إن عقد الإيجار لم يكن معروفا في العصور الأولى للإنسانية اين كان النظام الاجتماعي يقضي بوجود طبقتين اجتماعيتين لا ثلاث لهما متمثلة في الطبقة المالكة و الطبقة الكادحة أو طبقة العبيد و لكن هذه الحالة الاجتماعية لم تدم طويلا وما لبث أن تكون بالتدريج طبقة تتوسط الطبقتين السابق ذكرهما و التي نتجت عن تحرر عدد كبير من العبيد والذي أدى بالضرورة إلى استحالة استغلال أراضي الطبقة المالكة عن طريق العبيد فظهر عقد الإيجار كبديل لاستغلال أراضي الطبقة المالكة والذي تم بين هذه الأخيرة والطبقة المتوسطة حيث أن الاستغلال كان يتم بعوض ومن هذه الفترة تبلورت الفكرة الأساسية لعقد الإيجار والتي تطورت بتطور التشريعات العالمية .
و قد نظم المشرع الجزائري أحكام عقد الإيجار من حيث التطرق إلى تعريفه و أركانه والالتزامات والحقوق الناتجة عنه وشكله وطرق إثباته وانتهاء عقد الإيجار وفي مختلف المسائل التي تتمحور حول هذا العقد وسنتناول في هذا البحث ماهــية عقــد الإيجار من خـلال التطــرق إلى مفــهـومــه وأركــانــه.
المــبحــث الأول: مـفــهـوم عـقــد الإيـجـار
المطلب الأول: تعريف عقد الإيجار
عرف المشرع الجزائري عقد الإيجار في م.467 المعدلة بقانون 07-05 بتاريخ 13/05/2007 على أنه: "عقد يفمكّن المؤجر بمقتضاه المستأجر من الانتفاع بشيء لمدة محددة مقابل بدل إيجار معلوم." ويكون الثمن في الأصل مالا، إلا أنه يجوز أن يكون هذا البدل تقديم عمل.
ويستفاد من هذا التعريف أن عناصر الإيجار هي التمكين من الانتفاع والأجرة والمدة. و يلاحظ أن هذا التعريف من التجديدات التي جاء بها المشرع في القانون 07-05 بحيث تم تعديل المادة القديمة التي كانت تنص على أنه: ينعقد الإيجار بمقتضى عقد بين المؤجر والمستأجر.
حيث كانت هذه المادة تهتم بانعقاد عقد الإيجار إضافة إلى أنها جمعت بين التعريف وحق البقاء للزوجة المطلقة الحاضنة. ويلاحظ أيضا أن هذه المادة المعدلة ما كان ينصب موضوعها على السكنات أو الأماكن المعدة للسكن. بحيث أن عقد الإيجار ينصب على عدة مواضيع أو محلات مثلا السكنات والأراضي الفلاحية والمحلات المخصصة للمهن. ونجد أن المادة الجديدة جعلت من الالتزام بالتمكين من الانتفاع شرطا أساسيا بحيث يعتبر التزام ايجابي. فيجب على المؤجر تسليم العين المؤجرة لتمكين المستأجر من الانتفاع بها.
المطلب الثاني: خصائص عقــد الإيــجــار
نستخلص من خلال تعريف عقد الإيجار المدني أن لهذا العقد مجموعة من الخصائص تتمثــل فـــي:
1-عقد الإيجار عقد مسمى: أي أن المشرع الجزائري نظم أحكام هذا العقد عن طريق التشريع.
2-عقد الإيجار عقد رضائي: أي لا يشترط شكل معين لانعقاده بل يكفي شرط التراضي بين المتعاقدين فضلا عن المحل والسبب إلا أننا قد نجد بعض الاستثناءات التي تلزم إبرام عقد الإيجار كتابة. مثلا م.507 مكرر 1 من قانون 07-05 التي تخضع الإيجارات ذات الاستعمال السكني المبرمة من قبل المؤسسات العمومية المختصة إلى الأحكام الخاصة بها. مما نستنتج أن قوانينها الأساسية تشترط كتابة عقد الإيجار. مثلا عقود الإيجار الصادرة عن ديوان شركة التسيير العقاري. وكذلك بالنسبة لإيجارات الأراضي الفلاحية الخاص
بالمستثمرة الفلاحية، فهي تخضع إلى مبدأ الكتابة.
