تحليل نص المادة 106 من القانون
المدني الجزائري العقد شريعة المتعاقدين.
أولا التحليل الشكلي لنص المادة 106 ق م
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 106 ق م.
أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي
تنص المادة 106 : { العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه، ولا تعديله الا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون }.
موقع النص القانوني :
يقع هذا النص ( المادة 106) في الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني، .
و قد جاء في الكتاب الثاني منه عنوانه الإلتزامات و العقود ، من الباب الأول وعنوانه مصادر الإلتزام ، في الفصل الثاني وعنوانه العقد ، القسم الثالث و عنوانه آثار العقد.
البناء المطبعي :
النص عبارة على مادة قانونية هي المادة 106 من القانون المدني تتألف من فقرة واحدة، .
تبدأ من " العقد شريعة " وتنتهي عند " يقررها القانون" ،.
البناء اللغوي والنحوي :
استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت المادة 106 من القانون المدني محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع العقد و إعتباره شريعة المتعاقدين و كمثال على ذلك نشير إلى :
" العقد شريعة المتعاقدين " ، " لا يجوز نقضه " ، " إتفاق الطرفين " .
البناء المنطقي :
نلاحظ ان المادة بدأت بعبارة " العقد "وهنا يوضح بأن القاعدة العامة هي "العقد شريعة المتعاقدين" ثم وضع شرطا بعبارة "لايجوز نقضه" ايضا شرطا آخر "لايجوز تعديله " إلا و أشار الي حالتين إتفاق الطرفين او ما يقرره القانون.
نلاحظ أن المادة اعتمدت أسلوبا شرطيا .
ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 106 ق م يتضح أن المشرع قد بين مبدأ القوة الملزمة للعقد و تنفيذه في الحالات العادية و عدم جواز التعديل عليه الا بشرط إتفاق طرفين العقد او بقوة القانون بالسلطات المخولة للقاضي في رد الالتزام إلى الحد المعقول في الحالات الاستثنائية.
تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 106 ق م يمكن طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
هل العقد عند إبرامه يلزم المتعاقدين والقاضي بصفة مطلقة أم أن هناك استثناءات ؟.
التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الأول :القاعدة العامة العقد شريعة المتعاقدين
المطلب الأول :لا يجوز نقض ولا تعديل للعقد دون إتفاق
المطلب الثاني : الزام المتعاقدين بتنفيذ العقد
المبحث الثاني : الاستثناءات التي ترد على مبدأ العقد شريعة المتعاقدين
المطلب الاول : إنهاء وتعديل العقد بالإرادة المنفردة
المطلب الثاني : التدخل التشريعي في العقود
المطلب الثالث : التدخل القضائي في العقود
خاتمة
مقدمة :
القاعدة العامة هي التزام المتعاقدان بتنفيذ العقد طبقا لمضمونه على النحو الذي أبرم فيه بحيث لا يمكن لأحد إطرافه أن ينقص العقد أو يعدله بإرادته المنفردة , وهدا ما يعبر عنه بمبدأ سلطان الإرادة ان مبدأ القوة الملزمة للعقد ناتج عن مبدأ سلطان الارادة , وهو بذلك من الاثار المترتبة عن التعاقد فاذا نشأ العقد صحيحا بكل الاركان والشروط الخاصة به نتج عنه التزامات واصبح من الواجب تنفيذها ولا يمكن التنصل منها بالنسبة لجميع الاطراف ،غير انه في مقابل ماسبق الاشارة إليه يمكن التعديل علي العقد بإتفاق الاطراف التي ابرمته او لوجود اسباب قانونية تدعو الي التعديل علي العقد المبرم حيث يرد على قاعدة العقد شريعة المتعاقدين عدة استثناءات أهمها ما تقضي به نظرية الظروف الطارئة حول جواز تعديل العقد.
المبحث الأول : القاعدة العامة العقد شريعة المتعاقدين.
المطلب الأول : لا يجوز نقض ولا تعديل للعقد دون إتفاق :
الفرع الأول : حرمان المتعاقد من نقض أو تعديل العقد بإرادته :
ومعنى ذلك انه لا يستطيع أي احد من أطراف العقد نقضه أو تعديله بإرادته المنفردة ما لم يصرح له القانون وهذا أمر طبيعي كون العقد تم باراد تي المتعاقدين و بالتالي لا يمكن نقضه أو تعديله إلا من طرفهما معا ويسري هذا التحريم في حق القاضي كذلك فلا يجوز له المساس بمضمون العقد ولو كانت بعض شروطه غير عادلة فهو ملزم مثله مثل المتعاقدين باحترام مقتضيات العقد كما تم الاتفاق عليها دون إضافة أو تغيير أو تعديلكما تلزمه احكام القانون تماما.
