بحث حول المحل و السبب
في القانون الجزائري المبحث الأول المحل
المطلب الأول محل العقد ومحل الالتزام
المطلب الثاني شروط المحل
الفرع الاول : أن يكون موجودا عند إبرام العقد أو ممكن الوجود في المستقبل
الفرع الثاني : أن يكون معينا أو قابلا للتعيين
الفرع الثالث : أن يكون مشروعا
المبحث الثاني : السبب
المطلب الأول : تعريف السبب
المطلب الثاني : شروط السبب
الفرع الاول : وجود السبب
الفرع الثلني : مشروعية السبب
المطلب الثالث : إثبات السبب
المبحث الثالث : الشكلية
المطلب الأول : الشكلية المباشرة
الفرع الاول : الكتابة
الفرع الثاني: العقود العينية
المطلب الثاني : الشكلية الغير مباشرة
الفرع الاول: قواعد الإثبات
الفرع الثاني : قواعد الشهر
الفرع الثالث : الإجراءات الإدارية و الجبائية
الخاتمة
المقدمة :
لقد قام المشرع الجزائري بوضع باقي أركان العقد بعد الرضا كأساس لقيام العقد وهذه الأركان تتمثل في المحل / السبب / الشكلية) في العقود الشكلية ويعتبر كل ركن من العقد له صوره وشروطه ولا يمكن أن ننقص أي واحد منها لأن العقد لكي يكون سليم وصحيح فعلى المتعاقدان الالتزام بهذه الأركان وبشروطهم أيضا .
و الإشكال هنا هو :
ماهي قيمة كل ركن من هذه الأركان في العقد ليتحقق ؟
المبحث الأول : المحل
المطلب الأول : محل العقد ومحل الالتزام
المحل ركن في الإلتزام كما هو ركن في العقد , ومحل الالتزام هو ما يتعهد به المدين وهذا الأخير قد يلتزم بإعطاء شيء أو بتأدية شيء, أو الامتناع عن عمل ما ( المادة 50 ق م ج ), أما محل العقد فهو العملية القانونية التي تراضى الطرفان على تحقيقها ففي عقد البيع مثلا نجد أن محله ( أي العملية القانونية) المبتغى تحقيقها في نقل الملكية في مقابل ثمن نقدي(المادة 351 ق م ج) ولتحقيق هذه العملية القانونية ينشىء العقد إلتزامات في ذمة أطرافه ,فيولد إلتزام البائع بنقل الملكية والتزام المشتري بدفع الثمن ,ولذلك فإن محل العقد يتحدد بمحل الالتزامات الرئيسية التي تتحقق بها العملية القانونية المقصودة
ولهذا السبب اتحدت الشروط التي يجب توافرها في كل من محل الالتزام ومحل العقد على السواء في الالتزامات العقدية , أما الالتزامات غير العقدية فمحلها يتحدد بمقتضى القانون لا بإرادة الملتزم والقانون هو الذي يتكفل ببيان محلها . هذا ولقد نص المشرع الجزائري على المحل في المواد من 92 إلى 98 من القانون المدني , ولم يفصل القانون الجزائري بين المحل والسبب مع أنهما ركنان مستقلان
للعقد فجاءت النصوص المتعلقة بهما متداخلة (1)
---------------
(1)– الأستاذ : بلحاج العربي/ النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزء الأول ـ ط5 ـ ص 139 ـ ديوان المطبوعات الجامعية
المطلب الثاني : شروط المحل
الفرع الاول : أن يكون موجودا عند إبرام العقد أوممكن الوجود في المستقبل
فإذا لم يكن موجودا عند التعاقد بأن هلك قبل إبرام العقد , انعدم ركن المحل وكان العقد باطلا بطلانا مطلقا . وإذا لم يكن المحل موجودا عند التعاقد ولكن يمكن أن يوجد في المستقبل كان العقد صحيحا. فالتعامل في الأشياء المستقبلية الممكنة الوجود ,جائز في القانون المدني, وغير جائز في الرأي السائد في الشريعة الإسلامية وقد نصت المادة 92 الفقرة 01 على أنه'' يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا و محققا ) ويلاحظ على هذا النص أنه يضيف كلمة ـ محققا ـ وهو غير موفق فيها .فالتعامل في الأشياء المستقبلية جائز مادامت ممكنة الوجود أي غير مستحيلة , ولكن قد لاتوجد , فمحل العقود الاحتمالية يمكن أن يوجد ويمكن ألا يوجد فليس صحيحا أن المحل المستقبل يجب أن يكون محقق الوجود , بل يكفي أن يكون وجوده ممكنا لا مستحيلا استحالة مطلقة .(1)
