-
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام :
26-03-2013
رقم العضوية :
148
المشاركات :
94
الجنس :
الدعوات :
2
قوة السمعة :
50
المستوي :
ليسانس
الوظــيفة :
طالب
-
المطلب الثاني : انتقاء المسؤولية الجــزائية .
ان تمتع الشخص بجملة من الصفات و المؤهلات الشخصية يؤهله للقيام بجملة من التصرفات النافعة أو الضارة . هذه الأخيرة التي تأخذ شكل جرائم يعاقب عنها قانون العقوبات و القوانين المكملة له و بالتالي فهذا الشخص الذي ارتكب هذه الأفعال عن وعي و إرادة يتحمل نتائجها أي قيام المسؤولية الجزائية في حقه .
و لكن قد تنشا عوارض تؤدي إلي انتفاء المسؤولية الجزائية عن هذا الشخص و قد أطلقت معظم التشريعات على هذه العوارض تعبير موانع العقاب و الأصح أن يطلق عليها تعبير موانع المسؤولية الجزائية ، لان تأثيرها لا يقتصر على مجرد الإعفاء من العقاب بل يمتد إلى أركان المسؤولية الجزائية فيعطلها ، و يجعلها غير صالحة لقيام هذه المسؤولية .
ولكن ما يلاحظ أن انتفاء المسؤولية الجزائية ، و إفلات الفاعل من العقاب لا يمنع من خضوعه لتدابير الأمن ، متى ظهرت خطورته الإجرامية على نفسه و المجتمع و قبل التطرق إلى تقسيمات موانع المسؤولية نتطرق أولا إلى أركان المسؤولية الجزائية و من ثم نعرج للحديث عن الأسباب التي تؤدي إلى إسقاط احد هذه الأركان و بالتالي انتفاء المسؤولية الجزائية ، و نختم هذا المطلب بالحديث عن الفرق بين المسؤولية الجزائية
و المدنية .
الفرع الأول : أركان المسؤولية الجزائية .
تقوم المسؤولية الجزائية على ركنين هما الخطأ و الأهلية .
________________________
1)- د / أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 190 .
2) - د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات ، " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 142 .
أولا : الخطأ
هو إتيان فعل مجرم قانونا و معاقب عليه سواء عن قصد أو عن غير قصد و لكي
تقوم المسؤولية الجزائية عن عمد يجب أن تكون الفاعل على علم بكل العناصر التي يتطلبها القانون لتكوين الجريمة و هذه العناصر هي :
1- موضوع الحق المعتدى عليه : أي الحق الذي يحميه القانون عن طريق تقرير العقاب على الاعتداء الواقع عليه ، و الذي ينصب عليه فعل الجاني (1) . ففي جريمة القتل يجب أن يعلم الجاني بأنه يوجه فعله المجرم قانونا إلى إنسان حي . و عليه فالطبيب الذي يشرح جسم إنسان معتقدا أنه ميت بينما هو حي فيؤدي إلى وفاته فالقصد الجنائي لا يتوفر لديه ، و إن كان يعتبر مسئولا عن جريمة غير عمدية .
2- العلم بخطورة الفعل على المصلحة المحمية قانونا : إذا اعتقد الفاعل أن فعله لا يكون خطرا على المصلحة المحمية قانونا ثم قام بفعله ، ففعله لا يعد جريمة عمدية ، بل يسأل عن جريمة غير عمدية .
3- العلم بزمان و مكان الجريمة : الأصل العام أنه إذا ارتكبت الجريمة من الجاني يعاقب عليها في كل زمان و مكان ، لكن يمكن أن يشترط القانون في بعض الجرائم أن تكون في أماكن محددة مثال ذلك المادة ( 97 قاع ) المتعلقة بجريمة التجمهر التي لا تتم إلا في مكان عام . و كذلك المادة (314 قاع ) المتعلقة بجريمة ترك الأطفال التي لا تتم إلا في مكان خال .
كما يمكن أن يشترط القانون أن تكون بعض الجرائم في زمن محدد مثل جرائم إجراء مراسلات ، أو إقامة علاقات مع مواطن ، أو عملاء دولة معادية بغير إذن من الحكومة ، في وقت الحرب حسب المادة (72 قاع ) .
4- العلم ببعض صفات الجاني أو المجني عليه : كعلم المرأة التي تحاول إجهاض نفسها بأنها حامل ، و كذلك الأمر في جريمة الخيانة كحمل السلاح ضد الجزائر حسب المادة (61 قاع ) فلا تقوم الجريمة بصورة عمدية في هذه الحالة إلا إذا كان الفاعل يعلم أنه جزائري .
________________________
1)-د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام" ، مرجع سابق ، ص 330 .
5- توقع النتيجة : بمعنى اتجاه إرادة الجاني لتحقيق هدف معين كأحد عناصر الركن المادي للجريمة ، فإذا كانت الجريمة قتلا يتعين أن يتوقع الجاني وفاة إنسان بمعناها المجرد ، و لا أهمية بعد ذلك لأن يكون الإنسان معينا بذاته أو جنسه (1) أو حالته الاجتماعية ، لأن هذه الأوصاف تخرج عن المدلول القانوني للنتيجة .
ثانيا : الأهليــة .
لا يحمل القانون شخصا نتائج تصرفاته إلا إذا كان قادرا على فهمها و حرا في اختيارها و باعتبار الإرادة عنصر من عناصر الأهلية للمسؤولية فهي القدرة النفسية التي يستطيع بها الشخص أن يتحكم في نشاطه العضوي ، أو الذهني بحيث يستطيع أن يسلك سلوكا معينا و يمتنع عنه (2) .
فلا تقوم المسؤولية على شخص لا قدرة له على إدراك و فهم ما يقوم به من تصرفات . كالمجنون أو القاصر غير المميز . كما لا تقوم المسؤولية أيضا على من أكرهته قوة غالبة لم يكن له مقوماتها ، ز أفقدته حرية الاختيار ، كما في حالة الضرورة ، و الإكراه (3) .
و بعد أن تطرقنا إلى أركان المسؤولية الجزائية نتطرق فيما يلي إلى أسباب امتناع المسؤولية الجزائية .
الفرع الثاني : أسباب امتناع المسؤولية الجزائية .
تمتنع المسؤولية الجزائية بتخلف أحد أركانها فلا مسؤولية جزائية بلا خطأ و لا مسؤولية جزائية بلا أهلية .
و عليه أسباب امتناع المسؤولية قد تكون بسبب انعدام الأهلية و تضم صغر السن
و الجنون ، و السكر بتحفظ . و قد تكون بسب انعدام حرية الاختيار ، و تضم حالة الضرورة و الإكراه .
و أسباب إمتناع المسؤولية الجزائية بصفة عامة مرتبطة بالركن المعنوي للجريمة فتجرد الفاعل من التمييز ، و حرية الاختيار و تجعل إرادته غير معتبرة قانونا .
________________________
1)- د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام" ، مرجع سابق ، ص 329 .
