logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





look/images/icons/i1.gif بحث حول أسباب الإباحة وموانع المسؤولية
  26-11-2014 11:18 مساءً  
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 26-03-2013
رقم العضوية : 148
المشاركات : 94
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 50
المستوي : ليسانس
الوظــيفة : طالب
رابعا : المسؤولية في السكر الاختياري .

1- في الشريعة الإسلامية :

في الشريعة الإسلامية يسأل السكران مدنيا عن أفعاله سواء كان السكر اختياريا

أو اضطراريا . فالسكر الإختياري لا ينف المسؤولية جزائية كانت أو مدنية ، لان خطأ الفاعل في تناوله المحرم هو الذي ترتب عليه إلحاق الضرر بالغير فيلتزم بتعويضه . أما السكر الاضطراري فيقتصر تأثيره على نفي المسؤولية الجزائية و لا تأثير له في المسؤولية المدنية ، و أساس ذلك أن الدماء و الأموال محرم المساس بها طبقا للقاعدة العامة في الشريعة الإسلامية (1) .

2- في الفقه .

لقد أثارت مسؤولية من يرتكب جريمة و هو في حالة سكر نقاشا فقهيا ، حيث ذهب أنصار المذهب التقليدي في بداية الأمر إلى أن الجرائم التي ترتكب تحت تأثير السكر لا تشكل إلا جرائم عدم احتياط ، و ذلك اعتبارا لما يسببه السكر من انعدام وعي يؤدي إلى محو القصد الجنائي . و إذا كان يمكن مساءلة السكران عن خطئه في تناول المادة المسكرة لدرجة أفقدته الوعي ، فليس من المقبول أن يسأل عن الأفعال التي أتاها بعد أن أفقده السكر وعيه و إدراكه .

و قد تطور الموقف بعد ذلك تحت تأثير الأحكام الجديدة التي جاءت بها مدرسة الدفاع الاجتماعي فيري أنصاره ضرورة مساءلة السكران باختياره عن جميع الجرائم التي يرتكبها شأنه في ذلك شأن الشخص العادي ، وقد أسس هذا الاتجاه مسؤولية السكران باختياره على أساس نظرية القصد المحتمل إذ كان باستطاعته ومن واجبه أن يتوقع النتائج الإجرامية المحتملة لتناوله المادة المسكرة ، و من ثم يتعين عليه تحمل هذه النتائج (2) .

3- في التشريعات .

هناك بعض التشريعات لم تتعرض لمسؤولية السكران اختياريا سواء كان ذلك بنص

________________________

1)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق ، ص 153 .

2)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 170 .

صريح أو ضمني ، و هناك تشريعات أخرى نصت بصراحة على المسؤولية في السكر الاختياري ، و هناك تشريعات أخرى تضمنت نصوصا ضمنية تتحدث على مسؤولية السكران إختياريا نتعرض إليها كما يلي :

أ- تشريعات لم تنص على مسؤولية السكران اختياريا : و من هذه التشريعات قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1810 الذي ترك مسألة تأثير السكر الإختياري في المسؤولية الجزائية لإجتهاد الفقه و القضاء . و يعالج الفقه الفرنسي موضوع السكر الإختياري بمناسبة الكلام عن موانع المسؤولية تحت عنوان " الحالات المجاورة للجنون " على إعتبار أن السكر الاختياري يؤدي إلى اضطراب عارض في القوى الذهنية .

و رغم إختلاف الفقه و تردد القضاء ، لم يحسم قانون العقوبات الفرنسي الجديد لسنة 1992 هذا الخلاف بنص صريح ، و قد يكون ذلك من المؤشرات على أن المشرع الفرنسي لا يرى إمتناع المسؤولية بالسكر الإختياري ، لأنه بعدم النص عليه يعني ذلك أنه ليس مانعا من موانع المسؤولية .

ب- تشريعات نصت صراحة على علي مسؤولية السكران إختياريا :

و نذكر من هذه التشريعات قانون العقوبات الإيطالي ، و الهندي و الليبي هذا الأخير الذي بنص في المادة 90 منه « لا يحول السكر الاختياري دون مسؤولية الفاعل و لا ينقصها » و هو نص قاطع و صريح في نفي تأثير السكر الإرادي في مسؤولية الفاعل و ينص كذلك قانون العقوبات اللبناني على مسؤوليته السكران باختياره عن الجرائم التي يرتكبها سواء العمدية أو غير العمدية .

جـ- تشريعات نصت ضمنيا على مسؤولية السكران اختياريا :

من هذه التشريعات أغلب القوانين العربية ، و قانون العقوبات المصري . فهذه القوانين تقرر صراحة امتناع مسؤولية السكران بغير اختيار . و يستفاد من هذا الحكم بمفهوم المخالفة أن السكران باختياره يسال عن الجرائم التي يرتكبها و هو تأثير المادة المسكرة (1) .

أما عن موقف المشرع الجزائري فلم ينص على السكر ضمن موانع المسؤولية سواء كان سكرا اضطراريا أو اختياريا . و من ثم يعاقب بالعقوبات المقررة قانونا كل من

________________________

1)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 150-152 .

ارتكب جريمة و هو في حالة سكر بصرف النظر عن طبيعة الجريمة المرتكبة سواء تعلقت بالمرور أو القانون العام . بل يعد السكر و تأثير المخدرات من الظروف المشددة للجريمة كما هو الحال في جرائم القتل أو الجرح الخطأ حسب المادة 290 قاع ، و كذلك حالة سياقة مركبة في حالة سكر أو تحت تأثير مخدر على أن تعادل نسبة الكحول في الدم أو تزيد عن 0.10 غ ‰ (1).

و بعد أن تطرقنا في هذا المطلب لموانع المسؤولية بسبب انعدام الأهلية نتطرق في المطلب الثاني لموانع المسؤولية بسبب انعدام حرية الاختيار .

المطلب الثاني : موانع المسؤولية بسبب انعدام حرية الاختيار .

