تحليل نص المادة 590 من القانون
المدني الجزائري عقد الوديعة أولا التحليل الشكلي لنص المادة 590 ق م
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 590 ق م
أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي
تنص المادة 590 قانون مدني :
{ الوديعة عقد يسلم بمقتضاه المودع شيئا منقولا إلى المودع لديه على أن يحافظ عليه لمدة وعلى أن يرده عينا.}
موقع النص القانوني :
يقع هذا النص ( المادة 590) في الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني، المعدل والمتمم .بالقانون 05-10 المؤرخ في 20 يونيو 2005.
و قد جاء في الكتاب الثاني منه الإلتزامات و العقود ، من الباب التاسع وعنوانه العقود الواردة علي العمل ، الفصل الثالث وعنوانه الوديعة.
البناء المطبعي :
المشرع قد حاول إجمال المعنى في نص المادة 590 من القانون المدني حيث جعلها تتألف من
فقرة واحدة .
تيبدأ من " الوديعة " وينتهي عند " يرده عينا " ،.
البناء اللغوي والنحوي :
استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت المادة 590 من القانون المدني محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع
عقد الوديعة و كمثال على ذلك نشير إلى :
" الوديعة " ، " عقد " ، " المودع لديه " وغيرها من المصطلحات التي تفيد موضوع عقد الوديعة.
البناء المنطقي :
نلاحظ نص المادة 590 ق م بدأت بعبارة
" الوديعة عقد "وهنا المشرع يوضح أن الوديعة عبارة عن عقد يتم حين يقوم شخص و يسمي المُودع تنطق برفع الميم بتسليم شيء منقول لشخص آخر يسمي المودع لديه علي ان يحتفظ بهذا المال المنقول و يحافظ عليه و يرجعه له عينا.
- نلاحظ أن المشرع في المادة 590 ق م اتبع أسلوبا
إخباريا .
ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 590 ق م يتضح أن المشرع قد بين أن عقد الوديعة هو عقد يلتزم به شخص أن يستلم شيء من شخص آخر على أن يتولى حفظ هذا الشيء وعلى ان يرده عينا ويسمى من سلم المال مودعا والذى يتسلمه مودعا لديه أو مستودعا ويسمى المال المودع وديعة ولا يشترط للوديعة ألفاظ خاصة لأنه لا يوجد في القانون ألفاظ محددة للتعبير عن العقود بما فيها أيضا عقد الوديعة.
تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 590 ق م يمكن طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
ماهو الاطار المفاهيمي لعقد الوديعة ؟ و ماهي أنواع الوديعة ؟
التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الأول : ماهية عقد الوديعة
المطلب الأول : تعريف عقد الوديعة
المطلب الثاني : خصائص عقد الوديعة
المطلب الثالث : تمييز عقد الوديعة عما يشتبه به من العقود الأخرى
المبحث الثاني : أركان عقد الوديعة
المطلب الأول : الرضا والأهلية المطلب الثاني : المحل والسبب
المبحث الثالث : آثار عقد الوديعة
المطلب الأول : التزامات المودع عنده
المطلب الثاني : التزامات المودع
المطلب الثالث : إنتهاء الوديعة
المبحث الرابع : أنواع الوديعة
المطلب الأول : الوديعة الناقصة أو الوديعة كقرض ( المادة 598 ق م )
المطلب الثاني : الوديعة في الفنادق والنزل ( المادة 599 ق م )
المطلب الثالث : الوديعة الاضطرارية
خاتمة
مقدمـــة :
للوديعة دور مهم في جميع المجتمعات قديمها وحديثها، بل إنها لا يمكن لأي مجتمع أن يستغني عنها في أي زمن، ولكن هذا القول لا ينفي اختلاف دور الوديعة في المجتمعات الحديثة عنه في المجتمعات القديمة، ففي هذه الأخيرة كانت الوديعة تستخدم لأغراض مختلفة، إذ كان الفرد يقوم بإيداع أمواله خشية من السرقة أو النهب ولاسيما في بعض الأزمنة التي كانت تسود فيها الحروب والاضطرابات الداخلي وانعدام الأمن، كما كان بعض الأفراد يعمد إلى إيداع أمواله لدى الغير، إن اضطر للسفر بحثا عن عمل أو اضطر إلى ترك بلده للالتحاق بالجيش في أوقات الغزوات والحملات العسكرية...
أما المجتمعات الحديثة فقد احتلت الوديعة مكانا في جميع البلدان، لكونها مرتبطة جوهريا بالأنشطة الاقتصادية وتدول السلع والأموال، فتودع في مصارف ومستودعات حتى يحين موعد تسليمها لأصحابها.