ولم يستثن القانون من التعامل في الأشياء المستقبلية إلا التعامل في تركة إنسان مازال على قيد الحياة ولو كان التعامل برضاه. فنصت المادة 92 في فقرتها الثانية على مايلي :'' غير أن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة باطل ولو كان برضاه إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون وهكذا حرم القانون التعامل في تركة شخص مازال حيا ولو كان التعامل برضاه وجعله باطلا بطلانا مطلقا لأنه يحمل معنى المضاربة على موت المورث , والمضاربة على حياة إنسان منافية للآداب كما أن في هذا التحريم حماية للوارث السفيه من أن يتصرف في ميراث لم يؤل إليه بعد تصرفا نزقا يبدد به ما لم يتعب في جمعه فيستخف بقيمته , وقد أجاز القانون التصرف في تركة الشخص وهو حي كما في مثال الوصية , وقد أتى القانون المصري بمثال آخر هو قسمة المورث تركته وهو حي بين ورثته ( م913) حتى يجنبهم الشقاق على قسمة التركة بعد موته , غير أن القانون الجزائري لم ينص على قسمة المورث وقد أورده القانون المدني الفرنسي بالمادة 1075 وما يليها .
------------------
(1) – الأستاذ:علي علي سليمان – النظرية العامة للالتزام – مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري -ديون المطبوعات الجامعية - ط 6 -ص70
القانون المدني الجزائري والخلاصة هي أن محل الالتزام يجب أن يكون موجودا عند إبرام العقد أو ممكن الوجود في المستقبل ,مثل بيع محصول مازال في الأرض , ومالم تجنى بعد, وبيع ثمار معلقة على الشجر ولم تنضج بعد , وبيع منزل لم يبن بعد , وبيع نتاج ماشية لم تولد بعد, وبيع مؤلف كتابه الذي لم يؤلفه بعد و وبيع صاحب المصنع منتجات مصنعه التي لم تصنع بعد. والمهم هو أن يكون الشيء المستقبل ممكن الوجود , فإذا كان مستحيلا استحالة مطلقة كان ركن المحل منعدما , وبالتالي كان العقد باطلا بطلانا مطلقا , أما الاستحالة النسبية فإن الالتزام معها لا يكون باطلا .(1)
وإذا لم يقم المدين بتنفيذه حكم عليه بالتعويض وقد نصت المادة 93 من القانون المدني الجزائري على أنه :'' إذا كان محل الالتزام مستحيلا في ذاته كان العقد باطلا بطلانا مطلقا ''
والمراد بعبارة – مستحيلا في ذاته – الاستحالة المطلقة أي التي لا يستطيع إنسان أن يتغلب عليها ، أما الاستحالة النسبية فهي تستحيل على شخص المدين ولا تستحيل على غيره , مثلما في بيع ملك الغير فالبائع يستحيل عليه أن ينقل ملكية شيء لا يملكه ولكن مالك الشيء يستطيع ذلك (2)
الفرع الثاني : أن يكون المحل معينا أو قابلا للتعيين
وهذا الشرط يستفاد من نص المادة 94 من القانون المدني الجزائري كما ذكرنا سابقا ويعني هذا الشرط تحديد محل الالتزام تحديدا كافيا ينفي الجهالة به,وإن لم يكن محددا وقت إبرام العقد فيكفي أن يكون قابلا للتعيين أو للتحديد في المستقبل وإلا كان العقد باطلا بطلانا مطلقا .
