شرح مبدأ رضائية العقد أولا تطور مبدأ الرضائية في القانون
ثانيا مبدأ الرضائية في القانون المدني الجزائري
مبدا الرضائية في إبرام العقود
إن مبدأ الرضائية Principe De Consensualisme هو احد النتائج المترتبة على مبدا سلطان الإرادة ، وهو لا يتصل إلا بطريقة إبرام العقد ، ويقصد به أن بمجرد تطابق إرادتي المتعاقدين تكفي وحدها لإبرام العقد أيا كانت طريقة التعبير عنها ، والقاعدة العامة حاليا هي رضائية العقود ، ولكن لم تصل إلى القوانين الحديثة إلا بعد تطور تدرجي .
أولا تطور مبدأ الرضائية في القانون
لقد عرف عن القانون الروماني على أنه قانون شكلي ، فالإرادة لا تستطيع وحدها إنشاء الالتزامات إلا بالخضوع إلى شكل معين ، فمن أجل جعل الأطراف ملتزمين في ما معينة ، أي أن العقد لم يكن مقبولا أبدا أن ينشأ بمجرد بينهم لا بد من القيام بطقوس توافق الإرادتين Nudum Pactum فالمدين يلتزم لا لسبب إلا لأنه استوق أشكالا معينة ، ويعتبر التزامه صحيحا حتى لو كان السبب الحقيقي الذي التزم من أجله غير موجود أو غير مشروع ، فالعقد كان يستمد صحته من شكله لا من موضوعه .
اما القانون الجرماني فكان ايضا قانونا شكليا رغم وجود بعض الأمثال التي توهم أن بمجرد الرضى كاف لإنشاء العقد ، كقول المثل : تقيد الثيران بقروها ورجال بكلامهم وبمجرد أو اتفاق يعدل عقود الرومان اللفظية " ، وقوهم أيضا : " أن الاتفاق يغلب القانون convenance Vaiquent Loy "،إلا أن هذه الأقوال وضعت كقواعد حلقية لا كمبادئ قانونية ، وإن كانت تدل على بداية التطور نحو مبدأ الرضائية في العقود ، لأن القانون الجرماني تأثر فيما بعد بعلماء اللاهوت وأخلاق المسيحية التي كانت تدعو إلى فرض احترام الوعد من أجل تجاوب مع النهضة التجارية التي تعبر عنها المعارض الدولية الكبرى التي كانت تقام في القرون الوسطى ، هذا مما أدى إلى القول بصفة تدريجية أن القوة الملزمة للاتفاقات ناتجة عن بمجرد الرضى بدون الرجوع إلى أشكال القانون الروماني "
أما في العصور الوسطى فقد بدأت الإرادة تستعيد دورها في تكوين العقود تدريجيا ، وذلك بفضل عدة عوامل نذكر منها .
- أولا : العامل الديني
وذلك بتأثير المبادئ الدينية مما ساهم في سهولة الانتقال من فكرة العقوبة إلى فكرة الالتزام فأصبح للاتفاق دعوى حميه تسمى بــ nudopcto "، " ex Action ويمكن طلب تنفيذه أمام المحاكم الكنسية.
-ثانيا : عوامل اقتصادية
بفعل ازدهار التجارة وتطور علاقات الناس وتنوع مواضيع العقود مما أدى إلى استبعاد ما يعوق المبادلات التجارية من أشكال ، فقد كانت المحاكم الايطالية في القرن الرابع عشر تحكم استنادا إلى قواعد العدالة دون تمييز العقد الشكلي وبمجرد الاتفاق من حيث الإلزام.
- ثالثا : العوامل السياسية
وتمثلت في تدخل الدولة في الروابط القانونية وتوليها حماية حقوق الفرد المتعاقد بمجرد الاتفاق.
-رابعا : العامل القانوني
والمتمثل في إحياء القانون الروماني والبده في دراسته والتأثر به خصوصا فيما وصل إليه في أواخر مراحله من ظهور لبعض العقود الرضائية.
أما القانون الحديث فقد عرف تطورا نحو مبدأ الرضائية والذي " شهد توسعا خصوصا في القرن التاسع عشر ، أدى ببعض الفقه إلى القول بأن النظم القانونية ليست إلا تاريخا لتحرر الإرادة من الشكلية شيئا فشيئا حتى أصبحت مجردة من أي وضع أو شرط ، وأصبحت تبسط سيادتها وسلطانها على جميع نواحي القانون وليس على العقود فقط ، بل حتى على النظم الاجتماعية والاقتصادية " ، ونتيجة لذلك تعرضت الشكلية في العقود لعدة انتقادات واعتبرت غير قادرة على مواكبة التطور لبطئها وقيامها على قواعد قديمة ، كما أن الفرد يجد نفسه ملتزما لقيامه بأشكال معينة.
