تحليل نص المادة 17 مكرر من القانون المدني الجزائري القانون الواجب التطبيق على المال المنقول المعنوي أولا التحليل الشكلي لنص المادة 17 مكرر ق م
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 17 مكرر ق م أولا التحليل الشكلي : طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي
تنص المادة 17 مكرر : { يسري على الأموال المعنوية قانون محل وجودها وقت تحقق السبب الذي ترتب عليه كسب الحيازة أو الملكية أو الحقوق العينية الأخرى أو فقدها.
يعد محل وجود الملكية الأدبية والفنية مكان النشر الأول للمصنف أو إنجازه.
ويعد محل وجود براءة الاختراع البلد الذي منحها.
ويعد محل وجود الرسم والنموذج الصناعيين البلد الذي سجلا أو أودعا فيه.
ويعد محل وجود العلامة التجارية منشأة الاستغلال.
ويعد محل وجود الاسم التجاري بلد المقر الرئيسي للمحل التجاري.}
موقع النص القانوني :
يقع هذا النص ( المادة 17 مكرر) في الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني، المعدل والمتمم .
و قد جاء في الكتاب الأول منه عنوانه أحكام عامة من الباب الاول وعنوانه آثار القوانين و تطبيقها، الفصل الثاني وعنوانه تنازع القوانين من حيث المكان . البناء المطبعي :
المشرع قد حاول إجمال المعنى في نص المادة 17 مكرر من القانون المدني حيث جعلها تتألف من 6 فقرات . الفقرة الاولي : يبدأ من " يسري علي " وينتهي عند " أو فقدها " ،. الفقرة الثانية : يبدأ من "يعد محل " وينتهي عند " أو إنجازه " ،. الفقرة الثالثة : يبدأ من "ويعد محل " وينتهي عند " الذي منحها " ، الفقرة الرابعة : يبدأ من "ويعد محل " وينتهي عند " أو دعا فيه " ، الفقرة الخامسة : يبدأ من "ويعد محل " وينتهي عند " منشأة الاستغلال " ، الفقرة السادسة: يبدأ من "ويعد محل " وينتهي عند " للمحل التجاري " ، البناء اللغوي والنحوي :
استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت المادة 17 مكرر من القانون المدني محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع القانون الواجب التطبيق على المال المنقول المعنوي و كمثال على ذلك نشير إلى :
"الأموال المعنوية " ، " الحقوق العينية " ، " الملكية الأدبية و الفنية" ، " براءة الاختراع" ، " العلامة التجارية "، " الإسم التجاري " وغيرها من المصطلحات التي تشير إلي الأموال المعنوية. البناء المنطقي :
المشرع إستهل نص المادة 17 مكرر بعبارة " يسري علي الأموال" وهنا يقصد الأموال المعنوية المنقولة يطبق عليها قانون مكان وجودها وقت كسب ملكيتها او حيازتها وكذا في حالة فقدها.
- في الجزء الثاني من المادة 17 مكرر ق م تطرق المشرع إلي محل وجود المال المعنوي المنقول وتطرق إليه بتفصيل غلي النحو الآتي :
1- محل وجود الملكية الأدبية والفنية مكان النشر الأول للمصنف أو إنجازه.
2- محل وجود براءة الاختراع البلد الذي منحها.
3- محل وجود الرسم والنموذج الصناعيين البلد الذي سجلا أو أودعا فيه.
4- محل وجود العلامة التجارية منشأة الاستغلال.
5-محل وجود الاسم التجاري بلد المقر الرئيسي للمحل التجاري. ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 17 مكرر ق م يتضح أن المشرع إعتبر الأموال المعنوية المنقولة يطبق عليها قانون مكان وجودها وقت إكتسبها أو فقدها ثم في الجزء الثاني من المادة تطرق المشرع لحالات مكان وجود المال المعنوي والقانون المطبق عليها.
تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 17 مكرر ق م يمكن طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
ماهو القانون الواجب التطبيق علي الأموال المعنوية ؟
التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الأول : مفهوم المال المعنوي المنقول وقاعدة موقع المال
المطلب الأول : تعريف المنقول المعنوي
المطلب الثاني: نشأة قاعدة قانون موقع المال
المبحث الثاني : القانون الواجب التطبيق على المنقول المعنوي
المطلب الثاني : القانون الذي يحكم المال المعنوي
المطلب الثاني : حكم الملكية الأدبية والفكرية
خاتمة
المقدمة
تعتبر الأموال المعنوية أو غير المادية تلك الأشياء التي لا تقع تحت الحس ومع ذلك تصلح أن تكون محلا للحق العيني فهذه الحقوق لا ترد على أشياء غير مادية؟ وتسمى هذه الحقوق بالملكية الفردية أو الفنية والأدبية أيضا لأنها تنصب على أشياء غير مادية حيث أن الملكية الفكرية تشتمل على كل من الملكية الأدبية والفنية كحق المؤلف والملكية الصناعية كحق المخترع والرسوم والنماذج الصناعية والملكية التجارية كالعلامة التجارية والمحل التجاري.
وهذه الأموال مهمة جدا في القانون المعاصر ومحل تعامل واسع في العلاقات الدولية الخاصة، لذلك من الواجب تحديد القانون المختص لها، ويلاحظ أن المعاهدات الدولية بشأنها تشكل قانونا خاصا أولى بالتطبيق من القانون الداخلي وهي معاهدات متعددة وكافية للتكفل بحل كل الإشكالات القانونية لهذا لم تخصها بعض النظم القانونية بقواعد إسناد وإذا كان ضابط الإسناد في الأحوال الشخصية يستمد من أطراف العلاقة القانونية ذات العنصر الأجنبي باعتبار أن الأشخاص هم العنصر الغالب من ثم خضوعها إلى قانون الجنسية أو قانون الموطن بحسب اختلاف التشريعات من دولة إلى أخرى، فإن ضابط إسناد في الأحوال العينية يختلف عنه حيث يستند من موضوع العلاقة القانونية على أساس أن موضوع العلاقة محل النزاع هو المال وهو العنصر الذي له ثقل و أهمية كبرى من حيث الوزن بالنسبة إلى الأطراف. المبحث الأول : مفهوم المال المعنوي المنقول وقاعدة موقع المال المطلب الأول : تعريف المنقول المعنوي
المنقول المعنوي هوعبارة عن أشياء غير ملموسة و لا تقع تحت الحس البشري و لكنها تصلح لأن تكون محلا للحق.
