يسمى العراق أيضًا بلاد الرافدين، وهما نهرا دجلة والفرات، وقد ارتبط نشوء الحضارة وتطورها في العراق منذ عصور ما قبل التاريخ بنهري دجلة والفرات؛ فعلى ضفافيهما تأسست القرى الزراعية الأولى. انظر: بابل؛ آشور . والزراعة كانت وما تزال من أهم الأنشطة الاقتصادية لسكان العراق. كما كان للنهرين دور عظيم في قيام حضارة العراق منذ القدم.
إن أقدم سكان وادي الرافدين المعروفين هم السومريون، في الجزء الجنوبي منه. ونحو3000 ق.م.، وفدت شعوب سامية إلى وادي الرافدين. وهؤلاء هم الذين عرفوا في التاريخ بالأكَّاديين. لذلك، منذ 3000ق.م كان يعيش بوادي الرافدين شعبان: السومريون في الجنوب والأكّاديون في الشمال، يتكلمون لغتين مختلفتين، إحداهما سامية، وهي اللغة الأكّادية والأخرى غيرسامية، وهي اللغة السومرية. وكان السومريون مؤسسي حضارة وادي الرافدين، وأرقى حضاريًا من الأكّاديين عندما قدم إليهم هؤلاء. ولذا تأثر بهم الأكّاديون وورثوا كثيرًا من حضارتهم الراقية، وبخاصة الديانة والأدب ورموز الكتابة.
وعرف العراق قيام دول ودويلات عدة، كان لبعضها شأن كبير، ابتداءً من أواخر الألف الرابع قبل الميلاد إلى القرن السادس قبل الميلاد حين سقطت بابل الكلدانية أمام الغزو الفارسي. وأهم هذه الدول والدويلات أوما ولاغش ونفَّر، وأكاد، وأور الثالثة، والممالك الأمورية في آشور وبابل وإشونة، ومملكتا ميتاني والكاشيين ذواتا الأصول الهندية الأوروبية، وأخيرًا بابل الكلدانية آرامية الأصل. واشتهرت مملكتا آشور وبابل بأنهما كانتا تظهران وتخمدان مرات عدة، وكانت المرة الأخيرة لكل واحدة منهما هي أزهاها. فكان المجد الأخير لآشور فيما عرف في تاريخها بالعصر الآشوري الحديث ما بين القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، كما كان المجد الأخير لبابل المعروفة بالكلدانية، بين القرنين السابع والسادس قبل الميلاد حيث ورثت مفلْك آشور.
وهكذا نشأت في العراق حضارات ومدنيات قديمة ترجع إلى ما قبل الألف الثالث قبل الميلاد، وتعاقبت على أرضه عدة إمبراطوريات، أدت دورًا مهمًا في عصور التاريخ، نظرًا لموقعه الجغرافي المتوسط بين الشرق والغرب، ولوفرة الأراضي الخصبة وغزارة المياه، وكذلك لوجود المعادن المهمة في أراضيه. ومن أهم هذه الإمبراطوريات السومرية والأكّادية والبابلية والآشورية والكلدانية.
مظاهر الحضارة العراقية القديمة:
الحياة السياسية ونظام الحكم:تشير النصوص السومرية إلى أن الوضع السياسي الذي ساد العراق منذ العصر السومري، تميّز بوجود عدد من دويلات المدن المستقلة عن بعضها، ولذا نشأت أكثر من إدارة مركزية واحدة. ولم يخل التاريخ السومري من محاولات لبعض الحكام لتوحيد تلك الدويلات في دولة مركزية واحدة تسود أرض العراق بكامله، وتمتد أحيانًا إلى البلدان المجاورة.
وكان النظام الملكي الوراثي هو النظام السائد في العراق منذ عصور فجر السلالات وحتى نهاية التاريخ القديم. وجاءت فترات كان هناك اعتقاد بأن الملكية نظام إلهي مقدس.
الحياة الاجتماعية:
كانت الأسرة هي اللبنة الأساسية في تكوين المجتمع ومن مجموع الأسر يتكون المجتمع، وغالبًا ما يعكس نظام الأسرة نظام المجتمع والدولة العام. وتتكون الأسرة من الأب والأم والأولاد وغيرهم. كان المجتمع العراقي، يتألف من فئات وشرائح منها الحاكمة والمتنفذة سياسيا أو اقتصادياً أو دينياً، ومنها المحكومة والتي ضمت عامة الناس. وفي مقدمة الفئات الحاكمة الأسرة المالكة وفئة النبلاء وأصحاب الإقطاعات الكبيرة والملاك وكبار الكهنة والموظفون وقادة الجيش والحكام وغيرهم، وكان لهذه الفئات جميع الحقوق والامتيازات. وكانت الفئة المحكومة تضم عامة الناس من الفلاحين والتجار الصغار والعمال، كما كانت هناك طبقة الرقيق التي تعامل معاملة خاصة غير معاملة الطبقتين الأوليين.