الفرع الثاني : جواز تعديل العقد برخصة من القانون :
ويعني ذلك ان القانون قد يسمح استثناءالاحد المتعاقدين وبارادته المنفردة وبدون رضا المتعاقد الاخر بنقض اوتعديل العقد وذلك في مسائل اربعة وهي : تحريم الالتزام مدى الحياة ، انعدام الثقة (عقد الوكالة)،تهديد مصالح المتعاقد (شرط تعسفي كعقد الاذعان نظرية الاستغلال ،و الغبن )، اتفاق المتعاقدين .
المطلب الثاني : الزام المتعاقدين بتنفيذ العقد :
يتمثل الوجه الثاني للقوة الملزمة للعقد في الزام المتعاقدين بتنفيذ العقد وفق الشروط التي يتضمنها
ان الالتزام بتنفيذ بنود العقد يبقى هو الاساس والاهم بالنسبة للعقد . لان العقد بدون الالزامية لا يحقق ايا من غاياته . والمقصود بالزامية العقد ان كل طرف من الاطراف االمتعاقدة ملزم بتنفيذ كافة البنود وبحسن نية . فمثلا اذا كان هذا العقد بخصوص البيع . فان البائع يلتزم بتسليم الشئ المبيع مقابل الحصول على الثمن المتفق عليه ضمن بنود العقد وعليه فان ماهية القوة الملزمة للعقد اساسها الوفاء والالتزام .
الفرع الاول : إلزامية تنفيذ مشتملات ومستلزمات العقد :
ان القوة الملزمة للعقد تفرض على جميع الافراد تنفيذ كل ما اشتمل عليه من بنود , اي جميع الحقوق والالتزامات المقررة . يستنتج من ذلك , انه يجب على جميع الاطراف المتعاقدة الالتزام بما فيه من حقوق وواجبات , ويجب تنفيذ العقد بكل ما يتضمنه من حقوق وواجبات . كما يجب الالتزام بحسن النية والسلامة للمتعاقدين.
الفرع الثاني : إلزامية التنفيذ بحسن نية :
يجب اتباع حسن النية اثناء تنفيذ العقد المتفق عليه فلا يجوز للمتعاقد ان ينفذه بصورة تنم عن سوء النية . وهذه العلاقة تشبه علاقة العمل اللتي تربط العامل برب العمل . فقد جاء في احد قرارات القانون الفرنسي ان ( المستخدم ملزم بتنفيذ عقد العمل بحسن نية . وعليه واجب ضمان تكييف اجرة الاجراء مع تطور اعمالهم .
أولا : مفهوم حسن النية :
لقد تعددت واختلفت الاراء الفقهية في تحديد مفهوم حسن النية . ويعتبر حسن النية اساس في القانون بشكل عام وفي العقود بشكل خاص .
واسمى وافضل مظهر لحسن النية هو الالتزام بالعقود والالتزام بالبنود المتفق عليها في العقد . ويجب ان يتم الاحترام بين المتعاقدين وان يتم التنفيذ وفقا لارادتهما وليس بارادة منفردة فقط .
فمبدأ حسن النية يعبر عن الامانة والصدق واستقامة الضمير والنية السوية التي لا تريد الاضرار بالغير والامتناع عن الغش والزيف والخداع .
ثانيا : مظاهر حسن النية :
لحسن النية مظهران وهما :
1- واجب الصدق :
يتمثل في ان المتعاقد ملزم باعلام الطرف الاخر بكل التفاصيل الضرورية ما اجل احسن تنفيذ للعقد على اكمل وجه .
فهو يفرض على المتعاقدين الالتزام بالوفاء والامانة والنزاهة والاخلاص .
وان المتعاقدين ملزمين بتنفيذ كافة بنود العقد بكل امانة ونزاهة واخلاص ، ويفرض القانون هذا الواجب .
2- واجب التعاون :
يتمثل في تسهيل شروط العقد للتنفيذ . والالتزام بالمعاملات وحسن النية .
فالعقد يعتبر علاقة تعاونية بين طرفين او اكثر وليس علاقة خصومة .
لان تعارض مصالح المتعاقدين لا تقف حاجزا يمنعهم من التعاون لتنفيذ كافة بنود العقد كما هو متفق عليه على اكمل وجه . فمجهود الفرد ضئيل ومحدود ولابد من التعاون بين كافة الافراد لتعود المنفعة على الجميع دون استثناء.
