logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





24-03-2021 12:03 مساءً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 28-12-2014
رقم العضوية : 1558
المشاركات : 317
الجنس :
تاريخ الميلاد : 7-1-1985
الدعوات : 2
قوة السمعة : 140
المستوي : ليسانس
الوظــيفة : متربص

التعليق على المادة 119 من القانون المدني الجزائري.
تحليل نص المادة 119 من القانون
المدني الجزائري فسخ العقد ( الفسخ القضائي ).


أولا التحليل الشكلي لنص المادة 119 ق م 
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 119 ق م.


أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي.
تنص المادة 119 : { في العقود الملزمة للجانبين، إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد الآخر  بعد اعذاره المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو فسخه، مع التعويض في الحالتين إذا اقتضى الحال ذلك.
ويجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلا حسب الظروف، كما يجوز لـه أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يوف به المدين قـليل الأهمية بالنسبة إلى كامل الالتزامات
}.


موقع النص القانوني :
يقع هذا النص ( المادة 119) في الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني، المعدل والمتمم .
و قد جاء في الكتاب الثاني منه عنوانه الالتزامات و العقود، من الباب الاول وعنوانه مصادر الالتزام ، الفصل الثاني وعنوانه العقد ،القسم الرابع إنحلال العقد.


البناء المطبعي :
المشرع قد حاول إجمال المعنى في نص المادة 119 من القانون المدني حيث جعلها تتألف من فقرتين 2 .
الفقرة الاولي : يبدأ من "في العقود " وينتهي عند " إقتضى الحال ذلك" ،.
الفقرة الثانية : يبدأ من "و يجوز " وينتهي عند " كامل الالتزامات " ،.


البناء اللغوي والنحوي :
استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت المادة 119 من القانون المدني محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع فسخ العقد ( الفسخ القضائي ) و كمثال على ذلك نشير إلى :
" إذ لم يوف أحد " ، " جاز للمتعاقد " ، "يطلب تنفيذ العقد" ، " أو فسخه" ، " يرفض الفسخ " وغيرها من المصطلحات التي تشير إلي الفسخ القضائي للعقد.


البناء المنطقي :
المشرع إستهل نص المادة 119 بعبارة  "في العقود الملزمة " وهنا يقصد العقود الملزمة لجانبين حيث إذا لم يوف أحد المتعاقدين بإلتزامه إتجاه الطرف الآخر من العقد يجوز له بعد إعذار الطرف المقصر في العقد ان يطالبه بتنفيذ او فسخ العقد مع التعويض ثم نجد عبارة " يمنح للمدين أجلا " ويقصد هنا أن القاضي يمكن أن يمنح للمدين أجلا للوفاء بإلتزاماته كذلك يمكن للقاضي أن يرفض طلب الفسخ إذ كان ما يوف به المدين قليل الأهمية.
نلاحظ أن المادة اعتمدت أسلوبا شرطيا .


ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 119 ق م يتضح أن المشرع إعتبر الفسخ قضائيا عندما يكون عدم التنفيذ راجعا إلى المتعاقد واستثناء يكون فسخا اتفاقيا كما يجب منح أجل للمدين من قبل القاضي حتي ينفذ إلتزاماته حسب الظروف.


تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 119 ق م يمكن  طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
ما هو الفسـخ القضائي ؟ ما هي شروطـه ؟ و ما هي إجـراءات إيقاعه ؟


التصريح بخطة البحث :
مقدمة .
المبحـث الأول : تعريـف الفسـخ القضائـي ، شروطـه ، و إجراءاتـه.
المطلـب الأول : تعريـف الفسـخ القضائـي ، و شروطـه
المطلب الثاني : حق الدائن في المطالبة بالتنفيذ العيني للالتزام والمطالبة بالفسخ.
المطلـب الثالث : إجراءات المطالبـة بالفســخ
المبحـث الثانـي : سلطـة القاضـي التقديريـة في الحكـم بالفسـخ من عدمـه.
المطلـب الأول : سلطــة القاضـي في منـح المدين أجلا للتنفيذ قبل الحكم بفسخ العقـد.
المطلـب الثاني : سلطــة القاضـي التقديريـة في رفض طلب الفسـخ.
المطلب الثالث : موانع الحكم بالفسخ.
خاتمة

مقدمة.
أغلب المعاملات التي تربط الفرد مع غيره، مصدرها العقد، هذا الأخير لا بد له من أركان لانعقاده وشروط لصحته ، فالأصل فيه أنه يلزم عاقديه بكل ما يجيء فيه، فهو يتضمن قوة تحتم على طرفيه الرضوخ والإذعان له في كل ما يحتويه، وفي حدود تنظم العلاقات التي يحكمها القانون، فلا يستطيع أحدهما أن يستقل بنقضه ولا بتعديله، ما لم يصرح له القانون أو الاتفاق بذلك ويطلق على هذا بالقوة الملزمة للعقد.
غير أنه قد يخل أحد المتعاقدين بتنفيذ التزاماته التعاقدية، أو تحدث ظروف تجعل التزامه بالتنفيذ مستحيلا، وما دامت الالتزامات في العقد الملزم للجانبين متقاولة ومرتبطة ببعضها البعض بحيث يكون كل متعاقد دائن ومدين في نفس الوقت، فإن المتعاقد الآخر يكون في وضع يدعو إلى القلق وعدم الارتياح من الناحية القانونية والعملية معا، فمن الناحية القانونية يجد نفسه ملتزما نحو الطرف الآخر بسبب
أن العقد لا يزال قائما، أما من الناحية العملية لا يستطيع الحصول على الأداء الذي التزم من أجله.


وأمام هذا ا لموقف الذي تتسم به العقود الملزمة للجانبين دون غيرها نجد أن القانون المدني الجزائري كغيره قد خص هذه الفئة بقواعد خاصة، جعل فيها للمتعاقد الدائن حق التحلل من التزاماته التعاقدية في مواجهة المدين المقصر في تنفيذ التزاماته.