ومحل الالتزام كما رأينا ، تارة يكون إعطاء شيء، أي نقل ملكية شيء من الأشياء وتارة يكون القيام بعمل أو الامتناع عن عمل معين ، والالتزام بنقل ملكية شيء من الأشياء تارة يرد على شيء معين بذاته ,وتارة يرد على شيء معين بنوعه, فإذا كان محل الالتزام شيئا معينا بذاته وجب تحديده تحديدا دقيقا بحيث ينفي الجهالة في التعرف عليه.(3)
----------------
(1) الأستاذ علي علي سليمان –مرجع سابق – (ص 70-71)
(2) الأستاذ علي علي سليمان = مرجع سابق– ( ص 71)
(3) د/خليل أحمد حسن قدادة – الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري – الجزء الأول-دبوان المطبوعات الجامعية - ط 2 2005 (ص77)
فلو كان محل الالتزام نقل ملكية بيت من البيوت , وجب ذكر جميع الأوصاف التي تميزه عن غيره من البيوت , وإذا كان محل الالتزام نقل ملكية أرض ,فعلى البائع أن يحدد مساحتها وحدودها وموقعها وإذا كانت سيارة فيجب أن يحدد نوعها وطاقتها ولونها ورقمها ........الخ
أما إذا كان الشيء غير محدد بذاته فيحدد بنوعه , فإذا كان المبيع عبارة عن كمية من القمح فيجب تحديد نوعه ومقداره وليس مهما بيان درجة جودة الشيء مادام في الإمكان تحديد ذلك بواسطة العرف أو من أي ظرف آخر ,وإذا لم يكن في الإمكان التزم المدين بتسليم شيء من صنف متوسط (المادة 94 فقرة2)
وفي حالة ما يكون محل الالتزام القيام بعمل أو الامتناع عن عمل فيجب أن يحدد هذا العمل تحديدا ينفي الجهالة, فإذا تعهد مقاول ببناء,وجب أن يعين هذا البناء أو وجب على الأقل أن يكون قابلا للتعيين و هكذا.
لكن إذا كان محل الالتزام عبارة عن مبلغ من النقود فإن المدين يلتزم بالمقدار المبين في شروط العقد, وسواء ارتفعت قيمة النقود أو انخفضت وقت الوفاء,وهذا ما نصت عليه المادة 95 من القانون المدني الجزائري بأنه:'' إذا كان محل الالتزام نقودا, التزم المدين بقدر عددها المذكور في العقد دون أن يكون لارتفاع قيمة النقود أو انخفاضها وقت الوفاء أي أثر '' (1)
-------------------
(1) د/خليل أحمد حسن قدادة – مرجع سابق – (ص77)
الفرع الثالث : أن يكون مشروعا
ويكون محل الالتزام غير مشروع إذا كان الشيء الذي يرد عليه الحق يخرج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون . فلا يجوز التعامل بأشياء تخرج بطبيعتها عن التعامل ,كالشمس والهواء وماء البحر
بصفة عامة, ويرجع ذلك إلى استحالة التعامل في مثل هذه الأشياء على وجه العموم ولكن إذا حصرت أشعة الشمس في نطاق خاص أو إذا ضغط الهواء في حيز محدود أو إذا أخذ جزء من ماء البحر لغرض كيميائي ففي هذه الحالة يجوز التعامل بأشعة الشمس وكذلك في الهواء والماء.
