دراسة الجرائم الواقعة على الأسرة
وفق القانون الجزائري.
الفصل الأول جرائم الإهمال العائلي.
المبحث الأول جريمة ترك مقر الأسرة
المطلب الأول: أركان الجريمة
المطلب الثاني: المتابعة والجزاء
المبحث الثاني:جريمة إهمال الزوجة الحامل.
المطلب الأول : أركان الجريمة
المطلب الثاني : المتابعة والجزاء
المبحث الثالث: جريمة عدم تسديد النفقة
المطلب الأول: أركان الجريمة
المطلب الثاني : المتابعة والجزاء
المبحث الرابع : جريمة الإهمال المعنوي للأولاد
المطلب الأول: أركان الجريمة
المطلب الثاني : المتابعة والجزاء
الفصل الثاني : الجرائم الأخلاقية
المبحث الأول : جريمة الزنا
المطلب الأول : أركان الجريمة
المطلب الثاني : المتابعة والجزاء
المبحث الثاني : جريمة الفاحشة بين ذوي الأرحام
المطلب الأول : أركان الجريمة
المطلب الثاني : المتابعة والجزاء
الفصل الثالث : الجرائم الماسة بالأطفال
المبحث الأول : جريمة الإجهاض
المطلب الأول : أركان الجريمة
المطلب الثاني : المتابعة والجزاء
المبحث الثاني : جريمة قتل طفل حديث العهد بالولادة
المطلب الأول : أركان الجريمة
المطلب الثاني : المتابعة والجزاء
المبحث الثالث : جريمة ترك الأطفال وتعريضهم للخطر
المطلب الأول : أركان الجريمة
المطلب الثاني : المتابعة والجزاء
المبحث الرابع : جريمة عدم تسليم الطفل
المطلب الأول: أركان الجريمة
المطلب الثاني : المتابعة والجزاء
المبحث الخامس : جريمة خطف أو إبعاد قاصر
المطلب الأول : أركان الجريمة
المطلب الثاني : المتابعة والجزاء
الفصل الرابع : الجرائم المتعلقة بالحالة المدنية
المبحث الأول: جريمة
المطلب الأول: أركان الجريمة
المطلب الثاني : المتابعة والجزاء
المبحث الثاني : جريمة الحيلولة دون التحقق من شخصية الطفل
المطلب الأول : أركان الجريمة
المطلب الثاني : المتابعة والجزاء
المبحث الثالث : جريمة الاعتداء على اللقب العائلي
المطلب الأول : أركان الجريمة
المطلب الثاني : المتابعة والجزاء
المبحث الرابع : جريمة استعمال وثائق غير تامة
المطلب الأول : أركان الجريمة
المطلب الثاني : المتابعة والجزاء
خاتمــة
مقـدمة :
حظيت الأسرة باهتمام خاص في جل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، باعتبارها الخلية الأساسية في المجتمع واللبنة الأساسية لتطوره وتماسكه وصلاحه، وعلى هذا الأساس حرصت التشريعات على إرساء قواعد خاصة لتنظيم العلاقات بين أفراد الأسرة الذين تجمع بينهم صلة الزوجية والقرابة وهذا حفاظا على قيامها وتماسكها وتقرير أحكام لحماية الأسرة من الأفعال التي تمس بكيانها واستقرارها، وعلى هذا الأساس ذهب البعض إلى القول بضرورة منح الأسرة الشخصية القانونية لتستفيد من الحماية والخصائص التي يتمتع بها الشخص المعنوي.
إن القوانين الجزائرية على غرار التشريعات الوضعية المقارنة اهتمت بنظام الأسرة ويأتي في مقدمتها الدستور الذي نص في المادة 58منه على أن الأسرة تحظى بحماية الدولة والمجتمع، كما تضمن كل من قانون الأسرة وقانون الحالة المدنية والقانون المدني قواعد لتنظيم وبناء الأسرة ، أما قانون العقوبات فقد تضمن القواعد التي تكفل حماية الأسرة وتضمن احترام كافة حقوق أفرادها ومعاقبة كل من يتعدى على هذه الحقوق أو يخل بما يلزمه من واجبات .
و لما كانت الأسرة تعتمد في حياتها على الترابط والتكامل وحسن المعاشرة وحسن الخلق ونبذ الآفات الاجتماعية فإن المشرع حرص على بقاء هذه المقومات من خلال تجريم الأفعال التي من شأنها المساس بترابط الأسرة وتؤدي إلى تفككها وقد نص قانون العقوبات على هذه الأفعال في القسم الخامس من الفصل الثاني من الباب الثاني من الجزء الثاني منه تحت عنوان ترك الأسرة المواد 330،331،332.
ومن مقاصد الزواج إحصان الزوجين والمحافظة على الأنساب وتكوين أسرة أساسها المودة والرحمة إلا أن ضعف التربية الخلقية والوازع الديني من شانها تدمير الأسرة وقطع وصلات الرحم وعليه نص قانون العقوبات على تجريم أفعال من شأنها المساس بكيان الأسرة من خلال تجريم فعل الزنا والفاحشة بين ذوي المحارم في المواد 337 مكرر، 339، 341 منه .
وباعتبار الأطفال ثمرة عقد الزواج ويعيشون تحت سقف الأسرة وحمايتها فإن الاعتداء عليهم يمس بصفة مباشرة استقرار الأسرة و تماسكها لهذا أعطى المشرع حماية خاصة للطفل منذ أن يكون جنينا من خلال تجريم فعل الإجهاض في المواد 304 إلى 311 من قانون العقوبات مرورا بحمايته عند ميلاده بتجريم قتل الطفل حديث العهد بالولادة من طرف أمه تجريما خاصا وتستمر هذه الحماية إلى بلوغه سن الرشد من خلال تجريم الأفعال التي من شأنها المساس بصحة الطفل وخلقه المواد 314 إلى 320 والمواد 326، 327 ، 328 من قانون العقوبات .
لقد جاء قانون الحالة المدنية بقواعد لتنظيم الحالة الشخصية أو المدنية لأفراد الأسرة من حيث ولادتهم وزواجهم ووفاتهم كما نظم القانون المدني القواعد الخاصة باللقب العائلي وكل مساس بهذه القواعد قد يؤدي إلى خلل في نظام الأسرة ومن خلالها النظام الاجتماعي لذا جاء قانون العقوبات بأحكام خاصة تتعلق بمخالفة قانون الحالة المدنية والاعتداء على اللقب العائلي في المواد247، 441، 442 من قانون العقوبات ، وما تجدر الإشارة إليه في هذه المقدمة هو حصر دراستنا لموضوع الجرائم الواقعة على الأسرة في الجرائم التي تمس نظام الأسرة والتي خصها المشرع بنص خاص في قانون العقوبات مستبعدين بذلك الجرائم التي يشدد أو يعفي فيها المشرع من العقاب في حالة ارتكابها بين أفراد الأسرة باعتبارها جرائم عامة لا تستهدف الأسرة بحد ذاتها.
وفي إطار المنهجية التي اتبعناها للوقوف على الجرائم الواقعة على الأسرة قمنا بتقسيم البحث إلى أربعة فصول تناولنا فيها الجانب الموضوعي لهذه الجرائم من خلال الوقوف على الأركان والعناصر المكونة لها وكذا الجانب الإجرائي المتعلق بالمتابعة وتوقيع الجزاء نظرا لخصوصية المتابعة في هذه الجرائم والتي غالبا ما تكون النيابة مقيدة في تحريك الدعوى العمومية فيها تماشيا مع رغبة المشرع في المحافظة على تماسك الأسرة وترابطها وعليه تناولنا في فصل أول الجرائم المتعلقة بالإهمال العائلي وفي فصل ثان الجرائم الأخلاقية وفي فصل ثالث الجرائم الماسة بالأطفال وفي فصل رابع الجرائم المتعلقة بالحالة المدنية وذلك محاولة منا للإلمام بكل جوانب الموضوع والإجابة على مختلف التساؤلات التي يطرحها هذا الموضوع والمتمثلة في :
ما هي الجرائم التي تقع على الأسرة وفقا للتشريع الجزائري وما مدى نجاعة السياسة الجنائية التي اعتمدها المشرع لحماية الكيان الأسري ؟.
عقد الزواج كغيره من العقود يرتب حقوق و التزامات على عاتق طرفيه و تنشأ بموجبه الخلية الأساسية في المجتمع و هي الأسرة التي تعتمد في حياتها على الترابط و التكافل و حسن المعاشرة و التربية الحسنة و حسن الخلق و نبذ الآفات الاجتماعية المادة 03 منى القانون 84-11- المتضمن قانون الأسرة و على هذا الأساس نصت المادة 58 من الدستور على أن الأسرة تحض بحماية الدولة و المجتمع و لتجسيد هذه الحماية تدخل المشرع بنصوص قانونية منها ما يكرس الحقوق و الواجبات المتبادلة بين أفراد الأسرة و هذا ما نظمه قانون الأسرة و منها ما يضفي بها صفة التجريم على الأفعال التي تمس بكيان الأسرة و تماسكها و هذا ما نص عليه قانون العقوبات و بالضبط في القسم الخامس من الفصل الثاني من الباب الثاني من الجزء الثاني أي المواد 332.331.330 منه تحت عنوان ترك الأسرة Abandon de famille و التي تضم أربع جرائم درج الفقه و القضاء على تسميتها جرائم الإهمال العائلي و هي :
جريمة ترك مقر الأسرة.
جريمة إهمال الزوجة الحامل.
جريمة عدم تسديد النفقة.
جريمة الإهمال المعتوي للأولاد.
لقد خصصنا مبحث لكل منها لتبيان أركانها و إجراءات المتابعة فيها.
الفصل الأول جرائم الإهمال العائلي
المبحث الأول : جريمة ترك الأسرة :
من مقاصد الزواج تكوين أسرة أساسها المودة و الرحمة و تعتمد على التكافل و الترابط الاجتماعي و حسن المعاشرة فان تخلى أحد الوالدين عن مقر الزوجية لمدة تتجاوز الشهرين دون القيام بالالتزامات الأدبية و المادية المترتبة على السلطة الأبوية أو الوصاية القانونية بغير سبب جدي يشكل جريمة يعاقب عليها القانون و هذا ما ذهبت إليه المادة 330-1 من قانون العقوبات، و لقيام هذه الجريمة يجب توافر ركنين ركن مادي و ركن معنوي و يستوجب القانون شكوى الزوج المضرور لاتخاذ إجراءات المتابعة و توقيع الجزاء و هذا ما سنتعرض إليه بالشرح في مطلبين.
المطلب الأول : أركان الجريمة :
أولا- الركن المادي : يقتضي هذا الركن توافر أربع عناصر مجتمعة و تتمثل في :
- الابتعاد جسديا عن مقر الأسرة.
ب-وجود ولد أو عدة أولاد.
ج-عدم الوفاء بالالتزامات العائلية.
د-المدة و هي أكثر من شهرين.
I- الابتعاد جسديا عن مقر الأسرة :
تقتضي هذه الجريمة ترك أحد الزوجين مقر الأسرة المعتاد و بقاء الزوج الأخر بمقر الزوجية، أما إذا ترك الزوج البيت الزوجية و قامت الزوجة رفقة الأبناء بالتوجه إلى بيت أهلها و بقي مقر الزوجية خاليا فانه لا مجال لقيام الجريمة و كذلك الأمر إذا بقي الزوجان يعيشان كل منهما في بيت أهله و كانت الزوجة ترعى ولدها في بيت أهلها فان مقر الأسرة يكون عندئذ منعدماٍٍ و لا مجال بالتالي لتطبيق المادة 330 من قانون العقوبات و على هذا الأساس قضي بعدم قيام الجريمة من حق المتهم طالما أن الضحية من قامت بمغادرة مقر الأسرة حيث جاء في حيثيات القرار الصادر عن الغرفة الجزائية لمجلس قضاء بومرداس بتاريخ 23/04/2002 فهرس 509/2002 ان الأفعال المنسوبة للمتهم غير قائمة طالما و ثبت أن الضحية هي التي غادرت البيت الزوجية و عليه فان عناصر جنحة ترك الأسرة غير متوفرة في قضية الحال و هذا ما ذهب إليه كذلك القرار الصادر عن نفس الغرفة بتاريخ 07/01/2003 فهرس 30 إذ جاء في حيثياته :
حيث أنه ثبت من الملف أن عناصر المادة 330 من قانون العقوبات غير ثابتة تجاه المتهم بحيث أن الثابت و أن الضحية هي التي غادرت المحل الزوجي كما هو ثابت في القضية المتعلقة بالأحوال الشخصية و تجدر الإشارة إلى أنه من خلال الاطلاع على مختلف الأحكام و القرارات بشأن صحة ترك مقر الأسرة فإنها تأتي بصيغة جنحة الإهمال العائلي رغم أن جنحة ترك مقر الأسرة ما هي إلا صورة من صور الإهمال العائلي تقوم على أركان خاصة بها جاءت بها المادة 330-1 من قانون العقوبات.
II - وجود ولد أو عدة أولاد :
تشترط الجريمة لقيامها وجود ولد أو عدة أولاد اذ أن المشرع نص على التخلي عن الالتزامات الأدبية أو المادية المترتبة على السلطة الأبوة أو الوصاية القانونية، و لا مجال للكلام على السلطة الأبوية أو الوصاية القانونية دون وجود رابطة الأبوية أو الأمومة و عليه قضى بعدم قيام الجريمة كون المتهم ليست له صفة الأب إذ جاء في الحكم الصادر عن قسم الجنح محكمة بومرداس بتاريخ 15/02/2003 فهرس 307: “حيث أنه يتبين للمحكمة من خلال الملف و المناقشات أن الوقائع المتابع بها المتهم لا تؤلف من عناصرها المتوفرة الشروط المطلوبة لأركان جنحة الإهمال العائلي ففي حين تشترط المادة 330 من قانون العقوبات أن الأب الذي يترك مقر أسرته لمدة تتجاوز الشهرين أو الزوج الذي يتخلى عمدا لمدة تتجاوز الشهرين عن زوجته مع علمه أنها حامل و هي الشروط غير متوفرة في قضية الحال إذ أن المتهم ليست له صفة الأب لكونه ليس له أولاد و لم يترك مقر الزوجية كما أن الزوجة المهملة ليست حامل.
وعليه فإن الجريمة لا تقوم في حق الأجداد إذ أن المادة 330 حصرت الجريمة في أحد الوالدين إلا أنه يثار التساؤل حول ما إذا كان الأطفال المكفولين معنيين بالحماية القانونية المقررة في المادة 330-1 خاصة و أن المادة 116 من القانون رقم 84-11 المؤرخ في 09 جوان 1984 المتضمن قانون الأسرة تعرف الكفالة على أنها التزام على وجه التبرع بالقيام بولد قاصر من نفقة و تربية و رعاية قيام الأب بابنه.
رغم أن المادة 116 من قانون الأسرة نصت على قيام الكفيل برعاية المكفول قيام الأب بابنه إلا أنه من صياغة المادة 330-1 ق ع فالمشمول بالحماية هو الولد الأصلي الشرعي دون سواه إذ أن الالتزامات المنصوص عليها في المادة 330-1 مترتبة على السلطة الأبوية و الوصاية القانونية في حين أن الالتزامات المنصوص عليها في المادة 116 من قانون الأسرة فهي على سبيل التبرع لا غير ، أما الطفل المتبني فهو غير معني بالحماية المقررة في المادة 330-1 كون التبني ممنوع شرعا و قانونا وفقا للمادة 46 من قانون الأسرة ، كما يفهم من نص المادة 330/1 من قانون العقوبات التي تتحدث عن الالتزامات المترتبة عن السلطة الأبوية أو الوصاية القانونية أن المقصود هم الأولاد القصر و إن كان الأمر يحتاج إلى تمحيص فهي ضوء أحكام قانون الأسرة إذ أن الأب يبقى ملزم بالنفقة على البنت إلى الدخول بها و كذا بالنسبة للذكر بعد بلوغه سن الرشد إذا كان عاجز لإعاقة ذهنية أو بدنية أو مزاولا للدراسة و لا لدراسته.
III -عدم الوفاء بالالتزامات العائلية :
تقتضي الجريمة أن يصاحب ترك مقر الأسرة التخلي عن كافة أو بعض الالتزامات الزوجية التي تقع على كل من الأب و الأم تجاه الزوج و الأولاد، و بذلك تقتضي الجريمة بالنسبة للأب و هو صاحب السلطة الأبوية التخلي عن كافة التزاماته في ممارسة ما يفرضه عليه القانون نحو أولاده و زوجه و تقتضي الجريمة بالنسبة للأم و هي صاحبة الوصاية القانونية على الأولاد عند وفاة الأب التخلي عن التزاماتها نحو أولادها و زوجها .