ولا ننسى في هذا الصدد المرسوم التشريعي رقم 93-03 المؤرخ في 01/03/1993 المتعلق بالنشاط العقاري المعدل والمتمم بقانون 07-05 حيث أن المادة 21 منه تشترط وجوبا العلاقة ما بين المستأجر والمؤجر في عقد الإيجار طبقا للنموذج الكتابي الذي حدده المرسوم التنفيذي رقم 74-69 بتاريخ 19/04/1974 المتضمن المصادقة على نموذج عقد الإيجار المتعلق بالنشاط العقاري . كذلك يجب الإشارة إلى أن نظرية عقد الإيجار في القانون المدني لا تنطبق على الإيجارات التجارية كأصل عام، باعتبار أن الإيجارات التجارية يجب أن تكون مكتوبة تحت طائلة البطلان ابتدءا من سنة 2005.
3-عقد الإيجار عقد ملزم للجانبين: أي انه ينشا التزامات وحقوق لكلا طرفي العقد فالمؤجر يلتزم بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة أما المستأجر فيلتزم بدفع مبلغ الإيجار.
4-عقد الإيجار عقد معاوضة: يقصد بعقد المعاوضة حصول كل من المتعاقدين على مقابل نتيجة للالتزامات التي يقضي بها العقد ففي عقد الإيجار يلتزم المؤجر بتمكين المؤجر من الانتفاع بشيء في المقابل يلتزم المستأجر بدفع ثمن الانتفاع بذلك الشيء لمدة معينة.
5- عقد الإيجار عقد مؤقت: تعتبر هذه الخاصية عنصر جوهري تميز عقد الإيجار ومفادها بان عقد الإيجار عقد محدد المدة باتفاق بين أطرافه.
6-عقد الإيجار من العقود المحددة: أي أن الالتزامات والحقوق الناتجة عن العقد تحدد عند إبرام العقد باتفاق بين أطرافه عكس العقود الغير محددة أو العقود الاحتمالية.
7-عقد الإيجار لا يرتب للمستأجر حقا عينيا في الشيء في المؤجر أي انه ينشا التزامات شخصية فقط لكلا الطرفين وعليه فانه من أهم عقود الإدارة ويخرج تماما من دائرة العقود الناقلة للملكية.
المطلب الثالث: تمييز عقد الإيجار عن العقود الأخرى
1-عقد الإيجار وعقد البيع: إن عقد البيع يقع على ملكية الشيء فهو عقد ناقل للملكية خلافا لعقد الإيجار الذي يقع على منفعة الشيء فقط, ولكن قد يقع التباس بين العقدين إذا وقع على ثمرات أو منتجات الشيء لا على الشيء ذاته.
فالأصل في العقد إذا وقع على ثمرات الأرض يكون إيجارا إذ انه يقع على منفعة الأرض المتجددة أما إذا وقع على منتجات الشيء يكون بيعا وفي العموم فان العبرة بنية المتعاقدين هل أرادا بيعا أم إيجارا فقد يبيع صاحب الأرض المحصول وهو لا يزال في الأرض فيكون العقد بيعا لهذا المحصول و قد يؤجر صاحب منجم منجمه ليستغله المستأجر مقابل أجرة دورية فيكون العقد إيجارا لا بيعا
2- عقد الإيجار وعقد العارية: من المعلوم أن عقد العارية من عقود التبرع حيث أن المستعير لا يدفع أجرا للمعير خلافا لعقد الإيجار الذي يكون لقاء أجر معلوم ولكن قد يقع التباس بين العقدين وذلك في السكن الوظيفي إذ أنه في بعض الوظائف تمنح مساكن للموظفين دون دفع ثمن إيجارها ولكن في المقابل يتم خصم مبلغ معين من الراتب الشهري للموظفين المستفيدين من السكن فالعقد في هذه الحالة عقد إيجار.
3- عقد الإيجار وعقد عقد العمل: عقد العمل يرد على القيام بعمل معين خلافا لعقد الإيجار الذي يرد على منفعة شيء
4- عقد الوكالة وعقد الإيجار:عقد الوكالة يجيز للموكل له التصرف في الشيء خلافا لعقد الإيجار الذي يرد فقط على الانتفاع بالشيء دون التصرف.