وقد يكون الشيء غير قابل للتعامل فيه بالنظر إلى الغرض الذي خصص له ,فالأموال العامة لا يصح بيعها ولا التصرف فيها لأنها مخصصة للمنفعة العامة , لكن عدم قابلية التعامل بالأموال العامة مسألة نسبية,قاصرة على عدم جواز التصرف فيه ولكنه يجوز أن يكون محلا للإيجار , كأن تمنح الدولة رخصة لإقامة الحمامات على شواطئ البحر (1)
أما إذا كان الشيء غير قابل للتعامل بحكم القانون,فلا يجوز أن يكون محلا لالتزام أو محلا لعقد, وفي العادة تقوم مبررات استبعاد الأشياء من دائرة التعامل بنص القانون على أساس مخالفتها للنظام العام والآداب العامة ,وربما رأينا مثلا قد سبق دراسته والمتعلق بأموال الشخص و هو على قيد الحياة (التركة المستقبلية) فلقد قلنا إن سبب عدم إباحة التعامل بالتركة المستقبلية يرجع إلى النظام العام والآداب العامة لتحديد ما يعتبر خارجا عن دائرة التعامل بنص القانون .
1- النظام العام :
فكرة النظام العام فكرة مرنة من الصعب تحديدها أو وضع تعريف جامع مانع لها ،وإنما يمكن أن يقال في هذا الصدد بأن النظام العام هو مجموع القواعد القانونية التي قصد منها حماية المصلحة العامة ,سواء كانت مصلحة اجتماعية أم مصلحة اقتصادية أم سياسية وتتعلق بالمصلحة العليا للمجتمع وتعلو على مصلحة الأفراد.
-------------
(1) د/خليل أحمد حسن قدادة – مرجع سابق – (ص 78/79)
2- الآداب العامة :
وهي مجموعة من القواعد الخلقية التي تدين بها الجماعة في عصر معين وبيئة معينة,وهي ترجع عادة إلى مجموعة المعتقدات الموروثة والعادات المتأصلة وما جرى به العرف وتواضع عليه الناس , وللدين أثر كبير في تحديد هذه الآداب العامة فكلما اقتربت الحضارة من الدين كلما زادت القواعد المتعلقة بالآداب العامة, وكلما ابتعدت الحضارة عن الدين كلما قلت القواعد المتعلقة بالآداب العامة (1)
---------------
(1) د/خليل أحمد حسن قدادة – مرجع سابق – ( ص79)
المبحث الثاني : السبب
المطلب الأول: تعريفه
ويقصد بالغرض الشخصي أو سبب العقد – بصفة عامة – الباعث الدافع إلى التعاقد والذي يختلف من متعاقد إلى آخر في العقد الواحد, وعلى ذلك فإن فكرة الغرض الشخصي أو سبب العقد تعبر عما وراء هذا الغرض الموضوعي المجرد من بواعث تختلف من متعاقد إلى آخر ,ففي البيع مثلا ينقل البائع ملكية المبيع إلى المشتري بغرض الحصول على الثمن, فيكون التزام المشتري هو الغرض الموضوعي من قيامه بنقل ولكن البائع لابد أن يكون لديه باعث أو أكثر على الحصول على الثمن وهذا الباعث يختلف من بائع إلى آخر فقد تكون رغبته في قضاء دين عليه وقد تكون رغبته في الإسهام به في مشروع استثماري وقد تكون رغبته في تحويل أمواله خارج البلاد وهكذا ,وبالمثل ففي الهبة يقوم الواهب بنقل ملكية المال الموهوب ويكون الغرض الموضوعي من ذلك هو نية التبرع بمعنى قصد إفادة المتبرع بدون مقابل.
