدورهما عن إدراك ووعي ، و هما شرطان لقيام الخطأ

ذاته (1) . فيما يرى البعض الآخر أن الخطأ يتوفر عند مخالفة القاعدة الجزائية ، إلا أن مساءلة الفاعل تستوجب إدراكه ووعيه بما قام به . فمن كان فاقدا وعيه يخطئ إلا أنه لا يعاقب (*د) .



ثانيا : المسؤولية الجزائية الحديثة .

و تضم المسؤولية عن فعل الغير و مسؤولية الشخص المعنوي .

1- المسؤولية عن فعل الغير :

الأصل العام أنه لا يسأل الا من ارتكب الجريمة أو شارك فيها ، غير أن بعض القوانين توحي أن هناك شذوذا فيما يتعلق بهذا المبدأ . لا سيما في المجال الاقتصادي كتلك القوانين التي تعاقب رئيس تحرير الجريدة أو المحرض المسئول بصفة فاعلا أصليا للجرائم التي ترتكب من طرف المحررين و تعفيه من المسؤولية في حالتين :

________________________

*أ)- سورة النجـــم ، الآية 37 .

*ب)- سورة النســاء ، الآية 123 .

*جـ)- سورة الشـورى ، الآية 49 .

1)- د/أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 168 .

*د)- و هذا ما أخذ به المشرع الفرنسي في المادة 122/1 من قانون العقوبات المعدل في 22/01/1992 و التي جاء فيها « إن قائد الوعي و الإدراك لا يسأل جزئيا » و كذلك المشرع الجزائري في المادة 47 قاع « لا عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة »



- إذا ثبت أن النشر حصل دون علمه ، و قدم منذ بداية التحقيق كل المعلومات المساعدة على معرفة المسؤول .

- إذا أرشد أثناء التحقيق عن مرتكب الجريمة ، و قدم كل ما لديه من المعلومات

و الأوراق لإثبات مسؤوليته .

و من تلك القوانين أيضا التي تجعل كل ما يقع في المحل من مخالفات من مسؤولية من يكون مستغلا للمحل ، أو مديرا له أو مشرفا على أعماله (1).

و قد اختلفت الآراء حول تحديد طبيعة ، و أساس المسؤولية في الأحوال السابقة .

فمنهم من قال أنها مسؤولية مفترضة في الحقيقة ، أقامها المشرع حتى لا يفلت من العقوبة أصحاب المصلحة الحقيقية في العمل إذا ما اخل أتباعهم بالإجراءات المفروضة بحسن سير و حماية المصلحة العامة .

و منهم من قال أنها مسؤولية موضوعية ، مناطها ثبوت الصفة ككون الشخص مالكا

أو مستغلا أو مديرا ، و حدوث الواقعة الإجرامية يؤدي إلى قيام المسؤولية دون حاجة إلى ثبوت الخطأ أو افتراضه .

و يرى البعض أن المسؤولية في الأحوال السابقة ليست من قبيل المسؤولية عن فعل الغير ، بل هي مسؤولية عادية ، فالقانون في هذه الأحوال يلزم شخصا معينا بمراقبة نشاط غيره و إذا أخل بهذا الالتزام قامت جريمة ركنها المادي الامتناع أما ركنها المعنوي فهو العمد إذا اتجهت إرادته الحرة إلى الإخلال بهذا الالتزام ، أو الخطأ إذا لم يوجه إرادته الحرة إلى ذلك رغم قدرته على الوفاء بالتزامه .

و أول من كرس هذه المسؤولية هو الاجتهاد القضائي الفرنسي منذ القرن التاسع عشر و حرص على إظهار طابعها الاستثنائي لأنها تشكل خروجا على شخصية العقوبة

و المسؤولية (2) . و تجد هذه المسؤولية تطبيقها أساسا في المجال الصناعي خاصة لدى رئيس المؤسسة و لكي تقوم لابد من توفر شروط هي :

- أن تكون الجريمة مرتكبة من قبل التابع أو الأجير .

________________________

1) - د/ عوض محمد عوض ، قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 444 – 445 .

2)- د / أحمد أبو الروس ، القصد الجنائي و الشروع و علاقة السببية و الدفاع الشرعي ، مرجع سابق ، ص 178 .



- أن يكون رئيس المؤسسة أو المتبوع قد ارتكب هو بنفسه خطأ سمح أو سهل أو أسهم في الجريمة التي ارتكبها التابع أو الأجير .

- أن لا يكون رئيس المؤسسة قد فوض بصفة قانونية سلطات الحراسة و الرقابة الواقعة على عاتقه إلى شخص مؤهل .



2- مسؤولية الشخص المعنوي :

من المسلم به أن الأشخاص الاعتبارية تسأل مدنيا عن الأضرار التي تصيب الغير من أعمال من يمثلونها قانونا أثناء أدائهم لوظائفهم ، و لكن المسؤولية الجزائية للأشخاص الاعتبارية محل نظر كأن يحوز ممثل الشخص المعنوي مخدرا لحساب هذا الشخص المعنوي ، أو أن يعطي رشوة لتسهيل صفقة على الشخص المعنوي .

و يثار التساؤل عن مدى أهلية الشخص المعنوي لتحمل المسؤولية الجزائية عن تلك الجرائم التي يرتكبها ممثلها القانوني لحسابها .

يذهب الرأي الراجح في الفقه و القضاء ، إلى عدم الاعتراف للشخص المعنوي بالأهلية الجنائية لان تلك الأهلية تقوم على الإدراك و حرية الإرادة التي لا توجد إلا عند الإنسان . كما أن الشخص المعنوي لا يمكن أن تطبق عليه أهم العقوبات المقررة للجرائم كالإعدام ، و العقوبات السالبة للحرة . و إن طبقت عقوبتي الغرامة و المصادرة عليه كان ذلك إهدارا لمبدأ شخصية العقوبة .

لان العقوبة هنا تصيب جميع الأفراد المكونين له و إن لم يكن لهم دخل في الجريمة المرتكبة ، كما انه لا يمكن تحقيق أهداف العقوبة بتطبيقها على الشخص المعنوي (1) .

و يذهب جانب آخر من الفقه إلى أن الشخص المعنوي قد يشكل خطورة على المجتمع و لا يجب أن يقف مبدأ إنكار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي أمام حماية المجتمع بل لابد من اتخاذ الإجراءات الضرورية لمواجهة هذه الخطورة . و تتمثل هذه الإجراءات في تدابير الأمن منها حل الشخص الاعتباري ووضعه تحت الحراسة و حظر بعض أوجه نشاطه ، و مصادرة أمواله .



كما أن التطور الهائل في مجال الصناعة أدى إلى تزايد الجماعات التي أنيط بها دور فعال في مختلف المجالات ، و قد سبق و أن اعترف القانون المدني لهذه الجماعات

1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 140 .

بالشخصية الحقيقية ، و حان الوقت ليعترف قانون العقوبات لها بذلك (1) .

أما عن موقف المشرع الجزائري فقد أخذ بمبدأ عدم مساءلة الشخص المعنوي جزائيا عن الجرائم التي يرتكبها ممثلوه لحسابه ، و إنما يتحمل مسؤوليتها الإنسان الذي ارتكبها (2)

و لكنه مع ذلك أقر حل الشخص المعنوي ، و مصادرة أمواله ، و إغلاق المؤسسة كعقوبة تكميلة للجريمة التي ارتكبها ممثله .



الساعة الآن 01:45 AM