بحث شركة المحاصة في القانون الجزائري
المبحث الأول الأحكام العامة لشركة المحاصة في التشريع الجزائري
المطلب الأول الإطار المفاهيمي لشركة المحاصة
المطلب الثاني : الطابع الاستثنائي لخصائص شركة المحاصة
المبحث الثاني : أسباب تبتي المشرع الجزائري لشركة المحاصة
المطلب الأول : الأسباب التاريخية
المطلب الثاني : الأسباب الاقتصادية
خاتمة
د عبد الرحيم صباح
مقدمة :
فكرة الشركة قديمة قدم البشرية، وهذا مستخلص من فكرة أن الإنسان كائن اجتماعي قبلي، لا يستطيع العيش لوحده، ولا يمكنه تلبية احتياجاته ولا اكتفاءه الذاتي إلا بوجوده ضمن مجموعة شركاء اجتماعيين أو تجاريين، يلبون حاجات بعضهم البعض.
ولذلك أقول بأنه لا ينفرد التجار الطبيعيون بالأعمال التجارية حصرا، بل يمتد الاختصاص كذلك إلى جماعات معنوية تسمى الشركات، وهي فئات منظمة بتشريع خاص، تقوم على فكرة جمع الأموال بين الشركاء لإنجاز شروع تجاري، مع تحمل الخسائر الناتجة عن هذا العمل واقتسام الأرباح، إذن فكرة التعاون على استثمار الأموال هي الأساس في ذلك.
ومع تطور وازدهار الحياة البشرية، ظهرت مجموعة من العقود في مجالات الاستثمار التجاري، لا يمكن للتاجر الطبيعي تحمل أعبائها لوحده، ولذلك فإن الشركات التجارية هي الحل الأمثل لذلك، ومنه تبنى المشرع الجزائري وكغيره من التشريعات فكرتها، ونظمها بنصوص خاصة في القانون التجاري، وحدد صورها في نص المادة 544 وهي: «تعد شركات التضامن وشركات التوصية والشركات ذات المسؤولية المحدودة وشركات المساهمة، تجارية بحكم شكلها ومهما يكن موضوعيا».
والمتمعن في هذا النص يجد أنه خال تماما من مصطلح شركة المحاصة، ولم يذكره ضمن بقية الصور، ولكنه موجود في الفصل الرابع مكرر من القانون التجاري، والمستخلص من ذلك أن المشرع الجزائري أضاف هذا النوع من الشركات الذي لم يكن موجودا ضمن بقية الصور أصلا، في القانون رقم 75/ 59 ، واستحدثت بموجب المرسوم التشريعي رقم 93-208، الذي كان من شأنه تعديل وتنظيم الكثير من أحكام القانون التجاري، وخاصة موضوع الشركات التجارية.
المبحث الأول : الأحكام العامة لشركة المحاصة في التشريع الجزائري
المطلب الأول : الإطار المفاهيمي لشركة المحاصة
نصت المادة 795 مكررا من القانون التجاري على أنه: «يجوز تأسيس شركات محاصة بين شخصين طبيعيين أو أكثر، تتولى انجاز عمليات تجارية.
المشرع الجزائري وكعادته لا يقدم في الكثير من الأحيان تعاريف أو مفاهيم، بل الأمر متروك كالعادة للفقهاء، والمتمعن في صياغة هذا النص يستخلص، أنه مفهوم عام وسطي في تعريفه لشركة المحاصة، بما أن كل الشركات التجارية هي عقد بين شخصين طبيعيين أو أكثر، هدفه انجاز مشروع تجاري، ومنه لم يأتي المشرع بجديد في هذا الإطار.
وأما بقية المواد مثل المادة 795 مكرر 2 و3، فقد حددت خصائص وشروط تكوين شركة محاصة، وهي بعيدة كل البعد عن مفهومها، ولذلك أقول أن المشرع لم يوفق في وضع مفهوم لشركة المحاصة في المادة 795 مكررا، واكتفى بالإطار العام لها.