قد يصاب الفاعل بفقد الاختيار ، و هذا الفقد لا يرجع هنا إلى فقدانه ملكاته العقلية

أو لصغر سنه ، و إصابته بجنون ، أو لأنه في حالة سكر . وإنما يصاب بهذا الفقد و هو في كامل قدرته على الإدراك و فهم الأمور و التمييز بين ما هو مجرم و غير مجرم إنما يرجع هذا الفقد إما إلى حالة الضرورة التي وضع فيها الفاعل رغما عنه أو لحالة من حالات الإكراه التي قد يصاب بها الفاعل سواء كان إكراها ماديا ، أو معنويا

و نتعرض فيما يلي لهاتين الحالتين على التوالي :

الفرع الأول : حالة الضرورة .

هي حالة تعرض الشخص لضرر جسيم لا سبيل لدفعه إلا بإرتكابه لفعل محظور

أو فعل مجرم قانونا . أي أن الضرورة هي الجريمة التي يرتكبها شخص لوقاية نفسه

أو نفس غيره من خطر جسيم محدقا به (2) .

و قد عرفها المذهب الحنفي بأنها « خوف الضرر أو الهلاك على النفس أو بعض الأعضاء بترك الأكل » .أما المذهب الحنبلي فعرفها على أنها « خوف الإنسان التلف ان لم يأكل ، المحرم غير السم » .

و أما المذهب المالكي فعرفها على أنها « الخوف على النفس من الهلاك علما أو ظنا »

و يعرفها الدكتور رمسيس بهنام على أنها « وضع مادي للأمور ينشأ بفعل الطبيعة

أو بفعل إنساني موجه إلى الغير ، و ينذر بضرر جسيم على النفس ، يتطلب دفعه ________________________

1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، المرجع السابق ، ص 170 .

2)- د / ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، المرجع السابق ، ص 51 .

ارتكاب جريمة على إنسان بريء » (1) . و الضرر الجسيم على النفس ، إذ ترتكب الجريمة على إنسان برئ في سبيل درئه ، يستوي فيه أن يكون مهددا ذات الشخص الذي ارتكب هذه الجريمة ، أو أن يكون مهددا شخصا آخر غيره .

و بعد معرفة المفهوم العام لحالة الضرورة نحاول فيما يلي تعريفها من خلال التطرق إلى أساس انتفاء المسؤولية في حالة الضرورة ، و التفرقة بين حالة الضرورة و الدفاع الشرعي من جهة ، و حالة الضرورة و الإكراه من جهة أخرى .

أولا : تعريف حــالة الضرورة .

لم تكن حالة الضرورة محل نقاش في الفقه الجزائري و لكن نالت حقها من النقاش في الفقه الفرنسي الذي يقر في غالبيته بعدم العقاب في حالة الضرورة غير أنه إختلف حول أساس إنتفاء المسؤولية كالآتي :

1- أساس إنتفاء المسؤولية في حالة الضرورة :

إنقسم الفقه الفرنسي حول مسألة عدم العقاب في حالة الضرورة عموما إلى فريقين : فريق يؤسسه على إعتبارات ذاتية ، و فريق يؤسسه على إعتبارات موضوعية .

أما الفريق الأول فقد بني بعضه إنتفاء المسؤولية على أساس الإكراه المعنوي . و إذا كان هذا صحيحا في حالة ما إذا كان الخطر محدقا بشخص الفاعل أو بماله فانه لا يصلح في حالة ما إذا كان الخطر محدقا بالغير أو بماله (2) .

فيما ذهب البعض إلى أن الضرورة تنفي القصد الجنائي ، كما ذهب إليه قضاة محكمة

استئناف آميان في قضية " مينار " الشهيرة (*) غير أن هذا التبرير مردود لما فيه من خلط بين القصد ، و الدافع . كما أن القصد الجنائي غير متوفر أساسا في الجرائم غير

العمدية (3) .

________________________

1)- د/ محمود محمد عبد العزيز الزيتي ، الضرورة في الشريعة الإسلامية و القانون الوضعي ، الطبعة لا توجد مصر ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، سنة 1991 ، ص 19 - 21 .

2)- د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 325 .

*)- المرأة الفرنسية التي اختلست قلعة خبز من واجهة مخبزة بعد بقاءها يومين كاملين دون طعام .

3)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 132 .



و أما الفريق الثاني و هو الغالب في فرنسا ، فقد برر انتفاء المسؤولية عن الجريمة المرتكبة في حالة الضرورة على اعتبارات موضوعية ، حيث يرى هذا الفريق أن حالة الضرورة هي مثل حالة الدفاع سببا من أسباب الإباحة مؤسسا

على مصلحة المجتمع إذ ليس في مصلحة المجتمع تسليط العقوبة على مرتكب الجريمة في حالة ما إذا كان المال المضحى به أقل قيمة من المال المحمي ، و في ذلك معنى الموازنة بين مصلحتين .

و هذا ما أخذ به القضاء الفرنسي و كرسه قانون العقوبات الجديد الصادر سنة 1992 حيث أقرت المادة 122/7 منه على أن حالة الضرورة سببا لانتفاء المسؤولية و تجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري لم يأخذ بحالة الضرورة كسبب عام للإباحة أو لانتفاء المسؤولية ، و مع ذلك فقد نصت المادة 308 من قانون العقوبات على إباحة إجهاض الحامل إذا كان ضروريا لإنقاذ حياة الأم من الخطر (1) .

2- الفرق بين حالة الضرورة و الحالات المشابهة :

أ- حالة الضرورة و الدفاع الشرعي :

قد تشتبه حالة الضرورة بالدفاع الشرعي لكنها في الحقيقة تتميز عنه تماما ، فهي مانع من موانع المسؤولية بينما الدفاع الشرعي سبب من أسباب الإباحة ، لما بين أسباب الإباحة ذات الطبيعة الموضوعية ، و موانع المسؤولية ذات الطبيعة الشخصية من فوارق و تتضح باقي الفوارق بينهما من خلال مقارنة الشروط اللازم توفرها لقيام كل حالة هي:

- إن الخطر الذي ينشئ حالة الضرورة يكون موجها ضد النفس خلا فالحالة الدفاع الشرعي التي تبيح ارتكاب الجريمة دفعا لخطر يهدد النفس أو المال (2) .

