المنازعات الناشئة عن إيجار السكنات في الجزائر
المبحث الأول المنازعات المرفوعة أمام قاضي الموضوع
المطلب الأول الدعاوى التي يرفعها ديوان الترقية و التسيير العقاري
المطلب الثاني: الدعاوى التي يرفعها المستأجر
المبحث الثاني : المنازعات المرفوعة أمام القاضي الإستعجالي
المطلب الأول: الدعاوى التي يرفعها ديوان الترقية والتسيير العقاري
المطلب الثاني: حق المستأجر في اللجوء إلى القضاء الإستعجالي
خاتمة د بوشنافة جمال
لتحميل الملف بصيغة PDF
إضغط هنــــا مقدمة
يعتبر عقد الإيجار من العقود المسماة، نظمه المشرع الجزائري في القانون المدني، وكذا بموجب نصوص قانونية خاصة، أهمها المرسوم التنفيذي 76-147 (1) ويعتبر عقد الإيجار من أهم العقود المسماة بعد عقد البيع، بحيث يتيح للمؤجر استغلال ملكيته، ويتيح للمستأجر الانتفاع بما لا يملك.
وقد عرفه المشرع الجزائري في المادة 467 من القانون المدني كما يلي " الإيجار عقد يمكن المؤجر بمقتضاه المستأجر من الانتفاع بشيء لمدة محددة مقابل بدل إيجار معلوم"
يجوز أن يحدد بدل الإيجار نقدا أو بتقديم أي عمل آخر.
يتضح مما سبق أن الإيجار طبقا للقواعد العامة، يتم بموجب عقد بين المؤجر والمستأجر لكن بالرجوع لإيجار المساكن التابعة لدواوين الترقية والتسيير العقاري نجد أن المشرع قد حدد لها إجراءات خاصة، نظرا للطبيعة الاجتماعية لهذه المساكن حيث أن ما يميز هذا العقد هو أن العلاقة الإيجارية التي تنظمه تخضع لنظام خاص، و هذا ما نصت عليه المادة 25 من المرسوم 91-454 (2) حيث جاء فيها ما يلي" تخضع شروط منح العقارات السكنية أو المهنية التي آلت ملكيتها للدولة بموجب الأمر 66-102...للمرسوم 76-147 المؤرخ في 23 أكتوبر1976"، حيث يجب تجسيد العقد في شكل نموذج محدد سلفا نصت عليه المادة 02 من المرسوم 76-147 المذكور أعلاه التي جاء فيها ما يلي" تبرم إجارة المنازل المشار إليها في المادة السابقة، بموجب عقد طبقا للأحكام المنصوص عليها فيما بعد، وحسب النموذج المرفق بالملحق ".
ففي إيجار المساكن التابعة لدواوين الترقية والتسيير العقاري يعتبر المؤجر هو ديوان الترقية و التسيير العقاري وهو مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي و تجاري، تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي
وبالتالي له أهلية إبرام عقود إيجار السكنات التابعة له، أما المستأجر فهو إما شخصا طبيعيا أو معنويا صاحب حق شخصي قِبَلَ المؤجر، وعند استئجار مسكن تابع لديوان الترقية و التسيير العقاري، يشترط في المستأجر أن تتوافر شروط خاصة يتم التأكد منها عند إعداد قائمة المستفيدين، لأن السكنات الاجتماعية لا تؤجر إلا للأشخاص الذين تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها في المرسوم التنفيذي 08/ 142 المؤرخ في 11 ماي 2008 المحدد لقواعد منع السكن العمومي الإيجاري (3).
هذا وقد تنشأ المنازعة، بين المؤجر و المستأجر بمجرد إبرام عقد الإيجار، غير أن أكبر عدد من المنازعات يحدث أثناء تنفيذ العقد؛ لعدم قيـام أحد الطرفين بالتزاماته التعاقدية ، كما لا تخلو مرحلة انقضاء العقد من أسباب للمنازعة، عند انتقال حق الإيجار و حق البقاء و غيرها من المسائل التي قد تؤدي لنشوب النزاع بين الطرفين.
إن الدعاوى المطروحة أمام القضاء تختلف باختلاف الجهة القضائية المرفوعة أمامها نوعيا، و باختلاف الطرف الذي يبادر برفعها ضد الآخر و تبعا لذلك قسمت هذا البحث إلى مبحثين، خصصت الأول للمنازعات المرفوعة أمام قاضي الموضوع، و خصصت المبحث الثاني للمنازعات المرفوعة أمام القاضي الإستعجالي، كل ذلك من خلال عرض ما أفرزه الاجتهاد القضائي بشأن بعض المنازعات التي تطرح بكثرة على مستوى الجهات القضائية. المبحث الأول: المنازعات المرفوعة أمام قاضي الموضوع.
يختص قاضي الموضوع بالبت في المنازعة المتعلقة بوجود العقد أو شروط صحته كما يختص بمجمل المسائل المترتبة عن تنفيذه و عن فسخه و إنهائه، فالمنازعة حول طبيعة عقد الإيجار و محله و سببه و إثباته، و حول مواصفات العين المؤجرة هي من الدعاوى التي تمس بأصل الحق و يرجع فيها الاختصاص لقاضي الموضوع و في ذلك صدر قرار عن المحكمة العليا القرار رقم 227213 المؤرخ في 16/05/2000 جاء فيه " حيث أنه لا يمكن لقاضي الاستعجال أن يبت في دعوى الحال ذلك أن الأمر أصبح بعد استفادة الطاعن من عقد إيجار مقابل عقد الإيجار الذي يتمنع به المطعون ضده، فضلا على صدور قرار قضائي يقضي على الطاعن بالطرد من هذا المسكن، يتعلق بموضوع الدعوى، إذ يتعين على القاضي أن يحسم بين سندين اثنين ليبين من له الأحقية في الإيجار..."(4).
أما عن الفرع المختص بالنظر في مثل هذه الدعاوى؛ فإنه بالرجوع إلى المادة 02 من المرسوم التنفيذي 91-147 المؤرخ في 12/05/1991 (5)، فإننا نجدها تنص على أن دواوين الترقية و التسيير العقاري تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي ؛ و تعد تاجرة في علاقاتها مع الغير و تخضع لقواعد القانون التجاري ، وطبقا لذلك فإن تحديد القسم المختـص بنظر الدعوى، ينظر له من جهة المدعى عليه في النزاع، فإذا كان المستأجر من يرفع الدعوى فالقسم المختص هو القسم التجاري باعتبار أن ديوان الترقية و التسيير العقاري هي المدعى عليها أما إذا كان المدعي هو ديوان الترقية و التسيير العقاري فإن القسم المختص هو القسم المدني لكن من الناحية العملية فإن القسم المختص بنظر مثل هذه المنازعات هو قسم الإيجار المدني ، و قد حدث في السابق أن تمسك القاضي الإداري بالبت في المنازعة الايجارية عندما يكون منح السكن قد تم بموجب مقرر إداري ، لأن ديوان الترقية و التسيير العقاري بعد إنشائه بموجب الأمر رقم 74-63 المؤرخ في 10 يونيو 1974(6) اعتبر مؤسسة عمومية ذات طابع إداري وذلك بموجب الأمر76-93 المؤرخ في 23/10/1976 (7) و خضع لوصاية الوالي تحت إشراف وزارة الأشغال العمومية و البناء و من البديهي أن مراقبة شرعية هذه القرارات لا يمكن أن تخول للقاضي العادي، مع العلم أن هذا التشريع لم يبق ساري المفعول.
