كان صدور القانون المدني الجزائري بعد فترة مخاص طويلـة ، إلا أن رأى النور بتاريخ 29/09/1975 ، ولاشك أن صدوره كان في مراحل هامـة من تاريخ الجزائر التشريعي ، وكان يدخل في إطار جزأرة القوانين الفرنسيـة التي ظلت تحكم في علاقات الأفراد حتى بعد الإستقلال.
ولاشك أنه وككل محاولـة أولى تصدر في ظل نقص الخبرة والتسرع ، فقد يشــــوب
المحاولـة الكثير من التزيد ونقص في الصياغـة التشريعيـة وتناقضا في الأحكام ناهيـك عــن الأخطاء الشكلية والموضوعيـة الكثير ة ، ناهيك عن التناقض بين النصين العربي والفرنسي لكثيرمن الأحكام ، وإضافة إلى العاملين المذكورين هناك عامل هام ساهم في هذا الإضـــــظراب
التشريعيـي ألا وهو النقل العشوائي عن القانونين المدني الفرنسي والمصري رغم أن هذا الأخيرله خصوصيته نظرا لتميزه عن باقي القوانين المدنية العربية في حسن الصياغــــــة وطول التجربـة وكفاءة اللجان المكلفـة بذلك .
وإذا كانت المسؤولية المدنية قد خصها المشرع أحكاما خاصـة سماها ) العمل المستحق للتعويض ) فإن وللأسباب المذكورة فقد عابه كثير من النقاد والشــــــرح على ماوقع فيه من ثغرات وأحكام متناقضـة من شأنها أن تخلق إضظرابا في فهم النصوص المذكورة .
ومن بين النصوص التي كانت محل مراء وجدل فقهي النصوص المتعلقـة بمسؤوليـــة متولي الرقابـة والتي نظمها المشرع الجزائري في المادتين 134و135 من قانوننا المدني. وللعلة التي ذكرنناها ( وهي النقل العشوائي والغير مدروس للنصوص ) نجد في هـــذا المجال أن المشرع الجزائري قد نقل أحكام المادة 134 من نظيره المصري ( وهي تقرير المبــدأ العام لمسؤوليـة متولي الرقابة) وقام من جهة ثانية بنقل أحكام المادة 135 من القانــــــون المدني الفرنسي ( مع العلم أن هذا الأخير لاتوجد لديـه قاعدة عامـة مثلما ماهو مقرر لدينا وفقا لأحكام المادة 134 المذكورة )
فنلحظ بداءة التزيد الذيي طبع عملية إقرار مسؤولية متولي الرقابة ،وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد إذ نجد أن المادة 135 والقاضية بمسؤولية الأب ومن بعد وفاته الأم مسؤول عن الأضرار التي يسببهــــــا أولادهمـــا القاصــرون الساكنــون معهمــا ، ومن حيث لايدري المشرع فقد عرفت هذه المادة – وقد كان في غنى عن إقرارها كون أن المادة 134 كافية بإعتبارها مقررة للمبدأ العـام – تطبيقات متنافرة وأراء متجادلــة في حالة غياب الأب لأي سبب مـــن الأسباب أو في حالـة الطلاق .
فهل يظل الأب الغائب عن منزلـه لسبب من الأسباب كالعمل في الخارج ، أو مكوثـــه
بالمستشفى لغرض العلاج ، أو نواجده في السجن مسؤولا عن تصرفات إبنه القاصر مادام على قيد الحياة ؟ أليس من المغالاة في الحكم والتشدد غير المبرر أن نعتبره كذلك حتى في حالة طلاقـــه متذرعين بأن حق الزيارة الذي خوله لـه إياه المشرع كاف لممارسـة واجب الرقابة علــــى أكمل وجــه ؟
هذه الأسئلـة كثيرا ماتردد بشأنها شرح القانون المدني الجزائري ، وفي عدم وضـــوح وإستحالـة تطبيقه لإعتبارات عمليـة كتلك التي ذكرناها ، فإن هؤلاء الشراح قد إنقسموا بشأن هذه الحالـة إلى فريقيــن :
فالفريق الأول يقول بأن الأب طالما بقي على قيد الحياة فهو مسؤول عن تصرفـات أولاده القصر طبقا لما تمليـه السلطة الأبويـة ، وأن تقرير حق الزيارة له كاف لقيام واجب الرقابـــة عليـه .
والفريق الثاني يذهب إلى القول بإعتبار أن الرقابـة الفعليـة التي يشترطها القانون غيــرمتوافرة في حالـة الطلاق ، فتنتقل الرقابـة إلى الأم ليس بصفتهعا وليـة ، وإنما لصفتها متوليـة للرقابـة طبقا للمادة 134 على إعتبار أن تقرير دون ذلك يجافي العقل والمنطق .
لم يكن بالوسع إيجاد مخرج قانوني لهذا الإشكال الحاسم الذي يطرح بشدة سيما وأمام إرتفاع ظاهرة الطــلاق ، وكذا ظاهرة تنحـي الأب في كثير من الأحيان لسبب أو آخر على مسؤولياته إتجاه أسرته ، وكذا تعذر الضحيـة والقضاء في كثير من الأحيان تحديد المسؤول المدني بدقة.
لذلك جاء تعديل المادة 87 من قانون الأسرة بموجب القانون 05-02 وهذا من باب التخصص لكل قانون على حدة ) على إعتبار مسائل الأهليـة يختص قانون الأسرة بوضع معالمها وضوابظهــا)
وقد جاء التعديل المذكور بإقرار القاعدة السالفة من أن الأب ولي من بعد وفاته تحل الأم محلـه وأورد إسثتناء بحلول الأم محلـه في الأمور الإستعجالية حال غيابه ، ولتحدث بعد ذلك عزة عنيفـة في قواعد الولاية في القانون الجزائري – وإن كانت ستحل المشكلـة في إعتقادي – إذا قررت بأن للقاضي أن يمنح الولاية لمن إسنذت إليه الحضانة .
وفي سبيل إحداث نوع من الإنسجام في المنظومـة القانونية ككل الموصوفة بعدم
الإنسجام والتقاعس في تدارك الأخطاء جاء تعديل القانون المدني بموجب القانون 05-10 أيـــن أقدم المشرع على إلغاء المادة 135( والتي تعرضت للنقد على إعتبار أنها على سبيـــــــل المثال وكذلك أن القاعدة العامـة موجودة لدينا ) وأدرجت في الفقرة الثانية من المادة 135- قبل إلأغائها – ( الخاصـة في وسائل نفي المسؤوليـة ) إلى المادة 134( المقررة للمبدأ العام ) فيكون بذلك المشرع الجزائري قد أنار الطريق لحل بعض الإشكالات التي ظلت عالقـة .
ونعتقد أن صدور كلا التعديليـه جاءا في وقتهما وتماشا مع رغبـة المشرع في إيجاد مخرج عامل وفعال للمشكلـة المذكورة .
ومن هنا تكمن أهمية الموضوع ، فالنقاش حول مسؤوليـة متولي الرقابـة ظل ومازال منحصرا في هذه النقطـة وهي حالـة الطلاق والغياب ، وسنتناول الموضوع بالتحليل نخـــص الفصل الأول بتحليل مسؤوليـة متولي الرقابـة طبقا لقواعد القانون المدني مع ذكر المــادة 135 على إعتبار معرفة الخطأ الذي إرتكبـه المشرع الجزائري لحظة صياغتهـا ، وكذا بإعتبار كثيـرا منت القضايا مازال يخضع لحكمها ، ثم نتناول في الفصل الثاني مسؤوليـة متولي الرقابـــــة من خلال نص المادة 87 من قانون الأسرة .
الفصل الأول مسؤوليـة متولي الرقابـة في ظــل القــانون المدنـــي
تعتبر مسؤوليـة متولي الرقابـة عن أفعال غيره مسؤوليـة إستثنائية لأن الأصل أن الشخص يسأل عن إتيان أفعال ضارة بالغير ولايسأل عن أفعال غيره ، وبالتالي يتحمل تعويض الأضرار التي تسبب فيها الخاضع لرقابة الغير .
ولقد نصت على هذا النوع من المسؤوليـة المادتين 134 و 135 من القانون المدني الجزائري قبل التعديل الأخير بإلغاء المادة 135 منه ، وهاتين المادتين مستمدتين من القانون المدني الفرنسي ، وكذا من القانون المدني المصري ، فالمادة الأولى 134 مقتبسـة من القانون المدني المصري وتحديدا المادة 173 منه ، أما المادة 135 – قبل إلغائهـا – فكانت مقتبسـة عن القانون المدني الفرنسي وتحديدا في نص المادة 1384 قبل تعديلها سنـة 1970 ، كما أن هناك من الفقهاء من يرى العكس مثل ماقال بـه الدكتور محمود جلال حمزة بأن (( ..وقد إستقى المشرع الجزائري روح المادة 134 مدني جزائري من الفقرة الأولى من المادة 174 مدني سوري والتي تقابلها المادة 173 /1 من القانون المدني المصري )) غير أن هذا يعتبر تحصيل حاصل على إعتبار أن القانون المدني المصري يعتبر مصدرا تاريخيـا للقانون المدني الجزائري وكذا لباقي القوانين العربيـة .
وتجدر الإشارة بأن المشرع الجزائري عندما عدل القانون المدني بموجب القانون رقم 05-10 المؤرخ في 20 جوان 2005 مس بذلك نص المادة134 إذ نقل الفقرة الثانية من المادة 135 القديمـة ، وضمها للمادة 134 لتصبح بفقرتين ، وتنص الفقرة الثانية على وسائل دفع أو نفي مسؤوليـة المكلف بالرقابـة عن عمل الغير ، كما قام بإلغاء المادة 135 منه ، نتيجـة للإنتقادات التي وجهت لها في إفراد بعض التطبيقات الخاصـة بما يفهم منه حصرها في تلك الحالات رغم وجود المبدأ العام في نص المادة 134 من القانون المدني .
وتندرج المادة المذكورة تحت القسم الثاني المتعلق بالمسؤوليـة عن عمل الغير الذي عدل المسؤوليـة عن فعل الغير والمدرج كذلك تحت الفصل الثالث المعدل إلى الفعل المستحق للتعويض، وتبعا لذلك إستبدلت عبارة (( عمل )) بـ (( فعل ))
سواء في العنوانين أو في نص المادة 134 أو في بقيـة المواد المدرجـة في إطار المسؤوليـة .
وبالإضافـة إلى هذا فإن المشرع الجزائري نص على القاعدة العامـة أو المبدأ العام ضمن نص المادة 134 من القانون المدنـي ، وقبل إلغاء المادة 135 كان ينص على بعض صور هذه المسؤوليـة التي إعتبرت تطبيق للمبدأ العام في المسؤوليـة عن فعل الغير.
غير أن هناك من إعتبر أن نص المادة 135 من القانون المدني نصا خاصا يتناول المسؤوليـة عن أفعال القاصر ويحصرها في الأب ومن بعد وفاته الأم، في حين أن المادة 134 هي نص عام للمسؤوليـة عن أفعال القاصر لأنها تشمل كل متولي الرقابة سواء أكان ذلك إتفاقا أو قانونا مثلما ذهب إليه الأستاذ علي علي سليمان بقولـه (( ... لهذا فإن النص خصص المسؤولية عن القاصر وحصرها في الأب ، ومن بعد وفاته الأم بعد أن كان نص المادة 134 يعمم المسؤوليـة عن أعمال القاصر بحيث تشمل كل من يتولى الرقابـة عليـه ..))
وسنحاول في هذا الفصل دراسة مسؤوليـة متولي الرقابة عن أفعال الغير من حيث الشروط الواجب توافرها في كل من المكلف بالرقابـة والخاصع لها أي الشروط العامـة لقيام مسؤوليـة متولي الرقابـة ، الواردة في نص المادة 134 المتضمنة للقاعدة العامـة لمسؤوليـة متولي الرقابة، ذلك في مبحث أول .
وكذا نتناول المادة 135 رغم إلغائهـا لكونها تطبق على الإلتزامات السابقة على إلغائها وذلك من خلال شرح الحالات الخاصـة المذكورة فيهات شروط تطبيق نص المادة 135 ، وذلك في مبحث ثان ، بالإضافـة إلى مبحث ثالث نتناول فيه أثار وأحكام مسؤوليـة متولي الرقابـة ووسائل نفيهـا .
المبحث الأول : الشروط العامـة لقيام مسؤوليـة متولي الرقابـة
قد نصت المادة 134 من القانون المدني الجزائري سواء قبل التعديل أو بعده على مايلي (( كل من يجب عليـه قانونا أو إتفاقا رقابة شخص في حاجة إلى الرقابـة بسبب قصره أو بسبب حالته العقليـة أو الجسميـة ، يكون ملزما بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بفعله الضار.
ويستطيع المكلف بالرقابـة أن يتخلص من المسؤوليـة إذا أثبت أنه قام بواجــب الرقابة
أو أثبت أن الضرر كان لابد من حدوثـه ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العنايـة )) .
وجدير بالملاحظة أن الفقرة الأولى سقطت عنها عبارة – ولو كان من وقع منه العمل الضار غير مميز – كما أنها إحتوت على فقرة جديدة كانت ضمن المادة 135 والمتعلقـة بوسائـل دفع هذه المسؤوليـة .
فمن خلال قراءة هذا النص نخلص إلى نتائج هامـة مفادها أنـه لايسأل أي شخص عن أي فعل ضار يصدر من الغير ، فهذا أمر ترفضه العدالـة والمنطق ،ولكنه يسأل عن الفعل الضار الذي يرتكبـه شخص يقع على عاتقه منعه من إرتكاب هذا الفعل ، وقد سمي هذا الإلتزام بالإلتزام بالرقابـة وهو ماتضمنته المادتين 134 و 135 قبل إلغائهـا .
ودائما بالرجوع إلى نص نص المادة 134 نجد أن مسؤوليـة متولي الرقابـة لها قواعد وأسس تقوم عليها ، إذ أنها لها شروط ضروريـة يجب توافرها في كل من الشخص القائم بهذه الرقابـة في مطلب أول ، وكذا شروط يجب توافرها في الشخص الخاضع للرقابـة في مطلب ثان.
المطلب الأول : الشروط الواجب توافرها في الشخص القائم بالراقبـة أو المكلف بها.
لكل تقوم مسؤوليـة متولي الرقابـة يجب أن يكون على عاتقه إلتزام بالرقابـة على شخص آخر ، ولكن مامعنى هذه الرقابـة ؟ ومامحتواها ومصدرها ؟ وهذا مانتناوله من خلال التعرض إلى إلتزام شخص برقابـة شخص آخر في فرع أول ، ومصدر واجب الإلتزام بالرقابـة في فرع ثان ومحتوى الإلتزام بالرقابـة في فرع ثالث .
الفرع الأول : أن يلتزم شخص برقابـة شخص آخر .
القاعدة العامـة تقول أن الشخص يسأل عن عمل غيره عندما يكون ملزما برقابته في حالـة ما إذا كان هذا الأخير بحاجة ماسـة إلى هذه الرقابـة وكذا إلحاقـه إضرارا بهذا الغير .
بمعنى مخالف فإن واجب الرقابـة هو أساس مسؤوليـة المكلف بالرقابـة مثلما تضمنته المادة 134 الجديدة المشار إليهــا .
وجدير بالملاحظـة بأنه لا المادة الجديدة ولا المادة القديمـة تناولت بالتعريف والتوضيح من هو متولي الرقابـة أو المكلف بها ، بل إقتصرت فقط على القول بأن يكون هناك شخص مكلف بالرقابة بسبب حالات ووضعيات محددة ذكرتها المادة 134، وذكرت المادة 135 قبل إلغائهـا أشخاصا معينين يقع على عاتقهم واجب الرقابـة وفي هذا الشأن يقول الدكتور جلال حمزة مايلي (( .. وعلى الرغم من أن المادة 134 من القانون المدني الجزائري لم تحصر الأشخاص الذين يقع عليهم الإلتزام برقابـة غيرهم وإكتفت بذكر مصدر هذا الإلتزام ، إلا أن المادة 135/1 مدني جزائري –قبل إلغائها طبعا – قد جعلت الأب وبعد وفاته الأم مسؤولين عن الأعمال الضارة التي يأتيها أولادهما القاصرون الذين يعيشون معهما .. ))
فلا يكفي لتحقق المسؤوليـة في القانون الجزائري أن يتولى شخص بالفعل رقابـة شخص آخر بل يجب أن يكون منه هذا الإلتزام بالرقابـة ، مثلما ذهب إليه الدكتور بلحاج ، وزيادة في التأكيد لما ذهب إليـه الدكتور السنهوري بقولـه (( تتحقق المسؤولية إلا إذا قام إلتزام بالرقابـة ومصدر هذا الإلتزام القانون أو الإتفاق )) ، وهو نفس رأي الأستاذ صبري السعدي فلم يحدد الأشخاص الذي ينشأ الإلتزام برقابتهم ولكنه حدد الحالات التي تدعو إلى نشوء الإلتزام بهذا الرقابـة .
وجدير بالملاحظة أن هناك تباين واضح بين النصوص القانونيـة ، فنجد أن المادة 173 من القانون المصري والتي جاءت كقاعدة عامـة تخص مسؤوليـة المكلف بالرقابـة عن من هم تحت رقابته ، فالمشرع المصري إكتفى بإشتراط وجود إلتزام قانوني أو تعاقدي بتولي هذه الرقابـة دون تحديد الأشخاص كما أن القانون لم يحصر الحالات التي يتولى فيها شخص الرقابـة على غيره ، وإكتفى بأن قرر الحالات الموجبـة للرقابـة تقوم إذا قام إلتزام بالرقابـة قانونا أو إتفاقا أي تعاقديـا والرقابـة في الأصل تكون على القاصر .
وهذه المادة تشرب منها المشرع الجزائري عند وضعـه للمادة 134 من القانون المدنـي .