5-عقد الوديعة وعقد الإيجار :يختلف الإيجار عن الوديعة في أن المستأجر ينتفع بالعين المؤجرة له والمودع عنده لا يتمتع بحق الانتفاع بالإضافة إلى ذلك فهذا الأخير لا يدفع أجرة للمودع ويلتزم برد الشيء المودع عنده بمجرد طلب المودع خلافا للمستأجر الذي لا يرد العين المؤجرة إلا بعد انقضاء مدة الإيجار.
6-عقد الإيجار والبيع الإيجاري:عقود البيع الإيجاري هي عقود ترد على منقولات أو عقارات ومفادها أنها عقود إيجار وأن المقابل الذي يدفع بالتقسيط هو الأجرة، ولكن يوجد شرط يقرر أنه في نهاية الإيجار ودفع جميع الأقساط فان المستأجر يحتفظ بالشيء وعلى سبيل الملكية ويعتبر هذا الشرط وعدا بالبيع.
يرى الفقهاء أن هذه العقود هي في الحقيقة عقود بيع. إلا أن مصلحة البائع يوصفها بأنها إيجار لضمان حصوله على الثمن وقد أثارت هذه العقود مشكلة في تكييفها وقد اعتبرها البعض إيجارا متضمنا وعدا بالبيع. واعتبرها البعض الآخر إيجارا معلقا على شرط فاسخ وبيعا معلقا على شرط واقف والشرط في الحالتين هو دفع كل الأقساط.
المبـــحث الثانـــي: أركــــــــــــان عقـد الإيـجار المـدني
المطلب الأول: التراضي في عقد الإيجار
الفرع الأول: شروط الانعقاد
1- وجود ارادة : تخضع للقواعد العامة المنشأة للعقد ولا تخضع لشكل معين بل يكفي اتخاذ موقف من أطرفه لا يدع أي شك في دلالته على مقصود صاحبه ويجوز أن يكون التعبير على الإرادة ضمنيا وذلك في حالة تجديد عقد الإيجار كالبقاء في العين المؤجرة بعد انتهاء مدة الإيجار.
2- تطابق الإيجاب بالقابول : يخضع كذلك للقواعد العامة لانعقاد العقد إذ يشترط لانعقاد عقد الإيجار أن يصدر إيجاب من احدهما وقابول مطابق من الأخر للإيجاب ويجدر بالإشارة إلى أن الإيجاب والقابول في عقد الإيجار يقع على أربع عناصر هي:
-ماهية العقد
-الشيء المؤجر
-مدة الإيجار
-سعر الإيجار
3- طرفا عقد الإيجار: من المعلوم أن طرفا عقد الإيجار هما المؤجر والمستأجر و سنبين الآن من له حق الإيجار ومن له حق الاستئجار
أ- من له حق الإيجار: يملك حق الإيجار من له الصفات الآتية
- من له حق ملكية الشيء
- من له حق الانتفاع: يمكن لمن له هذا الحق أن يبرم عقد الإيجار إلا أن هذا الحق مؤقت وليس دائم كحق الملكية وعليه فان مدة الإيجار يجب أن لا تتجاوز مدة الانتفاع وهذا ما أكدته المادة 469 من ق.م.ج. التي نصت على أن الإيجار الصادر ممن له حق المنفعة ينقضي بانقضاء هذا الحق على أن تراعى المواعيد المقررة للتنبيه والإخلاء والمواعيد اللازمة لنقل محصول السنة.
- من له حق إدارة الشيء: يمكن لمن له هذا الحق أن يبرم عقد إيجار لمدة لا تفوق ثلاث سنوات ويمكن أن تتمدد هذه المدة بترخيص من القاضي وهذا حسب المادة 468 من ق.م.ج.
- من له صفة الولي على القاصر المالك للشيء : تنص المادة 88 من قانون الأسرة الجزائري على أن الولي يتصرف في أموال القاصر تصرف الرجل الحريص وعليه أن يستأذن القاضي قبل القيام بأي
تصرف ومن بين هذه التصرفات إيجار عقارات القاصر لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات.
- من له حق شخصي يتمتع به بموجب عقد إيجار: تنص المادة 505 من ق.م.ج على انه يمكن للمستأجر أن يؤجر بدوره العين المؤجرة إيجارا فرعيا وهذا الإيجار يعتبر بدوره مظهرا من مظاهر حق الانتفاع ويشترط في ممارسة هذا الحق الموافقة الصريحة للمؤجر الأصلي.