هناك الكثير من العقود التي قام المشرع بتسميتها باسم يختص به، وتسمى بالعقود المسماة وهي التي أعطاها المشرع اسم خاص به، ومن هذه العقود عقد الوديعة وهو من العقود الواردة على العمل والتي نظمها المشرع الجزائري في القانون المدني الجزائري من المادة 590 إلى المادة 601.
المبحث الأول: ماهية عقد الوديعة
المطلب الأول : تعريف عقد الوديعة :
أولا : تعريف الوديعة :
1- الوديعة لغة : ما استودع وأودع الشيء : صانه والوديعة واحدة الودائع ، وأودعته مالاً : دفعته إليه ليكون وديعة .
2- الوديعة اصطلاحاً : المال المدفوع إلى من يحفظه بلا عوض أو هي المال الذي يودع عند شخص لأجل الحفظ ويطلق التعريف على العين المودعة ذاتها وعلى العقد المنظم للإيداع .
ويعتبر عقد الوديعة من العقود الواردة على العمل ، ويسمى من سلم المال مودعا والذي يتسلمه مودعا عنده أو مستودعا ويسمى المال المودع وديعة .
الوديعة في الاصطلاح هي الشيء الموضوع عند الغير، فعند المالكية فالوديعة لها تعريفان احدهما: بمعنى المصدر وهو الإيداع، لأنه عبارة عن نقل مجرد حفظ الشيء المملوك الذي يصح نقله إلى الوديع بدون تصرف من هذا الأخير، ثانيهما: بمعنى الشيء المودَع فهي عبارة عن شيء مملوك ينقل مجرد حفظه إلى المودَع فالشيء المملوك هو المودع .
فالوديعة بمعنى الشيء المودع هي كل ما يترك عند الأمين لحفظه، والوديعة غير الأمانة هي اسم لكل شيء غير مضمون، فيشمل جميع الصور التي لا ضمان فيها كالعارية، أما الوديعة فهي اسم لخصوص ما يترك عند الأمين بالإيجاب والقبول، سواء كان القبول صريحا أو دلالة.
- ولا يشترط للوديعة ألفاظ خاصة ، لأنه لا يوجد في القانون ألفاظ خاصة للتعبير عن العقود.
3- الوديعة قانونا : حسب المادة 590 من القانون المدني الجزائري "الوديعة عقد يسلم بمقتضاه المودع شيئا منقولا إلى المودع لديه على أن يحافظ عليه لمدة و على أن يرده عينا ".
وبالتالي فالوديعة عقد رضائي يلتزم بمقتضاه شخص أن يتسلم شيئا، منقولا أو عقارا لحفظه ثم رده عينا، ويسمى من يسلم الشيء مودعا والذي يتسلمه مودعا عنده أو مودعا لديه أو وديعا ويسمى الشيء المودع وديعة، ويجب أن يكون حفظ الشيء ورده هما الغرض الأساسي للمتعاقدين إذ أن الالتزام بالحفظ والرد قد يوجد في عقود أخرى غير الوديعة دون أن يكون هو الغرض الأساسي من التعاقد، فالمستعير يلتزم بحفظ الشيء المعار والمستأجر يلتزم بحفظ العين المؤجرة والوكيل يلتزم بحفظ أموال الوكيل.
ثانيا : تعريف العقد
فالعقد لغة : هو جعل عقدة في الشيء يقال عقد البيع وعقّد اليمين " ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان " . وعقد الزهر أي تضامت أجزاؤه فصار ثمراً.
العقد اصطلاحاً: اتفاق بين طرفين يلتزم كل منهما بتنفيذ ما اتفقا عليه كعقد البيع ، وعرفه الدكتور مصطفى الزرقا بقوله " ارتباط إيجاب بقبول يظهر أثره في محله " .
المطلب الثاني : خصائص عقد الوديعة :
من التعريف السابق الذي ذكرته ، يتبين لنا بعض الخصائص المهمة لعقد الوديعة وهي كالآتي :
أ ـ عقد الوديعة هو عقد رضائي :
ينعقد بمجرد ارتباط الإيجاب بالقبول وتطابقهما. ولكن بعض التشريعات، كالتشريع الفرنسي يعدّ الوديعة عقداً عينياً لا يكفي توافر الرضا لانعقاده، وإنما يشترط إضافة إلى ذلك تسليم الشيء المودع للمودع عنده.
ب ـ عقد الوديعة هو من حيث المبدأ من عقود التبرع :
تعد الوديعة غير المأجورة من عقود التفضل، ولكن إذا اشترط فيها الأجر فتكون الوديعة عندئذٍ من عقود المعاوضة، وتسمى الوديعة المأجورة.