والالتزامات الزوجية قد تكون أدبية تتعلق برعاية و حماية أفراد الأسرة أو مادية تتعلق بضمان حاجياتهم المعيشية .
1-الالتزامات الأدبية :
تتمثل في رعاية الولد و تعليمه و القيام بتربيته على دين أبيه و السهر على حمايته و حفظه صحة و خلقا المادة 64 من قانون الأسرة و إذا كان الأب حيا انحلت الرابطة الزوجية تنتقل الالتزامات الأدبية الى الأم الحاضنة و في هذه الحالة تنقضي التزامات الأم بالنسبة للذكر ببلوغه 10 سنوات و بالنسبة للأنثى ببلوغها سن الزواج أي 18 سنة و للقاضي أن يمدد الحضانة بالنسبة للذكر إلى 16 سنة إذا كانت الحاضنة أما لم تتزوج ثانية المادة 65 قانون أسرة و يبقى الأب ملزم بالالتزامات المادية، في حين تنتقل إليها كافة الالتزامات سواء أدبية أو مادية في حالة وفاة الأب باعتبارها صاحبة الولاية القانونية.
2- الالتزامات المادية :
تتمثل أساسا في النفقة إذ تجب نفقة الزوج على زوجته و على أبنائه فبالنسبة للذكور إلى بلوغه سن الرشد أي بلوغ 19 سنة و الإناث إلى الدخول و تستمر إذا كان الولد عاجزا لإعاقة عقلية أو بدنية أو مزاولا للدراسة و تسقط بالاستغناء عنها بالكسب (المواد 74،75 من قانون الأسرة) و تشمل النفقة الغذاء و الكسوة و العلاج و السكن أو أجرته و ما يعتبر من الضروريات وفقا للعرف و العادة طبقا للمادة 78 من قانون الأسرة و قد تدخل المشرع بتجريم الإمتناع عن دفع النفقة الغذائية بنص المادة 331 من قانون العقوبات و اعتبرها صورة من صور الإهمال العائلي قائمة بذاتها حرصا منه على صحة و سلامة أفراد الأسرة .
و الإلتزام بالنفقة يستمر بالنسبة للأنثى إلى الدخول بها و كذا بالنسبة للولد العاجز لإعاقة بدنية أو ذهنية أو مزاولا لدراسته في حين أنه يقهم من المادة 330 /1 أن المشمول بالحماية المقررة هم الأولاد القصر فحسب كما سبقت الإشارة إليه .
و عليه يستخلص مما سبق أن الأب أو الأم الذي يترك مقر أسرته دون التخلي عن واجباته الأدبية و المادية لا يعتبر مرتكبا لجريمة ترك مقر الأسرة و بذلك فإن الإشارة إلى توفر عنصر التخلي عن هذه الالتزامات أمر ضروري لإثبات قيام الجريمة رغم اكتفاء الأحكام و القرارات القضائية بالإشارة إلى هذا العنصر دون تحديد الالتزامات التي أخل بها المتهم فقد ورد في الحكم الصادر عن محكمة بومرداس بتاريخ 22/02/2003 فهرس 330 : حيث ثبت للمحكمة من الملف و المناقشات أن الوقائع المتابع بها المتهم و المتعلقة بالإهمال العائلي ثابتة ضده و تخلى عن الالتزامات الأدبية و المادية تجاه أولاده و أسرته.
3- ترك مقر الأسرة لمدة أكثر من شهرين :
يشترط لقيام الجريمة أن يستمر ترك مثر الأسرة أكثر من شهرين و يجب أن يكون الابتعاد عن مقر الأسرة و التخلي عن الالتزامات العائلية في آن واحد أما إذا كان الزوج ينفق على عائلته و يسأل عن أحوالهم رغم غيابه عنهم فلا تقوم الجريمة و لو كانت المدة تتجاوز الشهرين و تحسب مدة الشهرين ابتداء من ترك الزوج لمقر الزوجية و التخلي عن التزاماته العائلية إلى تاريخ تقديم الشكوى ضده و على هذا الأساس قضي بعدم قيام الجريمة باعتبار أن مدة ترك مقر الأسرة لم تتجاوز الشهرين حيث جاء في حيثيات الحكم الصادر عن محكمة بومرداس قسم الجنح بتاريخ 10/05/2003 فهرس 1105حيث أنه تبين للمحكمة أن الوقائع المتابع بها المتهمة لا تؤلف من عناصرها المتوافرة الشروط المطلوبة لارتكاب جنحة الإهمال العائلي ففي حين تشترط المادة 330 ق ع أن تتجاوز مدة الإهمال شهرين و هو الشيء غير ثابت في قضية الحال مما يتعين التصريح ببراءته.
و إثبات مرور مدة الشهرين على ترك مقر الأسرة و إثبات التخلي عن التزامات العائلية إنما يقع على عائق الزوجة الشاكية بالتعاون مع وكيل الجمهورية بكافة الوسائل القانونية و تقطع مدة الشهرين بالعودة إلى مقر الأسرة لكن بشرط أن تكون العودة تعبير عن الرغبة الصادقة في استئناف الحياة الزوجية ، و يبقى لقاضي الموضوع سلطة تقدير ما إذا كان الرجوع فعلي أم مؤقت لقطع مدة الشهرين و تفادي قيام الجريمة.
ثانيا : الركن المعنوي :
تستوجب هذه الجريمة توافر قصد جنائي يتمثل في اتجاه نية الجاني-أحد الوالدين- إلى قطع الصلة بالوسط العائلي و التملص من الواجبات الناتجة عن السلطة الأبوية أو الوصاية القانونية و بإرادة لا تقبل التأويل و عليه تقتضي جنحة ترك مقر الأسرة أن يكون الوالد أو الوالدة على وعي بخطورة إخلاله بواجباته العائلية و بالنتائج الوخيمة التي قد تترتب عنها على صحة الأولاد و سلامتهم و أخلاقهم و على تربيتهم.
ثالثا : الأفعال المبررة :
هي ظروف خاصة ترغم صاحبها حال توافرها على مغادرة مقر الأسرة و قد تكون هذه الظروف عائلية أو مهنية أو صحية و عبرت المادة 330-1 من ق ع عن هذه الظروف بالسبب الجدي ان يفهم بمفهوم المخالفة أنه إذا كان ترك مقر الأسرة لسبب جدي فان ذلك يؤدي إلى عدم قيام الجريمة إلا أن سوء النية مفترضة فعلى الزوج الذي يترك مقر أسرته أن يثبت قيام السبب الجدي كأن يكون الترك من أجل القيام بالخدمة الوطنية أو البحث عن العمل أو لتحصيل العلم رغم أن القضاء يشدد قبوله و هكذا قضي في فرنسا بأن النفور من حماته لا يشكل سبب شرعيا لمغادرة الزوج البيت الزوجية و قضي كذلك بعدم جواز مغادرة الزوج محل الزوجية بحجة سوء سيرة الزوجة إذا ما ثبت أنه غادر محل الزوجية للعيش مع خليلته تاركا أولاده القصر تحت رعاية زوجته و بالمقابل قضي بأن سوء معاملة الزوجة يشكل سببا شرعيا يبرر مغادرتها لمحل الزوجية.
و عليه فان إبراز عدم وجود السبب الجدي عنصر ضروري يجب الإشارة إليه في الحكم القاضي بالإدانة في جنحة ترك مقر الأسرة و هكذا جاء في الحكم الصادر عن محكمة بومرداس بتاريخ 22/02/2003 فهرس 330 : أنه ترك مقر أسرته لمدة تتجاوز شهرين و تخلى عن التزاماته الأدبية و المادية تجاه أولاده و أسرته و دون أن يقدم سببا جديا عن ذلك الأمر الذي يجعل أركان جنحة الإهمال متوافرة طبقا للمادة 330 من قانون العقوبات و يتعين إدانته بها ، و في الحكم الصادر عن نفس المحكمة بتاريخ 02/05/2001 فهرس 1727-1 استبعدت فيه ترك مقر الأسرة بسبب المشاكل التي يعيشها الزوج مع زوجته كسبب جدي و أدانت المتهم بالجرم المنسوب إليه إذ جاء في حيثيات الحكم : حيث تبين مما سبق أن تهمة الإهمال العائلي المتابع بها المتهم متوفرة الأركان باعتباره خرج من البيت تاركا زوجته لوجود المشاكل و لم يرجع و عليه يتعين للمحكمة إدانته بها و قد تم تأبيد الحكم بالقرار الصادر عن الغرفة الجزائية بتاريخ 27/11/2001 فهرس 161 الذي استبعد ترك مقر الأسرة بسبب المشاكل كفعل مبرر.
المطلب الثاني : المتابعة و الجزاء :
أولا : المتابعة :
الأصل أن تحريك الدعوى العمومية هو من اختصاص النيابة العامة و حدها باعتبارها وكيلة عن المجتمع كما نصت عليه المادتين 1 و 29 من قانون الإجراءات الجزائية إلا أن المشرع قد يقيد النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية في أحوال معينة منها وجوب تقديم شكوى المضرور و ذلك لاعتبارات عدة منها المحافظة على الروابط الأسرية كما هو الحال في جريمة ترك مقر الأسرة إذ تغلب مصلحة الأسرة على المصلحة العامة التي تسعى النيابة العامة لحمايتها، و عليه نصت الفقرة الأخيرة من المادة 330 على أن لا تتخذ إجراءات المتابعة إلا بناءا على شكوى.
و الشكوى هي الإجراء الذي يباشر المجني عليه أو وكيله الخاص يطلب فيه تحريك الدعوى الجنائية في جرائم معينة حددها القانون و على سبيل الحصر لإثبات المسئولية الجنائية وتوقيع العقوبة على شخص أخر هو المشكو في حقه ولا تستلزم الشكوى شكل خاص فقد تكون شفاهة أو كتابة بشرط أن تدل على رغبة المجني عليه في تحريك الدعوى العمومية قبل المتهم إلا أنه يجب أن تقدم الشكوى أثناء قيام العلاقة الزوجية القانونية لأنه إذا وقع أن سبق و ترك الزوج مسكن الزوجية لمدة أكثر من شهرين متخليا عن كل أو بعض التزاماته دون مبرر شرعي ثم وقع الطلاق بين الزوجين و بعده جاءت الزوجة لتقديم شكوى ضد زوجها فان شكواها سوف لن تقبل لأنها تكون قد فوتت عن نفسها تحقيق الغرض الذي قصده المشرع لحماية الأسرة من التفكك و الإهمال و عليه تستلزم الشكوى إرفاق نسخة من عقد الزواج لإثبات قيام العلاقة الزوجية و إذا كان الزواج عرفي فوجب على الزوج المتروك تسجيل الزواج وفقا للمادة 22 من قانون الأسرة و بعدها يقدم شكواه، لكن متى قدمت الشكوى من الزوج المتروك أصبح يد النيابة طليق من هذا القيد و جاز لها أن تباشر كافة إجراءات التحقيق و رفع الدعوى و تتصرف في التحقيق كما يتراءى لها غير أنها غير ملزمة بتحريك الدعوى العمومية و تبقى صاحبة ملائمة المتابعة فيجوز لها تقرير حفظ الشكوى إذ هي رأت أن شروط المتابعة غير متوفرة و يترتب على تقييد النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية النتائج التالية:
إذا باشرت النيابة العامة المتابعة بدون شكوى تكون هذه المتابعة باطلة بطلانا نسبيا لا يجوز لغير المتهم إثارته على أن يثيره أمام المحكمة أول درجة و قبل أي دفاع في الموضوع .
مادام تحريك الدعوى العمومية معلق على شكوى فان التنازل عليها يضع حد للمتابعة وفقا للمادة 06 من قانون الإجراءات الجزائية و على هذا الأساس قضي بانقضاء الدعوى العمومية لسحب الشكوى و ذلك بموجب الحكم الصادر عن قسم الجنح محكمة بومرداس بتاريخ 06/11/2004 فهرس و جاء في حيثياته : حيث أنه ثبت للمحكمة من خلال أوراق الملف و المناقشات التي دارت في الجلسة أن الضحية تنازلت عن الشكوى المرفوعة ضد زوجته من أجل الإهمال العائلي كما هو ثابت في التصريح الكتابي المقدم في الجلسة.
حيث أن المادة 330 في فقرتها الأخيرة تستوجب شكوى الزوج المتروك لاتخاذ إجراءات المتابعة من أجل الأفعال المنصوص عليها في الفقرتين 1و2.
حيث أن الدعوى العمومية تنقضي في حالة سحب الشكوى إذا كانت شرطا لازما للمتابعة وفقا للمادة 06 من فانون الإجراءات الجزائية ، حيث و الحال عليه و بناء على ما سبق يستوجب التصريح بانقضاء الدعوى العمومية لسحب الشكوى.
أما إذا تابعت النيابة المتهم دون شكوى الزوج المتروك و أحيلت الدعوى إلى المحكمة و أثار المتهم أمامها بطلان المتابعة يكون الحكم بعدم قبول الدعوى العمومية لانعدام الشكوى و لا تحكم بالبراءة لأن الحكم بعدم قبول الدعوى يعني عدم توفر شرط من شروط المتابعة و تحريك الدعوى العمومية و الحكم بالبراءة يعني عدم توفر أركان الجريمة و فقدان الأدلة .
ثانيا : الجزاء :
تعاقب المادة 330 من قانون العقوبات مرتكب جنحة ترك مقر الأسرة بالحبس من شهرين إلى سنة و بغرامة من 500 إلى 5000 دج و علاوة على ذلك يجوز الحكم على المتهم بعقوبة تكميلية بالحرمان من الحقوق الوطنية و ذلك من سنة إلى خمس سنوات وفقا للمادة 332 ق ع.
المبحث الثاني : جريمة إهمال المرأة الحامل :
تعتبر هذه الجريمة الثانية من جرائم الإهمال العائلي و هي ترك الزوج لزوجته و إهمالها عمدا أثناء مدة حملها، و غاية المشرع من تجريم هذا الفعل هي حماية طفل المستقبل و أم الغد إذ أن المشرع لم يكتفي بتجريم الإجهاض حماية للجنين و إنما أحاط هذا الأخير بحماية أكثر من خلال تجريم فعل إهمال الزوجة الحامل نظرا لخطورة هذا الفعل على صحة الجنين و نفسية الأم و بذلك نصت المادة 330 البند الثاني من قانون العقوبات أن الزوج الذي يتخلى عمدا و لمدة تتجاوز شهرين عن زوجته مع علمه بأنها حامل و ذلك لغير سبب جدي يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة و بغرامة من 500 إلى 5000 دينار و تقوم هذه الجريمة كسابقتها على ركن مادي و ركن معنوي و تتوقف المتابعة فيها على شكوى الزوجة المهملة و هذا ما تتعرض له الشرح في مطلبين.
المطلب الأول : أركان الجريمة :
أولا: الركن المادي :
يقتضي توافر أربعة عناصر جاءت بها المادة 330 فقرة 2 من قانون العقوبات و تتمثل في:
1- قيام العلاقة الزوجية.
2- ترك المحل الزوجية.
3- المدة لأكثر من شهرين.
4- حمل الزوجة.
1- قيام العلاقة الزوجية :
تستوجب هذه الجريمة قيام عقد صحيح و رسمي مقيد في سجلات الحالة المدنية حيث نصت المادة 22 من قانون الأسرة أن الزواج يثبت بمستخرج من سجل الحالة المدنية و في حالة عدم تسجيله يثبت بحكم إذا توافرت أركانه وفقا لهذا القانون و يتم تسجيله بالحالة المدنية.و عليه لا تقوم الجريمة في حالة الزواج العرفي ما لم يثبت هذا الزواج بحكم قضائي طبقا لأحكام المادة 22 المذكورة التي أجازت تثبيت الزواج العرفي إذا توافرت أركان الزواج وفقا لقانون الأسرة .
و عليه فان لم يكن عقد الزواج مع المشتكي منه قد سبق تسجيله و تقييده في سجلات الحالة المدنية في الوقت المناسب تعين على الشاكية تسجيل زواجها بإتباع الطريق القانوني قبل تقديم شكواها و بذلك تكون الجريمة قائمة في حق الزوج من تاريخ حملها و ليس من تاريخ تثبيت الزواج كون الزواج يكون قائم بين الطرفين لمجرد توافر أركانه القانونية وفقا لأحكام قانون الأسرة.