المبحث الثاني : الاستثناءات التي ترد على مبدأ العقد شريعة المتعاقدين.
المطلب الاول : إنهاء وتعديل العقد بالإرادة المنفردة :
إن الالتزامات الناشئة عن العقد تحتم على المتعاقدين الالتزام بتنفيذها كاملة، دون نقض أو تعديل بالزيادة أو بالنقصان، ويعتبر هذا المبدأ من المبادئ الأساسية المترتبة عن القوة الملزمة للعقد.
ومن الواضح أن هذه الأخيرة لا تتعارض مع تعديله باتفاق الطرفين ، إذ طالما نشأ العقد عن إرادتين متطابقتين فيمكن تعديله كذلك بمثل هاتين الإرادتين.
إن مبدأ القوة الملزمة للعقد، يقضي ويسمح للمتعاقدين بإنشاء ما أرادا من عقود مع الالتزام بتنفيذ بنودها، وخروجا عن هذا المبدأ يمكن لهم في بعض الأحوال المعينة إنهاء هذه العقود أو تعديل بعض شروطها إذا اقتضت الضرورة ذلك.
ومنه فإنه يمكن مراجعة شروط العلاقة العقدية باتفاق أطرافها من حيث المبدأ، وبالإرادة المنفردة استثناءا.
الفرع الأول : الإنهاء والتعديل باتفاق طرفي العقد :
وفقا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين فإنه لا يمكن تعديل ومراجعة العقد بصفة انفرادية من طرف أحد طرفيه. فكل ما أنشأه التراضي لا يمكن فكه وفسخه إلا بالتراضي ، وبعبارة أخرى أن هذه الحالة تستوجب تراضيا جماعيا جديدا أو تراضيا مضادا.
"فعند تكوين العقد ، يصبح الأطراف مرتبطون بتعهداتهم ؛ فلا يمكنهم الرجوع عن تراضيهم إلا بإرادتهم ".
ويقوم تعديل العقد باتفاق طرفيه على أساس أنه مادام التعاقد قد تم بالتراضي فإنه يمكن تعديله بالتراضي، وقد اعتبر ذلك أول قيد يرد على القوة الملزمة للعقد.
الأصل أنه ليس هناك ما يمنع المتعاقدين من الاتفاق على نقض العقد أو تعديله، فكما يملكان إنشاء علاقتهما العقدية وتحديد نطاقها يمكنهما أيضا الخروج عنها أو تعديلها، فمن يملك الإنشاء يملك الإلغاء والتعديل.
وعلى هذا الأساس يمكن القول أن حالة اتفاق طرفي العلاقة العقدية على مراجعة بعض بنودها تعبر عن الحالة البديهية لتعديل العقد، ما دام أن هذا التصرف القانوني يتم بالإرادة إنشاء أو تعديلا.
فالأطراف يمكن لهم الاتفاق على تعديل العقد، بأن يضمنوا اتفاقهم شروطا تعرف بشروط تكييف العقد.
الفرع الثاني : الإنهاء والتعديل بالإرادة المنفردة لأحد المتعاقدين :
لاشك أن القانون الوطني والمقارن يجيز في بعض الحالات وبصفة استثنائية الخروج عن مبدأ القوة الملزمة للعقد بإنهاء أو تعديل العلاقة العقدية بشرط اتفاق طرفيها، وخروجا أيضا عن هذا المبدأ يمكن لأحد المتعاقدين إنهاء ومراجعة الرابطة العقدية بإرادته المنفردة، وذلك إما بموجب بند منصوص عليه في العقد المبرم بينهما أو بترخيص صريح من القانون .
أولا : بموجب بند في العقد :
بإمكان أحد المتعاقدين التحلل من الرابطة العقدية ولكن بموجب اتفاق منصوص عليه في العقد الذي يربطهما، إذ أنه " عند الاشراف على نهاية ترتيبات إبرام العقد، يتفق المتعاقدان، على الإعتراف لأحدهما بسلطة إلغاء وإنهاء العقد بإرادته المنفردة ".
إذن فك الرابطة العقدية بالإرادة المنفردة لأحد المتعاقدين متوقف على النص عليه أثناء إبرام العقد بمعنى أن رضاء الطرف المتعاقد معه شرط ضروري ليتمكن الطرف الآخر من الحصول على سلطة الإلغاء بالإرادة المنفردة.