ج ـ عقد الوديعة هو من حيث المبدأ من العقود الملزمة لجانب واحد :
وهو المودع عنده. أما الوديعة المأجورة فهي من العقود الملزمة للجانبين. ويلتزم المودع عنده بحفظ الشيء المودع، ولا يقوم عقد الوديعة من دون هذا الالتزام.
د ـ يغلب الاعتبار الشخصي في عقد الوديعة :
ويترتب على ذلك أن الوديعة تنتهي بموت المودع عنده. ويمكن للمودع أن يطلب رد الشيء المودع قبل انقضاء الأجل شريطة أن لا يكون الأجل في مصلحة المودع عنده.
المطلب الثالث : تمييز عقد الوديعة عما يشتبه به من العقود الأخرى
يتميز عقد الوديعة عن عدة عقود مشابهة له، وهذا ما سنتطرق إليه من خلال هذا الفرع.
أولا : الوديعة والبيع
قد تشتبه الوديعة والبيع فيما يسمى بعقد المحاسبة، كأن يودع تاجر الجملة مجوهرات أو كتب أو بضائع عند تاجر التجزئة ليبيعها، على أن يرد ثمنها بسعر معين إذا باعها أو
يردها هي بذاتها إذا لم يتمكن من بيعها، فإذا بيعت جاز اعتبار العقد وكالة مأجورة، أو جاز اعتباره بيعا من تاجر الجملة إلى تاجر التجزئة بالسعر المعين وهو بيع معلق على شرط واقف هو أن يتمكن تاجر التجزئة من بيع البضاعة بالثمن الذي يحدده والفرق بين هذا الثمن والسعر المبين هو مكسب تاجر التجزئة، وتكييف العقد يتوقف غلى نية المتعاقدين، التي تكشف عنها ظروف الدعوى، أما إذا لم يقم تاجر التجزئة ببيع البضاعة وردها بعينها إلى صاحبها، جاز اعتبار العقد وديعة، وتكون وديعة معلقة على شرط فاسخ هو البيع .
غير أنه إذا اشترط في عقد البيع أن الملكية في المبيع تبقى للبائع حتى يجربه المشتري فإن وجود المبيع عند المشتري في فترة التجربة إنما يكون على سبيل الوديعة.
ثانيا : الوديعة والإيجار
تختلف الوديعة عن الإيجار في أن المودع عنده لا ينتفع بالعين المودعة أما المستأجر فينتفع بالعين المؤجرة ويدفع أجرة في مقابل هذا الانتفاع، وقد يقع لبس بين العقدين في أحوال أبرزها التعاقد مع مصرف على تخصيص خزانة لإيداع الأشياء الثمينة بها (** des coffres forts) ، وقد رجح أخيرا الرأي الذي يذهب إلى أن العقد ليس إيجارا وإنما هو وديعة، وهو من عقود الحفظ المهنية (contrat de garde) حيث يتخذ الشخص الوديعة المأجورة حرفة له، كالمصرف بالنسبة إلى الخزانة، وكصاحب الجراج العام بالنسبة إلى السيارات التي تودع عنده .
ثالثا : الوديعة وعارية الاستعمال
تتشابه الوديع وعارية الاستعمال في أن كلا من لمودع عنده والمستعير يتسلم شيئا للغير يحفظه عنده ويرده إليه عند نهاية العقد، إلا أنهما يختلفان في أن تسليم الشيء في العارية يكون بقصد منفعة للمستعير وهو استعمال الشيء، فالغرض الأساسي من العارية هو استعمال الشيء لا لحفظه كالوديعة.
رابعا : الوديعة والمقاولة
تشتبه الوديعة المأجورة بالمقاولة إذ المودع عنده يقوم بعمل لمصلحة الغير هو حفظ الشيء لقاء أجر معلوم فهو مأجور في عمله كالمقاول والعامل، ولكن المودع عنده ليس مضاربا ولا يبغى الكسب من وراء الأجر، إلا أن هناك من الودائع ما يقرب المقاولة إلى حد بعيد، كعقود الحفظ المهنية إذ يتخذ الشخص الوديعة المأجورة حرفة له فيكون في هذه الحالة مضاربا يبغى الكسب.
خامسا : الوديعة والوكالة
يغلب أن يقع في يد الوكيل أموال أو أشياء مملوكة للموكل، فإن هذه الأموال والأشياء الموجودة في يد الوكيل هي لتنفيذ الوكالة ولم يتسلمها لحفظها، ومن ثم لا تكون هناك وديعة مقترنة بالوكالة.
إلا أنه قد تقترن الوديعة بالوكالة، كما إذا أودع شخص مالاً عند آخر لحفظه، ووكله في الوقت ذاته بأن يدفع هذا المال بعد مدة معينة لدائن له يستوفي منه حقه.