المبحــث الأول : تعريــف الفسـخ القضــائي ، شروطـه ، و إجراءاتـه :
المطلــب الأول : تعريـف الفسـخ القضـائي ، و شروطـه :


الفـرع الأول : تعريـف الفسـخ القضـائي :
المقصود من فسخ العقد عن طريق القضاء ، هو ضرورة لجوء الدائن بالالتزام الذي لم ينفذ إلى القضاء من أجل المطالبة بحل العلاقة التعاقدية لكي يحق له بعد ذلك التحلل من التزاماته نحو المتعاقد الآخر الذي لم يقم بتنفيذ ما رتبه العقد من التزامات على عاتقه .
و معظم التشريعات جعلت فسخ العقد أمام القضاء هو الأصل ، و استثناءا فسخه بإرادة المتعاقدين ، و الحكمة من هذا هو تفادي ما يقع من أحد المتعاقدين من ظلم إذا استعمل الفسخ بإرادته ، أي يفصل لنفسه بنفسه بما يحقق مصلحته على حساب المتعاقد الآخر فيفسخ العقد و يتخلص من التزاماته ، بينما لو رفع الأمر إلى القضاء ممكن ألا يقع الفسخ نظرا لما للقاضي من سلطة تقديرية في الفسخ كما سوف نراه في حينه .
كما أن القاضي أدرى من الناحية القانونية بتوافر الحق في الفسخ من عدمه، و ليس له علاقة بالعقد، و منه يكون حكمه أكثر نزاهة من المتعاقد الذي هو طرف في العقد المراد فسخه.


و إنه عند قراءتنا لنص المـادة 119 من القانون المدني الجزائري قراءة سطحية ، يبدو لنا أنها لم تنص صراحة على تدخل القضاء للحكم بالفسخ ، كما هو الحال بالنسبة للقانون المدني الفرنسي ، غير أن هذا الشك يزول بالنظر إلى عبـارة " يطالب بتنفيذ العقـد أو فسخه " . فهي تفيد الفسخ القضائي لأن المطالبة تكون أمام القضاء، و كذلك عبارة " و يجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلا حسب الظروف، كما يو من هذا يعني أن اللجوء إلى القضاء هو القاعدة العامة التي تقوم عليها نظرية فسخ العقد في القانون المدني الجزائري  غير أن هذا الأصل و رد عليه استثناء في نص المـادة 120 التي تقضي بجواز الفسخ الاتفاقي دون لجوء المتعاقد إلى القضاء .
و بعـد هـذا التعريـف الموجز للفسخ القضائـي و حتى نتمكن من الإلمام أكثر بمضمونه سنتطرق إلى شروطه في الفرع الموالي:


الفـرع الثـاني : شـروط المطالبـة بالفسـخ :
نصت المـادة 119 قانون مدني جزائري : " في العقـود الملزمة للجانبيـن ، إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعـاقد الآخـر بعد اعذراه المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو فسخـه ، مع التعويـض في الحالتيـن إذا اقتضي الحال ذلك .
و يجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلا حسب الظروف ، كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى كامل الالتزامات " .
فمن استقراء نص هذه المـادة ، يتضح أنه لكي يكون الفسخ جائزا من الناحية القانونية و حتى يثبت للدائن حق المطالبة به ، ينبغي توافر ثلاثة شروط ، اثنين منهما يصرح بهما نص المـادة ، و الشرط الثالث تقتضيه طبيعة المطالبة بالفسخ.



1-أن يكون العقد من العقود الملزمة للجانبين :
فهو شرط عام في جميع أنواع الفسخ ، سواء كان الفسخ بحكم القاضي ، بحكم الاتفاق أو بحكم القانون ، و منه فليست كل العقود قابلة لطلب الفسخ و ذلك لان هذه الاخيرة متعددة الأنواع و ليست كلها ملزمة للطرفين بل هناك ما هو ملزم لجانب آخر .
و الحكمة من هذا الشرط أن العقود الملزمة للجانبين ، هي وحدها التي تنشأ عنها التزامات متقابلة فقد يحدث بعد إنشائها أن يكون  أحد المتعاقدين قد بدأ بتنفيذ التزاماته أو نفذها ، دون المتعاقد الآخر ، فهنا يثبت للأول حق طلب فسخ العقد ، حتى يتسنى له التحلل من التزاماته أو أن يسترد ما يكون قد قدمه دون أن يحصل على مقابل .
أما العقود الملزمة لجانب واحد فهي لا تنشئ التزامات متقابلة بل تستقل فيها التزامات كل من المتعاقدين و يترتب على ذلك أنه لا فائدة من طلب الفسخ بالنسبة للدائن ، إذ ليس في ذمته أي التزام يتحلل منه بالفسخ ، بل مصلحته هي أن يبقى متمسكا بالعقد و يطالب بتنفيذه .


و إذا كانت العقود الملزمة للجانبين هي وحدها التي يرد عليها الفسخ ، فإن الفسخ من جهة أخرى يرد عليها جميعا سواء كانت عقود زمنية أو فورية ، بالرغم من أن هناك اختلاف حول هذه الأخيرة فيما يخص الأثر الرجعي للفسخ فيها ،و الذي سنتكلم عنه في حينه.


2- أن يكون أحد المتعاقدين قد أخل بالتزامه :
لا يكفي لجواز طلب فسخ العقد أن يكون من العقود الملزمة للجانبين ، بل لا بد إلى جانب ذلك أن يكون هناك إخلال من جانب أحد المتعاقدين بالتزاماته التعاقدية الناشئة عن ذات العقد المراد فسخه .
فيجب أن يكون التنفيـذ قد أصبح مستحيـلا بفعل المديـن، أو أنه لا يزال ممكنا و لكن المدين لم يقم بالتنفيذ نتيجة خطأه المتعمد أو إهماله، أما إذا كان عدم التنفيذ يرجـع إلى سبب أجنبي فإن التزام المدين ينقضي، و ينقضي بذلك الالتـزام المقابـل له و ينفسـخ العقد بحكـم القانون ، أي " انفساخـا " و هو ما سنتطـرق إليه في الفصل الثالث من مذكرتنا .
و يستوي أن يكـون عدم التنفيـذ نهائيا أو جزئيـا - و يعتبـر في حكـم عدم التنفيذ الجزئي أن يكون التنفيذ معيبا فهناك يكون للدائن حق المطالبة بالفسخ و يبقى للقاضي استعمال سلطته التقديرية إما بالحكم بالفسخ إذا كان الجزء الباقي دون تنفيذ يبرر الحكم به ، أو إعطاء مهلة للمدين لتكملة التنفيذ .
كما يمكن للقاضي أن يحكم بفسـخ العقد كلـه إذا كان التزام المـدين لا يتحمل التجزئـة، أو كان يحتملها و لكن الجزء الباقي دون تنفيذ هو الجزء الأساسـي من الالتـزام، أو الحكـم بفسخ العقـد يقتصـر على جـزء منه مع بقاء الجزء الأخر.