وبالنسبة لهذا الاستثناء هناك عقود غير قابلة للإلغاء حتى بالتراضي الجماعي . وهناك عقود قابلة للإلغاء بالإرادة المنفردة، وبخاصة في العقود المستمرة ذات المدة غير المحددة، والتي يكون فيها أحد أطراف العلاقة العقدية ضحية تصرف أو سلوك خطير ومنافي لمصلحة الطرف المتعاقد معه.
ثانيا : برخصة من القانون :
قد يتكفل التشريع الوطني والمقارن في بعض الحالات بإعطاء أحد المتعاقدين الحق في إنهاء العقد بإرادته المنفردة، كما هو الوضع في بعض العقود، وبخاصة تلك غير المحددة المدة.
أي أن القانون يسمح لأحد المتعاقدين بإنهاء بعض العقود بموجب نصوص خاصة، ومرد ذلك هو وجود مبدأ عام يقضي بإمكانية التملّص من العقود غير المحددة المدة ولكن بشرط عدم التعسف في استعمال هذا الحق أي وجود سبب جدي ومقبول لإنهاء الرابطة العقدية ، وكذلك ضرورة إعلام الطرف المتعاقد معه مسبقا بنية إنهاء هذه الرابطة العقدية هذا بالنسبة للعقود غير المحددة المدة ، أما نظيراتها المحددة المدة فإن : " خاصية أو حق الانهاء بالإرادة المنفردة هو استثنائي".
يستفاد مما سبق أن للإرادة دور لا يستهان به في إنشاء وتنفيذ العلاقات التعاقدية من جهة، ووضع حد للقوة الإلزامية العقدية سواء بإنهائها أو تعديلها من جهة أخرى.
المطلب الثاني : التدخل التشريعي في العقود :
إن اتساع مجال العلاقات التعاقدية وتطور القواعد القانونية ، أوردا الكثير من القيود على مبدأ سلطان الإرادة، إذ ما فتئ هذا الأخير يتقهقر أمام التدخل المتزايد للسلطة العامة والمشرع في المجال التعاقدي في وقتنا المعاصر ، وذلك بدافع تلبية احتياجات الأفراد اللامتناهية والمحافظة على التوازنات والمصالح الاجتماعية ، بالإضافة إلى أسباب فنية وتقنية ولاعتبارات حمائية لجماعة المستهلكين كونها طرفا ضعيفا في العلاقة العقدية.
هذا التوجه أثّر بشكل كبير ومباشر على حرية الأفراد في التعاقد فلم يعد بإمكانهم التعاقد مع الشخص الذي يفضلونه وليس بالشروط التي يتراضون بشأنها وبذلك أصبح العقد منظّما ، بل تجاوز الأمر ذلك ، فلم يقتصر التدخل التشريعي على مرحلة تكوين العقد ولكن امتد أيضا إلى مرحلة تنفيذه، ففي العديد من الحالات يفرض المشرع على المتعاقدين أثناء التنفيذ تعديلا أو أكثر لاتفاقهم إن تدخل المشرع بإدراجه لقواعد وأحكام على العلاقات التعاقدية ما هو إلا حدا من الحدود التي يرسمها القانون للإرادة بهدف الموازنة بينها وبين العدالة والصالح العام.
الفرع الأول : إجازة القانون لتنظيم وتعديل العقود :
باستقراء المادة 106 من القانون المدني الجزائري يفهم أن إجازة نقض أو تعديل العلاقة العقدية باتفاق أطرافها ، جاء كاستثناء على قاعدة العقد شريعة المتعاقدين.
أما خارج هذا الاستثناء فلا يمكن الاعتداد به علاوة على ذلك فإنه لا يجوز مبدئيا للمشرع أن يتدخل لتعديل العقد الجاري تنفيذه، احتراما لمبدأ قوته الملزمة وكذا بدافع استقرار المعاملات غير أن تفاعل وتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي لا يتوقعها الأطراف ولم تؤخذ في الحسبان قد تؤدي إلى الإخلال بالتوازنات العقدية، الأمر الذي يجعل المشرع يتدخل بصفة تلقائية في العلاقة العقدية مُستبعدا و مزيحا بذلك قاعدة العقد شريعة المتعاقدين.
وعليه فإن القانون المدني الجزائري والمقارن في ذات المواد المذكورة أعلاه أجاز أيضا للمشرع بأن يتدخل في العقود لتحقيق العدالة العقدية وحماية الطرف الضعيف فيها.
ويتمثل تدخل التشريع في العلاقات التعاقدية في إقراره مراجعة وتعديل وتنظيم بعض العقود.