2) - د/ عبد الحكم فودة ، أسباب امتناع المسؤولية الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، مرجع سابق ، ص 52
3) - د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 268 .
و هي ظروف شخصية لا تثار إلا بعد نسبة الجريمة إلى مرتكبها ، و لا يستفيد منها إلا من توافرت فيه . كأن يشترك مجنون أو صغير في إرتكاب الجريمة فانتفاء المسؤولية لا يكون إلا بالنسبة للمجنون أو الصغير .
و أسباب امتناع المسؤولية الجزائية على خلاف أسباب الإباحة لا ترفع الصفة الإجرامية عن الفعل ، و إنما يقتصر أثرها على نفي المسؤولية الجزائية في حق مرتكبها فقط . إلا أنها لا تنف الخطورة الإجرامية لدى الفاعل فيجوز تطبيق تدبير إحترازي إتجاهه (1) .
و بعد أن تطرقنا إلى أركان المسؤولية الجزائية ، و أسباب امتناعها نتطرق فيما يلي إلى الفرق بين المسؤولية الجزائية و المدنية . و قد ركزنا على المسؤولية المدنية دون غيرها من المسؤوليات نظرا لأهميتها . و اتصالها بالمسؤولية الجزائية في غالب الأحيان فإذا أثبتت المسؤولية الجزائية ترتبت المسؤولية المدنية بالضرورة .
الفرع الثالث : الفرق بين المسؤولية الجزائية و المسؤولية المدنية .
تختلف المسؤولية الجزائية عن المسؤولية المدنية من عدة جوانب نذكرها في النقاط التالية :
- المسؤولية الجزائية تنشأ عن فعل سبب ضررا للمجتمع ، في حين أن المسؤولية المدنية تترتب من فعل أضر بصالح الفرد .
- الجزاء المترتب على الفعل المنشئ للمسؤولية الجزائية يكون عقوبة جزائية بينما الجزاء على الفعل المنشئ للمسؤولية المدنية هو التعويض .
- الذي يتولى رفع الدعوى عن المسؤولية هو الدولة و تمثلها النيابة العامة بينما الذي يرفع الدعوى عن المسؤولية المدنية هو الشخص الذي أصابه الضرر .
- الجريمة التي ترتب المسؤولية الجزائية تقع على المجتمع فليس للنيابة العامة أن تتنازل أو تتسامح فيه و لا أن تتصالح مع مرتكبه ، بينما يجوز للمضرور في
المسؤولية المدنية أن يتنازل عن حقه في التعويض و أن يتصالح مع المسؤول .
قد ينشأ عن الفعل مسؤولية جزائية دون أن ينشأ عنه مسؤولية مدنية ما دام لم
________________________
(1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 72
ينشأ عنه ضرر للأفراد . مثال ذلك جريمة حمل السلاح دون ترخيص أو الشروع
في القتل و بالعكس قد يرتب الفعل مسؤولية مدنية دون أن يقع تحت طائلة قانون العقوبات و يرتب مسؤولية جزائية مثل المنافسة غير المشروعة .
- الاختصاص القضائي بالنظر في الدعاوى التي ترفع عن المسؤولية الجزائية للمحاكم الجزائية وحدها ، بينما الاختصاص بالنظر في دعاوى المسؤولية المدنية هو المحاكم المدنية في الأصل و استثناءا من هذا الأصل للمضرور من فعل يرتب المسؤولية الجزائية أن يرفع دعوى المدنية إلى المحكمة الجزائية التي تنظر في المسؤولية الجزائية بشرط أن يكون الضرر مترتبا على الجريمة محل المتابعة (1).
- تتقادم دعوى المسؤولية المدنية بمضي خمسة عشر (15) سنة حسب المادة 133 قام ، بينما في المسؤولية الجزائية المترتبة على جناية يسقط الحق في رفع الدعاوى بمضي عشر (10) سنوات من يوم وقوع الجناية و ثلاث(03) سنوات من يوم وقوع الجنحة ، و سنتين من يوم وقوع المخالفة حسب المادتين ( 07-08 قا اج ) .
- إذا رفعت الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية ، و الدعوى العمومية أمام المحكمة الجزائية فيجب على المحكمة المدنية أن توقف الفصل في الدعوى المدنية حتى تفصل المحكمة الجزائية في الدعوى الجزائية .
- إذا رفع المدعي المدني دعواه المدنية المترتبة على جريمة إلى المحكمة المدنية فليس له أن يعدل عنها بعد إنتهاء المرافعة إلى المحكمة الجزائية ، إذ أن المحكمة المدنية هي الأصل و لا يجوز العدول عن الأصل . و مع ذلك فالقضاء الفرنسي يجيز العدول إذا كانت المرافعة لم تنته بعد أو كانت المحكمة المدنية غير مختصة أما إذا رفع المدعي المدني دعواه أمام المحكمة الجزائية بالتبعية للدعوى الجزائية فان له أن يعدل عنها و يرفعها إلى المحكمة المدنية .
________________________
1)- د/ علي علي سليمان ، النظرية العامة للالتزام ، الطبعة الخامسة ، الجزائر ، ديوان المطبوعات الجامعية
" بن عكنون " ، سنة 2003 ، ص 339 .
- الحكم الصادر في الدعوى العمومية من القضاء الجزائي إذا حاز قوة الأمر المقضي فيه ، يقيد القاضي المدني فيما فصل فيه من وقائع تتعلق بموضوع الفعل المجرم فلا يجوز للقاضي المدني أن ينسب إلى شخص فعلا نفي القاضي الجزائي صدوره منه ، و لكن ذلك لا يمنع القاضي المدني من أن يقضي في بعض الأحوال بتعويض ضرر مادي عن فعل لا يقع تحت طائلة قانون العقوبات (1) .
المبحث الثاني : تقسيم موانع المسؤولية .
لقيام المسؤولية الجزائية يجب أن يكون مرتكب الفعل المجرم متمتعا بالملكات الذهنية التي تسمح له بادراك الجريمة و العقوبة ، و تجعله قادرا على التمييز بين الفعل المجرم و غير المجرم ، و تعطيه الإختيار بين فعله و الإمتناع عنه .
و بناءا على ذلك فإن موانع قيام المسؤولية الجزائية قد ترجع إلى انعدام الأهلية بسبب صغر السن أو الجنون أو السكر ، و قد ترجع إلى انعدام حرية الاختيار لقيام حالة الضرورة أو الإكراه .
لذلك إرتأينا أن نقسم هذا المبحث إلى مطلبين ، نتناول في المطلب الأول ، موانع المسؤولية بسبب إنعدام الأهلية ، و نتناول في المبحث الثاني موانع المسؤولية بسبب إنعدام حرية الاختيار .
المطلب الأول : موانع المسؤولية بسبب انعدام الأهلية .