3- أن يكون طالب الفسخ مستعدا للقيام بالتزامه و قادرا على إعادة الحال إلى أصلها :
فيجب أن يكون طالب الفسخ مستعدا للقيام بالتزامه الناشئ عن العقد المراد فسخه ، فليس عدلا أن يخل هو بالتزاماته ثم يطلب الفسخ لعدم قيام المدين بتنفيذ ما في ذمته من التزام ، أما إذا استحال على الدائن تنفيذ التزامه لسبب أجنبي فإن العقد ينفسخ بحكم القانون .
كما يستخلص من نص المـادة 122 قانون مدني أنه من الآثار القانونية التي يرتبها فسخ العقد هي إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التقاعد ، و انطلاقا من هذا يقع على عاتق طالب الفسخ أن يكون قادرا على إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل إبرام العقد ، و النتيجة المترتبة على ذلك أنه إذا كان الدائن قد قبض أو تسلم شيئا من المتعاقد الآخر كتنفيذ جزئي للعقد ثم طلب فسخه لأن المتعـاقد الآخر لم يقم بتنفيذ ما تبقى من التزامه ، فيجب عليه أن يكون قادرا على رد ما أخذه .


أما إذا كان لا يستطيع الرد كأن يكون قد تصرف فيما أخذه عن طريق البيع مثلا ، فيؤدي هذا إلى فقدان حقه في المطالبة بالفسخ و لا يبقى له إلا المطالبة بالتنفيذ لأن هذا هو الأصل و ما الفسخ إلا طريق احتياطي يلجأ إليه المتعاقد
أما إذا كان المدين هو الذي استحال عليه أن يرد الشيء إلى أصله، فإن ذلك لا يمنع من الفسخ، و يحكم على المدين في هذه الحالة بالتعويض كما سنوضحه فيما بعد.
و بناءا على ما تقدم فإن الفسخ القضائي لا يكون صحيحا إلا بتوافر الشروط السالفة الذكر ، و رغم هذا فإن تحقق هذه الشروط لا يكفي لفسخ العقد ، و إنما يعطي المتعاقد الحق في طلب الفسخ من القضاء بعد إتباع إجراءات قانونية معينة.


المطلب الثاني  : حق الدائن في المطالبة بالتنفيذ العيني للالتزام والمطالبة بالفسخ.

الفرع الأول : حق الدائن في المطالبة بالتنفيذ العيني للالتزام.
من خلال نص المادة 119 /ف 1 من ق.م.ج يتبين أن للدائن عند عدم تنفيذ المدين لإلتزامه التعاقدي، أن يطالب بالتنفيذ العيني للإلتزام، إذا كان التنفيذ ممكنا وأفضل له، وبالتالي ليس من الضروري تحلل الدائن من الرابطة العقدية بمجرد عدم التنفيذ، بل له الخيار في ذلك. فإذا إختار الدائن دعوى التنفيذ فإنه يكون بذلك يسعى إلى الإفادة من العقد والوصول إلى تحقيق الغرض الذي إستهدفه من التعاقد، ويعتبر ذلك الأصل الطبيعي لجميع العقود،  فهو أفضل وسيلة تضمن إستقرار المعاملات بين الأفراد في المجتمع  فإذا طالبه الدائن لا يجوز للمدين أن يعدل عنه إلى التعويض، وإذا عرضه المدين فليس للدائن أن يرفضه.

وإن الأصل في تنفيذ أي إلتزام أن يتم عينا، لأن الهدف من تعاقد أي شخص هو الحصول على ما تعاقد عليه، لذلك يجب على المدين بالإلتزام أن يؤدي إلتزامه بالشكل  والشروط المتفق عليها في العقد ويشترط للمطالبة بالتنفيذ العيني أن يكون التنفيذ ممكنا، وأن يقوم الدائن بإعذار المدين لتنفيذ إلتزامه، وألا يكون التنفيذ العيني مرهقا للمدين.


الفرع الثاني : حق الدائن في المطالبة بالفسخ.
للدائن طالب التنفيذ العيني أن يعدل عنه إلى طلب الفسخ، وعليه فإذا أقام المشتري مثلا دعوى صحة ونفاذ العقد وتوافرت مقومات الفسخ القضائي، جاز للبائع أن يتقدم بطلب عارض بفسخ العقد باعتبار أن الفسخ القضائي يتطلب صدور حكم يقضي به، ولذلك يقدم الفسخ كطلب عارض أمام محكمة الدرجة الأولى أو الثانية ، يطلب فيه من القاضي فسخ العقد بسبب إخلال المدين بإلتزاماته.

وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض المصرية: إذا كانت المحكمة قد قررت أن للمشتري عند تأخر البائع في التسليم الخيار بين التنفيذ العيني أو طلب فسخ العقد مع التضمينات في الحالتين، كما لو كان رفع  دعواه لطلب التسليم أن يعدل عنه إلى طلب الفسخ وليس في رفع الدعوى لأي من هذين الطلبين  نزولا عن الطلب الآخر وللمدين أن يعدل عن طلب الفسخ إلى طلب صحة ونفاذ العقد، وهو طلب عارض مرتبط بالطلب الأصلي، يصح تقديمه من المدعي معدلا به طلبه الآخر، ويتعين لقبول هذا الطلب العارض أن يكون التنفيذ ممكنا وإلا تعين رفضه والقضاء تبعا لذلك برفض الدعوى.


ويستوي في الأمر أن يكون الدائن بالالتزام الذي لم ينفذ، قد عدل عن طلب الفسخ إلى التنفيذ أمام محكمة الدرجة الأولى أو أمام محكمة الدرجة الثانية، ذلك أن هذا الطلب الذي يتقدم به المتعاقد الدائن أمام محكمة الدرجة الثانية يعتبر من الطلبات العارضة التي أجازها قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، لأنه مرتبط ومتصل بأصل الدعوة التي لم يتقدم بها المتعاقد الدائن أمام محكمة الدرجة الثانية، ويؤسس ذلك على ما جاءت به المادة 119 من ق.م.ج.