أولا : تطبيقات عن تعديل و تنظيم بعض العقود :
رغم توجه التشريع المعاصر نحو الطابع التعاقدي للعلاقات القانونية ومنح الأطراف هامش الحرية اللازمة لإبرام اتفاقهم، غير أنه من حين لآخر يتدخل المشرع لتعديل بعض العقود
وإعادة تنظيمها كلما رأى أن هناك خلل في توازن الالتزامات العقدية.
وإن اعتبر ذلك مساسا مباشرا بقداسة العقد فإنه يهدف إلى حماية الطرف الضعيف في مختلف العقود كالعامل في عقد العمل، والموازنة بين المصالح والحقوق والواجبات وضمان العدالة الاجتماعية .
1- عقد العمل :
عمد المشرع الجزائري إلى حماية فئة العمال بموجب قواعد آمرة
2- عقد الإيجار :
نظم التشريع الجزائري التصرفات القانونية الواردة على مختلف الإيجارات وفقا للقواعد العامة وبعض المراسيم التشريعية ، حيث نص القانون على حق البقاء في الأمكنة على العلاقات العقدية الإيجارية ذات الاستعمال السكني.
3- الوضع في عقود أخرى :
يخول القانون في عدة عقود أثناء تنفيذها ويسمح لأحد أطرافها بنقضها أو تعديلها ومراجعة الشروط المتفق عليها، وذلك بإقرار حلول استثنائية وتلبية حاجات الأفراد المتجددة فنجد أن بعض هذه العقود خصها المشرع بقواعد خاصة تنظمها وتبين إطارها العام تسهيلا ومساعدة للمتعاقدين على إبرام علاقتهما العقدية عكس القوانين التي تحمي الطرف الضعيف.
ففي عقد الوكالة الذي يقوم أساسا على علاقة الثقة فيها بين المتعاقدين ، فإنه يمكن لأحد المتعاقدين إنهائه أو تعديل شروطه بالإرادة إذا فقد الموكل الثقة لدى وكيله أو تبين له أن تنفيذها يتعارض مع مصالحه.
كما أنه في عقد المقاولة يمكن لرب العمل إيقاف تنفيذ الأشغال في أي وقت يختاره.
وكذا الشأن بالنسبة لعقد العارية إجازة إنهاء المعير للعلاقة العقدية في أي وقت أراد.
مما تقدم تبين لنا أن تدخل المشرع في مجال العلاقات التعاقدية ليس محدودا ، إذ أنه يتدخل كلما دعت مصلحة المتعاقدين إلى ذلك ، وبالإضافة إلى تدخله المباشر بقواعد آمرة فقد
أجاز للمتعاقدين استثناءا إنهاء وتعديل علاقاتهما التعاقدية تلبية لمصالحهم ، وبذلك ساير المشرع الجزائري التشريع المقارن بتوجهه نحو تنظيم وتعديل العقود، ناهيك عن حده لمبدأ الحرية والرضائية في بعض العقود أيضا تخفيفا من حدة مبدأ القوة الملزمة للعقد.
الفرع الثاني : اتساع مجال العلاقات التعاقدية وتطور التشريع :
لقد اتسع مجال العلاقات التعاقدية للأفراد والجماعات في المجتمع المعاصر ولم يبق محصورا في بعض العلاقات التقليدية ويعود ذلك إلى التوسع المذهل لحاجات الأفراد اللامتناهية ، ودخولهم في علاقات قانونية متجددة تلبية لتلك الرغبات والاحتياجات بعقود مختلفة.
كما أن سيطرة المنافسة الحرة على النشاطات الاقتصادية في السوق إنتاجا وتوزيعا واستهلاكا، ووفرة السلع والخدمات عمقت الفجوة بين المتعاملين والمتدخلين في العلاقة الاستهلاكية.
فلم تصبح القواعد القانونية العامة كافية لتنظيم علاقاتهم.
إن حاجة الطرف الضعيف لحماية قانونية خاصة نظرا لاختلال ميزان القوى في العلاقة العقدية حيث أن المستهلك كطرف ضعيف فيها لا يمكنه أن يقف وقفة الند للند مع المحترف كطرف قوي يسيطر بقدراته وتقنياته على مجريات العقد إضافة إلى ذلك فإن القوة الاقتصادية التي يمتاز بها المحترف ، واحتكاره المنتوج والخدمة وتحكمه في كل مراحل إبرام العلاقة العقدية، جعلت العقد نموذجيا يتصف بالإذعان إذ أن الحرفي يملي شروطه على المستهلك الذي يكون غالبا ضحية ضعف مركزه بسبب رغبته في تلبية حاجته الملحة وفقدانه لرأس المال والاختصاص والخبرة وعليه كان من الضروري التدخل لحماية هذا الطرف الضعيف ووضع حد لهيمنة الحرفي.