إن معظم المنازعات الناتجة عن عقد الإيجار يختص بها قاضي الموضوع؛ خاصة في حالة الإخلال بالالتزامات المفروضة على كلا المتعاقدين ، فيكون القاضي ملزم بإجراء تحقيق سواء بالمعاينة أو الخبرة و له سلطة تقدير الأدلة من أجل إصدار أحكامه ، بناء على ما سبق قسمت هذا المبحث إلى مطلبين تناولت في المطلب الأولالدعاوى التي يرفعها ديوان الترقية و التسيير العقاري وفي المطلب الثاني الدعاوى التي يرفعها المستأجر. المطلب الأول : الدعاوى التي يرفعها ديوان الترقية و التسيير العقاري.
إن ديوان الترقية و التسيير العقاري وباعتباره المصلحة المؤجرة للمحلات السكنية التابعة له، أجاز له المشرع و عند إخلال المستأجر بالتزاماته أن يبادر برفع دعوى أمام الجهة القضائية المختصة، من أبرزها الدعاوى المتعلقة بالأجرة، دعوى تحصيل الأعباء المشتركةدعوى عدم التأجير من الباطن، دعوى إثبات عقد الإيجار،دعوى إعادة الأمكنة إلى حالتها الأصلية. الفرع الأول: الدعاوى المتعلقة بالأجرة
تتمثل الدعاوى المتعلقة بالأجرة في دعوى تسديد بدل الإيجار ودعوى مراجعة بدل الإيجار. أولا- دعوى تسديد بدل الإيجار :
يستحق دفع بدل الإيجار و الأعباء الإيجارية في أجل أقصاه اليوم الخامس من الشهر التالي، و كل تأخير في الوفاء بالإيجارات يتجاوز ثلاثة أشهر يعرض المخالف للعقوبات المنصوص عليها في المادة 17 من المرسوم 76-147 و هذا ما أكدته المادة 29 من ملحق نفس المرسوم، و المتمثلة في فسخ عقد الإيجار و الذي يجب أن يتم أمام القضاء و ليس تلقائيا كما هو منصوص عليه في المواد المذكورة أعلاه، بالنسبة للسكنات الاجتماعية، و يمكن تصور الفسخ التلقائي في السكنات الترقوية. تستحق الأجرة بمجرد انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة، فيقع عليه إلزام بدفع مبلغ مالي شهرياً، و لقد نظم المشرع الأحكام الخاصة بالوفاء بالأجرة بالنسبة للسكنات التابعة لديوان الترقية و التسيير العقاري بموجب نصوص قانونية خاصة، لا يمكن التفاوض بشأنها كما هو الحال بالنسبة لعقود الإيجار الأخرى، و يعتبر هذا الالتزام من أهم الالتزامات التي تقع على عاتق المستأجر لأنه يجسد خاصية عقد الإيجار المتمثلة في كونه عقد معاوضة، ينتفع المستأجر بالعين المؤجرة مقابل دفعه مبلغ مالي شهري، و حدد المرسوم التنفيذي 76-147المذكور أعلاه ميعاد دفع الأجرة في المادة 08 منه حيث جاء فيها ما يلي " يستحق دفع قيمة الإيجار و الأعباء الايجارية في اجل أقصاه اليوم الخامس من الشهر التالي، و تسدد مقابل القسيمة المرسلة من المصلحة المسيرة "، أما عن طريقـة تسديدهـا فنصـت المادة 08 في فقرتها الأخيرة على ما يلي"... و يقوم المستأجر بسداد الإيجارات إما نقدا أو بأية كيفية قانونية أخرى للدفع، لدى الصناديق أو المكاتب المتخصصة المفتوحة لهذا الغرض".
وقد صدرت عدة أحكام بخصوص طلب تسديد بدلات الإيجار و ذلك عند إخلال المستأجر بالتزامه في الوفاء بالأجرة في الميعاد المحدد لها من بينها الحكم الصادر عن محكمة غليزان، قسم الإيجار في القضية رقم 10/05 المؤرخة في 13/03/2005 " ... حيث أنه تبين للمحكمة و بعد تفحص كل الوثائق أن المدعى عليه خالف التزامه المحدد ضمن عقد الإيجار و المتمثل في تسديد بدل الإيجار عند كل شهر رغم إعذاره، حيث أن المدعى عليه ( المستأجر) التمس استعداده للتسديد بالتقسيط و عملا بالمادة 119 الفقرة الثانيـة من القانـون المدنـي فإنه يجوز للقاضي منح أجل للمدين من أجل التسديد مما يتعين الاستجابة له و إلزامه بالتسديد للمبلغ المستحق في أجال سنة واحدة... ".