تعتبر الأموال المعنوية أو غير المادية تلك الأشياء التي لا تقع تحت الحس ومع ذلك تصلح أن تكون محلا للحق العيني فهذه الحقوق لا ترد على أشياء غير مادية؟ وتسمى هذه الحقوق بالملكية الفردية أو الفنية والأدبية أيضا لأنها تنصب على أشياء غير مادية حيث أن الملكية الفكرية تشتمل على كل من الملكية الأدبية والفنية كحق المؤلف والملكية الصناعية كحق المخترع والرسوم والنماذج الصناعية والملكية التجارية كالعلامة التجارية والمحل التجاري.
وهذه الأموال مهمة جدا في القانون المعاصر ومحل تعامل واسع في العلاقات الدولية الخاصة، لذلك من الواجب تحديد القانون المختص لها، ويلاحظ أن المعاهدات الدولية بشأنها تشكل قانونا خاصا أولى بالتطبيق من القانون الداخلي وهي معاهدات متعددة وكافية للتكفل بحل كل الإشكالات القانونية لهذا لم تخصها بعض النظم القانونية بقواعد إسناد و ما يرد عليها من حقوق هي حقوق معنوية ، أو سلطات يقرها القانون لشخص على شيء معوي و منها حق المؤلف على مصنفه الأدي ،أو الموسيقي،... و حق المخترع على اختراعه ،و كذا حق المصمم على تصميمه . وتعرف أيضا على أنها حقوق لا تمارس على أشياء مادية ، كما لا تمارس ضد شخص معين ومها حق المؤلف .
لم ينص المشرع الجزائري على القانون الواجب التطبيق على المنقول المعنوي بصفة محددة في القانون القديم قبل التعديل، حيث أنه لم يحدد طبيعة المنقول الذي تحكمه المادة 17 قبل التعديل هل المنقول المادي أو المعنوي أو كليهما، و هو الأمر الذي تداركه المشرع بعد تعديل القانون المدني بموجب القانون رقم 05 – 10 المؤرخ في 20 جوان 2005 حيث خص المنقول المعنوي بحكم خاص بموجب المادة 17 مكرر.
وتشمل الحقوق التي ترد على الأموال المعنوية على نحو المشار إليه مما يسمى بالملكية الأدبية والصناعية و الفنية أو كما يسميها البعض بالحقوق الذهنية كما هي الحال بالنسبة إلى حق المؤلف، ويشمل أيضا مفهوم المال المعنوي ما يترتب على الحقوق الشخصية من ديون باعتبارها أموالا معنوية صالحة للتعامل فيها عن طريق ما يسمى بالحوالة. المطلب الثاني: نشأة قاعدة قانون موقع المال
لا تعتبر قاعدة قانون موقع المال حديثة بل تعود إلى القرون الوسطى و قد تطورت عبر مراحل متعددة ساهم فيها الفقه مساهمة في غاية الأهمية إلى أن وصلت إلى ما هي عليه في الوقت الحالي وذلك على النحو التالي :
1.بدأت معالمها في الظهور في عهد المدرسة الايطالية القديمة في القرن 13 حيث قال الفقيه "بار تول " بأن العقار المراد البناء فوقه أو تعليته يخضع إلى قانون موقعه .
2.وقد أكد هذه القاعدة الفقيه الفرنسي " دار جنتيه " المعروف بنزعته الإقليمية و هذا في القرن 16 حيث أخضع كل ما يتعلق بالعقار من أهلية تعاقد بشأن العقار وشكل العقد وشروطه الموضوعية إلى قانون موقعه.
3.وعلى الرغم من أنه كان ينادي بمبدأ شخصية القوانين إلا أن الفقيه الايطالي »مانشيني« في القرن 19 استثنى هذا المبدأ المال و أخضعه إلى قانون موقعه و ذلك على أساس أن ذلك من النظام العام.
4.وتعتبر نظرية التركيز المكاني التي نادى بها الفقيه الألماني سافيني أهم نظرية أكدت قاعدة خضوع المال لقانون موقعه، حيث تهدف هذه النظرية إلى إخضاع العقار إلى قانون موقعه لأن مصالح الشخص تتركز عادة في المكان الذي توجد فيه أمواله و من ثم فإن أقرب القوانين إلى أموال الشخص هو قانون موقعها.
ولا توجد خاليا دولة لا تأخذ بهذه القاعدة،ولعل ذلك هو ما دفع بالبعض من الفقيه إلى حد القول بوجود عرف دولي يلزم الدول بالأخذ بها. مبررات قاعدة قانون موقع المال :
لقد استند الفقه في إخضاع المال لقانون موقعه لعدة مبررات لا يمكن حصرها في نطاق ضيق إلا أنه يسوغ لنا ذكر أهمها: 1-استقرار المعاملات :
" تتطلب سلامة المعاملات إخضاع المال لقانون موقعه إذ أنه من السهل الرجوع إليه للتحقق من وجود الحق العيني لدى المتصرف فيه كما أنه يسهل على كل من يهمه الأمر التعرف على حال المال إذا كان عقارا وذلك بالاطلاع بسهولة على الالتزامات المترتبة عليه في مكان وجوده ". مما يجعل المعاملات في استقرار بين المعاملين. 2-حماية الغير:
من مبررات خضوع المال لقانون موقعه أنه يحقق الحماية القانونية للغير و ذلك من حيث تبسيط الإجراءات كإجراءات الشهر الواجبة في التصرفات الواردة على العقار كما أنه يعتبر قانون المال القانون الذي يفكر فيه بصفة طبيعية الأطراف المعينة. 3-التركيز المكاني :
وقد برر بعد الفقه إخضاع المال لقانون موقعه على أساس أنه عاد تماما تكون مصالح الشخص مركزة حيث يوجد موضوع الحق المكتسب فقانون الموقع هو بالتالي الأنسب لحكمه. 4- سيادة الدولة :
" برر بعض الفقهاء قاعدة قانون موقع المال بحجة سياسية مفادها أن العقار يعتبر جزء من إقليم الدولة الذي يقع فيه و لما كان الإقليم وعاء لسيادة الدولة فإنه من غير المعقول أن يخضع جزء من إقليمها إلى قانون غير قانونها، ومن ثمة وجب خضوع المال لقانون موقعه لأن المسألة تتعلق بسيادة الدولة " . 5-الاختصاص القضائي :
وهناك من الفقه من ذهب إلى تبرير إخضاع المال لقانون موقعه على أساس الاختصاص القضائي ذلك أن المحاكم المختصة بالنظر في المنازعات المتعلقة بالعقار أو المنقول كذلك حالة التنفيذ عليه تكون عادة هي محاكم الدول التي يوجد بها هذا المال.