المبحث الثاني : أركان عقد الوديعة
المطلب الأول : الرضا والأهلية:
أـ الرضا: الوديعة هي عقد رضائي يكفي لانعقاده توافق الإيجاب والقبول. وتطبق هنا القواعد العامة لنظرية العقد. والمودع هو من حيث المبدأ مالك الشيء المودع. ويجوز
أن يكون نائباً عن المالك، كالوكيل والوصي. وكذلك يجوز لمن له حق الانتفاع بالشيء أن يودعه عند غيره حتى لو لم يكن مالكاً له، كالمستعير والمستأجر.
بـ الأهلية: الإيداع بالنسبة للمودع هو عمل من أعمال الإدارة، وبالتالي لا تشترط فيه أهلية التصرف حتى لو كانت الوديعة مأجورة. ويترتب على ذلك أن القاصر المأذون له في إدارة أمواله يكون أهلاً لإبرام عقد الوديعة، وبالتالي لا يشترط في المودع أن يكون بالغاً راشداً وتتوافر لديه أهلية التصرف.
في حين أن المودع عنده يجب أن تتوافر فيه أهلية التصرف، وبالتالي يكون راشداً، وذلك لأنه يلتزم بموجب العقد بحفظ الشيء المودع وبرده، وقد ينجم عن ذلك الالتزام مسؤوليات شديدة.
المطلب الثاني : المحل والسبب :
أـ المحل: وهو الشيء المودع، وفي الوديعة المأجورة يكون الأجر محلاً آخر لعقد الوديعة. ويشترط في الشيء المودع أن يكون موجوداً، ومعيناً أو قابلاً للتعيين، ولا يخالف النظام العام والآداب فلا يجوز مثلاً إيداع الأشياء المهربة أو المخدرات. ويمكن أن يكون الشيء المودع منقولاً أو عقاراً، ولكن ترد الوديعة غالباً على الأشياء المنقولة.
بـ السبب : وهو في عقد الوديعة ـ طبقاً للنظرية الحديثة في السبب ـ الباعث الدافع إلى التعاقد، فإذا كان الباعث الدافع غير مشروع تكون الوديعة باطلة، كأن يخفي المودع عند المودع عنده أشياء مسروقة.
المبحث الثالث : آثار عقد الوديعة
إذا كانت الوديعة غير مأجورة فلا تنشأ التزامات إلا على المودع عنده، أما إذا كانت مأجورة فتنشأ عندئذٍ التزامات متبادلة على عاتق الطرفين.
المطلب الأول : التزامات المودع عنده:
يلتزم المودع عنده بموجب عقد الوديعة بـ:
أ ـ تسلم الشيء المودع :
والتسلم هنا التزام وليس ركناً للعقد. ويكون التسلم باستيلاء المودع عنده على الشيء استيلاءً مادياً. ويمكن أن يكون التسلم حكمياً، وذلك إذا كان الشيء المودع بين يدي المودع عنده قبل انعقاد الوديعة بسبب مشروع كالإيجار أو الرهن الحيازي. وإذا رفض المودع عنده تسلم الشيء المودع فيمكن إجباره على ذلك عن طريق التنفيذ العيني للالتزام. ولكن قد يضر ذلك بمصلحة المودع الذي تزعزعت ثقته بالمودع عنده، وبالتالي يمكن له أن يطالب المودع عنده بالتعويض عن الضرر الذي أصابه نتيجة رفضه تسلم الشيء المودع.
أما إذا كانت الوديعة مأجورة، أو تعذر على المودع عنده في الوديعة غير المأجورة حفظ الوديعة لأسباب مشروعة جاز له إذا لم يكن قد تسلم الشيء المودع أن يتحلل من الالتزام بتسلم الشيء المودع.
ب ـ حفظ الشيء المودع :
وهو الالتزام الأساسي المترتب على عقد الوديعة، والالتزام بحفظ الشيء هو التزام ببذل عناية وليس بتحقيق غاية، والعناية هي عناية الرجل المعتاد إذا كانت الوديعة بأجر، أما إذا كانت الوديعة غير مأجورة فيجب على المودع عنده أن يبذل من العناية في حفظ الشيء المودع ما يبذله في حفظ ماله إذا كانت هذه العناية أقل من عناية الرجل المعتاد، أما إذا كانت عنايته أكثر من عناية الرجل المعتاد فلا يطلب منه سوى عناية الرجل المعتاد.
ويترتب على ذلك أنه إذا هلك الشيء المودع بين يدي المودع عنده بسبب أجنبي فتبعة الهلاك تقع على المودع. ولا يكون المودع عنده مسؤولاً عن هلاك الشيء المودع إلا إذا كان ذلك نتيجة تقصير منه.