2- ترك محل الزوجية :
و يكون ذلك بمغادرة الزوج لمحل الزوجية و يترك زوجته وحدها مع علمه أنها حامل و عليه تقوم الجريمة في حق الزوج إذا ما غادرت الزوجة المحل الزوجية و استقرت عند أهلها، و عليه قضي بعدم قيام الجريمة كون الضحية من غادرت البيت الزوجية و عليه جاء في القرار الصادر عن الغرفة الجزائية لمجلس قضاء بومرداس في 23/04/2002 فهرس 509: أن الأفعال المنسوبة للمتهم غير قائمة طالما و ثبت أن الضحية من غادرت البيت الزوجية و عليه فان عناصر جنحته ترك مقر الأٍسرة غير متوفرة في قضية الحال إذ تتلخص وقائع القضية أن الزوجة قدمت شكوى ضد زوجها بدعوى أنه أهملها عمدا رغم أنه يعلم و أنها حامل و ذلك لمدة تتجاوز الشهرين إلا أن الزوج المتهم تقدم بحكم صادر عن قسم الأحوال الشخصية يلزم الزوجة بالرجوع إلى البيت الزوجية و أنها من غادرت مقر الأسرة و عليه صدر حكم ببراءة المتهم و أيد بالقرار السالف الذكر.
3- ترك محل الزوجية لمدة أكثر من شهرين :
يجب أن يستمر التخلي عن الزوجة الحامل لمدة أكثر من شهرين و عليه فإذا ادعت الزوجة الشاكية أن زوجها تركها في مقر الأسرة و هي حامل لمدة أكثر من شهرين و أنكر الزوج ذلك فان عليها أن تثبت بالدليل القاطع أن المشتكي منه قد تركها لمدة من أكثر من شهرين متتاليين دون انقطاع ، لأن الترك لمدة أقل من شهرين كاملين فأكثر أو لمدة أكثر من شهرين الذي يتخلله انقطاع بالعودة الى مقر الزوجية يوحي بالرغبة في استئناف الحياة المشتركة و يزيل عن الفعل صفة التخلي عن الزوجة الحامل عمدا لمدة تتجاوز الشهرين و يجعل الجريمة كأن لم ترتكب.
4- حمل الزوجة :
يجب أن تكون الزوجة المتخلي عنها حاملا و يجب أن يكون الحمل بينا كون المشرع يتحدث عن الحمل الظاهر و لا يتحدث عن الزوجة المفترض حملها كما هو الحال بالنسبة لجريمة الإجهاض و بذلك وجب على الزوجة الشاكية أن تقدم ما يثبت وجود الحمل و علم الزوج بذلك و إثبات قيام الحمل يكون بكل الوسائل كالشهادة الطبية لمعاينة الحمل، إلا أنه خلافا لجنحة ترك مقر الأسرة لا يشترط المشرع في هذه الجنحة عدم الوفاء بالالتزامات العائلية . و بذلك وجب تطبيق نظرية التعدد الفعلي للجرائم و ليس قاعدة التعدد الصوري في حالة تعدد جريمة ترك الأسرة لمفهوم المادة 330-1 ق ع، جريمة التخلي عن الزوجة الحامل لمفهوم المادة 330-02 ق ع إذا كانت الزوجة حامل و لها ولد و عليه يستوجب متابعة المتهم الذي يترك أسرته و زوجته الحامل بجنحة ترك مقر الأسرة و جنحة إهمال الزوجة الحامل و مناقشة مدى توفر كل جريمة على حدى و بالتبعية إدانة المتهم لارتكابه جنحة ترك مقر الأسرة من جهة و إهمال الزوجة الحامل من جهة أخرى.
ثانيا: الركن المعنوي :
جريمة إهمال الزوجة الحامل جريمة عمديه تتطلب لقيامها توافر قصد جنائي و هو العلم بأن الزوجة حامل و التخلي عنها عمدا قصد الإضرار بها و عليه يستوجب الإشارة إلى علم الزوج بأن الزوجة حامل في الحكم القضائي بالإدانة عن أجل إهمال الزوجة الحامل، و مثلما الحال بالنسبة لترك مقر الأسرة جعل المشرع من السبب الجدي مبررا للتخلي عن الزوجة الحامل و أعفى الزوج من المتابعة و الجزاء في حالة قيامه إلا أن الدفع بقيام السبب الجدي الذي يتقدم به الزوج متروك للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع باعتباره مسألة واقع و السبب الجدي الذي ورد في المادة 330-02 هو نفسه الذي أوردناه في جنحة ترك مقر الأسرة و الذي تطرقنا إليه بنوع التفصيل.
المطلب الثاني : المتابعة و الجزاء
تخضع جريمة إهمال الزوجة الحامل إلى نفس الأحكام المقررة لجنحة ترك مقر الأسرة التي تم دراستها في المبحث الأول.
المبحث الثالث : جريمة عدم تسديد نفقة :
رتب المشرع الجزائري في إطار العلاقات الأسرية مجموعة من الحقوق و الواجبات التي يجب مراعاتها ضمانا لاستمرار هذه العلاقات، و من بين هذه الواجبات واجب الزوج في الإنفاق على أسرته، و هذا الواجب يفرضه الوازع الأخلاقي و الاجتماعي قبل أن تفرضه المادة 37 و المواد من 74 إلى 77 من قانون الأسرة، فقد جاء في المادة 37 المذكور أعلاه أنه يجب على الزوج نحو زوجته النفقة الشرعية حسب وسعه إلا إذا ثبت نشوزها، و جاء في المادة 77 أنه تجب نفقة الأصول على الفروع و الفروع على الأصول حسب القدرة و الاحتياج و درجة القرابة في الإرث.
و عليه فان الامتناع عن القيام بهذا الواجب يرتب أثار سلبية في المجتمع و للحد من هذه الآثار تدخل المشرع الجزائري و رتب جزاء على من لا يدفع النفقة المقدرة في ذمته حيث جاء في المادة 331 من قانون العقوبات ما يلي: يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و بغرامة من 500 إلى 5000دج كل من امتنع عمدا و لمدة تتجاوز شهرين عن تقديم المبالغ المقررة قضاء لإعالة أسرته و عن أداء كامل قيمة النفقة المقررة عليه إلى زوجه أو أصوله أو فروعه، و ذلك رغم صدور حكم ضده بإلزامه بدفع نفقة إليهم.
و يفترض أن عدم الدفع عمدي ما لم يثبت العكس، و لا يعتبر الإعسار الناتج عن الاعتياد على سوء السلوك أو الكسل أو السكر عذرا مقبولا من المدين في أية حالة من الأحوال.
و المحكمة المختصة بالجنح المشار إليها في هذه المادة هي محكمة موطن أو محل إقامة الشخص المقرر له قبض النفقة أو المنتفع بالمعونة.
باستقراء هذه المادة نلاحظ أن المشرع الجزائري قد جرم فعل الامتناع عن تسديد النفقة، هذه الجريمة التي تدخل ضمن جرائم الإهمال العائلي أو جرائم التخلي عن الالتزامات الزوجية، و التي يجب لقيامها توافر مجموعة من الأركان نتطرق إليها في مطلب أول ثم نبين في مطلب ثان إجراءات المتابعة و الجزاء المقررة لهذه الجريمة كما يلي:
المطلب الأول : أركان الجريمة :
تقتضي جريمة عدم تسديد نفقة كغيرها من بقية الجرائم ركنا ماديا و ركنا معنويا، نتطرق إليها فيما يلي:
أولا : الركن المادي :
لقيام الركن المادي لهذه الجريمة يجب توفر عنصرين أساسيين هما:
صدور حكم قضائي يقضي بالنفقة.
امتناع المحكوم عليه عن أداء كامل قيمة النفقة لمدة تتجاوز شهرين.
I- صدور حكم قضائي يقضي بالنفقة :
نصت المادة 331 من قانون العقوبات على وجوب صدور حكم قضائي يقضي بالنفقة، لكن ما هي النفقة التي يقصدها المشرع؟ و من هم الأشخاص المستفيدين بها؟ و ما هو الحكم الذي يأخذ بعين الاعتبار؟
1- طبيعة النفقة المحكوم بها :
يتحدث النص الفرنسي للمادة 331 من قانون العقوبات عن النفقة الغذائية و بالتالي فالمشرع الجزائري قد حصر النفقة في النفقة الغذائية فقط لكن بالرجوع للمادة 78 من قانون الأسرة فإنها تنص أن النفقة تشمل الغذاء و الكسوة و العلاج و السكن أو أجرته و ما يعتبر من الضروريات في العادة و العرف، فهل يمكن الحكم على شخص مدين بتسديد بدل إيجار لطليقته الحاضنة لأولاده؟ نرى أنه مادام الأمر يتعلق بنفقة غذائية فانه لا يمكن إدانة شخص مدين بتسديد بدل إيجار لطليقته بجنحة عدم تسديد نفقة، ذلك أن نص المادة 331 واضح، و إذا كان المشرع الجزائري قد حصر النفقة في النفقة الغذائية فقط فإن المشرع المصري قد أضاف إلى ذلك أجرة الحضانة أو الرضاعة أو المسكن، حيث نصت على ذلك المادة 293 قانون عقوبات مصري.
2- الأشخاص المستفيدين من النفقة :
و مهما يكن فإن الأشخاص المستفيدين من قيمة النفقة قد حددتهم المادة 331 من قانون العقوبات بنصها:
و عن أداء قيمة كامل النفقة المقررة عليه إلى الزوجة أو أصوله أو فروعه فقد تكون النفقة ناتجة عن رابطة عائلية مازالت قائمة أو ناتجة عن فك الرابطة الزوجية، فإذا كانت النفقة ناتجة عن رابطة عائلية قائمة، فإن المستفيد منها هم الزوجة و الأصول و الفروع، عملا بأحكام المادة 37 و المواد من 74 إلى 77 من قانون الأسرة، أما إذا كانت النفقة ناتجة عن فك الرابطة الزوجية فان المستفيد منها هم الزوجة و الأولاد القصر عملا بأحكام المواد 74،75،61 من قانون الأسرة ذلك أن نفقة الزوجة تجب على زوجها بالدخول بها و تستمر إلى التصريح بفك الرابطة الزوجية، كما أن للزوجة المطلقة الحق في النفقة الغذائية في عدة الطلاق و إذا كان المشرع الجزائري قد حصر الأشخاص المستفيدين من النفقة في الزوجة و الأصول و الفروع، فإن المشرع المصري توسع في ذلك لتشمل النفقة الزوجة و الأقارب و الأصهار، إذ تنص المادة 293 من قانون العقوبات المصري على أن كل من صادر عليه حكم قضائي واجب النفاذ بدفع نفقة لزوجه أو أقاربه أو أصهارهو تجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت المبالغ المطالب بها لا تتعلق بموضوع إعالة أسرة و لا تتعلق بحق الأقارب في النفقة الذين هم أصول أو فروع أو زوج المطالب بالنفقة و الذي يلزمه القانون بالإنفاق عليهم كأن تكون المبالغ المحكوم بها مثلا تتعلق بدين عليه لزوجته أو أحد أصوله أو فروعه لا يتعلق بالإعالة الواجبة قانونا فإنه لا يمكن متابعة الشخص بجنحة عدم تسديد نفقة.
3- طبيعة الحكم :
يجب صدور حكم قضائي يقضي بأداء نفقة غذائية، و في هذا الصدد يجب أخذ عبارة ;حكمبمفهومها الواسع الذي يتسع ليشمل الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية و القرارات الصادرة عن المجلس و الأوامر الصادرة عن رئيس المحكمة، كما قد يكون الحكم صادرا عن جهة قضائية أجنبية و ممهورا بالصيغة التنفيذية وفقا للأشكال و الشروط المنصوص عليها بالمواد 320، 325 من قانون الإجراءات المدنية و في هذا الصدد صدر عن غرفة الجنح و المخالفات للمحكمة العليا قرار بتاريخ 16/04/1995 ملف رقم 124384 جاء فيه ما يلي : من المقرر قانونا أن يتحمل المسئولية الجزائية كل من امتنع عمدا و لمد تفوق الشهرين عن تقديم المبالغ المالية المقرر قضاء لإعالة أسرته، و يبقى الافتراض عن عدم الدفع عمدي ما لم يثبت العكس، و متى ثبت صدور أمر قضائي استعجالي يلزم المتهم بدفع النفقة، فإن قضاة المجلس قد خرقوا القانون عندما قضوا ببراءته بدعوى أنه لا يوجد حكم أو قرار نهائي في النزاع.
كما جاء في نفس القرار أنه يجب تفسير كلمة بمفهومها الواسع الذي يشمل الحكم و القرار القضائي و الأمر الاستعجالي.
و يشرط في الحكم الذي يقضي بالنفقة للاعتداد به ما يلي :
- أن يكون قابلا للتنفيذ أي حائز لقوة الشيء المقضي فيه حيث لم يعد قابلا لأي طريق من طرق الطعن العادية أي أصبح نهائيا، لكن قد يكون هذا الحكم غير نهائي إذا صدر تطبيقا للمادة 40 من قانون الإجراءات المدنية بحيث يكون في هذه الحالة معجل النفاذ رغم المعارضة و الاستئناف حيث نصت المادة المذكورة أعلاه على أن يكون الأمر بالتنفيذ المعجل رغم المعارضة و الاستئناف وجوبا عندما يتعلق الأمر بالنفقة الغذائية، و عليه الأحكام التي يمكن الاعتماد عليها للقول لقيام جنحة عدم تسديد نفقة هي الأحكام النهائية و الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل و كذا الأوامر الاستعجالية الصادرة طبقا للمادة 188 من قانون الإجراءات المدنية.
- أن يتم تبليغ الحكم القضائي للمعني بالأمر، بحيث يجب أن يصل الحكم إلى علم المدين عن طريق التبليغ حسب الأشكال و وفق الشروط المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية. و الحكمة من اشتراط تبليغ المدين بالحكم واضحة و منطقية إذ لا يجوز تحميل شخص أمرا لا علم له به، كما يهدف المشرع من وراء ذلك إلى أعطاء المدين حقه في الطعن بالمعارضة و الاستئناف و كذا حتى يستثنى له تنفيذ الحكم طواعية إذا كان بإمكانه ذلك، و قد أكدت المحكمة العليا على شرط تبليغ الحكم في العديد من قراراتها إذ جاء في قرار صادر عن غرفة الجنح و المخالفات بتاريخ 23/11/1982 ملف رقم 63194 ما يلي: “إذا كان مؤدى نص المادة 331 من قانون العقوبات الحكم جزائيا بالحبس و الغرامة على كل من امتنع عمدا و لمدة تجاوز شهرين عن دفع النفقة المحكوم بها عليه قضاء لصالح من حكم لهم بها لأنه يشترط للمتابعة الجزائية بهذا الجزم أن يكون المحكوم عليه قد بلغ وفقا للقانون بالحكم القاضي بالنفقة و أن القضاء بخلاف ذلك يعد خطأ في تطبيق القانون .
فإذا كان من الثابت بملف الإجراءات أن الزوج كان قد حكم عليه بدفع نفقة شهرية لزوجته المطلقة و أنه كلف بدفع هذه النفقة و أمهل مدة شهر عقب تبليغه بهذا الحكم، و لذلك فإن المتابعة الجزائية تكون مكتملة العناصر من أجل هذه الجنحة.
II- امتناع المحكوم عليه عن أداء كامل قيمة النفقة لمدة تتجاوز شهرين :
يظهر جليا من خلال نص المادة 331 من قانون العقوبات أن سلوك الجاني في هذه الجريمة هو سلوك سلبي يتحقق في امتناعه عن دفع مبلغ النفقة المحكوم به عليه لمدة تتجاوز شهرين و قد أوجب المشرع الجزائري أن يتم الوفاء بكامل قيمة النفقة المحكوم به، فالوفاء الجزئي لا يعتد به و لا ينفي وقوع الجريمة و قد اعتبرت المحكمة العليا في قرارها الصادر عن غرفة الجنح و المخالفات بتاريخ 01/06/1982، ملف رقم 23000 أن جرم عدم تسديد النفقة جنحة مستمرة فالمتهم الذي تماطل في دفع النفقة المحكوم بها عليه لصالح زوجته يبقى مرتكبا لهذه الجنحة إلى حين التخلص التام عن دفع المبالغ التي عليه كما أن الوفاء اللاحق لفوات مهلة الشهرين لا ينفي الجريمة، فقد جاء في قرار المحكمة العليا غرفة الجنح و المخالفات الصادر بتاريخ 23/01/1990 ملف رقم 59472 ما يلي: إن قضاة الموضوع طبقوا المادة 331 تطبيقا سليما لما أثبتوا في قرارهم أن المتهم دفع النفقة بعد انقضاء المدة القانونية المحددة في المادة المذكورة و أنه اعترف بتماطله في التسديد لافتقاده القدرة على الوفاء بالتزامه نتيجة ظروفه الاجتماعية الصعبة كما أكدت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 21/01/1996 أن حصول الصلح بعد ارتكاب جنحة عدم تسديد النفقة لا يمحو الجريمة و يظل مبلغ النفقة المحكوم به مستحقا و تبقى الجريمة قائمة أيضا في حق المتهم حتى و إن كان الأبناء يعيشون تحت كفالته ذلك أن النفقة الغذائية واجبة الدفع للوالدة التي تمارس الحضانة على الأطفال بموجب حكم مدني.