ونجد كذلك أن القانون المدنـي الفرنسـي في المادة 1384 لم يضع قاعدة عامـة مثل نظيريـه الجزائري أو المصري بل إقتصر على ذكر طوائف من المسؤوليـن على سبيل الحصر كما أن هذه المادة في فقراتها 4 ، 5 ، 6 ، ذكرت هذه الحالات لمسؤوليـة المكلف بالرقابـة وعندما نعود إلى الفقرة الرابعة قبل تعديلها سنـة 1970 فنراها تنص على مايلـــي : (( يكون الأب وبعد وفاته الأم مسؤولين عن الضرر الذي يسببه أولادهما القاصرون الساكنون معهمـا )) إذن المتطلع للقانون المدني الفرنسي يستنتج أن الإلتزام بالرقابـة إرتبط برقابة الأولاد القصر من طرف الأولياء فقط دون غيرهم ، وجعل الوالدين مسؤولين بالتضامن عن الأفعال الضارة الصادرة من الأولاد لأن المشرع الفرنسي بمقتضى القانون المؤرخ في 4 جوان 1970 عدل أحكام المادة 1384 فألغى بموجبه سلطة الأب على الأسرة وساوى بين الأب والأم في المسؤوليـة عن أفعال أولادهما الضارة على أساس السلطة الأبويـة وجعلهما متضامنين فيها ، وأناط المسؤوليـة بهما في حق الرقابـة.
نصل إلى نتيجـة مفادها أن أغلب الفقهاء أجمعوا على مساءلـة متولي الرقابـة على الغير تتوقف على وجود إلتزام أو واجب الرقابة سابق لها ، فما هو مصدر هذا الإلتزام ؟
الفرع الثاني : مصدر واجب الرقابـة أو الإلتزام بالرقابـة
عندما نتمعن في نص المادة 134 نجدها تنص في بدايتها على (( كل من يجب عليه قانونا أو إتفاقا رقابـة شخص بحاجـة إلى الرقابـة .. )) أي أن لهذه الرقابـة مصدريـن بالنسبـة للمكلبف بها ، فإما أن يفرض هذا الإلتزام بموجب القانون كإلتزام الولي بالرقابـة على الصغير ، أو يرتبه العقد كإلتزام المعلم بالرقابـة على تلاميذه ، وحكمته هو حاجـة الخاضع للرقابـة إليها بسبب قصره أو بسبب حالته العقليـة أو الجسمية ، فالقاصر بحاجة إلى الرقابـة لصغره والمجنون لحالته العقلية ، والأعمى لحالته الجسميـة ...
كما أن القانون يفترض وقوع الفعل الضار من طرف الشخص الذي هو تحت الرعايـة كان نتيجـة تقصير من متولي الرقابـة في القيام بها إخلالا بإلتزامـه ومن ثم أقام قرينـة الخطأ على عاتقـه ، فإذا ماقصر المكلف بالرقابـة قانونا في أداء هذا الواجب كان مخطئـا خطأ شخصيا يوجب مسؤوليته
البند الأول : واجب الرقابـة بموجب القانون
وأحسن مثال على ذلك الأشخاص الذين تجب عليه الرقابـة قانونا هوالأب بإعتباره وليـا على النفس على أولاده القصـر ، وحسب نص المادة 135- قبل الإلغاء – يكون الأب متوليا للرقابـة ومسؤولا عن الأفعال الضارة التي يأتيها أولاده القصر مابقي حيـا، فإن مات حلت الأم محلـه في ذلك .
فمن خلال هذا نجد أن المسؤوليـة الخاصـة بالمكلف بالرقابـة لاتقوم كما سبق الإشارة إليـه ، إلا إذا قام واجب أو إلتزام بالرقابـة والتي مصدرها إما القانون وإما الإتفاق كما نصت عليه المادة 134/1 من القانون المدنـي .
فالأب يتولاهم إي أولاده القصر بموجب القانون وبموجب السلطـة الأبويـة التي خولها لـه القانون بإعتباره المشرف الأول والراعي الأول ورب الأسرة قيد حياته ، ومن بعد وفاته الأم
بأن تنتقل إليها هذه الرقابــة قانونا ، وهذه السلطة الأبويـة بمنظور القانون الفرنسي ، ومن خلال نص المادة 135 قانون مدني قبل إلغائهـا .
البند الثاني : واجب الرقابـة بموجب الإتفاق
وأحسن مثال على ذلك الروضـة أو المعلم أو المستشفى أو مستشفى مختص في الأمراض العقليـة ، فهنا يقوم إلتزام بين الأطراف أو بين الولي والمكلفين بمثل هذا الواجب الإتفاقي ، على القيام بواجب الرقابـة ويتحمل السؤوليـة تبعـا لإلتزامـه بهذا الإتفاق ، وفي هذا الصدد يقوم الأستاذ فيلالـي أنـه (( يكون واجب الرقابة إتفاقا كلما كان إتفاق الأطراف هو المنشئ لهذا الواجب ، كأن تلتزم مؤسسة مختصة برعاية مريض أو تلتزم سيدة أو دار للحضانة أو روضـة برعايـة الأطفال الصغار))
وقد إعتبرت المحكمة العليـا أن الإخلال بهذا الواجب أي واجب الرقابـة يشكل خطأ يلتزم من تسبب فيه بالتعويض وذلك في قرار مؤرخ في 11/05/1992 ملف رقم 77237 ، والذي جاء فيـه مايلـي (( لكن حيث أنه بمراجعـة أوراق ملف القضية و الحكم المستأنف فيه والقرار المطعون فيه ، تبين أن قضاة الموضوع إلتزموا صحيح القانون ، ولم يخرقوا مقتضيات المادة 124 إذ إتضح لهم – في إطار سلطتهم التقديريـة لوقائع الدعوى – أن مسييري فريق كرة القدم الذي إنخرط فيه الهالك قصروا في ممارسة رقابتهم على هذا الأخير بإعتباره قاصرا لم يبلغ سن الرشد قد عرض حياته للخطر عندما غادر أرضيـة الملعب ليبحث عن الكرة بعد خروجهـا من الميدان خلال المقابلـة التي كان يشارك فيها الضحيـة في صفوف فريق الطاعنة الشيء الذي أدى إلى سقوطه من أعلى سقف مصنع مجاور على الأرض مما أدى بحياته .. ولهذا فإن الوجه المثار غير وجيه ويتعين رفض الطعـن .
وجاء في قرار مؤرخ في 16/07/1988 ملف رقم 52862 أنه ((من المقرر قانونا أن متولي الرقابـة مسؤول عن الأضرار التي يلحقها للغير الأشخاص الموضوعون تحت الرقابـة – ومن ثم فإن النعي على القرار المطعون فيه بمخالفـة القانون غير صحيح .
ولما كان من الثابث في قضية الحال أن المجلس القضائي حمل المستشفى مسؤولية وفاة الضحية نتيحة إعتداء وقع عليها من أحد المرضى المصابين عقليـا ، وإعتبر ذلك إخلالا منها بواجب الرقابـة الواقع على عاتقها مما يشكل خطأ مرفقـي يستوجب التعويض طبقا للمادة 134 من القانون المدني ))
الفرع الثالث : محتوى أو مضمون الإلتزام بالرقابـة
لقد إختلف الفقهاء في تحديد مفهوم الرقابـة أو الإلتزام فمنهم من يعتبره بأنه الإشراف على شخص ما والعمل على حسن تربيته وتوجيهـه ، ومنهم من يرى أنها الإشراف على تربيـة شخص ومنعه بالإضرار بالناس بإتخاذ الإحتياطات اللازمة .
فهي إلتزام على كاهل المكلف بها من أجل القيام بشؤون من تولى رقابته من إشراف وتربية وكذا منعه من إيقاع الضرر بالغير بتتبع وملاحظـة تصرفاته وأعمالـه ورعايته فمنهم من ذهب إلى القول بأن الرقابـة التي تعنيها المادة هي الإشراف على شخص وتوجيهه وحسن تربيته ومنعـه من الإضرار بالغير بإتخاد الإحتياطات اللازمة في سبيل ذلك ، وهنا يفترض القانون أن وقوع الفعل الضار من طرف الشخص الذي هو تحت الرعايـة كان مخطئـا خطأ شخصيا يوجب مسؤوليته .
وعندما نعقد مقارنة مع القوانين الأخرى نجد أنه نفس الشيء بالنسبة لبعض القوانين العربيـة فمثلا القانون السوري وتحديدا المادة 174 تعني بالرقابة La surveillance وهي الإشراف على شخص وتوجيهه وحسن تربيته ومنعه من الإضرار بالناس بإتخاذ الإحتياطات اللازمة في سبيل ذلك .
ونجد فعلا أن الفقهاء قد إختلفوا فيما يخص هذه النقطـة فمنهم من يعتبر أن الرقابـة ماديـة ، ومنهم من يرى أنها رقابـة توجيه وتربيـة ورعايـة الخاضع لها
وتجدر الإشارة إلى أنه من الناحية التطبيقية تطرح إشكالا سيما وأن المشرع الجزائري لم يحدد مضمون ومعنى هذا الإلتزام بالرقابـة ،وبالتالي ترك هذا الجانب للقاضي وسلطته التقديريـة عندما تطرح عليه مثل هذا النوع من المسؤوليـة .. إذا يجب أن يضع عدة إعتبارات نصب عينيه وفي إعتباره وأهمها حالة الخاضع للرقابـة(( السن ، الجسم ..)) إلا أن هذه النقطـة تدفعنا للتساؤل فهل أن متولي الرقابة يقع عليه إلتزام بالتوجيه والتربيـة والإهتمام بالجانب الروحي والأخلاقي أم لا ؟
ومن خلال المادة 134والتمعن فيه جيدا وخاصـة إذا ما أخدت بحرفية النص فإن الرقابـة الظاهرة للعيان أو المعنى الواضح هو أنها رقابـة ماديـة أي مراقبة سلوكات وتصرفات الخاضع للرقابـة ومنعه من الإضرار بالغير وإلا كان محل مساءلة تستوجب جبر الضرر الناجم .
المطلب الثاني : الشروط الخاصـة بالخاضع للرقابـة :
بالرجوع دائمـا إلى نص المادة 134 من القانون المدني نجدها تتضمن كذلك الشروط الخاصة بالخاضع للرقابـة ، ومن هذا المنطلق ذكرت حالات يكون فيها هذا الشخص بحاجة إلى الرقابـة سواء كان مميزا أو غير مميز ، وهي أن يكون قاصرا ، أو أن تكون بـه عاهـة عقليـة أو عاهـة جسميـة .
إضافـة إلى هذه الحالـة فإن النص يشترط أن يصدر من هذا الشخص الخاضع للرقابـة فعلا ضارا بالغير يستوجب مسؤوليـة متولي الرقابـة عليه ، ولذلك سوف نفصل حاجة الشخص إلى رقابـة في الفرع الأول وصدور فعل ضار في الفرع الثاني
الفرع الأول : حاجـة الشخص إلى رقابـة
لقد نصت المادة 134 من ق .م بصريح العبارة (( رقابـة شخص في حاجة إلى الرقابة))
لكن هذه الرقابـة مناطها أو مصدرها أو سببها أو الحالـة التي يكون عليها هذا الشخص إما بسبب قصره أو حالته العقليـة أو الجسميـة .
وتجدر الإشارة إلى القانون المدني المصري أوجب كذلك الرقابـة بسبب القصر وكذا الحالـة العقلية والجسميـة،وأما فيما عدا ذلك من ذلك من أسباب فلا تقوم المسؤوليـة عن الغير ، وتطبيقا لذلك فلا مسؤولية على السجان عن خطأ المسجون مثلا كما قضى به القضاء المصري وهذا الحكم يسري في القانون الجزائري سيما وأن الأحكام واحدة بيننا .
وهنا نصل إلى نقطـة هامـة مفادها أن المادة لم تحدد الأشخاص الذين تقتضي ظروفهم هذه الرقابـة ، وإنما ربطتها بحالات محددة سواء بعد التعديل أو قبلـه والتي وهو ما سنتناوله بالتحليل فيما يلــي :
البند الأول : بسبب القصــر
القاصر في نظر القانون المدني الجزائري هو ذلك الشخص الذي لم يصل إلى سن التاسعة عشر من عمرة إستناذا إلى نص المادة 40/2 منه التي تنص على (( أن سن الرشد تسعة عسر سنـة كاملـة ))
وهو مادام لم يبلغ سن الرشد بعد فيبقى تحت رقابـة القائم بها ، والرقابـة في الأصل تقوم على القاصر فإذا بلغ سن الرشد إنحلت عليه إلا إذا وجد مايدعو لبسط الرقابـة عليه وهو بالغ .
وفي هذا المقام يجب التمييز بين مرحلتين في فترة القصر: القاصر غير المميز والقاصر المميز .
أولا/ القاصر غير المميز : وهي الحالـة أو السن التي تكون أقل من 13 سنـة إستنا ذا إلى التعديل الجديد لنص المادة 42/2 (( يعتبر غير مميز من لم يبلغ ثلاث عشر سنة )) بعدما كان النص القديم يجعل سن التمييز ستـة عشر سنـة .
في خضم هذه الفترة وأثناء هذه المرحلـة يكون هذا القاصر فعلا بحاجـة إلى رقابـة كما يؤكد على ذلك أغلب الفقهاء إذ أن الحاجـة إلى الرقابـة بالنسبـة للقاصر غير المميز واضحـة ولاأحد ينازع في ذلك ، كما أن مسؤوليته الشخصيـة مستبعدة تماما ، وذلك لإستحالـة وقوع خطأ من جانبه ، لأن الخطأ يقتضي التمييز لدى مرتكبه إلا أنه في هذه الحالـة الأمر يعني الشخص القاصر غير المميز بسبب صغر سنـه .
وتجدر الإشارة إلى أن النص الأول للمادة 134 قبل التعديل يشير إلى مسؤوليـة متولي الرقابـة وجبر الضرر الناتج عن فعل القاصر حتى ولو كان غير مميز بنصها على مايلـي (( يكون ملزما بتعويض الضرر الذي يحدثـه ذلك الشخص للغير بعملـه الضار،ويترتب هذا الإلتزام ولو كان من وقع منه العمل الضار غير مميز ))غير أن هذه العبارة الأخيرة سقطت من هذا النص الجديد المعدل .
إلا أن الأمر هنا يختلف بالرجوع إلى القوانين المقارنـة ومنها القانون السوري ، فنجد أنه تناول القاصر وعرفـه بموجب المادة 162 من قانون الأحوال الشخصيـة بقولهـا (( من لم يبلغ سن الرشد وهي ثماني عشرة سنـة كاملـة )) وعلى الرغم من ذلك فليس كل قاصر بحاجـة إلى الرقابـة ، فقد حددت الفقرة الثانية من المادة 174 من القانون المدني السوري أن القاصر يكون بحاجـة إلىالرقابـة إذا مابلغ سن الخامسـة عشر والتي نصت على مايلي (( .. ويعتبر القاصر في حاجـة إلى الرقابـة إذا لم يبلغ خمس عشرة سنـة ، أو (( بلغها وكان في كنف القائم على تربيته .
كما أننا نجد نفس الحكم بالنسبـة للقانون المصري ، إذ إعتبر القاصر دون سن الخامسة عشر والتي هي سن بلوغ الحلم في الشريـعة الإسلاميـة بحاجـة إلى الرقابـة على إطلاقها ويكون عادة حتى بلوغ هذه السن في كنف من يقوم بتربيته والذين يقومون بتربيته هو أولا الأب إن وجد ، فهو الولـي الشرعي على النفس، وهو المكلف قانونا بالرقابة على ولده القاصر فإذا لم يوجد الأب تولى القائم على تربيته ولو بطريق الإتفاق الضمني من ولي النفس إلى الأم .
وهو نفس الشيء في القانون المدني الجزائري ، إذ أن الرقابة القانونيـة على القاصر والتي مناطها الولايـة ينبغي أن نبحث فيها طبقا للشريعـة الإسلاميـة .
وهنا وفقا لنص المادة 134 من القانون المدني والتي تنص على أن المبدأ العام في تولي الرقابـة القانونية وكذا المادة 135 قبل إلغائها، و التي تربط الرقابـة القانونيـة بالأب فإن الرقابـة على القاصر يناط بها من لـه الولايـة على نفس القاصر .
والولايـة على النفس في الشريعـة الإسلاميـة منوطـة بالعصبـة من الذكور فتكون الولايـة للأب ثم لوصيـه ثم للجد ثم لوصيـه ، وإذا لم بوجد أحد من العصيـة الذكور من أصول وفروع عين القاضي وصيـا للقاصر ، ولاتنتقل الولايـة على النفس قانونا للأم ، وأنه للتوفيق بين النصين ولمنع التعارض القول بأن الرقابـة على القاصر تكون لأبيه ، ومن بعد وفاته الأم طبقا لنص المادة 135 ، وإذا لم يوجد للقاصر أب أو أم ننتقل إلى تطبيق حكم المادة 134 ويكون وليه على النفس هو الرقيب ، وإذا لم بوجد ولي على النفس أو وصي تكون الرقابـة عليه إتفاقية .
ثانيا : القاصر المميز :
إنه بالرجوع إلى التعديل الجديد لنص المادة 42 نجدها نصت على أنه " يعتبر غير مميز من لم يبلغ ثلاث عشر سنـة" إذا فبمفهوم المخالفـة فإبتداء من سن الثالثةعشر سنـة إلى غايـة سن التاسعة عشر سنـة وفقا لنص المادة 40 من القانون المدني وهو سن الرشد، فإن القاصر في هذه المرحلـة يصير مميزا .
وعندما يكون القاصر مميزا ، فهو ليس بحاجـة إلى رقابـة بقدر مايكون بحاجـة إليها في سن مبكرة جدا لكونه لازال بحاجة إلى رعايـة وتوجيه ..
وقبل بلوغ سن التاسعة عشريكون متولي الرقابـة مسؤولا عن جبر الأضرار التي يحدثها الأولاد القصر بمفهوم المادة 134 ، وكذا بمفهوم المادة 135 قبل إلغائها ، لاسيما إذا ماتوافر شرط المساكنـة للأولاد والوالديـن ، إلا أن الفقهاء أكد معظمهم بأن الصبي غير المميز أو القاصر لصغر في السن يبقى متولـي الرقابـة هو المسؤول دائما عن جبر الضرر الذي يلحقـه بالغير .
في حين أن القاصر المميز يجعلـه القانون مسؤولا شخصيـا طبقا لأحكام المادة 125 من القانون المدنـي الجزائري والتي تنص في فقرتها الأولى قبل التعديل على مايلـي (( يكون فاقد الأهليـة مسؤولا عن أعمالــه الضارة متى صدرت منه وهو مميز )) والتي أضحت بعد التعديل الجديد (( لايسأل المتسبب في الضرر الذي يحدثه بفعلـه أو إمتناعه وبإهمال منه أو عدم حيطـة إلا إذا كان مميزا )) .