نقصد بالأهلية الجنائية أن الشخص عاقل بالغ مدرك لتصرفاته ، و أنها تشكل جريمة تستحق عقابا بحيث يمكنه الإقدام عليها أو الإحجام عنها . و تنعدم الأهلية الجنائية في أحوال ثلاثة يتجرد فيها الشخص من القدرة على فهم دلالة أفعاله و إدراك تبعاته القانونية و لذلك يقرر المشرع إمتناع مسؤوليته الجزائية . و تتمثل هذه الأحوال في صغر السن و الجنون و السكر (2).
و فيما يلي نتعرض لكل مانع منها على حدى .
________________________
1)- د/ علي علي سليمان ، النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق ، ص 340 .
2)- د/ عبد الحكم فودة ، أسباب امتناع المسؤولية الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، مرجع سابق ، ص 89
الفرع الأول : صغر الســن .
أولا : علة امتناع المسؤولية بسبب صغر السن .
يتمثل قوام المسؤولية الجزائية في الوعي و الإرادة ، و لا شك في ارتباط الوعي ببلوغ الإنسان سنا معينة . لأن الإنسان لا يولد متمتعا بملكة الوعي أو التميز دفعة و إنما يتراخى ميلاد تلك الملكات فترة بعد الميلاد ، ثم تبدأ هذه الملكات في التطور مع تقدم العمر ، و على هذا الأساس فان صغر السن يكون سببا في انتفاء الوعي كليا أو جزئيا . و في المقابل نجد أن المسؤولية الجزائية يتم تحديدها على أساس الوعي
و الإرادة اللذان لا يتوفران للصغير دفعة واحدة . لذلك كان صغر السن مانعا من موانع المسؤولية يؤدي إلى تغيير جزاء الحدث بمدى نصيبه من الوعي و الإرادة ، و نتطرق لذلك فيما يلي :
ثانيا : امتناع المسؤولية بسبب صغر السن في بعض التشريعات .
1- في الشريعة الإسلامية .
المسؤولية الجزائية في الشريعة الإسلامية مناطها التمييز و حرية الاختيار
و التمييز يتدرج تبعا للمرحلة من العمر التي يمر بها الإنسان منذ ولادته إلى أن يكتمل تمييزه ، و لذلك تندرج المسؤولية الجزائية بنمو التمييز الذي يمر بثلاثة مراحل هي (1) :
أ- انعدام التمييز : و تبدأ هذه المــرحلة من الولادة حتى سن السابعة باتفاق الفقهاء و في هذه المرحلة تنعدم المسؤولية الجزائية للصغير ، لكن ذلك لا يحول دون اتخاذ تدابير الحماية الاجتماعية التي يقررها ولي الأمر كما أن ذلك لا يعفيه من المسؤولية المدنية عن الأفعال الضارة التي يرتكبها .
ب- التمييز الناقص : و تبدأ هذه المرحلة من سن السابعة حتى سن البلوغ و هي خمسة عشر عاما (15) في رأي غالبية الفقهاء ، و ثمانية عشر عاما (18) في رأي البعض . و في هذه المرحلة لا يسأل الصبي المميز جزئيا و إنما يسأل مسؤولية
تأديبية من خلال توبيخه ، و إيداعه في مؤسسات الرعاية الاجتماعية
________________________
1)-د / فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق ، ص 76 .
أو إلحاقه بمؤسسات التدريب المهني . اما المسؤولية المدنية عن أفعاله الضارة فان الصغير المميز يسأل كما يسال البـالغ .
ج- اكتمال التمييز : تبدأ من سن البلوغ أي الخامسة عشر(15) أو الثامنة عشر (18) و في هذه المرحلة يسأل الشخص مسؤولية جزائية كاملة عن الجرائم التي يرتكبها .
2- في بعض التشريعات الوضعية .
تأخذ التشريعات الوضعية عامة سواء العربية ، أو الغربية بما أخذت به الشريعة الإسلامية من حيث اختلاف المسؤولية الجزائية للأحداث باختلاف مراحل أعمارهم
و الرأي الغالب في هذه القوانين هو تقسيم عمر الإنسان إلى أنواع بحسب السن و أن الحدث يمر بثلاثة مراحل مميزة عن بعضها ، و لو أنه يصعب تحديد كل مرحلة تحديدا دقيقا . و ذلك حسب نظرة كل مشرع وطني على حدى و فيما يلي نتعرض لموقف بعض التشريعات من حالة صغر السن (1).
أ- في التشريع البولوني :
قام المشرع البولوني بحصر النصوص المتعلقة بالأحداث المنحرفين في فصل واحد وقد أطلق عليه تسمية معالجة القاصرين .و يتميز هذا التشريع بخصائص تدل على تطور النظرة إلى مفهوم صغر السن ، و أثره على المسؤولية الجزائية حيث أنه :
* منع القصاص على كل قاصر لم يبلغ سن الثالثة عشر(13) عند اقترافه فعلا إجراميا .
* يستبدل العقاب في جميع الأحوال بتدابير التهذيب ، و الحماية مثل وضع القاصر تحت رعاية ولي تعينه المحكمة خصيصا لهذه الغاية .
* إذا ارتكب القاصر جريمة عن إدراك و معرفة . فيكتفي بحجزه في مؤسسة تأديبية لغاية بلوغه واحد و عشرون سنة 21 سنة ، أما من تجاوزا هذا السن توقع عليهم العقوبات الأصلية .
* و قد أعطي المشرع البولوني صلاحيات واسعة لإدارة المعاهد التأديبية بحيث أنه أجاز للإدارة حق وضع الحدث المحكوم عليه خارج المؤسسة لمدة تحت رعايتها المباشرة ، و في حال ارتكابه أي جريمة و هو داخل هذه المؤسسة
________________________
1)- د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المجلد الخامس ، مرجع سابق ، ص 196 .
و قبل بلوغه سن السابعة عشر يعود للإدارة وحدها اتخاذ التدابير اللازمة دون الرجوع إلى القاضي .
ب- في التشريع اليوناني :
إهتم التشريع اليوناني بكل حدث لم يبلغ سن الثانية عشر (12) من عمره ، و بالمراهق الذي تجاوز سن الثانية عشر (12) و لم يبلغ سن السابعة عشر (17) . و بالفتى الذي تجاوز السابعة عشر (17) و لم يبلغ سن الواحد و العشرون (21) و قسم الأحكام الموقعة على القاصرين كالآتي :
• التدابير العلاجية في الأحوال التي يكون فيها القاصر مصابا بمرض نفسي
• التدابير التأديبية و قد سماها القانون اليوناني عن سهو الوسائل العقابية فهي تقتصر على الوضع في مؤسسة إصلاحية فقط ، كما اعتمد هذا القانون الإفراج المشروط بحق المحكوم عليه .
