مـقدمة :
لعل الحديث عن العقود العرفية كما الحديث عن الأوراق العرفية يكتسب أهمية كبيرة في الحياة اليومية لكل شخص نقصد بها الحياة القانونية أي مدى قدرة هاته الأوراق في عملية الإثبات وهي بالطبع لا ترقى الى مستوى الأوراق الرسمية والعقود الرسمية ذلك انها لا توقع من طرف ضابط عمومي بل تكتفي بتوقيع إطرافها عليها وفي هذا البحث سوف نتطرق الى دراسة شاملة لهذا الموضوع .
المبحث الاول: العقود العرفية وشروط صحتها
المطلب الاول : العقود العرفية
ان العقود او الأوراق العرفية هي التي لا تحرر من طرف ضابط عمومي او موظف عام , وان المشرع لا يتطلب توافر أي شرط شكلي في تحريرها , والشرط الوحيد لصحتها ان تكون موقعة من أطراف العقد وان يكون لها تاريخ ثابت حتى يمكن الاحتجاج بها بالنسبة للغير ومن ثمة نميز بين حجية العقد العرفي بين أطرافه , وحجية العقد بالنسبة للغير .
فبالنسبة لأطراف العقد يعتبر العقد صحيحا و يكون حجة عليهم ما لم ينكروه صراحة أي ينكروا ما هو منسوب إليهم من خط و إمضاء وان مجرد سكوتهم يعد إقرار بصحة العقد او الورقة العرفية , غير ان الإقرار الصريح او الضمني للعقد , لا يؤثر , بأي حال في أوجه الدفوع الشكلية او الموضوعية التي يكون لمن اقر بالورقة العرفية ان يتمسك بها , مثل بطلان العقد لعدم إتباع الرسمية او الشكلية التي تعد ركنا رابعا من أركان العقد المتعلق بنقل الحقوق العينية العقارية , في العديد من التشريعات الدولية . وهو ما نصت عليه المادة 327 من القانون المدني التي تعتبر العقد العرفي صادرا ممن وقعه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط وإمضاء .
غير ان هذه المادة استثنت ورثة وخلف موقع العقد من الإنكار الصريح , واكتفت بأن يحلفوا يمينا بأنهم لا يعلمون ان الخط او الإمضاء هو لمن يلقوا منه الحق .
أما بالنسبة للغير , فلا يكون للعقد العرفي حجية إلا إذا كان له تاريخا ثابتا ,وهو ما نصت عليه المادة 328 من القانون المدني التي تقضي بأنه لا يكون العقد العرفي حجة على الغير في تاريخه إلا منذ ان يكون له تاريخ ثابت و يكون تاريخ العقد ثابتا ابتداء من يوم تسجيله , او ثبوت مضمونه في عقد آخر حرره موظف عام , او التأشير عليه على يد ضابط عام مختص , او من يوم وفاة احد الذين لهم على العقد خط و إمضاء او إمضاء .
والأصل في الورقة العرفية في ان تكون حجة قبل الكافة ,فيما عدا التاريخ , فلا تكون له حجية بالنسبة للغير إلا ان يكون ثابتا .
و قد قصد من هذا الاستثناء إلى حماية الغير من خطر تقديم التاريخ في العقود العرفية , و يترتب على ذلك ,
على أن المادة 328 من القانون المدني إلا تطبق في هذه الحالات :
1- إذا كان الغير قد كفلت له الحماية بمقتضى نصوص خاصة و كالنصوص المتعلقة بالتسجيل و الشهر .
2- إذا كان من يحتج عليه بالتاريخ قد اعترف بصحته صراحة او ضمنا , أو تنازل عن التمسك بعدم مطابقته مع الواقع .
3- لا تطبق أيضا على من يكون شخصه او بنائبه طرفا في العقد العرفي , لأنه لا يعتبر من الغير , و لا يطبق على من يخلفه عن طريق الميراث او الوصية , ولا على الدائنين عند مباشرتهم لدعاوى مدينهم , الدعوى غير المباشرة , إذ ليس لهولاء من الحقوق أكثر مما لهذا المدين .