و تثير مسألة الشهرين العديد من الإشكالات، فمتى يتم بداية حساب المواعيد، هل تبدأ هذه المهلة من تاريخ تبليغ الحكم للمحكوم عليه أم من تاريخ التبليغ و انقضاء مهلة العشرين يوما المقررة للسداد ؟
الرأي الراجح قضاء أن ميعاد الشهرين يبدأ من تبليغ الحكم و انقضاء مهلة العشرين يوما المحددة في التكليف أو الإلزام بالدفع الذي يحرره المحضر يكلف به المحكوم عليه بسداد مبلغ النفقة طبقا لإجراءات التنفيذ المنصوص عليها بالمادة 330 من قانون الإجراءات المدنية، و في هذا الصدد جاء في قرار المحكمة العليا غرفة الجنح و المخالفات الصادر بتاريخ 14/07/1996 ملف رقم 132869 ما يلي: يتم حساب مدة الشهرين اعتبارا من تاريخ انقضاء المهلة 20 يوما المحددة في التكليف بالدفعكما قضت في قرار أخر صادر في تاريخ 04/11/1996 ملف رقم 1372333 أنه : لا تقوم الجنحة مادامت إجراءات التنفيذ غير مستوفاة لانعدام التكليف بالدفع و محضر الامتناع عن الدفع.
كما يطرح في هذا الصدد مسألة بداية حساب مهلة الشهرين هل تحتسب من تاريخ تقديم الشكوى أم من تاريخ المتابعة ؟
فإذا فرضنا أن مهلة 20 يوما المخصصة للسداد قد انتهت بتاريخ 30/11/2003 و بتاريخ 02/01/2004 تقدمت المستفيدة من الحكم القاضي بالنفقة بشكوى لدى مصالح الشرطة لتصل الشكوى لدى نيابة الجمهورية بتاريخ 28/04/2004 أي بعد حوالي 04 أشهر من تاريخ تقديم الشكوى، فأي تاريخ يتم اعتماده تاريخ تقديم الشكوى أم تاريخ المتابعة؟ فإذا تم اعتماد تاريخ تقديم الشكوى كأساس فإن مهلة الشهرين المنصوص عليها بالمادة 331 من قانون العقوبات لم تتحقق، بالتالي الجريمة غير قائمة، أما إذا تم اعتماد تاريخ المتابعة كأساس فإن مهلة الشهرين قد انقضت و تصبح الجريمة قائمة.
لم يتطرق القضاء الجزائري لهذه المسألة، أما القضاء الفرنسي فقد أخذ بعين الاعتبار تاريخ تقديم الشكوى لحساب مهلة الشهرين و ليس تاريخ المتابعة، ثم تراجع عن هذا الموقف و استقر على أن مهلة الشهرين يبدأ حسابها من تاريخ المتابعة القضائية و ليس من تاريخ الشكوى و هو الرأي الذي نراه صائبا لأنه بذلك التاريخ يتم التأكد من تسديد المتهم مبلغ النفقة من عدمه.
و في كل الأحوال فإن القضاء قد اشترط لإدانة المتهم بجنحة عدم تسديد نفقة وجود محضر الإنذار بالدفع و محضر عدم الامتثال و في هذا الصدد صدر عن غرفة الجنح و المخالفات للمحكمة العليا قرار بتاريخ 18/01/2000 ملف رقم 229680 جاء فيه ما يلي: إن القضاء بإدانة المتهم بدفع النفقة الغذائية للمطعون ضدها دون توافر محضري الإلزام بالدفع و عدم الامتثال بالملف يعد خطأ في تطبيق القانون.
ثانيا : الركن المعنوي :
تتطلب جريمة عدم تسديد النفقة كغيرها من بقية الجرائم ركنا معنويا يتمثل في القصد الجنائي و الذي عبرت عنه المادة 331 بالامتناع عمدا عن أداء النفقة فالجاني لا بد أن يكون عالما بواجب أداءه المبلغ المحكوم به عليه و أن ذلك المبلغ نفقة مستحقة عليه بموجب حكم قضائي نهائي ملزم ثم يمتنع عن الدفع رغم ذلك، أي أن تتجه إرادته إلى عدم السداد باختياره و عليه يتحقق القصد الجنائي يتوافر عنصرين أساسيين هما :
- علم المتهم بصدور حكم قضائي ضده واجب النفاذ بدفع النفقة و علمه بالتنبيه عليه بالدفع.
- اتجاه إرادة المتهم إلى فعل الامتناع عن دفع النفقة.
و يعتبر الإعسار هو السبب الوحيد الذي يمكن قبوله فعلا مبررا لعدم تسديد، كما لا يعتبر الإعسار الناتج عن الاعتياد على سوء السلوك أو الكسل عذرا مقبولا من المدين في أية حالة من الأحوال.
و قد اعتبرت المادة 331 من قانون العقوبات أن عدم الدفع عمدي ما لم يثبت المتهم عكس ذلك، فسوء النية مقترحة، فلا يقع على عاتق النيابة إثبات توافر سوء النية إنما يتعين على المتهم إثبات أنه حسن النية و عليه فإن مجرد عدم الدفع يعتبر قرينة قانونية على توافر ركن العمد، و لكنها قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس من طرف المتهم.
المطلب الثاني : المتابعة و الجزاء :
نتطرق فيما يلي إلى إجراءات المتابعة ثم إلى الجزاء المقرر لهذه الجريمة.
أولا: إجراءات المتابعة :
لم يعلق المشرع الجزائري إجراءات المتابعة في هذه الجريمة على قيد أو شرط، فلا يشترط شكوى الشخص المضرور، فالنيابة تملك حق تحريك الدعوى العمومية متى توافرت لها الأسباب الكافية لذلك و يترتب على ذلك أن سحب الشكوى أو التنازل عليها لا يؤدي إلى انقضاء الدعوى العمومية باعتبار أن الشكوى ليست شرطا لازما للمتابعة، و هذا ما أكدت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 21/07/1998 ملف رقم 164848 الذي جاء فيه : من المقرر قانونا أنه تنقضي الدعوى العمومية في حالة سحب الشكوى إذا كانت شرطا لازما للمتابعة، و لما ثبت في قضية الحال أن الجريمة تتعلق بجنحة عدم تسديد النفقة و أن سحب الشكوى أو التنازل عنها في قضية الحال لا يؤدي إلى انقضاء الدعوى العمومية باعتبار أن الشكوى ليست شرطا لازما للمتابعة علما أن عند مراجعة أوراق الملف تبين أن الطرف المدني لم يسحب طالبا بتأييد الحكم المستأنف فيه كذلك الصلح بعد ارتكاب جنحة عدم تسديد النفقة لا يمحو هذه الجريمة و يظل مبلغ النفقة المحكوم به مستحقا كذلك حصول الصلح بعد ارتكاب جنحة عدم تسديد النفقة لا يمحو هذه الجريمة و يظل مبلغ النفقة المحكوم به مستحقا.
و إذا كان المشرع الجزائري لم يعلق المتابعة على شكوى المضرور فان المشرع المصري اشترط لمباشرة المتابعة وجود شكوى من صاحب الشأن و هذا ما نصت عليه المادة 293 قانون عقوبات مصري حيث جاء فيها ما يلي: و لا ترفع الدعوى عليه إلا بناء على الشكوى من صاحب الشأن و ربما يعود سبب ذلك إلى كون هذه الجريمة مما يمس بنظام الأسرة و يؤثر في الروابط العائلية و يترتب على ذلك أن يكون لصاحب الشأن بعد تبليغه عن الجريمة أن يعدل عن بلاغه و يتنازل عن شكواه في أية حالة كانت عليها الدعوى مادامت لم تنته بحكم نهائي، و يترتب على هذا التنازل سقوط الدعوى العمومية.
و تجدر الإشارة إلى أن جريمة عدم تسديد نفقة جريمة مستمرة تتحقق كلما امتنع المحكوم عليه عن أداء النفقة المحكوم بها بموجب حكم قضائي، و قد أكدت المحكمة العليا هذا المبدأ في قرارها الصادر عن غرفة الجنح و المخالفات بتاريخ 01/06/1982 ملف رقم 23000 جاء فيه ما يلي : إن جرم عدم تسديد النفقة جنحة مستمرة، فالمتهم الذي تماطل في دفع النفقة المحكوم بها عليه لصالح زوجته يبقى مرتكبا لهذه الجنحة إلى حين التخلص التام عن دفع المبالغ التي عليه.
و يعود اختصاص النظر في هذه الجنحة حسب المادة 331/3 من قانون العقوبات لمحكمة موطن أو محل إقامة الشخص المقرر له قبض النفقة أو المنتفع بالمعونة ، و يعتبر ذلك خروجا صريحا عن القواعد العامة للاختصاص التي تقرر لاختصاص المحلي بنظر الجنحة لمحكمة محل وقوع الجريمة أو محل إقامة المتهم أو محل القبض عليه، و هو امتياز أعطاه المشرع للدائن بالنفقة الذي يحق له التنازل عنه فإذا قدم شكواه أمام محكمة موطن إقامة المتهم فلا يجوز لأحد من أطراف القضية الدفع بعدم الاختصاص، و قد أكدت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 01/06/1982 ملف رقم 23000 أن المشرع أتى بالفقرة الأخيرة من المادة 331 من قانون العقوبات في صالح المستحقين بالنفقة لأن هؤلاء المستحقين يكونون في الغالب عجزة كالزوجة و الأولاد و كذا الوالدين عند كبرهما، و ذلك لكي لا يتحتم عليهم التنقل المتعب إلى جهات قضائية بعيدة عن سكانهم، و على هذا فهؤلاء المستفيدين من هذه الفقرة وحدهم، الحق في التمسك بهذا الدفع دون غيرهم و تجدر الإشارة إلى أن ما نصت عليه المادة 331 بشأن الاختصاص لا يصلح إذا كان المستفيد من النفقة يقيم بالخارج و عندئذ تطبيق قواعد الاختصاص العام.
ثانيا : الجزاء :
يعاقب على جنحة عدم تسديد النفقة بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و بغرامة من 500 إلى 5000 دج، و يجوز علاوة على ذلك الحكم على المتهم بالحرمان من الحقوق الوطنية و ذلك من ستة إلى 05 سنوات، و تجدر الإشارة أنه إذا حكم القاضي على المتهم بعقوبة جزائية من أجل جنحة عدم تسديد النفقة فلا يجوز له الحكم للضحية بمبلغ النفقة غير المسددة لأنها دين سابق على جنحة ذلك أن المادة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية تشترط أن تستند الضحية في طلب التعويض إلى ضرر مباشر تسبب عن الجريمة غير أنه يستطيع الحكم بالتعويض للضحية نتيجة الضرر الحامل من الجريمة.
المبحث الرابع : جريمة الإهمال المعنوي للأولاد :
سبق و أن ذكرنا أن المشرع الجزائري قد رتب في إطار الأسرة مجموعة من الواجبات، إذ نصت المادة 36 من قانون الأسرة أنه يجب على الزوجين المحافظة على الروابط الزوجية وواجبات الحياة المشتركة و التعاون على مصلحة الأسرة و رعاية الأولاد و حسن تربيتهمو عليه فإن أي إهمال في تربية الأولاد و رعايتهم يؤدي إلى نتائج وخيمة على الأسرة، و انطلاقا من هذا المنظور رتب المشرع الجزائري جزاء على أحد الوالدين الذي يسيء معاملة أولاده، حيث تنص المادة 330/3 من قانون العقوبات على ما يلي: يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة و بغرامة من 500 إلى 5000 دينار:
1- ....
2- ....
3- أحد الوالدين الذي يعرض صحة أولاده أو واحدا أو أكثر منهم أو يعرض أمنهم أو خلقهم لخطر جسيم بأن يسيء معاملتهم أو يكون مثلا سيئا لهم للاعتياد على السكر أو سوء السلوك أو بأن يهمل رعايتهم أولا يقوم بالإشراف الضروري عليهم و ذلك سواء كان قد قضى بإسقاط سلطته الأبوية عليهم أو لم يقض بإسقاطها.
و تجدر الإشارة إلى أن مجال إساءة الوالدين إلى أبنائهم واسع لا يخضع إلى حدود، و في الكثير من الأحيان يصعب التفريق بين ما يدخل في حقوق الأبوين في تأديب أولادهم و بين ما يعتبر إساءة لهم، و يستوجب معاقبتهما لذلك حصر المشرع الجزائري معنى الإساءة إلى الأولاد في ثلاث حالات هي:
حالة تعريض صحة الأولاد للخطر.
حالة تعريض أمن الأولاد للخطر.
حالة تعريض خلق الأولاد للخطر.
إن هذه الأفعال مجرمة بنص المادة 330/3 من قانون العقوبات و تشكل في مجموعها جريمة الإهمال المعنوي للأولاد و التي نتناولها بنوع من التفصيل، فنتطرق في مطلب أول إلى أركانها و في مطلب ثان إلى إجراءات المتابعة و الجزاء.
المطلب الأول : أركان الجريمة :
تقتضي جريمة الإهمال المعنوي للأولاد لقيامها ركنا ماديا و ركنا معنويا، نتناولهما فيما يلي:
أولا : الركن المادي :
يقوم الركن المدي لهذه الجريمة على ثلاثة عناصر تتمثل في صفة الأب أو الأم، أعمال الإهمال المبينة بالمادة 330/3 و النتائج الخطيرة المترتبة عنة هذه الأعمال.
I- صفة الأب أو الأم :
يشترط لقيام جريمة الإهمال المعنوي للأولاد توافر عنصر الأبوة و النبوة بين الفاعل و الضحية و ذلك واضح من خلال عبارة أحد الوالدين أي يجب أن يكون الجاني أبا شرعيا أو أما شرعية للابن الضحية، فإذا لم توجد أية علاقة أبوة و لا علاقة بنوة بين الفاعل و الضحية فإنه لا يمكن تطبيق الفترة الثالثة من المادة 330 حتى و لو توافرت العناصر و الشروط الأخرى، إذ يمكن وصف الفعل الجرمي وصفا آخر و تطبيق نص قانوني آخر
لكن يثور التساؤل بالنسبة للكفيل طبقا للمادة 116 من قانون الأسرة التي عرفت الكفالة بأنها التزام على وجه التبرع بالقيام بولد قاصر من نفقة و تربية و رعاية قيام الأب بابنه و تتم بعقد شرعي، و عليه فقد أعطت هذه المادة للأبناء المكفولين نفس حقوق الأبناء الشرعيين، فهل يمكن تطبيق المادة 330/3 من قانون العقوبات على الكفيل خاصة بعد أن سمح المرسوم التنفيذي رقم 92/24 المؤرخ في 13/01/1992 بنسب المكفول للكفيل؟
الرأي الراجع في الفقه و القضاء أن الأمر يقتصر فقط على الوالدين الشرعيين و هو الرأي الذي نراه صائبا خاصة و أن المادة 330 فقرة 3 جاءت بعبارة أحد الوالدين.
II- أعمال الإهمال المبينة بالمادة 330 فقرة 3 :
جاءت هذه الأعمال على سبيل المثال لا الحصر، و يمكن تقسيم هذه الأعمال إلى صنفين:
الصنف الأول أعمال ذات طابع مادي و تتحقق بسوء المعاملة و إهمال رعاية الأولاد، و يدخل ضمن سوء المعاملة ضرب الولد أو قيده حتى لا يغادر البيت أو تركه بمفرده في البيت و الانصراف إلى العمل، و من قبيل إهمال الرعاية عدم عرض الولد المريض على الطبيب أو عدم تقديم له الدواء.
الصنف الثاني من أعمال الإهمال يتمثل في أعمال ذات طابع أدبي و المتمثلة في المثل السيئ و عدم الإشراف، و يتحقق المثل السيئ بالإدمان على السكر و تناول المخدرات و القيام بأعمال منافية للأخلاق أما عدم الإشراف فيتحقق بطرد الأولاد للخارج و صرفهم للعب في الشارع دون أي مراقبة أو توجيه.
