الواجبات المقررة في الدستور الجزائري الواجبات في ظل التعديل الدستوري 2016
واجبات الفرد اتجاه الدولة ككيان
واجبات الفرد في مواجهة الغير
بالرجوع إلى التعديل الدستوري، نجد أن المؤسس الدستوري تناول الواجبات في الفصل الخامس من الباب الأول المعنون بالمبادئ العامة لم يتناول مواد جديدة فيما يخص الواجبات و إنما ابقي على البعض كما هي و أضاف للبعض الأخر.
أولا : واجبات الفرد اتجاه الدولة ككيان
القانون ليس ضرورة اجتماعية فقط ،بل ضرورة سياسية ،ذلك أن الدولة كظاهرة سياسية حتى يسود الأمن بين أفرادها وحتى تمارس سلطتها و حتى تنظم العلاقة بين الحاكم و المحكوم وجب أن تسن من القوانين ما يحكم جميع أشكال هذه العلاقات و غيرها .
ومن الواجبات الدستورية في هذا الصدد :
واجب عدم جواز الاعتذار بجهل القانون :
يعتبر مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون : من أهم المبادئ المكرسة دستوريا كفلها المؤسس الدستوري الجزائري في كافة الدساتير وهذا ما أكدته مثلا المادة 74 :״لا يعذر بجهل القانون .يجب على كلّ شخص أن يحترم الدّستور وقوانين الجمهوريّة״.
وهي نفس المادة 60 من دستور 1996 وفقا لهذا المبدأ إذا ظهرت قاعدة قانونية للوجود مستمدة رسمتها من المصادر القانون فإنها تسري في حق المخاطبين بها ،المشمولين بأحكامها ،سواء علموا بها أو لم يعلموا فلا يجوز الاحتجاج بعدم العلم بالقانون و لأن فتح هذا المجال يعني ببساطة تطبيق القانون على فئة دون أخرى و هو ما يخل بمبدأ المساواة الأفراد أمام القانون وبناء على ذلك فإن توقف تطبيق القاعدة القانونية على مسألة العلم من شأنه أن يفتح أبوابا كثيرة للأفراد ويمكنهم بسهولة و يسر الإفلات و الخضوع لحكم القانون تحت قناع و مبرر الجهل بالقاعدة القانونية و بذلك تعم الفوضى و يعرف المجتمع عدم الاستقرار ويفقد القانون نتيجة ذلك أحد أهم وظائفه و أهدافه و حفظ النظام العام و بعث الاستقرار الاجتماعي.
إلا أنه لا يمكن تطبيق المبدأ بصفة مطلقة دون أن ترد عليه أي استثناء مثلا كالقوة القاهرة .
واجب الحفاظ على استقلال البلاد و سيادتها وحماية رموز الدولة والملكية العامة :
تنص المادة 75 من التعديل الدستوري لعام 2016 م على مايلي : ״ يجب على كلّ مواطن أن يحمي ويصون استقلال البلاد وسيادتها وسلامة ترابها الوطني ووحدة شعبها وجميع رموز الدّولة. يعاقب القانون بكلّ صرامة على الخيانة والتّجسّس والولاء للعدوّ، وعلى جميع الجرائم المرتكَبة ضدّ أمن الدّولة.״
وهي نفس المادة 61 من دستور 1996 م باستثناء إضافة عبارة ووحدة شعبها وإشراك المواطن في حماية وحدة الشعب وواجبه في الحفاظ على مصالح المجموعة الوطنية و عدم المساس بها لعرفانا للروح الوطنية للشعب الجزائري .
وهذا ما أكدته المادة 76 بقولها : ״على كلّ مواطن أن يؤدّي بإخلاص واجباته تجاه المجموعة الوطنيّة.
التزام المواطن إزاء الوطن وإجباريّة المشاركة في الدّفاع عنه، واجبان مقدّسان دائمان. تضمن الدّولة احترام رموز الثّورة، وأرواح الشّهداء، وكرامة ذويهم، والمجاهدين. وتعمل كذلك على ترقية كتابة التاريخ وتعليمه للأجيال الناشئة. ״
ولم يقف المؤسس الدستوري عند هذا الحد ،بل اقر واجب حماية الملكية العامة استنادا إلى المادة 80 بقولها : ״يجب على كلّ مواطن أن يحمي الملكيّة العامّة، ومصالح المجموعة الوطنيّة،….״. وهي ذاتها المادة 66 من دستور 1996 م .
ج – واجب الخضوع للضريبة :
اهتم المؤسس الدستوري بالضريبة باعتبارها وعاء لجلب الأموال ومشاركة المواطن الجزائري في الأعباء العامة. و الضريبة تعرف على أنها :
”مبلغ نقدي تجبر الدولة أو الهيئات العمومية المحلية الأشخاص على دفعه إليها بصفة نهائية ليس مقابل انتفاعه بخدمة معينة ،وإنما لتمكينها من تحقيق منافع عامة “.فإن فرضها يهدف إلى تحقيق أهداف معينة يأتي في مقدمتها الغرض التمويلي باعتبارها مصدرا هاما للإرادات العمومية بالإضافة إلى الأغراض السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية . وتقوم الضريبة على مبادئ و هي تلك الأسس و القواعد التي يتعين على المشرع مراعاتها و هو بصدد تقرير النظام الضريبي في الدولة ،وتهدف هذه المبادئ إلى التوفيق بين الممول و الخزينة العمومية . من هذه المبادئ مبدأ العدالة بما يتضمنه من مبدأين هما :
-العمومية ويقصد بها خضوع جميع الأفراد و الأموال إلى الضريبة .