ولا يجوز للمودع عنده استعمال الشيء المودع من دون أذن صريح أو ضمني من المودع بذلك. كما لا يجوز له أن يحل غيره محله في حفظ الشيء المودع من دون إذن صريح من المودع، باستثناء ما إذا كان مضطراً إلى ذلك بسبب ضرورة عاجلة.
ج ـ رد الشيء المودع :
يلتزم المودع عنده أن يسلم الشيء المودع بمجرد طلبه. ولكن إذا كان الأجل قد عين في العقد لمصلحة المودع عنده فلا يلتزم هذا الأخير بتسليم الشيء المودع إلى المودع إلا عند انقضاء الأجل. ويلتزم المودع عنده برد الشيء عيناً أي ذات الشيء المودع، وإذا تعذر على المودع عنده رد الشيء عيناً، وكان قد حل محله مقابل له فعليه أن يرد هذا المقابل للمودع، ومثل ذلك أن تستملك الإدارة الشيء المودع للمنفعة العامة ويتقاضى المودع عنده بدل الاستملاك، فعليه أن يرد هذا البدل للمودع.
ويلتزم المودع عنده برد ثمار الشيء المودع أيضاً، كأرباح السندات ومحصول الأرض… ويكون الرد للمودع نفسه أو لورثته بعد وفاته.
ويمكن للمودع عنده أن يمتنع عن رد الوديعة حتى بعد انقضاء الأجل إذا كان الامتناع مستنداً إلى سبب مشروع، وذلك تطبيقاً لقاعدة الحق في الحبس، وكذلك لقاعدة الدفع بعدم التنفيذ. أما إذا امتنع المودع عنده عن رد الوديعة من دون سبب مشروع فيحق للمودع أن يستردها بموجب دعوى قضائية، وهي دعوى شخصية يطلب فيها المودع استرداد الوديعة وملحقاتها وثمارها. وإذا تعذر على المودع استرداد الوديعة عيناً يحق له الرجوع على المودع عنده بالتعويض. وقد يترتب على امتناع المودع عنده عن رد الوديعة مسؤولية جزائية.
المطلب الثاني : التزامات المودع :
يلتزم المودع بموجب عقد الوديعة بما يأتي :
أ ـ دفع الأجر :
وذلك عندما تكون الوديعة مأجورة. والأصل في الوديعة أن تكون غير مأجورة، وبالتالي إذا لم يتفق في العقد على أجر فلا يستحق المودع عنده أجراً عن عمله.
ب ـ رد المصروفات:
إذا أنفق المودع عنده مصروفات في سبيـل حفظ الشيء فيجب على المودع أن يرد له هذه المصروفات، أما المصروفات النافعة والمصروفات الكمالية تنطبق بشأنها القواعد العامة، ولا ينشأ الالتزام بردها من عقد الوديعة، وإنما من فعل الاتفاق. وعندما ينفق المودع عنده مصروفات لحفظ الشيء المودع ينقلب عقد الوديعة غير المأجورة من عقد ملزم لجانب واحد إلى عقد ملزم لجانبين.
يلتزم المودع بتعويض المودع عنده عن كل ما لحق به من خسارة بسبب الوديعة.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرِّع كرَّس أحكاماً خاصة لبعض أنواع الوديعة، مثل الوديعة الناقصة والوديعة الاضطرارية والوديعة في الفنادق.
المطلب الثالث : إنتهاء الوديعة :
تنتهي الوديعة بأحد الأسباب التالية:
1ـ انقضاء الأجل المحدد :
كأن يتفق المتعاقدان على أجل للوديعة صراحة أو ضمناً، فتنتهي الوديعة بانقضاء هذا الأجل. وإذا لم يتفق الطرفان على أجل، يعين القاضي أجلاً تنتهي فيه الوديعة.
2ـ رجوع أحد المتعاقدين في الوديعة قبل انقضاء الأجل :
الأصل أن الأجل في الوديعة معين لمصلحة المودِع، فيجوز له أن ينزل عن حقه، وأن يطلب رد الوديعة قبل حلول الأجل. ولكن لا يجوز في هذه الحالة أن يرجع الوديع في الوديعة بإرادته المنفردة، والذي يجوز له الرجوع هو المودِع وحده.
ويجوز للوديع أن يرجع في الوديعة بإرادته المنفردة في الحالتين التاليتين:
الحالة الأولى : إذا كان مأذوناً له في اسـتعمال الوديعة، أو كان الأجل بوجه عام معيناً في مصلحة الوديع، ففي هذه الحالة يجوز للوديع وحده، دون المودِع، أن يرجع في الوديعة بإرادته المنفردة. ويشترط ألا يستعمل الوديع هذا الحق في وقت غير ملائم للمودِع.