و تجدر الإشارة أن هذه الأعمال يجب أن تكون متكررة و ذلك واضح من خلال عبارة الاعتياد التي جاءت بها المادة 330 فقرة 3 من قانون العقوبات.
III- النتائج الخطيرة المترتبة عن أعمال الإهمال :
اشترطت المادة 330/3 أن تعرض سلوكات الأب أو الأم صحة أولادهم أو أمنهم أو خلقهم لخطر جسيم، فالمشرع لا يعاقب على مجرد إثبات هذه الأفعال إلا إذا ترتبت عنها نتائج خطيرة تمس الابن و تؤثر على صحته أو أمنه أو خلقه و يلاحظ أنه لم يرد في نص القانون أي معيار للتحديد أو تقييم جسامة الخطر أو الضرر و في غياب ذلك يبقى لقاضي الموضوع السلطة التقديرية الكاملة التي تمكنه من التمييز بين جسامة الخطر أو الضرر و تسمح له بأن يستنتج مدى تأثيرها على صحة أو أمن أو أخلاق الأولاد.
إذن اجتماع العناصر الثلاثة يشكل في مجموعها الركن المادي لجريمة الإهمال المعنوي للأولاد.
ثانيا : الركن المادي :
بالرجوع لنص المادة 330 فقرة 3 فإنه لم يرد ذكر عنصر العمد لهذه الجريمة، فالقانون لم يشترط قصدا جنائيا لقيام الجريمة غير أن المنطق يفرض بأن إقدام أحد الوالدين على هذا الفعل يجب أن يكون مدركا و عالما بأن ما أقدم عليه يعد تقصيرا في أداء التزاماته العائلية مما يؤدي إلى وقوع ضرر كما يجب أن لا يكون مكرها على إتيان هذا الفعل.
المطلب الثاني : المتابعة و الجزاء :
نتطرق فيما يلي إلى إجراءات المتابعة ثم إلى الجزاء المقرر لهذه الجريمة.
أولا : إجراءات المتابعة :
إذا كان المشرع الجزائري قد علق إجراءات المتابعة بالنسبة لجريمتي ترك الأسرة و إهمال الزوجة الحامل على شكوى الزوج المضرور، فإن إجراءات المتابعة بالنسبة لجريمة الإهمال المعنوي للأولاد لا تخضع لأي قيد فيمكن للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية دون انتظار شكوى المضرور.
أما بالنسبة للاختصاص في نظر هذه الجنحة فإن المشرع لم ينص على ذلك ، و بالتالي نرجع للقواعد العامة في الاختصاص طبقا للمادة 37 من قانون الإجراءات الجزائية التي تحدد الاختصاص بمكان وقوع الجريمة أو بمحل لإقامة أحد الأشخاص المشتبه في مساهمتهم فيها بالمكان الذي تم في دائرته القبض على أحد هؤلاء الأشخاص حتى و لو حصل هذا القبض لسبب آخر.
ثانيا: الجزاء :
تطبق نفس العقوبات الواردة على جنحتي ترك مقر الأسرة و ترك الزوجة الحامل على جنحة الإهمال المعنوي للأولاد و هي الحبس من شهرين إلى سنة و بغرامة من 500 إلى 5000 دج.
و يجوز علاوة على ذلك الحكم على المتهم بالحرمان من الحقوق الوطنية و ذلك من ستة إلى 05 سنوات.
الفصل الثاني : الجرائم الأخلاقية
المبحث الأول : جريمة الزنا :
قضت حكمة الله سبحانه و تعالى أن يجعل لكل من الرجل و المرأة طبائع و غرائز تدفع كل منهما إلى الأخر بميل غريزي و رغبة لاتصال كل منهما بالأخر اتصالا يكون ثمرته التوالد و التناسل حفاظا للنوع البشري و تعميرا للكون و لم يترك الله سبحانه و تعالى البشر حسب هواهم فشرع لهم الزواج ووضع له الأحكام و الضوابط لكي يعيشوا فنشأ الألفة و المودة بينهما مصدقا لقوله تعالى و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا أن تسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة.
و الزنا لم يعرف إلا حينما عرف الزواج و لها في قانون العقوبات معنى إصطلاحي خاص، فهو لا يشمل كل الأحوال التي يطلق عليها هذا الاسم في الشرائع الدينية بل هو مقصور على حال زنا الشخص المتزوج حالة قيام الزوجية فعلا و حكما.
و معظم التشريعات الوضعية تعاقب عليها بينما قلة منها لا يعاقب عليها و من بينها القانون الانجليزي ففي رأيهم أن العقاب لا يجدي، إذ لا فائدة من عقاب شخص لا تروعه مبادئ الأخلاق فضلا.
عن ما في العقاب من إثارة فضيحة ينجم عنها ضرر بالعائلة أبلغ من الضرر الذي يصيب المجتمع بينما توسطت المجتمعات الأخرى، فعاقبت على الزنا إذا حصل من شخص متزوج لما فيه من انتهاك الحرمة الزوجية و لا يجوز تحريك الدعوى العمومية إلا بناء على شكوى من المجني عليه و له التنازل عن هذه الشكوى في أي وقت و رغم ذلك فجريمة الزنا ليست جريمة كغيرها من الجرائم تمس المجتمع لما فيها من إخلال بواجبات الزوجية التي هي قوام نظام الأسرة، و لما كانت الجريمة تضر بأفراد الأسرة جميعا رأى المشرع أن يترك لعائلتها حق تحريك الدعوى العمومية و هذا ما نهجه المشرع الجزائري من خلال نص المادتين 339،341 من قانون العقوبات.
فنص في المادة 339 بقوله يقضى بالحبس من سنة إلى سنتين على كل امرأة متزوجة ثبت ارتكابها جريمة الزنا و تطبق العقوبة ذاتها على كل من ارتكب جريمة الزنا مع امرأة يعلم أنها متزوجة.
و يعاقب الزوج الذي يرتكب جريمة الزنا بالحبس من سنة إلى سنتين و تطبق العقوبة ذاتها على شريكته.
و لا تتخذ الإجراءات إلا بناء على شكوى الزوج المضرور و إن صفح هذا الأخير يضع حدا لكل متابعة.
نستشف من هذه المادة أن قانون العقوبات لم يضع تعريفا لجريمة الزنا ، وتضمنت المادة 341 من قانون العقوبات طرق إثبات جريمة الزنا بنصها على ما يلي : الدليل الذي يقبل عن ارتكاب الجريمة المعاقب عليها بالمادة 339 يقوم إلا على محضر قضائي يحرره أحد رجال الضبط القضائي عن حالة تلبس و إما بإقرار وارد في رسائل أو مستندات صادرة من المتهم أو بإقرار قضائي.
و من خلال ما أوردناه سنتناول في هذا المبحث مطلبين نتطرق في الأول إلى أركان الجريمة و في الثاني إلى المتابعة و الجزء.
المطلب الأول : أركان الجريمة :
لم يعرف المشرع الجزائري جريمة الزنا أسوة بباقي التشريعات المختلفة و من ثم يتحتم علينا الأمر أن نلجأ إلى التعريف الذي جاءت به الشريعة الإسلامية: الزنا شرعا هو الوطئ في غير حلال، فإذا كان الجاني محصنا فحده هو الرجم حتى الموت، و إن لم يكن محصنا فحده هو الجلد.
عرفه الفقيه موران بأنه تدنيس فراش الزوجية وانتهاك جرمتها بتمام الوطئ.
و جاء في موسوعة دالوز أن الزنا هو الجريمة التي تتكون من خرق حرمات الزواج من شخص متزوج له علاقات غير مشروعة بآخر غير زوجه يعاقبه القانون باسم الشريك.
و عرفه الأستاذ سعد عبد العزيز بأنه كل وطئ أو جماع تام غير شرعي يقع من رجل متزوج أو مع امرأة متزوجة استنادا إلى رضائها المتبادل و تنفيذا لرغبتها الجنسية.
يجب التنويه إلى أن المشرع الجزائري جرم جرعة الزنا بين الزوجين بنقلها حرفيا من قانون العقوبات الفرنسي هذا الأخير الذي ألغاه بموجب القانون الصادر بتاريخ 11/07/1975.
و من خلال هذه التعاريف نتناول أركان جريمة الزنا وفقا للتشريع الجزائري في الفروع التالية :
أولا: الركن المفترض.
ثانيا: الركن المادي.
ثالثا: الركن المعنوي.
أولا: الركن المفترض :
يتمثل هذا الركن في رابطة زوجية صحيحة يجب أن تتصف الزانية بأنها زوجة و كذلك الزاني لأن انعدام الرابطة الزوجية، و عدم وجود عقد زواج شرعي واقع وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية يجعل الفعل غير مكتمل شروط المعاقبة، و يسلبه صفة جريمة الزنا و ذلك كأن تكون الرابطة الزوجية قائمة على زواج باطل أو مخالف للقانون أو للشريعة.
و على ذلك فالخطيبة ليست بزوجة لعدم انعقاد الزوجية بعد، فإذا خانت خطيبها فلا يشكل الركن المادي في جريمة الزنا، كما لا يشترط الدخول و الخلوة الشرعية، فعقد القرآن ذاته يكفي لقيام الجريمة إذا تم وفقا لقانون الأسرة طبقا لنص المواد 9-22 من قانون الأسرة.
و يجب أن تكون رابطة الزوجية قائمة حال ارتكاب جريمة الزنا و قيام هذه الرابطة حقيقة فعلية، يعني أن الزوجة مازالت على ذمة الزوج و لم يحدث طلاق بينهما أما قيامها حكما فيعني أنه طرأ عليها طلاق و لكنه طلاق رجعي لا يرفع الحل و لا يزيل ملك الزوج طالما أن العدة قائمة فإذا زنت في فترة العدة قامت في حقها جريمة الزنا أما إذا انقضت العدة فان الطلاق يصبح بائنا و عندئذ لا تقوم الجريمة. و الطلاق البائن إما أن يكون بائنا بينونة صغرى أو بينونة كبرى، و الطلاق الأول و إن كان يزيل ملك الزوج إلا أنه لا يزيل الحل بحيث تصبح المطلقة مرتكبة لجريمة الزنا إذا حدث الوطئ هي مطلقة طلاقا بائنا بينونة صغرى، أما البائن بينونة كبرى فإنه يزيل الحل و الملك معا، و في الحال تنقضي علاقة الزوجية نهائيا و تنقضي صفة الزوجية فإذا زنت هذه الزوجة في هذه الحالة فلا يستطيع تحريك الدعوى ضدها و لو وقع منها الوطئ خلال فترة العدة.
و إذا دفع المتهم أو شريكه أنه مطلق أو أنه لم يكن متزوجا أصلا أو أن زواجه باطل أو فاسد جاز للمحكمة أن توقف الدعوى الجزائية إلى غاية الفصل في الدعوى أمام قاضي الأحوال الشخصية.
و نفس الشيء في حالة ما إذا دفعت المتهمة بوفاة الزوج و انقضاء عدة الوفاة فعليها تقديم ما يثبت ذلك و على الجهة القضائية أنه توقف الفصل في الدعوى الجزائية طبقا لنص المادة 330 من قانون الإجراءات الجزائية
و تثير مسألة إثبات الزواج إشكالات عديدة لعدم انسجام التشريع الجزائري في هذا المجال و هذا ما نصت عليه المادة 22 من قانون الأسرة، على أن الزواج يثبت بشهادة مستخرجة من سجلات الزواج لبلدية مكان الزواج، و أضافت نفس المادة في فقرة ثانية أن الزواج يكون صحيحا إذا توفرت فيه الشروط الشرعية للزواج و يمكن تثبيته بحكم قضائي، و لقد طرحت المسألة على المحكمة العليا فلم تتخذ موقفا ثابتا و لكن الاتجاه الغالب هو أن يتم الإثبات بتقديم شهادة الزواج و تبعا لذلك قضت المحكمة العليا.
بقيام جريمة الزنا في حق الزوجة التي تزوجت برجل آخر بالفاتحة دون أن تنتظر الفصل في القضية القائمة بينها و بين زوجها الأول و كذا الزوجة التي أبرمت عقد زواج مع رجل آخر قبل أن يصبح حكم الطلاق بينها و بين زوجه الأول نهائيا.
ثانيا: الركن المادي : (الوطئ غير المشروع) .
اختلف الفقهاء فيما يخص تحديد المقصود بالوطء هل هو إيلاج عضو التذكير في المكان الطبيعي للمرأة فقط أم يمتد إلى اللواط أو حتى الالتصاق دون إيلاج.
فذهب رأي إلى أن الوطء هو التحام الذكر مع الأنثى في المكان الطبيعي من المرأة ، و في هذه الناحية تشترك جريمة الزنا مع جريمة الاغتصاب، فالشرط في جريمة الزنا وجود الشريك يجامع الزوجة جماعا غير شرعي و مع ذلك فلا يعتبر زنا مجرد الخلوة بين الرجل و المرأة المتزوجة إذا لم تتبع هذه الخلوة بوطء كما لا تعد من قبل الزنا الأفعال المخلة بالحياء التي تأتها المرأة على نفسها أو الصلاقة غير الطبيعية التي تأتها مع امرأة أخرى كما لا يعد وطئا الفتاة البكر المتزوجة التي تمتنع على زوجها و تجتمع مع صديق لها في خلوة ليقوم بفض بكرتها لو حدث ذلك بغير عضوه التناسلي و يعتبر الوطئ شرط أساسي لحدوث الزنا و لا يتصور في هذه الجريمة حالة الشروع.
و لا تقوم الجريمة لما دون ذلك من أعمال الفاحشة الأخرى التي يرتكبها أحد الزوجين مع غيره مثل القبلات و الملامسات الجنسية و إتيان المرأة من الدبر.
ذلك أن الشروع في جريمة الزنا يتوافر فيه الركن المعنوي و يتخلف فيه الركن المادي بصفة كلية أو جزئية، فلا يعقل إذا أن يتم الشروع في جريمة الزنا من أحد الزوجين، لأن الفعل الآثم يشترط فيه توفر الركن المادي كليا، و المعنوي معا و لكي يمكن أثبات جريمة الزنا للزوج المتهم لابد أن يثبت أن هذا الرجل المتزوج قد باشر فعلا جنسيا مع امرأة مباشرة طبيعية تامة، و أنها امرأة لا تحل له و لا هي زوجته. و إلى هذا المعنى أشارت الفقرة الثالثة من المادة 339 من ق ع و ذلك بغض النظر عن كون المرأة التي نفذ معها رغبته متزوجة أم لا، و نفس الشيء ينطبق على المرأة التي تمارس فعل الوطء مع الغير بعكس الشريك الذي يشترط فيه العلم بالعلاقة الزوجية بين من تمارس معه الفعل.
ثالثا : الركن المعنوي :
لا يكفي لقيام ارتكاب الجريمة ارتكاب عمل مادي ينص و يعاقب عليه قانون جزائي ، بل لابد أن يصدر هذا العمل المادي عن إرادة الجاني و تشكل هذه العلاقة التي تربط العمل المادي بالفاعل ما يسمى بالركن المعنوي، فلا تقوم الجريمة بدون توافر الركنين المادي و المعنوي علاوة على الركن الشرعي و يتمثل الركن المعنوي في نية داخلية يضمرها الجاني في نفسه .
إذا فجريمة الزنا تتطلب توافر القصد الجنائي لدى الفاعل الأصلي متى ارتكب الفعل عن إرادة و علم بأنه متزوج و أنه يوصل بشخص غير زوجته و لا تقوم جريمة الزنا بانعدام القصد الجنائي إذا ثبت أن الوطء قد حصل بدون رضا الزوج كما لو تم بالعنف أو التهديد أو نتيجة للخديعة أو المباغتة.
حيث أنه لا عقاب على زوجة إذا زنت و هي في حالة الجنون، أو في حالة الإكراه كالتهديد، و الإسكار و التخذير و التنويم المغناطيسي أو في حالة الغلط المادي. كما لو تسلل رجل إلى فراش امرأة أثناء نومها، اتخذ حيالها المركز الذي كان يشغله زوجها فضنت أنه هو و سلمت نفسها إليه، أو في حالة الغلط القانوني إذا ارتكبت الزنا و هي تعتقد أنها حرة من الوثاق الزوجي كما لو اعتقدت أنها مطلقة أو أن زوجها الغائب قد مات أما بالنسبة للشريك فيشترط فيه العلم بأن خليله أو خليلته متزوجا أو متزوجة فإن كان يجهل الرابطة الزوجية وقت إتيان الفعل فإن القصد الجنائي يكون منتفيا و من ثم يتبين لنا أن جريمة الزنا تشترط فقط توفر قصد جنائي عام حيث أنه من خلال قرار المحكمة العليا رأت في قضية خاصة بالزنا بين الزوجين أن قضاة الاستئناف اكتفوا بإثبات الفعل المنسوب للمتهمين دون إمعان في جوانب الدعوى و أسبابها إذ لم يتطرقوا إلى البحث في أقوال المتهمة التي أدلت في التحقيق الابتدائي أنها خرجت من عند زوجها الشاكي منذ خمس سنين و امتنع عن ردها، و انه ذكر لها أنه لا يطلقها و لا يردها كما أنه لا يسجل الزواج في الحالة المدنية حتى لا ترثه.