المبحث الثاني : القانون الواجب التطبيق على المنقول المعنوي المطلب الثاني : القانون الذي يحكم المال المعنوي
بعد صدور الأمر75-58 المتضمن للقانون المدني الجزائري اتضح من خلاله أن المشرع الجزائري لم يشير إلى ضابط إسناد خاص بالأموال المعنوية و إنما اقتصر على تنظيم المنقولات المادية فحسب مما اعتبر ذلك فراغا تشريعيا أدى إلى تطبيق الآراء الفقهية و الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالأموال المعنوية.
إلا أن المشرع قد تدارك هذا النقص و سده باصدار القانون 05-10 الذي تضمنت المادة 17 مكرر فمن خلال المادة يتضح أن المشرع قد أخضعها إلى نفس ضابط الإسناد الذي أخضع له الأموال المادية، كما أن المشرع عمل على وضع معايير أخرى بواسطتها يسهل عملية تحديد محل وجود تلك الأموال المعنوية و ذلك على النحو التالي : أ-الملكية الأدبية و الفنية (م 17 مكرر فقرة 2 ) :
فإن محل وجود هذه الأموال المعنوية سواء كانت أدبية أو فنية هو مكان نشرها الأول أو إنجازها وبالتالي العبرة بأول نشر أو إنجاز. ب-براءة الاختراع (م 17 مكرر فقرة 3 ):
فمحل وجود البراءة هو بالبلد الذي اعترف للمخترع بحقه في براءة الاختراع و منحها له وفقا لقوانين هذا البلد. ت-الرسم و النموذج الصناعيين (م 17 مكرر فقرة 4 ):
فيحدد محل وجودها بالبلد الذي ثم فيه تسجيل أو إيداع الرسم أو النموذج ومن ثم فإن قانون هذا البلد هو الذي يطبق. ث-العلامات التجارية (م 17 مكرر فقرة 5 ):
لقد حددت هذه الفقرة الضابط الخص بمحل تواجد العلامات التجارية الذي هو منشأة الاستغلال أي أنها موجودة في المكان الذي توجد فيه هذه المنشأة التي تستغل العلامة التجارية. ج-الاسم التجاري (م 17 مكرر فقرة 6 ):
حدد محل وجود الاسم التجاري بالمكان الذي يوجد فيه المقر الرئيسي لمحل التجاري و بالتالي في خالة التعدد لاستعمال الاسم التجاري فالعبرة بقانون البلد الذي يوجد فيه مقره الرئيسي. المطلب الثاني : حكم الملكية الأدبية والفكرية
لقد أدى التطور في نطاق الدراسات القانونية إلى ظهور طائفة جديدة من الحقوق إلى جانب ما كان معروفا من حقوق عينية وحقوق شخصية وهي طائفة الحقوق المعنوية فهذه الحقوق كانت محل اهتمام علماء الاقتصاد والقانون والسياسة ومن أهم هذه الحقوق حقوق الملكية الأدبية والفنية وهي تعرف نوعين من الحقوق، وهما حق المؤلف الذي نشا نتيجة التطورات والمستجدات المتتالية التي أدت إلى بروز الحاجة لإضفاء الحماية على هذا النوع من الحقوق وتكريس مكانتها ضمن الحقوق المكفولة لأصحاب الإبداعات الفكرية.
أما النوع الثاني فهي الحقوق الصناعية التي تلعب هي الأخرى دور هام في استغلال التنمية الاقتصادية، بحيث قد تودي إذا ما استغلت استغلالا حكيما إلى إحداث الثروة العلمية. الفرع الأول : القانون الواجب التطبيق على حق المؤلف:
لقد تعددت التعريفات الفقهية وتنوعت بخصوص إعطاء تعريف محدد نتيجة عدم الإفصاح من قبل التشريعات عن تعريف حق المؤلف، وترك التعريف لاجتهاد الفقهاء فقد عرفه الدكتور "مرقص سليمان بأنه: "سلطات مخولة لشخص على فكرة ابتكرها أو اختراع اكتشفه أو أي مزية أخرى نتجت عن عمله لتمكينه من الاحتفاظ بنسبة هذه الفكرة
أو الاختراع أو المزية""، كما عرفه الدكتور "خليل يوسف أبو بكر" على أنه: سلطة يمارسها المؤلف على أعماله التي يبتكرها سواء شفوية كانت أم كتابية أم مرئية أم فنية مثبتة وفقا للقانون".
في حين عرفه الدكتور "الصده بأنه: "مجموعة المزايا الأدبية والمالية التي تثبت للكاتب أو الفنان أو العالم على وضعه"، وتجب الإشارة إلى أن حق المؤلف يمكن أن يصدر من شخص طبيعي أو معنوي وهو حق مزدوج، فهو حق أدبي ومالي وفي نفس الوقت يمنح المؤلف سلطة على ما يثبت له من حقوق فكرية بموجب القانون تمكنه من المطالبة بحماية هذا الحق والدفاع عنه، كما أن الاختلاف ما بين التشريعات في تحديد نطاق حماية حق المؤلف يعد محفزا لظهور ما يسمى بتنازع القوانين؟، لذلك ففي هذا المطلب سنتناول القانون الواجب التطبيق على حق المؤلف في ثلاث فروع.