الحالة الثانية : إذا كانت الوديعة في مصلحة المودِع، ولكن طرأت على الوديع أسباب مشروعة يتعذر عليه معها أن يستمر حافظاً للوديعة، بشرط أن تكون الوديعة بلا أجر، إذ يكون المودِع في هذه الحالة متبرعاً ولا يصح أن يضار بتبرعه. وفي هذه الحالة يجوز للوديع أن يرجع في الوديعة بإرادته المنفردة بمجرد طروء هذه الأسباب المشروعة، كما يجوز للمودِع أن يرجع بإرادته المنفردة في أي وقت، لأن الأجل في مصلحته هو.
3ـ موت الوديع :
لكون الوديعة يلحظ فيها الاعتبار الشخصي، ولأنها تقوم على الثقة في شخص الوديع، إذ يكون محل ثقة المودِع، فإن العقد ينحل بموت الوديع، إلا إذا اتفق على غير ذلك. وبانحلال العقد تنتقل الالتزامات التي ترتبت على الوديع حتى وقت انحلال العقد إلى تركة الوديع بما فيها الالتزام برد الوديعة، وهذا في حال كانت الوديعة لمصلحة الوديع.
وإذا مات المودِع وكانت الوديعة في مصلحة الوديع، فالوديعة لا تنتهي بموته، بل يبقى الوديع حافظاً للوديعة إلى أن ينقضي أجلها لأنها في مصلحته. ولكن يجوز له الرجوع بإرادته المنفردة ما دامت لمصلحته. أما إذا مات المودِع والوديعة في مصلحته جاز لورثته الرجوع عن الوديعة في أي وقت لا لموته، بل لأن المودِع له حق الرجوع في أي وقت لو كان حياً، ما دامت في مصلحته فينتقل هذا الحق إلى ورثته.
المبحث الرابع : أنواع الوديعة :
المطلب الأول : الوديعة الناقصة أو الوديعة كقرض ( المادة 598 ق م ) :
يطلق عليها فقهاء القانون اسم الوديعة الناقصة ، وهي التي يودع فيها شخص عند آخر مبلغا نقديا أو أي شيء يستهلك ويبيح له في ذات الوقت استعماله، ومفاد ذلك أنه إذا كان محل الوديعة مبلغاً من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال، وأذن المودِع للوديع باستعمال هذا الشيء، فلا مناص من أن يستهلك الوديع الشيء بالاستعمال، ومن ثم لا يستطيع أن يرد الشيء بعينه كما هو الأمر في الوديعة، ويتعين أن يرد مثل الشيء كما هو الأمر في القرض .
وأكثر ما ترد الوديعة الناقصة على ودائع النقود في المصارف، إذ تنتقل ملكية النقود إلى المصرف ويرد مثلها، بل يدفع في بعـض الأحيان فائدة عنها، فيكون العقد في هذه الحالة قرضاً أو حساباً جارياً.
وترد الوديعة الناقصة كذلك على الأسهم والسندات التي تودع في المصارف، وتنتقل ملكيتها إلى المصرف على أن يرد مثلها. وقد ترد الوديعة الناقصة على أشياء أخرى مما يهلك بالاستعمال، كالقطن والحبوب.
وقد اختلف الفقهاء في فرنسا في تكييف الوديعة الناقصة، فكان الرأي الغالب أنه لا بد من الرجوع إلى نية المتعاقدين ليتبين قصد صاحب النقود، فإذا كان قصده التخلص من عناء حفظها بإيداعها عند آخر فالعقد وديعة. أما إذا كان قصد الطرفين منفعة في تسلم النقود عن طريق استعمالها لمصلحته فالعقد قرض. ويكون العقد قرضاً بوجه خاص إذا كان من تسلَّم النقود مصرفاً.
ويرى العلامة الدكتور عبد الرزاق السنهوري أنه لا جدوى من تمييز بين الوديعة الناقصة، كما ذهب إلى ذلك بعض الفقهاء، ذلك لأن المودِع في الوديعة الناقصة ينقل ملكية الشيء المودَع إلى الوديع ويصبح هذا مديناً برد مثله، ومن ثم تفقد الوديعة الناقصة أهم ما يميز الوديعة وهو رد الشيء بعينه، وتختلط اختلاطاً تاماً بالقرض.