ولذلك عرف العديد من الفقهاء ودارسي القانون، شركة المحاصة بأنها شركة تجارية مستترة لها طبيعة خاصة، إذ يقتصر وجودها على الشركاء فقط، ولا وجود لها بالنسبة للغير ".
وهناك من قدم تعريفا لشركة المحاصة انطلاقا من خصائصها، بأنها شركة مستترة تنعقد بين شخصين أو أكثر يقدم كل منهما حصة من المال أو عمل للقيام بعمل واحد أو سلسة من الأعمال دون أن تكتسب هذه الشركة الشخصية المعنوية أو تخضع لإجراءات الشهر وذلك للاقتسام ما ينشأ عن هذه الشركة من أرباح وخسائر.
وفي تعريف آخر، شركات المحاصة تنصرف إلى نوع معين من شركات الأشخاص له خصائص متفردة حيث تكون الشركة مستترة ليس لها وجود واقعي ملموس، وإن كان لها وجود حقيقي بين الشركاء فيها ويقوم بإدارتها ومباشرة أعمالها شريك واحد غالبا ما يبرم التصرفات باسمه وتحت مسؤوليته، ويبدو أمام الغير وكأنه يتعامل لحسابه الخاص ثم يتم بعد ذلك اقتسام ناتج النشاط بين الشركاء المحاصين كل بقدر ما ساهم به من حصة في رأس المال أو وفقا لإتفاق الشركاء بحسب الأحوال .
من كل هذه التعاريف المتعددة يمكن استخلاص مفهوم لشركة المحاصة لا يختلف عليه إثنان، وهو أنها شركة ذات طابع خاص، لأنها تقوم باتفاق بين شخصين طبيعيين أو أكثر على إنشاء شركة، ميزتها الأساسية أن هذا الاتفاق مستتر ولا يخرج للعلن، مهامها انجاز مشروع تجاري.
المطلب الثاني : الطابع الاستثنائي لخصائص شركة المحاصة :
إن شركة المحاصة تقوم على عقد بين شريكين أو أكثر، ولكنها لا تكون شخصا معنويا بالمعنى القانوني للمصطلح، ولذلك سنقوم باستخلاص أهم مميزات شركة المحاصة انطلاقا من المفاهيم والتعاريف الي تعرضت لها، والي تشكل طابعا مميزا واستثنائيا عن باقي الشركات التجارية وهي كالتالي:
أولا: الاعتبار الشخصي لشركة المحاصة
تنتمي شركة المحاصة إلى شركات الأشخاص، ما يعني أخها قائمة على الثقة المتبادلة بين الشركاء، ويترتب على ذلك عدم جواز انتقال حصة الشريك لآخر إلا بموافقة جميع الشركاء، وهي خاصية مميزة لشركات الأشخاص.
تنص المادة 560 من القانون التجاري على أنه: «لا يجوز أن تكون حصص الشركاء ممثلة في سندات قابلة للتداول ولا يمكن إحالتها إلا برضاء جميع الشركاء، و يعتبركل شرط مخالف لذلك، وكأنه لم يكن».
فالمبدأ الذي جاءت به هذه المادة هو عدم جواز انتقال حصة شركاء شركة الأشخاص إلا برضاهم جميعا، كما أنه لا يجوز لها اصدار أسهم أو سندات قابلة للتداول، وقياسا على ذلك فإنه من أهم خصائص شركة المحاصة أن حصصها غير قابلة للتنازل، إلا بشرط رضى جميع الشركاء بذلك، وكما أن حصصها ليست بسندات قابلة للتداول وهوما جاء في نص المادة 795 مكرر5 من القانون التجاري.
وكما أن الشريك لا يكتسب صفة التاجر، لأنه وببساطة الشركة لا شخصية معنوية لها كما أن الغير لا يعلم بوجودها أصلا، ومنه الشريك يكون تاجرا في الأعمال التجارية الشخصية والي يقوم مها مع الغير باسمه.