ولقد إختلف الفقهاء فيما يخص هذه المادة فمنهم من يرى أنه لاتنشأ مسؤولية متولي الرقابـة أو المسؤوليـة عن فعل الغير إلا إذا كان القاصر غير مميز ، كما ذهب إلى ذلك الأستاذ تركي بقولـه La seule manière de sortir de ce dilemme, consisté pour l'instant à admettre que la résponsabilité générale du fait d'autrui n'est susceptible d'etre appliquée abstraction faite de l'handicapé physique que l'incapable a agit sans discernement ))
وذهب البعض الأخر وعلى رأسهم الأستاذ علي علي سليمان إلى عكس الرأي السابق بقولـه (( تساءل الدكتور تركي قائلا كيف يطالب المضرور القاصر المميز عن طريق المسؤوليـة الشخصيـة ويترك الرقيب مسؤةليته المفترضة ؟ مضيفا أن الرقيب لايسأل إلا إذا أثبت القاصر المميز قد إرتكب فعلا ضارا ، أي أنه لابد من إثبات مسؤوليـة القاصر المميز أولا حتى يرجع المضرور على الرقيب ، لأن الأول هو المسؤول الأصلـي والثاني مسؤول مسؤوليـة تبعيـة .
ويضيف A.VIALARD في هذا الشأن بأن الضحية يستفيد من المسؤوليـن الإثنين معـا بقولـه ((Lorsque la personne surveillée est douée de discernement la victime profite d'un cumul de résponsabilité , par combinaison de l'article 125/1, et de l'article 134 CCA )) أي بمعنى أن القاصر المميز يكون مسؤولا مسؤوليـة شخصيـة على أساس المادة 125/1 (( قبل التعديل دائما )) من القانون المدني الجزائري ، ويكون متولي الرقابـة مسؤولا هو أيضـا طبقا للمادة 134 قانون مدني من جهـة ثانيـة .
وجدير بالملاحظـة في هذه النقطة بالذات أن العبارات التي كان يدفع بها بعض الفقهاء والمتمثلـة في الجملـة الأخيرة من المادة 134/1 قد سقطت من النص الجديد والمتمثلـة في (( ولو كان من وقع منه العمل الضار غير مميز )) وبالتالي فهو تأكيد على قيام واجب الرقابـة على الشخص الخاضع لها بسبب القصر بغض النظر عنه إن كان مميزا أو غير مميز ، حيث أنه كان الغرض منها حتى قبل سقوطهـا أو حذفها من نص المادة 134 هو التأكيد فقط على أنه لايشترط في المسؤوليـة خطأ الخاضع للرقابـة ، إنما كانت تشير إلى أن مسؤوليـة متولي الرقابـة المفترضـة عن الفعل الضار الذي يرتكبـه الخاضع للرقابـة تقوم ولو كان هذا الأخير غير مميز .
وفيهم من يرى بأنه طالما أن القاصر في حاجـة إلى الرقابـة بسبب قصره فمسؤولية متولي الرقابـة القائمة على خطأ مفترض تنتهي قانونا ببلوغع المشمول بالرقابـة سن الرشد (( م 134 من ق م )) ولو كان هذا الشخص لايزال في حاجـة إلى رعايـة لعلـة أخرى كعاهة عقليـة أوة جسمانيـة لاسيما في ظل نص المادة 135 القديم .
وكذلك تجدر الملاحظـة إلى أن المشرع المصري تناول هذه النقطـة إذ تنص المادة 173 /2على مايلي في جملتها الأخيرة (( وتنتقل الرقابـة على الزوجة القاصر إلى زوجها ، أو إلى من يتولى الرقابـة على الزوج )) .
كما أننا نجد أن القانون الجزائري قد خالف القانون المدني المصري وبقيـة القوانين العربيـة الأخرى في عدة نقاط أهمها أنه جعل الأم متوليـة للرقابـة ، ولم يجعـل للزوجـة القاصر رقيبـا ، في حين أن بقيـة القوانين العربيـة جعلت الزوج يتولى الرقابـة على زوجته القاصر إن كان راشدا ويخضع لرقابـة من يتولى رقابة زوجهـا ، وهنا يتساءل الدكتور سعدي الصبري عن من يتولى رقابة الزوجة القاصر، أو المفروض أنها تسكن مع زوجهـا لامع والديهـا، وكان ينبغي أن لايفوت على المشرع مثل هذا الأمر .
ويمكن للمكلـف بالرقابـة في هذه الحالـة الرجوع على محدث الضرر طبقا للمادة137 من القانون المدني في الحدود التي يكون فيها محدث الضرر مسؤولا عن تعويض الضرر ، ومتى كان الفعل الضار الصادر من شخص بالغ سن الرشد (( 19 سنة )) فلا يكون أمام المضرور سوى سوى متابعة المتسبب فيـه طبقا للمسؤوليـة عن فعله الشخصي ،إلا إذا كان هذا الأخير غير مميز لجنون أو عته ، فيسأل حينئذ المكلف بالرقابـة عليـه بإسثتناء الحالـة التي تناولتها المادة 125 / 2 وذلك قبل التعديـل ، وهو عندمـا يتعذر الحصول على تعويض من المسؤول فيجوز للقاضي أن يحكم بتعويض عادل على المتسبب في هذا الضرر ولو كان غير مميز .
البند الثاني : الخضوع للرقابـة بسبب الحالـة اللجسميـة أو العقليـة
لقد أضافت كذلك المادة 134 هاتين الحالتين بنصها على مايلي : (( .. أو بسبب حالته العقليـة أو الجسميـة )) وهما حالتين تعتريان الشخص الراشد فتجعلـه خاضعا لهذه الرقابـة وبحاجـة إلى إستمرارها عليه حتى وإن بلغ سن الرشد ، فما معنى كل حالـة ؟
أولا: بسبب الحالـة العقليــة
هذه الحالـة أو الحالات المرضيـة تصيب عقل المريض وبالتالي تؤثر على قواه العقليـة وتصيبه بعارض من عوارض الأهليـة المتمثلـة في الجنون والعته والغفله ويصبخ هذا الشخص بحاجة ماسـة إلى الرعاية والعنايـة اللازمتين لتدبير أموره وتفقدها من طرف متولي الرقابـة ومن منعه من إحداث أضرار بالغير .
إذن هي حالات تعتري عقل الشخص الراشد فتنال من سلامـة من عقله لدرجة تفقده إدراكه وتوازنه وتضعه في موقف أو في حالة لاتسمح لـه بالتفرقـة بين النافع والضار ، ولاببين مايقوم بـه من تصرف ضار إتجاه الغير ، وهنا يكون خطرا على نفسـه وعلى غيره ، ويظهر حاجته الماسة إلى رقابـة غيره وهذه الأمراض هي حالـة الجنون والعته والسفـه .
إذ نجد أن المادتين 42 و 43 المعدلتين بموجب التعديل الأخير للقانون المدني إذ تنص في المادة 42/1 (( لايكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنيـة من كان فاقد التمييز في السن أو عتـــه أو
جنون )) .
وكذا نص المادة 43 بقولها (( من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيها أو ذا غفلـة يكون ناقص الأهلية وفقا لما تقرره القانون ))
وهذا ماأكدته المادة 81 من قانون الأسرة بنصها (( من كان فاقد الأهلية أو ناقصها لصغر السن أو جنون أو عته أو سفـه ، ينوب عنه قانونا ولي أو وصي أو مقدم طبقا لأحكام هذا القانون)) .
فهؤلاء الأشخاص المصابين بمثل هذه العاهات يجب أن يعين لهم وصي مثلما تنص عليه المادة 92 من قانون الأسرة أو مقدم مثلما تنص عليه المادة 99 من قانون الأسرة في حالـة عدم وجود ولي أو وصي من كان فاقد الأهلية أو ناقصها بغض النظر عن مسؤوليـة متولي الرقابـة في بحثن أو كلامنا هذا .
ويقول الأستاذ السنهوري في هذا الصدد (( ومع ذلك قد تدعو الحاجة إلى الرقابة على من بلغ سن الرشد رجلا كان أو إمرأة ، فلو أصيب البالغ لسن الرشد بجنون أو بعته أو كان ذا غفلـة ، قامت الرقابـة عليه لتجدد الحاجة إليها نظرا لحالته العقليـة ، ويتولى الرقابة في هذه الحالة ولي النفس أو الزوج أو الزوجـة ( إذا كان الزوج هو الموضوع تحت الرقابـة ) وتنتقل الرقابـة إليه إتفاقا كمدير المستشفي أو الطبيب أو الممرض أو من يقوم بالرقابـة من الأقرباء أو غير الأقرباء
ثانيـا : بسبب الحالـة الجسميــة
وليس فقط الحالـة العقليـة التي تكون مناطا لإخضاعه للرقابـة ، بل كذلك بأن يكون الشخص مصابا بعاهة جسديـة كفقدان البصر أو عرج أو شلل أو أصبح مقعدا وكذلك لو أصيب هذا البالغ الراشد بمرض أعجزه ، وجعله في حاجـة إلى الرقابـة نظرا لحالته الجسميـة ، فهنا تولى الرقابـة عليـه إتفاقا من يتولى الإشراف على شؤونه الشخصيـة ، من زوج أو زوجـة أو قريب أو مدير مستشفى ، أو طبيب أو ممرض أو نحو ذلك ، ويكون هذا مسؤولا عنه مابقي في رقابته .
وتجدر الملاحظـة إلى أن الخاضع للرقابة بسبب حالته الجسميـة شبيه حكما بالصبي المميز مثلما أشار إليه الدكتور تركي .
والحالة الجسميـة بإعتبارها حالة من الحالات التي تنال من أهلية الفرد من جهـة والتي تجعلـه في حاجـة إلى الرقابـة من جهة أخرى هو أمر مستحدث في القانون المدني الجزائري وهنا وكما يؤكد على هذا الأمر الدكتور السنهوري فإن مصدر الإلتزام بالرقابة في هذه الحالة هو إتفاق الأطراف كون القائم بالقانون لم يتناول هذه الوضعيـة بعد .
فهو يكون بحاجة إلى رقابـة متى أصبح يمثل عبئـا خطرا على نفسه وغيره وخشيـة إيقاع الأضرار بالغير ، كأن يكون شخص مصاب بشلل أو برعشة مستمرة ويوقع أضرار جسديـة بالأخريـن .
وتجدر الملاحظـة إلى أن الأضرار الأخرى التي لاعلاقة لها بالحالـة الجسميـة كأن يقوم الأعرج أو الأعمى بشتم الغير فلا يسأل عنها المكلف بالرقابـة وإنما يسأل عنها الفاعل نفسـه بإعتباره ليس بحاجـة إلى رقابـة بالنسبـة لهذا الفعـل .
بالإضافـة إلى ذلك فإن الرقابـة الفعليـة كرقابـة من يقود أعمى دون قانون أو إتفاقا فإنها لاتدخـل ضمن ماورد في نص المادة 134 من ق م التي تنص على المسؤوليـة المفترضـة ، ومنه فإنه لايسأل الرقيب الفعلي إلا إذا أثبت أنه أخطأ خطأ شخصيـا .
كما أنه لايمكن الأخد بحرفيـة نص المادة 134 ق م فليس إذن من هذا المنطلق كل شخص بـه عاهـة جسديـة يستوجب رقابــة بل من جانب القاضي عليـه ،أويعمل سلطته التقديريـة لأنه من هذه الحالـة سوف يقوم بمراعاة الظروف المحيطـة بالشخص بالإضافـة إلى ضرورة اللجوء لخبير لتحديد مدى حاجة هذا الشخص إلى رقابـة .
الفرع الثاني : صدور فعل ضار
إذن بالإضافـة إلى الشرط الأول والذي يتمثل في وجود حاجـة إلى رقابـة من جانب الشخص فإنه يجب أن يصدر منه فعل ضار بالغير كشرط ثان لقيام مسؤولية متولي الرقابـة عن فعل غيره.
وهذا الشرط تنص عليه المادة 134 من القانون المدني قبل التعديل وبعده بقولها (( يكون ملزمـا بتعويض الضرر الذي يحدثـه ذلك الشخص بفعلـه الضار ))
إذن يجب أن يقع هذا الفعل الضارعلى الغير لكي تقوم مسؤوليـة متولي الرقابــة .
البند الأول : الفعل الضار
الفعل الضار هو كل فعل مخالف للقانون ويوجب عليـه جزاء ألا وهو تحمل مسؤوليـة أو قيام مسؤوليـة المكلف بالرقابـة ، وتجدر الملاحظـة أن هناك خلافا فقهيـا ثار في فرنسا فيما يخص إشتراط الخطأ من عدمـه في فعل وتصرف الخاضع للرقابـة وهو خلاف يرجع أساس إلى تعريف الخطأ ، كما أن هناك نظريتين تتنازعان حول مفهوم الخطأ فالنظريـة الأولى وهي النظريـة الموضوعيـة والتي لا ترى في فعل الخاضع للرقابـة أي الفعل الضار إلا الجانب المادي ولايشترطون لحدوثـه وجود تمييز ، أي أنهم يشترطون لتحقق مسؤوليـة متولـي الرقابـة أن يرتكب القاصر عملـة غير المشروع .
أما النظريـة الثانيـة وهب النظريـة الشخصيـة في الخطأ والتي يقول مناصروهـا أنه يجب أن يتحقق في الخطأ ركنان الركن المادي والمعنوي ، فالركن الأول هو الركن المادي والذي يتمثل في التعدي ، أما الركن المعنوي فيتجسد في الإدراك والتمييز ، وهنا يقول الدكتور جلال حمزة (( وجدوا أنفسهم أمام أمريـن إثنين إما أن يشترط توافر الخطأ في فعل الخاضع للرقابـة ، أي وجوب توافر ركن التمييز إلى جانب ركن التعدي وهذا يعني إعفاء متولي الرقابـة من المسؤوليـة في كل مرة يكون فيها الخاضع للرقابـة ناقص العقل أو التمييز وهذا لايقبله المنطق ولاالعدالة.
والأمر الثاني وهو أن يشترط أنصار هذه النظريـة الخطأ حينما يسأل متولـي الرقابـة عن كل الأضرار التي تسبب فيها هذا الشخص الخاضع للرقابة حتى وإن كان غير مميز ، لهذا نجدهم فضلوا إشتراط الخطأ في فعل الخاضع للرقابـة لكي تتحقق المسؤوليـة .
ونجد أن كلا الأستاذان فيلار ونور الدين تركـي يؤكدان أن العبرة بالركن المادي في الخطأ ألا وهو التعدي الذي كان سببا في إلحاق الضرر بهذا الغير بغض النظر إن كان السلوك الذي سلكه الخاضع للرقابـة سلوكا عاديـا أو غير ذلك .
ولقد ذهب الفقـه في هذا المجال إلى إعتبار أن التمييز عنصر أساسي في الخطأ بالنظر إلى القوانين العربية فيما نص عليه القانون المدني المصري وليس فقط القانون الجزائري ، ومن هنا فإذا كان الخاضع للرقابـة مميز ووقع ضررا بالغير أفلا تتحقق مسؤوليـة المكلف بهـا إلا إذا أثبت الخطأ في جانب الخاضع لهذه الرقابـة ويعد هذا الأخير مسؤولا أصليا ويسأل متولي الرقابـة بإعتباره مسؤولا تبعيـا ، وللمضرور أن يرفع دعواه في مواجهـة أي منهمـا ، بل فرق الفقـه كذلك في هذه النقطـة بين وجود التمييز من عدمـه ، فإذا كان الخاضع للرقابـة غير مميز ووقع ضرر بالغير فإن مسؤوليـة متولي الرقابـة تكون مسؤوليـة أصليـة ، ولايكون أمام المضرور إلا مسؤول واحـد وهو متولي الرقابـة ، وفي غياب أي مسؤول عنه أو تعذر الحصول على التعويض من المسؤول جاز للقاضي أن يحكم على من وقع منه الضرر بتعويض عادل إذ أن الملاحظ أن القانون السوري جاء بهذا الحكم في نص المادة 165 من ق م السوري .
غير أن الأستاذ فيلالـي إعتبر أن الفعل الضار هو إخلال بإلتزام قانوني إذ أن النص واضح ولإعتبارات قانونيـة التي يستنذ عليها مسؤوليـة متولـي الرقابـة ، ولا داعي أن يشترط بعض الفقه خطأ الخاضع للرقابـة كلما كان مميز لأن المسؤوليـة هنا هي مسؤوليـة تبعيـة بالنسبـة للمكلف بهذه الرقابـة .
البند الثاني : أن يقع الفعل الضار إضرارا بالغير
فلا يكفي قيام الخاضع بالرقابـة لفعل ضار فقط بل يجب أن يكون شخص الغير هو من وقع لـه الضرر ، فوقوع الضرر لنفسـه لا يحقق المسؤوليـة التي نحن بصددها ، أو أن يوقع الغير ضررا بـه ، فنجد أن الدكتور السنهوري ذهب إلى إعتبار أن العمل غير المشروع يجب أن يقع من الشخص الخاضع للرقابـة ، لاأن يقع عليـه ، أما إذا وقع عليـه فليست هناك مسؤوليـة مفترضـة ، ويضرب لنا مثال التلميذ الذي يصاب من أجنبي بالأذى في وقت يكون فيه التلميذ في رقابـة رئيس المدرسـة فلا يكون هنا الرئيس مسؤولا عن خطأ أجنبي إلا في حدود القواعد العامـة للمسؤوليـة ، فيجب إذن إثبات الخطأ في جانب الرئيس حتى يكون مسؤولا .
ونؤكد كذلك بأن مسؤوليـة متولي الرقابـة عن أعمال المميز هي مسؤولية أصليـة لاتبعيـة فهي تقوم بقيام مسؤوليـة الشخص الخاضع للرقابـة ، وهذا رأي الأستاذ علي علي سليمان غير أنه بالنسبة للشخص غير المميز لا يمكن القول بتحقق مسؤوليته ، إنما مسؤوليـة متولي الرقابـة هنا أصليـة قامت مستقلـة وأصلها خطأ مفترض في جانب المسؤول ، وإنما يسأل مسؤوليـة موضوعيـة مخففة عند تعذر الرجوع على متولي الرقابـة مثلما تضمنه النص المصري .
وبالرجوع إلى النص الجزائري فإنه إذا كان الفاعل مميز توجد إمكانيـة المتابعة على أساس المادة 124 من ق . م حتى بعد تعديلها ، هذا بالإضافـة إلى إمكانيـة رفعها ضد المسؤول ، إذ يمكن لهذا الأخير الرجوع على الفاعل إذا ماتوافرت شروط المادة 124 وهذا طبقا لنص المادة 137 المعدلة كذلك .
إضافـة إلى هذا فإنه طبقا لهذا النص أي المادة 137 ق .م فإنه يمكن الرجوع كذلك على الفاعل أوالمسؤول عليـه إذا كانت هذه المسؤوليـة قائمـة بسبب عاهـة جسميـة عن هذا الشخص الفاعل والخاضع للرقابـة .