- بالإضافة إلى هذا يمكن أن يؤجر الشيء من طرف أشخاص لا يتمتعون بحق شخصي أو عيني مثل المسير, الوكيل , الحارس القضائي و اللذين يتمتعون بمقتضى الاتفاق أو القانون بصلاحية إبرام عقد الإيجار .
ب-من له حق الاستئجار: لم يفرق المشرع الجزائري بين الأشخاص الطبيعيين و المعنويين في قدرتهم على الاستفادة من حق الإيجار فضلا عن هذا فان كل شخص طبيعيا كان أم معنوي يستطيع أن يدفع ثمن الإيجار فيحق له حق الاستئجار متى توافرت الأهلية الوجبة لذلك.
الفرع الثاني: شروط الصـــــحة
1- توافر الأهلية: يخضع الإيجار للقواعد العامة في الأهلية إذ يشترط في انعقاده واكتماله أهلية طرفي العقد وذلك بإتمام 19 سنة كاملة. فإذا كان أحد الطرفين عديم التمييز أي أقل من 13 سنة أو من في حكمه كالمعتوه والمجنون كان العقد باطلا بطلانا مطلق. وأما إذا كان أحد الطرفين مميزا وهو من أكمل 13 سنة كاملة أو من كان في حكمه كالسفيه وذا الغفلة فان العقد يكون موقوفا على إيجازة الولي أو الوصي في الحدود التي يجوز فيها لهما التصرف أو إجازة القاصر بعد اكتمال أهليته وذلك لأن الإيجار من بين التصرفات الدائرة بين النفع والضرر. ولكن هل يجوز للولي أو الوصي إيجار شيء مملوك لعديم الأهلية أو ناقصها أو للمحجور عليه؟
يجب أن نشير إلى أنه إذا كانت أعماله من أعمال الإدارة، فيجوز له ذلك بشرط أن لا تتجاوز مدة الإيجار 3 سنوات حسب المــادة (م.468 ق.م.) إلا أن هذه القاعدة يمكن أن لا تطبق وبالتالي يجوز تجاوز المدة إذا كان النص القانوني ينص على خلاف ذلك.
2- عيوب التراضي: يكون التراضي في عقد الإيجار معيبا إذا شابه غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال وليس في ذلك إلا تطبيق القواعد العامة ولكن الغلط والاستغلال والغبن في عقد الإيجار له تطبيقات عملية لا تخلو من الأهمية و التي سيأتي على ذكرها:
-الغلط في شخص المستأجر : إذا كان الغلط واقعا على شخص المستأجر فليس له بوجه عام تأثير على صحة العقد لان الإيجار من عقود المعاوضة ويستوي لدى المؤجر أن يكون قد أجر لشخص أو لأخر مادام يريد بهذا الإيجار أن يدير العين المؤجرة دون مراعاة لشخصية المستأجر ولكن مع ذلك يكون الغلط سببا في إبطال عقد الإيجار إذا كان شخص المستأجر محل اعتبار لدى المؤجر والأصل أن شخص المستأجر ليس محل اعتبار في العقد إلا إذا ثبت العكس.
- الغلط في العين المؤجرة: إذا وقع الغلط في العين المؤجرة فان الإيجار يكون باطلا طبقا للقواعد العامة أما إذا كان الغلط واقعا في وصف من أوصاف العين فان كان محل اعتبار فيكون العقد قابلا للإبطال كأن يعتقد الشخص أنه يستأجر أرض صالحة للزراعة فإذا هي عكس ذلك والأمثلة متعددة
- الغبن والاستغلال في عقد الإيجار: الغبن في عقد الإيجار لا تأثير له في صحة العقد فإذا أجر المؤجر بأجرة مرتفعة بحيث يصيب المستأجر من وراء ذلك غبن فاحش أو أجر باجرة منخفضة بحث يصيبه هو غبن فاحش فان الإيجار يكون مع ذلك صحيحا ما لم تكن الأجرة تافهة أو صورية. فيكون العقد قابلا للإبطال.
أما الاستغلال في عقد الإيجار فيؤثر في صحة هذا العقد شأنه شأن سائر العقود وتطبق القواعد العامة .