تباينت آراء الفقهاء في تعيين القانون الواجب التطبيق على حق المؤلف حيث يختلف القانون الواجب التطبيق على حق المؤلف لحاله نشر المؤلف لعمله أو عدم النشر أو النشر في أكثر من دولة في وقت واحد. أولا : حالة نشر المؤلف 1- تطبيق قانون بلد الأصل :
يخضع حق المؤلف إلى قانون الدولة التي تم النشر فيها لأول مرة باعتبار أن النشر هو الذي يعطي للإنتاج الأدبي أو الفني قيمته"، ذلك أنه من تاريخ النشر يمكن القول بأن المصنف يشكل مالا يمكن الاستفادة منه من طرف الغير فمن المنطقي بالتالي أن يكون قانون مكان النشر هو الذي ينظم حقوق المؤلف والغير على المصنف، ونفترض في هذا الحال أن المصنف قد تم نشره فعلا في بلد معين" حيث أنه وفقا لهذه القاعدة ذهب جانب من الفقه إلى تبرير موقفهم إلى العديد من الحجج نذكر منها:
-نشر الإنتاج الأدبي والفني وبرامج الحاسوب هو الذي يعطيه قيمة معينة واجبة الاحترام.
-إن حق المؤلف يعد كسائر الحقوق العينية التي تقع في نطاق نظام الأموال وتخضع لفائدة الإسناد الخاصة به، أي تخضع لقانون الموقع، ولكن تثور الصعوبة له، أي لحق المؤلف"، في تركيزه تركيزا مكانيا لتحديد موقعه لأنه يرد على نتاج الفكر بمعنى آخر فإن حق المؤلف يختلف عن بقية الحقوق العينية لأنه يرد عن شيء معنوي مما يؤدي إلى صعوبة تحديد موقع مادي له، الأمر الذي يستوجب تعيين موقع افتراضي أو حكمي له، وهو يتحدد ببلد أول نشر للمصنف أو ما يسمى ببلد الأصل بالنسبة له؟، لأن هذا البلد هو الذي استشعر المؤلف نجاح مصنفه فيه ماديا ومعنويا، بسبب تجاوب الجمهور المستهلك مع إنتاجه الذهني.
- إن نشر المصنف لأول مرة هو الذي يعطي للمصنف الأدبي أو الفني قيمته الخاصة من ناحية العلاقة الاجتماعية، فابتداء من لحظة النشر يصبح المصنف مالا في المجتمع الذي تم فيه هذا النشر، فيمكن أن يستفيد منه صاحبه أو الغير وبالتالي فمن المنطقي أن يتكفل قانونا بلد النشر بتنظيم كافة الحقوق الخاصة بالمؤلف وبالجمهور، وكذلك إذا أراد الأفراد الاستعلام عن الحقوق التي يتمتع بها المؤلف، فإنه من الطبيعي أن يلجئوا إلى قانون المكان الذي ظهر فيه المصنف إلى حيز الوجود بالنسبة لهم.
النشر هو الذي يجعل مفردات الملكية الأدبية والفنية محلا للتداول والاستعمال والاستثمار.
إن تطبيق قانون بلد النشر للمصنف على حق المؤلف ميزة معرفة ضابط، ثابت للإسناد، وتجنب تغير القانون الواجب التطبيق تبعا لتغير مكان الالتجاء للقضاء."
وعليه فإن من خلال ما سبق إن قام المؤلف بنشر في دولة معينة ثم قام بنشره مرة ثانية في أخرى فإن حماية حقوقه على هذا الإنتاج يحكمها قانون الدولة التي تم فيها نشر إنتاجه لأول مرة لاسيما بالنسبة لمدة الحماية ونطاقها وموضوعها وكل من اتفاقية بيرن وجنيف يأخذ بهذا الرأي.
لم يسلم هذا الرأي من النقد حيث اعترض عليه، إذ قد يؤدي إلى تطبيق القواعد الأشد في كل من قانون بلد الأصل لا يعبر عن رابطة حقيقية بين الدولة التي وقع فيها أول نشر كوقوع أو نشر بصورة عرضية أو بمحض الصدفة. 2- تطبيق قانون بلد الحماية :
ذهب أنصار هذا الرأي بتطبيق القواعد القانونية للدولة المطلوب تقرير حماية المصنف فيها، أو التي تطلب فيها الحماية فهو قانون القاضي الذي يستريح لتطبيقه لعلمه به، كما أنه يؤدي إلى توحيد الاختصاص القضائي والتشريعي"، حيث يستند أصحاب هذا الرأي إلى عدة حجج نذكر منها:
إن حل تنازع القوانين في حق المؤلف يقتضي تحديد طبيعة هذا الحق، وبما أنه حق عيني مطلق مقصور على صاحبه، فإنه يكون له مقر شأن الملكية المادية إلا أن هذا المقر يتعدد بتعدد القوانين التي تحميه."
- ضف إلى ذلك أن هذا الأمر يعد أمر في غاية الصعوبة بالنسبة للقاضي الموضوع في الحالة التي يكون المصنف قد نشر في أكثر من دولة.
إن تطبيق قانون بلد طلب الحماية يؤدي إلى توفير حماية أفضل للمؤلفين وذلك بخلاف تطبيق قانون بلد الأصل الذي قد يترتب على تطبيقه إثقال المؤلفين بالقيود المقررة فيه بالإضافة إلى القيود المقررة في قانون بلد طلب الحماية.
وهو يجنب مغبة اللجوء إلى تحديد مكان النشر المصنف في ظل العصر الحالي وتطور وسائل الاتصال بحيث ذلك التحديد لن يخلو من التحكم والتصنع فالآخذ بقانون الحماية هو الأكثر اتفاقا مع طبيعة الملكية الأدبية والفنية لأن المصنف لا يرتبط بدولة معينة بل هو يتسم بطابع عالمي، لذلك فإن حق المؤلف لا ينشأ في دولة معينة ثم ينقل بعد ذلك ليمارس في دولة أخرى ولكنه ينشا في آن واحد في كل الدول التي يمارس فيها ، إلا أن هذا الرأي لم يخلو من النقد لعدة اعتبارات نذكر منها:
-أن استخلاص تطبيق قانون بلد طلب الحماية على حق المؤلف من طبيعة وسيلة الحماية وطابعها الإجرائي يعد نوعا من التحكم والتصنع فمن المستحيل اتخاذ تدابير حماية الحق إذ لم يكن هذا الحق قائما بالفعل، وبالتالي يكون من الصعوبة بمكان الرجوع إلى قانون بلد طلب الحماية بالنسبة لمسألة وجود الحق وذلك بسبب أن الرابطة بين المصنف وهذا البلد ضعيفة للغاية ولا يمكنها أن تبرر اختصاص هذا القانون بحكم مسائل حق المؤلف.