ولكن الباعث الدافع الذي يكمن وراء هذا القصد يمكن أن يختلف من واهب لآخر فيكون لدى واهب معين مجرد المساعدة ,ويكون لدى ثان الاعتراف بجميل ,ويكون لدى ثالث إنشاء علاقة غير مشروعة بالموهوب لها أو استدامتها ,ويكون لدى رابع رجاء تسهيل معاملاته لدى الموهوب له وهكذا. (1)
وكثيرا ما تتعدد بواعث المتعاقد الواحد في العقد الواحد وتختلف طبيعتها ويختلف حكمها .ولما كانت مثل هذه البواعث المتعددة يتفاوت أثرها في تكوين قرار المتعاقد,فإن العبرة تكون في هذه الحالة بالباعث الرئيسي الذي دفع إلى التعاقد أو بعبارة أخرى فإن الباعث الذي يدخل دائرة الغرض الشخصي من بينها يكون الباعث الذي ما كان المتعاقد ليقدم على التعاقد لولا وجوده لديه ,دون سواه من البواعث . والقول بغير ذلك أو الاعتداد بالبواعث المتعددة مهما كانت ضآلة تأثيرها على إبرام العقد من شأنه أن يعرض التعامل لعدم الاستقرار (2)
----------------
(1) د/مصطفى محمد الجمال – مصادر الالتزام – الفتح للطباعة و النشر ط 1(ص179/180)
(2) د/مصطفى محمد الجمال -مرجع سابق - (ص180)
المطلب الثاني : شروطه
الفرع الاول : وجود السبب
إن سبب الالتزام هو كما قلنا محل التزام الطرف المقابل وهذا إذا تعلق الأمر بعقد ملزم للجانبين أما إن تعلق الأمر بعقد ملزم لجانب واحد(كالوعد بالعقد مثلا) فإن سبب الالتزام يتمثل في التزام مدني أو طبيعي سابق كان على عاتق الواعد من ذلك أن يكون عليه دين مدني ثم يسقط بالتقادم ثم يتعهد بالوفاء به فإن سبب التزامه المدني هو الالتزام الطبيعي الذي كان في ذمته والواعد بالعقد يمكن تصور سبب التزامه في مجرد الأمل في إبرامه العقد النهائي ,أما في عقود التبرع فإن سبب الالتزام هو نية التبرع ذاتها .(1)
أما في العقود العينية (كالوديعة و القرض) فإن سبب التزام المودع لديه أو المقترض برد الوديعة أو القرض هو تسلم الشيء المودع أو المقترض. وبالرغم من أنه لا حاجة لذكر السبب في العقد فإن السبب المذكور يعد هو السبب الحقيقي على اعتبار أنه هو الظاهر ,إلى أن يطعن طرف ما في ذلك بادعائه أن هناك سببا خفيا غير معلن ,فعليه في هذه الحالة إثبات ما يدعيه... من ذلك أن يذكر في سند الدين أن قيمته قد دفعت نقدا ,ثم يثبت الطاعن أن لا وجود لأي قرض أصلا ففي هذه الحالة وقد انتفى سبب الالتزام بدفع الدين يتوجب على الدائن أن يثبت أن للسند سببا حقيقيا ومشروعا وإلا بطل التصرف لانعدام السبب.