جـ- في التشريع البلغاري :
لقد أدخل المشرع البلغاري مسألة صغر السن في نطاق المسؤولية الجزائية معتبرا أن الفعل الإجرامي غير معاقب عليه إطلاقا إذا لم يتم القاصر سن الثالثة عشر 13 سنة . أما من تجاوز سن الثالثة عشر 13 سنة و لم يصل سن السابعة عشر 17 سنة يعاقب بالحبس من سنة إلى عشر سنوات بدلا من الإعدام . و عقوبة السجن المؤقت أو المؤبد تحول إلى الحرمان من الحرية حسب الظروف عن مدة لا تقل عن ستة أشهر و لا تزيد عن سنتين
د- في التشريع المصري :
أول ما ينتبه إليه بالنسبة للمشرع المصري أنه أضاف قانونا خاصا بالأحداث سنة 1974 . و ألغي هذا القانون ضمنيا من الناحية الموضوعية و الإجرائية بقانون الطفل الصادر سنة 1996 . و قد نظم الأحكام الخاصة بمعاملة الأحداث في الباب الثامن من هذا القانون تحت عنوان « المعاملة الجنائية للأطفال » ووردت هذه الأحكام كالآتي (2) :
الصغير دون سن السابعة يعتبره القانون عديم التمييز ، غير أهل لمباشرة حقوقه المدنية كما أنه غير مسؤول من الناحية الجزائية .
________________________
1) - د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المجلد الخامس ، مرجع سابق ، ص 197 .
2)- د / فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق ، ص 21 .
- الصغير المميز الذي يتراوح سنه بين سبعة سنوات (07) و خمسة عشر(15) لا يجوز توقيع العقوبات العادية عليه و إنما توقع عليه التدابير المنصوص عليها ففي المادة 101 من قانون الطفل و هي : التوبيخ ، التسليم ، الإلحاق بالتدريب المهني الإلزام بواجبات معينة .
- الطفل الذي يتراوح بين خمسة عشر سنة (15) و عشر سنوات (10) .
أقر المشرع من حيث المبدأ أهليته لتحمل العقوبة بعد تخفيضها كما أجاز للقاضي الاستغناء عن العقوبة و الاكتفاء ببعض التدابير إذا قدر ملائمة ذلك.
- الطفل الذي يتراوح سنه بين ستة عشر (16) و دون الثامنة عشر (18) (1) استحدث قانون الطفل الجديد هذه المرحلة ، و نص على أنه لا يحكم بالإعدام و لا بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة على المتهم الذي زاد سنه على ستة عشر (16) و لم يبلغ الثامنة عشرة سنة (18) كاملة وقت إرتكاب الجريمة ، و في هذه الحالة ارتكب المتهم جريمة عقوبتها الإعدام يحكم عليه بالسجن مدة لا تقل عن عشرة سنوات (10) و إذا كانت الجريمة عقوبتها الأشغال الشاقة المؤبدة يحكم عليه بالسجن مدة لا تقل مدته عن سبع سنوات (07) ، و إذا كانت الجريمة عقوبتها الأشغال الشاقة المؤقتة يحكم عليه بالسجن .
- إذا بلغ الشخص سن الثامنة عشرة (18) صار أهلا للمسؤولية الجزائية الكاملة بكل ما يترتب عليها من أثار . فتوقع عليه كافة العقوبات المقررة لما يرتكبه من جرائم ، و لا تخفف هذه العقوبة إلا تطبيقا للقواعد العامة في قانون العقوبات (2) .
ثالثا : مــراحل المسؤولية الجزائية حسب سن المجرم في قانون العقوبات الجزائري
تنص المادة 49 من قانون العقوبات « لا توقع على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشر إلا تدابير الحماية أو التربية ، و مع ذلك فإنه في مواد المخالفات لا يكون محلا إلا للتوبيخ . و يخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 سنة إما لتدابير الحماية
أو التربية أو لعقوبات مخففة » .
________________________
1)- د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 484 .
2)-د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق ، ص 97 .
و من خلال هذا النص نستنتج أن قانون العقوبات الجزائري قد ميز بين ثلاث مراحل للمسؤولية بحسب عمر مرتكب الجريمة القاصر على النحو التالي :
1- الصبي دون الثالثة عشر سنة .
يتضح من نص المادة 49 قاع أنه لا يعد مسئولا بحكم القانون . فلا يجوز إقامة الدليل على أنه أهل للمسؤولية حتى لو كان من أعقل الناس . لأن عدم بلوغه سن الثالثة عشر (13) قرينة قاطعة على أنه غير مسئول . و تحسب مدة الثلاثة عشر سنة (13) سنة للقول بعدم المسؤولية الجزائية للصغير على أساس وقت ارتكابه الجريمة .
و قد جنب المشرع القاصر في هذه المرحلة وضعه في المؤسسة العقارية حسب المادة 456/1 قاا ج التي جاء فيها « لا يجوز وضع المجرم الذي لم يبلغ من العمر ثلاث عشرة سنة كاملة في مؤسسة عقابية و لو بصفة مؤقتة »
لكن ذلك لا يمنع من إمكانية خضوعه لتدابير الحماية ، أو التربية إذا كان
يخشى أن يؤدي تركه دون أي مساعدة إلى خطر أن يعود الطفل إلى الإجرام ، أو أن يشب معتادا على الإجرام (1) .
2- القاصر بين الثالثة عشر و الثامنة عشر سنة (13 و 18 ) .
عند بلوغ الصبي الثالثة عشرة (13) من عمره يصبح مسئولا عن أعماله و لو مسؤولية مخففة ، باعتبار أن المشرع يحدد سن الثامنة عشر لاكتمال نضجه العقلي فإذا ارتكب القاصر بعد بلوغه الثالثة عشر (13) و قبل بلوغه الثامنة عشر (18) من عمره جريمة ، فان القانون يسمح بإخضاعه لتدابير الحماية
أو التربية ، أو العقوبات محققة . كما يوجب القانون تخفيف العقوبة على هذا القاصر
و ذلك حسب المادة 50 من قاع التي تنص « إذا قضي بأن يخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13 الى 18 سنة لحكم جزائي فان العقوبة التي تصدر عليه تكون كالآتي :
- إذا كانت العقوبة التي تفرض عليه هي الإعدام أو السجن المؤبد فانه يحكم عليه بعقوبة الحبس من عشر سنوات إلى عشرين سنة
- إذا كانت العقوبة هي السجن ، أو الحبس المؤقت ، فانه يحكم عليه بالحبس لمدة تساوي نصف المدة التي كان يتعين الحكم عليه بها إذا كان بالغا »
________________________
1) – د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 317 .
و إذا كان القانون يوجب تخفيف العقوبة على القاصر فهل يجوز للقاضي تخفيض الغرامة إذا رأى الحكم بها ؟ .
إن نص المادة ( 50 قاع ) لم يقيد القاضي و لم يوجب عليه تخفيض الغرامة لذلك فالقاضي يحكم بها في حدود سلطته التقديرية بين الحدين الأدنى و الأقصى لها . كما بينها القانون أما إذا جاء النص بحد واحد لها فان القاضي يحكم لها . أي أن القاصر يتساوى مع البالغ عند الحكم عليه بالغرامة على أن لا يجوز اللجوء إلى إجباره على التنفيذ بالإكراه البدني (1) .