ثانيا: شركة مستترة لا تتمتع بالشخصية المعنوية
نصت المادة 795 مكرر:« لا تكون شركة المحاصة إلا في العلاقات الموجودة بين الشركاء، ولا تكشف للغير في لا تتمتع بالشخصية المعنوية ولا تخضع للإشهار، ويمكن إثباتا بكل الوسائل».
الباحث في أصول القانون التجاري، يدرك تماما أن أهم حق تتمتع به الشركات هي اكتسابا للشخصية المعنوية بمجرد قيدها في السجل التجاري"، واستثناء تنفرد به شركة المحاصة هو أنها لا تكتسب الشخصية المعنوية، لأنها لا تقيد أصلا في السجل التجاري.
ولأن هذا النوع من الشركات يبقى مستترا بين الشركاء، ولا يخرج الاتفاق إلى العلن، وكما لا يعلم الغير بوجودها أصلا، وبالتالي لا يتولد لدينا شخص مستقل عن الشركاء، حتى ولو علم الغير بوجودها، فأثر هذا النوع من الشركات نسي، يبقى بين المكونين لها فقط دون الغير.
مع أن الاستتار المقصود هنا هو الاستتار القانوني لأن الشركة تنشأ في سرية بين شركائها ، ولذلك فإن هذا النوع من الشركات وإن توفرت الشروط الموضوعية العامة والخاصة، إلا أنه لا يلزم توافر أية أركان شكلية، فعقدها لا يلزم أن يأتي في صورة كتابية وإنما يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات وفقا لمبدأ حرية الإثبات في المسائل التجارية".
وبالتالي الشركة معفية من شر ط الكتابة الرسمية وإجراءات القيد والنشر والإشهار، بنص صريح في المادة 795 مكرر2/ف2، حيث أن هذه الفقرة أعفت شركة المحاصة من أن تطبق عليها أحكام الفصل التمهيدي وأحكام الباب الأول من القانون التجاري، والتي تتعرض أصلا للأحكام العامة للشركات التجارية والمتعلقة بالكتابة وإجراءات القيد في السجل التجاري.
وأضن أن الغرض من ذلك، هو أن يبقى لهذه الشركة الأثر النسي بين أطراف العقد، دون أن يتعداه إلى الغير، مادام العقد أصلا هو اتفاق مستتر بين أطرافه، ومنه فإن المسؤولية اتجاه الغير محدودة يتحملها المتعاقد بنفسه، دون أن يشرك بقية الأطراف معه.
ومن أهم نتائج هذه الخاصية كذلك، هو عدم امتلاك هذه الشركة لأثار الشخصية المعنوية، وهي الجنسية، الموطن، الذمة المالية المستقلة، وليس لها عنوان يوقعون الشركاء به أما إذا ظهرت الشركة للعلن واتخذت لها عنوانا توقع به في معاملاتها فإن هذا الكيان التجاري يتحول إلى شركة تضامن.
وكما أن الشريك لا يكتسب صفة التاجر، لأن الشركة لا شخصية معنوية لها، كما أن الغير لا يعلم بوجودها أصلا، ومنه الشريك يكون تاجرا في الأعمال التجارية الشخصية والتي يقوم مها مع الغير باسمه.
ثالثا: خضوع حصص الشركاء لمبدأ سلطان الإرادة
نصت المادة 795 مكرر3 على أنه: «يتفق الشركاء بكل حرية على موضوع الفائدة أو شكلها أو نسبتها وعلى شروط شركة المحاصة»، وهذا ما يعني اتفاق الشركاء في كل ما يتعلق بالحصص واكتساب الخسارة والأرباح، فقد جعل المشرع ذلك خاضعا لمبدأ سلطان الإرادة.