التي سوت بين طلب الفسخ وطلب التنفيذ، ولو لم يطرح صراحة من الدائن أمام المحكمة الابتدائية فهو ضمنيا مطروح منذ البداية، بحيث لو تحقق التنفيذ ما جاز للدائن طلب فسخ العقد الذي يقوم أساسا على عدم التنفيذ  وفضلا عن ذلك فإن الإستئناف الذي يقع في مثل هذه الحالات لا شك أنه يكون بسبب عدم إقتناع المدين، بأنه لم ينفذ التزامه مما حمل قاضي الدرجة الأولى على الحكم بفسخ العقد، ويهدف المدين من وراء الإستئناف إثبات تنفيذ العقد بدلا من الحكم بفسخه، وعليه فان طلب الدائن بالتنفيذ أمام محكمة الدرجة الثانية يكون طلب غير مخالف لما ينويه المدين من وراء الاستئناف فيحصل الدائن بذلك على من أنشئ العقد من أجله وهو  التنفيذ وفي ذلك تحقيق للأهداف التي من أجلها تبرم العقود .


المطلـب الثـالث : إجـراءات المطالبـة بالفسـخ :
قد تتوفر الشروط القانونية السالفة الذكر ، فيكون من حق المتعاقد طلب الفسخ من القضاء و لكي يقع هذا الفسخ  القضائي لا بد عليه من إتباع إجراءات معينة يمكن أن نبينها من خلال الفروع التالية:


الفـرع الأول : اعـذار المديـن :
تنص المـادة 119 فقرة 1 قانون مدني : " في العقود الملزمة للجـانبين ، إذا لم يـوف أحد المتعاقديـن بالتزامـه جاز للمتعاقد الأخر بعد اعذراه المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو فسخه ، مع التعويـض في الحالتيـن إذا اقتضـى الحال ذلك " .
كما تنص المـادة 179 من نفس القانـون على : " لا يستحـق التعويـض إلا بعـد إعذار المدين ما لم يوجد نص مخالف لذلك " .
و يتضح لنا من خلال هاتين المادتين ، أنه يجب على الدائن قبل رفعه لدعوى طلب الفسخ أن يقوم باعذار المتعاقد الآخر ، مطالبا إياه بتنفيذ التزاماته الناشئة عن العقد الذي ينوي فسخه .


و تبرز أهمية الإعذار ، في أنه يعتبر دلالة قاطعة على إثبات إخلال المدين بالتزاماته ، و بالتالي يخول للدائن الحق في مطالبة المدين بالتعويض عن الأضرار التي لحقته بسبب عدم التنفيذ و ذلك من يوم الاعذار ، إضافة إلى أنه يجعل القاضي أسرع في الاستجابة إلى طلب الفسخ .


إلا أنه هناك حالات يعفى فيها الدائن من هذا الإجـراء، و هي الحالات التي ذكرتها المـادة 181 قانون مدني ، و علة إعفاءه أن الفائدة تنتفي عندئذ ، و مادامت الغاية قد انتقت فلا داعي للوسيلة .
و ما لاحظنـاه من خلال تدريبنا الميداني لدى مجـلس قضـاء المسيلـة ، أن الدعوى التي يرفعها الدائن لفسخ العقد  قضائيا دون أن يكون قد سبقها إعذار ، فهي مقبولة لأن الدعوى في حد ذاتها تعتبر إعذارا للمدين بوجوب تنفيذ التزاماته.
و هي لاتعتبر كذلك إذا كان الدائن طلب الفسخ مع التعويض ففي هذه الحالة القضاة يطالبون بالاعذار ، و إلا استجابوا لطلبه المتعلق بفسخ العقد دون طلب التعويض .


الفـرع الثـاني : رفـع الـدائن لدعـوى الفسـخ :
نستخلـص هذا الإجراء مـن عبـارة " أن يطالب بتنفيـذ العقد أو فسخـه ..." الـواردة في المـادة 119 ، و يقصد بكلمة " يطالب " المطالبة القضائية .
فقد يحدث أن يقوم الدائن بإعذار مدينه إلا أن هذا الأخير لا يقوم بتنفيذ التزاماته ، و منه يقوم الدائن برفع دعوى أمام القضاء ، و الحكمـة من هذا الإجراء أنه يعقب الإعذار الموجه للمدين تسامـح بينه المدين - و الدائن في عدم التنفيذ أو التأخير فيه .


و منه يتضح أن الإعذار وحده غير كافي للفسخ بل لابد إلى جانبه رفع دعوى قضائية التي تعتبر ضمان لصاحب الحق من اجل حماية حقه ، و وسيلة من وسائل الحماية القانونية ، و منه لا يجوز الاتفاق على حرمان أحد الطرفين من رفعها ، لأن مثل هذا الاتفاق يجعل الدائن تحت رحمة المدين إن شاء نفذ التزامه ،و إن لم يشأ فليس هناك وسيلة لحمله على ذلك .
إلا أنه رغم أهمية دعوى الفسخ ، فهذا لا يعني أنها تبقى قائمة ، و لكن من جهة أخرى ليست لها مدة خاصة تتقادم بها ، فتتقادم إذن بمضي 15 سنة من وقت ثبوت الحق في لفسخ ، و يكون ذلك عادة من يوم الاعذار ، طبقا للقواعد العامة في التقادم المسقط .
فهل قيام الدائن بالاعذار ، ثم رفعه لدعوى الفسخ هو كافي لإيقاع الفسخ ؟ في الواقع أنه لا بد من صدور حكم قضائي يقضي بالفسخ كما سنبينه فيما يلي.


الفـرع الثـالث : ضـرورة صـدور حكـم يقضـي بالفسـخ :
على الدائن الذي رفع دعوى الفسخ ألا يعتبر نفسـه متحللا من التزاماته نحو المـدين بمجرد تحقـق الشـروط و الإجراءات السالفة الذكر ، بل لا بد من صدور حكم قضائي يقضي بفسخ العقد .
و تكمن ضرورة صدور حكم قضائي بالفسخ في أنه قد يحدث بعد رفع الدعوى أن يقوم المدين بالتنفيذ ، و بالتالي لا يكون هناك فسخ ، و قد لا يستجيب القاضي إلى طلب الفسخ بما أن له سلطة تقديرية في إيقاع الفسخ من عدمه استنادا لنص المـادة 119فقرة 2 قانون مدني إضافة إلى ذلك فإنه ممكن للدائن الذي تقدم إلى القضاء بطلب فسخ العقد ، أن يعدل عن هذا الطلب و يتمسك بالتنفيذ قبل أن يصدر الحكم .