- مصدر الضرر المدفوع بجريمة مرتكبة في حالة دفاع شرعي هو دائما إنسان أما مصدر الضرر المدفوع بجريمة مرتكبة في حالة الضرورة قد يكون فعل الطبيعة (3) .

كأن يسرق شخص قاربا لإنقاذ شخص آخر رآه يغرق في عرض البحر .

________________________

1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 133 .

2)- د / محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 499 .

3)- د/ محمود محمد عبد العزيز الزيتي ، الضرورة في الشريعة الإسلامية و القانون الوضعي ، المرجع الساق

ص 219 .



- يلزم لقيام حالة الضرورة أن يكون الخطر جسيما بينما يكفي لقيام الدفاع الشرعي الخطر اليسير شرط أن يتناسب معه فعل الدفاع (1) .

- الجريمة المركبة في حالة الدفاع الشرعي توجه ضد إنسان معتد بخلاف الجريمة المرتكبة في حالة الضرورة فهي توجه ضد إنسان برئ .

- الدفاع الشرعي يمحوا الجريمة فلا يجوز المطالبة بالتعويض المدني . أما في حالة الضرورة فيجوز المطالبة بالتعويض المدني المدني باعتبار أن حالة الضرورة تمنع المسؤولية الجزائية فقط .

و بالرغم من الفوارق الموجودة بين حالتي الدفاع الشرعي و الضرورة إلا أن القاسم المشترك بينهما هو أن مرتكب الجريمة في كلتا الحالتين يقوم بسلوك يريد به توفي خطر حال على النفس. إضافة إلى المال في حالة الدفاع الشرعي .

ب- حــالة الضرورة و الإكراه .

بصفة عامة نقول أن سبب ارتكاب الفعل المجرم في حالة الضرورة ظروف يقتضي الخروج منها ذلك . لدرء خطر على نفس الشخص أو الغير . أما في حالة الإكراه فان سبب ارتكاب الفعل المجرم هو أمر المكره بالقيام بفعل جبرا لو كان في ظروف غير التي كان فيها لما قام به بالإضافة إلى فروقات أخرى نتطرق إليها كالآتي :

- تكون حالة الضرورة في غالب الأحيان من فعل الطبيعة في حين أن الإكراه لا يكون إلا فعلا لإنسان .

- جريمة الضرورة قد يسعى بها فاعلها إلى درء ضرر لا يهدده شخصيا و إنما يهدد الغير . أما الجريمة المرتكبة في حالة الإكراه تهدف إلى درء خطر يهدد المكره شخصيا (2) .

الخاضع للإكراه يحدد له السلوك المطلوب منه كي يتفادى الخطر المهدد به بخلاف من يوجد في حالة ضرورة لا يحدد له ذلك بل عليه أن يلحظ الظروف ________________________

1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 99 .

2) – د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 327



المحيطة به و يتصور وسيلة إجتناب الخطر (1) .

و بالرغم من هذه الاختلافات نقول أنه في كل من حالة الضرورة و الإكراه تتجرد إرادة الفاعل من حرية الاختيار الذي لا يجد سبيلا للخلاص من الخطر المحدق به إلا بارتكاب الجريمة . و على هذا الوجه يدخل الإكراه في معنى الضرورة بمعناها العام فمن يوجد في حالة ضرورة هو مكره على الفعل الذي يخلصه منها (2) .

و بعد تعريف حالة الضرورة نتطرق إلى الشروط الواجب توفرها فيها حتى يمكن القول بأنها تصلح لنفي المسؤولية الجزائية .

ثانيا : شروط حالة الضرورة .

لم يرد في القانون الجزائري نص خاص بحالة الضرورة و إنما نصت المادة 48 قاع « لا عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة لا قبل له بدفعها » و عبارة النص تنصرف أساسا إلى الإكراه المادي و لكن الفقه و القضاء الفرنسي توسع في تفسير النص المقابل في النص الفرنسي و هو مصدر النص الجزائري بحيث أدخلا في نطاقه الإكراه و حالة الضرورة و استمد منه شروطهما (3) .

اذ تفترض جميع حالات الضرورة خطرا يهدد من يتعرض لها و فعلا يرتكب تحت تأثير التهديد به . و هناك شروط يجب أن تتوفر في الخطر . و شروط يتعين توافرها في الفعل المرتكب تحت تأثير التهديد به نتعرض إليها بهذا الترتيب كالآتي :

1- شـــروط الخطر .

مناط الضرورة هو فعل الخطر الحال الذي يهدد النفس تهديدا جسيما بشرط ألا يكون للشخص دخل في إحداث هذا الخطر و تبعا لذلك سندرس هذه الشروط كالآتي :

أ- خطر يهدد النفس : محل الخطر في حالة الضرورة هو النفس فلا تنتف مسؤولية من يدرأ خطرا محدقا بما له متذرعا بحالة الضرورة ، و الهدف من هذا التضييق هو كون الفعل المجرم – فعل المضطر – غالبا ما ينصب على شخص بريء لا يد له في حدوث الخطر .

________________________

1)- د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 499 .

2)- د/ محمود محمد عبد العزيز الزيتي ، الضرورة في الشريعة الإسلامية و القانون الوضعي ، المرجع السابق

ص 223 .

3)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 97

و مفهوم النفس في حالة الضرورة هو نفسه في حالة الدفاع الشرعي ، إذ تشمل كذلك سلامة الجسم و العرض و الشرف و الحرية و لا يشترط أن يكون الخطر واقعا على نفس المضطر بل تقوم حتى و لو وقع الخطر على نفس شخص آخر لا تربطه به علاقة (1) .

ب- خطر جســيم . يجب لتوافر حالة الضرورة أن يكون الخطر جسيما ، و ينذر بحصول ضرر لا يمكن إصلاحه . و يبرر ذلك أن جريمة الضرورة تقع على بريء . فإذا كان الأذى ينجم عن الخطر ضئيلا ، فانه لا يجوز الإعفاء من المسؤولية و جسامة الخطر تقدرها محكمة الموضوع وفقا لمعيار مجرد هو معيار الشخص العادي الذي يوجد في مثل ظروف المتهم (2) .