لكن يكفي في العقود الملزمة لجانبين ( كالبيع) أن يذكر أن المشتري قد دفع الثمن وأن البائع قد نقل الملكية حتى يثبت سبب الالتزام وفي الوعد بالعقد (هو عقد ملزم لجانب واحد,وليكن البيع) فكون البائع يلتزم بإبرام العقد في المستقبل كافيا لمعرفة السبب وإثبات وجوده بالتالي ,إذ هو حصوله على عقد نهائي سيبرم في المدة المحددة وفي عقود التبرع يكفي أن يذكر فيها أن الشخص يلتزم قبل الموهوب له
وهذا بقصد التبرع حتى يثبت وجود سبب الالتزام في تلك الطائفة من العقود (2)
----------------
(1) أ/دربال عبد الرزاق – الوجيز في النظرية العمة للالتزام – مصادر الالتزام - دار العلوم للنشر والتوزيع -(ص43)
(2) أ/دربال عبد الرزاق – مرجع سابق – (ص44)
الفرع الثاني : مشروعية السبب
الأصل أن الغرض الشخصي أو سبب العقد بهذا المعنى لا يتصور تخلفه إلا إذا تخلفت مع تخلفه الإرادة وتختلف بالتالي انعقاد العقد,كما إذا كان أحد المتعاقدين مجنونا مثلا ,ذلك أن الإنسان العاقل لا يقدم على عمل دون باعث ومع ذلك فقد يكون الغرض الشخصي أو سبب العقد موجودا في ذهن المتعاقد وحده,خلافا للحقيقة و الواقع, غير أن الغرض الشخصي أو سبب العقد قد يكون مشروعا وقد يكون غير مشروع ولذلك يشترط لصحة العقد أن يكون الغرض الشخصي للمتعاقدين أو سبب العقد مشروعا مثلما جاء في نص المادة 98 من القانون المدني الجزائري والتي تقرر بأن:'' كل التزام مفترض أن له سببا مشروعا ,
مالم يقم الدليل على غير ذلك '' .وهو يكون مشروعا إذا لم يكن مخالفا لنص من نصوص القانون الآمرة أو للنظام العام والآداب بصفة عامة . فبيع السيارة لقضاء دين من ثمنها أو لاستخدامه في مشروع مالي يعتبر مشروعا .وبيع السيارة لاستخدام ثمنها في المقامرة أو في الاتجار بثمنها في المخدرات يعتبر غير مشروع كما جاء في المادة 98 من القانون المدني الجزائري '' ويعتبر السبب المذكور في العقد
هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك '' . (1)
كاستئجار شقة للسكن مثلا يكون مشروعا,بينما اسئجارها لجعلها ناديا للقمار أو لاستثمارها في الدعارة يعتبر غير مشروع ,وهبة المال اعترافا بالجميل أو بقصد المساعدة يكون مشروعا بينما هبته بقصد استدامة علاقة غير مشروعة يعتبر غير مشروع, فإذا أثبتت صورية السبب المذكور في العقد فعلى من يدعي أن للالتزام سببا آخر مشروعا أن يقيم الدليل على ذلك ,وهذا ما قررتة الفقرة الثانية للمادة98 من القانون المدني الجزائري في الجزء الثاني منها على أنه:'' إذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعي أن للالتزام سببا آخر مشروعا أن يثبت ما يدعيه '' (2)
-----------------
(1) د/مصطفى محمد الجمال – مرجع سابق - (ص181/182)
(2) /مصطفى محمد الجمال – مرجع سابق – (ص181/182)
المطلب الثالث : إثبات السبب
تنص المادة 98 من القانون المدني الجزائري على مايلي :
'' كل التزام مفترض أن له سببا مشروعا ما لم يقم الدليل على غير ذلك. ويعتبرالسبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك فإذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعي أن للالتزام سببا آخر مشروعا أن يثبت ما يدعيه ''
فهذا النص يواجه فرضين : الفرض الأول ألا يذكر السبب في العقد, والفرض الثاني أن يذكر السبب في العقد .(1)
الفرض الأول :
أن يكون العقد خاليا من ذكر السبب فيفترض في هذا الغرض أن للعقد سببا مشروعا , ولكن هذه قرينة بسيطة يجوز للمدين أن يثبت عكسها بجميع طرق الإثبات ولو بالبينة أو بالقرائن إذ لكتابة هنا.