3- البالغ من العمر الثامنة عشر سنة (18) فما فوق .
إذا بلغ الشخص 18 سنة كاملة و ارتكب جريمة أعتبر مسؤولا عنها مسؤولية كاملة من الناحية الجزائية ذلك أن المشرع الجزائري حدد سن الرشد الجزائي في تمام الثامنة عشر حسب المادة( 442 قاا ج ) . و العبرة في تحديد سن الرشد الجزائي تكون بسن المجرم يوم ارتكاب الجريمة حسب المادة( 443 قاا ج ) و يعود تقدير السن إلى شهادة الميلاد أو أية أوراق رسمية تثبت ذلك . أما في حالة عدم وجود أوراق ثبوتية رسمية تبين سن المجرم . يلجأ القاضي لتقدير السن إلى أهل الخبرة الفنية كالأطباء . و تقدير السن على هذا الوجه من المسائل التي تخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع (2) .
فإذا بلغ الشخص سن الثامنة عشر (18) صار أهلا للمسؤولية الجزائية الكاملة بكل ما يترتب عليها من أثار فتوقع عليه كافة العقوبات المقررة لما يرتكبه من جرائم و لا تحقق هذه العقوبات إلا تطبيقا للقواعد العامة في قانون العقوبات .
و ما يمكن ملاحظته عن سن الرشد الجزائي أنه يختلف عن سن الرشد المدني الذي حدده القانون بتسعة عشر سنة كاملة .
و بصفة عامة يمكن القول أن القانون الجزائري يقدم الأحداث حسب ما أكده المحامي نور الدين اوزناجي بقوله « إن القصر الأحداث يمكن تجريمهم ، و لكن القانون الجزائري وضع في الحسبان الظروف الاجتماعية التي أدت بالقاصر إلى ارتكاب الجناية
________________________
1)- د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 318 .
2)- د/ محمد علي سالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 425 .
أو الجنحة مع مراعاة السن باعتبار أن المسؤولية لا تلقى على عاتق الطفل " الحدث "
بصفة كلية و كاملة ، لأن القضاء الجزائري يتضمن خصوصيات فالجرائم التي يرتكبها القاصر الذي يقل عمره عن الثامنة عشر (18) سنة يحاكم بشأنها في محكمة الأحداث
و لا تتم متابعتهم في القضايا المرتكبة في جلسات علنية و إنما في مكتب قاضي الأحدث سواء تعلق الأمر بجناية أو جنحة . و يؤكد السيد أوزناجي أنه إذا كانت تهمة الحدث سرقة ، يكتفي قاضي التحقيق بالإنذار و التوبيخ ، أما إذا كانت جناية قتل ، فيراعى فيها ظروف التحقيق حيث يقضي على فعلته سنة حبس نافذا . مع أخذ الظروف التي أدت به إلى ارتكاب هذه الجناية بعين الاعتبار . و يواصل المحامي أن عقوبة السجن تتم على مستوى مراكز التربية و التأهيل مع التشديد على أن يعامل هؤلاء الأطفال بطريقة حسنة كما يعطي قاضي التحقيق تراخيص لعائلات الأحداث ليتسنى لها زيارته في كل المناسبات كما يمكن له الخروج إلى البيت لمدة لا تتعدي 48 ساعة ليقضي عطلة الأعياد في بيته » (1) .
الفرع الثاني : الجنـــون .
إذا كان الإنسان عاجزا عن إدراك تصرفاته ، و توجيه إرادته في مسارها الصحيح ، نتيجة نقص في قدرته العقلية ، أو بسبب مرض أو عاهة أثرت على إدراكها . انتفت مسؤوليته الجزائية عن الأفعال غير المشروعة التي يقوم بها لأنه غير مدرك لطبيعة فعل و هذا ما يسمى بحالة الجنون . و هي ظاهرة مرضية عرفتها الإنسانبة منذ أقدم عهودها ، و لكن النظرة إليها تغيرت بتحول الحضارات و قد كانت في الأصل ضمن العلوم الطبيعية ، و لم تدخل نطاق القانون إلا بعد تدرج طويل و قد بدأ ذلك أيام الرومان القدامى الذين كانوا يفرقون بين الرجل السليم و المجنون ، متأثرين بما تأثر به أطباء اليونان ، و كأن المجنون يتعرض لبعض التدابير القاسية كمحاولة لشفاءه .
و لكن حين انهارت المدينة القديمة تحت وطئة الغزو في القرون الوسطي ظهرت مفاهيم قائمة على السحر ، و الشعوذة ، و الخرافات ، فكان الحكام رجال الدين حتى
أكثرهم علما و ثقافة يؤمنون أن المجنون مسكون بالأرواح الخفية و الشياطين مما جعلهم يعاملون المجنون بقسوة فيربطونه بالسلاسل ، و يضعونه في كهوف مظلمة .
________________________
1)- مأخوذ عن مقال ، القانون الجزائري يخدم الأحداث ، جريدة الخبر ، العدد 117 ، الصادرة بتاريخ 22/04/2007
و في مطلع القرن الثامن عشر (18) تطور علم الطب ، و انكب على دراسة المرض العقليين و النفسيين فأطاح بالخرافات القديمة و قلب المقاييس و أصبح يفرق بين الإنسان العادي ، و الإنسان المختل الشعور من الناحية العلمية ، مما أثر كثيرا في الأوضاع التشريعية و القضائية و الجزائية (1).
و بعد هذه اللمحة التاريخية عن حالة الجنون نتطرق فيما يلي الى أحكام الجنون كمانع للمسؤولية ضمن العناصر التالية :
أولا: تعريف الجنون .
يمكن تعريف الجنون على أنه ذلك الإضطراب الذي يصيب القوى العقلية بعد نموها مما يؤدي إلى إختلاف المصابين به عن العقلاء في تصوراتهم و تقديرهم للأمور .
و يعرف كذلك على أنه « كل حالات اضطراب القوى العقلية التي يزول بها التمييز
و حرية الاختيار » (2) .
و أثير الدفع بالجنون لأول مرة عام 1843 أمام محاكم انجلترا عندما أفرج عن
ماكناتن دانيال المتهم بقتل ادوارد دراموتد (3) .
و تتمثل وقائع هذه القضية في إقدام ما كناتن دانيال على إطلاق النار على سكرتير السيد روبرت بيل و هو ادوارد راموند ظنا منه أن المجني عليه هو بيل نفسه ، و عند النظر في قضيته إدعى ما كناتن أنه كان واقعا تحت تأثير هذيان الجنون ، و قدم الدليل الطبي على ذلك ، فقرر المحلفون أنه غير مذنب بسبب الجنون و أودع بمؤسسة علاجية بطريقة عــادية (4) .
و قد أثار هذا الحكم إحتجاج الصحافة حتى أن مجلس اللوردات طلب من القضاة المبدأ القانوني الذي أصدر على أساسه الحكم ، فكان المبدأ الذي خرج به القضاة على أن تكون له قوة إلزامية هو « على المحلفين أن يعلموا في جميع القضايا أن كل إنسان مفترض فيه
________________________
1)- د / فريد الزغبي ، المسؤولية الجنائية ، مرجع سابق ، ص 145-146 .