و تجدر الإشارة إلى أن المادة 30 من المرسوم 76-147 المذكور أعلاه تنص على ما يلي" يكون لبدل الإيجار والأعباء و كل ما هو مستحق للمصلحة المؤجرة بموجب أحكام هذا العقد؛ امتياز على كل ما يوجد بالأمكنة المؤجرة من أموال منقولة طبقا لأحكام المادة 995 من القانون المدني"
ثانيا- دعوى مراجعة بدل الإيجار: تنص المادة11 من ملحق المرسوم 76-147 المذكور أعلاه على أنه في حالة التعديل الكلي أو الجزئي للعناصر التي استخدمـت أساسا في حساب الإيـجار و الأعباء المشتركة تطبق الأحكام الجديدة بحكم القانون، و في حالة رفض المستأجر المراجعة؛ لديوان الترقية رفع دعوى أمام القاضي المدني لتعيين خبير مختص في تقدير نسبة المراجعة. الفرع الثاني : دعوى تحصيل الأعباء المشتركة
ترفع هذه الدعوى في حالة الإخلال بالالتزامات المتعلقة بتسيير الملكية المشتركة للعمارات الجماعية التي نظمها المرسوم التنفيذي 83/666 المؤرخ في 12/11/1983(8) المعدل والمتمم بالمرسوم التنفيذي رقم 94-59 المؤرخ في 07/03/1994(9)، و في حالة رفض الشركاء تسديد الأعباء؛ يمكن رفع دعوى قضائية لإلزامهم بالتنفيذ العيني، وقد صدرت بهذا الشأن عدة أحكام قضائية أبرزها الحكم رقم 187/03 المؤرخ في 17/02/2003 الصادر عن قسم الإيجار بمحكمة وهران. الفرع الثالث: دعوى عدم التأجير من الباطن
بموجب المادة 04 الفقرة 05 من المرسوم رقم 76-147 المذكور أعلاه منع المشرع كل أصناف التأجير من الباطن للسكنات التابعة لديوان الترقية والتسيير العقاري ، و في حالة قيام المستأجر بتأجير المحل السكني من الباطن، جاز للمؤجر رفع دعوى فسخ عقد الإيجار طبقا لنص المادة 17 من نفس المرسوم المذكور أعلاه، و يترتب على المؤجر إثبات التأجير من الباطن باستظهار عقد الإيجار بينه و بين المستأجر الأصلي و في حالة إثبات المخالفة و فسخ العقد يجوز للمؤجر اللجوء إلى القاضي الإستعجالي مستظهرا نسخة من الحكم لطرد المستأجر و كافة الشاغلين بإذنه، كما يجوز له طلب التعويض عن الضرر الذي أصابه جراء إخلال المستأجر بالتزاماته ، حيث أن المحكمة العليا قضت في قرارها رقم 41228 مؤرخ في 16/03/1987 بأن تخلي المستأجر الأصلي عن سكن في عمارة هي ملك للدولة لا يشكل سند إيجار لصالح المستفيد من هذا التخلي و لا يخوله حق البقاء في الأمكنة، لكن بصدور المرسوم التنفيذي 98-43 (10) نجده قد سمح بنقل حق الإيجار بشروط معينة و حددها في نص المادة الأولى منه . الفرع الرابع : دعوى إثبات عقد الإيجار
بالرجوع للقواعد العامة، نجد أن عقد الإيجار كان عقدا رضائيا، يتم بمجرد تبادل الطرفان التعبير عن إرادتيهما المتطابقتين، ولا يحتاج إلى أي إجراء شكلي باستثناء الإيجار التجاري وإيجار الأراضي الفلاحية، وإذا كان الأصل في الإيجار أنه عقد رضائي؛ فإن المرسوم التشريعي المتعلق بالنشاط العقاري قد أوجب في المادة 20 منه على ضرورة أن يكون عقد الإيجار مكتوب وفقا للنموذج المنصوص عليه في المرسوم التنفيذي رقم 94-69 ،وقد تم تأكيد ذلك بصدور التعديل الذي مس القانون المدني في الأحكام المتعلقة بالإيجار بموجب القانون 07/05 (11)هذا بالنسبة للإيجار طبقا للقواعد العامة في القانون المدني ، إلا أن ما يميز إيجار السكنات التابعة لديوان الترقية و التسيير العقاري هو أن المشرع أخضعها منذ البداية إلى وجوب تحرير عقد إيجار طبقا للمرسوم التنفيذي 76-147، وهذه القاعدة في آن واحد شكلية لصحة العقد، ووسيلة وحيدة لإثباته، ولا يمكن إثباته لا بوصولات دفع الإيجار ولا بالقرارات الولائية ذلك أن الوالي لا يدخـل في اختصاصه إبـرام عقد إيجار هذه السكنات (12) وتنص المادة 02 من المرسوم التنفيذي رقم 76-147على ما يلي: " تبرم إجارة المنازل المشار إليها في المادة السابقة بموجب عقد طبقا للأحكام المنصوص عليها فيما بعد، وحسب النموذج المرفق بالملحق "، نستنتج من ذلك أن علاقة الإيجار لا تثبت إلا بموجب عقد مكتوب مبرم بين مدير ديوان الترقية والتسيير العقاري والمستأجر، ولا يمكن إثباته بوصل إيجار أو بقرار صادر من الوالي كما يجري في بعض الحالات (13) ،وهذا ما أكده القضاء في قرار صادر عن المحكمة العليا جاء فيه" إن عقد الإيجار المبرم بين المستأجر وديوان الترقية والتسيير العقاري، لا يثبت إلا بموجب عقد مكتوب محرر حسب نموذج معين عملا بما جاء في المادة 02 من المرسوم 76-147 ، وأن الاحتجاج بوصولات الإيجار في هذا المجال، غير ممكن في غياب عقد الإيجار" (14)، وبصدور المرسوم التنفيذي 97-35 والمطبق على السكنات المؤجرة والمسلمة بعد أكتوبر 1992 نص في المادة الثالثة منه " يتم إعداد عقد الإيجار وفقا للنموذج المنصوص عليه في المرسوم التنفيذي رقم 94-69 المؤرخ في 19/03/1994".
مما سبق نستنتج أن المشرع أوجب ضرورة إفراغ عقد الإيجار في سند مكتوب،كما يجب تسجيله على مستوى مفتشيه التسجيل بالمصالح المالية حتى يكون العقد صحيحا وهذا ما نصت عليه المادة 21 من المرسوم التشريعي 93-03 المتعلق بالنشاط العقاري (15) حتى يكون حجة على الغير، ويحرر العقد في أربعة نسخ تسلم نسخة واحدة منه للمستأجر، ويتحمل هذا الأخير حقوق الطابع والتسجيل.
وقد صدرت عدة قرارات من المحكمة العليا تؤكد ضرورة إعداد عقد الإيجار وفقا للنموذج المنصوص عليه في المرسوم 76-147 بالنسبة للإيجارات المسلمة قبل شهر أكتوبر 1992 وطبقا لعقد الإيجار المنصوص عليه في المرسوم رقم 94-69 بالنسبة للإيجارات المسلمة بعد شهر أكتوبر 1992، وهذا ما أكده القرار جاء فيه: " ... حيث أن على من يدعي الإيجار أن يثبته، وأنه فيما يتعلق بالمساكن التابعة لديوان الترقية والتسيير العقاري فإن صفة المستأجر تثبت بقرار منح إذا تعلق الأمر بسكن تابع لأملاك الدولة سابقا أو بعقد إيجار مبرم مع المؤجر عملا بالمادة 02 من المرسوم 76-147 المؤرخ في 23/10/1976، ولا يمكن الاحتجاج بأية وثيقة أخرى مهما كانت طبيعتها ...".
ولقد وضع المشرع نموذجا للعقد طبقا للمرسوم التنفيذي 94-69 أوضح فيه هوية أطراف العقد، وتحديد محل العقد، و الأعباء التي يتحملها الطرفين، والضمانات الواجب تقديمها، ثم تطـرق في المادتين السادسة و السابعة منه إلى تحديد التزامات الطرفين وتطرق في المادتين العاشرة و الحادية عشر إلى حالات انفصام العلاقة بين الطرفين ونص أخيرا على وجوب إخضاع هذا العقد للتسجيل لدى المصالح المؤهلة، مع ضرورة توقيع العقد من طرف كل من المصلحة المؤجرة والمستأجر.