الفرض الثاني :
أن يذكر السبب في العقد , فيفترض أن هذا السبب حقيقي وليس صوريا, وللمدين أن يثبت أن السبب المذكور في العقد صوري وليس هو السبب الحقيقي ولكن على المدين في هذه الحالة أن يثبت العكس بالكتابة لأن الكتابة لا يجوز إثبات عكسها إلا بمثلها, وبما أن السبب مكتوب في العقد فعلى المدين إثبات صوريته بالكتابة ولو لم تزد قيمة العقد على ألف دينار .فإذا أثبت المدين صورية العقد كان عبء إثبات العكس على الدائن .وإذا أثبت الدائن أن السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي , فللمدين أن يثبت أنه غير مشروع ,ولكن له في هذه الحالة أن يثبت عدم المشروعية بكل طرق الإثبات لأن عدم المشروعية غش
والغش يجوز إثباته بكل الطرق ولو كان بشهادة الشهود .(2)
----------------
(1) أ/علي علي سليمان – مرجع سابق – (ص76)
(2) أ/علي علي سليمان – مرجع سابق – (ص76)
المبحث الثالث : الشكلية
المطلب الأول : الشكلية المباشرة
المقصود بالشكلية المباشرة هي تلك التي تكون ركنا في العقد بمعنى هو ذلك التصرف القانوني الذي يكون فيه الشكل ركنا من أركانه إذ لابد منه للقيام بتصرف. وبالتالي يشترط في العقد الشكلي إضافة إلى التراضي والمحل والسبب ركن رابع هو ركن الشكلية وتدعى هذه الشكلية بالمباشرة لأنها تتصل مباشرة بتكوين التصرف القانوني ,حيث يترتب على انعدامها إنعدام التصرف. وللشكلية المباشرة صورتان : تتمثل الصورة الأولى في الكتابة وتتمثل الصورة الثانية في فعل ما.
الفرع الاول : الكتابة
قد تكون الكتابة التي تترجم ركن الشكل كتابة رسمية وقد تكون كتابة عرفية, حيث ذكر المشرع العقد الرسمي في المادة 324 مكرر من القانون المدني الجزائري :'' إضافة عن العقود التي يأمر القانون بإخضاعها إلى شكل رسمي يجب تحت طائلة البطلان تحرير العقود التي تتضمن نقل ملكية عقار أو حقوق عقارية أو محلات تجارية أو صناعية أو كل عنصر من عناصرها , أو التنازل عن أسهم من شركة أو حصص فيها,أو عقود إيجار زراعية أو تجارية أو عقود تسيير محلات تجارية أو مؤسسات صناعية في شكل رسمي,ويجب دفع الثمن لدى الضابط العمومي الذي حرر العقد كما يجب تحت طائلة البطلان ,إثبات العقود المؤسسة أو المعدلة للشركة بعقد رسمي, وتودع الأموال الناتجة عن هذه العمليات لدى الضابط العمومي المحرر للعقد'' (1)
نستنتج من هذه المادة أنه يجب تحرير العقود المذكورة في المادة 324 مكرر1 في شكل رسمي كما يجب أن يكون محررا من قبل موظف أو ضابط عمومي مكلف بذلك كما أنه يجب إثبات العقود المؤسسة أو المعدلة للشركة بعقد رسمي ويقصد بالإثبات
--------------
(1) أ/علي فيلالي الالتزامات – النظرية العامة للعقد - مطبعة الكاهنة 1997 -(ص232/237)
أن الموظف أو الضابط العمومي يثبت في العقد ماتم لديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن وذلك طبقا للأشكال القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه.(1)
كما أن الكتابة قد تكون عرفية فالعقد العرفي هو العقد الذي يتولى المتعاقدان كتابته وتوقيعه , ويتمثل ركن الشكلية في هذا النوع من العقود إذن في الكتابة العرفي لا غير ولقد نصت المادة 327 من القانون المدني الجزائري على مايلي :''يعتبر العقد العرفي صادرا ممن كتبه أو وقعه أو وضع عليه بصمة إصبعه مالم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء .............''