حيث أن هذه الوقائع إذا ثبتت تدل على انعدام نية الزوج في مواصلة الزواج و أن أثار الاقتران اضمحلت أو كادت بإرادة الزوج و هي من الحقوق الشرعية التي يجب للزوجين بمقتضى الزواج قيد حياتهما أو بعد مماتهما .
المطلب الثاني : المتابعة و الجزاء :
علق القانون مرتكبي جريمة الزنا على شكوى الزوج المضرور طبقا لنص المادة 339 الفقرة الثالثة من قانون العقوبات ، في حين أنه نص على الجزاء المقرر لهذه الجريمة في الفقرة الثانية من نقس المادة، و أعقب على إثباتها في المادة 341 ق.ع.
و عليه سندرس ذلك في فرعين:
أولا المتابعة
ثانيا الجزاء.
أولا المتابعة :
قيد القانون تحريك الدعوى العمومية في جريمة الزنا بناءا على شكوى المجني عليه استثناءا من الأصل العام و هو حرية النيابة في تحريك الدعوى العمومية و بما أن جريمة الزنا ذات طبيعة خاصة و لها تأثير كبير على نظام الأسرة فقرر المشرع الجزائري عملا بالمشرع الفرنسي طرقا و وسائل معينة لإثباتها و بهذا سنوضح الشكوى المقرر لجريمة الزنا، و طرق إثباتها في نقطتين:
I- الشكوى :
يقصد بالشكوى البلاغ أو الإخطار الذي يقدمه المجني عليه إلى السلطات المختصة طالبا تحريك الدعوى العمومية بشأن جرائم معينة حصر ا لمشرع تحريكها على تقديم الشكوى .
و بعد أن نظمت المادة 339 من قانون العقوبات جريمة الزنا و المشاركة فيها أشارت في فقرتها الرابعة إلى أن إجراءات المتابعة لا تتخذ إلا بناءا على شكوى الزوج المضرور.
و نستنتج أنه لا يجوز لممثل النيابة العامة أن يقوم بأي إجراء من إجراءات تحريك دعوى الزنا من تلقاء نفسه بل إن تحريك الدعوى يتوقف على شكوى مسبقة من طرف الزوج الآخر الذي مسه عار هذه الجريمة. و يرجع هذا القيد لما لهذه الجريمة من اتصال مباشر لمصلحة الأسرة و شرفها، أكثر مما له من اتصال بمصلحة المجتمع و لا يجوز تقديمها من أي شخص آخر غير الزوج المتضرر فإن كان مجنونا أو معتوها وقت أو بعد ارتكاب الجريمة فإنه لا مانع من تقديم ممثله القانوني الشكوى نيابة عنه، و لكن إذا كان القانون لم يحدد لا صراحة و لا ضمنا أجلا معينا للزوج الشاكي لكي يستعمل حقه في تقديم شكواه و لم يقيده بأي شرط.
و يرى الأستاذ سعد عبد العزيز أن للمطلق دائما حق تقديم الشكوى ضد مطلقته و طلب محاكمتها عن اقترافها لجريمة الزنا ما دامت هذه الجريمة لم تنقضي بعد بسبب من أسباب الانقضاء المنصوص عليها في المادة 06 من قانون الإجراءات الجزائية و ما دامت لم تسقط بالتقادم طبقا للمادة 07 من نفس القانون و سنده في ذلك أمران أولهما أن القانون اكتفى بتوفر الرابطة الزوجية و لم يشترط توفرها لصحة تقديم الشكوى، و ثانيهما أن الطلاق لا يمحو الجريمة و يجب الإشارة أيضا أنه في حالة عدم مراعاة الشرط من قبل النيابة العامة و اتخذت إجراءات التحقيق أو أحالت الدعوى على المحكمة فإن هذه الأخيرة لا تستطيع أن تنظر في الدعوى أو تفصل فيها، بل يتعين عليها أن تقضي بعدم قبولها من تلقاء نفسها أو بناءا على طلب المتهم أو شريكه و يجب أن يتضمن الحكم الإشارة إلى أن الدعوى قد رفعت تبعا لشكوى الزوج المتضرر أو أنها لم ترفع تبعا لذلك و إلا كان حكمها معيبا واجبا إلغائه و نقضه.
أما إذا كان الشاكي قد وافته المنية بعد تقديم الشكوى ضد الزوج الآخر فإن الوفاة لا يترتب عليها سقوط حق النيابة العامة في متابعة الإجراءات اللازمة لإقامة الدعوى .
و إضافة إلى ما سبق فإن التنازل عن الشكوى يعد حقا من حقوق الشاكي يستعمله إذا شاء و قبل النطق بالحكم و بالتالي يضع حدا للمتابعة ضد زوجه، و يستفيد الشريك كذلك من سحب الشكوى و تنقضي الدعوى العمومية طبقا لنص المادة من 06 من قانون الإجراءات الجزائية.
II- إثبات جريمة الزنا :
نصت المادة 341 من قانون العقوبات على ما يلي:
الدليل الذي يقبل عن ارتكاب الجريمة المعاقب عليها بالمادة 339 يقوم إما على محضر قضائي يحرره أحد رجال الضبط القضائي عن حالة تلبس، و إما عن طريق وارد في رسائل أو مستندات صادرة من المتهم و إما بإقرار قضائي.
نستقرأ من القانون أنه حدد على سبيل الحصر الأدلة التي تثب بها جريمة الزنا و هي:
1- محضر قضائي يحرره أحد رجال الضبط القضائي عن حالة التلبس.
2- عن طريق إقرار وارد في رسائل أو مستندات صادرة عن المتهم أي اعترافا منه بأنه قام فعلا بارتكاب جريمة الزنا تضمنته رسالة أو مستند.
3- إقرار قضائي أي اعتراف المتهم أمام القضاء بأنه قام فعلا بارتكاب جريمة الزنا.
و إذا لم تتوفر أحد هذه الأدلة الثلاث للقاضي فإنه ملزم قانونا بالحكم بالبراءة بغض النظر عن اقتنائه الشخصي بأدلة أخرى.
و لقد دأبت المحكمة العليا في اجتهادها على أنه : لما كان ثابتا في قضية الحال أن القرار المطعون فيه لا يحتوي على ما يفيد تقديم أحد طرق الإثبات الثلاث المنصوص عليها في القانون إثباتا لتهمة الزنا، و من ثمة فإن قضاة الموضوع بإدانتهم للطاعنين بارتكابهم جريمة الزنا خالفوا القانون.
و جاء في حكم صادر عن محكمة بومرداس : أن تهمة الزنا ثابتة في حق المتهمة بدليل اعترافها على ممارسة العلاقة الجنسية مع المتهم.
و جاء عن المحكمة العليا في اجتهاد آخر لها بإدلائها بأن : الإقرار القضائي في جريمة الزنا شخصي يلزم المقر وحده دون غيره و إن القضاء بإدانته المتهم بناءا على إقرار الزوجة الزانية وحدها و في غياب إقرار المتهم يعد قصورا في التعليل و سوء في تطبيق القانون يعرضه للنقص.
ثانيا الجزاء :
تعاقب المادة 339 من قانون العقوبات على الزنا بالحبس من سنة إلى سنتين دون تمييز بين الزوج و الزوجة ، و تطبق نفس العقوبة على الشريك و لا عقاب على الشروع في ذلك.
و تجدر الملاحظة أن المشرع نص على عذر الاستفزاز في جريمة الزنا فنص في المادة 279 من قانون العقوبات : يستفيد مرتكب القتل و الجرح و الضرب من الأعذار إذا ارتكبها أحد الزوجين على الزوج الآخر أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة التلبس بالزنا.
يتبين من هذا النص وجوب توفر أركان ثلاث لعذر الاستفزاز و هي :
- صفة الجاني و هو أن يكون الجاني أحد الزوجين و أن يكون الضحية هو الزوج الآخر أو شريكه و هذا العذر مقرر للزوج المغدور دون غيره.
- مفاجأة الزوج متلبسا في الزنا
- القتل و الجرح و الضرب في اللحظة ذاتها.
فبتوفر أركان عذر الاستفزاز فإن العقوبة تخفض طبقا لنص المادة 283 من قانون العقوبات.
1- الحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا تعلق الأمر بجناية عقوبتها الإعدام.
2- الحبس من ستة أشهر إلى سنتين إذا تعلق الأمر بأي جناية أخرى.
3- الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر إذا تعلق الأمر بجنحة.
هذا مع جواز الحكم على الجاني بالمنع من الإقامة من 05 سنوات على الأقل إلى 10 سنوات على الأكثر في الحالتين المنصوص عليهما في الفقرتين 01 و 02.
بعد إتمامنا للمبحث الأول فيما يخص جريمة الزنا سوف نتطرق في المبحث الثاني لجريمة الفاحشة بين ذوي المحارم.
المبحث الثاني : جريمة الفاحشة بين ذوي المحارم :
وطء المحرمات من الإناث جريمة يعاقب عليها في غالبية القوانين الوضعية و التشريعات السماوية و مبادئ الأخلاق لأن في ارتكابها عدوان على المجتمع بأسره و تحطيم لقيمه، فالأسرة نواة المجتمع و رابطة القرابة و النسب و الدم ، هي أساس تكوين الصلاة و العلاقات الاجتماعية و جريمة و وطء المحرمات من الإناث كالأخت و الأم و البنت جرائم فاحشة تعتدي على الأعراض و الأنساب و لذا وضعت النصوص القانونية و الأحكام التي تنظم العلاقات داخل المجتمع و سوف نقوم بدراسة هذه الجريمة في مطلبين:
المطلب الأول: أركان الجريمة
المطلب الثاني: المتابعة و الجزاء.
المطلب الأول : أركان الجريمة :
عرف الأستاذ سعد عبد العزيز جريمة الفحش : بأنها كل فعل من أفعال الاتصال الجنسي المباشر التي تقع بين شخص ذكرا كان أو أنثى و بين أحد محارمه شرعا من أقاربه أو أصهاره أو غيرهم برضائهم المتبادل ، و قد ورد النص على تجريم هذه الأفعال في المادة 337 مكرر من قانون العقوبات التي نصت : تعتبر من الفواحش العلاقات الجنسية التي تقع:
1- بين الأصول و الفروع.
2- الإخوة و الأخوات الأشقاء من الأب أو الأم.
3- بين شخص و ابن أحد إخوته أو أخواته من الأب أو الأم أو مع احد فروعه.
4- الأم أو الأب و الزوج أو الزوجة و الأرمل أو الأرملة ابنه أو مع أحد آخر من فروعه
5- والد الزوج أو الزوجة أو زوج أو زوجة الأب و فروع الزوج الآخر
6- من أشخاص يكون أحدهم زوجا للأخ أو الأخت .
يتبين أن هذه الجريمة تحتوي على ثلاثة أركان نتخذها بالدراسة في ثلاثة فروع :
أولا: الركن المادي
ثانيا: علاقة القربة أو المصاهرة ذات الطبيعة المحرمية
ثالثا : القصد.
أولا : الركن المادي الفعل المادي الفاحش :
يتوفر الفعل المادي لقيام جريمة الفحش بين ذوي المحارم بوقوع علاقة جنسية طبيعية تامة بين رجل و امرأة استنادا إلى رضائهما الصريح المتبادل دون استعمال عنف أو غش أو تهديد أو إكراه مادي أو معنوي من أحد الطرفين ضد الآخر. أما إذا صاحب الفعل تهديدا أو إكراها فإن الوصف الجرمي يصبح اغتصابا لا فحشا و نطبق أركان المادة 336 فقرة 01 بدل المادة 337 مكرر .
و نفترض أيضا في جريمة الفحشاء مساس مباشر بجسم المجني عليه و يخرج من نطاقها الأفعال التي يرتكبها الجاني على جسمه أمام نظر المجني عليه مهما كانت درجة فحشاه و مهما بلغ تأثيره عليه .
إلى جانب أنه لا يشترط لوجود الركن المادي الوطء الطبيعي الذي سيحصل بإيلاج عضو التذكير في فرج الأنثى، و إنما يشمل كل إيلاج جنسي بالإيلاج بالدبر و حتى بالفم و لا يهم إن كان الجاني ذكرا أو أنثى و من ثم تشمل العلاقة الجنسية اللواط و المساحقة و يشترط الرضا بين الطرفين بطبيعة الحال.
ثانيا : علاقة القرابة أو المصاهرة :
يشترط القانون لقيام جريمة الفاحشة بين ذوي المحارم وجود صلة قرابة أو نسب أو مصاهرة بين مرتكبي جريمة الفحش أو وجود أحد أو بعض أسباب التحريم المنصوص عليها في المواد من 24 إلى 30 من قانون الأسرة .
و يثار التساؤل بشأن الرضاع: فهل تطبيق قاعدة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب قياسا على الزواج فيكون الجواب بنعم مع حصر التحريم في الطفل الرضيع وحده دون إخوته و أخواته طبقا لنص المادة 28 من قانون الأسرة التي نصت على : يعد الطفل الرضيع وحده دون إخوته و أخواته وليد للمرضعة و زوجها و أخا لجميع أولادها و يسري التحريم عليه و على فرعه.
ثالثا : القصد الجنائي :
بالإضافة إلى الركنين السابقين يشترط القانون القصد الجنائي لقيام هذه الجريمة و المراد بالقصد هنا هو القصد العام الذي يتوفر بمجرد علم كلا المتهمين بأن الشخص الآخر الذي يقوم بممارسة أو تنفيذ الفعل الجنس معه من ذوي محارمه أما إذا كان الفاعلان لا يعلمان أو ليس في استطاعة أحدهما أو كلاهما، العلم بصفة الحرمة أو بسبب التحريم انتفى القصد الجنائي و لم تعد الجريمة قائمة.
أما إذا كان أحدهما لا يعلم و الآخر يعلم فإن العقاب يسلط فقط على من كان يعلم .
و ينبغي التنويه أيضا إلى أن الأنثى التي ترضى و تسمح بارتكاب الفاحشة معها من احد أصولها أو فروعها، مع علمها بالقرابة و تكون فوق سن السادسة عشر مرتكبة لجريمة وطئ المحرمات كفاعل أصلي لأن الرضا الصادر من هذه الأنثى لا يعتبر سببا مبررا أو مبيحا لهذه الجريمة أو ينفي المسؤولية عن الجاني أو المجني عليها نفسها .
و من خلاصة القول يتضح أن الركن المعنوي لابد فيه من توافر العلم و الإرادة مهما كان الباعث الذي دفع الجاني على ارتكاب جريمة الفحش بين ذوي المحارم فقد يكون هذا الباعث إشباعا للشهوة البيولوجية أو غير ذلك.
و بإتمامنا للمطلب الأول نعمل على شرح المطلب الثاني تحت عنوان المتابعة و الجزاء.
المطلب الثاني : المتابعة و الجزء :
نتطرق إليه بالشرح و التحليل:
الفرع الأول المتابعة.
الفرع الثاني الجزاء.
الفرع الأول : المتابعة :
1- خضوعها في المتابعة إلى القواعد العامة.
تخضع هذه الجريمة في المتابعة إلى القواعد العامة في تحريك النيابة العامة للدعوى العمومية، و مباشرتها باسم المجتمع، بخلاف جريمة الزنا بين الزوجين التي نص فيها المشرع على تحريكها من قبل الطرف المضرور استثناءا من الأصل العام ، ذلك أن جريمة الفحش بين ذوي المحارم جريمة يهتز لها عرش الرحمن تمس بكيان المجتمع، و تزعزع نظامه أكثر مما تمس بالفرد، فأحسن المشرع الجزائري عندما أخضعها لسلطة النيابة العامة في ملائمة المتابعة إذ عليها أن تثبت هذه الجريمة بجميع وسائل و طرق الإثبات.
2- إثبات جريمة الفحش بين ذوي المحارم.