وتجدر الإشارة إلى ان تاريخ العقد العرفي او الورقة العرفية يعتبر حجة فيما بين المتعاقدين حتى يثبت العكس ,شأنه من هذا الوجه شأن سائر ما يدون في هذا العقد من بيانات ,و يتعين على من يريد تحصيل الدليل العكسي ,في هذه الحالة , ان يلتزم بأحكام القواعد العامة في ذلك , ومؤدى هذا وجوب تقديم الدليل الكتابي , إذ لا يجوز نقض او إبطال الثابت كتابة إلا بالكتابة .
هذا بالنسبة للإثبات بصفه عامة في جميع المواد , أما في العقارات الخاصة والعامة و طرق استغلالها من قبل الأفراد او الجماعات , وثانيا التمييز بين بعض أنواع العقود العرفية في الجزائر , و تاريخ تحريرها , للقول بعد ذلك فيما إذا كانت صحيحة و ناقلة للحقوق العينية العقارية ام هي باطلة , ولا تصلح إلا كأساس للالتزامات الشخصية . وبدون هذا التمييز يصعب تطبيق القانون تطبيقا سليما على مثل هذه العقود , والمنازعات المتعلقة بها , وذلك بالنظر إلى تغير القوانين المنظمة للعقار في كل مرحلة , و لكل نوع من أنواع العقارات ,وقوة الإثبات التي خصت بها العقود العرفية .
وعليه فان القاضي مثلما هو مطالب بتكيف الوقائع قبل ان يطبق عليها القانون فهو مطالب أيضا بتكييف و ترتيب العقود العرفية و فقا للقوة الثبوتية المعطاة لها من طرف المشرع , حسب نوع العقار او الحق العيني العقاري الذي تتضمنه هذه العقود , وحسب تاريخها الثابت , وعلى هذا الأساس ينبغي بيان تحديد أنواع العقارات التي تقبل الإثبات بالعقود العرفية , وأنواع هذه العقود العرفية .
المطلب الثاني : العقارات التي تقبل الإثبات بالعقود العرفية
لبيان ما هي العقارات التي تقبل الإثبات بالعقود العرفية ينبغي تقسيمها إلى نوعين من العقارات او الحقوق العينية العقارية .
أولا : نوع العقارات التي تقبل الإثبات بالعقود العرفية
هي العقارات التي يملكها الأشخاص او الخواص بصفة فردية او جماعية , من نوع الملك او ما كان يسمى بالعقارات الإسلامية أثناء الاحتلال الفرنسي , أي العقارات التي يملكها الجزائريون بدون عقود رسمية , ولم يمتلكها المعمرون الأوروبيون من قبل , و والتي كانت تخضع لاحكام الشريعة الإسلامية والقواعد العرفية .
ثانيا : نوع العقارات التي تقبل الإثبات إلا بالعقود الرسمية
و هي :
1- العقارات المفرنسة :
التي لم تم اكتسابها بموجب عقود رسمية , سواء كانت إدارية او توثيقية , أو بموجب أحكام و قرارات قضائية مشهرة , وكذلك العقارات التي يملكها الأوروبيون في الجزائر , حتى لو انتقلت ملكيتها فيما بعد إلى الجزائريين لان التصرف فيما يتم حتما بعقود رسمية أو بقرارات قضائية .
كما ان المعمرين الفرنسيين و الاوروبين بصفة عامة , استولوا على الارض بموجب قرارات إدارية او عقود رسمية مشهرة في مصلحة الرهون العقارية حيث تنص المادة الأولى من قانون 23/11/1844 .
على ان المسلمين المقيمين بالجزائر يخضعون لقوانينهم و أعرافهم فيما يتعلق بالأحوال الشخصية والمواريث و الأملاك العقارية التي لم تحدد
فيها الملكية حسب القوانين الفرنسية الخاصة بالنظام العقاري , او بموجب سند اداري فرنسي او توثيقي او قضائي .