جـ خطر حــال :

و تتحقق هذه الحالة إذا كان الخطر وشيك الوقوع أي أن الخطر سيقع فعلا لو لم يبادر المضطر لدرئه ، أو يكون قد بدأ و لكنه لم ينته بعد . و عليه إذا كان للمضطر وقت يستطيع من خلاله أن يتدبر الوسيلة التي تخلصه من الخطر دون ارتكاب الجريمة لا يكون له التمسك بحالة الضرورة لنفي مسؤوليته الجزائية (3) ، و يجب أن يكون الخطر غير مشروع ، فإذا كان الخطر مشروعا كشخص حكم عليه بالإعدام فلا يجوز لآخر على تهريبه قبل تنفيذ العقوبة إحتجاجا بحالة الضرورة (4) .

د- عدم تسبب المضطر في نشأة الخطر : و ترجع العلة من هذا الشرط إلى أن الإنتقاص من حرية الاختيار يفترض أن المتهم قد فوجئ بحلول الخطر و لم يكن لديه وقت للتفكير بفعل يتجنب به الخطر سوى ارتكاب الجريمة . أما إذا كانت إرادة المتهم قد اتجهت إلى تحقيق الوضع المهدد بالخطر فمعنى ذلك أنه توقع حلوله وكان في استطاعته تجنبه بوسيلة على نحو لا يمس حقوق غيره (5) . كمن يحرق عمدا مكانا ثم يضطر في سبيل الفرار من النيران إلى إصابة شخص إعترض طريقه .

________________________

1)-د / ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، مرجع سابق ، ص 53 .

2)- د/ محمد علي السالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات "القسم العام "،المرجع السابق ،ص 400

3)- د / نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام" ، مرجع سابق ، ص 413 .

4)- د / عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 99 .

5)- د/ محمود محمد عبد العزيز الزيتي ، الضرورة في الشريعة الإسلامية و القانون الوضعي ، المرجع السابق ص 113

و بعد معرفة شروط الخطر الموجب لفعل الضرورة نتطرق فيما يلي إلى شروط فعل الضرورة .

2- شروط فعل الضرورة .

فعل الضرورة هو ما يرتكبه الشخص ليدفع به خطرا حالا يهدد نفسه أو غيره على نحو جسيم و يشترط في فعل الضرورة أن يكون .

أ- لازمــا : لإمتناع المسؤولية الجزائية تمسكا بحالة الضرورة يجب أن يكون إرتكاب الجريمة لازما لدفع الخطر الذي يهدد الشخص في نفسه أو غيره .

و يقتضي هذا الشرط أن تنصب الجريمة على الخلاص من الضرر لا أن تتوجه للسبب المنشئ للخطر الذي قد لا يعد هو الوسيلة اللازمة لدفع الخطر (1).

على أن شخصا أغرق سفينة فليس لأحد الركاب التذرع بحالة الضرورة للإعتداء عليه لأن ذلك لا يعد وسيلة للخلاص من الخطر .

كما يتطلب هذا الشرط أن يكون فعل الضرورة هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من الخطر فإذا كان يمكن دفع الخطر لوسيلة أخرى كالفرار ، أو الاستعانة ، أو ارتكاب فعل آخر لا يعد جريمة تبقى مسؤوليته الجزائية قائمة

و لزوم الجريمة في حالة الضرورة أمر نسيبي لا مطلق بمعنى أنه يرجع فيه إلى التقدير الشخصي لفاعل الجريمة و إلى كونه مطابقا لتقدير الرجل العادي الموجود في نفس الظروف (2) .

ب- متناسبا مع الخطر المهدد للشخص : يقتضي هذا الشرط أن يكون فعل الضرورة متناسبا مع الخطر المحدق بالشخص . فلا ضرورة كلما ثبت أنه بوسع المضطر أن يدرأ الخطر الذي يتهدده بجريمة أقل جسامة من الجريمة التي ارتكبها، لأن الضرورة تقدر بقدرها . فإذا تجاوز الفاعل بجريمة القدر المناسب لدفع الخطر فانه يسأل عن قدر تجاوزه . و تقدير التناسب يرجع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع استنادا إلى معيار الشخص العادي إذا وجد في نفس الظروف و الملابسات التي أحاطت بالفاعل (3) .

________________________

1)- د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 502 .

2)-د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 569 .

3)- د/ محمد علي السالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات "القسم العام "،المرجع السابق ،ص 402 .

و بعد أن تطرقنا لشروط حالة الضرورة نتطرق فيما يلي للآثار التي ترتبها حالة الضرورة .

ثالثا : أثــار حــالة الضــرورة .

حالة الضرورة كغيرها من موانع المسؤولية لا ترتب أثارها إلا إذا تم إثباتها و إثبات حالة الضرورة يكون على عاتق من يدفع بها . و الدفع بتوافر حالة الضرورة من النظام العام يتعين على محكمة الموضوع إثارته من تلقاء نفسها إذا لم يثره الخصوم (1)

و تختلف أثار حالة الضرورة من المسؤولية الجزائية إلى المسؤولية المدنية ، كما أنها تختلف بحسب ما إذا توافرت شروطها كاملة أو اختل أحدها و تبعا لذلك نتعرض لهذه العناصر كما يلي :

1- أثار حالة الضرورة في قيام المسؤولية .

أ- المسؤولية الجزائية : تتفق الأنظمة القانونية التي أخذت بحالة الضرورة على أن توافر حالة الضرورة يؤدي إلى عدم العقاب على العمل المرتكب سواء كان ذلك على أساس انعدام الجريمة بالنسبة للأنظمة القانونية التي تعتبر حالة الضرورة بسبب الإباحة أو على أساس إنعدام الخطأ بالنسبة للأنظمة القانونية التي تعتبر حالة الضرورة مانعا للمسؤولية كما في قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1992 (2).