إلا أنه من الناحيـة التطبيقيـة ، فإن القاضـي لايبحث عن متولي الرقابـة وقت وقوع الضرر ، إذ أن الحكم سيكون مباشرة على الأب بإعتباره المسؤول المدنـي كما يجري بـه العمل في قضاء الأحداث.
المبحث الثاني شروط تطبيق المادة 135 والحالات الخاصـة
لقد تضمنت هذه المادة الملغاة حالات معينـة إعتبرها الكثيرون بأنها حالات خاصـة وتنص المادة (( يكون الأب ومن بعد وفاته الأم مسؤولان عن الضرر الذي يسببه أولادهما القاصرون الساكنون معهما ، كما أن المعلمين والمؤدبين وأرباب الحرف مسؤولون عن الضرر الذي يسببه تلاميذتهم والمتمرنون في الوقت الذي يكونون فيه تحت رقابتهم ))
فعلى الرغم من إلغاء نص المادة 135 فإن تطبيقها سوف يستمر وذلك تطبيقا لمبدأ عدم رجعيـة القانون الجديد بحكم الوقائع السابقـة عليـه ، إضافـة إلى أن الأحكام الواردة فيها تمثل إحدى التطبيقات للقاعدة العامـة الواردة في نص المادة 134 ق .م ، إلى جانب هذا فإن الأب يبقى مسؤولا عن أفعال أولاده القصر وبعد وفاته تحل الأم محله في المسؤوليـة ، فحتى لو ألغى نص المادة 135 ق.م فإنه وطبقا للقاعدة العامة يبقى مسؤولا ، كما أن الحالات المذكورة في المادة 135 تقوم فيها المسؤوليـة إذا ماتوافرت شروطهـا سواء كانت هذه الرقابـة بموجب الإتفاق أو القانون ولذلك وجب علينا التطرق لها ضمن هذا المبحث .
والسؤال المطروح لماذا تناول المشرع الجزائري هذه الحالات بالذات فهل عي على سبيل الحصر أم على سبيل المثال ؟
وجدير بالتذكير أن هذه المادة إستشفها ونقلها المشرع الجزائري من القانون المدني الفرنسي القديم قبل تعديلـه سنـة 1970 إذ أخذهـا من المادة 1384/4 والتي كانت تنص على مايلي (( الأب وبعد وفاته الأم مسؤولين عن الضرر الذي يسببه أولادهما القاصرون الساكنون معهمـا ، كما أن المعلمين والمؤدبين وأرباب الحرف مسؤولون عن الضرر الذي يسببه تلامذتهم والمتمرنون في الوقت الذي يكونون فيـه تحت رقابتهم ، غير أن مسؤوليـة الدولـة تحل محل مسؤوليـة المعلمين والمربيـن )).
فلقد أخذ هذا النص بعيوبـه وهذا كون أن مسؤوليـة الأب تقوم على أساس السلطة الأبويـة ، وبمفهوم المخالفـة فإن الأم تتحمل المسؤوليـة كلما أسنذت لها السلطـة الأبويـة ، في حين تجاهل مشرعنـا حالـة سقوط هذه السلطـة من الأب ، وإكتفى بذكر حالـة الوفاة فقط لكل تحل الأم محلـه، وهنا نشير إلى نص المادة 91 من قانون الأسرة – والتي سيلي بيانها – والتي عددت الحالات أخرى تنتهي فيها الولايـة غير حالـة الوفاة ، ومن ضمنها سقوط السلطـة الأبويـة .
غير أن النص الفرنسي إعتبره الفقهاء نص خاص وإسئتناء كون الأم تسأل رغم أن الأب على قيد الحياة إستناذا إلى المسؤوليـة الشخصيـة.
وفيما يخص الإجابـة على السؤال المتمثل في هذه الحالات ماإذا كانت على سبيل الحصر أم المثال فنجد أن بعض الفقهاء يرون أنها وردت على سبيل الحصر خاصـة وأن القانون الفرنسي
لم يضع قاعدة عامـة أو نصا عاما أي بمعنى أنه حصر هذه الحالات .
وهو من هذا المنطلق قد تعرض للنقد الشديد وهذا راجع لعدم إمكانيـة في قيام مسؤوليـة
الوصي عن عمل القاصر الذي تحت وصايته ولاالقيم عن المجنون الذي تحت ولايته ، ولاالزوج عن زوجته القاصر إلا على أساس الفعل الشخصـي أي ضرورة إقامـة الدليل من طرف المضرور على خطأ هؤلاء لكل تقوم مسؤولياتهم الشخصيـة عن فعل القاصر .
غير أن القوانين العربيـة حسنا فعلت بوضعهـا لنص عام قبل ذكر مثل هذه الحالات وعلى رأسها القانون المدني المصري الذي إستقى منه المشرع الجزائري هذا المبدأ في نص المادة 134 المذكور .
أما فيما يخص المادة 135 فلكي يمكن تطبيقها أو المطالبة كما يتعين توافر شروط ، وقد ذكرت مجموعـة من الحالات تتمثل في مسؤوليـة الأب والأم ، والمعلم المربي ورب الحرفـة ، وسوف نتناول هذه الحالات كل على حدى دون التوسع في بقيـة الحالات المتمثلـة في المعلم والمربي ورب الحرفة لأنها مؤقتة تقوم فقط في وقت يكون فيـه الخاضع للرقابة تحت إشرافهم .
المطلب الأول : شروط مسؤوليـة الوالدين على أولادهما القصر الساكنون معهما
تنص المادة 135 ق .م على شروط قيام مسؤوليـة الأباء عن أعمال أولادهم القصر الساكنون معهما وهي شروط مشتركـة بين الوالديـن ،في حين أنها نصت على أن تكون المسؤوليـة للأم بعد وفاة الأب .
غير أن القانون المدني الفرنسي والذي إستقى منه المشرع الجزائري هذا النص قد أصبح ينص على مسؤوليـة الأب والأم بالتضامن وهذا بعد التعديل الذي تم بموجب قانون 04/06/1970.
فماهي الشروط المشتركـة لقيام مسؤوليـة الأب أو الأم
الفرع الأول : الصفــة الشرعيــة
كثير من الفقهاء من إعتبر هذه المسؤوليـة بأنها تقابل السلطـة الأبويـة ، وهذا مانجده في نص المادة 1384/4 من القانون المدني الفرنسي ، وكذا التعديل الصادر في 04/06/1970بإفتراض خطأ الوالدين إذا سبب الولد القاصر ضررا للغير على أساس سوء رقابتهما لـه أو سوء تربيتهما له وبالتالي فيه إخلال بواجباتهما إتجاهه .
غير أن هذا الأمر يختلف في الجزائر كون أن القانون المدني الجزائري قد خالف نظيره الفرنسي بإعتبار الأب هو الرقيب الوحيد مادام حيا ولا مسؤوليـة للأم مادام على قيد الحياة
ودائما بالرجوع إلى نص المادة 135 ونصها على عبارة (( الأب ومن بعد وفاته الأم ..))
فنجد أننه لابد أن تكون صفـة الأبوة شرعيـة وصفـة الأم كذلك ، لكن في الجانب العملـي تطرح عدة إشكالات مهمـة لابأس بذكرها في هذا المقام ، وإن كنا سنحاول أن نتطرق إلى أهم المشاكل .
البند الأول / مشكلـة النسب وإثباته
بالرجوع إلى نص المادة 40 من قانون الأسرة المعدلـة والمتتممة بالأمر 05/02 والتي تنص على مايلي (( يثبت النسب بالزواج الصحيح أو بالإقرار أو بالبينة أو بنكاح الشبهـة أو بكل زواج تم فسخـه بعد الدخول طبقا للمواد 32 ، 33، 34 من هذا القانون .
ويجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلميـة لإثبات النسب))
أي تضمنت الوسائل الشرعيـة والقانونيـة التي يمكن بها إثبات الولد لأبيه وليس هذا فقط ذلك أن المادة 41 أكدت أن هذه الصفة الشرعيـة بإعتبار أن الولد ينسب لأبيـه متى كان الزواج شرعيـا وأمكن الإتصال ولم ينفـه بالطرق الشرعيـة .
أولا- بالزواج : إذن إشترط زواج صحيح أي شرعي لثبوت الأبوة الشرعيـة قائم على ما جاءت بـه الشريعة الإسلامية التي إستمد منها قانون الأسرة الجزائري أحكامه ومايؤكده الرسول صلى اللهة عليه وسلم في حجة الوداع (( الولد للفراش وللعاهر الحجر )) فالمقصود هنا بالفراش هو الزواج الصحيح ، وهذا الزواج الصحيح لـه شروطه مثلما تضمنته المادة 41 من ق . الأسرة بإمكانية الإتصال وعدم نفي نسب الولد بالطرق الشرعيـة المتمثلـة في اللعان ، وكذا ولادة الولد بين أدنى وأقصى مدة الحمل .
الزواج الفاسد والباطل مثلما نصت عليه المواد 32 ، 33 ، 34 من قانون الأسرة فمثل هذه الحالات ويترتب عليه ماترتب على الزواج الصحيح ، ويثبت النسب به
ثالثا يثبت النسب بنكاح الشبهـة
رابعـا : يثبت بالإقرار : نفس الشيء بالنسبـة للإقرار فإنه حسب القضاء الجزائري يجب أن يكون في إطار علاقـة شرعيـة عكس ماهو موجود في الدول العربيـة ، فالإقرار هو الإعتراف بالبنوة ( مثلما تؤكد عليـه المادة 44 من قانون الأسرة فهو يثبت بالأبوة كذلك بالأخوة أو الأمومـة لمجهول النسب – ولو في مرض الموت – متى صدقـه العقل أو العادة وكذلك نص المادة 45 من قانون الأسرة .
ثلما نجد كذلك إجتهادات قضائيـة كثيرة منها قرار مؤرخ في 19/12/1988 ملف رقم 51.414 المجلـة القضائيـة لسنـة 1991 العدد الثالث صفحـة 52 حيث إعترف بالإقرار بالأمومـة وورد ( أنه من المقرر قانونا أن النسب يثبت بالإقرار بالأمومـة متى كان هذا الإقرار صحيحا ، ومن تم فإن النعي على القرار المطعون فيـه بمخالفـة القانون غير سديد يستوجب النقض .
لما كان من الثابث في قضيـة الحال – أن أم المطعون ضده إعترفت بأنه إبنها ، وأن إعترافها كان صحيحا ، ومن تم فإن قضاة المجلس بموافقتهم على الحكم المستأنف لديهم القاضي بفرض الدعوى لعدم التأسيس طبقوا صحيح القانون ، ومتى كان كذلك يستوجب رفض الطعـن .
خامسا:ثبوت النسب بالبينة ، ولها مفهوميـن مفهوم ضيق طبقا لشهادة الشهود وواسع وهو كل دليل إثبات .
غير أنه تجدر الإشارة إلى أن التعديـل الجديد أضاف وسائل عديدة لإثبات النسب ألا وهي وسائل علميـة عن طريـق إجراء فحوص خاصـة للولد والوالد لإثبات نسبـه ADN والذي كانت ترفضه المحكمـة العليـا في قراراتها مثلما نجد ذلك في القرار الذي أصدرته بتاريخ 15/06/1999 قضيـة ( ع ب ) ضد ( م ل )لا والتي جاء فيه (( ومتى تبين من قضية الحال أن قضاة المجلس لما قضوا بتأييد الحكم المستأنف فيه القاضي بتعيين خيرة طبية قصد تحليل الدم للوصول إلى تحديد النسب خلافا لقواعد إثبات النسب المسطرة شرعا وقانونا طبقا لأحكام المادة 40 وما بعدها ، فإنهم بقضائهم كما فعلوا ذلك تجاوزا سلطتهم وعرضوا قرارهم للطعن .
ومتى كان كذلك إستوجب نقض القرار المطعون فيــه .
وتجدر الملاحظـة بأن قانون الأسرة ينص بصورة غير مباشرة على إثبات النسب للأم حتى ولو كانت غير متزوجـة ، وبالتالي هنا تطبق أحكام المادة 135 من ق . م .
إذن نخلص من خلال هذا ، ومن خلال ماجرى بـه العمل في الميدان أن هناك أموارا كثيرة وتساؤلات عديدة تطرح نفسها ، ولايجب أن نغفل عنها ، كون المشرع غفل عنها عندما وضع هذه المادة أو بالأحرى عندمال عدل القانون المدني ولم يول جانب الإهتمام لها .
فلايمكن أن نتجاهل مسألـة الترشيد للقاصر والذي يكون بإقرار الولي أو الأب قبل بلوغ القاصر سن الرشد القانوني ، إذ أنه بالترشيد تنقضي السلطة الأبويـة ، وفي هذه الحالـة لايسع المضرور إلا أن بثلت خطأ لهذا الولد قبل الأوان .
كما لايمكن كذلك تجاهل نقطة مهمـة ألا وهي أن هذه المسؤوليـة التي نحن بصددها لاتقع إلا على الأب وألأم دون بقيـة الأقارب ، ولاعلى الوصي أو القيم على القاصــر .
البند الثاني : الكفالـــة
فالسؤال المطروح هل تدخل الكفالة في إطار المادة 135 من ق . م ، وبالرجوع إلى نص المادة 116 من قانون الأسرة (( الكفالـة إلتزام على وجه التبرع بالقيام بولد قاصر من نفقـة وتربية ورعايـة قيام الأب بإبنه وتتم بعقد شرعي ، ومن هذا التعريف فإننا نستنتج بأنها تدخل في باب إلتزام بالرقابـة ولاتدخل في إطار علاقـة أبوة شرعيـة ، وبالتي تدخل ضمن إطار المادة 134 كونها رقابـة إتفاقيـة ناتجة عن عقد،أي أن الكفيل يكون مسؤولا على أساس المادة 134 ق م وليس على أساس المادة 135 من ق م لأنها لاتمنح للكفيل أي حقوق بل ترتب عليـه إلتزام بالقيام بشؤون الولد القاصر.
إلى غير ذلك من الحالات التي تطرح الإشكالات من أم عازبـة وكذا التبني الذي لايجوز شرعـا وقانونا ، فهل نتابع الكافل على أساس المادة 135 أم على أساس المسؤولية الشخصيـة أم على أساس المادة 134 .
الفرع الثاني : شرط أن يسبب الود القاصر ضرر للغير
لقد سبق شرح القصر الذي يكون سبب لخضوع الشخص للرقابـة ، وكذا أن يحدث أضرار بالغير لكل تقوم مسؤوليـة متولي الرقابـة ، فلكي يسأل الأيويـن بمقتضى المادة 135 يجب أن يأتي أولادهما القصر والساكنون معهما بأفعال تضر بالغير.
ومن خلال النص نجد أن هناك جدل في كون الولد القاصر دون سن 19 سنة وهو سن الرشد المدني طبقا للمادة 40 ق م ، ومن تم فمن لم يبلغ هذه السن يعتبر قاصرا ، ويتحمل الأب والأم المسؤوليـة االمترتبـةعن الأفعال الضارة التي تسبب فيها ، وبالتالي فحالـة القصر تعتبرقرينة على حاجة الولد إلى الرقابـة .ومادامت المادة 135 – بطبيعة الحال قبل إلغائها – تشترط أن يكون الطفل قاصرا دون تحديد ماإذا كان مميزا أو غير مميز ففي كلتا الحالتين تقوم مسؤوليـة الأب والأم .
فالأصل أنه إذا بلغ الولد سن الرشد أي تمام التاسعة عشر من عمره تحرر من الرقابـة ، ولابسأل عنه أي أحد في البيت أو المدرسـة أو الحرفـة التي يزاولها ، وإن إستمر يعيش في كنف غيره ، أما القاصر فيبقى تحت رقابـة ولي نفسـه أي تحت رقابـة الأب ، فيسأل أبوه عن الضرر الذي يسببه القاصر إذا ماكان يقيم في كنفه فهو المكلف بالرقابة قانونا عليـه ، وتحل الأم محله حال وفاته ، وأصبحت مسؤولـة عن أعماله الضارة بالغير إذا ماكان يعيش تحت كنفها ، فالرقابـة على القاصر تكونن إذن للقائم على تربيته كما أن هذه الرقابـة تمتد من الأب أومن الأم إلى المعلم أو المدير إذا كان طالب عالم .
ومن هنا نجد أن الفقـه قد إختلف في هذه النقطـة أي في ضرورة إرتكاب خطأ من طرف القاصر لقيام مسؤوليـة والديـه ، فمنهم من يرى ضرورة ذلك لكي يسأل والديـه ، ومعنى ذلك أن ينسب إلى الخاضع للرقابـة خطأ ينجم عنه ضرر للغير ، ويكون على المضرور عبء إثباته لتقوم القرينة القانونيـة على خطأ متولي الرقابـة .
ومنهم من يرى أن المادة 135 شرعت لمصلحـة هذا الغير المتضررمن فعل الولد القاصر ، فالعبرة هنا بالفعل الضار وليس بالخطأ سواء أكان الفاعل مميزا أو غير مميز ، لأنه إذا كان الفاعل غير مميز لايمكن إثبات خطأه عكس ماإذا كان مميز فهنا يمكن إثبات خطئـه ، غير أن العبرة هو بالمسؤوليـة الشخصيـة للأب والأم ولافائدة من البحث عن خطأ الفاعل .
ومنهم من يرى- الأستاد حسنين - أن تقوم المسؤوليـة على الفعل الضار للخاضع للرقابـة ، إذ يجب أن تكون من أفعال التعدي أي غير مشروع ، وذلك بالنظر إلى تحقق مسؤوليته الشخصيـة من عدمهـا قبل قيام مسؤوليـة الوالدين من عملـه الضار ، وذلك بإنشاء سبب واحد وهو إنعدام التمييز لدى القاصر فلا يشترط أن يوصف فعلـه بأنه خطأ بل يكفي أن يكون تعديـا غير مشروع أي يكفي توافر الركن المادي وهو التعدي .
وقد تأثر الرأي الأول بالقضاء الفرنسي القديم الذي كان يشترط خطأ الإبن لقيام المسؤوليـة للأب والأم ، غير أن هذا الرأي لايتماشى مع مصلحـة المضرور لأنه يحدث أن تستبعد مسؤوليـة عديم التمييز ، وبالتالي يكون فيه تعويض وينجم عنه عدم قيام مسؤوليـة عن فعل الغير ، والمادة 135 إلا تكملـة للمادة 134 – وفي هذه الأخيرة لاتشترط التمييز لقيام المسؤولية وبالتالي لاتشترط الخطأ ، ومن الناحيـة التطبيقيـة مايهم القاضي هو التعدي أي الركن المادي في الخطأ ، فكلما كان حدث ضرر للغير ، وكانت هناك علاقـة سببية قائمـة بين فعل القاصر والضرر فإن الأب يعتبر مقصرا في رقابـة طفلـه وبالتالي تقوم مسؤوليته .