المطلب الثـــــاني: المحــــــــــل في عقد الإيجار
الفرع الأول: الشــــيء المؤجر
تطبق عليه القواعد العامة أي أن يكون موجودا أو قابلا للوجود معيينا أو قابلا للتعيين و غير قابل للاستهلاك وغير مخالف للنظام العام و قابلا للتعامل فيه ويجدر بالإشارة إلى أن قواعد القانون المدني لا تطبق إلا على المحلات الموجهة للسكن أو ممارسة مهنة ويقصي مفهوم المحل المنقولات والأرض الجرداء ذلك أنه يستوجب وجود عقار مبني مهما كانت حالته سواء كان كوخا أو بيتا قصديريا مع
مراعاة أحكام النصوص المتعلقة بالمحلات الممنوع فيها السكن أما إذا تعلق الأمر بمحل مهني فشروط القابلية للسكن غير مطلوبة و يكفي أن تمارس مهنة في المحل كما تطبق قواعد القانون المدني على ملحقات السكن كالقبو والسطح إذا أجريت تبعا للمحل الرئيسي أو إذا أجريت أساسا للسكن أو ممارسة مهنة.
ويجدر بالإشارة إلى أن ممارسة المهنة في المحل المؤجر يجب أن تكون فعلية واعتيادية ومشروعة وبصفة رئيسية.
الفــرع الثــاني: سعـــــــر الإيجــار
الأجرة أو بدل الإيجار هو المبلغ المالي الذي يلتزم المستأجر بدفعه في مقابل حصوله على المنفعة. وتقضي م.467/1 ق.م. أن بدل الإيجار قد يكون نقدا أو بتقديم أي عمل آخر، كأن يؤجر شخص أرض مقابل بدل الإيجار في نسبة معينة من المحصول ويجب أن تكون الأجرة حقيقية وجدية بحيث لا تكون مقدارا تافها يقترب من العدم. ويشترط أن تكون الأجرة معلومة وهذا ما قضت به م.467/2 وبمعنى أن تكون الأجرة متفق عليها بين الطرفين ومعلومة في العقد، فإذا كانت من النقود يكفي في تعيينها ذكر المقدار وإذا كان بدل الإيجار تقديم عمل يجب تقويمه وتقديره في العقد.
الفــرع الثالـــث: مــــــــــــــدة الإيجار
تعد المدة من العناصر الجوهرية في عقد الإيجار لأنه من العقود الزمنية التي تتخذ فيه التزامات وحقوق الطرفين تبعا لمدة العقد، ولهذا فقد نصت م.467 المعدلة أنه يجب أن تحدد مدة الإيجار أي يجب أن تكون مدة معلومة وبالتالي استبعد المشرع العقود غير المحددة والعقود الأبدية إذ على أساس هذه المدة يتعين مقدار المنفعة التي يستحقها المستأجر ومقدار الأجرة التي يستحقها المؤجر و لم يحددها المشرع الجزائري في التعديل الجديد الحد الأقصى للمدة إلا أنه يستفاد من نص المادة أنه لا يجوز أن يبرم عقد الإيجار لمدة حياة المستأجر وإذا كان الشيء المأجور ملك لقاصر، فلا يجوز أن تزيد مدة الإيجار على 3 سنوات إذا قام بالإيجار وليه أو وصيه.
أما بخصوص بدأ مدة الإيجار فإنها تسري من التاريخ المتفق عليه في العقد، فإذا لم يحدد فمن تاريخ إبرام العقد. وكذلك يجوز اشتراط بدأ الإيجار مستقبلا. وللعلم أن القانون الجديد قد ألغى نظام التجديد الضمني لعقد الإيجار الذي كان يجيز أنه عند انتهاء المدة ولم يقم المؤجر بإجراء التنبيه بالإخلاء ضمن المدة القانونية، فان العقد يتجدد ضمنيا ولمدة غير محدودة وأقر المشرع الجزائري حكما جديدا سهلا من الناحية القانونية حيث بمجرد انتهاء مدة الإيجار ينتهي عقد الإيجار دون الحاجة إلى إجراء التنبيه بالإخلاء. (م.469/1 مكرر 1 ق.م.).