2)- د / عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 142 .
2)- د/ عبد الحكم فودة و الدكتور سالم حسين الدميري ، الطب الشرعي و جرائم الاعتداء على الأشخاص و الأموال مصر ، دار المطبوعات الجامعية ، سنة 2004 ، ص 531 .
3)-د / كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 282 .
أنه سليم العقل ، و لديه الدرجة الكافية من التمييز التي تجعله مسئولا عن جرائمه ما لم
يثبت العكس . و أنه لتأمين الدفاع بسبب الجنون يجب أن يثبت بوضوح :
- أن المتهم وقف ارتكاب الفعل كان يعاني من نقص في التمييز ناجم عن مرض عقلي .
- و أنه لم يكن يعرف طبيعة و نوع فعله أو إذا كان يعرف أنه لم يكن عارفا أنه يرتكب خطأ .
- و أضاف القضاة أنه إذا كان معانيا هذيانا جزئيا فقط و لكنه ليس مجنونا من نواح أخرى ، فانه يجب أن يعتبر لغايات المسؤولية في نفس وضع ما لم كانت الوقائع المرتبطة بوجود الهذيان حقيقة » (1) .
و من خلال استعراض هذا المبدأ يمكن استنتاج الشروط الواجب توفرها حتى تنتفي المسؤولية الجزائية بسبب الجنون و هي :
1- إصابة المتهم باختلال عقلي يفقده الوعي و الاختبار : إن مسألة امتناع المسؤولية الجزائية بسبب الجنون أمر متوقف على أثر حالة الجنون على وعي المصاب به
و إرادته ، فان ترتب عليها فقدانه لوعيه و إرادته كانت العلة متوافرة و امتنع قيام المسؤولية الجزائية على المجنون (2) . فيجب أن يكون الجنون قائما بأن يكون الاضطراب العقلي من الجسامة بحيث يعدم الشعور و الاختيار كليا ، أي أن صلة عدم مسؤولية الشخص المجنون مرتبطة ارتباطا وثيقا بفقده الشعور و الاختيار .
فإذا كانت العاهة لا تقضي إلى فقد الشعور ، أو الاختيار لا تصلح مانعا للمسؤولية الجزائية مثال ذلك الحمق و السفه (3) .
2- معاصرة الاختلال العقلي لوقت ارتكاب الجريمة : أشار نص المادة( 47 قاع ) إلى هذا الشرط صراحة ، فيجب أن يكون الشخص مجنونا وقت ارتكاب الجريمة حتى تمتنع مسؤوليته الجزائية ، إذ لا عبرة بجنونه قبل أو بعد ارتكاب الجريمة .
و شرط معاصرة الاختلال العقلي لوقت ارتكاب الجريمة لا يثير أية صعوبة بشأن الجرائم الوقتية ، إذ العبرة حينها بحالة المجرم وقت ارتكاب الفعل المكون للجعيمة . ________________________
1)- د/كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 583 .
2) - د/ سمير عالية ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 407 .
(3)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق ، ص 108 .
إلا أنه يقتضي تطبيق هذا الشرط بدقة بشأن بعض الجرائم كالجرائم المستمرة ، و جرائم الاعتياد . فبالنسبة للجرائم المستمرة لا تمتنع المسؤولية الجزائية للمجرم إلا إذا كان
مصابا بالمرض العقلي مدة الإستمرار في الجريمة، و إذا استرد قواه العقلية في جزء من هذه المدة كان مسؤولا . و في جرائم الاعتياد لا يدخل في تكوين ركن الاعتياد سوى الأفعال التي يرتكبها الشخص و هو متمتع بالأهلية الجزائية (1) .
و تقدير توافر شروط امتناع المسؤولية الجزائية بالجنون يرجع لقاضي الموضوع
و له أن يستعين بخبير للفصل في حالة المتهم العقلية .
و للقاضي أن يثير الدفع بالجنون من تلقاء نفسه ، لتعلق الأمر بالمسؤولية الجزائية
و توقيع العقاب على المتهم . و لا يجوز للمتهم أن يدفع بالجنون لأول مرة أمام المحكمة العليا لأنه دفع يتعلق بماديات الدعوى يختص به قاضي الموضوع (2) . و فيما يلي نتطرق لأنواع الجنون .
ثانيا : أنـــواع الجنون .
يجب التفرقة بين الأمراض العقلية " الجنون بالمعنى الواسع " التي تعدم المسؤولية الجزائية و بين الأمراض النفسية التي لا تعدم كلية الإدراك و حرية الاختيار ، مثل الأشخاص المصابين بالشخصية السكوباتية (*أ) و المصابين بأمراض الهستيريا (*ب)
و النورستانيا (*ج) و للقاضي الاستعانة بطبيب مختص لإرشاده عن نوع مرض الفاعل وعما إذا كان مرضا عقليا أم نفسيا ، و إذا ثبت أن المتهم مصاب بمرض نفسي لا يمكن
إعفاءه من المسؤولية الجزائية . و مع ذلك يمكن للقاضي استعمالا لسلطته التقديرية أن
________________________
1)- د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام" ، مرجع سابق ، ص 403 .
2)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 141 .
*أ)- الشخصية السيكوباتية : شخصية شاذة متقلبة المزاج ، منحرفة القيم قلقة لا تميل إلى الاستقرار و تهوى التغيير
و صاحبها يدرك ما يحيط به و يصدر عنه من تصرفات .
*ب)- تفترض الهستيريا اختلالا لا ينتاب نفسية المريض بها ، و لكن قدرته على التمييز تبقى قائمة إلا انه لا يسيطر على إرادته ، و تصرفاته تكون وليدة إرادة مندفعة لا يتحكم فيها صاحبها مطلقا أو يتحكم بها بصورة ناقصة غير طبيعية .
*ج)- النورستانيا حالة عصبية من أعراضها الشعور انهاك و سرعة الاستثارة الانفعالية و العجز عن التركيز و الملل و الهجس . و قد فقد هذا اللفظ دلالته العلمية لأنه لا يؤدي إلى أي ضعف عضوي و لا نقص في الوظائف العصبية .