الفرع الثالث : شرط المساكنــة
إنه شرط أساسي تنص عليه المادة 135 من القانون وهي تشترط لقيام مسؤولية الأب أو الأم عن أفعال أولادهما القصر الإشتراك في مسكن واحد مع الوالديـن ، فديننا الحنيف يهتم بالعائلـة والأسرة على أساس السلطة الأبويـة ، وهذه السلطـة هي التي تدفـع بالاولاد إلى الخضوع لها ، ووجودالأولاد معهما دليل على وجود رقابـة أو قرينـة على وجود الولد لمن الرقابـة الفعليـة لأبويـه .
رغم أن الوجود تحت الرقابـة ، وأن السلطة الأبويـة تفرض على الأب ، وعلى الأم القيام على حسن تربية الأولاد من الجانب الروحي والأخلاقي ، إلا أن هذا الأمر لايعكس بالضرورة حسن تربيـة وتنشئتـه ، وإنما تفيد أنه لايوجد مانع من القيام بواجب الرقابـة والوسيلة الوحيدة التي يمكن للأباء من ممارسـة الرقابـة الفعليـة .
غير أن السؤال المطروح ، هل نعني دائمـا توافر هذا الركن أو الشرط ؟ وهل غيابه يؤدي مع ذلك إلى قيام المسؤوليـة التي نحن بصددها أم لا ؟
الإجابـة مؤكد ستكون بالنفي ، لأنه تحدث حالات كثيرة يكون فيه أحد الوالدين غير متواجد بمسكن العائلـة ، أو أن يكون الولد القاصر الخاضع للرقابـة لايقيم بالمنزل بسبب ما كالدراسـة أو متشردا أو أن يكون موجودا في مؤسسة مختصـة بالقيام بالقصر الجانحيـن .
فمن هنا تكون الإجابـة على السؤال الثاني هو أنهما يبقيان مسؤولان لاسيما في حالة وجود سبب غير مشروع كتشرد هذا الولد بفشل والديـه في القيام بواجب الرقابـة ، ولاتقوم هذه المسؤوليـة إذا ماكان هذا الولد يزاول الدراسـة في مدرسـة بعيدةعن مكان إقامته ، أو أن يكون بالمدرسـة ، فهنا تقوم مسؤوليـة المدرسـة المؤقتة إذا كان قاصرا ، أما إذا كان بالغا سن الرشد .
لكن السوال الذي يطرح نفسـه هنا لما إشترط المشرع في هذه المادة شرط المساكنة سيما وأن المشرع قد إستمد هذه المادة من القانون الفرنسي والتي هي شرط لممارسـة حق الحضانـة وحق الحراسـة le droit de garde.
الإجابـة تكون تأكيدا لما سبق قولـه هذا أنها لتمكين الوالدين من ممارسـة الإلتزام بالرقابـة ، ومن هذا المنطلق فيفهم بأن الرقابـة التي قصدها المشرع هي الرقابـة الفعليـة أي الحقيقيـة والمجسدة في أرض الواقع والتي تكون بالإقامة الحقيقيـة أي الفعليـة ، لكن هنا تثور نقطـة مهمـة فهل العبرة دائما بالإقامـة الفعليـة أم الموطـن؟.
بالرجوع إلى نص المادة 38 من ق .م نجدها تتضمن أن (( موطن القاصر والمحجور عليـه والمفقود والغائب هو موطن من ينوب عن هؤلاء قانونا .
غير أنه يكون للقاصر المرشد موطن خاص بالنسبـة للتصرفات التي يعتبره القانون آهلا لمباشرتهـا )) .
المهم أن ماخصته المادة المذكورة من أن موطن القاصر هو موطن من ينوب عنه ، وهو الأب طبعـا ، فموطن الأب هو موطن القاصر ، وطبعا بعد وفاته يعتد بموطن الأم .
ونلاحظ أننا إذا ما أخدنـا بعين الإعتبار موطن الأب ، فهو يكون دائمـا مسؤولا في حالـة قيام القاصر بالإضرار بالغير .
بينما لو أخدنـا بالإقامـة لأمكن الأب دفع المسؤوليـة عنه بإعتبار أن إبنه لايقيم معـه في مسكن واحـد وقت وقوع الضرر أي إستبعاد توافر شرط المساكنـة .
ومنه نخلص إلى أن شرط المساكنة تكون العبرة فيه بالإقامـة الفعليـة وذلك بالرجوع إلى نص المادة 134 ق.م التي تفرض على متولي الرقابـة واجب الرقابـة التي هي قوام المسؤوليـة ،فإنه وبمفهوم المخالفـة فإذا كان لايتواجد مع إبنه فلايمكنه أن ينفي عنه المسؤوليـة فالدفع بممارسـة واجب الرقابـة على أكمل وجه.
ومن خلال ماسبق نستطيع أن نستنتج كذلك الشروط الخاصة بمسؤولية الأم .
الفرع الرابع : الشروط الخاصـة بقيام مسؤوليـة الأم عن الخاضع لرقابتهـا
لكي تقوم مسؤوليـة الأم ، تشترط المادة 135 وفاة الأب وتنص في هذا الشأن (( الأب ومن بعد وفاته الأم )) .
وبالتالي ضرورة توافر شرط الوفاة للأب ومن تم تستبعد حالـة البعـد أو الغياب ، أو السفر أو الطلاق، فهذا من البديهي أنه لايدخل في معنى الوفاة ، ورغم أنها كانت تطرح إشكالات عمليـة إلا أن المشرع الجزائري لم يتدراكهـا إلى غاية التعديل الأخير للقانون المدنـي ، أين ركز على القاعدة العامـة ليكون مسؤولا كل من تولى الرقابـة بنوعيها .
غير أنه وعمليـا أي في حالـة البعد أو الهجر ، ورغم أن النص صريح ويبين قيام مسؤوليـة الأم في حالـة وفاة الأب إلا أنه ترفع الدعوى من المضرور في حالة وقوع الضرر وفقا للشروط السابق شرحها ، فعلى الأم متولية الرقابـة خاصـة في ظل غياب شرط مهم لتطبيق
نص المادة 135 على أساس شرط المساكنة أو عدم وجود الأب مع الأولاد القصر أو عدم ممارسـة الرقابـة الفعليـة من طرفه في مسكن العائلـة .
غير أنه من الجانب التطبيقي المسؤوليـة على عاتق الأب رغم البعد والهجر لأنه خطأ شخصي منه فيجب أن يتحمل تبعـة ذلك ، وفي رأينا وطبقا لنص المادة 135 – قبل الإلغاء – لاتصح مساءلـة الأم طالما مازال الأب على قيد الحياة وهو الشرط الذي ذكره المشرع لحلول الأم بدلـه (( أي الوفاة )) وذلك تجسيدا وإفراطا في السلطـة الأبويـة الممنوحـة لرب الأسرة – الأب – فمتى توفي إنتقلت الرقابـة إلى الأم ومعها تنتقل المسؤوليـة بداهـة إلى الأم .
وكما سبقت الإشارة إليـه فإن أساس هذا المسؤوليـة هو خطأ في التربيـة والتوجيه ، لأن هذا هو المبدأ الذي كان يأخد به القانون الفرنسي القديم ، وكون أن المشرع الجزائري أخذ بمبدأ عام في مسؤولية متولي الرقابـة ، فنجد أن المادة 135 جاءت تطبيقا لهذا المبدأ ، ومن رأينا لو قلنا خلاف لذلك بأن تكون الحالات المذكورة في نص المادة 135 هي علي سبيل الحصر ، لتعقدت الأمور أمام المضرور في حالـة الطلاق وفي حالة البعد والهجر أو الوصي من غير الأب .
أكثر فأكثر كلما أحدث الود القاصر أضرار بالغير ، ولكانت صعبـة بالنسبة له في المطالبة بجبر هذا الضرر ويساءل عن من يرفع ضده دعواه .
لأنه في حالـة الطلاق لاتطبق المادة 135 ، كما أن المشرع الجزائري بعد التعديل الذي خصه للمادة 134 نقل الفقرة الثانيـة من المادة 135 إلى هذه المادة – وهي تلك الخاصـة بوسائل دفع المسؤليـة عن متولي الرقابـة ومنهإمكانيـة نفي المسؤوليـة بإثبات القيام بواجب الرقابـة
- مادام أساسهـا هو خطأ مفترض في هذه الرقابـة والتوجيـه .
ودائما نتوقف في حالـة الطلاق ، فمنهم من يرى بأنه في حالـة الطلاق أو الإنفصال الجسماني في القانون المدني الفرنسي بين الوالدين فإن القائم بالحضانـة وحده المسؤول ، كما نجد أن المادة 62 من قانون الأسرة تنص على أنه " الحضانة هي رعاية الولد وتعليمـه والقيام بتربيتـه على دين أبيـه والسهر على حمايته وحفظـه صحة وخلقا)) ومن هذا المنطلق فإننا نجد الحاضنة تعتبر متوليـة للرقابة في ظل القانون الجزائري وتسأل على أساس المادة 134 ، ويرى الأستاذ فيلالي أنه سواء الأب وبعد وفاته الأم فإن مسؤوليتهما تستند على واجب الرقابة لا إلى السلطةالأبويـة ، وعلى هذا الأساس ففي حالة الطلاق فيسأل كل واحد على حدة .
المطلب الثاني : الحالات الأخرى لتولي الرقابــة
لقد نص المادة 135 – قبل الإلغاء دائما – على الحالات الأخرى لمسؤوليـة متولي الرقابـة خصتها في مسؤوليـة المعلم أو المؤدب وكذا مسؤولية رب الحرفــة .
وهذه المسؤوليـة تقوم عندمـا يكون القاصر في المدرسة أو في مكان العمل يمارس حرفـة ، ومن هذا المنطلق فهي إن صح التعبير مسؤوليـة عابرة أو مؤقتة إذا ماتوافرت شروط محددة وفي وقت معين فقط ، عكس مسؤوليـة الأباء .
فنجد أن القانون المدني الجزائري خالـف نظيره المصري وكذا بقيـة القوانين العربيـة عندما نص على إنتقال الرقابـة إلى المعلميـن وأرباب الحرف دون أن يشترط القصر في الشخص الموضوع تحت الرقابـة مثلما فعلت بذلك ، وهذا راجع لكون القانون الفرنسي في نص المادة 1384 لم يتشرط القصر رغم أن أغلب الفقه والقضاء في فرنسـا متفقان على هذا الشرط لإنتقال هذه الرقابـة وإلا خالـف هذا الأمر العقل والمنطق كون أن الوالدين بعد بلوغ أولادهم سن البلوغ تسقط عنهم الرقابـة في حين أنها تنتقل إلى رب الحرفـة أو المعلم ، وهو أمر يجافي العقل والمنطق ،فلو سلمنا بـه لوجدنا حتى الأستاذ بالجامعـة تنتقل اليه الرقابة وبالتالي يصبح مسؤولا عن الأضرار التي يرتكبها الطلاب الذين يشرف على تدريسهم .
الفرع الأول : مسؤوليـة المعلم أو المؤدب عن أعمال القاصر الذي يكون تحت رقابتهما :
إذن هذه الرقابـة تمتد من الأب أو الأم إلى المعلم أو المدير إذا كان طالب علم إلا أن هذا الرقابـة موقوفـة بالفترة التي يكون فيها القاصر بالمدرسـة ، فمتى فرغ الولد من المدرسـة عادت ال قابـة إلى القائم على تربيته وكان هذا الأخير هو المسؤول عنـه .
ولكي تقوم هذه المسؤوليـة في جانب المعلم أو المربي يجب أن يكون هذا المسؤول معلمـا وأن يكون المتسبب في الضرر لـه صفة التلميـذ .
البند الأول : أنت المسؤول معلمــا
إن المتمعن لنص المادة 135 نجدهـا لم تورد معنى لمعلم أو المربي ، فالمعلم أو المؤدب هو شخص تسند إليه مهمـة التربية والتدريس والتعليم في المدرسـة ، والتعليم قد يكون تقنيـا أو بدنيـا أو ثقافيـا وسواء في قطاع خاص أو عام ، وبمقابل أو بدون مقابل فكل هذا يندرج في إطار المعلم ، وأما مفهوم المؤدب فنجده يصدق على المراقبين في ساحـة المدرسـة أو المدير عن المدرسـة ـ ويضيف الأستاذ فيلالي حالـة المشرفين على المخيمات الصيفيـة ومراقبين ومدراء.
إلا أن البعض يرى بأن إضافـة المشرع لكلمة المربي ماهو الا تزيد ، فما هو المعلم أو المؤدب أو المربي ؟
إذ كان حري على المشرع الجزائري أن يقتصر على لفظ المعلمين ، ذلك لأن المعلمين هم أنفسهم مؤدبيـن ومربين فصفـة المعلم تضم صفـة المربي والمؤدب .
وتقوم مسؤوليـة هؤلاء المعلمين والمربين والمؤدبيـن عن الأفعال أو الأضرار التي يرتكبها التلاميذ الذين يكونون تحت رقابتهم أثناء فترة الدراسـة وأثناء فترة الإستراحـة في الساحـة أو مايرتكبونه خلال الرحلات التي تقوم بعا في المدراس التي يزاولون دراستهم فيها.
وأساس هذه المسؤوليـة هو واجب الرقابـة المناط بهم والذي تتلخص في القيام بواجباتهم كمعلمين ومؤدبين ومربيـن في تعليم وتربية وتوجيه تلاميذتهم – غير أنه وإستناذا إلى التعريف السابق للمعلم والمؤدب والمربي – فإنه يسثتنى من هذا المفهوم أساتذة الكليات والمعاهد والمدارس العليـا التي تسنذ لهم مهمة تدريس وتلقين العلم فقط ، فهم غير معنين بالجانب التربوي الأخلاقي ضف أن شرط القصر قد لايتوافر في معظم الطلبــة .
البند الثاني : أن يكتسي الخاضع للرقابـة صفة التلميـذ
صحيح أن المشرع الجزائري ذكر صفـة التليمذ لقيام مسؤوليـة المعلمين والمؤدبيـن إلا أنه لم ينطـه بسن معينـة ، والتلميذ لدى العام والخاص يكون في المرحلـة الإبتدائيـة ، وكذا التعليم الأساسي إلى غاية التعليم الثانوني ، وهذه الفترة تكون مرتبطـة بقصر الولد والمتمدرس أو التلميذ فإلى غايـة سن 13 سنـة إستناذا إلى نص المادة 40 فهو قاصر غير مميز ، وبعد سنـة 13 سنـة إلى سن التاسعة عشر فهو قاصر مميز ، وعادة ماتكون هذه المرحلـة في الثانويـات ، فهل هنا يسأل دائما المعلم عن هذا التلميذ ؟ الإجابـة تكون بأنه من غير المعقول أن يسأل المعلم سواء في التعليم الأساسي والثانوني عن عمل ولد راشد –لأنه يحدث أن يكون هناك راشد في هذا الطور لسبب من الأسباب - في حين أن الوالدين لايتحملان مسؤولياته عند بلوغه سن الرشد .
وهذا الفراغ تركته المادة 135 بعدم نصها على القاصر ، رغم أن الكثيريـن يرون أنها واضحة لاتطرح أي إشكال عملي ، وذلك بتطبيق القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 134 ق.م .
ومنهم من يضيـف أنه لاتسأل الحاضنات القائمـةعلى الأطفال الصغار في بيوتهم أو مربيات روضات الأطفال فلا يمكن إعتبار هؤلاء تلاميذ بل يسألن وفقا لأحكام المادة 134 ق م ، كما أن الإخوة مازو يرون بأن إلتزام المعلم بإصطحاب التلميذ من منزلـه إلى المدرسـة ذهابا وإيابا فإنه لايسأل عن الأضرار التي تسبب فيها التلميذ خلال هذه الفترة ، وأما إذا كانت الدروس تعطى للتلميذ في بيته فإن هذا الأخير يبقى تحت رقابة أبيه ولايسأل المعلم .
البند الثالث : حلول الدولـة محل المعلمين والمؤدبيـن
أضافت المادة 135 أنه عندما يتعلق الأمر بمسؤوليـة هذه الفئـة فإن الدولـة تحل محلهم في مسؤوليتهم .
فنجد أن المشرع الجزائري بنصه على هذه النقطة في القانون المدني قد خالف بذلك القانون الفرنسي بأن جعل الدولـة مسؤولـة فقط عما يسببه التلاميذ من أضرار للغير أو بعضهم البعض .
غير أن القانون الفرنسي أقام مسؤوليـة الدولـة على أعمال مدرسيها العاملين في التعليم العام بأن تحل مخلهم في حالـة الأضرار التي يسببها التلاميذ للغير ، والتي تقع عليهم أثناء تواجدهم تحت رقابـة هذا المدرس ، ومن هنا فإن المضرور لايستطيع مباشرة دعواه ضد المدرس وأن يرفعها ضد الدولـة إذاكان خطأ شخصي ،ويبقى أمام المدرس أن يقيم الدليل على هذا الخطأم يعد خطأ مفترضا ويكون الإختصاص للقضاء العادي في نظر هذا الدعوى وتسقط بمرور ثلاث سنوات تبدأ من وقت تحقق الضرر .
غير أنه يمكن للدولـة أن ترجع على هؤلاء المدرسيـن إذا مارأت أن سلوك المدرس كان معيبا ويستحق أن يجازي عليه .
في حين أنه يكون من إختصاص القاضي الإداري إذا ماكان الخطأ المرتكب خطأ مصلحيـا كوجود عيب في أماكن الدرس ، ومن هنا يكون على المدعي المضرورأن يثبت سوء إدارة المرفق لكونه ليس مجبر على إثبات وقوع خطأ شخصي من طرف هذا المدرس وهنا لاترجع الدولـة على هذا الأخير .
لكن بالنسبـة للقانون الجزائري فالأمر يختلف عن هذا كون الدولة تحل محل المعلمين في
حالـة توافر نص المادة 135 وطبعا في حالـة ويكونون فيها تابعين لمؤسسات الدولـة بأن تتحمل هي تبعيـة تعويض الضحايا لأن الأضرار التي تسبب فيها هؤلاء المعلمين أو المدرسين يناء على خطئهم الشخصـي إضرار بهؤلاء التلاميذ فتحكمها المادة 124 ق.م وليس أحكام المادة 135 منه.