غير أنه يجوز للمستأجر إنهاء عقد الإيجار قبل انقضاء المدة لأسباب جدية ومؤكدة كارتفاع تكاليف الإيجار أو لظروف تتعلق بانتقاله إلى مكان آخر. ففي هذه الحالة يجب على المستأجر أن يخطر المؤجر بإنهاء عقد الإيجار مدة شهرين قبل انتهاء عقد الإيجار.
وقد يحدث أن يتوفى المستأجر قبل انتهاء مدة الإيجار، ففي هذه الحالة لا ينتهي عقد الإيجار بل يستمر العقد إلى حين انتهاء المدة المتفق عليها، ومع ذلك يجوز للخلف العام الذين كانوا يعيشون مع سلفهم مدة 6 أشهر إنهاء هذا العقد إذا أصبح مثقلا عليهم من حيث التكاليف.
إلا أن هذه القاعدة ليست من النظام العام حيث يجوز للمؤجر أن يتفق مع المستأجر أثناء انعقاد العقد أنه في حالة وفاته ينتهي العقد ولو قبل انتهاء المدة (م.469/2 مكرر ق.م.) ويجب ممارسة حق انتهاء الإيجار خلال 6 أشهر من يوم وفاة المستأجر. (الفقرة الأخيرة من م.469 مكرر ق.م.).
المـــطلب الثالــث: السبب في عقد الإيجـــــــــــار
يعرف السبب في العقود بأنه العنصر المعنوي الذي يسمح بمعرفة لماذا الإرادة تنشا الالتزام فهو الهدف الذي من أجله يؤدي المتعاقد التزامه ويمكن تعريفه بالاعتبارات الاقتصادية التي ينتظر جنيها من طرفا العقد و عليه فالاختلاف واضح بين السبب والمحل فالأول مادي والثاني معنوي و السبب في عقد الإيجار بالنسبة للمستأجر هو استغلال الشيء المؤجر أما بالنسبة للمؤجر فهو الاستفادة من سعر الإيجار.
المطلـــب الرابـع: الكتابــــــــــة في عقد الإيجار
إذا كان عقد الإيجار في القانون القديم لم تشترط الكتابة لإبرامه حيث جعلها أمر نسبي فقد تكون مشروطة ببعض القوانين الخاصة بالإيجارات السكنية مثلا ديوان الترقية والتسيير العقاري وكذلك إيجار الأراضي الفلاحية وكذلك الإيجارات المتعلقة بالنشاط العقاري، ولكن هذا لا يمنع أن يكون عقد الإيجار كتابة من أجل إثباته.
وبالرجوع إلى نص م.467 مكرر في ظل تعديل 2007 فانه يشترط الكتابة في عقد الإيجار تحت طائلة البطلان، وعليه فان كتابة عقد الإيجار تعتبر شرط لانعقاده صحيحا، إضافة إلى الشروط التي ذكرناها سابقا.
غير أن المشرع لم يبين طبيعة الكتابة إذا كانت رسمية أو غيرها، وعليه يجب الرجوع للقواعد العامة التي تبين أحكام الكتابة لإثبات الالتزام وليس لانعقاده، ويستخلص أن الكتابة تكون رسمية كقاعدة عامة، ومفادها أن العقد يحرر من طرف موظف أو ضابط عمومي أو شخص مكلف بالخدمة العامة في حدود سلطاته (م.324 ق.م.) ويجب أن توقع العقود الرسمية من قبل الأطراف والشهود عند الانقضاء ويؤشر الضابط العمومي (الموثق) على ذلك في آخر العقد (م.324/2 مكرر ق.م.). ويعتبر العقد الرسمي حجة حتى يثبت تزويره.
الـخــاتــمــة:
يتضح لنا من خلال دراستنا لعقد الإيجار أن له أهمية بالغة خاصة في المجال الاجتماعي فهو قوام الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة وهو في نفس الوقت يلعب دورا هاما في المجال الاقتصادي إذ يعتبر من خير طرق استغلال الأموال فضلا عن هذا فانه يجعل المؤجر والمستأجر في اتصال دائم طوال مدة الإيجار مما يجعل النصوص القانونية المتعلقة بعقد الإيجار من أكثر النصوص المتعامل بها ويجعل كذلك القضايا المتعلقة بالإيجار المرفوعة أمام المحاكم أكثر القضايا عددا مما يستلزم الدقة في صياغة القواعد القانونية المتعلقة بعقد الإيجار.