-إن قانون بلد طلب الحماية يكون دائم التغير، وذلك تبعا لتغير مكان حدوث الوقائع محل النزاع بخلاف الأخذ بقانون بلد النشر الأول الذي يظل ثابتا لا يتغير حتى لو أعيد نشر المصنف في دولة أخرى وهو يؤدي إلى إهدار مبدأ الاحترام الدولي للحقوق المكتسبة.
وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة لهذا الرأي إلا أنه يحقق مزايا لا يحققها بلد النشر إذ أن الاعتماد على بلد النشر بشكل عرضي أو حالة النشر في أكثر من دولة، وعليه فإن قانون الدولة التي تطلب فيها الحماية هو أمر منطقي وتميله الاعتبارات المتعلقة بحماية حقوق المؤلف. ثانيا : حالة عدم نشر المصنف
بالنسبة للمصنف الذي لم ينشر بعد، يذهب الفقه إلى تطبيق القانون الشخصي للمؤلف على اعتبار أن المصنف وثيق الصلة بشخص مؤلفه" ويستند هذا إلى أن الملكية الذهنية والإبداع الفني هي نتاج فكر الإنسان وأن للإنسان حق أبوة على ما أبدعته قريحته، وفي حالة عدم النشر فلا يوجد ما يمكن ربط ذلك الفكر لصاحبه ومبدعه"، وهذا الحل أخذت به اتفاقية "برن" والمعدلة في استكهولم عام 1967 في مادتها 03 فرع 1 وفي باريس عام 1971، وكذلك الاتفاقية العامة المبرمة في جنيف عام 11952، حيث أنه قد انتقد هذا الرأي بسبب احتمالية تغير بلد الأصل تبعا لتغير جنسية مؤلفها، وكذلك احتمال صعوبة تحديد بلد الأصل بالنسبة لهذه المصنفات نتيجة تعدد أو انعدام جنسية المؤلف.
ويذهب اتجاه أخر إلى اختيار قانون الموقع المادي للدعامة المادية التي تجسد العمل الفكري باعتبار أن ذلك من شأنه حماية الغير والمصلحة الاجتماعية ولقد انتقد هذا الرأي على اعتبار أن الملكية الذهنية تثبت بمجرد إبداع الفكرة وخلقها الذهني بصرف النظر عن تثبيتها على دعامة مادية ذات موقع ملموس.
والبديل في مثل هذه الحالات أن نسند الاختصاص للقانون الوطني للمبدع بناء على معيار الأبوة التي تكون للمبدع على إبداعه أي الإبداع جزء لا يتجزأ مع صاحبه، هذا المنحى الذي أخذت به اتفاقية برن بعد تعديلها وجنيف كما سبق الذكر، وازاء الانتقادات الموجهة إلى كل من الرأيين السابقين فقد نادى بعض الفقهاء إلى تطبيق قانون بلد الحماية بالنسبة للمصنفات غير المنشورة لأن ذلك يحقق ميزة وحدة القانون الذي يسري على النظام القانوني لهذه المصنفات من جهة كما أن ممارسة المؤلف لحقوقه في دولة معينة بالنسبة لمصنفه غير المنشور يعبر عن مصلحة المؤلف في تطبيق قانون هذه الدولة، حيث يرى الباحث بأن تطبيق قانون جنسية المؤلف هو الأنسب لحماية حق المؤلف في هذه الحالة لارتباط العمل الفكري بصاحبه. ثالثا : حالة النشر في أكثر من دولة
في حال نشر المصنف في أكثر من دولة فقد أخذت كل من اتفاقية بارن وجنيف إلى تطبيق قانون الدولة التي يقرر قانونها مدة أقصر لحماية حق المؤلف"، وقد انتقد هذا الرأي على أساس أنه من غير المقبول أن يحدد القانون الواجب التطبيق على أساس مضمون القوانين المتزاحمة بحكم العلاقة محل النزاع التي تربط بين العلاقة محل النزاع وقانون الدولة معينة بغض النظر عن مضمون أحكامه كما أن هذا الرأي يفرض على القاضي إجراء مقارنة بين قوانين الدول التي تم النشر فيها، والتعرف على أحكامها، ذلك للوصول إلى القانون المختار الذي يقرر مدة حماية أقصر وهو ما يشق على القاضي القيام به، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن تحديد القانون الواجب التطبيق على أساس تربط بشكل بين العلاقة محل النزاع وقانون دولة معينة بصرف النظر عن تشريعها مدة حماية أقصر ن غيرها، بل إن العكس هو الصحيح طالما أن هدف الاتفاقيات الدولية حماية حقوق المؤلفين وليس مصالح الجمهور.
وقد دفع جانب من الفقه إلى القول بتطبيق قانون موقع النشر الرئيسي إذ كان المصنف قد نشر في نفس الوقت في عدة دول، فإنه يتعين حينئذ الرجوع إلى قانون الدولة التي كان انشر المصنف فيها أهمية أكثر من غيرها، وتحدد هذه الأهمية بالاستناد إلى قصد المؤلف آخذين بعين الاعتبار موطنه أو جنسيته، كما تحدد أيضا بالنظر إلى عدد النسخ المباعة وما لقيه المصنف من قبول لدى القراء. الفرع الثاني: القانون الواجب التطبيق على الملكية التجارية والصناعية : أولا: القانون الواجب التطبيق على الملكية الصناعية
تعرف الملكية الصناعية بحقوق الملكية الفكرية على المصنفات أو العناصر ذات الاتصال بالناشطين الصناعي والتجاري، حيث يعرفها الفقه بأنها الحقوق التي ترد على مبتكرات جديدة كالاختراعات والرسوم والنماذج الصناعية أو على شارات مميزة تستخدم إما في تمييز المنتجات، وهي تشمل براءة الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية وهذا ما يتم التطرق إليه من خلال دراسة القانون الواجب التطبيق على الرسوم والنماذج الصناعية ثانيا. 1- القانون الواجب التطبيق على براءة الاختراع :
براءة الاختراع كوثيقة تمنحها الدولة لصاحب الاختراع بناء على طلبه ينتج عنها حقوق تمنح للمخترع سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا لمدة معينة على أن تنتقل إلى ورئته بعد وفاته، لهذا حظي مفهوم البراءة باهتمام تشريعي لم يخرج عن الفقه بشأن ذلك، حيث عرفها المشرع الجزائري في الفقرة الثانية من المادة 02 من الأمر رقم 03.07 بأنها: وثيقة تسلم لحماية اختراع .
