شرح طبيعة القضاء العسكري في الجزائر
هو قانون عقابي ينفرد بشخصية و ذاتية خاصة
قانون تأديبي من حيث مضمون القواعد التي يحميها
قانون خاص تشريع جنائي مستقل. مقدمة
الأصل هو سريان القانون العام في مواجهة الكافة، إلا أنه اقتضى الأمر أن يكون هناك نظام خاص بالقوات المسلحة و هذا لا يعني عدم خضوع أفراد الجيش الوطني الشعبي لقانون العقوبات ولو كان عليه الحال لكنا خرقنا لمبدأ مكرس دستوريا، إنما ضرورة وحساسية المصلحة هي التي استلزمت وجود تشريع عسكري و كغيره من التشريعات المقارنة نظم المشرع الجزائري هذا الجانب من خلال قانون القضاء العسكري لسنة 1971 المعدل والمتمم مؤخرا بالقانون 14/18 و الساري المفعول الى يومنا و لمعرفة طبيعة هذا القضاء الجنائي الخاص إن صح التعبير لابد من التطرق الى تعريفه على الرغم أن مختلف التشريعات العسكرية لم تتبنى نظاما واحد فتعددت الآراء الفقهية العربية و الغربية، فهناك من يرى أن القضاء العسكري هو قضاء تأديبي من حيث تواجده و هناك من يرى أنه قانون عقابي ينفرد بشخصية و ذاتية خاصة، و هناك أيضا من يراه كقانون خاص و البعض الأخر يراه تشريع جنائي مستقل .
إن تحديد طبيعة قانون القضاء العسكري ليس بالأمر الهين، فلقد اختلف الفقه في تحديده، لذلك سنقوم بذكر أهم الآراء . أولا : أنه قانون عقابي ينفرد بشخصية و ذاتية خاصة
يرى جانب من الفقه أن قانون الأحكام العسكرية قانون عقابي ينفرد بشخصية و ذاتية خاصة، و أن نصوصه حددت الجرائم التي يختص بها، كما بينت إجراءات المحاكمة التي تتبع أمامه، معللين ذلك بأن النصوص الواردة في القانون العسكري تشير الى أنه يطبق فيما لم يرد بشأنه نص الأحكام الخاصة بالإجراءات و العقوبات الواردة في القوانين العامة، و في حالة وجود نص آخر يعاقب على نفس الفعل المنصوص عليه في القانون العسكري وجب تطبيق العقوبة الأشد، و أن ذلك لا يعني تبعيته الى قانون معين , و إنما المقصود من ذلك هو تكملة قواعد و أحكام قانون الأحكام العسكرية فيما ورد بالقوانين العامة، وأن قصد المشرع بوضع قانون خاص بأفراد القوات المسلحة ليس من باب معاملة خاصة و إنما الهدف الأساسي هو حماية أمن و سلامة القوات المسلحة . ثانيا : قانون تأديبي من حيث مضمون القواعد التي يحميها
يرى أنصار هذا الرأي أن قانون القضاء العسكري هو قانون تأديبي من حيث مضمون القواعد التي يتضمنها لأن مجمل أحكامه تهدف الى فرض نظام ما في اطار وسط وظيفي يتألف من مجموعة أشخاص أساس العلاقة بينهم رابطة التبعية و التدرج الرئاسي، و يتصفون بالصفة العسكرية و أن الهدف من توقيع الجزاء عليهم هو إخلال النظام داخل المجتمع العسكري، و ما يؤكد ذلك أن القاضي العسكري يتمتع بسلطات واسعة في تقدير العقوبة و وقف تنفيذها، كما أن السلطة العسكرية هي التي تتولى سلطات القضاء في بعض النظر عن أي اعتبار قانوني، و على الرغم أن قانون القضاء العسكري قد ستمد أحكامه من قانون عام من حيث المنهج و الترتيب و معظم نظرياته من ناحية الشكلية، كما يعد النص المرجعي لسد النقص الوارد في القانون القضاء العسكري، إلا أن الطابع التأديبي يغلب على جل أحكامه، و بالتالي لا يمكن ادراجه ضمن القوانين الخاصة . ثالثا : أنه قانون خاص
يرى أنصار هذا الرأي أن القانون قضاء العسكري قانون جنائي خاص فهو ينص على أحكام عامة تختلف عن الأحكام العامة الواردة في قانون العقوبات و على جرائم تتصل بالنظام العسكري لا نظير لها في القانون العام و يستقل بمجموعة من الجزاءات لم يعرفها قانون العقوبات ولا القوانين الخاصة المكملة له، كالإبعاد من الخدمة والحرمان من الرتبة والحقوق في حمل الشارات و البزة العسكرية.