الفرع الثاني : مسؤوليـة رب الحرفـة عن أعمال الخاضعيـن لرقابته
ونفس الشيء بالنسبة لهذه المسؤوليـة فهي لاتقوم إلا إذا توافرت شروط تتمثل في أن يكون القائم أو المسؤول هو رب حرفـة وأن يكون الواقع منه الضرر لـه صفة المتمرن .
البند الأول : المسؤول رب الحرفــة
إننا لانجد تعريفـا خاصـا لمفهوم الحرفـة إلا أنه بالرجوع إلى الأمر 96-01 المؤرخ في 10 يناير 1996 المتعلق بالقواعد التي تحكم الصناعة التقليديـة والحرفي ولاسيما في مادته العاشرة
على أن (( الحرفي هو كل شخص طبيعي مسجل في سجل الصناعة التقليديـة والحرف ، يمارس تشاطا تقليديـا ، كما هو محدد في المادة 5 من هذا الأمر ، يتبث تأهيلا ، ويتولى بنفسـه مباشرة تنفيذ العمل وإدارة نشاطه وتسييره وتحمل مسؤوليته )) .
فمن خلال هذا النص نستشف بأن الحرفي هو شخص طبيعي يمارس نشاطـه التقليدي بنفسـه ويديره ويسيره ويتولى مسؤولية نتائجـه .
والحرفـة تنصب على إنتاج أو إبداع أو تحوبل أو ترميم فني أو صناعـي أو تصليح أو أداء خدمةيطغى عليها العمل اليدوي .. إستناذا إلى المادة5 من الأمر السالف الذكر .
ومن هذا المنطلق فإنه يتولى تعليم من يتكون لديـه أو يريد تعلم هذه الحرفـة أو الصنعـة بإعطاء التعليمات والتوجيهات بشأنها .
ومنهم من يقول بأن العلاقـة بين رب الحرفة والصبي على حد تعبير الدكتور حسنين بأنها مؤسسة على عقد ينظمها ، وقد لاتكون كذلك أي علاقة واقعيـة وهي في الحالتين تؤدي إلى مساءلته عن عمل صبيه .
ويمضي في القول ليفرق بين مجرد علاقة العمل التي تربطـه بين العمال فهي مجرد عقد عمل ، ولايسأل عنهم إلا مسؤوليـة المتبوع عن أعمال تابعيـه إستناذا إلى نص المادة 136 قانون مدني والتي تقابلها المادة 1384 مدني فرنسـي ، وهنا تكمن التفرقـة بين علاقـة العمل وبين تعلم المهنـة أو الحرفـة .
وتقوم مسؤوليـة الحرفي عن الأفعال غير المشروعـة أو الأضرار التي يرتكبهـا المتكونون لديـه إلا أثناء فترة تواجدهم لدى مكان ممارسـة وتعلم هذه الحرفـة .
فمسؤوليته إذن مرتبطـة بإطار زمني ومكاني فإذا إرتكبت الأضرار خارج هذين الإطارين فلا تقوم مسؤوليته بإعتباره متولي للرقابـ بمفهوم المادة 135 ق .م .
البند الثاني : صفـة المتمرن ووقوع ضرر منه
هذه الصفـة يكتسبها الشخص الذي يتلقى دروسا وتكوينا مهنياأو تعليما في حرفـة ما لدى " مسؤول عن حرفـة"، ويربطـه برب الحرفـة أو التكوين المهني عقد لـه شروط ومقتضيات نظمها القانون رقم 81-07 المؤرخ في 27 يونيو 1981 المتعلق بالتمهين المعدل والمتمم .
فنجد أن المادة 12 منه المعدلـة بموجب المادة 06 من القانون رقم 90-34 تنص على شروط وذلك بقولها (( لايجوز قبول أي مترشح إذا لم يبلغ على 15 عاما على الأقل و25 عاما على الأكثر عند تاريخ إمضاء عقد التمهين )) .
وأضافت في فقرتها الثانيـة أنه لايطبق الحد الأقصى المحدد في الفقرة أعـلاه على المعوقين جسديـا ، في حين أن المادة 12 قبل تعديلهـا كانت تشترط في المتمهن سن 15 سنـة
إذ لاتقل عليه ولاتزيد على 18 سنـة عند تاريخ إمضاء هذا العقـد .
وكانت تحدد السن الأقصى للمعوقيـن لدينا بسن عشرون سنـة.
وهذا العقد يربط بين المستخدم والممتهن ممثلا بوليـه الشرعـي .
ورغم أن المادة 135 لم تذكر حالـة القصـر فإنه وكما ذكرنا آسفا فإنه شرط يمليه العقـل والمنطق وإن كانت المادة 19 من القانون 81-07 في فقرتها الرابعـة قد أكدت على هذا الأمـر بأن نصت على أنها(( تكون مسؤوليـة مدنيـا على المتمهن خلال وجوده في المؤسسـة لممارسـة التمهيـن )
المبحث الثالث أحكام مسؤوليـة متولي الرقابـة ووسائل نفيها
ذا ماتوافرت الشروط السابقة الذكر في كل من متولي الرقابـة والخاضع لهـا فإن مسؤوليـة متولي الرقابـة بالشكل الذي تناولناه ، وبالتالي تترتب عنهـا آثار وهي تعويض الضحيـة ، ولكن ماأساس هذه المسؤوليـة ؟ وماذا يثبت المتضرر لكي يحصل على هذا التعويض المدني ؟ هذا ماسنحاول الإجابـة عليهـه ضمن هذا المبحث .
لقد كانت المادة 134 قبل تعديل القانون المدني بموجب القانون المذكور 05-10 تحتوي على فقرة واحدة ( وهي تقرير المبدأ العام لمسؤوليـة متولي الرقابـة ) وكانت وسائل نفي المسؤوليـة مدرجـة في الفقرة الثانيـة من المادة 135 قبل إلغائهـا .
ولكن التعديـل المذكور – وحسنـا فعل – قام عند تقرير المبدأ العام بتقرير وسائل نفي المسؤوليـة وهو ماينسجم مع المنطق القانوني .
وتنص الفقرة الثانيـة من المادة المذكورة على مايلي " ويستطيع المكلف بالرقابـة أن يتخلص من المسؤوليـة إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابـة أو أثبت أن الضرر كان لابد من حدوثه، ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العنايـة ) ومن هنا سوف نتناول أساس مسؤوليـة متولي الرقابـة وكذا وسائـل دفعهـا في مطلبيـن .
المطلب الأول : أساس مسؤوليـة متولي الرقابــة
لقد أجمع الفقه أن أساس مسؤوليـة متولي الرقابـة هو الخطأ المفترض في واجب الرقابـة .
وهذا ماأكده الكثيرون من بينهم الدكتور جلال حمزة عندما إعتبر أن مسؤوليـة متولي الرقابـة تقوم على أساس الخطأ المفترض في جانبـه ، فإذا أوقع الخاضع للرقابـة ضررا بالأخريـن إفترض خطأ متولي الرقابـة الذي يتمثل في الإخلال بما يجب عليه من واجب الرقابـة والتربية السليمـة ، فالإفتراض يكمن في عدم قيام متولي الرقابـة بهذا الواجب بما ينبغي عليه من العنايـة والرعايـة اللازمين .
فمن خلال إستقراء المادة 134من القانون المدني ،والتي كما ذكرنا تعتبر المبدأ العام المقرر لمسؤوليـة متولي الرقابـة وكذا الفقرة الثانيـة من المادة المذكورة بعد التعديل نجدها أنها تفترض إلتزاما على عاتق المكلف بالرقابـة برعاية وتربية الشخص الخاضع لها ، وذلك بجعلـه يمتنع أو يحجم عن إتيان الأفعال السيئة وكذا الضارة بالغير ، ومن هذا المنطلق فهي قائمة على قرينـة الخطأ المفترض في هذا النص القانوني أي " قرينـة على إهمال تربية ورعايـة من يتولى رقابتهم ورعايتهم والإشراف عليهم لاسيما الأب إذا كان على قيد الحياة .
وهذا ماأكده المجلس الأعلى في قرار مؤرخ في في 02/03/1983 تحت رقم30064 فبين القرارعلى أن مسوؤلية الأب تقوم على أساس خطأ مفترض فيـه ، أنه أهمل مراقبـة وتربيـة ولده ، ولاتسقط هذه القرينـة إلا إذا أثبت الأب أنه قام بواجب الرقابـة والرعايـة والتوجيـه ، وأن إرتكاب هتك العرض من قبل ولد قاصـر مميز يثبت بصفـة قطعيـة إهمال الأب في تربيـة إبنه .
وسنتناول الخطأ المفترض كأساس لقيام مسؤوليـة متولي الرقابـة ، وكذا نوع مسؤوليـة متولي الرقابـة وطبيعتها القانونيـة كما يلـي :
الفرع الأول : الخطأ المفترض
إن المسؤوليـة المدنيـة تقوم بصفـة عامـة على ثلاث أركان أساسيـة ألا وهي الخطأ والضرر ، وعلاقـة السببية بينهمـا، وتبعا لذلك فالخطأ المفترض Faute présumée في واجب الرقابـة هو أساس مسؤوليـة متولي الرقابـة في القانون المدني الجزائري ، إذ أن هذا الخطأ يقوم على قرينـة الإخلال بواجب الرقابـة .
فلقد عرف الخطأ بأنه إنحراف في سلوك الشخص مع إدراكه بهذا الإنحراف ، فقد إختلف الفقـه حول تحديد فكرة الخطأ فالبعض عرفـه بأنه عمل ضار مخالـف للقانون ، والبعض الآخر عرفـه أنه إخلال بإلتزام قانوني سابق كما قبل أنه إعتداء على حـق ، ويرى البعض الآخر أنه الإخلال بالثقـة المشروعـة وقبل أيضـا أنه إنتهاك لحرمـة حق لايستطيع من إنتهكت حرمته أن يعارضه بحق أقوى أو بحق مماثل ، كما عرف كذلك بأنه إخلال بواجب .
غير أن التعريـف الذي إستقر عليه الفقه والقضاء هو الإنحراف عن سلوك الرجل المعتاد مع إدراك الشخص لذلك .
لذلك فإن الخطأ يقوم على عنصريـن هاميـن :
العنصر الأول :عنصر المادي والذي يتمثل في الإنحراف والتعدي La Culpabilité .
والعنصر الثاني : وهو العنصر المعنوي والذي يتجسد في الإدراك Le discernement ou imputabilité
أولا: التعدي : إن التعدي هو الإخلال بإلتزام قانوني ينصب على عدم الإضرار بالغير أو هو كل إنحراف عن السلوك المألوف للرجل العادي ، فهو تجاوز للحدود الذي يجب على الشخص إلتزامها في سلوكـه ، ذلك أن القانون بفرض بطريق مباشر وبنصوص خاصـة واجبات معينـة تلزم المكلف بالقيام بهـا .
ثانيا : العنصر المعنوي : وهو الإدراك : وهو ضرورة القصد أو على الأقل التمييز ، فيجب لقيام الخطأ التقصيري كأن يكون من وقعت منه أعمال التعدي مدركـا لهـا .
وبالرجوع دائما إلى نص المادة 134 كما سبق بيانها والتي تلقي على عاتق المكلف بالرقابـة إلتزاما إما برعايـة وتربيـة هذا القاصر أو الشخص الذي فرضته حالت العقليـة أو الجسديـة شملـه برقابـة غيره .
فإذا ما أضر المشمول بالرقابـة بالغير يفترض في الرقيب تقصيره في إلتزامـه بالرقابـة والرعاية والتربيـة ، وهي مسؤوليـة مفترضـة قائمـة على خطأ مفترض أساسها قرينـة الخطأ التي يفترضها القانون في المكلف بالرقابـة وتبعا لذلك فهي قرينـة قابلـة لإثبات العكس كما سبق بيانه .
فيفترض أن متولي الرقابـة قد قصر في رقابته ، وهذا المضمون يتفق مع المعيار العام للخطأ الشخصـي الذي نجد فيه إنحراف عن مسلك الرجل المعتاد ، إذا وجد في نفس الظروف التي يوجد فيها الشخص المسؤول .
كما أن هذه القرينـة المنصبة على الخطأ في الرقابـة فهي تقوم في جهة المكلف بالرقابـة غير أنه يجب على الدافع بها أن يثبت الخطأ في جهـة المشمول بالرقابـة إذا ماتمسك بها ضده المضرور .
كما أن القانون السوري فرضت كذلك على متولي الرقابـة إلتزاما برقابـة شخص تحت رقابته فإذا ما إرتكب هذا الشخص عملا غير مشروع – أو فعلا ضارا للغير – يفترض القانون أنه لم يقم بواجبه على أكمل وجـه بما يكفي من العنايـة ومن هذا المنطلق فإن القانون يفترض فيه إهماله وتقصيره في رقابة من يقع تحت رقابته وإشرافـه وهذا حمايـة لمصلحـة المتضرر من هذا الفعل .
الفرع الثاني : طبيعة هذه المسؤوليـة
كما سبق لنا وأن أشرنـا فإن هذه المسؤوليـة إما أن تكون – كما أكد الفقهاء – مسؤولية تبعيـة أو أصليـة .
فمتى تكون أصليــة ومتى تكون تبعيـة ؟
البند الأول : مسؤوليـة متولي الرقابـة تعتبر مسؤوليـة أصليـة
أي أنها مسؤوليـة سخصيـة وتقوم على أساس خطأ الشخص في رقابـة القاصر تكون أصليـة عندما يكون المتسبب في الضرر قاصر غير مميز .
فمنهم من يرى أن مسؤوليـة المكلف بالرقابـة ليست مسؤولية تبعيـة ، وإنما هي مسؤوليـة أصليـة ، أي أنه يسأل عن خطئـه هو، وليس عن خطأ الغير ، وذلك بالرغم من أن القانون المدني الجزائري قد عالج مسؤوليـة متولي الرقابـة تحت عنوان المسؤوليـة عن عمل الغير قبل التعديل وعن فعل الغير بعد التعديـل .
وليس فقط القاصر صغير السن بل كذلك عديم التمييز كأن يكون مجنونا أو معتوهـا وطبعا فهنا أيضا تكون مسؤوليته أصلية لايمكن الرجوع عليـه .
وتكون بالتالي مسؤولية هذا القاصر عديم التمييز للحالات المذكورة لأنها مسؤولية تبعيـة .
وهو كذلك ماذهب إليـه الأستاذ علي علي سليمان بإرتباط مسؤولية متولي الرقابـة الأصليـة بغير المميز بقولـه " وأما عندنا فقد نصت المادة 134 ق.م جزائري المقابلـة للمادة 173 ق.م مصري على مسؤوليـة الرقيب عن الأضرار التي يسببها الموضوع تحت الرقابـة ، ولو كان غير مميز ، وعلى ذلك فإذا كان الموضوع تحت الرقابـة قد أحدث ضررا وهو مميزا ، وأثبت المضرور خطأه فإن الرقيب يكون مسؤولا عنه مسؤولية تبعيـة ، وأما إذا أحدث الضرر وهوغير مميز فإن مسؤوليـة الرقيب تكون أصليـة "
البند الثاني : مسؤوليـة متولي الرقابـة تبعيـة
وقد سبق وأن أشرنا إلى رأي الأستاذ علي علي سليمان بأن مسؤوليته تكون مسؤوليته تبعيـة إذا ماكان الخاضع للرقابـة شخصـا مميزا .
ويقول الدكتور جلال حمزة في هذا الشأن بأنه إذا كان الخاضع للرقابـة مميز ، وأوقع ضررا بالغير ، فلا تتحقق مسؤوليـة متولي الرقابـة إلا إذا أثبت الخطأ في جانب الخاضع للرقابة وإعتبر هذا الأخير أنه مسؤول أصليا ويسأل متولي الرقابـة بإعتباره مسؤولا تبعيـا وأضاف بأنه يمكن للمضرور أن يرفع دعواه في مواجهـة أي منهمـا .
وهذه المسؤوليـة هي مسؤوليـة مفترضـة أي أن المشرع والقانون منحا وسائل لدفع ودرئها ودفعها عنـه .
المبحث الثالث إنتقال الولايـة لمن تولـى الحضانـة في حالـة الطلاق
يقول الإمام أبوزهرة أنه يثبت على الطفـل منذ ولادته ثلاث ولايات فأما الولايـة الأولـى فهي ولاية التربيـة ، فالدور الأول منها يكون للنساء وهو يسمى بالحضانة ، فالحضانة هي تربيـة الولد في المدة التي لايستغنى عن النساء ممن لها الحق في تربيته شرعـا .
ويعتبر إنتقال الولايـة لمن تولى الحضانة بعد الطلاق ، إسثتناءا آخر وثان على القاعدة العامة التي تقول بأنه مادام الأب على قيد الحياة ، فالولايـة تثبت لـه على أولاده القصر ، ولاتنتقل إلا بعد وفاته.
في حالـة الطلاق بأن تسند الحضانة لأخد الوالدين إذا ماتوافرت فيها الشروط الضروريـة التي تكرس مصلحـة المحضون أو الولد الصغير أو لغيرهما دون الإخلال بالترتيب المنصوص عليه قاننا بهذه الحضانة ولمن تثبت ؟
من خلال إستقراء هذه الفقرة نستنتج نقاط هامـة مفادهـا أنه لكي تنتقل هذه الولايـة إستناذا لهذه الفقرة فلا بد من توافر شروط أولهـا : وجود طلاق ، وثانيها : وجود حكم قضائي وأن هذا الحكم عندما يسند الحضانـة لطرف ما يحكم لـه بإنتقال الولايـة ثالثـا ،وسنتناول كل مسألـة من المسائل الثلاث في مطلب مستقل .
المطلب الأول : وجود حالـة طلاق :
الأصل أن العلاقـة الزوجيـة تتسم بالديمومـة والإستمراريـة لكن إذا ما إنقضت أسباب إستمرار هذه العلاقـة المقدسـة ، وأصبح فكهـا أحسن علاج نهائي لجأ الطرفان أو أحدهمـا إلى طلب الطلاق ، لذلك إرتأينا أن نتناول في فرع أول أنواع الطلاق ، ونتناول في فرع ثان أثاره .
الفرع الأول : أنواع الطلاق :
لقد نصت المادة 48 من قانون الأسرة المعدلـة بموجب الأمر 05-02 أن عقد الزواج يحل بالطلاق الذي يتم بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجيـن أو بطلب الزوجـة في حدود ماورد في المادتين 53 ، و54 من هذا القانون .