وتجدر الإشارة إلى أن عقد الإيجار المبرم وفقا للنموذج المرفق بالمرسوم 76-147 هو عقد مكتوب ورسمي باعتبار أن ديوان الترقية كان ذو طابع إداري وبتغيير طبيعته القانونية بموجب المرسوم 91-147 أصبح ذو طابع صناعي وتجاري وبالتالي فالعقد الذي يبرمه ديوان الترقية لا يمكن إضفاء صفة الرسمية عليه فهو عقد عرفي خاضع لنموذج معين، ثم جاء المرسوم التنفيذي 94-69 المذكور أعلاه واشترط في المادة 11 منه على وجوب إخضاع العقد للتسجيل لدى المصالح المؤهلة لذلك.
فإثبات عقدإيجار السكنات التابعة لديوان الترقية، لا يكون إلا بالكتابة حسب النموذجين المحددين بالمرسوم التشريعي 76-147 و المرسوم التنفيذي 97-35 المذكوران أعلاه ويترتب عنه أنه من يملك وسيلة أخرى مهما كان نوعها يعتبر شاغل بدون سند قانوني و للمؤجر استصدار حكم بطرده.
الفرع الخامس : دعوى إعادة الأمكنة إلى حالتها الأصلية
ترفع هذه الدعوى في حالة رفض المستأجر القيام بها رغم إنذاره و بغض النظر عن دعوى الطرد التي تترتب عن ذلك، وقد صدر بهذا الشأن حكم عن محكمة تيارت قسم الإيجار، قضية رقم 171/05 المؤرخة في 29/06/2005 و جاء فيها:"...حيث أن موضوع الدعوى يتعلق بإرجـاع الـعين المؤجرة إلى الحالة التي أعدت لها و حيث أن طرفي الدعوى مرتبطين بموجب عقد إيجار...وحيث جاء في هذا العقد أن المستأجر لا يمكنه تغيير العين المؤجرة... و حيث أن المدعي أعذر المدعى عليه بهذا التغيير و طالبه بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليها...حيث أن تصرف المدعى عليه يسبب مما لا شك فيه أضرار بالعين المؤجرة مما يتعين إلزامه بالتعويض مع إرجاع العين المؤجرة إلى الحالة التي كانت عليها".
الفرع السادس : دعوى منع التبادل دون الموافقة الصريحة لديوان الترقية والتسيير العقاري
يمكن للمستأجرين الذين يشغلون السكنات التابعة لديوان الترقية، بموجب عقود قانونية، القيام بتبادل سكناتهم، على أن يكون هذا التبادل بمعرفة من المؤجر وبعد ترخيص منه، ويبقى طرفا التبادل مسؤولين بما عليهم من التزامات اتجاه المؤجر بالنسبة للسكن الذين كانوا يحتلونه حيث نصت المادة 15 من المرسوم 76-147 على ما يلي " يستطيع المستأجرون المقيمون في نفس المنطقة و المستفيدون بحق البقاء بالعين المؤجرة أن يتبادلوا محال السكنى التي كانوا يشغـلونها من أجل استعمال أفضـل للعائلـة وعلى كل مبادل أن يخطر المصلحة المؤجرة التابعة لها، وعلى هذه الجهة أن تعرض طلب التبديل على اللجنة المختصة إقليميا بتوزيع السكن، ولا تقبل المصلحة المؤجرة بهذا التبديل إلا بعد صدور ترخيص صريح من اللجنة المذكورة، ويضل المستأجر الذي قام بالتبديل، ملزما اتجاه المصلحة المؤجرة بجميع الالتزامات المترتبة على استئجاره لمنزل كان يشغله قبل التبديل " وبعض الأفراد المتحصلين بموجب عقود إيجار على سكنات تابعة لديوان الترقية والتسيير العقاري يقومون بعملية تبادل بهذه المساكن دون الحصول على إذن صريح من لجنـة منـح السكن، وكان موقـف المحكمة العليا من هذه التصرفات في القرارالذي جاء فيه " من المقرر قانونيا من المرسوم رقم 76-147 المؤرخ في 23/10/1976 المتضمن تنظيم علاقات الإيجار من ديوان الترقية والتسيير العقاري و المستأجرين أن التبادل أو التخلي عن المساكن المملوكة للدولة يخضع للموافقة الصريحة للهيئة المسيرة، ومن ثم فإن التخلي عن القرار المطعون فيه بمخالفة القانون غير مؤسس، ولما كان من الثابت في قضية الحال أن عملية التبادل للسكنين المملوكين للدولة تمت بدون الموافقة الصريحة للهيئة المسيرة وان قضاة الموضوع بقرارهم الرافض لهذه العملية أصابوا في تطبيق القانون "(16).
الفرع السابع: دعوى استعمال السكن فيما أعد له
إذا أخل المستأجر بالتزامه في استعمال الشيء المؤجر فيما أعد له فللمؤجر أن يطالب بتنفيذ هذا الالتزام عينا و ذلك باستعمال السكن وفق الغرض الذي أجر من أجله و يمكن للقاضي تضمين الحكم بالغرامة التهديدية إذا طلب ذلك المؤجر و توافرت شروطها طبقا لنص المادة 147 من القانون المدني.
المطلب الثاني: الدعاوى التي يرفعها المستأجر
قد يقوم المستأجر برفع دعاوى ضد ديوان الترقية عند إخلال هذا الأخير بالتزاماته و التي من بينها دعوى تسليم العين المؤجرة، دعوى عدم التعرض، دعوى القيام بأعمال الترميم والصيانة، دعوى تسليم و صل دفع بدل الإيجار.
الفرع الأول: دعوى تسليم العين المؤجرة
نص المشرع على ضرورة تسليم المصلحة المؤجرة للعين المؤجرة في المرسومين التنفيذيين 76-147 و 94-69، لكنه لم يتناول مضمون الالتزام بالتسليم، مما يجعلنا نعود إلى القواعد العامة في القانون المدني لتحديد ذلك، و يكون تسليم العين المؤجرة ؛ بوضعها تحت تصرف المستأجر بحيث يتمكن من حيازتها والانتفاع بها دون عائق ولو لم يستولي عليها استيلاء ماديًا ما دام المؤجر أعلمه بذلك فالغرض من التأجير يكون محدد في عقد الإيجار، على أنه معد للسكن، و يشترط في التسليم أن تكون العين المؤجرة صالحة للسكن و محل الالتزام بالتسليم هو العين المؤجرة وملحقاتها ويتم التسليم بتحرير محضر بذلك ، و بالنسبة لمضمون الالتزام بالتسليم فتنص المادة 476 القانون المدني على ما يلي " يلتزم المؤجربتسليم العين المؤجرة للمستأجر في حالة تصلح للاستعمال المعد لها تبعا لاتفاق الطرفين ".