ب- المسؤولية المدنية : الأصل أن الفعل المرتكب من قبل من هو في حالة الضرورة لا يشكل خطأ و بالتالي لا يسأل مرتكبه مدنيا . غير أن الضحية في حالة الضرورة لم يرتكب أي خطأ مما أدى ببعض التشريعات التي أخذت بحالة الضرورة إلى إقرار تعويض الضحية على أساس الإثراء بلا سبب .

و تنص المادة( 130 قام )على أنه « من سبب ضررا للغير ليتفادى ضررا أكبر محدقا به أو بغيره لا يكون ملزما إلا بالتعويض الذي يراه القاضي مناسبا »

و يتبين من هذا النص أن الشخص الذي حملته الظروف المحيطة به على الإضرار بالغير حتى يتجنب ضررا أكبر محدقا به بغيره يلتزم بالتعويض الذي يراه القاضي مناسبا .

________________________

1)- د/ ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، مرجع سابق ، ص56 .

2)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 136 .

2- تجاوز حدود الضرورة :

يقع التجاوز حين يرتكب الفاعل و هو يدفع الخطر فعلا أشد مما يقتضيه المقام

و بالتالي يكون التجاوز في حالة الضرورة إخلالا بشرط التناسب . و هناك من القوانين التي أخذت بحالة الضرورة إلا أنها لم تحدد حكم التجاوز مثل القانون المصري مما يقتضي القول بالرجوع إلى القواعد العامة (1) .

و يمكن القول من باب القياس بإنزال أحكام تجاوز حدود الدفاع الشرعي على حالات تجاوز حدود حالة الضرورة .

و بعد دراسة أحكام حالة الضرورة نتطرق فيما يلي للإكراه باعتباره سبب نفسي ينفي حرية الاختيار و بالتالي المسؤولية الجزائية .

الفرع الثاني : الإكـــراه .

الرضا شرط لكل التصرفات القانونية و لا وجود لهدا الرضا إذا شابه عيب من عيوب الرضا منها الإكراه .

فالإكراه إذن من العيوب التي تهدم الرضا عند الإنسان المكره إذ يعلم أن ما يقدم عليه من أقوال و أفعال إنما هي ضد رغبته و مع ذلك يقوم بها ليدفع الأذى عن نفسه . فيكون الرضا غير موجود لأن الإكراه يتنافى مع الرضا و إن كان فعلا قام بالفعل الذي أكره عليه إلا أن ذلك لم يكن تعبيرا عن إرادته الحرة . و على هذا هل تسقط المسؤولية الجزائية عن الفعل الذي ارتكبه الشخص تحت الإكراه ؟

و للإجابة على هذا التساؤل يجب أولا معرفة مفهوم الإكراه و أنواعه و شروطه و من خلال ذلك نتطرق لمدي تأثيره على المسؤولية الجزائية و فيما يلي نتطرق لهذه العناصر

أولا : تعريف الإكراه .

يعرف الإكراه على أنه « الضغط الذي تنتفي معه حرية الاختيار لدى الجاني

و لا ينتف الإدراك لديه لكونه متمتعا بكل قواه العقلية لكنه مقيد في اختيار سلوك دون الأخر » (2) .

________________________

1)- د/ ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، المرجع السابق ، ص 56 .

2)- د/ إبراهيم الشباسي ، الوجيز في شرح قانون العقوبات الجزائري " القسم العام " الطبعة الأولى ، الجزائر ، دار الكتاب ، سنة 1990 ، ص 198 .

و يعرفه الدكتور سليمان عبد المنعم على أنه « الضغط على إرادة الفاعل بحيث يفقد كيانه الذاتي و لا يجد الفاعل سبيلا إلا إرتكاب السلوك الإجرامي »

و من هذه التعاريف نستنتج أن الإكراه يقوم على أركان هي :

- المكره : هو الحامل لغيره على عمل شيء قهرا .

- المكره : هو الشخص المجبر على القيام بالفعل المكره غصبا و قهرا .

- المكره عليه : هو القول أو الفعل الذي يقع عليه الإكراه .

- المكره به : نوع التهديد الذي يوجه للمكره كالقتل أو قطع عضو أو إتلاف مال أو ضرب أو نحو ذلك . و قد يلحق الأذى به أو بغيره نتيجة التهديد و مثاله تهديد الأب بقتل ابنه إذا لم يقم بالفعل المطلوب منه .

و الإكراه نوعان إكراه مادي و إكراه معنوي و هما كالتالي :

ثــانيا : أنــواع الإكراه .

نتطرق في هذا العصر إلى الإكراه المادي من خلال تعريفه ، و الفرق بينه و الحالات المشابهة له ، و صوره ثم نتطرق إلى الإكراه المعنوي من خلال تعريفه و تحديد صوره و ذلك كالتالي :

1- الإكـراه المــادي .

أ- تعريف الإكـراه المــادي .

هو تعرض المرء لقوى مادية خارجية تعدم إرادته و تحمله على القيام بالواقعة الإجرامية ، و عليه فهو عنف يباشر على جسم الإنسان أو الشخص الخاضع له يؤدي إلى انعدام الإرادة كليا (1) و عليه الإكراه المادي الصادر عن أحد عوامل الطبيعة أو بفعل الإنسان أو الحيوان أو المرض ، يؤثر في إرادة الخاضع له و يجعلها غير موجودة و أنه عبارة عن آلة مسخرة و غير قادر على السيطرة على نفسه و لذلك تنتفي مسؤوليته

الجزائية لأن الفاعل لا يعاقب على أي فعل ما لم يكن قد ارتكبه عن وعي و حرية اختيار .

و استنادا لذلك فان الإكراه المادي حسب ما عرفه الفقهاء « هو قوة مادية مهما

________________________

1)- د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 314 .



كان مصدرها يستحيل على الإنسان مقاومتها فتسيطر على أعضاء جسمه

و تحركها دون إرادة من صاحبها في عمل يعاقب عليه القانون كالآلة المسخرة »(1)

كالذي يمسك بيد شخص و يجعله يضع إمضاءه على محرر مزور . فتقع المسؤولية عليه دون صاحب الإمضاء عن جريمة التزوير .