هذا بخصوص الشكلية التي كانت سائدة في القوانين القديمة ، أما الشكلية الحديثة فتختلف عنها تماما إذ أنها تفرض من أجل حماية الرضى ، فالشكل وحده فيها غير كاف لإنشاء العقد دون رضى المتعاقدين بل ينظر إليه كركن أصلي في العقد ،على عكس الشكلية القديمة التي كانت وحدها تكفى لإنشاء العقد دون الاهتمام بالرضى ، وبالتالي يلاحظ أنه حدث تجدد في مفهوم الشكلية واعتبر كل من مبدأ الرضائية ومبدا الشكلية من الخيارات الأساسية وذلك لأهميتهما في تنظيم العقود ، ولكن بالرغم من اتساع بمجال الشكلية خاصة بمفهومها الواسع يبقى التمسك بالرضائية هو المبدأ .
ثانيا مبدأ الرضائية في القانون المدني الجزائري
يجمع فقهاء القانون الحديث على أن الرضائية أصبحت هي القاعدة العامة التي تحكم إنشاء العقد وقيامه ، ولقد تبنى المشرع الجزائري هذا المبدأ حيث نص في المادة 59 من ق م ج على أنه: "يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتيهما المتطابقتين دون الإخلال بالنصوص القانونية " ، فمن خلال هذا النص يتضح أن مبدأ الرضائية في إبرام العقود هو الأصل ، أما الشكلية فهي الاستثناء لوجود عبارة ( دون الإخلال بالنصوص القانونية ) ، والتي تعني مراعاة ما يقرره القانون من إجراءات معينة بإبرام العقد كما أن المادة 60 من ق م ج ، تعد تطبيقا لمبدأ الرضائية إذ نصت على أن: " التعبير عن الإرادة يكون باللفظ وبالكتابة أو بالإشارة متداولة عرفا ، كما يكون باتخاذ موقف لا يدع أي شك في دلالته على مقصود صاحبه.
ويجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنيا إذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحا ".
استنادا إلى هذه المادة فإنه للمتعاقدين الحرية الكاملة في التعبير عن إرادتيهما ، فلا يشترط القانون أن يكون التعبير بوسيلة معينة أو شكل معين ، ويجب التميز هنا بين وجود العقد وطريقة إثباته ، فالعقد يبقى رضائيا حتى لو اشترط القانون الكتابة لإثباته ما دام أن انعقاد هذا العقد غير متوقف على إفراغ التراضي في شكل كتابي ، لأنه إذا تخلفت الكتابة المتطلبة للإثبات فإنه يجوز إنبات العقد بطرق أخرى ، كالإقرار واليمين ما لم ينص القانون على غير ذلك أ، كما هو الحال بالنسبة لعقد الكفالة .
إن ما تجدر الإشارة إليه هو أنه رغم اتجاه القانون الحديث نحو الرضائية واعتبارها قاعدة عامة ، إلا أن عودة الشكلية مجددا كان بشكل كبير لما لها من دور في تنبيه الأطراف حول مدى أهمية التصرفات المقدمون عليها ، وكذا من أجل إنبات التصرف القانوني .
إن العقود الرضائية لا تترك أثرها في الحياة الاقتصادية بين الأطراف مما يجعل العلاقات التعاقدية تتم في سرية ، وهو ما دفع الدولة إلى التدخل – لاعتبارات الرقابة والحصول على مداخيل الضريبة - لفرض شكلية معينة على إرادة المتعاقدين ، كما وردت و، حيث أصبح عدد كبير من العقود خاضعا لصيغة على مبدا الرضائية استثناءات كثير شكلية معينة أهمها الكتابة ، لأنه من الناحية العملية، القليل من المتعاقدين الذين يبرمون العقود شفاهية، وذلك لصعوبة إنبات العقد عند حصول النزاع إذا كانت قيمته تجاوز حدا معينا والذي حدد المشرع الجزائري ب 100.000 دج طبقا للفقرة الأولى من المادة 333 من القانون المدي الجزائري.
إستنتاج
وفي الأخير يتضح أن المشرع الجزائري في صياغته للمادتين 59 و 60 من ق م ج رسخ مبدا الرضائية كقاعدة عامة ، لما له من دور في تبسيط معاملات وسرعة العلاقات التعاقدية ، ولكن وضع له حدود معينة ، وذلك بالتخفيف منه بفرض بعض الإجراءات قبل إبرام العقد وهو ما يعرف بالشكلية غير المباشرة ، هذا من جهة ومن جهة أخرى وضع له حدودا تمثل استثناءات حقيقية نعرف بالشكلية المباشرة لاتصالها بتكوين العقد.