و عليه ينبغي إتباع الرسمية في التصرفات الخاصة بمثل هذه العقارات , سواء كانت أراضي فلاحيه , او بنايات , مع الملاحظة ان اغلب هذا النوع من العقارات انتقلت ملكيتها للدولة بعد رحيل المعمرين في 1962 , والدولة لا تتصرف في العقارات إلا بقرارات و عقود رسمية .
2- العقارات التي تم مسحها :
فهذه العقارات الممسوحة لا يمكن ان تنتقل فيها الحقوق العينية العقارية , إلا بموجب عقود رسمية او قرارات قضائية مشهرة , وذلك عملا بالمادتين 15 و 16 من الأمر رقم 75-74 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري و حيث تنص المادة 16 منه على " ان العقود الإدارية و الاتفاقات التي ترمي إلى إنشاء او نقل او تصريح او تعديل او انقضاء حق عيني , لا يكون لها اثر حتى بين الأطراف إلا من تاريخ نشرها في مجموعة البطاقات العقارية " .
وتجدر الإشارة إلى ان المشرع في هذه المادة أغفل ذكر كلمة " عقاري "
وهو المقصود فيها , لان الحقوق العينية غير العقارية أي المنقولة لا تخضع للمنع في التصرف فيها عرفيا . ومن ثم تعين القول: حق عيني عقاري تفاديا لكل لبس . وهكذا لا يجوز التصرف في الحقوق العينية العقارية .
3- العقارات التي لا يمكن التصرف فيها أصلا , لا بعقود رسمية ولا عرفية :
, وهي العقارات التابعة للأملاك الوطن3ية بأنه " لا يمكن ان تكون الأملاك الوطنية العمومية , حيث تنص المادة 12/2 من القانون المتضمن الأملاك الوطنية بأنه " لا يمكن ان تكون الأملاك الوطنية العمومية موضوع تمليك خاص أو موضوع حقوق تمليكه " . و ان هذه الأملاك العمومية تضمنتها المادة 17 من الدستور و كذلك المادة 4 من نفس القانون .
كما انه لا يجوز التصرف في اصل الملكية الموقوفة على وجه التأبيد و التصدق بالمنفعة على الفقراء او على وجه البر و الخير , وهو نوعان :
الوقف العام , ما حبس على جبهات خيرية من وقف أنشأه . و الوقف الخاص وهو ما يحبسه الواقف على عقبه من الذكور و الإناث او على أشخاص معينين ثم يؤول إلى الجبهة التي يعينها الواقف بعد انقطاع الموقوف عليهم .
و تقضي المادة 23 من قانون 92-10 بأنه يجوز التصرف في أصل الملك الوقفي المنتفع به , بأية صفة من الصفات التصرف سواء بالبيع او الهبة او التنازل او غيرها .
وعليه فليس للموقوف عليهم الخواص إلا حق الانتفاع , والتصرف في هذا الحق حسب ما يسمح به القانون , دون المساس بأصل الملكية العقارية .
المبحث الثاني : أنواع العقود العرفية و آثارها
المطلب الاول : أنواع العقود العرفية
يمكن التمييز بين أنواع العقود العرفية و آثارها على النحو التالي :
أولا :
العقود العرفية المشهرة وفقا لمرسوم 11/03/1936 فهذا المرسوم كان يقضي بتطبيق مقتضيات المرسوم الصادرفي30/10/1930بالجزائر . و المتعلق بتعديل نظام تسجيل الرهون العقارية .
هناك أيضا العقود العرفية النصبة حول العقارات غير المفرنسة في بعض الجهات من الجزائر و لاسيما في منطقة القبائل و التي أخضعها مرسوم 9/02/1947 إلى إلزامية شهرها في مصلحة الرهون العقارية و بالتالي يكون لهذه العقود العرفية حجية و قوة إثبات تقترب من العقود الرسمية نظرا لإشهارها.
ثانيا :
العقود العرفية المحررة و الثابتة التاريخ قبل صدور قانون التوثيق في 15/12/1970 . هذه العقود العرفية صحيحة و ناقلة للحقوق العينية العقارية فيما يتعلق بنوع الملك وهي أيضا جاهزة بالنسبة للحقوق العينية التبعية مثل حق الانتفاع.