فحين عرفها الفقه بأنها: سند رسمي يعطى بناء على طلب الاختراع ويشمل هذا السند على البيانات الخاصة بشخص من تقدم بكلب استغلاله عليه، ووصفا كاملا عن الاختراع ثم حق صاحبه في احتكار الحصول وفقا لنصوص القانون .
أما بخصوص القانون الواجب التطبيق على براءة الاختراع، فإن الفقه اختلف في تحديده، حيث يرى جانب من الفقه أن القانون الواجب التطبيق على حق الاختراع يتحدد بقانون بلد المنشأ أو الأصل وقد استند أنصار هذا الاتجاه على الحجج الآتية:
إن بلد المنشأ هو المكان الذي ينحصر فيه الاختراع كمال معنوي وبالتالي هو بلد موقع المال وقانون بلد المنشأ هو قانون موقع المال.
إن الأخذ بقانون بلد المنشأ يؤدي إلى احترام الحقوق المكتسبة للمخترع، حيث أن الحق في الاختراع ينشأ بمجرد الابتكار والبراءة لا تنشئ حقا جديدا بل هي ذات مقرر أو كاشف.
إن تطبيق أي قانون آخر غير قانون بلد المنشأ كقانون الدولة التي منحت البراءة لاحقا عن نفس الاختراع يحمل مغبة القضاء بعدم حدة الاختراع وهذا يؤدي إلى التأثير على حقوق المخترع.
ويعاب على هذا الرأي كون أن نظام الحصر أو التركيز المكاني الوحيد لحقوق الملكية الصناعية، ومنها براءة الاختراع في بلد المنشأ ليس إلا نظاما مفتعلا، وذلك لأن الحصول على براءات الاختراع في دول مختلفة ولا وجه لتفصيل أحدها بحجة أنه المكان الأول قد يجيء على سبيل الصدفة أو الاختيار التعسفي ولا يتطابق مع الارتباط الواقعي لاستغلال الاختراع.
إن هذا الاتجاه يتعارض مع مبدأ الاستقلال، وبالتالي إقليمية البراءات المأخوذ بها في كل الدول، والذي أقرته الاتفاقيات الدولية.
الفقه أن فحين ذهب جانب اخر من الفقه أن القانون الواجب التطبيق على حق المخترع يتحدد بقانون الدولة التي منحت فيها براءة الاختراع، وذلك لأن البراءة هي التي تنشئ حق المخترع ويؤسس أنصار هذا الاتجاه رأيهم على الحجج التالية:
- إن حق المخترع لا يتقرر وبالتالي يكون واجب الحماية إلا بعد الحصول على براءة الاختراع، فالبراءة هي التي تنشئ حق المخترع، فهي بذلك مصر هذا الحق وبالتالي فإن قانون الدولة المانحة للبراءة يكون أجدر القوانين بالتطبيق.
- إن منح براءات الاختراع تمر بعدة إجراءات منها التسجيل والإيداع، وهي إجراءات تتم بواسطة مرفق عام، وهذا المرفق لا يستطيع أن يعمل إلا بموجب قوانين الدولة التي أنشأته.
- إن الأخذ بقانون الدولة مانحة البراءة يتماشى ومبدأ إقليمية واستقلال البراءات السائد في كل التشريعات والمقرر في الاتفاقيات الدولية.
وهذا الحل أخذت به العديد من قوانين الدول كالقانون الدولي الخاص المجري والقانون المدني لدولة بيرو لعام 1984 والقانون الكويتي رقم 5 لسنة 1961. 2- القانون الواجب التطبيق على الرسوم والنماذج الصناعية :
يلعب الرسم والنموذج الصناعي دورا هاما في الحياة الاقتصادية باعتباره عاملا عوامل التطور في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية 7، فالرسوم والنماذج الصناعية قوامها ابتكار وخلق ذهني يتناول المنتجات من حيث شكلها، وبلك ينشأ لصاحبها حق ملكية عليها، فهي أموال معنوية أ، وعليه فإن الرسم والنموذج الصناعي يقصد به حسب المادة 01 من الأمر 66-86 بأنه: "الرسم كل تركيب خطوط أو ألوان يقصد به إعطاء مظهر خاص لشيء صناعي أو خاص بالصناعة التقليدية، أما النموذج فكل شكل قابل للتشكيل ومركب بألوان أو بدونها أو كل شيء صناعي أو خاص بالصناعة التقليدية يمكن استعماله كصورة أصلية لصنع وحدات أخرى ويمتاز عن النماذج المشابهة له بشكله الخارجي أما بخصوص القانون الواجب التطبيق على الرسوم والنماذج الصناعية فقد اختلفت آراء الفقهاء بشأن ذلك، حيث ذهب جانب من الفقه بإخضاع الرسوم والنماذج الصناعية لقانون الدولة التي تم فيها الإيداع لأول مرة أ، لأن التسجيل هو الأداة القانونية التي تقابل نشر المصنف بالنسبة إلى حق المؤلف 5، حيث يستند انصار هذا الرأي تدعيما لرأيهم هذا إلى العديد من الحجج تتمثل في:
- أن الرسوم والنماذج الصناعية تستمد استحقاقها من الحماية في تسجيلها وايداعها، وهذا ما يجسد الحق على الفكرة الإبداعية فضلا على أن التسجيل والإيداع تعتبر وسيلة علنية قانونية.
- إن الإيداع الهدف منه تكريس الحماية لصاحب السم أو النموذج الصناعي والحفاظ على حقه في احتكار الاستغلال ، وهذا الاحتكار هو جوهر الحق الذي يجب حمايته، ولا يولد الحق الاحتكاري إلا من لحظة التسجيل."
- إن منح شهادة الإيداع أو التسجيل التي تعد بمثابة دليل إثبات ملكية الرسم أو النموذج الصناعي، بحاجة إلى قيام السلطة المختصة بفحص الابتكار الفني.