الفرع الثاني : العقود العينية
بالنسبة لهذه العقود إضافة إلى ركن التراضي والمحل والسبب تسليم الشيء محل العقد حتى ينعقد العقد، فيعتبر فعل التسليم هذا شكلية لابد منها لقيام العقد (2)
المطلب الثاني : الشكلية الغير مباشرة
تتمثل هذه الشكلية في مختلف الإجراءات التي يفرضها القانون قبل أو بعد إبرام العقد بغية تحقيق أغراض مختلفة , وقد سميت هذه الإجراءات بالشكلية الغير مباشرة لأنها لا تتصل مباشرة بالتصرف القانوني , فهي لا تؤثر مبدئيا على صحته ولكنها قد تحد من فعاليته ونفاذه, وتتعلق هذه الإجراءات بمسائل مختلفة منها قواعد الإثبات والإشهار وإجراءات إدارية وجبائية (3)
الفرع الاول : قواعد الإثبات
على عكس الوقائع القانونية التي يمكن إثباتها بكل الوسائل , فإن إثبات التصرفات القانونية التي تزيد قيمتها على مبلغ معين يكون بمحرر عرفي أو رسمي, وقد نصت المادة 333 من القانون المدني الجزائري على أنه :'' في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على 100.000 دج أو كان غير محدد القيمة ولايجوز الإثبات بالشهود في وجوده أو انقضائه ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك'' بمقتضى هذا الحكم وفي حالة إنكار المدين يجب على الدائن لاستيفاء حقه أن يثبته كتابة (4)
-----------------
(1) (2) أ/علي فيلالي - مرجع سابق -(ص232/237) / (ص241)
(3) (4) أ/علي فيلالي - مرجع سابق - (ص242) / (ص243)
الفرع الثاني : قواعد الشهر
إذا كان العقد يلزم المتعاقدين دون غيرهما , فإنه يسري كذلك في حق الغير، بمعنى أنه لا يمكن للغير تجاهل التصرفات القانونية التي تتم بين المتعاقدين , فيمكن الاحتجاج بها في مواجهة الغير ولفائدته. وفي بعض الحالات الخاصة يحول إغفال الشهر دون ترتيب أي أثر للعقد بين المتعاقدين نفسيهما , كما نصت على ذلك المادة 793 من القانون المدني الجزائري:''لاتنقل الملكية أو الحقوق العينية الأخرى في العقار
سواء كان ذلك بين المتعاقدين أم في حق الغير إلا إذا روعيت الإجراءات التي ينص عليها القانون وبالأخص القوانين التي تدير مصلحة الشهر العقاري .
وتتم عملية الشهر بطرق مختلفة تبعا لأهمية التصرف القانوني ومنها الشهر العقاري والقيد في السجل التجاري والنشر عن طريق الصحف. (1)
الفرع الثالث : الإجراءات الإدارية والجبائية
تتمثل هذه الإجراءات عادة في الحصول على ترخيص مسبق أو في التصريح الإجباري أو في التسجيل لدى المصالح المختصة. (2)
--------------------------
(1) (2) أ/ علي فيلالي - مرجع سابق -(ص244) - (ص245)
خاتمة :
وأخيرا نقول أن أركان العقد كلها مهمة سواء التراضي أو المحل أو السبب أو الشكلية , وإذا تخلف أحدها يصبح العقد باطل بطلانا مطلق وعليه يجب أن تكون هذه الأركان لها شروط تقوم عليها , وتكون صحيحة ومشروعة لكي لا يقع المتعاقدان في نزاع ويكون العقد سليما من كل العيوب ويصبح ساري المفعول.
المراجع
1- الدكتور مصطفى محمد الجمال مصادر الالتزام الفتح للطباعة والنشر طبعة أولى
2- الدكتور خليل أحمد حسن قدادة الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري الجزء الأول ديوان المطبوعات الجامعية طبعة ثانية 2005
3- الأستاذ بلحاج العربي النظرية العامة للالتزام في القانون المدني
4- الأستاذ دربال عبد الرزاق الوجيز في النظرية العامة للالتزام مصادر الالتزام دار العلوم للنشر والتوزيع 2004
5- الأستاذ علي علي سليمان النظرية العامة للالتزام مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري ديوان المطبوعات الجامعية طبعة سادسة 2005
6- الأستاذ علي فيلالي الالتزامات النظرية العامة للعقد مطبعة الكاهنة 1997 .