و للإكراه المادي صورتان هما :

ب- صور الإكراه المادي : قد يكون الإكراه المادي خارجيا أو داخليا و ذلك حسب مصدره .

* الإكـراه الخـارجي : قد يكون مصدر الإكراه قوة طبيعية مثل الفيضان أو السيل الذي يقطع سبل المواصلات فيمنع الشاهد من الذهاب إلى المحكمة لأداء شهادة دعي إليها قانونا ، أو العاصفة التي تقذف بإنسان على آخر فيقتله أو يصيبه بجروح .

كما قد يكون مصدر الإكراه قوة ناشئة عن فعل حيوان كالحصان الذي يجمح براكبه بحيث لا يقوى على كبح جماحه فيصيب إنسانا بجراح أثناء هروبه . وقد يكون مصدر الإكراه قوة ناشئة عن فعل إنسان كمن يهدد بسلاح ناري أمين صندوق البنك ، و يرغمه على تسليم المال المودع به . أو ذلك الذي يحبس الشاهد لمنعه من الذهاب إلى المحكمة لأداء الشهادة .

و قد يكون مصدر الإكراه من فعل السلطات العامة و لذلك حكم في فرنسا ببراءة المتهم من جريمة عدم الذهاب إلى الخدمة العسكرية بناء على طلب السلطات المختصة لأنه كان محبوسا على ذمة قضية أخرى .

* الإكـراه الــداخلي : ينتج الإكراه أثره و لو كانت القوة التي أثرت على إرادة الفاعل مصدرها داخلي متصل به ، متى كان من المستحيل مقاومتها و يتعلق الأمر هنا بقوة تنشأ عن سبب ذاتي ملازم لشخص الجاني نفسه .

و قد أخذ القضاء الفرنسي بالإكراه المادي ذي المصدر الداخلي في قضية راكب قطار غلبه النعاس في سفر طويل من كثرة التعب فجاوز المسافة التي دفع أجرها (2) . و مثال

الإكراه الداخلي كذلك أن يصاب سائق السيارة بإغماء مفاجئ غير متوقع لا توجد

________________________

1)- د/ محمد علي السالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 393 .

2)- د / فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 157 .

أسباب ظاهرة تدل عليه فيصدم إنسانا و يقتله أو يصيبه بجروح .

و قد استقر القضاء الفرنسي على أن المرض من قبيل القوة القاهرة التي تمحوا إرادة الفاعل و تمنع مسؤوليته الجزائية ، إذا بلغ من الجسامة حدا يمنع المريض من الوفاء بالالتزامات التي يفرضها عليه القانون ، و تطبيقا لذلك قضي ببراءة المتهم في جريمة هجر العائلة بسبب إصابته بمرض في القلب منعه من ممارسة عمله ، و الحصول على الدخل الذي ينفق منه على أسرته (1) .

جـ - المقارنة بين الإكراه المادي و الحالات المشابهة .

* الإكراه المفاجئ و الحادث المفاجئ :

الحادث المفاجئ عامل طارئ يتميز بالمفاجأة أكثر مما يتميز بالعنف يجعل جسم الإنسان أداة للجريمة دون اتصال إرادي بين هذه الجريمة ، و نفسية الفاعل فينتفي الركن المعنوي إلا أنه لا يمحو الإرادة ، بل و لا يجردها من التمييز و حرية الاختيار . و لكن يزيل عنها القصد و الخطأ .

كما يختلف الحادث المفاجئ عن الإكراه المادي في أنه قد يكون فعل الطبيعة أو فعل إنسان في حين أنه في الإكراه المادي غالبا ما يكون من فعل إنسان .

* الإكراه المادي و القوة القاهرة :

من الفقهاء من يعتبر أن القوة القاهرة و الإكراه المادي تعبيران مترادفان ، و لكن تخصص أحيانا دلالة الإكراه المادي فتقتصر على حالة ما إذا كانت القوة إنسانية ، أما سائر حالتها كالقوة الطبيعية ، أو قوة الحيوان ، فيطلق عليها تعبير القوة القاهرة (2) .

فلا جدوى تذكر من التفرقة بينهما سوى القول بأن الإكراه المادي يتم بواسطة الإنسان في حين تتم القوة القاهرة بواسطة الحيوان أو الطبيعة ، ففي الإكراه المادي نجد الشخص المسؤول عن الجريمة و هو من قام بأعمال الإكراه في حين أنه لا جريمة في حالة القوة القاهرة لغياب الإنسان الذي يمكن أن تنسب إليه الجريمة (3).

و يمكن القول أن الإكراه المادي يتفق مع كل من القوة القاهرة و الحادث المفاجئ على ________________________

1)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق ، ص 158 .

2)- د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 549 .

4)- د / عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 310 .

أنها جميعا من قبيل السبب الأجنبي الذي يحول دون التعويض ، فالمسؤولية المدنية تنتفي في حالة تحقق السبب الأجنبي حسب المادة ( 127 قام ) .

2- الإكراه المعنوي .

أ- تعريف الإكراه المعنوي :

يرى بعض الفقهاء أن الإكراه المعنوي " قوة إنسانية تتجه إلى نفسية الإنسان دون أن تقبض على جسمه ، فتحمل هذه النفسية كرها على إرادة الجريمة " (1) .

في حين يرى البعض الآخر انه " الضغط على إرادة شخص لحمله على ارتكاب الجريمة و يتمثل هذا الضغط في الإنذار بشر إذا لم يرتكب المكره الجريمة المطلوبة " (2)

و يرى الدكتور رمسيس بهنام أنه " ينتج الإكراه المعنوي من ضغط يمارس على إرادة الفاعل بسبب خارجي " أو سبب ذاتي " كالعاطفة و الهوى " .

و يختلف الإكراه المعنوي عن الإكراه المادي من ناحية أن الإكراه المادي ينصب على جسم المكره بينما الإكراه المعنوي يتجه إلى نفسيته .