والأركان الموضوعية الخاصة بعقد الشركة، هي أن يقدم كل شريك حصة في الشركة تدخل ذمتها المالية، وتصبح ملكا للشركة، غير أن شركة المحاصة ليست لها شخصية معنوية ولا ذمة مالية وبالتالي لا تمتلك حصصا الشركاء، لذلك ينظم الشركاء في العقد التأسيسي ملكية هذه الحصص أثناء قيام الشركة"
وبمعني آخر، أن لقيام شركة المحاصة يلتزم كل شريك بتقديم حصة من مال أو عمل... غير أن الحصص لا تنتقل إلى ملكية الشركة حيث تنعدم شخصيتها المعنوية، وليس لها ذمة مستقلة عن ذمم الشركاء وهو ما يقتضي اتفاق الشركاء على تحديد المالك للحصص التي يقدموها".
ومنه إذا كان الغالب أن يقوم كل شريك في شركة المحاصة باستثمار حصته بنفسه ثم الاشتراك مع بقية زملائه في الشركة بحصر ناتج الاستغلال وتوزيعه في نهاية الشركة، إلا أنه قد يقوم الشركاء في أحوال أخرى بتسليم مدير المحاصة حصصهم لاستثمارها بمعرفته واقتسام ما ينتج عن ذلك من ربح أو خسارة وبالتالي الحصص المستترة المقدمة من الشركاء لا يمكنها أن تخرج عن ثلاث احتمالات وهي:
أولا : أن تظل ملكية الحصة للشريك.
ثانيا: أن تنتقل ملكية الحصص للمدير.
ثالثا: أن تكون الحصص مملوكة على الشيوع بين الشركاء.
والخصوصية في ذلك، وهي أنها شركة قائمة على القواعد العامة المنظمة للمبدأ سلطان الإرادة وكذا على القواعد الخاصة في تكوين عقد الشركات التجارية، وهذا في حد ذاته يميزها عن بقية الشركات.
المبحث الثاني: أسباب تبتي المشرع الجزائري لشركة المحاصة
في هذا الإطار أريد ابراز الأسباب الحقيقية المؤدية إلى ظهور هذا النوع من الشركات خاصة أنها شركة تتمتع بنظام خاص وأسس مختلفة تماما عن باقي الشركات
المطلب الأول : الأسباب التاريخية
للشركة جذور تاريخية نجدها في الحضارات القديمة، عند البابليين في قانون حمورابي واليونانيين الذين عرفوا الشركة التجارية والمدنية على حد سواء، والرومانيين الذين اعتبروا الشركة عقدا رضائيا لا ينتج إلا مجرد التزامات بين الأطراف، والعرب الذين هم أيضا عرفوا فكرة الشركة قبل ظهور الإسلام نظرا لحاجاتهم إليها قصد تنمية الأموال واستثمارها بين الأشخاص إن أصول شركة المحاصة ترجع إلى عقد التوصية، والذي ظهر في العصور الوسطى، حيث لجأ إليه أصحاب الأموال وذلك تحايلا على تحريم القرض الربوي الذي فرضته الكنيسة، فأدى هذا العقد عندما كان يمارس خفية، إلى إرساء الركيزة الأولى لهذا النوع من الشركات فلقد كان أصحاب رؤوس الأموال يقومون بتقديم حصصهم إلى أحد الأشخاص ليقوم بدوره باستثمارها .
والحديث في هذا المطلب يهدف إلى تسليط الضوء عن الأسباب التاريخية، والتي جعلت المشرع الجزائري يضيف هذا النوع من الشركات إلى الأشخاص المعنوية التجارية المذكورة في نص المادة 544 من القانون التجاري.
أولا : بما أن شركة المحاصة هي شركة أشخاص، فالأمر يستدعي منا الرجوع إلى الأسباب التاريخية لظهور هذا الصنف من الشركات، باعتبار أن الطابع الشخص لها هو المميز والغالب فيها.
ولذلك وفي رأيي أن هذه الشركة هي ترجمة حقيقية لمبدأ الثقة في التعامل بين الشركاء الاقتصاديين والتجار خاصة، لأنه لولا عامل الثقة بينهم لما تم ابرام هذا الاتفاق المستتر بينهم ومنه فإن هذه الشركة تحصيل حاصل لمبادئ القانون التجاري.