ثالثا :
العقود العرفية المحررة بعد 15/12/1970ليس لها أي اثر بالنسبة لنقل الحقوق العينية العقارية و لايترتب عنها إلا حقوق شخصية لأطرافها و بالتالي تعتبر باطلة بطلانا مطلقا فيما يتعلق بالحقوق العينية العقارية و يجوز لكل ذي مصلحة ان يطلب إبطالها , كما يجوز للقاضي إثارتها تلقائيا , تطبيقا للمادة 324 مكرر 1 من القانون المدني و نصوص أخرى في قوانين مختلفة تقضي بالبطلان المطلق , ولا حاجة لتكرار ذكرها .
المطلب الثاني : الآثار التي ترتبها العقود العرفية الباطلة
ان العقود الباطلة تترتب آثار و التزامات شخصية , مثل التعويض عن الأضرار الناشئة عن بطلان العقد و إرجاع ثمن المبيع مقابل إخلاء العقار محل البيع , إذا كان ممكنا و ذلك لان هناك حالات يستحيل فيها إعادة الطرفين إلى الحالة التي كان عليها قبل البيع بسبب تأميم العقار او نزع ملكيته من اجل المنفعة العامة او حلول البلدية محل أطراف العقد في حق الملكية العقارية و إدماجها في ممتلكات البلدية قصد إعادة بيعها .
و هكذا فان العقد العرفي الباطل بطلانا مطلقا يرتب عدة آثار شخصية تصل في بعض الحالات إلى اكتساب حقوق عينية عقارية , و على القاضي ان يميز بين هذه الآثار و الحقوق الشخصية , وبين نقل العقد في حد ذاته للحقوق العينية العقارية .
فالأحكام التي تقضي بصحة البيع العرفي الصادر بعد 1970 هي أحكام مخالفة للقانون و معرضة للنقض , وان الأحكام التي تقضي بصحة الاتفاق الوارد في العقد العرفي المنصب حول عقار , وصرف الطرفين إلى إتمام الإجراءات الشكلية و الكتابة الرسمية أمام الموثق هي أيضا أحكام مخالفة للقانون و يستحيل تنفيذها عمليا , لان أطراف العقود العرفية يدفعون ثمن البيع وقت تحرير العقد العرفي أي دفع في تاريخ سابق للحكم او القرار وبالتالي لا يمكن دفعه بين يدي الموثق حسب ما يقتضيه القانون وان الموثق ملزم باحترام النصوص القانونية وتحرير العقود وفقا للشكليات و الإجراءات التي أوجبها المشرع ومن بين هذه الإجراءات التسجيل والإشهار و استلام ثمن المبيع و إيداعه بالحساب الخاص بالودائع في الخزينة العامة أو البنك وان القيام بهذه الإجراءات الإلزامية لا تسمح له بإعطاء تاريخ سابق للعقد لان له آجال محددة لإيداع العقد بمصلحة التسجيل و المحافظة العقارية لإشهاره .ومن ثمة لا يتصور و لا يمكن ان تتوفر مثل هذه الشروط لإفراغ العقد العرفي بموجب حكم في عقد رسمي .
وفضلا عن ذلك فان البائع يمكنه أن يرفض اتمام اجراءات الكتابة الرسمية ولا يوجد نص قانوني يلزم المتعاقد عرفيا باتماتم إجراءات الكتابة
وهناك حالات يكون البائع بعقد عرفي المحكوم اتمام إجراءات الكتابة أمام الموثق
الخاتمة
لكل ما تقدم من ذلك نرى أن مثل هذه الأحكام والقرارات القضائية معرضة للنقض بسبب مخالفة القانون منم جهة ومن جهة ثانية فإنها تتسبب في اشكالاتت عديدة يصعب حلها لتعارض هذه الأحكام القضائية في دعاوى غير مشهرة هي الخرى بالمحافظة العاقارية حسب ما يوجبه القانون .