ورغم هذا التدخل التشريعي وفق القواعد العامة لحماية العلاقة العقدية بدءا من مرحلة تكوينها إلى تنفيذها من الاختلال في التوازن كتلك القواعد المتعلقة بعيوب الإرادة وضمان العيوب الخفية وسلطة القاضي التقديرية في تعديل وإلغاء الشروط التعسفية، إلا أن هذه القواعد التقليدية لم تعد كافية لحماية المستهلك مما تطلب تدخل المشرع بإضافة قواعد قانونية جديدة خاصة ، لعلّها تحد من اختلال الالتزامات التعاقدية وتخفف من حدة مبدأ القوة الملزمة للعقد، وهو ما أصبحت تتجه إليه تشريعات الدول المعاصرة .
المطلب الثالث : التدخل القضائي في العقود :
الأصل أن إرادة الأطراف هي التي تحدد مستقبل الروابط القانونية التعاقدية التي تجمعهم ولا يمكن للقاضي أن يغير من شروط وبنود الرابطة العقدية ، فهو يبحث عن المقاصد الحقيقية للمتعاقدين في حالة الغموض ، ولا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يغير إرادة الأطراف بحكم أو بقرار قضائي.
غير أن مبدأ الاحترام المطلق للقوة الإلزامية للعقد أصبح يتقهقر في وقتنا الحاضر، إذ لاحظنا تدخل المشرع نفسه في بعض العقود بغرض التنظيم أو التعديل في البنود المجحفة خدمة للعدالة العقدية ولأن السلم والعدل يفرضان التعديل كذلك الأمر بالنسبة للقاضي أصبح بإمكانه التدخل بحثا عن تحقيق التوازن في الروابط العقدية ، فقد خو لت أغلب التشريعات للقاضي التدخل صراحة في ال قع ود بسبب تغير الظروف التي أبرمت في ظلها وعدم توقع حدوثها، إلى جانب حالات أخرى تستدعي المراجعة والتعديل.
الفرع الأول : حالة التعديل لعدم التوقع وتغير الظروف :
عند إبرام العقد يتخذ المتعاقدان الاحتياطات اللازمة لتنفيذه وفق ما إتفق عليه، إلا أنه أن يستحيل عليهما حصر وتوقع كل الأحداث والظروف المستقبلية .
غير ان الظروف السابقة علي إتمام العقد قد تتغير جذريا أو جزئيا خاصة في العقود المستمرة أو غير المحددة المدة .
فإذا كان المبدأ يقضي أن العقد شريعة المتعاقدين فإن المشرع راعى الظروف التي قد تطرأ بعد إبرام العقد فتؤدي إلى عدم التوازن في العلاقة العقدية، لذلك أقر نظرية الظروف الطارئة و أجاز بموجبها تعديل العقد.
نظرية الظروف الطارئة في الفقه و القانون المقارن تقوم نظرية الظروف الطارئة على مسألة اختلال التوازن الاقتصادي للعقد في مرحلة تنفيذه بسبب حوادث استثنائية عامة غير متوقعة، بحيث يصبح التزام المدين مرهقا سيلحق به خسارة فادحة غير مألوفة إذا تم تنفيذه رغم عدم استحالة ذلك التنفيذ لذلك كان من العدل والعدالة أن يتدخل القاضي لتعديل العقد الذي تغيرت بصفة مفاجئة ظروف تنفيذه عن الظروف التي كانت سائدة أثناء تكوينه.
الفرع الثاني : حالات أخرى للتدخل القضائي لتعديل العقد :
لا ينحصر تدخل القاضي في تعديله للعلاقات التعاقدية بسبب الظرف الطارئ فحسب، بل يتعداه إلى عدة حالات أخرى تستدعي تعديل شروط العقد حتى تتلاءم مع مصلحة طرفيه وتتناسب الالتزامات فيما بينها، إذ يمكن للقاضي أن يتدخل ليعدل أو يستبعد الشروط التعسفية، أو يخفض الشرط الجزائي ويرفع الغبن عن المدين ويفسر الشك لصالحه ويمنحه مهلة وفاء ويقيد استعمال الحق.