في حين ذهب جانب آخر من الفقه الحديث إلى التطبيق المطلق لقانون الدولة التي يتم فيها استغلال الرسم أو النموذج الصناعي دون ادنى اعتداد بقانون الدولة التي تم فيها التسجيل أو الإيداع لأول مرة، وقد استند أنصار هذا الرأي تدعيما لرأيهم إلى حجة مؤداها أن القوانين التي تتعلق بالملكية الصناعية تعتبر من قوانين البوليس والأمن المدني، الذي يتعين تطبيقها تطبيقا إقليميا محضا، لأنها تمس التنظيم الاقتصادي للدولة، وهي بهذه الصفة تعد من القوانين ذات التطبيق المباشر التي تحدد بذاتها مجال سريانها المكاني.
وبالرجوع إلى القانون المقارن فأغلب الاجتهادات والأحكام القضائية تتجه الإرادة في أحكامها نحو توحيد قواعد الإسناد، وذلك بإسناد الاختصاص لقانون الدولة التي تطلب منها الحماية أو قانون التسجيل ، وذاك لأن الدولة التي يطلب منها الحماية هي إحدى دول الإيداع أو التسجيل، ففيها بتم التعدي على عنصر الاحتكار في الملكية الصناعية، كما أنها الدولة التي يتم الاستغلال أو التطبيق للرسم أو النموذج، أضف إلى ذلك أن هذا الحل يتفق ومبدأ الإقليمية واستقلال تسجيل الرسوم والنماذج الصناعية "، بحيث يتكفل القانون الواجب التطبيق على الرسم والنماذج ببيان طبيعة أو ماهية الرسم أو النموذج الصناعي، وشروط اكتساب الحق كشرط الجدة وسائر شروط الحماية ومدة الحماية، ونظام الإيداع والتزامات المودع، ونظام التنازل أو التصرف بالحق في الرسم أو النموذجي الصناعي، والحقوق التي ترد على هذا الحق وأسباب سقوطها أو بطلانها أو انقضائها وذلك يخرج من نطاق القانون الواجب التطبيق و حالة الاستعجال التدابير التحفظية في حالة الاعتداء على حق صاحب الرسم أو النموذج الصناعي. ثانيا : القانون الواجب التطبيق على الملكية التجارية :
تشمل الملكية التجارية كلا من المحل التجاري والعلامة التجارية التي تعد جزء لا يتجزأ من المحل التجاري بوصفها متصلة به ومن مستلزماته التي يتحقق فيها عنصر الاتصال بالعملاء التي تعمل على مواكبة التوجه نحو اقتصاد السوق والتفتح على كل التحولات التي مست كل الميادين، لهذا يتم استعراض القانون الواجب التطبيق على العلامات التجارية أولا، ثم القانون الواجب التطبيق على المحل التجاري ثانيا. 1- القانون الواجب التطبيق على العلامات التجارية :
يقصد بالعلامة التجارية أنها إشارة توسم بها البضائع والسلع والمنتجات والخدمات أو تعلم تمييزا لها عما يماثلها من بضائع أو سلع أو خدمات. فحين عرفها التشريع الجزائري في نص المادة 02 فقرة 01 من المر 03-06 المتعلق بالعلامات التجارية بأنها: كل الرموز القابلة للتمثيل الخطي لاسيما الكلمات بما فيها أسماء الأشخاص والأحرف والأرقام والرسومات أو الصور أو الأشكال المميزة للسلع او توضيبها والألوان بمفردها والمركبة التي تستعمل كلها لتمييز سلع او خدمات شخص طبيعي او معنوي عن سلع أو خدمات غيره".
وبخصوص القانون الواجب التطبيق على العلامة التجارية فقد وجد هو أيضا جدا ، حيث ذهب الجانب الأول من الفقه بإخضاع العلامة التجارية لقانون الدولة واختلاف فقهي المسجلة بداخلها ويستند هذا الرأي على العديد من الحجج تتمثل في أن:
-العلامة التجارية لا تدخل في عداد الحقوق الأدبية والفنية، ولا في عداد الحقوق الصناعية، لأن الملكية الفنية والأدبية تكون مشمولة بالحماية حتى من قبل تسجيلها، أما العلامة التجارية فلا تكون مشمولة بالحماية إلا بعد تسجيلها لأنها مجرد وسيلة فنية لتمييز الخدمات والمنتجات والسلع التي ينتجها مشروع معين وضف إلى ذلك أنه لما كان من الوظائف الرئيسية للعلامة التجارية أنها وسيلة فنية لتمييز المنتجات فإن الاعتراف بهذه الوسيلة يستلزم تدخل سلطة عامة والمراقبة من عدم التشابه أو التطابق بين العلامة التجارية والعلامات الأخرى.
-إن وظيفة العلامة التجارية هي الحد من المنافسة غير المشروعة بين المشرعات، وبذلك فإن تسجيلها والقوانين المنظمة لها هي القوانين المتعلقة بأن التجارة، وتعتبر ذات تطبيق ضروري ومباشر، فهي تحدد بذاتها مجال سريانها مما يعضد قانون دولة التسجيل.
بينما ذهب اتجاه أخر في الفقه إلى تقرير الاختصاص لقانون الدولة التي تستعمل فيها العلامة التجارية والتي تميزه عن غيره، ذلك ان الحق في العلامة التجارية يستمد من الأسبقية في استعمالها للدلالة على مشروع معين.
ويستند أنصار هذا الاتجاه إلى أن العلامة التجارية ليست نتاجا ذهنيا يحميه القانون بهذا الوصف بل أنها وسيلة لتثبت المنافسة غير المشروعة، ولذلك فإن الحق لا بمجرد إنكارها أو إيداعها بل بالأولوية في استعمالها، الأمر الذي يقتضي إخضاع هذه العلامة لقانون الدولة التى استعملت فيها لأول مرة، ولما كانت العلامة تستخدم عادة لأول مرة في الدولة الكائن بها منشأة الاستغلال عن موقع العلامة هو في هذه الدولة وخضوعها لقانونها
- إن الأخذ بقانون دولة الاستعمال الأول للعلامة التجارية يحافظ على وحدة القانون الواجب التطبيق.
- إن موقع منشاة الاستغلال هو المكان المعبر عن المركز الإقليمي أو الذي يمثل الحصر المادي الحقيقي للعلامة، وبالتالي يكون من المنطقي إخضاع العلامة لقانون موقع المنشأة الني تميزها.