و من ناحية أن الإكراه المادي تنعدم فيه إرادة الشخص كليا بينما الإكراه المعنوي فلا تنعدم فيه إرادة الشخص بل تفتقر فحسب إلى الحرية كمن يهدد آخر بإنزال الأذى به إذا لم يرتكب جريمة سرقة (3) . و مثاله أيضا أن يهدد شخص شخصا آخر بإطلاق النار عليه إن لم يطلق هو النار على شخص ثالث بجواره . أو أن يستعمل العنف بشكل لا يبلغ حد السيطرة على أعضاء المكره و تحريكها لارتكاب الجريمة كأن يحبسه و يعذبه

و يهدده باستمرار ذلك .

و للإكراه المعنوي صورتان نتطرق إليهما فيما يلي :

ب- صور الإكراه المعنوي : الإكراه المعنوي شأنه شان الإكراه المادي قد يكون خارجيا أو داخليا .

* الإكراه الخارجي : و يتمثل أساسا في التهديد و الاستفزاز الصادر عن الغير و في كلتا ________________________

1)-د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 149 .

2)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق ، ص 165 .

3)- د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 496 .

الحالتين لا يؤخذ به كمانع للمسؤولية إلا إذا بلغ تأثيره الحد الذي يرغم المكره على سلوك الجريمة .

و يجب أن تكون التهديدات الصادرة عن الغير غير مشروعة . حيث قضي في فرنسا أن هيبة الابن من الأب ، وهيبة الزوجة من الزوج ، و هيبة الخادم من مستخدمه لا تنف المسؤولية .

الإكراه الــداخلي : و يتعلق الأمر هنا بتأثير العواطف و الهوى . و لا يؤخذ بهذا النوع من الإكراه كسبب لانتفاء المسؤولية الجزائية إلا إذا قضى نهائيا على إرادة الفاعل و في هذه الحالة لا نكون أمام مجرد إكراه معنوي بل الإكراه المادي أو الجنون .

و غالبا ما يكون الإكراه المعنوي سببا لتخفيف العقوبة دون أن يصل الأمر إلى الحكم بانتفاء المسؤولية (1) .

و بعد تعريف الإكراه و التطرق إلى أنواعه و صور كل نوع نتطرق فيما يلي إلى شروطه .

ثالثا : شروط الإكراه .

يخضع الإكراه المادي و المعنوي لذات الشروط من أن يكون السبب المكره غير متوقع و أن يكون مستحيلا دفعه . مع الأخذ بعين الاعتبار أن القوة المكرهة في الإكراه المعنوي غالبا ما تكون قوة إنسانية توجه إلى مشاعر الإنسان المكره متمثلة في خوفه على روحه أو حياة ولده أو عرض زوجته أو ما شابه ذلك (2).

و من ثم لا يجد الشخص المكره أمامه سوى ارتكاب الجريمة لدرء الخطر الجسيم ،الحال المهدد للنفس . و إذا ثبت أنه كان من الممكن اتخاذ سلوك آخر غير الجريمة فان مسؤوليته لا تنتف و فيما يلي نركز على شرطي عدم إمكانية التوقع

و استحالة الدفع .

1- عدم إمكانية التوقع : يجب أن يكون سبب الإكراه غير متوقع لأن الشخص إذا توقع الفعل لزم عليه تجنبه فلا يعد مكرها ، و هذه مسألة موضوعية يستخلصها قاضي الموضوع بحسب ظروف كل حــالة .

________________________

1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 175 .

2)- د/ ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، مرجع سابق ، ص 64 .

كأن يمتطي شخص جوادا و هو على علم بأنه جامح و يعلم أنه غير قادر على السيطرة عليه فيحجز عن السيطرة عليه فيصيب شخصا فيقتله فلا يعد مكرها .

2- استحالة الدفع : هو شرط منطقي باعتبار أن الإكراه يعدم الإرادة . فإذا كان ممكننا دفعه يمتنع القول بانعدام الإرادة . فامتناع المسؤولية بالإكراه مناطه أن يلغي الاختيار بالقوة و هذا لا يتحقق إذا كان المكره بوسعه مقاومتها (1).

كأن يقيد أحد المساهمين في الجريمة شاهدا لمنعه من الإدلاء بشهادته و على الرغم من ذلك كان في وسع هذا الشاهد الهرب إلا أنه لم يفعل فلا يكون مكرها على التخلف عن أداء شهادته .

فإذا كان في وسع المكره أن يدفع مصدر الإكراه بعد وقوعه ، و التخلص منه بأي وسيلة ، و لم يفعل فلا يعد مكرها على أي فعل مجرم يرتكبه (2) .

و نشير إلى أن استحالة الدفع تحدد بمعيار شخصي محض ، مؤداه قوة الشخص المكره نفسه وهل بوسعه في ظروفه ، و حالته الصحية ، و النفسية ، و جنسه و ظروف ارتكاب الجريمة و التهديد أن يقاوم القوة المهدد بها . بصرف النظر عن قياس ذلك بالنسبة للشخص العادي لان العبرة بمدى تأثير القوة المكرهة في نفسية المكره (3) .



______________________

1)- د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 497 .

3)- د/ ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، مرجع سابق ، ص64 .

1)-د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام" ، مرجع سابق ، ص 411 .



الخـــاتمة :

إن أسباب الإباحة ظروف موضوعية تطرأ وقت ارتكاب الفعل المجرم ، و بتوافرها ينتفي الوصف الإجرامي عن الفعل ، و بالتالي فان هذه الأسباب تعمل على إعدام الركن الشرعي في الجريمة فتخرج الفعل من دائرة التجريم إلى دائرة الإباحة . و تضم أسباب الإباحة بحسب طبيعتها أمر و إذن القانون ، و الدفاع الشرعي ، و رضا المجني عليه كسبب إباحة أقره القانون المقارن .

و بما أن الأصل في الأفعال الإباحة بينما الاستثناء هو التجريم ، و القياس على الاستثناء غير جائز ، فانه لا يجوز القياس في قواعد التجريم بينما يصح ذلك بالنسبة للقواعد المعفية التي ليست سوى تعبيرا عن الأصل العام في الإباحة ، و من ثم يمكن القول بجواز القياس في أسباب الإباحة . و إن كان الأصح أنها وردت على سبيل الحصر للمثال إذ نجد أن المشرع الجزائري مثلا لم يعين الجرائم التي تباح بأمر القانون أو إذنه . فالقانون يأمر و يأذن بأفعال لا يمكن حصرها .