أولا: حالتا استبعاد الشروط التعسفية وتخفيض الشرط الجزائي
يملك القاضي سلطة تعديل الالتزامات العقدية إذا توفرت الأسباب التي تجعل هذا التعديل ضروريا لتحقيق العدالة ، وإن اعتبر هذا التدخل خرقا للقوة الملزمة التي يمنع المساس بها، فإن القاضي يعدل العقد استثناءا لإرساء التوازن العقدي ، ومن بين الحالات الشائعة التي يجوز فيها للقاضي إجراء مثل هذا التعديل حالة الشروط التعسفية في عقود الإذعان وحالة الشرط الجزائي.
1- تعديل أو استبعاد الشروط التعسفية في عقد الإذعان :
خروجا عن إرادة المتعاقدين وحماية للطرف الضعيف في عقد الإذعان يمكن للقاضي الجزائري أن يعدل الشروط التعسفية أو يعفي الطرف المذعن، الشروط التعسفية هي تلك الشروط التي يفرضها المتعاقد القوي من الناحية الاقتصادية على المتعاقد الضعيف من الناحية نفسها، ولا يستطيع هذا الأخير إلا أن يقبلها نظرا لضعف مركزه الاقتصادي، بحيث لو لم يكن في هذا المركز الضعيف لما قبلها ، وقد حرص المشرع الجزائري على معالجة عقد الإذعان بحكم خاص حماية للطرف الضعيف الذي هو المتعاقد المذعن من تعسف واحتكار الأقوياء كما هو الشأن في عقد التأمين فيجوز للقاضي أن يعدل الشرط ويزيل ما فيه من تعسف ، بل له أن يعفي الطرف المذعن منه إعفاءا تاما.
2 - تخفيض الشرط الجزائي في العقود عامة :
الأصل أن التعويض من اختصاص القاضي فهو الذي يقدره ، إلا أنه قد يتفق بشأنه المتعاقدان ضمن شروط العقد الأصلي أو قد يدرج في اتفاق لاحق.
كما خول التشريع الجزائري والمقارن للقضاء الحد من الشروط التعسفية في عقد الاذعان وكذا سلطة التخفيض من الشرط الجزائي في العقود عامة.
حيث يجوز لقاضي الموضوع أن يخفض الشرط الجزائي إلى الحد الذي يتناسب مع مقدار الضرر الحقيقي الذي لحق بالدائن، وذلك إذا كان المدين قد نفذ بعض التعهدات التي التزم بها وتخلف عن تنفيذ بعضها الآخر، كما يجوز للقاضي أن يخفض الشرط الجزائي إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغا فيه.
3- رفع الغبن الاستغلالي وتفسير الشك :
من بين الحالات التي يجوز للقاضي فيها أن يتدخل في الرابطة العقدية والنظر في مدى توازنها، نجد حالة الغبن الاستغلالي وحالة تفسير الشك.
أ- رفع الغبن الاستغلالي :
يتولى القاضي رفع الغبن والاستغلال عن المتعاقد الذي تعرض لغبن بعدم توازن التزاماته مع التزامات نظيره واستغلال لحالته النفسية ، إما بإنقاص التزامات الطرف المغبون والمستغل أو بإبطال العقد، وهي مكنة قانونية تجيز للقضاء التدخل في الروابط العقدية للحد من إرادة المتعاقدين أي أن القاضي يراعي الظروف المادية والشخصية للمتعاقد الذي تعرض للغبن و استغل بسبب نقص خبرته أو طيشه أو عوزه.
ب- تفسير الشك لصالح المدين :
لما يتولى القاضي استقصاء الإرادة المشتركة للمتعاقدين، وبعد تعذر الوصول إليها مع غموض عبارات العقد بتضمنها أكثر من معنى فإنه يتقيد في هذه الحالة بما رسمه له القانون من حدود، فالأصل أن الشك وغموض عبارات العقد تفسر لصالح الطرف الضعيف الذي هو المدين ، طبقا للقاعدة العامة المذكورة آنفا إلا أنه في عقد الإذعان فإنه يفسر لصالح الطرف المذعن سواء كان مدينا أو دائنا ، والمؤمن له في عقد التأمين هو الطرف الجدير بالحماية القانونية تعود هذه القاعدة القانونية في أصولها إلى قاعدة براءة الذمة وإلى اعتبارات عملية توجب رعاية المدين لأنه الأضعف اقتصاديا في العلاقة العقدية و من العدل أن يحظى بالحماية رغم ما يبدو من تعارض ذلك مع قاعدة العقد شريعة المتعاقدين .