المطلب الثاني : الوديعة في الفنادق والنزل ( المادة 599 ق م )
يستفاد من ذلك أن أصحاب الفنادق والنزل وما ماثلها معرضون للمسؤولية عن الودائع التي يأتي بها النزلاء إلى الفندق. وتظهر جسامة هذه المسؤولية في ناحيتين: الأولى وهي التوسع في معنى الوديعة، لأن أي شيء يأتي به النزيل معه إلى الفندق يعد مودعَاً عند صاحب الفندق ولو لم يسلمه إليه بالذات. أما الحالة الثانية وهي التوسع في المسؤولية، لأن الوديعة في الفندق تكون في حكم الوديعة الاضطرارية. فتســري عليها أحكام هذه الوديعة من حيث أن وديعة الفندق مأجـورة، والأجر يدخل ضمن ما يدفعه النزيل لصاحب الفندق عن إقامته. وكذلك يقع على النزيل إثبات واقعة الإيداع وماهية الأشياء المودعة ومقدارها وقيمتها، وأنها تلفت أو ضاعت أو سرقت في أثناء الإيداع، بجميع طرق الإثبات ومنها البينة الشخصية والقرائن. أما عبء إثبات نفي المسؤولية فيقع على عاتق صاحب الفندق.
ويكون الإيداع عادة لا بتسليم الأشياء للمودَع لديه، بل بوضعها في الغرفة التي يأوي إليها النزيل أو في أي مكان آخر يخصص لذلك. وقد يتم الإيداع قبل ذلك، كما إذا تلقى مندوب الفندق المسافر في المحطة وأخذ حقائبه لإيصالها إلى الفندق، فمن هذا الوقت تبدأ مسؤولية صاحب الفندق. وقد يأتي النزيل بعد أن يقيم في الفندق، بأمتعة أخرى يضيفها إلى الأمتعة الموجودة، أو على العكس من ذلك يرسل بأمتعة إلى الفندق تسبقه قبل قدومه، فتشمل مسؤولية صاحب الفندق هذه الأمتعة جميعاً. ولكن يجب أن تدخل الأمتعة الفندق برضاء صاحب الفندق أو أحد أتباعه، أو على أقل تقدير من دون معارضة منه. أما الأمتعـة التي تركها النزيل في الفندق بعد مغادرته إياه أمانة عند صاحب الفندق، حتى لو عاد النزيل بعد ذلك إلى الفندق، فهذه لا يكون صاحب الفندق مسؤولاً عنها إلا طبقاً للقواعد العامة.
وإذا كان من المتوجب على المودِع في حفظ الأشياء المودعة أن يبذل عناية الشخص المعتاد، فإن مسؤولية صاحب الفندق ومن ماثله أشد من ذلك، لأنه مسؤول عن حفظ الأشياء التي يأتي بها المسافرون والنزلاء، ومراقبة أتباعه من خدم وموظفين، وكذلك مراقبة المترددين على الفندق .
المطلب الثالث : الوديعة الاضطرارية :
هي الوديعة التي يجد المودِع نفسه في أحوال مخصوصة مضطراً إلى الإيداع عند الشخص الذي وجد أمامه، فلا هو مختار في تعيين هذا الشخص ولا هو مختار في واقعة الإيداع ذاتها. فقد يدهمه حادث، كحريق أو نهب أو غرق أو شن غارة أو لصوص يقطعون الطريق، فيرى نفسه مضطراً حتى ينقذ ماله أن يودعه عند أول شخص يستطيع أن يودعه عنده.
ويشترط فيها تفادي هلاك الشيء من خطر محقق أو من ضرر جسيم، أي أن يكون المودِع في حالة الاضطرار، جعلته يلجأ اضطراراً إلى الوديعة وليس أمامه خيار باتخاذ طريقة أخرى، لأنها تضعه أمام ضرر كبير. وأن يكون المودِع قد التجأ إلى هذه الوديعة نتيجة حادث، أي بسبب وقوع حادث غير متوقع.
ولا يصل هذا الاضطرار إلى حد الإكراه الذي يصيب الإرادة، ومن ثم تكون الوديعة الاضطرارية عقداً صحيحاً يتكون من إرادتين صحيحتين، إرادة المودع وإرادة الوديع، ولا يجوز إبطاله للإكراه، ولكنه يخضع لقواعد خاصة تترتب على واقعة الاضطرار التي لم تصل إلى حد الإكراه وهي:
أ ـ اعتبار حالة الوديعة الاضطرارية استثناء من قاعدة الإثبات بالكتابة، وذلك لوجود المانع من الحصول على الكتابة وقت الإيداع. فيجوز فيها الإثبات بجميع طرق الإثبات بما في ذلك البينة الشخصية والقرائن، ويكون هذا الإثبات لواقعة الإيداع ولماهية الشـيء المودَع وقيمته. ومتى ثبت حصول الوديعة الاضطرارية بأي طريق من طرق الإثبات، تتبع القواعد العامة المتعلقة برد الوديعة.