و منه فإن الحكم القضائي الصادر بفسخ العقد ، يحقق النتيجة المرجوة و هي تحلل الدائن من التزاماته نحو المدين ، و بالتالي يكون حكما منشئا للفسخ ، و هذا هو الفرق الذي يميز الفسخ القضائي عن بقية أنواع الفسخ الأخرى كما سنبينه فيما بعد ، و التي يكون فيها الحكم القضائي مقررا للفسخ .
و بعد تحديدنا للشروط و الإجراءات الواجب احترامها لإيقاع الفسخ القضائي ، يجب أن نقول أن القاضي غير ملزم بأن يحكم بالفسخ ، بل له سلطة تقديرية في هذا المجال و التي قد تضيق أو تتسع بحسب الظروف ، و هذا ما سنتطرق إليه في المبحث الموالي :


المبحـث الثـاني : سلطـة القاضـي التقديريـة في الحكـم بالفسـخ مـن عدمـه :
نصت المـادة 119 فقرة 2 من القانون المدني: " و يجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلا حسب الظروف، كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى كامل الالتزامات."
يستفاد من هذا النص أن القاضي ليس مجبرا على الحكم بالفسخ ، بل له سلطة تقديرية في مجال الفسخ القضائي، إذ يجوز له أن يمنح المدين أجلا للتنفيذ، وثانيا، ممكن له رفض طلب الفسخ معتمدا في ذلك على معيارين.
هذا ما سنتطرق إليه في هذا المبحث الذي قسمناه إلى مطلبين حسب موقف القاضي اتجاه الدائن طالب الفسخ :


المطلـب الأول : سلطـة القاضـي في منـح المديـن أجلا للتنفـيذ قبـل الحكـم بفسـخ العقـد :
قد تتوافر للدائن الشروط القانونية لفسخ العقد ، و يقوم بجميع الإجراءات الواجب إتباعها ليتحلل من الالتزامات التي رتبها العقد على عاتقه ، غير أن القاضي قد لا يحكم له فورا بالفسخ ، و إنما يقوم بمنح المدين أجلا لعله يقوم بالتنفيذ خلاله ، مما يجعل الفسخ لا مبرر له ، إذا ما قام المدين بالتنفيذ خلال الأجل ، لأن الغرض الأصلي من إبرام العقود هو تنفيذها و ليس فسخها ، و لكن هل الأجل الذي يمنحه القاضي وفقا للمادة 119 فقرة 2 هو نفسه الأجل المنصوص عليه في المـادة 281 فقرة 2 من القانون المدني ؟.


الفـرع الأول : الفـرق بين الأجل الوارد في المـادة 119 و الأجل الوارد في المـادة 281 قانون مدني :
إن سلطة القاضي في منح المدين أجلا في الواقع، هي استثناء عن القاعدة العامة التي تقتضي بأن لكل متعاقد الحق في طلب الفسخ لعدم تنفيذ المتعاقد الأخر لالتزاماته التعاقدية الواردة في المـادة 119 فقرة 1 من قانون المدني المتعلقة بالفسخ القضائي .


لكن القـانون المـدني الجزائري ، زيـادة على ما جـاء في المـادة 119 فقرة 2 السالفـة الذكـر ، نص في المـادة 281 فقرة 2 : " غير أنه يجوز للقضاة نظرا لمركز المدين و مراعاة للحالة الاقتصادية ، أن يمنحوا أجالا ملائمة للظروف دون أن تتجاوز هذه المدة سنة ". مما يدل أن للقاضي سلطة في منح المدين أجلا لتنفيذ التزامه لكن أي المادتين يطبق عندما يمنح المدين أجلا بصدد دعوى الفسخ ؟ هذا ما يجعلنا نتطرق للاختلافات الموجودة بين الأجل المنصوص عليه في المادتين السابقتين .


إن الأجل الذي جاءت به المـادة 281 فقرة 2 يكون بصدد دعوى التنفيذ، و أساسه هو قواعد العدالة، والتخفيف من شدة القاعدة التي تقضي بأن العقد شريعة المتعاقدين الواردة في نص المـادة 106 قانون مدني .
و منه لا يجوز للقاضي منح المدين أجلا في حالة دعوى المطالبة بالتنفيذ ، إلا في حالات خاصة تتطلبها حالته الاقتصادية أو مركزه المالي ، إضافة إلى أنـه لا يمكن أن تتعدى مدته سنة , و ألا يكون مخالفا لنص قانوني أخر أو يؤدي التأجيل إلى إلحاق ضرر بالدائن .


أما الأجل الممنوح وفقا للمـادة 119، فيكون بصدد دعوى الفسخ، و من ثم فأساسه هو الحد من صرامة الفسخ باعتباره جزاء و وسيلة خطيرة يترتب على استعمالها أثار خطيرة بالنسبة للعقد.
و منه فمنح المدين أجلا للتنفيذ يمكن بواسطة تفادي ما يقع من جراء فسخ العقد، خاصة إذا كان هذا المدين حسن النية بالنسبة للتأخير، و أنه لا يلحق التأخير بالدائن أي ضرر .


كما يمكن أن نضيف أن الأجل الممنوح وفقا لدعوى التنفيذ هو من النظـام العام ، فلا يجـوز للمتعاقدين الاتفاق على استبعاده ، أما هذا الاتفـاق فهو جائـر لو كنا بصـدد دعوى الفسـخ ، خاصة في الفسخ الاتفاقي كما سنبينه لاحقا .
لكن هل يجوز للقاضي دائما أن يمنح المدين أجلا للتنفيذ ؟ أم هناك حالات مقيدة لسلطته في هذا الشأن ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في الفرع الموالي :


الفرع الثاني : الحالات المقيدة لسلطة القاضي في منحه المدين أجلا للتنفيذ :
إن سلطة القاضي التقديرية في منح المدين أجلا للتنفيذ ،لا ينبغي أن يبالغ فيها ، إذ يوجد حالات لا يجوز للقاضي أن يمهل المدين كما لو كان هذا الأخير ملتزما بعدم القيام بعمـل و لكنه قام به ، إذ يصبح التنفيذ المتعاقد من أجله مستحيلا ، مما يجعل منح الأجل لا فائدة منه .
كذلك إذا التزم المدين بالقيام بعمل في وقت معين ثم لم يقم به في الوقت المتفق عليه، مما يجعل التنفيذ بعد ذلك لا فائدة منه بالنسبة للدائن، و منه فلا فائدة من إعطاء المدين أجلا للتنفيذ.