هذا بالنسبة للعين المؤجرة، أما ملحقاتها فتحديدها يختلف باختلاف الظروف يترك لتقدير قاضي الموضوع يستهدي فيه بما أعد بصفة دائمة لاستعمال العين المؤجرة، و بالغرض المقصود منها و بطبيعة الأشياء و عرف الجهة و قصد المتعاقدين (17).
أما عن كيفية تسليم العين المؤجرة، فإنه وبالرجوع إلى نص المادة 367 من قانون المدني نستخلص منها أن التسليم يكون بوضع العين المؤجرة تحت تصرف المستأجر أو بإخلائه من المستأجر السابق، في حالة وجوده، أما عن وقت تسليم العين المؤجرة فديون الترقية لا يسلم المسكن إلى بعد إبرام عقد الإيجار، و يتم تسليم المسكن بإعطاء مفاتيح السكن للمستأجر، وقد أكدت المادة 16 من المرسوم 76-147 على ضرورة تسليم العين المؤجرة في حالة جيدة قابلة للسكنى وذلك بان تكون الجدران نظيفة و الأبواب و النوافذ و الأقفال محكمة، وإذا سلمت المصلحة المؤجرة الشيء المؤجر في حالة لا يكون فيه صالحا للانتفاع المعد له أو طرأ على هذا الانتفاع نقص كبير لا يمكن التسامح فيه بحسب العرف كانت المصلحة المؤجرة مسؤولة في إجراء الإصلاحات اللازمة ، و في حالة إخلال المصلحة المؤجرة بالتزاماتهما السابقة يكون للمستأجر الحق في التعويض، وقد يكون ذلك بإنقاص الأجر بما يقابل النقص في مقدار العين المؤجرة و قد يكون التعويض أكثر من ذلك، إذا ما أصاب المستأجر ضرر أكثر بكثير من نسبة النقص، كما يجوز للمستأجر أن يطلب فسخ عقد الإيجار إذا كان النقص جسيماً.
وتسقط دعوى إنقاص الأجرة أو فسخ العقد ، بمضي سنة، تبدأ من وقت التسليم الفعلي للعين المؤجرة و مدة سنة هاته هي مدة تقادم و ليست مدة سقوط ، و إذا امتنع المؤجر عن تنفيذ التزامه فان المستأجر يستطيع أن يطالب بالتنفيذ العيني طالما كان ذلك ممكنا كما له الحق في أن يطالب بالفسخ مع التعويض في الحالتين إذا كان المؤجر هو المتسبب في عدم التنفيذ، أما إذا كان هناك سبب أجنبي فإن المستأجر لا يطالب إلا بالفسخ مع رد ما سبق أن قدمه من أجرة.
الفرع الثاني: دعوى عدم التعرض
يضمن المؤجر التعرض الصادر منه شخصياً؛ سواء كان تعرضاً مادياً أو تعرضاً مبنياً على سبب قانوني و كذلك يضمن التعرض الصادر من الغير إذا كان مبنياً على سبب قانوني، و لا يضمن التعرض المادي الصادر من الغير، و حتى يتمكن المستأجر من التمتع بالعين المؤجرة، تمتعاً هادئاً، فقد ألزم المشرع المؤجر بضمان التعرض حيث نصت المادة 16 الفقرة الثانية من المرسوم التنفيذي 76-147 على ما يلي"... يضمن المؤجر للمستأجر، جميع الأضرار أو التعرضات في الانتفاع بالعين الناجمة عن أعمال مندوبيه أو الغير" ونصت المادة 07 الفقرة الثالثة من المرسوم التنفيذي 94-69 على ما يلي"... الامتناع عن المساس بحقوق المستأجر في التمتع بالأماكن المؤجرة تمتعاً إرتياحياً ".
نستنتج مما سبق أن المستأجر يقوم برفع هذه الدعوى في حالة التعرض المادي أو القانوني الصادر من طرف المؤجر و حيلولته دون انتفاعه بالعين المؤجرة، حيث كثيرا ما يحدث بفعل سوء تصرف الإدارة؛ أن يستفيد شخصان أو أكثر بنفس السكن التابع لديوان الترقية و التسيير العقاري، في هذه الحالة إذا كانت الاستفادة بالنسبة للجميع مؤسسة على مقرر إداري؛ بقي المؤجر حرا في التعامل مع من يريد بالنسبة للسكن موضوع النزاع أي أنه يتعاقد مع أحد المستفيدين أو مع غيرهم دون أي مانع قانوني أما إذا كان أحدهم أبرم العقد مع المؤجر و الباقون مستفيدين بمقررات إدارية يِؤخذ بالعقد دون المقررات الإدارية و في حالة استفادة عدة أشخاص بعقود حول نفس السكن يؤخذ بأقدم عقد ذلك أن وضع اليد الذي تنص عليه المادة 485 من القانون المدني لا يمكن أن يتحقق بالنسبة لمثل هذه المساكن إلا في حالة إبرام العقد.
و لقد صدرت عدة قررات بهذا الشأن عن المحكمة العليا منها القرار الذي جاء فيه ما يلي:" حيث فعلا يتبين من الأوراق المودعة بالملف أن عقد الإيجار الأقدم هو الذي انعقد لصالح السيدة ( ب.م )وأن المجلس أخطأ لما أسس تصريحه بصحة العقد لفائدة السيدة (ب.م ) الثانية و ذلك على أساس المادة485 من قانون المدني و أن المجلس أساء تطبيق القانون .. ".
الفرع الثالث: دعوى القيام بأعمال الترميم والصيانة
إن أعمال الترميم والصيانة قد على سبيل المثال لا على سبيل الحصر و تنقسم أعمال الترميم والصيانة إلى نوعين، أولهما ترميمات ضرورية تؤثر في الانتفاع بالمحل السكني المؤجر، لا في سلامته، مثل تبيض الأسطح أو تنظيف المراحيض و تصريف المياه و تدخل هذه الأعمال ضمن الصيانة العادية، ولذا لا تتطلب إعذار المؤجر للقيام بها، بينما الأفعال الطارئة التي تحدث نتيجة قوة قاهرة فعلى المستأجر أن يخبر بها المؤجر و إذا تأخر بعد اعذراه عن القيام بهذه الترميمات؛ فللمستأجر أن يحصل على ترخيص من المحكمة يسمح له بإجراء ذلك بنفسه و باقتـطاع ما أنفقه من ثمن الإيجار، كما له الحق في طلب إنقاص الأجرة، أو فسخ العقد و لقد صدر قرار عن المحكمة العليا في هذا الشأن جاء فيه" من المقرر قانونا ً أنه يتعين على المؤجر أن يتعهد بصيانة العين المؤجرة لتبقى على الحالة التي كانت عليها، وقت التسليم، و يجب عليه أن يقوم بجميع الترميمات الضرورية و لما ثبت في قضية الحال أن ديوان الترقية و التسيير العقاري هو مالك البناية الموجودة بها السقف المتنازع على ترميمه، فان تلك الترميمات اللازمة لصيانة العين المؤجرة لكي تبقى على الحالة التي كـانت عليها وقت التسليم تقع على عاتق المؤجر، و عليه فان قضاة الموضوع بتحميلهم للمستأجر عبء الترميمات المذكورة يكونوا قد خالفوا القانون و عرضوا قرارهم للنقض"(18).