ونتيجة لتطور الحياة اليومية تعقدت علاقات الأفراد واستقرت العادات والتقاليد وغدت أعرافًا يسير عليها أفراد المجتمع. وما لبثت أن تطورت إلى قوانين صادرة عن السلطة الحاكمة.
الحياة الاقتصادية:
قام الاقتصاد العراقي في العصور القديمة المختلفة على دعامات ثلاث، هي الزراعة أولاً ثم التجارة ثانيًا ثم الصناعة ثالثا، ومن الصعب أن تفصل بين هذه الدعامات الثلاث لارتباط كل منها بالأخرى، وازدياد أهمية هذه أو نقصانها تبعًا للظروف. فالزراعة التي تبدو أقل أهمية من الصناعة في الوقت الحاضر كانت أهميتها تفوق أهمية الصناعة والتجارة في العصور السومرية والبابلية.
كانت الزراعة تعتمد في بادئ الأمر على مياه الأمطار، كما كانت الزراعة محدودة وتحقق الاكتفاء الذاتي واستخدمت فيها الآلات الزراعية البسيطة، إلا أن الإنسان بدأ يتعلم وسائل الري الصناعية ليوسع من مساحة الأرض المزروعة. ومن أهم الزراعات الحبوب على اختلافها كالقمح والشعير والذرة والسمسم والعدس، والأشجار المثمرة كالتين والزيتون والكروم والرمان والكمثرى والتفاح إضافة إلى أشجار النخيل. ونتيجة لتوسع الأراضي الزراعية وزيادتها أصبح الإنتاج أكثر من الاستهلاك فبدأت مرحلة المقايضة وكانت بداية التجارة.
لم تكن شهرة العراق القديم بالتجارة أقل من شهرته بالزراعة أو الصناعة؛ فقد كان لموقع العراق الجغرافي الاستراتيجي أثره الواضح في نشوء وتطور التجارة الخارجية، ونتيجة لاهتمام العراق بالتجارة اخترعت الوسائل التي تساعد على نمو التجارة وازدهارها كالعربات والسفن واستخدام الموازين والمكاييل، وكذلك استخدام الحبوب والمعادن كوسيلة لتقويم أثمان السلع والأجور بدلاً من النقود. وشرعت القوانين لتنظيم المعاملات التجارية الداخلية منها والخارجية.
ومن أهم الصناعات والحرف اليدوية التي عرفت منذ عصور ما قبل التاريخ والعصور التاريخية أيضًا كانت صناعة الأدوات الحجرية كالسكاكين والفؤوس والآلات الزراعية والأواني الفخارية وصناعة السلال والغزل والحياكة، كما برع العراقيون في صناعة التماثيل والنصب والمسلات ونحت الألواح الحجرية. وأصبح لكل حرفة جماعة أو طائفة، ولكل جماعة رئيس من أمهر الحرفيين ويخلفه ابنه في هذه الحرفة. وهناك حرف الدباغة والبناء والنجارة والحدادة وصيد الأسماك ورعي الأغنام وغيرها.
القوانين:
تعد القوانين العراقية القديمة من أهم إنجازات الحضارة العراقية في العصور القديمة. فالقوانين المكتشفة في العراق هي أقدم القوانين المكتشفة في العالم. وقد أظهرت القوانين القديمة أنها على درجة كبيرة من النضج والتنظيم. وهناك قوانين سومرية (أور 2113 - 2095ق.م) وقانون لبت عشتار (1934 - 1923ق.م) وقانون أشنونا باللغة الأكادية، ثم قانون حمورابي الذي يعتبر أكمل وأنضج قانون قديم مكتشف حتى الآن. وقد دون باللغة الأكادية في لهجتها البابلية، وبالخط المسماري وكتب على مسلة من حجر الديوريت الأسود، وضم حوالي 282 مادة قانونية. وقد تم الكشف عن مسلة حمورابي عام 1901 - 1902م في مدينة سوسا عاصمة العيلاميين، وهي الآن محفوظة في متحف اللوفر في باريس.