يضيف أصحاب هذا الرأي أن استقلال القضاء عسكري لا يعني انفصاله عن قانون العقوبات العام، فهذا القانون هو الأصل العام الذي يجب الرجوع اليه لسد النقص، وهذا ما أكدته العديد من المواد، قانون القضاء العسكري الجزائري فنسبة الإحالة الصريحة الى القانون العام تفوق 14% من مجموع النص وهو ما يمثل 43 مادة .
ومن أهم الجوانب التي اعتمدها أنصار هذا الرأي للتفرقة بين قانون الأحكام العسكرية بصفته قانون خاص و بين القوانين المكملة أو الملحقة بقانون العقوبات و التي من أمثلتها قوانين المخدرات و هي التي تراعي في تطبيقها الأحكام العامة في قانون العقوبات . رابعا : أنه تشريع جنائي مستقل
يرى أنصار هذا الرأي أن قانون القضاء العسكري يعتبر تشريعا جنائيا مستقلا له فلسفته وقواعده المستقلة، يتعلق بطائفة معينة هي أفراد القوات المسلحة و يحكم الأفعال غير مشروعة التي تصدر عن أفراده، سواء كانت تندرج تحت نصوص قانون العقوبات أو تحت نصوص عسكرية بحتة و ينفي طبيعة التكميلية و الخاصة للتشريع العسكري على أساس أن القانون التكميلي و الخاص يدخل ضمن قانون العقوبات و يعتبر جزء منه، كما أن الغرض من القانون التكميلي هو سد النقص القائم في القانون العقوبات عن طريق تجريم أفعال لم يشملها التجريم العام، في حين أن قانون الأحكام العسكرية أو القضاء العسكري يشتمل على قواعد تحكم السلوك الإجرامي الذي يصدر على طائفة معينة هي افراد القوات المسلحة، سواء كان هذا السلوك الإجرامي يكون جريمة من جرائم القانون العام، أو أنه يكون جريمة عسكرية بحتة لا مثيل لها في قانون العقوبات، و يتزعم أنصار هذا الرأي الدكتور مأمون محمد سلامة الذي اعتبر تخصيص المشرع طائفة معينة من الأفراد بتنظيم خاص يحكم أفعالهم غير مشروعة يأتي لاعتبارات موضوعية تتعلق بأسلوب المشرع في حمايته لمصلحة معينة من مصالح الجماعة و ليس لاعتبارات طائفية لتميز طائفة معينة من طوائف الشعب، و إلا كان مثل هذا التخصيص مخالفة للدستور، و يصل في الأخير إلى تعريف قانون القضاء العسكري بأنه " مجموعة من القواعد التي تحكم التجريم و العقاب لأفعال التي تضر او تهدد مصلحة من مصالح القوات المسلحة سواء تعلقت بنظامها او بسلامتها او بوظيفتها سواء وقعت الجريمة من أفراد القوات المسلحة ومن في حكمهم ان من الأفراد مدنيين" و من مجمل الآراء الفقهية التي سبق ذكرها حول طبيعة قانون القضاء العسكري يمكن جمعها في اتجاهين فقط . الاتجاه الأول يجمع آراء الاتجاه الثالث و الرابع و يكون قانون القضاء العسكري طبقا لهذا الاتجاه قانون جنائي خاص .
فالاتجاه الأول الذي يرى بأن قانون الأحكام العسكرية قانون جنائي ينفرد بشخصية و ذاتية خاصة فانفراده بهذه الشخصية و الذاتية الخاصة يؤكد أنه قانون خاص، حيث أنه يحتوي على مجموعة من النصوص تحدد الجرائم التي يختص بها، و كذا إجراءات المحاكمة التي تتبع محاكمه، و كذا عقوبات ينفرد بها و غير موجودة بقانون العقوبات، و الاتجاه الثالث يرى أنه قانون جنائي خاص و الرابع يرى انه تشريع جنائي مستقل فكلاهما يؤدي الى معنى واحد.
أما بالنسبة للاتجاه الذي ذهب أنصاره الى أن قانون القضاء العسكري هو قانون تأديبي من حيث مضمون القواعد التي يتضمنها لا يمكن التسليم له اطلاقا، لأنه توجد اختلافات عديدة من بينها أن مختلف التشريعات العسكرية لم تحدد الأخطاء التأديبية في قوانينها على سبيل الحصر و تركت المجال للجهات الإدارية و التأديبية.