ثانيا: الجزائر دولة استعمرت من قبل فرنسا، وقد ترك هذا الأخير بصمته في النظام القانوني المتبنى في الجزائر، ولذلك نجد أنه هناك أنظمة قانونية هي صورة طبق الأصل لما هو موجود في فرنسا، بسلبياته وإيجابياته، ومنه التقنين التجاري.
لقد نظم المشرع الفرنسي أحكام شركة المحاصة في قانون التجارة الصادر في 1807 إلى أن واضعو مشروعه اختاروا له تسمية جمعية المحاصة وليس شركة المحاصة، ولذلك تعرضت هذه التسمية للنقد على أساس أن الجمعية، لا تتوخى تحقيق الربح في حين أن شركة المحاصة كجميع الشركات تهدف إلى تحقيق الربح، وقد أخذ قانون الشركات الفرنسي الصادر في 1966 بعين الاعتبار الانتقادات التي وجهت لهذه التسمية، فاستعمل عبارة شركة المحاصة.
ولذلك وفي رأيي أن المشرع بتبنيه لهذا النوع من الشركات يعود إلى كون القانون التجاري الجزائري أصله مقتبس من القانون التجاري الفرنسي، ولذلك عليه اعادة النظر في تعديل جذري لهذه القواعد، والتي أغلبها لم يعد صالحا للتطور الحاصل اليوم من نظام معلوماتي وعولمة وازدهار تقنيات المعاملات التجارية.
ثالثا: أثبتت شركة المحاصة أنها النوع المفضل للعديد من التجار، ولذلك هي أكثر انتشارا في الواقع العملي، لملاء متها لرغبة قطاعات كبيرة من الأفراد تفرض عليهم ظروفهم عدم الظهور على مسرح الحياة التجارية، وعندهم من الأموال الطائلة التي يرغبون في توظيفها واستثمارها، أو توتيهم فرص تبشر بالربح الوفير، فيريدون اغتنام هذه الفرص بجهودهم المشتركة، في أسرع وقت فيرون في شركة المحاصة ما يحقق لهم هذه الأغراض حيث أغناهم المشرع وخفف عنهم عبء إجراءات تسجيل الشركة بالسجل التجاري واتخاذ إجراءات شهرها؟
المطلب الثاني: الأسباب الاقتصادية
تتمثل أهم الدوافع الاقتصادية والتي أدت بالمشرع إلى تبني هذا النوع من الشركات إلى
الآتي:
1- ازدهار الحياة وتطورها، والضرورة إلى وجود أطراف تجارية متعددة تلبي حاجات السوق في تنفيذ المشاريع الاقتصادية، سواء في الصناعات الصغيرة أو المتوسطة أو حتى الكبرى، ما أدى بالمشرع إلى تبني هذه الصورة المختلفة من الشركات، والتي هي في رأيي شركات مؤقتة، تنتهي بانتهاء غرضها.
2- الأصل أنه ليس للغير حق الرجوع إلا على الشريك الظاهر الذي تعامل معه في شركة المحاصة، ويترتب على ذلك أن الغير الذي تعاقد مع الشريك الظاهر لا يستطيع أن ينفذ إلا على أموال ذلك الشريك دون أن يحق له الرجوع على أموال باقي الشركاء في شركة المحاصة، بوجود الشركة أو صدر عنه ما يدل للغير على وجودها بين الشركاء جاز اعتبارها شركة قائمة فعلا.
ومن ذلك فإن السبب الرئيسي ينبع من خاصيتها الرئيسية وهي الاعتبار الشخصي للشركاء، بحيث أن هذا النوع من الشركات يساعد الكثير من الشركاء الاقتصاديين والذين لا يريدون تأسيس شركات دائمة أو البقاء ضمن تجمعات تجارية لمدة طويلة، بل مؤقتة ولمدة زمنية محدودة، فضالتهم الوحيدة هي شركة المحاصة، والتي تلي لهم وبكل تأكيد مبتغاهم وهذا في رأيي ما يفسر وجود هذا النوع من الشركات عمليا، لأن شركة المحاصة يمكنها جعل التاجر والذي لديه أعمال تجارية خاصة به، إبرام عقد شراكة مع تاجر آخر لتكوين شركة محاصة، ولمدة قصيرة تحكمه طبيعة ونوع المشروع، وكأنه عمل تجاري مؤقت أو عرضي.