تثبت هذه الجريمة بشهادة الشهود أو بالأدلة الشفوية ، بخلاف جريمة الزنا التي قيد المشرع إثباتها بوسائل محددة على سبيل الحصر في المادة 341 من قانون العقوبات.
الفرع الثاني : الجزاء :
إذا رجعنا بتمعن و حرص إلى نص المادة 337 مكرر من قانون العقوبات فإننا نجد أنها تضمنت ثلاث أنواع من العقوبات:
النوع الأول :
العقوبة الجنائية لفعل ذي وصف جنائي عقوبته من 10 إلى 20 سنة سجنا و هي جناية فعل الفحش بين الأصول و الفروع و بين الإخوة و الأخوات.
النوع الثاني :
العقوبة الجنائية لجريمة ذات وصف جنحي بين 05 إلى 10 سنوات حبس و هي جنحة فعل الفحش بين الأشخاص، وهم:
شخص و ابن أحد إخوته أو أخواته أو أحد فروعه.
بين الأم أو الأب و زوجة أو زوج و أرمل أو أرملة الابن أو أحد فروعه.
ولد الزوج أو الزوجة أو زوج الأم أو زوجة الأب و أحد فروع الزوج الآخر.
النوع الثالث :
العقوبة الجنحية لجريمة ذات وصف جنحي عقوبتها بين سنتين و خمس سنوات حبس وهي جنحة فعل الفحش المقترف بين أشخاص يكون أحدهم زوجا لأخ أو أخت الآخر.
وفي جميع الأحوال إذا ارتكبت الفاحشة من شخص راشد على شخص قاصر، يبلغ من العمر 18 عاما فإن العقوبة المفروضة على الراشد تفوق وجوبا العقوبة المفروضة على الشخص القاصر، كما أن هذه الجريمة تكون قائمة حتى و لو كان أحد طرفيها من لم يبلغ سن الرشد الجزائي، لأن المادة 337 لم تشر إلى سن معينة و لم تنص على السن إطلاقا خلافا لجريمتي هتك العرض و الفعل المخل بالحياء الذي يفرق فيه المشرع بين الضحية القاصر و الراشد و هو أحد ما تبنته المحكمة العليا في أحد قراراتها .
و يتضمن الحكم المقضي به ضد الأب أو الأم فقدان حق الأبوة أو الوصاية الشرعية طبقا للمادة 337 مكرر الفقرة الأخيرة.
و يجب على القاضي أن يقرره من تلقاء نفسه أو بناءا على طلب النيابة أو بطلب من يتولى أمر القاصر .
من أهم الحقوق التي تضمنتها قواعد الشريعة الإسلامية والقوانين الجزئية الوضعية حق الطفل في أن يتولى كفالته أبواه طوال مدة صغره وحاجته إليهما، وأن يسهرا منفردين أو مجتمعين على رعايته وتعليمه، وعلى حمايته من كل ما يضره أو يلحق به الأذى ولاسيما الأذى الذي يكون مصدره الأبوان أنفسهما مثل الترك و التسيب والضرب والتعذيب والقتل.
وفي هذا الإطار جاء قانون العقوبات ووضع قواعد عقابية من شأنها حماية الولد الصغير من كل عنف وجور أو اعتداء سواء على خلقه أو على جسمه، ومن شأنها أيضا أن تجازي أحد الوالدين الذي يتعمد الاعتداء على حقوق أولاده بالجزاء المناسب لذا فإننا سنتطرق في هذا الفصل إلى خمس جرائم نص عليها قانون العقوبات الجزائري، حيث سنتناول في المبحث الأول جريمة الإجهاض، وفي المبحث الثاني جريمة قتل طفل حديث العهد بالولادة، وفي المبحث الثالث جريمة ترك الأطفال وتعريضهم للخطر، وفي المبحث الرابع جريمة عدم تسليم طفل ونتناول أخيرا في المبحث الخامس جريمة خطف أو إبعاد قاصر
المبحث الأول : جريمة الإجهاض :
إن المرأة الحامل هي المرأة التي لها جنين مستقر في الرحم ولم يخرج إلى الحياة وهذا الجنين يحميه القانون، كما تحمى الأم والمجتمع.
- حماية الجنين : لأنه يصبح طفلا في المستقبل وهذا الأخير يكون دعامة للمجتمع وهذا الكائن له الحق في الحياة وهو حق طبيعي.
- حماية الأم : إن الاعتداء على الجنين يكون اعتداء على جسم المرأة وهو الاعتداء على الحياة الطبيعية للمرأة يمنعه المشرع، ويمنع حتى على المرأة إجهاض نفسها.
حماية المجتمع : إن تعرضت المرأة والجنين إلى الاعتداء يتسبب في الإضرار بها فإن ذلك يؤدي إلى عرقلة المجتمع الذي يحتاج إلى أفراد أصحاء
إذ تقضي المادة ة304 من قانون العقوبات على أنه كل من أجهض إمرأة حاملا أو مفترض حملها بإعطائها مأكولات أو مشروبات أو أدوية أو باستعمال طرق أو أعمال عنف أو بأية وسيلة أخرى سواء وافقت على ذلك أو لم توافق أو شرع في ذلك يعاقب بالحبس من سنة إلى 05 سنوات وبغرامة من 500 إلى 10.000دج
وإذا أفضى الإجهاض إلى الموت تكون العقوبة السجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة.
وفي جميع الحالات يجوز الحكم علاوة على ذلك بالمنع من الإقامة.
تعريف الإجهاض :
لم يعرف المشرع الإجهاض إلا أن بعض الفقه عرفه بأنه إخراج الجنين عمدا من الرحم قبل موعده الطبيعي أو قتله عمدا في الرحم، ويزيد البعض هذا التعريف إيضاحا بأن يتم الإجهاض باستعمال وسيلة صناعية.
نستخلص مما تقدم بأن الإجهاض هذا هو إنهاء حالة الحمل قبل الأوان عمدا أو القضاء على الجنين داخل رحم المرأة وإسقاطه قبل الموعد المحدد للولادة ومن المسلم به أن جريمة الإجهاض تقع في كل حالة تنتهي بها حالة الحمل بطريقة غير تلقائية ويتضح من هذا التعريف أن لجريمة الإجهاض 03 أركان وهي الركن المفترض (محل الجريمة)، الركن المادي، الركن المعنوي، والتي سنتناولها بالدراسة في المطلب الآتي.
المطلب الأول : أركان الجريمة :
أولا : الركن المفترض (محل الجريمة)
إن محل الجريمة هنا هو وجود حالة الحمل فعلا أي وجود جنين في رحم المرأة يقع عليه فعل الاعتداء سواء بإخراجه حيا قبل موعد ولادته أو قتله في الرحم أو فرضا حسب الأوضاع العادية أي حيث المفهوم الخارجي أو بأنها بنفسها تتوهم بأنها حاملا أو توهم غيرها كما نصت المادة 304: كل من أجهض امرأة حاملا أو مفترض حاملا.
وتبدأ حماية حق الجنين في الحياة منذ لحظة الإخصاب إلى لحظة بداية عملية الولادة.
تأخذ هذه الجريمة ثلاث صور: المرأة التي تجهض نفسها
إجهاض المرأة من قبل الغير
التحريض على الإجهاض.
I. الصورة الأولى: إجهاض المرأة لنفسها :
طبقا للمادة 309 من قانون العقوبات والتي تنص تعاقب بالحبس من 06 أشهر إلى سنتين وبغرامة من 260 إلى ألف دينا جزائري المرأة التي أجهضت نفسها عمدا أو حاولت ذلك أو وافقت على استعمال الطرق التي أرشدت إليها أو أعطيت لها لهذا الغرض.
II. الصورة الثانية : إجهاض المرأة من قبل الغير :
طبقا لنص المادة 304 التي تقضي : كل من أجهض امرأة حاملا أو مفترض حملها سواء وافقت على ذلك أو لم توافق أو شرع في ذلك.
فالمشرع لم يعتد برضا المرأة نظرا لكون الجريمة تهدد المصلحة العامة الاجتماعية لكون الضحية الحقيقية هو الطفل الذي يحرم من الحياة.
III. الصورة الثالثة: التحريض على الإجهاض :
طبقا للمادة 310 من قانون العقوبات : يعاقب بالحبس من شهرين إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 500 إلى 10.000 دج أو بالإحدى هاتين العقوبتين كل من حرض على الإجهاض ولو لم يؤدي تحريضه إلى نتيجة ما وذلك بأن:
ألقى خطابا في أماكن أو اجتماعات عمومية
أو باع أو طرح للبيع أو قدم ولو في غير علانية أو عرض أو ألصق أو وزع في الطريق العمومي أو في الأماكن العمومية أو وزع في المنازل كتبا أو كتبات أو مطبوعات أو إعلانات أو ملصقات أو رسوما أو صورا رمزية أو سلم شيئا من ذلك مغلفا بشرائط موضوعا في ظروف مغلقة أو مفتوحة إلى البريد أو إلى أي عامل توزيع أو نقل.
أو قام بدعاية في العيادات الطبية الحقيقية أو المزعومة.
إذ لم يكتفي المشرع الجزائري تجريم الإجهاض في صورته الأولى والثانية وإنما جرم أيضا كل صور الدعاية والتحريض في وسائط الإجهاض لكي يقطع الطريق على من يفكر في ارتكاب هذه الجريمة ويحد من ارتكابها لأن المجهض لن يجد بسهولة ما يحتاج إليه من مواد وأدوات يستخدمها لإجراء الإجهاض.
ثانيا: الركن المادي : في الصورة الأولى والثانية
هو الفعل الذي يصدر عن الأم أو الغير والذي من شأنه إنهاء حالة الحمل وفصل الجنين عن أمه قبل الموعد الطبيعي بغض النظر عن الوسيلة المستعملة كما جاء في نص المادة 304 : أو بأي وسيلة أخرى.
1- الوسائل المستعملة :
تقضي المادة 304 من قانون العقوبات : كل من أجهض امرأة حاملا أو مفترض حاملها بإعطائها مأكولات أو مشروبات أو أدوية أو يستعمل طرق أو أعمال عنف أو بأية وسيلة أخرى سواء وافقت على ذلك أو لم توافق أو شرع في ذلك.
ويفهم من العبارة الأخيرة أن المشرع عدد الوسائل على سبيل المثال لا الحصر لذا تعتبر جريمة الإجهاض ذات الطابع الحر من ناحية الوسيلة، إذ يستوي أن تكون الوسيلة مادية أو معنوية.
فقد تكون وسيلة الإجهاض كميائية مثل الأدوية الطبية أو مادة أخرى أيا كانت طريقة تعاطيها (شرابا، أقراص، حقن ....الخ.) يكون من شأنها إنهاء الحمل.
وقد تكون وسيلة الإجهاض ميكانيكية مثل توجيه أشعة إلى جسم الحامل أو تدليك جسمها بطريقة تؤدي إلى إنهاء حالة الحمل وكذلك ضرب الحامل؟
وقد تلجأ المرأة الحامل إلى وسائل لا تبدو في ظاهرها إنهاء للحمل ولكنها في حقيقتها تؤدي إلى ذلك، مثل ممارسة الرياضة الطبيعية كالقفز أو حمل الأثقال أو ارتداء ملابس ضيقة أو أحزمة ضاغطة.
وقد تكون وسيلة الإجهاض معنوية مثل ترويع الحامل أو الصراخ فجأة في وجهها. وإذا كان الغالب أن يكون فعل الإجهاض إيجابيا فإنه لا يوجد ما يحول من وقوع جريمة الإجهاض لفعل سلبي أي على طريقة الامتناع مثل امتناع الأم عن الطعام أو الامتناع عن تقديم الطعام لها.
ومهما كانت الوسيلة المستعملة يجب إقامة الدليل على أنها كانت السبب في الإجهاض، ولقاضي الموضوع أن يسترشد برأي الخبراء؛
ومهما كانت نجاعة الوسيلة المستعملة فإن ذلك لا يحول دون عدم العقاب على الجريمة المستحيلة، فمن يشرع في الإجهاض باستعمال وسائل غير ناجعة فإنه يتعرض للعقاب على أساس أن عدم صلاحية الوسيلة المستعملة تدخل ضمن الظروف المستقلة عن إرادة الجاني، وهذا المبدأ ينطبق على الجريمة الإجهاض بصورتيها الأولى والثانية.
2- النتيجة :
وتتمثل في إنهاء حالة الحمل قبل الموعد الطبيعي ويمكن تصورها في الحالات التالية: حالة خروج الجنين ميتا من رحم أمه قبل الموعد الطبيعي لولادته وحالة خروج الجنين حيا من رحم أمه قبل الموعد الطبيعي لولادته لأن في خروج الجنين في هذه الحالة اعتداء على حقه في استمرار النمو الطبيعي حتى الولادة الطبيعية.
لا يشترط لوقوع جريمة الإجهاض أن تظل الأم الحامل على قيد الحياة بعد ارتكاب تلك الجريمة فمن المتصور أن يكون فعل الإجهاض هو فعل قتل الحامل وتكون النتيجة المرتكبة عن الفعل الواحد إنهاء حياة الأم وإنهاء الحمل في نفس الوقت فإذا توفر القصد الجنائي نكون أمام جريمتين فيسأل الفاعل عن القتل والإجهاض في نفس الوقت.
3- العلاقة السببية :
يجب أن تتوفر علاقة سببية بين فعل الإجهاض وإنهاء حالة الحمل قبل الموعد الطبيعي وذلك بأن يثبت بأن الفعل الذي قام به الجاني هو الذي أدى إلى خروج الجنين من رحم الأم قبل الموعد الطبيعي لولادته حيا أو ميتا.
إذ تكون الجريمة تامة إذا تحققت النتيجة وحصل الإجهاض ولا يهم إن حدث الفعل في بداية أو نهاية الحمل، أما إذا لم تتحقق النتيجة المرغوبة فيسأل الجاني عن الشروع في الإجهاض والشروع معاقب عليه بنص القانون طبقا للمادة 304: أو الشروع في ذلك.
كما يعاقب المشرع الجزائري على الجريمة المستحيلة إذ نصت المادة 304 على قيام الجريمة سواء كانت المرأة حاملا أو مفترض حملها، على عكس المشرع المصري الذي يشترط لقيام جريمة الإجهاض وجود حمل.
ثانيا : الركن المعنوي :
جريمة الإجهاض جريمة عمدية، وتتحقق بانصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الفعل مع العلم أن ذلك معاقب عليه قانونا، فيجب أن يعلم الجاني أن المرأة حامل أو مفترض حملها، ومع ذلك يريد القيام بالاعتداء عليها، فإذا كانت إرادته سليمة ومختارة ويريد الفعل يكون قد ارتكب الجريمة، أما إذا كان يجهل ذلك وأحدث فعله إجهاضا فإنه لا يعاقب من أجل الإجهاض، وإنما من أجل أعمال العنف، فهنا القصد الجنائي قصد جنائي عام.
وعلية فإن جريمة الإجهاض تقتضي توافر كل العناصر والأركان المشار إليها سابقا طبقا لنص المادة 304 من قانون العقوبات لذلك يتعين على قضاة الموضوع إبرازها في أحكامهم للنطق بالإدانة على أساس تهمة الإجهاض وإلا تعرضت أحكامه إلى النقض وفي هذا الصدد صدر عن المحكمة العليا غرفة الجنح والمخالفات القرار رقم 252408 بتاريخ 12/02/2001 قضية (ح.ر) ضد (ب.ف) جاء فيه إن إدانة المتهم بجريمة الإجهاض دون إبراز عناصر التهمة وإثبات القصد الحقيقي للضرب الرامي لمحاولة الإجهاض يعد انعداما في الأساس القانوني.
ثالثا : الركن المادي للصورة الثالثة : التحريض على الإجهاض :
يتمثل في كل عمل من شأنه التأثير في نفس الضحية أو الشخص الذي يقع عليه فعل التحريض حتى ولو لم يكن هذا التحريض قد أدى إلى النتيجة المرجوة.
1- الوسيلة المستعملة :
تشترط المادة 310 أن يقوم التحريض بوسيلة من بين الوسائل المحددة على سبيل الحصر و هي
إلقاء خطب في أماكن أو اجتماعات عمومية.
بيع أو عرض أو إلصاق أو توزيع كتابات أو صور أو رسوم.
القيام بالدعاية في العيادات الحقيقية أو المزعومة.