كذلك المدين سيئ النية، فلا يجوز للقاضي أن يمهله، لأن الأصل في تنفيذ العقد هو حسن النية طبقا لنص المـادة 107 قانون مدني، و منه يجب مجازاته بجزاء مشدد لا أن يعامل معاملة حسنة.
و يتضح لنا مما سبق بأن منح المدين أجلا للتنفيذ أمر متروك للقاضي المعروض أمامه النزاع فإذا تبين له فائدة منه منحه له ، أما إذا تبين له أنه لا جدوى منه حكم بالفسخ دون منحه أجلا ، لكن ما يجب الإشارة إليه أنه في حالة منح القاضي للمدين أجلا للتنفيذ .


فهذا لا يعني أنه يصدر حكما بشأن الأجل ، و حكما أخر بشأن الفسخ ، و إنما يصدر حكما واحدا يقضي بفسخ العقد إذا انقضت المدة الممنوحة للمدين دون التنفيذ من تاريخ صدور الحكم ، أي بمجرد انتهاء المدة الممنوحة يصبح الدائن طالب الفسخ متحللا من الالتزامات التي كانت على عاتقه نحو المدين .
هل سلطة القاضي التقديرية تقتصر فقط على منح المدين أجلا للتنفيذ من عدمه ؟ أم تتعداه لغير ذلك ؟ هذا ما سنجيب عليه في المطلب الثاني من هذا المبحث:


المطلب الثاني : سلطة القاضي التقديرية في رفض طلب الفسخ :
نصت المـادة 119 في فقرتها الأخيرة من القانون المدني أنه : " .... كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى كامل الالتزامات ."
من خلال هذه الفقرة يتبيـن لنا أن للقاضـي دورا هاما في تقدير جسامـة عدم التنفيذ التي أدت بالدائن إلى المطالبة بفسخ العقد .
فممكن أن يكون عدم التنفيذ المدعى به من الدائن كليا ، أي أن المدين لم ينفذ جميع الالتزامات التي رتبها العقد على عاتقه ، و في مثل هذه الحالات غالبا ما يستجيب القاضي لطلب الفسخ ، كما يمكن أن يكون عدم التنفيذ جزئيا ، و هنا تظهر أهمية سلطة القاضي التقديرية في تقدير جسامة عدم التنفيذ ، و حتى يصل الى معرفة درجة هذه الجسامة عليه الاستعانة بمعيارين ، سنبينهما من خلال الفرعين المواليين .


الفرع الأول : اعتماده المعيار الذاتي في رفض طلب الفسخ :
و مؤداه أن القاضي عند تقديره لجسامة عدم التنفيذ ، يأخذ في اعتباره بنية الدائن ، فإن وجد أن عدم التنفيذ و لو أنه جزئي يحرم الدائن من أداء يعتبر في نظره الدائن أهم عنصر في العقد كان ذلك كافيا لأن يحكم بالفسخ ، أما إذا لم يجد هذه الأهمية ، فممكن أن يرفض طلب الفسخ .
و لقد وردت في القانون المدني الجزائري عدة تطبيقات لهذا المبدأ، نذكر منها على سبيل المثال ما ورد في المـادة 365 منة : " .... لا يجوز للمشتري أن يطلب فسخ العقد لنقص في المبيع ، إلا إذا أثبت أن النقص يبلغ من الأهمية درجة لو كان يعلمها المشتري لما أتم البيع ".


كما نصت المـادة 370 من نفس القانـون : " إذا نقصت قيمة المبيع قبل التسليم لتلف أصابه، جاز للمشتـري ، إما أن يطلب فسخ العقد ، إذا كان النقص جسيمـا ، بحيث لو طـرأ قبل العقد لمـا أتم البيع ، و إما أن يبقـي البيع مع إنقاص الثمن ".
و حسب هاتين المـادتين يتبين أن المعيار الذاتي يعتبر الأساس الذي يستعين به القاضي عند تقديره لأهمية عدم التنفيذ التي تسبب فيها المدين .


و ما يجب ملاحظته هو أن هذا المعيار شخصي محض ، فما يعتبره أحد الدائنين مهما و مفيدا في عقد من العقود الملزمة للجانبين ، قد لا يراه دائن أخر على هذا الوجـه ، لهذا على القاضي أن يأخذ بإرادة كل دائن على حدة ، و ليس إرادة الدائن العادي.


إلا أنه لا يمكن أن نأخذ بهذا المعيار على إطلاقه ، إذا أنه لا يمكّن القاضي من الوصول إلى الحقيقة في جميع الحالات ، و أن عدم التنفيذ قد يتخذ صورا متعددة لا يمكن الاعتماد فيها دائما على المعيار الذاتي ، بل لا بد من الاستعانة بقواعد موضوعية توضح كمية الالتزامات التي تنفذ بالنسبة إلى كامل الالتزامات التعاقدية التي نفذت و هو ما يطلق عليه " المعيار الموضوعي " .


الفـرع الثـاني : اعتمـاده المعيـار الموضوعـي في رفـض طلـب الفسـخ :
المقصود بالقواعد الموضوعية أن القاضي المعروض عليه طلب الفسخ ، و عند تقديره لمدى جسامة عدم التنفيذ ، أن يعتد بكمية الالتزامات التي نقضت من جملة الالتزامات الناشئة عن العقد المراد فسخه .
و لقد أورد المشرع الجزائري تطبيقات لهذا المعيار ، عند تنظيمه لعقد الإيجار ، نذكر منها ما ورد في نص المـادة 477 قانون 07-05  : " إذا سلمت العين المؤجرة في حالة لا تكون فيها صالحة للاستعمال التي أجرت من أجله ، أو طرا على هذا الاستعمال نقص معتبر ، جاز للمستأجر أن يطلب فسخ الإيجار أو إنقاص بدل الإيجار بقدر ما نقص من الاستعمال مع التعويض عن الضرر في الحالتين إذا اقتضى الأمر ذلك " ، و 


من خلال هذه المـادة يتضح لنا أن المشرع أعطى للدائن بالإلتزام في هذه الحالات الحق في طلب الفسخ عندما يكون النقص في الاستعمال نقصا معتبرا .
لذلك يجب على القاضي المعروض عليه طلب الفسخ، و لكي يقدر مدى جسامة عدم التنفيذ أن يعتد بكمية الالتزامات التي نقصت من جملة الالتزامات الناشئة عن العقد المراد فسخه، و التي على ضوءها يستطيع أن يحكم بفسخ العقد أو يرفض الطلب.