فالمادة 53 عددت الأسباب التي تجيز للزوجـة أن تطلب التطليـق من أجلهـا وهي كالأتـي :
1-عدم مراعاة المواد 78،79 و80 من هذا القانون .
2-العيوب التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج .
3-الهجر في المضجع فوق أربعة أشهر .
4-الحكم على الزوج من جريمة فيها مساس بشرف الأسرة ويستحيل معها مواصلة العشرة الزوجيـة .
5-الغيبـة بعد مرور سنـة بدون عذر ولانفقـة .
6-مخالفة الأحكام الواردة في المادة 8 .
7-إرتكاب فاحشـة مبينــة .
8-الشقاق المستمر بين الزوجيــن .
9- مخالفـة الشروط المتفق عليها في عقد الزواج .
10-كل ضرر معتبر شرعــا .
وأما المادة 54 المعدلـة بموجب الأمر 05-02 فإنها أجازت للزوجـة أن تخالع نفسهـا وذلك بمقابل مالي ودون موافقـة الزوج .
الفرع الثاني : آثار الطــلاق
إن هذه الأثار كثيرة ومتنوعـة وهي تتلخص في العدة والنفقة والحضانـة والسكن والتعويض عن الضرر والنزاع حول متاع البيت والمراجعة بعد الطلاق ، وعدم قبول حكم الطلاق بالعن بالإستئناف .
ولقد نظم قانون الأسرة هذه الأثار في الفصل الثاني المعنون بـ " أثار الطلاق " من الباب الثاني المتعلق بإنحلال الزواج ، فنتناول في نص المادة 58 العـدة ، وفي المادة 62 الحضانـة ، وفي المادة 79 النزاع في متاع البيت ، وفي المادة 74 تناول النفقـة .
وسنركز على الحضانـة بإعتبارها من أهم توابع فك الرابطة الزوجيـة والتي هي محل نقاش والتي سيأتي بيان مفهومها وشرحها في مكانها .
المطلب الثاني : وجود حكم قضائي يقضي بالطلاق وإسناذ الحضانـة لأحد الطرفيـن :
كما سبق ذكره ، فإنه بالرجوع إلى نص المادة 49 من قانون الأسرة المعدلـة بموجب الأمر 05-02 فإن الطلاق لايكون إلا بحكم ، وهذا الحكم يجب أن يتضمن إسناذ الحضانـة لأحد الطرفين إذا ماتوافرت فيه الشروط الضروريـة لممارسـة الحضانـة ومراعاة لمصلحة المحضون وبالمقابل فإن القاضي يحكم للطرف الآخر بحق الزيارة.
فما هي كيفيـة ممارسـة هذه الدعوى المتعلقـة بالطلاق وكيف يسنذ القاضـي الحضانـة لأحـد الأطراف ؟ للإجابـة على هذا التساؤل تكون في الفرعين الأتيين :
الفرع الأول : دعوى الطلاق وإجراءاتــه :
عندما يرغب أحد الزوجيـن إنهاء العلاقـة الزوجيـة التي تربطه بالطرف الآخر يباشر دعوى الطلاق هذه بتقديم طلب الطلاق أمام فرع الأحوال الشخصيـة .
البنذ الأول : دعـوى الطـلاق :
ودعوى الطلاق هذه قد تكون دعوى أصليـة ، يمكن أن تكون دعوى مقابلـة وتبعيـة يرفعهـا أحد الزوجيـن مقابل دعوى الزواج الآخر أمام نفس المحكمـة ، وذلك بموجب مذكرة خاصـة تبلغ للزوج الآخر ، ويتعين على القاضـي بعد ذلك أن يناقش عناصر الطلب الأصلي والطلب المقابـل كلا على حدة بإعتبار أن كل طلب يشكل دعوى مستقلـة موضوعـا ، إلا أنها مرتبطـة بالأخرى من حيث الإجراءات إلا أنه يجب أن يفصل القاضـي فيهما معا بحكم واحد .
البنذ الثاني: إجراءاتـه :
إستناذا إلى نص المادة 49 من قانون الأسرة فإن هذا الطلاق لايثبت إلا بحكم بعد عدة محاولات صلح يجريها القاضي دون أن تتجاوز مدة ثلاثة أشهر إبتداء من تاريخ رفع الدعوى .
ولأن الطلاق أبغض الحلال عند اللـه ، ولـه أثار مهمـة ونتائج خطيرة فإن المشرع الجزائري عملا بأحكام الشريعـة الإسلاميـة أوجب قيام القاضي بإجراءات أولها محاولـة الصلح بين الطرفين ، قبل النطق بالطلاق بمختلف أنواعـه إذا لم يقم بهذا الإجراء فإن الطلاق الواقع يكون من الناحيـة الإجرائيـة باطلا .
ومن خلال هذا النص نستنتج أن الطلاق لايكون إلا بحكم من القاضي طبعـا بعد إجراء محاولـة لإصلاح ذات البين .
وأنه إما أن يقدم كطلب أصلي أو كطلب تبعي تبعا لما سبق بيانه في الفرع الأول والذي يكون أمام المحكمـة المختصـة ( مسكن الزوجيـة ) إستناذا إلى نص المادة 8 من قانون الإجراءات المدنيـة .
كما أن هذا الحكم مثلما نصت عليـه المادة 57المعدلـة بموجب الأمر 05-02 أن الأحكام الصادرة في دعاوى الطلاق والتطليـق والخلع غير قابلـة للإستئناف فيما عدا في جوانبهـا الماديـة . والأحكام الصادرة في الحضانـة قابلـة للإستئناف .
الفرع الثاني :دعوى الحضانــة :
فهي إما تكون دعوى تبعيـة تثار تبعـا لدعوى الطلاق بطريقـة شفهيـة أو كتابيبـة أثناء إجراءات المرافعات ويكون الفصل فيها بموجب حكم واحـد مع دعوى الطلاق .
كما أنها قد تكون دعوى أصليـة وذلك بأن يرفعها الزوج أو الزوجـة لوحدها أمام الجهة القضائيـة المختصـة بذلك عملا بأحكام المادة 8 من قانون الإجراءات المدنيـة ، وغيرهمـا من الأشخاص المخولين قانونا بحق الحضانـة .
وهي تكون أصليـة عندما يصدر حكم يقضي بإسناذ هذه الحضانـة إلى أحد الأشخاص المخولين قانونا أو الوالدين فتسقط عنه هذه الحضانـة لأحد الأسباب المذكورة قانونا أو لوفاته أي الحاضن الأول .فعلى طالب الحضانـة أن يقدم عريضته محتويـة على كل الأسباب وتبريراته التي دفعته لطلب الحضانـة ودرجـة قرابته بالمحضون .
كما أن المادة 57 مكرر من الأمر 05-02 المعدل لقانون الأسرة أجازت لقاضي الأمور المستعجلـة الفصل في أمر الحضانـة كتدبير مؤقت على وجه الإستعجال بموجب أمر على ذيل عريضـة ، طالما كانت هناك دعوى متعلقـة بالطلاق أمام قاضي الموضوع .
وخشيـة إطالـة الفصل فيها يلجأ إليـه وذلك من أجل الحفاظ على مصلحـة المحضون ورعايته ، وخوفا من إلحاق الضرر بـه في ظل الخلافات القائمـة بشأن الطلاق( يخضع للسلطة التقديريـة لقاضـي الإستعجال )
وتجدر الإشارة بأن الأحكام المتعلقـة بالحضانة قابلـة للإستئناف عكس الأحكام الصادرة في دعاوى الطلاق والتطليق والخلع التي لاتقبل ذلك إلا في جوانبها الماديـة عملا بأحكام المادة 57 من الأمر 05-02.
المطلب الثالث : منح القاضي الولايـة :
وهنا ننتقل إلى الشخص الذي أسنذت لـه حضانة الأولاد وكماسبق وأن ذكرنا بأن الحضانة تكون بحكم قضائـي سواء أكان كطلب أصلي أو طلب فرعي مع دعوى الطلاق لكن مامعنى الحضانـة ؟ ومن هم الأشخاص الذين يخولهم القانون تولي حضانـة الأولاد القصر لمي تنتقل إليهم هذه الولايـة؟ .
القاضي يحكم بإنتقال الولايـة سواء من الأب ألى الأم أو إلى أحـد من تولـى الحضانـة ، فما هو معناها ؟وماهي شروطهـا ؟
الفرع الأول : مفهو م الحضانـة وشروطهــا :
إن من أهم آثار الطلاق هو الحضانـة فهي تعتبر حقا وواجبـا في نفس الوقت فهي حق للمحضون وواجب على الحاضـن ، رغم أن الفقهاء إختلفوا في إعتبارها أهي حق للحاضنة أم حق للصغير
البند الأول: مفهوم الحضانــة :
أولا : قانونــا : لقد عرفـت المادة 62 من ق . الأسرة بأن الحضانـة هي رعايـة الولد وتعليمـه والقيام بتربيته على دين أبيـه والسهر على حمايته وحفظـه صحـة وخلقـا .
ولقد نصت المادة 132 من الباب السادس المتعلق بالحضانـة من مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصيـة (( الحضانـة حفظ الولد ، وتربيته وتعليمـه ورعايته ، بما لايتعارض مع حق الولـي في الولايـة على النفس ))
كما أن القانون التونسي عرفها في الفصل 54 من الكتاب الخامس المتعلق بالحضانـة بأن الحضانـة هي حفظ الولد في مبيته والقيام بتربيته .
ويرى الأستاذ عبد العزيز سعد أن تعريف قانون الأسرة الجزائري للحضانـة بالرغم من إحتوائـه على أهداف الحضانة وأسبابها يعتبر أحسن تعريف لاسيما من حيث شموليـة الأفكار لم يشملها غيره ، فهو جمع كل مايتعلق بحاجيات الطفل البدنيـة والصحيـة والخلقيـة والتربويـة والماديـة .
ثانيـا :مدة إنتهاء الحضانـة :لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنـة النبويـة تحديدا للوقت الذي تنتهي فيـه الحضانـة ، غير أن المادة 65 من ق. الأسرة نصت على أنه تنقضي مدة الحضانـة بالنسبـة للذكر ببلوغـه 10سنـوات والأنثى ببلوغها سن الزواج ، وللقاضي أن يمدد الحضانـة إلى 16 سنـة إذا كانت الحاضنة لم تتزوج ثانيـة ، على أن يراعـي في الحكم بإنتهائهـا مصلحـة المحضون .
البند الثاني : الشروط الواجب توافرهـا فيمن تولـى الحضانــة :
والتي تضمنت المادة 62/2 على أنه يشترط في الحاضن أن يكون أهلا للقيام بذلك
من خلال هذه الفقرة نخلص إلى أن المشرع الجزائري لم ينص على الشروط الضروريـة التي يجب توافرهـا في الحاضن ، وإكتفى بذكر بعبارة آهلا للقيام بذلك .
فهو لم يفعل مثل نظيره التونسي والمغربي الذي ، نجده في مدونـة الأحوال الشخصيـة قد خصص لها بابا كامـلا ونص في الفصل 98 على وأنه يشترط لأهليـة الحضانـة : العقل ، البلوغ ، الإستقامـة ، والقدرة على تربيـة المحضون وصيانته صحـة وخلقا والسلامـة من كل مرض معد أو مانع من قيام الحاضن بالواجب .
وكذا القانون التونسي في مجلـة الأحوال الشخصيـة في كتاب كامل فخصص الكتاب الخامس منه للحضانـة ، وقد نص في الفصل 58 – شرطا في مستحق الحضانـة أن يكون مكلفـا أمينا قادرا على القيام بشؤون المحضون سالما من الأمراض المعديـة ويزاد إذا كان مستحق الحضانـة ذكرا أن يكون عنده من يخص من النساء ، وأن يكون محرمـا بالنسبـة للأنثى ، وإذا كان مستحق الحضانـة أنثى فيشترط أن تكون خالية من زوج دخل بهـا مالم ير الحاكم خلاف ذلك إعتبارا لمصلحـة المحضون أو إذا كان الزوج محرما للمحضون أو أوليا لـه أو يسكت من لـه الحضانـة مدة عام بعد علمه بالدخول ، ولم يطلب حقه فيها أو أنها كانت مرضعا للمحضون أو كانت وليـه عليه في آن واحـد .
وبما أن قانون الأسرة لم ينص على أحكام تتعلق بالقائم بهذه الحضانـة فإنه يتعين علينا الرجوع إلى أحكام الشريعـة الإسلاميـة بإعتبارها المصدر الأول لقانون الأسرة الجزائري وعملا بنص المادة 222 من قانون الأسرة التي تنص على أنه(( في كل مالم يرد النص عليـه في هذا القانون يرجع فيه إلى أحكام الشريعـة الإسلاميـة )) .
فلقد ذهب الفقهاء إلى إعتبار أن الأصل في الحضانـة تكون للنساء لتميزهن بالحنان والشفقـة والصبر على رعايـة الأطفال في حياتهم الأولى ، والأم أحق الناس بحضانة ولدهـا .
ولهذا فإن المالكيـة يقدمون الأم أو إمرأة، ويرون بأنه يجب أن تتوافر فيها شروط لإستحقاق الحضانـة :
أ – أن تكون حرة لأن المملوكة تشتغل بخدمـة سيدها ولايكون لها الوقت لتربية الطفل غير أن هذا الشرط غير قائم اليوم كون أن العبوديـة قد زالت في وقتنا هذا .
ب – أن تكون بالغـة أو بالغا ، لأن الصغير أو الصغيرة غير المميزة لايمكنها إعطاء الطفل مايحتاج من عطف وحنان ورعايـة .
ج – أن تكون عاقلـة لأن المجنونـة أو المعتوهـةيخشى منها على الصغير من سوء تصرفها.
د- أن تكون قادرة على تدبير مصالحـه والمحافظة عليه ، فإن كانت عاجزة عن ذلك لعمى أو مرض أو غيرها لاتكون آهلا للحضانـة .
هـ - ألا تكون مشغولـة بما يمنعها من القيام على تربيـة المحضون كأن تكثر خروجهـا ومهما كان السبب شريفا أو غير شريف كفجور أو زنـا لأن الأساس من هذا الحرص على الصغير من ضياع مصالحه وأخلاقـه ، والقيام بشؤونهة على أكمل وجه ،
ونفس الشيء إذا كان الحاضن رجـلا أو بقية النساء المخوليـن قانونا .
الفرع الثاني : الأشخاص المخوليـن قانونا لتولـي الحضانـة .
البند الأول : المخليـن قانونا لتوليهـا :
تنص المادة 64 المعدلـة بموجب الأمر 05-02 بأن الأم أولى بحضانـة ولدها ثم الأب ، ثم الجدة ثم الجدة لأب ، ثم الخالة ، ثم العمـة ، ثم الأقربون درجـة مع مراعاة مصلحـة المحضون في كل ذلك ، وعلى القاضي عندما يحكم بإسناذ الحضانـة أن يحكم بحق الزيارة )) .
غير أن هناك من يرى بأن هذا الترتيب ليس من النظام العام لأنه يجوز للقاضي ان يعتمد في حكمـه بإسناذ حق حضانة الطفل إلى الشخص الطالب للحضانـة وليس عملا بالترتيب المذكور آنفـا قط وإنما يجب عليه مراعاة مصلحـة المحضون عليـه .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن القاضي يستطيع أن يقوم بالتحقيق في أي شخص يصلح لذلك أو أن يكلف أشخاص مختصيـن في القيام بهذا التحقيق ، وهم ممثلى ومنتدبو النشاط الإجتماعـي في الوسط المفتوح فهم يقومون بالتحقيق في إطار الحضانـة وحق الكفالـة فيمن يصلح لحضانة الطفل فيما يخص مختلف الجوانب الماديـة والإجتماعيـة وخاصـة منها - دائما في إطار مراعاة حسن تربيـة المحضون أخلاقيـا ، ومراعاة مصلحته والجانب الأخلاقي - لطالب الحضانـة فقد تتوافر لدى أمور كل العوامل المساعدة على تنشئته أحسن نشأة وقد تكون عكس هذا بل تكون خطرا عليه وجوده لدى والده أفضل بكثير لـه .
وبناءا على ذلك التحقيق يحكم القاضي بإعطاء الحضانـة لغير طالبيها على أن يحكم بحق الزيارة للوالد الآخر ، وحق الزياة إعتبرها الفقـه لممارسـة الرقابـةعلى الولد القاصر .
البند الثاني : فقهـا : فيه من الفقهاء من يقول بأن الحضانـة هي حق للأم ثم لمحارمـه من النساء لأنه تثبت وجوبا عليه ، أولا لأن الطفل في الدور الأول من حياته يحتاج إلى رعايتها ثانيا لأن الآثار الصحيحـة قد وردت بأن النساء أحـق بالحضانـة فإنه يروى بأن إمرأة جاءت إلى النبي صلى اللـه عليه وسلم قالت :" يارسول اللـه هذا إبني كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثدي له سقاء وأباه طلقني وأراد أن ينزعه مني " فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :" أنت أحق به مالم تتزوجي " .
ويروى كذلك أن عمر بن الخطاب بأنه كان قد طلق إمرأته " جميلـة " وهي من الأنصار والتي أنجب منها ولده عاصمـا ، وعندما رآه في الطريق أخذه معـه إلا أن جدته من أمـه ذهبت وراءه وتنازعتا بشأنه فلجأ إلى أبي بكر الصديق فأعطاها إياه ، وقال لعمر بن الخطاب :" ريحها ومسها ومسحها وريقها خير له من الشهد عندك ." وهذا دليل آخر عن ثبوت الحضانة للأم والآقربيـن من الأم قبل الأب .
كما أن الفقهاء يؤكدون بأنه لاتثبت الحضانـة لإمرأة من النساء إلا إذا كانت محرمـة على المحضون ذكـر.
الفرع الثالث : أسباب سقوط الحضانـة ورجوعهـا :
البند الأول : أسباب سقوط الحضانـة :
لقد ذكر المشرع الجزائري أسباب توجب سقوط الحضانـة لما لها من أهميـة كبرى فقد نصت المادة 66 على أنه تسقط الحضانـة على المرأة إن كانت هي من تولت الحضانـة أو سقط حقها فيها بالتزوج بغير قريب محرم ، وبالتنازل مالم يضر بمصلحـة المحضون .