وكما أن خصائصها الاستثنائية، تولد الرغبة لدى التجار في استثمار أموالهم دون فقدان ملكيتها، مع أشخاص آخرين تربطهم ببعض علاقة ثقة، مع حرية مطلقة في تطبيق النظام والمبادئ المناسبة لهكذا اتفاق، ومنه تحريك رؤوس الأموال المجمدة والتي يخشى الكثير منا استثمارها مع الغير. فشركة المحاصة تمثل المجال الأمثل لاستثمار الأموال في مشاريع مصغرة أوفي صفقات تجارية عارضة.
3- أظن أن المشرع الجزائري استجاب إلى متطلبات السوق والي تحتم عليه إيجاد قنوات وأدوات تجارية تترجم مبدأ الثقة والسرعة في التعامل، وشركة المحاصة في نظري هي الأمثل لهكذا تجمع. ومن التطبيقات العملية لشركة المحاصة الاتفاق الذي يحدث بين تاجرين أو أكثر بغرض شراء كمية من البضائع للإتجار فيها، على أن يتم توزيع الأرباح والخسائر فيما بينهم. ومن ذلك أيضا اتفاق شخصين أو أكثر على شراء سيارات مستعملة أو متعطلة والقيام بصيانتها وإعادة بيعها من جديد، على أن يتم توزيع الأرباح فيما بينهم، والأمثلة على ذلك كثيرة ويصعب حصرها وفي رأيي، شركة المحاصة مجال مشجع للمستثمر الأجنبي والذي يخاف من قيود ومعوقات القانون الداخلي للدولة، كما أن الإجراءات البيروقراطية في تأسيس الشركات التجارية ترهق كاهله، لذلك أظن أن شركة المحاصة تلي رغبة كل من يريد القيام بمشروع مصغر مستتر دون القيام بإجراءات القيد والشهر، في الملاذ الوحيد للمستثمرين.
خاتمة :
خلاصة قولنا بعد استعراضنا لأحكام شركة المحاصة، أن هذه الأخيرة استبناء عن الصورة التقليدية للشركات التجارية، وتمثل خروجا عن القواعد العامة لها، ولذلك أهم
النتائج المستخلصة هي:
أولا : تبني المشرع الجزائري لأحكام شركة المحاصة، راجع أساسا لعاملين رئيسيين، هما الرابط التاريخي بين الجزائر و الاستعمار الفرنسي، والذي ترك بصمة واضحة في المنظومة القانونية الجزائرية، وبات من المسلم به أن نظام شركة المحاصة هو صورة طبق الأصل عن التشريع الفرنسي.
لكن هذا التقليد كان له الأثر الإيجابي في منظومتنا، لأن هذا النوع من الشركات التجارية يلي متطلبات فئة من التجار، كما أنه الوسيلة الأمثل لمن يريد القيام بعمليات تجارية مؤقتة أو عرضية، ويشكل كذلك مجالا خصبا للمستثمرين الساعين إلى عدم ابرام عقود شركة، لما لذلك من تعقيدات إجرائية، بل يميلون إلى العقود والتي الغالب فيها يكون لمبدأ سلطان الإرادة.
ثانيا : تنقضي شركة المحاصة بانقضاء الغرض من وراء تأسيسها، أو بانقضاء المدة المحددة في الاتفاق المستتر و الذي يجمع الشركاء، كما أنها تنقضي بنفس أسباب انقضاء شركة الأشخاص، أي بوفاة أحد الشركاء أو الحجر عليه أو إفلاسه إلا إذا تم الاتفاق على غير ذلك.