و إذا بحثنا عن أثر اقتران أسباب الإباحة بالفعل المجرم نقول أن أسباب الإباحة تؤدي إلى تعطيل الركن الشرعي في الجريمة ، و بالتالي إنتفاء هذه الأخيرة و من ثم لا تترتب عنها أي مسؤولية سواء كانت مسؤولية جزائية أو مدنية .

و ما يلاحظ على النصوص القانونية المنظمة لأسباب الإباحة في قانون العقوبات الجزائري أنها وردت عامة . ففي أمر القانون و إذنه مثلا لم يحدد المشرع الجزائري تطبيقات إذن القانون الشائعة كما فعل المشرع الأردني ، و لم يحدد المكلف بتنفيذ أمر القانون . و فيما يتعلق بالدفاع الشرعي نجد انه لم ينص على أحكام تجاوز حدود الدفاع الشرعي كما فعل المشرع المصري لأهميتها في تحديد مسؤولية الجاني و ضمان حق المجني عليه . كما قصر الدفاع الشرعي على الشخص الطبيعي دون الشخص المعنوي على خلاف المشرع الأردني الذي نص في المادة 60 قاع « يستوي في الحماية الشخص الطبيعي و الشخص المعنوي » . إذ أنه يجوز استخدام العنف لصد مؤامرة في مرحلة الإعداد إذا كانت تستهدف أمن الدولة باعتبار الدولة شخص معنوي تصح المدافعة عنه ، كما أن امتناع الموظف عن الوفاء بشيك دون رصيد هو بمثابة دفاع شرعي عن البنك.

كما لم يحسم المشرع الجزائري موقفه بصراحة من رضا الجني عليه في قانون العقوبات كما فعلت جل التشريعات العربية و الأجنبية . و ان كان قد أخذ به في مواضع متفرقة في قانون العقوبات و القوانين المكملة له .

لذلك يجب تحديد ضوابط هذه الأسباب بدقة ، و عدم تجاوز الحدود المرسومة لها لان ذلك يعد تجاوزا على القانون و الحقوق التي يحميها . مما يستلزم إعادة النظر في الأحكام المتعلقة بأسباب الإباحة ، لضرورة التأكد من صواب التمسك بهذه الأسباب كظروف موضوعية قد ترافق الجريمة ، حتى لا يفتح المجال واسعا أمام المتذرعين بها للحصول على التخفيف من العقوبة ، إن لم يكن التبرير المطلق .

كما أن هناك حالات أخرى تتشابه و حالات أسباب الإباحة هي موانع المسؤولية هذه الحالات تتعلق بالركن المعنوي للجريمة و هي ظروف شخصية مرتبطة بمرتكب الجريمة تجعل إرادته غير معتبرة قانونا بتجريدها من التمييز ، و حرية الاختيار مما يؤدي الى انتفاء المسؤولية الجزائية .

و استنادا إلى المقررات العلمية الجنائية الحديثة أصبحت هذه الموانع توزع بحسب طبيعتها على الوجه التالي ، أسباب باتولوجية ( الجنون ) ، و أسباب نفسية ( الإكراه ) ، و أسباب موضوعية ( الضرورة ) ، و أسباب عارضة ( الغيبوبة ) .

و نظرا للطبيعة الشخصية لموانع المسؤولية فلا يستفيد منها إلا من توافرت فيه ، كما أن موانع المسؤولية لا تؤدي إلى انتفاء الصفة الإجرامية للفعل و إنما ينحصر دورها في نفي المسؤولية الجزائية عن الفاعل متى توفرت شروطها ، إلا أن ذلك لا يحول دون تطبيق تدابير الأمن اتجاه مرتكب الجريمة متى ثبتت خطورته الإجرامية .

و ما يلاحظ على النصوص القانونية المنظمة لموانع المسؤولية كذلك أنها وردت عامة

و مختصرة ، فنجد أن المشرع الجزائري مثلا لم يفرد نصا خاصا لحالة الضرورة و إنما أدرجها ضمن حالة الإكراه ضمنيا ، كما أنه لم يحدد شروط كل حالة كما فعل مع حالة الدفاع الشرعي ، و لم يحدد الطبيعة القانونية لحالة الضرورة فلا هو أدرجها ضمن أسباب الإباحة و لا هو أدرجها ضمن موانع المسؤولية ، و إن كان يأخذ بها في كثير من المواضع كسبب لامتناع المسؤولية .

كما أنه لم يتحدث عن حكم السكر و اكتفى بالقول أنه ظرف مشدد في بعض الجرائم إلا أن القواعد العامة تقتضي بأن يكون السكر الاضطراري مانعا للمسؤولية ، لأنه يؤدي إلى انعدام التمييز ، و حرية الاختيار دون دخل لإرادة الشخص في ذلك .

و الشخص لا يسأل عن الأفعال التي يأتيها إلا إذا كان مدركا لها ، و حرا في اختيارها و بصفة عامة نقول أن توافر أسباب الإباحة بشروطها يؤدي إلى نفي الجريمة

و العقوبة المقررة لها بكل صورها و المسؤولية المدنية عنها ، بالنسبة لكل من شارك في الجريمة . و إن قيام مانع من موانع المسؤولية يؤدي إلى أنه لا جريمة عمدية ، و لا مسؤولية جزائية عمدية ، مع إمكانية تطبيق تدابير الأمن في الحالات التي تتطلب ذلك مع قيام المسؤولية المدنية في الحدود التي يقررها القانون . بالنسبة للشخص الذي توافر فيه المانع دون أن يمتد أثرها إلى من ساهم معه في ارتكاب الفعل المجرم فإذا كان الملف على مستوى النيابة العامة وجب عليها حفظه ، و إذا كان على مستوى جهات التحقيق وجب عليها إصدار أمر بألا وجه للمتابعة ، و إذا كان على مستوى المحكمة وجب على القاضي إصدار حكم ببراءة المتهم .



الساعة الآن 01:59 AM