كما أن المادة 67 المعدلـة بموجب الأمر 05- 02 بينت أنها -أي الحضانـة -تسقط بإختلال أحد الشروط المنصوص عليها في المادة 62 وأن الفقرة الثانيـة فقد أضافت بأنه لايمكن لعمل المرأة أن بشكل سببا من أسباب سقوط الحق عنها في ممارسـة الحضانـة .
وزادت في التأكيد في فقرتها الثالثـة بأنه في كل الحالات يجب مراعاة مصلحـة المحضون .
فالمادة 62 ذكرت بأن الحضانـة هي أولا رعاية الولد ثم تعليمـه ثم القيام بتربيته على دين أبيـه ، ثم السهر على حمايتـه وحفظـه صحـة وخلقا فإذا إختل شرط من هذه الشروط سقطت الحضانـة وليس هذا هذا لأن الشخص الذي ثبت لـه الحق عن الحضانـة إذا لم يطلبها خلال مدة تزيد عن سنـة بدون أسباب أو أعذار قانونيـة تسقط حقه فيهـا .
وأضاف المشرع حالـة أخرى لسقوط الحضانـة عن الجدة أو الخالـة وهي عندما تسكن إحداهن بمحضونها مع أمـه أي أم الولد المحضون ، إذا ماكانت متزوجـة بغير قريب محرم .
وبخصوص هذه الحالـة فإن المشرع الجزائري لم يبين مراده من ذكر مثل هذا السبب ، وحصره بالذات في الجدة والخالـة وسكنه مع أم المحضون في حالـة زواجهـا مع غير قريب محرم .
البند الثاني : الحالات التي تعود فيها حق الحضانــة .
نصت المادة 71على أنه يعود الحق في الحضانـة إذا زال سبب سقوطـه غير الإختياري أي بمعنى أن يكون مجبرا على ذلك وليس بملء إرادته كأن يكون هناك سبب يمنعـه من ممارسـة حق الحضانـة كعدم القدرة على حسن تربيـة ورعاية الولد لعجزه عن العمل أو توفير المصاريف المعيشيـة الضروريـة لذلك ، فإذا مازال منها مثل هذا السبب زال بسبب سقوط هذا الحق في الحضانـة .
فإذا كان من أسباب سقوط الحضانـة زواج الأم من شخص غريب عن المحضون أو أجنبي عنه ، فإنه بمجرد زوال هذا السبب يعود لها هذا الحق والسبب يتمثل في حدوث طلاقها منه أو بوفاته عنها .. الخ
نستخلص من كل ماسبق أن المحكوم لـه بالحضانـة سواء أكان الأب أو الأم أو غيرهما
ومن إنتقلت إليه الولايـة بموجب حكم الحضانـة فإنه يسأل مسؤوليـة مدنيـة وذلك بتعويض كل ضرر سببه الولد المحضون لغيره وذلك طيلـة فترة وجوده لديـه وقبل سقوط الحضانـة لأي سبب .
كما أنه كذلك تجدر الإشارة إليه إلى أن الأمر هو نفسـه بالنسبـة للشخص المحكوم له بحق الزيارة وأخذ المحضون معـه مثلاإلى أماكن غير مكان مقر ممارسة الحضانـة ، وإرتكب هذا الأخير أوأحدث ضررا بالغير فإن المسؤوليـة تقع عليـه وذلك نتيجـة لإستعمالـة لحقـه في الزيارة وليس بالضرورة الشخص الذي تولى الحضانة بموجب الحكم القضائي.
وهذه النقطـة التي كانت قد حلت المشكل الذي كان عالقا كون أن الأب يبقى دائمـا مسؤولا عن أفعال أولاده القصر رغم طلاقـه من والدته وعدم سكنـه مع الوالد أو السكن العائلي بمفهوم المادة 135 من ق. م- قبل إلغائهـا -، لأن الفقهاء إعتباروا كما ذكرنا أن حق الزياة أو منحـه للأب يكون من أجل ممارسـة الرقابـة عليـه ، وحرصا على رعايته وتربيته وبناءا عليـه يسأل مسؤوليـة متولـي الرقابـة ، ولاسيما قبل تعديل هذه المادة ويضيف لها المشرع هذه الفقرة الأخيرة لتؤكد على إنتقال الولاية لمن تولى الحضانـة ، ومع إنتقال الولايـة ينتقل واجب الرقابـة ، وتبعا لذلك تنتقل المسؤوليـة بقيامها كلما أضرالولد القاصر بالغيــر .
كان صدور القانون المدني الجزائري بعد فترة مخاص طويلـة ، إلا أن رأى النور بتاريخ 29/09/1975 ، ولاشك أن صدوره كان في مراحل هامـة من تاريخ الجزائر التشريعي ، وكان يدخل في إطار جزأرة القوانين الفرنسيـة التي ظلت تحكم في علاقات الأفراد حتى بعد الإستقلال.
ولاشك أنه وككل محاولـة أولى تصدر في ظل نقص الخبرة والتسرع ، فقد يشــــوب المحاولـة الكثير من التزيد ونقص في الصياغـة التشريعيـة وتناقضا في الأحكام ناهيـك عــن
الأخطاء الشكلية والموضوعيـة الكثير ة ، ناهيك عن التناقض بين النصين العربي والفرنسي لكثيرمن الأحكام ، وإضافة إلى العاملين المذكورين هناك عامل هام ساهم في هذا الإضـــــظراب التشريعيـي ألا وهو النقل العشوائي عن القانونين المدني الفرنسي والمصري رغم أن هذا الأخير له خصوصيته نظرا لتميزه عن باقي القوانين المدنية العربية في حسن الصياغــــــة وطول التجربـة وكفاءة اللجان المكلفـة بذلك .
وإذا كانت المسؤولية المدنية قد خصها المشرع أحكاما خاصـة سماها ) العمل المستحق للتعويض ) فإن وللأسباب المذكورة فقد عابه كثير من النقاد والشــــــرح على ماوقع فيه من ثغرات وأحكام متناقضـة من شأنها أن تخلق إضظرابا في فهم النصوص المذكورة .
ومن بين النصوص التي كانت محل مراء وجدل فقهي النصوص المتعلقـة بمسؤوليـــة متولي الرقابـة والتي نظمها المشرع الجزائري في المادتين 134و135 من قانوننا المدني.
وللعلة التي ذكرنناها ( وهي النقل العشوائي والغير مدروس للنصوص ) نجد في هـــذا المجال أن المشرع الجزائري قد نقل أحكام المادة 134 من نظيره المصري ( وهي تقرير المبــدأ العام لمسؤوليـة متولي الرقابة) وقام من جهة ثانية بنقل أحكام المادة 135 من القانــــــون المدني الفرنسي ( مع العلم أن هذا الأخير لاتوجد لديـه قاعدة عامـة مثلما ماهو مقرر لدينا وفقا لأحكام المادة 134 المذكورة )
فنلحظ بداءة التزيد الذيي طبع عملية إقرار مسؤولية متولي الرقابة ،وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد إذ نجد أن المادة 135 والقاضية بمسؤولية الأب ومن بعد وفاته الأم مسؤول عن الأضرار التي يسببهــــــا أولادهمـــا القاصــرون الساكنــون معهمــا ، ومن حيث لايدري المشرع فقد عرفت هذه المادة – وقد كان في غنى عن إقرارها كون أن المادة 134 كافية بإعتبارها مقررة للمبدأ العـام – تطبيقات متنافرة وأراء متجادلــة في حالة غياب الأب لأي سبب مـــن الأسباب أو في حالـة الطلاق .
فهل يظل الأب الغائب عن منزلـه لسبب من الأسباب كالعمل في الخارج ، أو مكوثـــه بالمستشفى لغرض العلاج ، أو نواجده في السجن مسؤولا عن تصرفات إبنه القاصر مادام على قيد الحياة ؟ أليس من المغالاة في الحكم والتشدد غير المبرر أن نعتبره كذلك حتى في حالة طلاقـــه متذرعين بأن حق الزيارة الذي خوله لـه إياه المشرع كاف لممارسـة واجب الرقابة علــــى أكمل وجــه ؟
هذه الأسئلـة كثيرا ماتردد بشأنها شرح القانون المدني الجزائري ، وفي عدم وضـــوح
وإستحالـة تطبيقه لإعتبارات عمليـة كتلك التي ذكرناها ، فإن هؤلاء الشراح قد إنقسموا بشأن هذه الحالـة إلى فريقيــن :
فالفريق الأول يقول بأن الأب طالما بقي على قيد الحياة فهو مسؤول عن تصرفـات أولاده القصر طبقا لما تمليـه السلطة الأبويـة ، وأن تقرير حق الزيارة له كاف لقيام واجب الرقابـــة عليـه .
والفريق الثاني يذهب إلى القول بإعتبار أن الرقابـة الفعليـة التي يشترطها القانون غيــرمتوافرة في حالـة الطلاق ، فتنتقل الرقابـة إلى الأم ليس بصفتهعا وليـة ، وإنما لصفتها متوليـة للرقابـة طبقا للمادة 134 على إعتبار أن تقرير دون ذلك يجافي العقل والمنطق .
لم يكن بالوسع إيجاد مخرج قانوني لهذا الإشكال الحاسم الذي يطرح بشدة سيما وأمام إرتفاع ظاهرة الطــلاق ، وكذا ظاهرة تنحـي الأب في كثير من الأحيان لسبب أو آخر على مسؤولياته إتجاه أسرته ، وكذا تعذر الضحيـة والقضاء في كثير من الأحيان تحديد المسؤول المدني بدقة.
لذلك جاء تعديل المادة 87 من قانون الأسرة بموجب القانون 05-02 وهذا من باب التخصص لكل قانون على حدة ) على إعتبار مسائل الأهليـة يختص قانون الأسرة بوضع معالمها وضوابظهــا)
وقد جاء التعديل المذكور بإقرار القاعدة السالفة من أن الأب ولي من بعد وفاته تحل الأم محلـه وأورد إسثتناء بحلول الأم محلـه في الأمور الإستعجالية حال غيابه ، ولتحدث بعد ذلك عزة عنيفـة في قواعد الولاية في القانون الجزائري – وإن كانت ستحل المشكلـة في إعتقادي – إذا قررت بأن للقاضي أن يمنح الولاية لمن إسنذت إليه الحضانة .
وفي سبيل إحداث نوع من الإنسجام في المنظومـة القانونية ككل الموصوفة بعدم الإنسجام والتقاعس في تدارك الأخطاء جاء تعديل القانون المدني بموجب القانون 05-10 أيـــن أقدم المشرع على إلغاء المادة 135( والتي تعرضت للنقد على إعتبار أنها على سبيـــــــل المثال وكذلك أن القاعدة العامـة موجودة لدينا ) وأدرجت في الفقرة الثانية من المادة 135- قبل إلأغائها – ( الخاصـة في وسائل نفي المسؤوليـة ) إلى المادة 134( المقررة للمبدأ العام ) فيكون بذلك المشرع الجزائري قد أنار الطريق لحل بعض الإشكالات التي ظلت عالقـة ونعتقد أن صدور كلا التعديليـه جاءا في وقتهما وتماشا مع رغبـة المشرع في إيجاد مخرج عامل وفعال للمشكلـة المذكورة .
ومن هنا تكمن أهمية الموضوع ، فالنقاش حول مسؤوليـة متولي الرقابـة ظل ومازال منحصرا في هذه النقطـة وهي حالـة الطلاق والغياب ، وسنتناول الموضوع بالتحليل نخـــص الفصل الأول بتحليل مسؤوليـة متولي الرقابـة طبقا لقواعد القانون المدني مع ذكر المــادة 135 على إعتبار معرفة الخطأ الذي إرتكبـه المشرع الجزائري لحظة صياغتهـا ، وكذا بإعتبار كثيـرا منت القضايا مازال يخضع لحكمها ، ثم نتناول في الفصل الثاني مسؤوليـة متولي الرقابـــــة
من خلال نص المادة 87 من قانون الأسرة .
الخاتمـــــــــة
لقد رأينا من خلال هذا البحث أن التعديلات الأخيرة التي أقدم عليها المشرع الجزائري مؤخرا من شأنها أن تزيل اللبس والغموض الذي إعترى مجال مسؤوليـة متولي الرقابـة التي لم تكن تطرح إشكالا في حالـة قيام الرابطـة الزوجيـة ، بل كانت الإشكالات تطرح في حالـة هجر الأب أو إبتعداه المادي لظرف من الظروف عن مقر سكناه أو في حالـة الطلاق ، إذا كان الرأي السائد والمتمسك بحرفيـة النص – على إعبتار أن إنتقال الولايـة إلى الأم لايتم إلا في حالـة الوفاة – لأن الأب رغم عدم قيامـه بالرقابـة الفعليـة فيتحمل كافـة الأضرار التي يرتبها أولاده القصر لكن التعديـل كرس مسألـة تجاري المنطق والصواب ، وأما ماتقتضيـه قواعد العدالـة فقد أعطى للأم في حالـة غياب الأب القيام ببعض الأمور المستعجلـة التي تخضع لتقدير القاضي شأنه في ذلك شأن الإستعجال في ذاته ، بينما منح – وهو المهم – الولايـة لمن أسنذت لـه الحضانـة وهو تطور في منظور المشرع الجزائري ، من شأنه أن يحل العديد من الإشكالات العمليـة التي ظلت عالقـة ليس فقط من باب المسؤوليـة بل حتى تسهيل الأمر بالنسبـة لمن تولـى الحضانـة للقيام بمهامـه على أكمل وجه ونظرا لحداثـة النص وعدم وجود إجتهاد قضائـي أو بحث فقهي سلط عليـه ، فقد قمت بتواضع بمحاولـة تأصيـل هذه المسألـة وإنتهيت إلى القول بأن نص المادة 87 المعدلـة لم تكن فقدط في سبيل تخصص القوانين ، ولكن في سبيل وضع إطار عام لمسؤوليـة متولي الرقابـة وتحديد نطاه عبر كامل المراحـل ( في الحياة العاديـة ، عند الغياب ، عند الطلاق إن ماقمت بـه من جهد المقلـة في سبيل بيان ذلك ، وأعتقد جازمـة أن الباب مازال مفتوحـا لمزيد من النظرات الإستشرافيـة حول هذا الموضوع والتي من شأنها أن تزيده ثراءا .
فقانوننا المدني وفقهنا الجزائري الصرف في مجال تأصيـل نظريته العامـة خطا خطوات عملاقـة في سبيل إثبات وجود ، ونأمل أن تكون هذه المذكرة في هذا المنحى .
تعتبر مسؤوليـة متولي الرقابـة عن أفعال غيره مسؤوليـة إستثنائية لأن الأصل أن الشخص يسأل عن إتيان أفعال ضارة بالغير ولايسأل على أفعال غيره ، وبالتالي يتحمل تعويض الأضرار التي تسبب فيها الخاضع لرقابة الغير .
المراجــــــــــــع
الكتب القانونيــة :
أ- باللغــة العربيــة
1- الدكتور عبد الرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الأول ، نظريـة الإلتزام بوجه عام ، مصادر الإلتزام ، دار إحياء الثرات العربي بيروت ، لبنان 1964.
2- الدكتور محمد حسنين : الوجيز في نظريـة الإلتزام – مصادر الإلتزام وأحكامها في القانون المدني الجزائري – المؤسسـة الوطنيـة للكتاب الجزائر 1983.
3- الدكتور محمود حلال حمزة : العمل غير المشروع بإعتباره مصدر للإلتزام والقواعد العامـة والقواعدة الخاصـة – دراسـة مقارنـة بين القانون المدني السوري والقانون المدني الجزائري والقانون المدني الفرنسي ، ديوان المطبوعات الجامعيـة الجزائر 1986.
4- الدكتور بلحاج العربي : النظريـة العامـة للإلتزام في القانون المدني الجزائري ، الجزء الثاني – الواقعة القانونيـة - ديوان المطبوعات الجامعيـة الجزائر 1999.
5- الدكتور محمد صبري السعـدي: شرح القانون المدني الجزائري ،- مصادر الإلتزام – الواقعـة القانونيـة ( العمل غير المشروع ، شبـه العقود والقانون ) الجزء الثاني، الديوان الوطني للأشغال التربويـة الجزائر ، الطبعـة الثانيـة 2004.
6- الدكتور علي فيلالـي : الإلتزامات – العمل المستحق للتعويض – موفم للنشر 2002.
7- الدكتور علي علي سليمان : دراسات في المسؤوليـة المدنيـة ، ديوان المطبوعات الجامعيـة الجزائر 1989.
8- عمر عبد العزيز سعد : الزواج والطلاق في قانون الأسرة الجزائري ، دار الهدى الجزائر ـ طبعـة ثانيـة 1989.
9- الإمام أبو زهرة : الأحوال الشخصيــة ، دار الفكر العربي لبنان ، الطبعـة الثانيـة 1950.
10- الشيخ حسن خالد وعدنان نجا : أحكام الأحوال الشخصيـة في الشريعـة الإسلاميـة ، دار الفكر العربي بيروت ،الطبعـة الأولى 1964.
11- الدكتور أحمد الغندور : الأحوال الشخصيـة في التشريع الإسلامي ، دار النفاش بيروت لبنان 1981.
12- الدكتور : بدران أبو العينين : الزواج والطلاق في الإسلام ، منشأة المعارف الإسكندريـة 1985.
13- الدكتور : مروك نصر الدين ، قانون الأسرة بين النظريـة والتطبيق ، دار الهلال للخدمات الإعلاميـة الجزائر 2004.
14- الدكتور كمال حمدي : الولايـة على المال ، منشأة المعارف بالإسكندريـة ، 2003.
15- الدكتور: الغوثي بن ملحـة ، قانون الأسرة على ضوء الفقه والقضاء ، ديوان المطبوعات الجامعيـة الجزائر ، الطبعـة الأولى 2000.
16- الدكتور : بلحاج العربي : الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري ، الجزء الأول الزواج والطلاق ديوان المطبوعات الجامعيــة .
ب -باللغـة الفرنسيــة :
1-Nour Eddine TERKI :Les obligationsrésponsabilité ivile et régime générale , OPU ALGER , 1982.
2- Antoine VIALARD : Droit civil algérien , la résponsabilité civile délictuelle , OPU , ALGER , 2 èm édit , 1986.
3- EL GAOUTI Ben Melha : Le droit Algérien de la famille, OPU ALGER .
المقالات :
1- Ali FILALI : la résposabilité de la mère divorcée du fait fr ses enfants mineur , in RASJEP , année 1996 N.4.
2- Louisa HANIFI : La résponsabilité civile des père et mère du fait de leur enfants mineurs , in RASJEP , année 1994 , N.3
الصفحة 2 من 2 | < | 1 | 2 | > |