وثانيهما ترميمات ضرورية مستعجلة، و هي تلك الترميمات التي تؤثر في سلامة المحل السكني كترميم الأسقف إذ كانت موشكة على الانهيار أو إصلاح الحائط إذ كان مهدداً بالسقوط ، ويجب على المؤجر القيام بها، حتى يحافظ على العين المؤجرة من الهلاك و لا يجوز للمستأجر أن يمنعه من القيام بهاكما يمكن للمستأجر أن يقوم بها دون حاجة إلى ترخيص من القضاء، و عليه عند تأخر المؤجر رغم إعذاره عن القيام بالتزاماته المنصوص عنها في المادة 479 من القانون المدني ، جاز للمستأجر طبقا لنص المادة 480 من القانون المدني الحصول على ترخيص من المحكمة لإجراء هذه الترميمات بنفسه ثم يقوم باقتطاع ما أنفقه من ثمن الإيجار، مع حقه في طلب فسخ الإيجار أو إنقاص ثمنه و يجوز للمستأجر دون حاجة لترخيص من القضاء القيام بالترميمات المستعجلة و ينقص ما أنفقه من ثمن الإيجار إذا لم يقم المؤجر بتنفيذها في الوقت المناسب بعد اعذراه.
ولقد ألزم المشرع ديوان الترقية والتسيير العقاري، في حالة استرجاعه للمسكن من أجل القيام بترميمات التعلية أو التحسين وتتطلب الإخلاء المسبق للأمكنة المشغولة طبقا لنص المادة 14 من المرسوم 76-147 بأن توفر للمستأجر حق شغل منزل آخر صالح للسكن لغاية انتهاء الترميمات، و لا يعتبر شغل المستأجر للسكن الجديد عقد إيجار؛ بل هو رابطة ايجارية قامت بقوة القانون لحين زوال وجودها والمتمثل في إنهاء الترميمات والعودة للمسكن القديم، وفيما يخص التكاليف المقررة على المحل السكني فيتحملها المؤجر؛ من ضرائب ورسوم مقررة على العين المؤجرة، كما يتحمل ثمن المياه إذا قدر جزافاً فإذا قدر بالعداد فيكون على المستأجر،أما ثمن الكهرباء والغاز وغير ذلك مما هو خاص بالاستعمال الشخصي فيتحمله المستأجر، و الالتزام بالقيام بالترميمات الضرورية بنوعيها وتسديد التكاليف المقررة على العين المؤجرة ليست من النظام العام، إذ يجوز الاتفاق على خلاف ذلك طبقا لنص المادة 479 الفقرة الثالثة من القانون المدني.
الفرع الرابع : دعوى تسليم و صل دفع الإيجار
تستحق الأجرة بمجرد انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة، فيقع عليه التزام بدفع مبلغ مالي شهرياً، و لقد نظم المشرع الأحكام الخاصة بالوفاء بالأجرة بالنسبة للسكنات التابعة لديوان الترقية و التسيير العقاري بموجب نصوص قانونية خاصة، لا يمكن التفاوض بشأنها كما هو الحال بالنسبة لعقود الإيجار الأخرى، و يعتبر هذا الالتزام من أهم الالتزامات التي تقع على عاتق المستأجر لأنه يجسد خاصية عقد الإيجار المتمثلة في كونه عقد معاوضة، ينتفع المستأجر بالعين المؤجرة مقابل دفعه مبلغ مالي شهري، و حدد المرسوم التنفيذي 76-147 ميعاد دفع الأجرة في المادة 08 منه " يستحق دفع قيمة الإيجار و الأعباء الايجارية في اجل أقصاه اليوم الخامس من الشهر التالي، و تسدد مقابل القسيمة المرسلة من المصلحة المسيرة "، أما عن طريقة تسديدها فنصت المادة 08 في فقرتها الأخيرة على ما يلي:"... و يقوم المستأجر بسداد الإيجارات إما نقدا أو بأية كيفية قانونية أخرى للدفع، لدى الصناديق أو المكاتب المتخصصة المفتوحة لهذا الغرض".
و قد جاء القرار المؤرخ في 27 يناير 1998 متضمنا المصادقة على نموذج وصل الإيجار الذي يعتبر وسيلة إثبات و وفاء المستأجر للأجرة، و إن إظهار الوصل الأخير من قبل المستأجر يعد قرينة لوفائه بالإقساط السابقة، حتى يقوم دليل على خلاف ذلك طبقا لنص المادة 499 من القانون المدني ،مع الإشارة إلى أن تحديد مبلغ الإيجار يخضع لنصوص قانونية لا لإرادة ديوان الترقية والتسيير العقاري، وإذا لم تقم هذه الأخيرة بتسليم وصل إيجار للمستأجر جاز له أن يرفع دعوى قضائية ضدها من أجل أن تسلمه ذلك لاستعماله كدليل إثبات دفع بدل الإيجار في حالة مطالبته بذلك.
المبحث الثاني : المنازعات المرفوعة أمام القاضي الإستعجالي
يختص قاضي الاستعجال بالبت في دعاوى الإيجار حسب المادتين300 و303 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية (19) بتوافر عناصر الاستعجال و عدم المساس بأصل الحق، و بالرجوع لنص المادة 17 من المرسوم 76-147 المذكور أعلاه نجدها تنص على اختصاص القاضي الإستعجالي بطرد المستأجر عند إخلاله بالتزاماته الواردة في هذا المرسوم كما يحق للمستأجر اللجوء إلى القاضي الإستعجالي لرد الاعتداء الواقع من طرف الغير أو من طرف ديوان الترقية، وذلك بموجب أمر مستعجل، إلا أننا نرى أنه و عند الإخلال بالالتزامات التعاقدية، على القاضي إجراء تحقيق في الموضوع عن طريق المعاينة أو الخبرة، و له في ذلك تقدير الأدلة حتى يتأكد من وجود الإخلال بالالتزام فعلا و هذا من اختصاص القاضي العادي أي قاضي الموضوع باعتبار أن القضاء الاستعجالي يقوم بتدابير مؤقتة لا تمس بأصل الحق و لقد كرس اجتهاد المحكمة العليا بعض المبادئ لتحديد الحالات التي يكون فيها قاضي الاستعجال مختصاً للبت في دعاوى الإيجار.