ب ـ خلافاً للوديعة الاختيارية فإن الأصل في الوديعة الاضطرارية هي استحقاق المودَع عنده للأجر، فهذه هي نية المتعاقدين المفترضة، ما لم يقض الاتفاق أو العرف بأن لا تكون مأجورة.
ج ـ العناية الواجبة على الوديع في الوديعة الاضطرارية هي عناية الشخص المعتاد، ولو كانت الوديعة بغير أجر، فيزيد مقدار العناية المطلوبة من المودَع عنده في الوديعة الاضطرارية عنه في الوديعة الاختيارية، نظراً للظروف الاضطرارية التي تمت بها الوديعة.
د ـ في الوديعة الاضطرارية لا يجوز الاتفاق على إعفاء الوديع من المسؤولية أو التخفيف منها، لأن كل اتفاق من هذا النوع مشوب بالإكراه من جانب الوديع.
خاتمة
هنالك الكثير من العقود التي قام المشرع بتسميتها باسم يختص به، وتسمى بالعقود المسماة وهي التي أعطاها المشرع اسم خاصا به، ومن هذه العقود عقد الوديعة وهو من العقود التي يصعب تحديد الطبيعة القانونية لها ، الوديعة هي كل ما يودع أي يترك من مال وغيره لدى من يحفظه ليرده إلى مودعه متى طليه، وتعتبر الوديعة من فئة الأمانات، فعقد الوديعة لا يوجد فيه نقل ملكية الشيء، المودع إلى المودع لديه، ذلك أن المودع يبقى مالكا للشيء الذي أودعه، كما أنه يسترد فيما بعد بذاته.
عقد الوديعة هو عقد يلتزم به شخص أن يستلم شيء من شخص آخر على أن يتولى حفظ هذا الشيء وعلى ان يرده عينا يعتبر عقد الوديعة من العقود الواردة على العمل ويسمى من سلم المال مودعا والذى يتسلمه مودعا عنده أو مستودعا ويسمى المال المودع وديعة ولا يشترط للوديعة ألفاظ خاصة لأنه لا يوجد في القانون ألفاظ محددة للتعبير عن العقود بما فيها أيضا عقد الوديعة
و أركان عقد الوديعة كسائر العقود هي الرضا والأهلية و المحل والسبب بالنسبة للرضا فإن الوديعة هي عقد رضائي يكفي لانعقاده توافق الإيجاب والقبول. وتطبق هنا القواعد العامة للنظرية العقد والمودع هو من حيث المبدأ مالك الشيء المودع .
أما أهلية الإيداع بالنسبة للمودع هو عمل من أعمال الإدارة، وبالتالي لا تشترط فيه أهلية التصرف إن القاصر المأذون له في إدارة أمواله يكون أهلا لإبرام عقد الوديعة، وبالتالي لا يشترط في المودع أن يكون بالغا راشدا وتتوافر لديه أهلية التصرف في حين أن المودع عنده يجب أن تتوافر فيه أهلية التصرف، وبالتالي يكون راشدا، وذلك لأنه يلتزم بموجب العقد بحفظ الشيء المودع وبرده وقد ينجم عن ذلك الالتزام مسؤوليات شديدة.
المحل وهو الشيء المودع، وفي الوديعة المأجورة يكون الأجر محلا آخر لعقد الوديعة ويشترط في الشيء المودع أن يكون موجودا، ومعينا أو قابلا للتعيين و لا يخالف النظام العام والآداب فلا يجوز مثلا إيداع الأشياء المهربة أو المخدرات. ويمكن أن يكون الشيء المودع منقولا أو عقارا ولكن ترد الوديعة غالبا على الأشياء المنقولة.
السبب في عقد الوديعة طبقا للنظرية الحديثة هو الباعث و الدافع إلى التعاقد فإذا كان الباعث و الدافع غير مشروع تكون الوديعة باطلة كأن يخفي المودع عند المودع عنده أشياء مسروقة.
المراجـع :
1- القوانين :
الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني المعدل و المتمم.
2- الكتب :
- د/ علي فيلالي ،" الالتزامات الفعل المستحق للتعويض"، الطبعة الثانية، موفر للنشر، الجزائر، 2007.
- د/ عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، المجلد السابع (القسم الأول) دار النهضة العربية، القاهرة .
- د/ خليل أحمد حسن قدادة : الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري: عقد البيع ديوان المطبوعات الجامعية, 2003
- د/ محمد شريف أحمد ، مصادر الالتزام في القانون المدني – دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي، دار الثقافة للنشر و التوزيع لبنان،1999.