و هكذا و من خلال ما سبق يتضح أن القاضي ليس مجبرا على الحكم لصالح من تقدم بطلب الفسخ ، و إنما له سلطة تقديرية في ذلك ، فقد يحكم لصالح الدائن بفسخ العقد ، و بالتالي يتحلل الدائن من التزاماته اتجاه المدين تبعا لذلك ، و قد يرفض الفسخ فيبقى العقد قائما و الدائن ملتزما ، و الوصول إلى اتخاذ أحد الحكمين لا بد للقاضي أن يستعين تارة بالمعيار الذاتي و تارة بالمعيار الكمي مع عدم التوسع في الأخذ بهذا الأخير ، و إلا أصبح الفسخ القضائي كالفسخ بقوة القانون ، بحيث إذا ما توافرت نسبة معينة ، يصبح القاضي ملزما بالحكم بالفسخ ، و هذا ما يتنافى مع السلطة التقديرية للقاضي في حالة فسخ العقد فسخا قضائيا .


كما يجب الإشارة إلى أنه ممكن للقاضي أن يتخذ موقفا وسطا بين فسخ العقد كليا ، أو رفضه كليا ، وذلك بأن يفسخ جزءا منه ، و يبقى بقية الأجزاء الأخرى ، و يتحقق هذا الحل عندما تكون العقود الملزمة للجانبين متضمنة أداءات متتابعة ، كعقود التوريد ، فهي تنشأ مجموعة التزامات مستقلة بعضها عن بعض ، و كل مجموعة منها الالتزامات تحقق مصلحة المتعاقدين و لو لم تنفذ جميع الأجزاء الأخرى ، غير أن القاضي لا يجوز له الحكم بالفسخ الجزئي إذا تمسك الدائن بأهمية ما لم ينفذ بالنسبة إليه مطبقا في هذا المعيار الذاتي السابق الذكر في الفرع الأول من هذا المطلب ، إلا أن هذا النوع من الفسخ الجزئي لم نجد له تطبيقات من خلال تدريبنا الميداني .


المطلب الثالث : موانع الحكم بالفسخ.
هناك حالات يمتنع فيها القاضي عن الحكم بالفسخ وهي حالة الحوادث الاستثنائية، حالة الدفع بعدم التنفيذ، وذلك بهدف رد الالتزام إلى الحد المعقول.


الفرع الأول : في حالة مالم يوف به المدين يكون قليل الاهمية :
يجوز للقاضي أن يرفض الفسخ، إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى التزاماته في جملتها كأن يطلب الدائن فسخ العقد مع المدين لأن هذا الأخير لم يسلم بعض الكماليات التي لا تتعدي قيمتها 0.01 %  من القيمة الاجمالية للعقد.

الفرع الثاني : الحوادث الاستثنائية.
قد تطرأ في مرحلة تنفيذ العقد حوادث غير متوقعة تؤدي إلى الإخلال بالالتزامات الناشئة عن هذا العقد، وبالتالي تمنع تنفيذها إلا أنه في مثل هذه الحالة هل يبقى المدين ملزما بتنفيذ العقد أم لا؟ التزام المدين لا ينقضي لأن الحادث الاستثنائي ليس قوة قاهرة، كما أن هذه الالتزام لا يبقى كما هو لأنه مرهق، ولكن يرد القاضي الالتزام إلى الحد المعقول دون فسخ العقد لأن الحادث الاستثنائي جاء عاما، ليس في الإمكان توقعه ولا في الوسع دفعه.

كما أنه يجعل تنفيذ الالتزام مرهقا وليس مستحيلا وهو ما نصت عليه المادة 107 من ق. م. ج "غير أنه إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها، وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وإن لم يصبح مستحيلا، صار مرهقا للمدين، بحيث يهدد بخسارة فادحة جاز للقاضي تبعا للظروف وبعد مراعاة مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام  المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلا كل إتفاق على خلاف ذلك ... ".

إن المادة 107 من الق.م.ج حددت الشروط الواجب توافرها لإعمال الحادث الاستثنائي، وبالتالي منع القاضي من الحكم بالفسخ، وهي :


أولا : أن يكون الحادث الاستثنائي عاما :
والمقصود بالعموم أن يكون الحادث الإستثنائي خاصا بالمدين، ولا يشترط فيه أن يعم جميع البلاد، بل يكفي أن يشمل أثره على عدد كبير من الناس كأهل إقليم أو طائفة معينة كالزراع في جهة من الجهات أو منتجي سلعة بذاتها، أما إذا كان الحادث الاستثنائي خاص بالمدين وحده فلا يطبق عليه هذا الاستثناء وبإمكان القاضي أن يحكم بالفسخ  وبالتالي لا يمكن أن يتذرع بمرض أصابه حال دون تنفيذ التزامه .


ثانيا : أن يكون الحادث الإستثنائي ليس في الإمكان توقعه :
يتولى القاضي تقدير عنصر عدم التوقع، وهذا التقدير يتم بالاعتماد على المعيار الموضوعي، فيحدد القاضي ما إذا كان في وسع الرجل العادي توقع أو عدم توقع هذه الظروف الاستثنائية العامة. فإذا خلص القاضي أن الحادث الطارئ كان من الممكن دفعه، فلا مجال لإعمال النظرية، أما إذا خلص إلى عدم إمكانية دفعه وفقا لمقدرة الرجل العادي، فهنا يمكن دفعه  إذا توافرت بقية الشروط .


ثالثا : أن تجعل هذه الحوادث تنفيذ الإلتزام مرهقا لا مستحيلا :
يتولى القاضي تقدير مدى الإرهاق الذي يحيط بتنفيذ الالتزام، وإن تحديد مدى إرهاق المدين معياره مرن، يتغير بتغير الظروف، فما يكون مرهقا لمدين، لا يكون مرهقا  لمدين آخر وكل هذه الشروط تمنع القاضي من الحكم بفسخ العقد وإعفاء المدين من تنفيذ التزامه.