وعليه فإن مجرد إلقاء خطب حماسية في اجتماعات أو أماكن عامة ومجرد بيع أو عرض صور أو محررات بأي لغة كانت وبأي شكل كانت تتضمن دعوة صريحة أو ضمنية، إلى الإجهاض وإسقاط الحمل تكون كافية وحدها أو مع غيرها لتكوين جريمة التحريض على الإجهاض المعاقب عليها بنص المادة 310 من قانون العقوبات
2- النتيجة :
لم يشترط القانون أن يتوفر عنصر النتيجة لقيام جريمة التحريض على الإجهاض بل اعتبر التحريض جريمة مستقلة ومعاقب عليها بذاتها سواء تحققت النتيجة أو لم تتحقق وسواء تأثرت من وقع عليها التحريض بأساليب المحرض ونفذتها أو لم تتأثر ولم تنفذ.
ولم تشترط المادة 310 أي صفة في الجاني إذ يعتبر فاعلا أصليا ولو اقتصر دوره على مجرد دلالة الحامل على الوسائل المجهضة.
في حين أن هذا الفعل لا يعدو أن يكون وفقا للقواعد العامة في القانون الجزائي إلا اشتراكا .
رابعا- الركن المعنوي :
القصد الجنائي هنا قصد جنائي عام يمكن استخلاصه مما تحتويه الخطب وما تتضمنه الصور والرسائل والمحررات وغيرها ولا يشترط القانون قصد جنائي خاص.
المطلب الثاني : المتابعة والجزء :
أولا: المتابعة :
تخضع المتابعة في هذه الجريمة للقواعد العامة لتحريك الدعوى العمومية إذ يمكن للنيابة القيام بالمتابعة بمجرد قيام أركان الجريمة ولا تخضع لأي قيد يغل يدها عن ذلك.
ثانيا : الجزاء :
I. العقوبات :
يميز المشرع من حيث العقوبات بحسب صورة الإجهاض وتركيبته سواء تعلق الأمر بالعقوبات الأصلية أو العقوبات الأخرى.
1- صورة المرأة التي تجهض نفسها: (المادة 309)
أ-العقوبات الأصلية : تعاقب المادة 309 المرأة التي تجهض نفسها أو تشرع في ذلك بالحبس من 06 أشهر إلى سنتين وبغرامة من 250 إلى 1000دج.
ب-العقوبات التكميلية : يجوز الحكم على الجاني بالمنع من الإقامة وذلك لمدة لا تتجاوز 05 سنوات طبقا للمادة 12/2 من قانون العقوبات.
2- صورة إجهاض المرأة من قبل الغير : ( المواد 304، 305 و306)
أ- العقوبات الأصلية : تعاقب المادة 304 كل من أجهض امرأة أو شرع في ذلك بالحبس من سنة إلى 05 سنوات وبغرامة من 500 إلى 10.000دج.
وإذا أفضى الإجهاض إلى الموت تكون العقوبة السجن المؤقت من 10 سنوات إلى 20سنة.
ب-العقوبات التكميلية: يجوز الحكم على الجاني بالمنع من الإقامة و ذلك لمدة لا تتجاوز 05 سنوات طبقا للفقرة الثانية من المادة 12 من قانون العقوبات.
ج-تدابير الأمن: إذا كان الإجهاض من قبل الأطباء،الصيادلة،القابلات، جراحي الأسنان وشبه الطبيين وطلبة الطب بمختلف فروعه وتخصصاته أو تم بتدبيرهم أو مساعدتهم تجيز المادة 306 الحكم على الجاني علاوة على العقوبات المنصوص عليها في المواد 304، 305 عند الاقتضاء بتدبير من تدابير الأمن يتمثل في حرمانه من ممارسة مهنته لمدة لا تتجاوز 05 سنوات ويجوز أن يأمر بالنفاذ المعجل لهذا التدبير وفقا لنص المادة 23 من قانون العقوبات.
وقد يحصل أن تكون المرأة التي تجهض نفسها طبيبة أو قابلة أو صيدلية أو جراحة أسنان أو طالبة في هذه الاختصاصات أو تنتمي للسلك الشبه الطبي، الراجح عندئذ أنها لا تخضع لحكم المادة 306 وإنما للمادة 309 أين تأخذ حكم المرأة التي تجهض نفسها لا للحكم المنصوص عليه في المادة 309 والخاص لصفة الأطباء وأشباههم.
د-الظروف المشددة : تشدد عقوبة الحبس في صورة إجهاض المرأة من قبل الغير في حالة الاعتياد على ممارسة الإجهاض أو على المساعدة عليه فترفع على النحو التالي :
تضاعف عقوبة الحبس المقررة في المادة 304/01 وهي من سنة إلى 05 سنوات فتصبح من سنتين إلى 10 سنوات.
إذا أقضى الإجهاض إلى الموت ترفع عقوبة السجن المؤقت المقررة في المادة 304/02 وهي من عشرة إلى 20 سنة إلى الحد الأقصى.
في كل الأحوال فإن المادة 311 من قانون العقوبات تقضي بالحكم على الجاني بقوة القانون بالمنع من ممارسة أي مهنة أو أداء أي عمل بأية صفة كانت في المؤسسات العمومية أو الخاصة للتوليد أو لأمراض النساء مثل المستشفيات والعيادات ودور الولادة.
وتجدر الإشارة إلى أن حكم المادة 311 يختلف عن حكم المادة 309 من عدة نواحي.
الاختلاف الأول: يكمن في أن المادة 306 تقضي بحرمان الجاني من ممارسة مهنته فحسب في حين تقضي المادة 311 بالمنع من ممارسة أي مهنة أو أداء أي عمل في المؤسسات العامة.
الاختلاف الثاني: يتمثل في كون حكم المادة 306 محصور في الأطباء وما شابههم في حين تطبق المادة 311 على كل من ارتكب جريمة ذات صلة بالإجهاض.
تطبيق حكم المادة 311 بقوة القانون في حين أن حكم المادة 306 جوازي.
3- صورة التحريض على الإجهاض :
تعاقب المادة 310 على التحريض على الإجهاض بالحبس من شهرين إلى 03 سنوات وبغرامة من 500 إلى 10.000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين.
- الإجهاض المرخص به :
لقد نص المشرع الجزائري على حالة لعدم العقاب على الإجهاض وهي الحالة التي أشارت إليها المادة 308 والتي تنص على: لا عقوبة على الإجهاض إذا استوجبته ضرورة إنقاذ حياة الأم من الخطر متى أجراه طبيب أو جراح في غير خفاء وبعد إبلاغ السلطة الإدارية .
وهذه الحالة عبارة عن حالة الضرورة، وهي الحالة التي لم يردها قانون العقوبات الجزائري ضمن موانع المسؤولية.
كما قضت المادة 72 من القانون رقم 85/05 المؤرخ في 16/02/1985 المتعلق بحماية الصحة وترقيتها على ما يأتي : يعد الإجهاض لغرض علاجي عندما يكون ضروريا لإنقاذ حياة الأم من الخطر أو للحفاظ على توازنها الفيزيولوجي أو العقلي المهدد بخطر، ويتم الإجهاض في هيكل متخصص بعد فحص طبي يجرى بمعية طبيب اختصاصي.
وهكذا فإن قانون الصحة أرشد على مكان إجراء الإجهاض المرخص به وشروط إجرائه .
المبحث الثاني : جريمة قتل طفل حديث العهد بالولادة :
إن قتل طفل حديث العهد بالولادة من إحدى الجنايات التي تطورت في التقاليد كما في النصوص القانونية، إذ كان يقتل الأطفال الرضع كما يقتل العجزة من أجل تخفيف عدد الأشخاص الذين يشكلون أعباء للإعالة، ويضحى بالفتيات لأنها أكثر من الصبية عبئ على العائلة، ومن تم يأخذ الجرم طابعا دينيا كما في قرطاجة، أو اجتماعيا كما في أثينا وروما وبعد تطورات كثيرة أصبح قتل الطفل الرضيع فعلا جنائيا واعتبر كجريمة قتل .
انقسمت التشريعات الوضعية حول إعطاء طابع خاص لهذه الجريمة فبعضها لا تحتوي على أحكام خاصة بها وتطبق النصوص العادية الخاصة بالقتل العمد أما الأخرى فتعطي لقتل الطفل طابعا خاصا وهذا ما ذهب إليه المشرع الجزائري الذي سار على نجه المشرع الفرنسي وأعتبر الطفل حديث العهد بالولادة غير صالح لأن يكون محل لجريمة الفتل العمد بل إعدامه مشكل لجريمة قائمة بذاتها ، ونصت على هذه الجريمة المادة 259 من قانون العقوبات بقولها: قتل الأطفال هو إزهاق روح طفل حديث العهد بالوالدة وسنبين خصوصية هذه الجريمة من خلال الوقوف على أركانها والعقوبة المقررة لها.
المطلب الأول : أركان الجريمة: تتكون هذه الجريمة من ركن مادي ركن معنوي :
أولا: الركن المادي : لقيام هذا الركن يجب توفر ثلاث عناصر:
1- السلوك الإجرامي.
2- أن يكون القتل وقع من الأم
3- أن يكون المجني عليه طفل حديث العهد بالولادة.
1/ السلوك الإجرامي :
هو النشاط الذي يقوم به الفاعل لتحقيق النتيجة المعاقب عليها وقد يكون هذا النشاط إيجابي أو سلبي تترتب عليه وفاة الطفل و يأخذ مظهرين :
أ- مظهر إيجابي: يتمثل في فعل مادي يؤدي إلى الوفاة كالخنق، الإغراق أو استعمال أداة حادة.
ب- مظهر سلبي: يتمثل في اتخاذ موقف سلبي تجاه المولود من شأنه أن يؤدي إلى وفاته كالامتناع عن إرضاعه أو عدم ربط الحبل السري أو تعريضه للبرد إلا أن قتل طفل حديث العهد بالولادة بالامتناع يبقى محل نظر في التشريع الجزائري الذي أفرد تجريما خاصا لمثل هذه الأفعال بعنوان ترك الأطفال والعاجزين المؤدي إلى الوفاة مع توفر نية إحداثها وهو الفعل المنصوص و المعاقب عليه بالمادة 318 من قانون العقوبات في حين اعتبر القضاء أن هذا القتل قد يحصل بالامتناع إذ جاء في القرار الصادر بتاريخ 04 جانفي 1983 في ملف رقم 30100 أنه لا يشترط القانون لتطبيق المادة 259من قانون العقوبات أن يكون السلوك الإجرامي للأم فعلا إيجابيا وإنما يمكن أن يكون امتناعا كعدم ربط الحبل السري للوليد وعدم الاعتناء به والإمتناع عن إرضاعه.
2/ أن يكون القتل وقع من الأم :
يستوجب القانون لقيام الجريمة توافد عنصر الأمومة إذ يجب أن يكون القتل وقع من الأم وهذا ما قررته المادة 261 فقرة 2 من قانون العقوبات ولا يميز قانون العقوبات بين الولد الشرعي وغير الشرعي فالمرأة التي تقتل وليدها الناتج عن زواج شرعي تعاقب بنفس العقوبة التي تعاقب بها المرأة أو الفتاة التي تعتمد قتل وليدها الناتج من زنا أو علاقة جنسية غير شرعية في حين تشترط بعض التشريعات المقارنة أن يكون القتل قد وقع على وليد حملت به أمه سفاحا وان يكون القتل اتقاء العار لا غير كما ذهب إليه التشريع اللبناني.
ولا نطبق أحكام المادة 259 من قانون العقوبات على غير الأم مهما ربطته بها علاقة كالزوج، الأخ ، الأب، الأخت ،العم، الخال وذلك نتيجة للظروف النفسية والبيولوجية والإجتماعية التي تعيشها الأم عند وضعها للطفل خوفا من العار أو تحت تأثير أي دافع آخر.
وعليه يستوجب إظهار صفة الأمومة للجانية في الأسئلة المتعلقة بالإدانة.
3/ أن يكون الطفل حديث العهد بالولادة :
- لم يحدد المشرع المقصود بالطفل حديث العهد بالولادة وبذلك يدور التساؤل حول تحديد النطاق الزمني الذي يعتبر فيه الطفل حديث العهد بالولادة وتحديد اللحظة الزمنية التي ينتهي فيها عن المولود وصف الطفل حديث العهد بالولادة ويصبح الإعتداء عليه مشكل لجريمة قتل، باعتبار أن واقعة الميلاد هي الخط الفاصل بين الجنين الذي يعتبر قتله إجهاضا والإنسان الذي يعتبر إعدامه فتلا.
- في الإجابة على هذا السؤال يتفق الفقه على أن تحديد لحظة إنتهاء العهدة بالولادة متروك لقاضي الموضوع لتحديدها وتأسيسا على علة المشرع من وضع تجريم خاص لهذا الفعل وهي الحالة النفسية والبيولوجية والإجتماعية التي تعيشها الأم عند وضعها للطفل كما أشرنا سابقا، أم إذا انتهى انزعاج الأم واضطرابها و استعادت حالتها النفسية المعتادة سقط القتل الواقع على المولود تحت قبضة النصوص العادية المجرمة للقتل ، و قد قضي قي فرنسا أن هذه المهلة تنتهي بانقضاء أجل الثلاث أيام المقررة لإعلان الميلاد وهي خمسة أيام في قانون الحالة المدنية في الجزائر إذ بتسجيل المولود في سجلات الحالة المدنية تشيع ولادته ويستفيد عندئذ من الحماية القانونية ، وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض الفرنسية أن الطفل حديث العهد بالولادة هو الذي لم تصبح بعد ولادته شائعة أو معروفة .
- ولتحقق الجريمة يكفي أن يكون الطفل ولد حيا وليس من الضروري أن يكون قابلا للحياة إذا أن القانون الجنائي يحمي المولود خلال لحظات الحياة التي تمنح إليه ويكفي أن يكون الطفل قد عاش وعلى النيابة إثبات أن الطفل ولد حيا وقد تنفس خارج رحم أمه وعليه قضي أن ميلاد الطفل حديث العهد بالولادة حيا يعتبر عنصر لقيام جناية قتل طفل حديث العهد بالولادة من قبل أمه ، إذ جاء في القرار الجنائي الصادر بتاريخ 18 جانفي 1983 عن المجلس الأعلى أنه تتحقق جناية قتل طفل حديث العهد بالولادة من قبل أمه بتوافر العناصر التالية:
- أن يولد الطفل حيا.
- أن تقوم الجناية بفعل يؤدي حتما إلى وفاة المولود كعدم ربط حبله السري مثلا.
- أن تكون الجانية أم الطفل.
- القصد الجنائي.
كما جاء في القرار الصادر بتاريخ 21 أفريل 1987 ملف رقم 46163 أن عدم العثور على جثة الطفل المقتول لا ينفي حتما قيام الجريمة طالما محكمة الجنايات اقتنعت أن الطفل ولد حيا وان أمه هي التي أزهقت روحه عمدا.
ثانيا: الركن المعنوي :
تقتضي جريمة قتل طفل حديث العهد بالولادة توفر القصد الجنائي وهو نية الأم في إزهاق روح ابنها الحديث العهد بالولادة ولا يأخذ المشرع الجزائري بالدافع إلى ارتكاب الجريمة في حين تشترط بعض التشريعات المقارنة كالتشريع اللبناني أن يكون للأم القصد خاص وهو نية اتقاء العار ولا تتوفر هذه النية إذا كانت الأم قد جاهرت بحملها غير الشرعي.
المطلب الثاني : المتابعة والجزاء :
أولا- المتابعة :
لا تخضع المتابعة من أجل قتل طفل حديث العهد بالولادة لأي قيد وتقوم النيابة بتحريك الدعوى العمومية بمجرد أن يصل إلى علمها قيام الجريمة بعناصرها.
ثانيا- الجزاء :
نصت المادة 261 فقرة 2 من قانون العقوبات على أن تعاقب الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو شريكة في قتل ابنها حديث العهد بالولادة بالسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة على أن لا يطبق هذا النص على من ساهموا أو اشتركوا معها في ارتكاب الجريمة.وعليه فإن المشرع ميز بين حالتين :
1-إذا كانت الأم فاعلة أصلية في الجريمة أو شريكة في قتل ابنها حديث العهد بالولادة كانت العقوبة بالسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة.
2-إذا كان الغير فاعل أصليا أو شريكا في هذه الجريمة فإن العقوبة تكون بحسب نوع القتل(قتل عمد المادة 263/3 من قانون العقوبات أو قتل مع سبق الإصرار والترصد المادة 261 من قانون العقوبات) .
وعلة المشرع في تمييز عقوبة الأم عن عقوبة الغير يرجع لظروف شخصية خاصة بالأم وهي نفسها التي جعلته يتدخل بتجريم خاص لقتل طقل حديث العهد بالولادة والتي تمت الإشارة إليها سابقا، مما يجعل التخفيف المقرر للأم لا ينصرف إلى غيرها من فاعلين أصليين أو شركاء.