وقد ساد هذا الحل في فرنسا منذ القانون الصادر سنة 1857، غير أن هذا الحل تغير بقانون 31 ديسمبر 1964 الذي جعل اكتساب الحق في العلامة التجارية مرتبطا بالتسجيل وليس بالأسبقية في الاستعمال، فيكون بذلك القانون الواجب التطبيق في فرنسا بعد هذا القانون على العلامات التجارية هو قانون الدولة التي تم فيها التسجيل قانون بلد التسجيل لإلى كل ما يمس تنظيم حق ملكية العلامة التجارية، إذ يتولى هذا القانون بيان الشروط الموضوعية والشكلية لاكتساب الحق في العلامة التجارية والاثار المترتبة على اكتساب ملكية العلامة التجارية. 2- القانون الواجب التطبيق على المحل التجاري :
لا يقصد من المحل التجاري مكان مباشرة التجارة، بل ينصرف هذا المصطلح إلى مفهوم معنوي للأصل التجاري الذي هو مال معنوي يتكون من عناصر مادية ومعنوية كالزبائن، تخصص كل هذه العناصر لاستعمال المشروع التجاري والغاية من ذلك تتمثل في جلب العملاء وكسب الزبناء "، وبما أن المحل التجاري مالا، فإنه يكون محلا للتصرفات القانونية من بيع ورهن وإيجار، وعليه فإن القانون الواجب تطبيقه على النظام القانوني للملكية والحقوق العينية التي ترد على المحل التجاري.
ووفقا للرأي الراجح في الفقه، يخضع لقانون مركزه الرئيسي لأن عنصر الزبائن يتمركز فيه وكل فرع من فروع المحل التجاري يخضع لقانون الدولة التي يوجد فيها هذا المحل "، حين يستند أنصار هذا الرأي على الآتي:
أنه يؤدي إلى ضمان سلامة المعاملات وحماية حقوق ومصالح الغير، لأنه يكون من السهولة واليسر الاستعلام عن ذلك الموقع.
-إن وضع القانون في دولة المحل يتدخل بقواعد بوليس لتنظيم الاستغلال التجاري، من غير المتصور هجر تلك القواعد وتطبيق قواعد أجنبية أ، ومن بين المسائل التي تدخل في نطاق القانون الواجب التطبيق التي يتكفل بها قانون موقع المحل التجاري بالاتي:
بيان السجل التجاري وطبيعته كموضوع لحق الملكية المعنوية، وكذلك يحدد أسباب أو طرق كسب ملكية المحل التجاري.
يشمل كذلك نطاق القانون الواجب التطبيق جميع حقوق وواجبات التاجر، فالقواعد التي تحكم هذه الأوضاع قواعد موضوعية ذات تطبيق ضروري ومباشر، أي أن تختص بحكم الأوضاع المتعلقة بالحقوق التجارية من حيث انتقالها واكتسابها وانتهائها واليات توثيقها، ومسك الدفاتر التجارية المتعلقة بها تحقيقا لاستقرار التعامل في الأسواق والأمن القانوني والثقة بين المتعاملين، وهذا ما يفسر قواعد إسناد متخصصة تتعلق بالحقوق التجارية.
ومن بين المسائل التي تخرج عن نطاق القانون الواجب التطبيق تتمثل في الآثار العينية للحقوق التي يكون المحل التجاري موضوعا لها تخضع لقانون موقع هذا المحل، فإن المسائل الأخرى المتعلقة بتكوين وأثار العقود التي ترد على المحل التجاري لا تخضع لقانون موقعه بل إنها في الأساس تخضع لقانون الإرادة وفقا للقواعد العامة في هذا الشأن، وهذا أقرته محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في 28 يناير سنة 1966 "، كما يخرج أيضا إجراءات التنفيذ الجبري على المحل التجاري التي يطلب اتخاذها البائع صاحب حق الامتياز أو الدائن المرتهن وذلك بسبب عدم الوفاء بباقي الثمن أو الدين في تاريخ الاستحقاق، حيث يسري عليها قانون القاضي.
خاتمة
من خلال ماسبق ذكره يمكن القول أن تدخل المشرع الجزائري رغم الخلاف القائم في الفقه حول تحديد مكان المال المعنوي من و جهة حول الخلاف القضائي و الغموض في نص 17 قبل التعديل القانون المدني و الاختلاف الفقهي بين إقرار المشرع للمال المعنوي من عدمه قد وجد حل قانوني وذلك في تحديده لمكان المال المعنوي في تعديله في قانون رقم 05-10 المؤرخ في 20 جوان 2005 المتضمن تعديل القانون المدني في مادته 17 مكرر بان ابقى على ذات القاعدة أو ضابط الإسناد السابق غير أنه عمد في الفقرات 5 ، 4 ، 3 ، 2 إلى تحديد مكان المال المعنوي .
المراجـع : 1- القوانين :
الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني المعدل و المتمم. 2- الكتب :
- د/. زروتي الطيب: القانون الدولي الخاص الجزائري مقارنا بالقوانين العربية الجزء الأول ( تنازع القوانين ) مطبعة الكاهنة، سنة 2000.
- بوسعدية رؤوف، محاضرات في منهجية العلوم القانونية، جامعة محمد لمين دباغي، سطيف 2، كلية الحقوق، 2016.
- أعراب بلقا سم : القانون الدولي الخاص الجزائري (تنازع القوانين ) ، الجزء الأول، الطبعة الثامنة ، دار هومة،الجزائر ، سنة 2006 .
- د/ بن الشيخ آث ملويا لحسين ، المنتقي في عقد البيع ، دار هومة الجزائر ، سنة 2008. 3- مذكرات تخرج
- إيمان غريسي , ربيحةة طابع , نضام الاموال في القانون الدولي الخاص , مذكرة لنيل شهادة ماستر , جامعة 8 ماي 1945 قالمة سنة 2019. 4- محاضرات
- أ بلعيور عبد الكريم: محاضرات في القانون الدولي الخاص على ضوء التعديلات التي جاء بها القانون 05 – 10 لسنة 2005؛ نسخة معدلة و منقحة ، كلية الحقوق – بن عكنون – جامعة الجزائر ، السنة الجامعية 2006 / 2007 .
التعليق على المادة 17 مكرر من القانون المدني الجزائري