المطلب الأول: الدعاوى التي يرفعها ديوان الترقية والتسيير العقاري
بالرجوع للمادة 17 من المرسوم التنفيذي 76-147 نجدها تنص على أن مخالفة أحكام هذا المرسوم تؤدي إلى فسخ عقد الإيجار فوراً، و تعرض المتسبب للطرد الفوري بموجب أمر مستعجل، و قد توجه اجتهاد المحكمة العليا إلى منح المستأجر حماية القضاء؛ عند زعم المؤجر ارتكاب هذا الأخير مخالفة لمقتضيات المرسوم المذكور والتمسك بفسخ العقد، و ذلك بالتأكيد على ضرورة اللجوء للقضاء في هذه الحالة، لأن القاضي لوحده يستطيع البت في توافر شروط الفسخ من عدم توافرها و لو كان ذلك عن طـريق الاستعجال (20) وقد صدر في هذا الشأن قرار عن المحكمة العليا جاء فيه " و لكن حيث أن القرار المطعون فيه أسّس وجود الاستعجال على المادة 17 من المرسوم76-147 المؤرخ في 23/10/1976، تلك المادة التي تمنح صراحة الاختصاص لقاضي الاستعجال في الدعاوى المتعلقة بالطرد من السكنات التابعة لديوان الترقية عند مخالفة المرسوم المذكور و أن احتلال السكن التابع لديوان الترقية بدون إبرام عقد إيجار يعتبر مخالفة للمرسوم السالف الذكر، و عليه فإن الاختصاص يكون لقاضي الاستعجال مهما طال الاحتلال غير المشروع...".
وهناك قرار آخر عن المحكمة العليا جاء فيه " ولكن يتعين فيما يتعلق بأملاك دواوين الترقية الرجوع إلى المرسوم76-147 الذي نص من ضمن ما نص عليه على القاضي المختص في النزاعات المتعلقة بها و ذكر في المادة 17 منه أن القاضي المختص للفصل في المخالفات المرتكبة من طرف المستأجر هو قاضي الاستعجال و حيث أن التصرف في السكن دون علم المؤجر هو مخالفة لعقد الإيجار بمعنى هذا المرسوم و عليه فقاضي الاستعجال مختص بقوة القانون بغض النظر عما جاء في المادة 186 من قانون الإجراءات المدنية...".
و بالرجوع إلى الاجتهاد القضائي نجد العديد من الدعاوى المرفوعة أمام القضاء الإستعجالي نتناول منها بالدراسة دعويين هما دعوى الطرد بسبب التأجير من الباطن ودعوى الطرد لانعدام سند الإيجار وذلك من خلال فرعين على التوالي.
الفرع الاول : دعوى الطرد بسبب التأجير من الباطن
و ذلك في حالة إثبات المخالفة من طرف المؤجر وتم فسخ عقد الإيجار يجوز له اللجوء إلى القاضي الإستعجالي مستظهرا نسخة من الحكم لطرد المستأجر و كافة الشاغلين طبقا لنص المادة 17 من المرسوم 76-147 وقد صدر عن محكمة تيارت القسم الاستعجالي القرار رقم 356/2005 المؤرخ في29/11/2005 ،الذي قضى بـ:"...حيث أنه يتجلى من خلال ملف التداعي أن فحوى هذه المنازعة يتمحور حول طرد المدعي من السكن الواقع في... و كل من يحل محله... حيث أنه و بعد تمحيص مذكرة الطرفين ادعاءاتا و دفوعا و تطبيقا لأحكام المادة 183 من ق. إ. م و التي يستشف من خلالها أن عناصر الاستعجال قائمة... لاسيما عنصر الإخلال بالالتزام التعاقدي الذي مبناه عقد الإيجار والمفرغ فيه الشرط الفاسخ مفروض قيامها قانونا..."، و هذا ما أكده موقف المحكمة العليا في العديد من قراراتها.
الفرع الثاني : دعوى الطرد لانعدام سند الإيجار
إن الأشخاص الذين لا يحملون سند الإيجار و رفضوا إخلاء الأمكنة فهم بمثابة معتدين على الأمكنة ، يجعل من القاضي الاستعجالي مختصا ليجعل حد له و في ذلك صدر قرار عن المحكمة العليا جاء فيه " حيث أن إختصاص قاضي الاستعجال لا ينحصر في وجود خطر و مرور زمن قصير على واقعة المنازعة بل يتوفر الركن الاستعجالي من خلال طبيعة الاحتلال للمحلات المعدة للسكن مثل الاحتلال بدون حق و لا سند لما يترتب عن ذلك من ضرر لا يعوض و حيث أن في دعوى الحال أثبت قاضي الاستئناف بأن الطاعنة شاغلة بدون سند، و هذا يكفي لمنح الاختصاص لقاضي الاستعجال" كذلك الحكم الصادر عن محكمة البليدة، القسم العقاري في القضية رقم 211/02 المؤرخة في 08/06/2002 الذي جاء فيه ما يلي" ... حيث أن المدعي (ديوان الترقية والتسيير العقاري) يلتمس الحكم بفسخ عقد الإيجار المبرم ما بين الطرفين و طرد المدعى عليه و كل شاغل بإذنه من السكن الموجود ب... و إلزامه بتسديد مؤخرات الإيجار ابتداء من 01/10/1991 إلى غاية صدور الحكم وتنفيذه على أساس مبلغ شهري قدره 203.000 دج وإلزامه بتعويض قدره 20.000 دج حيث أن المدعى عليه قد أخلى بالتزاماته رغم اعذراه من طرف المدعي مما يتعين معه الاستجابة لطلب المدعي و المتعلق بفسخ عقد الإيجار ما بين الطرفين..."، وصدر عن المحكمة العليا القرار رقم 101918 المؤرخ في 26/10/1993 ليؤكد ذلك.
وغيرها من الالتزامات الأخرى التي نصت عليها المادة 20 من عقد الإيجار النموذجي الملحق بالمرسوم 76-147 المؤرخ في 23/10/1976 وكل مخالفة لهذه الالتزامات، تؤدي إلى فسخ عقد الإيجار فورا، وتعرض المتسبب للطرد الفوري بموجب أمر مستعجل، مع عدم الإخلال بالإجراءات الأخرى المناسبة، التي ترى المصلحة المؤجرة لزوما في اتخاذها.
وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارهاالذي جاء فيه" عن الوجه المثار تلقائيا من طرف المحكمة العليا حيث أن القرار المطعون فيه أسس قضاءه على إلغاء قرار منح السكن للطاعن من طرف الولاية، معتبراً أن لهذه الأخيرة الحق في جعل حد للعلاقة الإيجارية دون اللجوء إلى الطرق القانونية، حيث أن المرسوم 76-147 المؤرخ في 23/10/1976 المنظم للعلاقة الإيجارية بين المستأجر لمحل سكني وديوان الترقية والتسيير العقاري ينص في المادة 17 على أن كل مخالفة لمقتضيات هذا المرسوم تؤدي إلى فسخ عقد الإيجار فورا ويعرض المتسبب للطرد الفوري بموجب أمر مستعجل.
حيث انه تبين من قراءة هذا النص حتمية لجوء المؤجر إلى القضاء لطلب طرد المستأجر، دون استعمال الطرد الإداري.
حيث انه بتأسيس الطرد على إلغاء قرار الاستفادة من السكن من طرف الإدارة يكون المجلس القضائي قد خالف القانون ".
المطلب الثاني: حق المستأجر في اللجوء إلى القضاء الإستعجالي
يجوز للمستأجر بالموازة لحق المؤجر في اللجوء للقاضي الإستعجالي، أن يستعمل حقه هذا و ذلك عند إخلال المؤجر بالتزاماته، فالمؤجر عليه التزام بتمكين المستأجر من الانتفاع بالشيء المؤجر طيلة مدة عقد الإيجار، فإذا اعتدي على هذا الحق جاز للمستأجر اللجوء إلى القضاء الإستعجالي لرد الاعتداء. و ذلك لإعادة الحالة إلى ما كانت عليها أو يأمر بوقف الأشغال و هو إجراء استعجالي لا يمس بأصل الحق طبقا لنص المادة 303 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية. خاتمة
إن موضوع إيجار السكنات التابعة لديوان الترقية والتسيير العقاري موضوع مرتبط بالسياسة، حيث أصدرت الدولة في هذا المجال عدة مراسيم لتنظيمه وجعله يتماشى مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيها، ورغم ذلك فإن المنازعات التي تثار بشأن هذا العقد تعد كثيرة ومتنوعة وهنا يبرز دور القاضي باعتباره الحَكَمْ الذي يفصل في الخصومات الناشئة عن مثل هذا النوع من الإيجارات لذلك على القاضي أن يدرك جيدا الخصائص التي يتميز بها هذا العقد عن غيره من عقود الإيجار الأخرى.
التهميش :
(1) المرسوم التنفيذي 76-147 المؤرخ في 23/10/1976، المتضمن تنظيم العلاقات بين المؤجر و المستأجر لمحل معد للسكن و التابع لمكاتب الترقية و التسيير العقاري، الجريدة الرسمية المؤرخ في سنة 1977، العدد 12.
(2) المرسوم التنفيذي 91-454 المؤرخ في 23/10/1991، يحدد شروط إدارة الأملاك الخاصة والعامة التابعة للدولة وتسييرها وضبط ذلك، الجريدة الرسمية، عدد 60.
(3) الجريدة الرسمية العدد 24 المؤرخة في 11 مايو 2008 .
(4) أنظر ذيب عبد السلام ، عقد الإيجار المدني ، دراسة نظرية و تطبيقية من خلال الفقه و اجتهاد المحكمة العليا، الطبعة الأولى ، الديوان الوطني للأشغال التربوية ، سنة 2001 ، ص 204 .
(5) المرسوم التنفيذي 91-147 المؤرخ في 12 ماي 1991 ، المتضمن تغيير الطبيعة القانونية للقوانين الأساسية لدواوين الترقية و التسيير العقاري و تحديد كيفيات تنظيمها و عملها، الجريدة الرسمية ، العدد25.
(6) الأمر74-63 المؤرخ في 10 يونيو 1974، المتضمن إحداث و تجديد القانون الأساسي بمكاتب الترقية و التسيير العقاري، الجريدة الرسمية العدد 49.
(7) الأمر رقم 76-93 المؤرخ في 23/10/1976 المتضمن تحديد شروط إحداث وتنظيم وسير مكاتب الترقية والتسيير العقاري للولاية، الجريدة الرسمية، العدد12، لسنة 1977.
(8) المرسوم للتنفيذي 83-666 المؤرخ في12 نوفمبر 1983 المتضمن القواعد المتعلقة بالملكية المشتركة و تسيير العمارات الجماعية، الجريدة الرسمية العدد 47، لسنة 1983.
(9) المرسوم التنفيذي 94-69 المؤرخ في 19 مارس 1994، المتضمن بمصادقة على نموذج عقد الإيجار، المنصوص عليه في المادة 21 من المرسوم التشريعي93/03 الجريدة الرسمية، العدد17.
(10)المرسوم التنفيذي 98-43 المؤرخ في 01 فيفري 1998، المتضمن تحديد شروط نقل حق الإيجار المتعلق بالسكنات ذات طابع اجتماعي و كيفيات ذلك ، الجريدة الرسمية ، العدد05.
(11) القانون رقم 07 /05 المؤرخ في 13 ماي 2007 الجريدة الرسمية رقم 13.
(12) أنظر ذيب عبد السلام ، عقد الإيجار المدني، المرجع السابق، ص70.
(13) أنظر حمدي باشا عمر، دراسات قانونية مختلفة،( عقد الإيجار ، ملاحظات تطبيقية حول العقود التطبيقية، نظرات حول عدم إستقرار المحكمة العليا بخصوص بعض القضايا)، دارهما، لسنة 2002، ص 48.
(14) أنظر القرار رقم 117880 الصادر بتاريخ 14/03/1995 المجلة القضائية العدد الخاص لسنة 1997 ص 110.
(15) تم إلغاء هذا المرسوم بموجب القانون 11-04 المؤرخ في 06مارس 2011 المتضمن الترقية العقارية الجريدة الرسمية رقم 14 المؤرخة في 06 مارس 2011.
(16) أنظر القرار رقم 54853 المؤرخ في 04/12/1989 المجلة القضائية العدد 02 لسنة 1991 ص131.
(17) عبد الرزاق احمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني،العقود الواردة على الانتفاع بالشيء"الإيجار والعارية " المجلد الأول ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، ص289. (18) أنظر القرار الصادر بتاريخ 21/12/1993 عن الغرفة الاجتماعية رقم 101953، لمجلة القضائية، العدد02 لسنة 1994، ص117.
(19) القانون رقم 08-09 المؤرخ في 25 فيفري 2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجريدة الرسمية العدد 21 المؤرخة في 23 أفريل 2008.
(20) أنظر ذيب عبد السلام، عقد الايجار المدني، المرجع السابق، ص211.