4- حالتا منح المدين أجلا للوفاء وتقييد استعمال الحق :
من بين الاستثناءات الواردة على مبدأ سلطان الإرادة في قانون العقود نجد حالتي منح المدين أجلا للوفاء بدينه.
فالأصل انه ينفذ التزامه وفق ما اتفق عليه أو ما أقره القانون، إلا أن حالته الاقتصادية وظروفه الاستثنائية قد تحول دون ذلك . كما أن الحق لم يترك مطلقا في استعماله خشية الإخلال بالتوازنات المطلوبة في العلاقات القانونية والتعاقدية بين الأشخاص في المجتمع.
أ- منح المدين أجل للوفاء :
يمنح القاضي أجلا قضائيا للمدين حال الأداء متى استدعت حالته ذلك فيؤجل القاضي الوفاء لأسباب خاصة بالمدين تتعلق أساسا بظروف اقتصادية، واستثنائية سيئة ويسمى هذا الأجل القضائي بنظرة ومهلة الميسرة وهي مقررة في أغلب القوانين ويقرر القاضي هذه المهلة لصالح المدين بصفة جوازية حسب سلطته التقديرية فبمنح القاضي هذا الأجل للمدين يكون قد أخذ بيده لإسعافه إلى حين اتزان العلاقة العقدية وفي ذلك خرق آخر لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين ، غير أنه في صالح المدين كطرف ضعيف.
ب- تقييد الحق بعدم التعسف في استعماله :
إن فكرة التعسف في استعمال الحق ليست نظرية جديدة بل ذات أصول في الفقه قديما كما أن أساس هذه النظرية هو الخطأ وهذا أيضا لا يتعارض مع المسؤولية التقصيرية و عليه يمكن القول أنه ما دام الحق مصلحة ذات صلة بالفرد والمجتمع أصبح من الضروري حماية هذه القيمة الاجتماعية بفرض الرقابة القضائية على استعمالها، وهذا ما اتجه إليه التشريع.
خاتمة :
استنادا الى نص المادة 106 التي تقضي بأن العقد شريعة المتعاقدين، حيث للأطراف الحرية في وضع بنود العقد، فلا يجوز لا نقضه ولا تعديله الا بإرادة الأطراف.
فيما يخص التعبير عن الإرادة فهذه الأخيرة لا تنتج آثارها الا من خلال التعبير عنها، وذلك بالكشف عن النية التي تتجه اليها إرادة الأطراف، وذلك بتطابق الايجاب والقبول، وهذا التعبير قد يكون صريحا أو ضمنيا، فلا فرق بينهما من حيث الأثر القانوني.
يجب على اطراف العقد الالتزام بالنود الموجودة في العقد وتنفيذها على اعتبار ان العقد أبرم بموجب القانون الإتفاقي الذي يلزم به المتعاقدين، فهو يقوم مقام القانون في تنظيم العلاقة العقدية، ويطبقه القاضي عليهما كما يطبق القانون، وبذلك فإن الإرادة المشتركة التي أنشأت العقد هي وحدها التي تستطيع إنهاء العقد أو تعديل العلاقة المتولدة عنه.
وطبقا لهذا المبدأ العام، يجب على كل طرف أن ينفد الالتزامات الملقاة على عاتقه وفقا لمضمون العقد مع مراعاة حسن النية غير أنه قد يجيز القانون في بعض العقود لأي من المتعاقدين أن يستقل بنقض العقد تعتبر حالات استثنائية يجيز القانون أن يعدل العقد لاعتبارات تتعلق بالعدالة، كما تعطي للقاضي سلطة تعديل العقد، إذا تضمن شروط تعسفية و يجوز للقاضي أيضا تخفيض الشرط الجزائي إذا كان مبالغا فيه.
المراجـع :
1- القوانين :
الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني.
2- الكتب :
- د/ علي فيلالي، " الالتزامات الفعل المستحق للتعويض"، الطبعة الثانية، موفر للنشر، الجزائر، 2007.
- د/ بن الشيخ آث ملويا لحسين ، المنتقي في عقد البيع ، دار هومة الجزائر ، سنة 2008.
- د محفوظ لعشب، المبادئ العامة للقانون المدني الجزائري، الطبعة الرابعة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2009.
- د محمد صبري السعدي، شرح القانون المدني، التأمينات العينية و الشخصية، عقد الكفالة، دار الكتاب الحديث،2005 .
- د خليل أحمد حسن قدادة، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري، مصادر الالتزام، الطبعة الرابعة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2010.