يعتبر المرض النفسي المصاب به المتهم من الظروف المخففة للعقوبة و من أهم الأمراض العقلية التي تعدم المسؤولية الجزائية نذكر :
a. العته و البله الشديد : يولد المريض مصابا به فيتوقف نحوه العقلي عند سن الطفولة ، فيظل فاقدا الإدراك و التمييز .
b. جنون الشيخوخة : مرض يصيب بعض الأشخاص في سن الشيخوخة نتيجة تصلب الشرايين ، و ضعف خلايا المخ ، و يبدوا فيه المريض غير مهتم بأي شيء حوله .
c. الفصام العقلي : تسيطر علي المريض أفكار معينة تجعله يعاني من الشعور بالاضطهاد و عدم تناسق أفكاره ، و هو مرض نفسي في الأصل يصل إلى مرتبة الأمراض العقلية في مراحله المتقدمة ، و قد يسمع المريض أصواتا و يرى أشباحا لا وجود لها . فتصبح الملكات الذهنية للمريض معطلة لا يستطيع استعمالها لتأثير الضغوط النفسية و الأفكار الوهمية عليه.
d. الصرع : يأتي المرض نوبات يفقد فيها وعيه و ذاكرته ، و لا يسيطر على الحركات الإرادية لأعضائه ، و يرافق ذلك حركات تشنجية . أو أن تأتي النوبة الصرعية دون حركات تشنجية و يقتصر تأثيرها على النشاط الذهني ، فتعطله
و تفقده الاتصال بالمحيط الذي يكون فيه مما يدفع المريض إلى ارتكاب الجريمة دون شعور(1) .
و بعد أن تطرقنا إلى تعريف الجنون و شروطه و أنواعه نتطرق فيما يلي إلى أثار ثبوت الجنون وقت ارتكاب الجريمة .
ثالثا : أثار ثبوت الجنون وقت ارتكاب الجريمــة .
تنص المادة( 47 قاع ) على انه « لا عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة و ذلك دون الإخلال بأحكام الفقرة 02 من المادة 21 »
من خلال هذه المادة نستنتج أنه إذا توافرت شروط الجنون كمانع للمسؤولية ترتب على
ذلك عدم إمكان نسبة الجريمة إلى إرادة من صدرت عنه الأفعال المكونة للركن المادي لها ، على نحو تمتنع معه مسؤوليته الجزائية عن هذه الأفعال .
________________________
1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 143 .
و يترتب على امتناع المسؤولية الجزائية لجنون أو عاهة في العقل امتناع سلطة التحقيق عن الاستمرار في إجراءات الدعوى العمومية بإصدار أمر بألا وجه لإقامة الدعوى وإذا كانت الدعوى قد أحيلت إلى المحكمة المختصة ، وجب على المحكمة الحكم ببراءة المتهم إذا ثبت لديها عدم تمتعه بقواه العقلية (1) .
و يجوز للقاضي أن يأمر بوضعه في الحجز القضائي كتدبير وقائي بموجب المادة
(21 قاع ) التي تنص « الحجز القضائي في مؤسسة نفسية هو وضع الشخص بناءا على قرار قضائي في مؤسسة مهيأة لهذا الغرض بسبب خلل في قواه العقلية قائم وقت ارتكاب الجريمة أو اعتراه بعد ارتكابها يمكن أن يصدر الأمر بالحجز القضائي بموجب أي حكم بإدانة المتهم أو العفو عنه أو ببراءته
أو بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى ، غير أنه في هاتين الحالتين الأخيرتين يجب أن تكون مشاركته في الوقائع المادية ثابتة .
يجب إثبات الخلل في الحكم الصادر بالحجز بعد الفحص الطبي »
و يلاحظ من النص أن الحكم بالحجز من اختصاص القضاء ، و يجب أن يثبت أن المتهم المحكوم عليه بالبراءة ، أو بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى قد ثبت إشراكه المادي في الواقعة الإجرامية . و أن يخضع للفحص الطبي للتأكد من الخلل العقلي و لا يجوز للقاضي الأمر بالحجز القضائي دون اللجوء إلى الفحص الطبي حتى يتم العناية بالمريض حسب حالته العقلية .
و تطبيقا للقواعد العامة لا يجوز وضع المجنون المبرأ في الحجز القضائي تلقائيا و لو بحكم قضائي ، و إجراء فحص طبي . إذا لم يكن يخشى منه ارتكاب الجرائم . لان مناط توقيع التدبير هو الخطورة الإجرامية للمتهم (2) .
إذا كان هذا حكم الجنون وقت إرتكاب الجريمة فما هو حكم الجنون اللاحق على ارتكاب الجريمة ؟
________________________
1)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق ، ص 111 .
2) – د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 314 .
رابعا : حكم الجنون اللاحق على إرتكاب الجريمــة .
إذا ثبت الجنون بعد إرتكاب الجريمة لا يكون له تأثير في المسؤولية الجزائية ، و مع ذلك يكون له تأثير في الإجراءات المتخذة إتجاه مرتكب الجريمة . لأن اتخاذها في مواجهته يفترض إدراكه لها حتى تنتج الأثر الذي يرجوه القانون منها ، و هو ما لا يتحقق إذا فقد المتهم التمييز و الإدراك .
و المقصود بالإختلال العقلي الذي يؤثر في إجراءات الدعوى هو أن يكون من شأنه جعل المتهم عاجزا عن الدفاع عن نفسه ، بحيث يخشى ألا تتحقق الضمانات التي يقررها القانون له أثناء المحاكمة (1) .
و هناك عدة افتراضات لوقوع الجنون بعد إرتكاب الجريمة نوردها كالآتي (2):
- وقوع الجنون بعد الجريمة و قبل المحاكمة : في مثل هذه الحالة يحول الجنون الطارئ دون إتخاذ الإجراءات القانونية و محاكمة المتهم ، و يتم حجز المتهم في مؤسسة نفسية بناءا على قرار قضائي حسب المادة 21/1 قاع . و لا يجوز تقديمه للمحاكمة إلا بعد أن يعود إلى رشده .
- وقوع الجنون أثناء المحاكمة : في هذه الحالة يوقف الجنون المحاكمة ، و لا تستأنف إلا بعد شفاءه ، حتى يتمكن من الدفاع عن نفسه .
- وقوع الجنون بعد الحكم بالإدانة : في هذه الحالة يجب وقف تنفيذ العقوبة حتى يتم شفاء المجرم . و ذلك لكي تتحقق الأهداف المرجوة من العقوبة .
و بعد أن تطرقنا إلى الجنون نتطرق في الفرع الموالي إلى السكر و مدى مصداقيته في نفي المسؤولية الجزائية بإعتباره فعل قد يخلق مرتكبه سببه و هو متمتع بإرادة واعية و حــرة .
الفـرع الثــالث : الـــسكر .
نشير أولا إلى أن السكر الذي يكون مانعا للمسؤولية هو الذي يكون فيه من أقدم على تعاطيه جاهلا بطبيعة المادة التي تناولها ، و الآثار التي تنجم عنها ، و يكون جهله هذا غير راجع لخطأ . و معيار ذلك أن شخصا عاديا لو كان مكانه لوقع في ذات الغلط .
________________________
1)-د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 608 .
2)- د / عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 312 .
أو أن يتناول المسكر أو المخدر تحت تأثير إكراه مادي ، أو معنوي أو للعلاج (1) . و لم يرد في التشريع الجزائري نص يعتد بالسكر كمانع من موانع المسؤولية الجزائية إلا أن القواعد العامة توجب الاعتداد بالسكر الإجباري في نفي المسؤولية الجزائية (2).