-ومبدأ المساواة وهو ضرورة مراعاة المقدرة المالية للمكلف عند فرض الضريبة.
أكد المؤسس الدستوري الجزائري في تعديله الأخير، على واجب أداء الضريبة و على التحايل في الإخلال بمبدأ المساواة أمام الضريبة و التهرب
الجبائي و تهريب رؤوس الأموال، بإقرار معاقبة القانون على كل فعل يرمي إلى التحايل على هذا المبدأ .
وذلك أن الحفاظ على وحدة الشعب يقتضي إزالة جميع حالات التمييز في ممارسة الحقوق و الواجبات و اعتبار أن الإخلال بمبدأ المساواة في أداء الضريبة و بواجب المشاركة في تمويل التكاليف العمومية من شأنه تقليص عمل السلطة العمومية في إزالة الفوارق و المساس بمبدأ التضامن
و التكافل الاجتماعي..
ثانيا : واجبات الفرد في مواجهة الغير
بالإضافة إلى حماية الملكية الخاصة، أكد ت المادة 77 على احترام حقوق الغير بقولها :״يمارس كلّ واحد جـميع حـرّيّاته، في إطار احترام الحقوق المعترَف بها لـلغـيـر في الـدّستور، لاسـيّــما احـتـرام الـحـقّ في الـشّرف، وستر الحياة الخاصّة، وحماية الأسرة والشّبيبة والطّفولة. انطلاقا من هذه
المادة فالحق في احترام الحياة الخاصة مرتبط بمجموعة من الحقوق : أ-الحق في اختيار نمط الحياة :
بحيث لا يجوز لأحد أن يتدخل في شؤونه أو يفرض عليه أسلوبا لا يوفقه و لكن عليه أن يتقيد في ممارسة حقه بما تفرضه الحياة الاجتماعية من واجب عدم الاعتداء على حريات الغير وحقوقهم فيما في ذلك الحق في السرية .. كما أن لكل شخص اعتبار و كرامة و سمعة أو بتعبير أدق شامل شرف ، فللمعتدى على شرفه الحق في المطالبة بوقف الاعتداء عليه و بالتعويض عما لحق من صرر و فضلا عن الحماية المدنية تلجا التشريعات
عموما إلى تجريم بعض الأفعال الماسة بالشرف في تشريعاتها العقابية .
ب- واجب الحماية الأسرية :
إذا كانت الأسرة هي الخلية الأساسية لبناء المجتمع فإن إطار المحافظة على الروابط الأسرية و تحقيق التكافل الاجتماعي بين أطيافه قد كرستها القوانين الجزائرية على غرار التشريعات الوضعية المقارنة التي اهتمت بنظام الأسرة ويأتي في مقدمتها الدستور الذي أكد أن الأسرة تحظى بحماية الدولة والمجتمع ،و إلزام المؤسس الدستوري كذلك الآباء بتربية الأبناء. و واجب الأبناء في ضمان مساعدة و رعاية آباءهم وهذا كله لتوطيد العلاقات الأسرية تحت طائلة المتابعات القضائية.
كما يضمن كل من قانون الأسرة وقانون الحالة المدنية والقانون المدني قواعد لتنظيم وبناء الأسرة ، أما قانون العقوبات فقد تضمن القواعد التي تكفل حماية الأسرة وتضمن احترام كافة حقوق أفرادها ومعاقبة كل من يتعدى على هذه الحقوق أو يخل بما يلزمه من واجبات .
ج-واجب عدم الاعتداء على الأجنبي :
بالرجوع إلى المادة 3 من القانون رقم 08/11 المؤرخ في 25 جوان 2008 م المتعلق بشروط دخول الأجانب إلى الجزائر و إقامتهم بها و تنقلهم فيها،عرفت الأجنبي بأنه : ״يعتبر أجنبيا ،كل فرد يحمل جنسية غير الجنسية الجزائرية أو الذي لا يحمل ا أية جنسية ״ .
و لقد حافظ التعديل الدستوري لعام 2016 م على المواد المتعلق بالأجنبي من دستور 1996 م و هي المواد: 67 و 68 و 69 إذ يتمتع الأجنبي بحقوق شخصية و مالية ومنع الاعتداء عليها ،إذ تتقرر هذه الحماية لشخصه و أملاكه طبقا للقانون وهذا ما أكدته المادة 81 بقولها :״يتمتّع كلّ أجنبيّ، يكون وجوده فوق التّراب الوطنيّ قانونيّا، بحماية شخصه وأملاكه طبقا للقانون״ كما أضافت المادة82 بقولها : ״ لا يُسلّم أحد خارج التّراب الوطنيّ إلاّ بناء على قانون تسليم المجرمين وتطبيقا له״.
بل الأكثر من ذلك حمى الدستور الجزائري اللاجئ السياسي من الطرد او التسليم إذا كان يتمتع قانونا بحق اللجوء وهذا استنادا للمادة 83 بقولها :
״لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يسلم أو يطرد لاجئ سياسي يتمتع قانونا بحق اللجوء ״.