ثالثا: أظن أن تنظيم أحكام شركة المحاصة يخضع في الكثير من جوانبه لأحكام مبدا العقد شريعة المتعاقدين، لأن حتى التشريع التجاري لم يفرد نصوصا كثيرة لهذا الكيان التجاري، مادام الشخص يبرم الاتفاق باسمه، دون معرفة الغير بوجود شركة المحاصة، وأي خلل أو عدم التزام في تنفيذ بنود العقد، تقوم المسؤولية الشخصية للمتعاقد دون الشركاء.
رابعا: لابد من إعادة النظر في ضبط الأحكام المتعلقة بهذه الشركة، لأن المشرع استنسخ هذه المادة عن التشريع الفرنسي، دون أن يراعي ظروف العمل التجاري في المجتمع الجزائري، كما أن عملية إثبات الوجود الفعلي لهذه الشركة عمليا صعب جدا، في الاتفاق المستتر المبرم بين الشركاء، لأن الوجود الفعلي للمثل هكذا نوع من الشركات موجود بين أطرافه فقط، دون أن يتعداه إلى علم الغير، وهوما يعرف بنسبية أثر هذه الشركة.
ومنه يصعب التحكم في أحكام هذه الشركة عمليا، وخاصة عند حدوث نزاع بين أطراف العقد، رغم أنها تخضع لأحكام القانون التجاري، القائم على حرية الإثبات، والتسهيلات الواسعة في المعاملات التجارية، رغم ما يقابله من الشدة والقسوة في كل من يخرج عن هذه القواعد.
الهوامش :
1- الأمر رقم 75-59، المؤرخ في 26 سبتمبر1975، المتضمن القانون التجاري، ج ر العدد 101 الصادرة بتاريخ 19 ديسمبر1975.
2- المرسوم التشريعي رقم 93-08، المؤرخ في 25 أفريل 1993، والمتضمن القانون التجاري، المعدل والمتمم للأمر رقم 75-59، الجريدة الرسمية العدد 27، الصادرة بتاريخ 27 أفـريل 1993.
3- أسامة نائل المحيسن، الوجيز في الشركات التجارية والإفلاس، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر و التوزيع، الأردن، 2008، ص 125.
4- حسام عبد الحليم عناية، موسوعة الفقه والقضاء في الشركات التجارية، المجلد الأول، دار محمود للنشر والتوزيع، مصر، 2008، ص 517.
5- عباس مصطفى المصري، تنظيم الشركات التجارية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2006، ص 153.
6- نص المادة 549 قانون تجاري جزائري:" لا تتمتع الشركة بالشخصية المعنوية إلا من تاريخ قيدها في السجل التجاري..
7- سوزان علي حسن، الوجيز في القانون التجاري، الطبعة الأول، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2004، ص 125.
8- عباس مصطفى المصري، مرجع سبق ذكره، ص 155.
9- عزيز العكيلي، الوجيز في القانون التجاري، الطبعة الأولى، الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع ودار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2000، ص 195.
10- حسن عبد الحليم عناية، مرجع سبق ذكره، ص 526-527.
11- عباس مصطفى المصري، مرجع سبق ذكره، ص 157.
12- نادية فضيل، شركات الأموال في القانون الجزائري، الطبعة الثانية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2007، ص17.
13- الياس ناصيف، موسوعة الشركات التجارية، منشورات الحلي الحقوقية، الجزء الرابع ، مصر2010، ص 231 .
14- فتيحة يوسف المولودة عماري، أحكام الشركات التجارية، الطبعة الثانية، دار الغرب للنشر والتوزيع، الجزائر، ص 103 .
15- أحمد محمود محرز، الوسيط في الشركات التجارية، الطبعة الثانية، منشأة المعارف، الاسكندرية، 2004، ص 326.
16- خالد ابراهيم التلاحمة، الوجيز في القانون التجاري، الطبعة الأولى، جهينة للنشر والتوزيع، الأردن، بدون سنة نشر، ص 161.
17- سعود العماري، شركة المحاصة، ص 13 .