و فيما يلي نتطرق لأحكام السكر :
أولا : تعــريف السكر
هو حالة نفسية عارضة و مؤقتة ، و هذه الحالة لا تصدر عن عارض مرضي أصيل لدى الشخص و إنما تنشأ نتيجة لتناوله مواد مخدرة ، أو كحول ، أو أي مادة أخرى تؤثر على إرادته و إدراكه . و لا عبرة بعد ذلك بشكل هذه المادة أو بطريقة تداولها (3) .
و ينتج عن السكر أنه يجعل الشخص غير قادر على إدراك الأفعال الصادرة عنه و تقدير النتائج المترتبة عليها . و عليه فان الشخص الخاضع لتأثير مواد مسكرة يمر بثلاثة مراحل . فيكون بالمرحلة الأولى في حالة تهيج بسيط مصحوب بحالة من الانتعاش
أو الحزن ، و تظل قدراته الذهنية سليمة ، أما في المرحلة الثانية فيزداد تهيجه و يرافق ذلك اختلال عضلي ، و تصبح قدراته الذهنية ناقصة بشكل ملحوظ . و في المرحلة الأخيرة يصبح في مرحلة ما يسمى " السكر السباتي " و يكون في حالة انحطاط تام من الناحية العضوية ، و النفسية لا يمكن معها إدراك تصرفاته و لا تقدير نتائجها ، و السكر نوعان نتطرق إليهما فيما يلي :
ثـانيا : أنــواع السكر .
هناك نوعان من السكر سكر إختياري و سكر إضطراري .
1- السكر الاختياري :
يكون السكر إختياريا إذا اتجهت فيه نية الشخص بمحض إرادته الكاملة إلى تناوله المواد المسكرة و المخدرة لغير سبب و هو عالم بكافة الآثار التي تحدثها هذه المواد (4)
________________________
1)- د / كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 611 .
2)- د / عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 150 .
3)- د / نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام" ، مرجع سابق ، ص 405 .
4) - د / ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، مرجع سابق ، ص39 .
و محل الاختيار هو فعل التناول ذاته . و كلما كانت الإرادة حرة أثناء التناول كان السكر إختياريا .
2- السكر الاضطراري :
يكون السكر إضطراريا إذا تناول الشخص المواد المسكرة دون علمه . أو تناولها بعلمه و لكن دون إرادته (1) . و تتحقق الحالة الأولى في حالة ما إذا وقع في غلط من تلقاء نفسه فتناول هذه المواد جاهلا طبيعتها أو كان قد دسها له شخص آخر في طعام
أو شراب ، أما الحالة الثانية فتحقق في حالة ما إذا أخذها لضرورة علاجية ، أو تناولها تحت تأثير إكراه معنوي كأن يتناول المادة المسكرة تحت التهديد بالسلاح ، أو تحت تأثير إكراه معنوي كأن يكره شخص شخصا آخر على تناول المادة المسكرة و إلا قام بإيذاء ابنه المحجوز لديه .
بعد التعرف على أنواع السكر نتعرف فيما يلي على النوع الذي يكون مانعا للمسؤولية و بالضرورة شروط السكر المانع للمسؤولية .
ثالثا : شــروط السكر المــانع للمسؤولية .
لكي يكون السكر مانعا للمسؤولية يجب أن تتوفر شروط معينة ، قد ورد تحديدها صراحة في القوانين التي تأخذ بالسكر الاضطراري كمانع للمسؤولية و يجب أن تكون الغيبوبة التي أصابت الفاعل وليدة تأثير تناول المواد المسكرة و المخدرة فقط حيث أنه إذا كانت ناشئة عن حالة تسمم داخلي مرجعه إفراز الجسم مواد سامة ، و عجزه عن التخلص منها لا يعد في حالة سكر و إنما تلحق هذه الحالة بالاختلاف العقلي . و شروط السكر المانع للمسؤولية هي :
1- حالة السكر الكــامل .
يشترط لانتفاء المسؤولية الجزائية بالسكر أن يكون فقد الشعور تاما (2) مما يؤدي إلى العجز عن الإدراك و التمييز . و بذلك تنعدم حرية الاختيار و يصبح غير قادر على السيطرة و التحكم في تصرفاته .
________________________
1)- د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 490 -491 .
2) – د/ عبد الحكم فودة ، أسباب امتناع المسؤولية الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، مرجع سابق ، ص 52 .
و إثبات حالة السكر ، و توافر كمية المادة المسكرة أو المخدرة في الدم يتم بواسطة الفحوص الطبية و المخبرية . و يعود تقدير ذلك إلى قاضي الموضوع دون رقابة تمارسها عليه المحكمة العليا .
2- الصفة الاضطرارية للسكر .
يجب أن يكون الشخص قد تناول المادة المسكرة أو المخدرة قهرا عنه
أو على غير علم منه بها سواء كان القهر لإكراه مادي أو معنوي أو كان عدم العلم للجهل بماهية الشيء أو نتيجة غلط وقع فيه بشأنها (1) . فمن تناول مادة مخدرة أو مسكرة مختارا ، أو عن علم بحقيقة أمرها يكون مسئولا عن الجرائم التي تقع منه وهو تحت تأثرها فالقانون في هذه الحالة يجري عليه حكم المدرك التام الإدراك مما يبنى عليه توافر القصد الجنائي العام (2) .
3- تــزامن فقدان الوعي بسبب السكر مع ارتكاب الجريمة .
يجب أن يرتكب الفاعل السلوك الإجرامي أثناء حالة فقدان الوعي الناتج عن تناول المادة المسكرة (3) .
فالعبرة بفقد الاختيار وقت ارتكاب الجريمة . فإذا وقعت الجريمة قبل تناول المادة المسكرة أو بعد زوال أثارها تحققت المسؤولية الجزائية .
و مما سبق ذكره نستنتج أن السكر الاضطراري المتضمن لفقدان الوعي و الإرادة على النحو السابق يمكن الاحتجاج به كصورة من صور دفع المسؤولية الجزائية ، و ما يدعم ذلك هو تنبيه من طرف عدة تشريعات كمانع للمسؤولية الجزائية (4) ، و من بين هذه التشريعات نذكر قانون العقوبات اللبناني و قانون العقوبات السوري و قانون العقوبات الأردني .
و بعد أن تطرقنا لحكم السكر الاضطراري ، و عرفنا أنه يكون مانعا للمسؤولية و ما ذلك إلا تطبيق للقواعد العامة التي تقضي بأن يسأل الشخص عن فعله إلا إذا قام به عن
وعي و حرية اختيار ، نـتطرق فيمــا يلي إلى حكم الــسكر الاختياري في ضوء
________________________
1)- د- عبد الحكم فودة ، أسباب امتناع المسؤولية الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، المرجع السابق ، ص 52 .
2)- د / ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، مرجع سابق ، ص 48 .
3)- د / عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 144 .
4)- د / كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 613 .
الشريعة الإسلامية و الفقه و بعض التشريعات الوضعية .