وعلى الرغم من قدسية القوانين باعتبارها مستوحاة من إله الشمس عند البابليين، كما تشير إلى ذلك المسلة نفسها، فإن المواد القانونية لم تعالج إلا الشؤون الدنيوية. ويمكن تقسيم ما ورد فيها من مواد إلى خمسة أقسام رئيسية: يعالج الأول الأمور الخاصة بالتقاضي والاتهام الكاذب وشهادة الزور وتلاعب القضاء، في حين اختص القسم الثاني والذي ضم 120 مادة بالمواد الخاصة بالأموال، والجرائم التي تقع على الأموال كالسرقة، والأراضي والعقارات والتجارة والعلاقات التجارية. أما القسم الثالث الذي ضم 87 مادة فهو خاص بالأشخاص، وعالج الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وميراث وتبَنفّ، كما عالج العقوبات على جرائم الاعتداء على الأشخاص. وفي القسم الرابع حددت مسؤوليات أصحاب المهن وأجورهم وأجور الأشخاص والحيوانات ومسؤولية أضرارهم. أما القسم الأخير والذي يضم أربع مواد فقط فهو خاص ببيع الرقيق. وقد كانت هذه القوانين في مجملها أقل قساوة من القوانين الأوروبية في العصور الوسطى؛ فهي لم تعرف تعذيب المتهم ولا التمثيل به وهو على قيد الحياة.
الدين:
للدين أهمية قصوى في حياة الشعوب القديمة، بل إنه من أهم العوامل المؤثرة في سير حياتها وأسلوب تطور حضاراتها. فالمعتقدات والأفكار الدينية تحدد الإطار العام لسلوك الإنسان وحياته، عاداته وتقاليده وأعرافه وقوانينه، وتكون الخلفية المؤثرة في حياته الاجتماعية والفنية والسياسية. لذلك كانت دراسة المعتقدات الدينية العراقية القديمة ذات أهمية كبيرة في فهم حياة العراقيين القدماء. وهناك نصوص مسمارية تشير إلى العديد من مظاهر المعتقدات الدينية كالقصص والأساطير الدينية والملاحم والتراتيل والصلوات، ونصوص الشعائر والاحتفالات والتعاويذ. كما أن هناك آثارًا ومخلفات مادية عن المعتقدات الدينية كالمعابد والزقورات، والتماثيل والنصب والألواح والمشاهد الدينية المختومة على الأختام الأسطوانية والأواني الفخارية. غير أن هذه المعلومات لا تعطينا صورة كافية عن كيفية تطبيق العراقيين لتعاليم الدين وسلوكهم حيال ذلك.
العلوم والمعارف:
ومنها الأدب والفن والنحت وفن العمارة، والكتابة والعلوم والرياضيات والفلك والطب. وقد نبغ أهل العراق في تاريخهم القديم في هذه العلوم التي كانت سببًا في رقيهم وحضارتهم.
الأقسام الإدارية:
منذ ضم العراق إلى الدولة الإسلامية كان يعين فيه واليان: أحدهما على الكوفة، والثاني على البصرة. ويسمى كل منهما أميرًا وكان كل أمير مسؤولاً عن إدارة المناطق التابعة له، كما أنه كان مسؤولاً عن الأمن والاستقرار في ولايته، وعن جباية الخراج وحل المشكلات. وقد اعتمد الأمراء في تعزيز سلطاتهم على قوات من الحرس أو الشرطة كانت لها تنظيمات خاصة، وتتبع الأمير وتعمل على تنفيذ أوامره. ولما كان معظم السكان في الأمصار عربًا من الجزيرة، فقد احتفظوا بتجمعاتهم القبلية، وعفـيّن لكل قبيلة عريف مسؤول عن الأمن والنظام.
كان في كل من البصرة والكوفة قاض من العرب يعينه الأمير لينظر في القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية الخاصة بالزواج والطلاق والميراث، وكذلك ما يتعلق بمعاملات البيع والشراء والتجارة وغيرها. أما القضايا المتعلقة بالأمن والجنايات فكان ينظر فيها الأمير أو صاحب الشرطة. كما عين المحتسب للإشراف على معاملات السوق والأوزان والمكاييل. وقسمت الكوفة إلى أربعة أقسام كبيرة والبصرة إلى خمسة، كل قسم يضم عدة عشائر ولكل عشيرة رئيس يتم اختياره من ذوي المكانة الرفيعة عند العشائر، ويقر الخليفة اختياره، ولهؤلاء الرؤساء سلطة كبيرة مستمدة من مراكزهم الشخصية والاجتماعية ومن الواجبات الملقاة على عاتقهم؛ فكانوا ينظرون في شؤون عشائرهم، ويمثلون هذه العشائر ومصالحها أمام الأمير، ويقودون مقاتلي قبائلهم في الحروب.