الفرع الثالث : حالة الدفع بعدم التنفيذ والحق في الحبس.
في العقود الملزمة للجانبين إذا كانت الالتزامات المتقابلة مستحقة الوفاء جاز لكل من المتعاقدين أن يمتنع عن تنفيذ التزامه إذا لم يقم  المتعاقد الآخر بتنفيذ ما التزم به وعليه ففي العقود الملزمة للجانبين، للمتعاقد بدلا من أن يطالب بالفسخ إذا لم يقم المتعاقد الآخر بتنفيذ التزامه، أن يقتصر على الامتناع عن تنفيذ التزامه حتى ينفذ الطرف الآخر التزامه، والواقع أن الدفع بعدم التنفيذ هو صورة من صور الحق في الحبس.

فالدفع بعدم التنفيذ يفترض أن يكون التزام كل من المتعاقدين واجب التنفيذ فورا وان يكون احدهما واجب التنفيذ ويمتنع المدين به عن تنفيذه، فيكون للمتعاقد الآخر أن يمتنع عن الدفع ويتمسك بالدفع بعدم التنفيذ حتى يقوم من يجب عليه التنفيذ أولا بتنفيذ التزامه أما الحق في الحبس فقد تناوله المشرع الجزائري في المادة 200 من ق.م.ج والتي  تنص " لكل من إلتزم بأداء شيء أن يمتنع عن الوفاء به مادام الدائن لم يعرض الوفاء بإلتزام ترتب عليه وله علاقة سببية وارتباط بإلتزام المدين.


أو مادام الدائن لم يقم بتقديم تأمين كاف للوفاء بإلتزامه هذا. ويكون ذلك بوجه خاص لحائز الشيء أو محرزه، إذا هو أنفق عليه مصروفات ضرورية أو نافعة، فإن له أن يمتنع عن رد هذا الشيء حتى يستوفي ما هو مستحق له، إلا أن يكون الإلتزام بالرد ناشئا عن عمل غير مشروع ".

وعليه فإن القاضي وإن كان يتمتع بسلطة تقديرية واسعة في الحكم بالفسخ من عدمه إلا أنه هناك حالات استثنائية تمنعه من الحكم بالفسخ وذلك بغرض رد الالتزام إلى الحد المعقول.


خاتمة.
الفسخ في القانون المدني الجزائري أنواع، فالقاعدة العامة أن يكون الفسخ قضائيا عندما يكون عدم التنفيذ راجعا إلى المتعاقد واستثناء يكون فسخا اتفاقيا، أما إذا كان عدم التنفيذ راجعا إلى السبب الأجنبي فيكون الفسخ بحكم القانون.
كما أن سلطة القاضي التقديرية تتسع إلى أبعد الحدود في مجال الفسخ القضائي، وتضيق في مجال الفسخ الاتفاقي، وتكاد تنعدم في مجال الفسخ بحكم القانون.
منه نتوصل إلى استخلاص بعض النتائج و التي يمكن حصرها فيمايلي :
أولا :
تبين لنا أن المشرع الجزائري عند تنظيمه للقواعد العامة التي تحكم فسخ العقد ، أخذ بالأنواع التي وصل إليها الفكر القانوني الحديث ، مما جعل من الفسخ القضائي هو الأصل عندما يكون عدم التنفيذ راجعا إلى المدين ، و استثناءا عليه نص على الفسخ الاتفاقي ، أما إذا كان عدم التنفيذ راجعا إلى سبب أجنبي فيكون الفسخ بحكم القانون ، أو انفساخا للعقد كما يسميه أغلبية الفقهاء .

ثانيا : 
اتضح لنا أيضا و بعد تعرضنا لسلطة القاضي التقديرية في إيقاع كل نوع من الفسخ ، أن هذه السلطة التقديرية تتسع إلى أبعد الحدود في مجال الفسخ القضائي ، و تضيق في مجال الفسخ الاتفـاقي و تكاد تنعدم في مجال الانفساخ و الفسخ.
بالنسبة للدائن : فمتى توافرت شروط الفسخ ، فإنه يسمح له بالخيار بين الفسخ أو المطالبة بالتنفيذ ، إلا في حالة الانفساخ بقوة القانون الذي يصبح فيها التنفيذ مستحيلا ، كما له أن يعدل عن طلب الفسخ القضائي ما دام الحكم لم يصر نهائيا ، بينما لا يجوز له ذلك في الفسخ الاتفاقي إذا صدر عنه إعلان بالتمسك بالفسخ ، و لا مجال أيضا لهذا العدول في الانفساخ لأن الرابطة التعاقدية في هذه الحالة انحلت بحكم القانون .
أما المدين ، فله أن يتفادى الفسخ القضائي ما دام الأمر لا يزال أمام القضاء ، و له نفس الشيء في الفسخ الاتفاقي ما دام الدائن لم يعلن بعد عن رغبته في الفسخ ، و لا يستطيع أن يتفاداه في حالة الانفساخ لأنه يقع رغما عنه . 

المراجـع :
1- القوانين :
الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني المعدل و المتمم.

2- الكتب :
- د علي فيلالي : "الالتزامات الفعل المستحق للتعويض"، الطبعة الثانية، موفر للنشر، الجزائر، 2007.
- علي علي سليمان : النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة السادسة، 2005.
- العربي بلحاج : النظرية العامة للالتزام في القانون الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزء الأول، الطبعة الثالثة، الجزائر 2004.
- محمد صبري السعدي : شرح القانون المدني الجزائري –النظرية العامة للالتزامات- العقد والإرادة المنفردة، دار الهدى، الجزء الأول، 2004.


- عبد الكريم بلعيور : نظرية فسخ العقد في القانون المدني الجزائري المقارن، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1986.
- عبد الرزاق دربال : الوجيز في النظرية العامة للالتزام، دار الهدى، 2003.
- عبد الرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام، مصادر الالتزام، المجلد الأول، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الثالثة، بيروت، 2000.

look/images/icons/i1.gif التعليق على المادة 119 من القانون المدني الجزائري
  30-03-2021 12:35 مساءً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 14-01-2012
رقم العضوية : 1
المشاركات : 852
الدولة : الجــــزائر
الجنس :
الدعوات : 12
قوة السمعة : 570
موقعي : زيارة موقعي
المستوي : آخر
الوظــيفة : كاتب
التعليق على المادة 119 من القانون المدني الجزائري شكرا لك علي التحليل.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
التعليق ، المادة ، القانون ، المدني ، الجزائري ،









الساعة الآن 01:10 PM