شرح دعوى منع التعرض
أولا تعريف دعوى منع التعرض
تعرف دعوى منع التعرض بأنها تلك الدعوى التي يرفعها حائز العقار أو الحق العيني ضد الغير الذي تعرض له في حيازته طالبا فيها منع التعرض وإزالة مظاهره، وتعرف أيضا بالنظر إلى الغاية من إقرارها ، ويرى الأستاذ الدكتور عبد الرزاق أحمد دعوى منع التعرض يقصد بها منع الاعتداء على الحيازة، السنهوري في هذا الصدد بأن دعوى منع التعرض هي دعوى الحيازة الرئيسية ، إذ هي تحمي الحيازة في ذاتها وهي الحيازة الأصلية دون الحيازة العرضية ، فهي دعوى الحيازة المثلى.
- هي دعوى ترفع من طرف حائز العقار ضد الغير يطلب فيها عدم التعرض له في حيازته للعقار ويعتبر تعرضا كل عمل مادي أو قانوني من شأنه عرقلة انتفاع الحائز بالعقار، ويتضمن إنكارا لهذه الحيازة ومثال ذلك إقامة الغير حائطا أو بناء يسد به المطل على الحائز أو يمنع به النور أو الهواء عليه، أو رعي مواشي الغير في أرض الحائز دون اذن منه "هنا تعرض مادي " ومن أمثلة التعرض القانوني رفع دعوى أو التدخل في دعوى مرفوعة بادعاء حق على الأرض محل النزاع...
تعتبر دعوى منع التعرض من أهم الدعاوى الحيازة، فهي دعوى الحيازة الرئيسية لأنها ترفع في كل صور التعرض الموجه ضد الحيازة ، ونظم المشرع أحكام وقف المادة 820 ق م ج ، كما أشار في مضمون نص المادة 524 ق إ م.إ وشيء من التبسيط سوف نتطرق إلى تعريفها والطبيعة القانونية لها وكذا شروط قبولها بالإضافة إلى الحكم الصادر في الدعوى وحجيته.
تنص المادة 820 من القانون المدني على "... من حاز عقارا واستمر حائزا له مدة سنة كاملة ثم وقع له تعرض في حيازته جاز له أن يرفع خلال سنة دعوى منع التعرض".
ويقول السيوطي فيما يقوله المارودي: " إذا ادعى أنه يعارضه في ملكه لم تسمع إلا أن يقول أنه يتضرر في ملكه بمنعه من التصرف فيه، فتسمع، ويشترط بيان ما تضرر به من هذه الوجوه، وأنه يعارضه في كذا بغير حق فيوجه الحاكم المنع إليه...".
ونستنتج من هذا النص ومن استقراء هذه المقولة أنه حتى تمارس دعوى منع التعرض يجب توفر شروط معينة مرتبطة بها هذا بالإضافة إلى ما تشترطه الحيازة بذاتها حتى تكون
صحيحة منتجة لآثارها :
1-أن يكون المدعى حائزا للعقار :
و يتضح هذا من عبارة "من حاز عقارا" وعبارة " يعارضه في ملكه"، وكما يكون هذا الحائز حائزا للعقار مباشرة بمفرده أو يكون حائزا على الشيوع "مع شركاء آخرين".
2-أن يقع تعرضا على الحيازة :
وهي العنصر المجسد لشرط المصلحة في دعوى منع التعرض وهو كل عمل مادي أو قانوني من شأنه عرقلة انتفاع الحائز بالعقار ويتضمن إنكارا لحيازته ونستشف هذا الشرط من عبارة " وقع له التعرض في حيازته"
المادة 820 من القانون المدني وكذا من قول الفقه: " بمنعه من التصرف فيه…."
- ومن أمثلة التعرض المادي هنا سلب الأرض أو حرثها أو قطع أشجارها...الخ.
- ومن أمثلة التعرض القانوني مثلا قيام المتعرض بإنذار لدفع الإيجار له دون الحائز" المدعى".
3- أن تستمر الحيازة لمدة سنة :
ومؤدى هذا الشرط أن يكون المدعى قد وضع يده على الأقل مدة سنة وقت وقوع التعرض.
وعلى هذا الأساس فإنه يقع على المدعى عبء إثبات حيازته وأنها قد دامت واستمرت سنة كاملة على الوجه الذي قدمه المشرع الجزائري ويستطيع أن يضم في حيازته حيازة سلفه سواء أكان المدعى خلفا عاما أو خاصا شريطة قيام رابطة بين الحيازتين.
4- احترام ميعاد رفع الدعوى :
هذا ما نصت عليه المادة 820 من القانون المدني الجزائري "من حاز عقارا واستمر حائزا له مدة سنة كاملة ثم وقع له تعرض في حيازته جاز له أن يرفع خلال السنة دعوى منع التعرض..."
- والمعروف أن كل فعل يكون في ذاته تعرضا ينشأ حق للحائز في رفع هذه الدعوى وبطبيعة الحال يسقط الحق بعدم استعماله في المدة المحددة له.
- ونفرق بين إذا ما كان التعرض مادي أو قانوني، أما عن التعرض المادي فيبدأ باحتساب هذه المدة في اليوم الذي وقع فيه التعرض والذي يعطي دلالة بالاعتداء على الحيازة.
-أما عن التعرض القانوني فيبدأ احتساب هذه المدة من يوم التعرض الذي يظهر بوضوح أنه يشكل اعتداء على الحيازة، ففي حالة الشكوى الإدارية فيبدأ حساب هذه المدة من يوم تقديم الشكوى إلى الجهة المختصة، وفي حالة رفع دعوى يبدأ حساب هذه المدة من يوم إيداع عريضة افتتاح الدعوى أو تسجيلها لدى قلم كتاب المحكمة.
ثانيا : الطبيعة القانونية لدعوى منع التعرض:
نعتبر دعوى منع التعرض دعوى عينية عقارية يباشرها حائز العقار أو حق عيني لمدة سنة ضد من تعرض لهذه الحيازة فمحل هذه الدعوى هو الاعتراف بالحيازة وتثبيتها وحماية الحائز من أي اعتداء يقع على حيازته، ونظرا لطبيعة هذا النوع من الدعاوى والتي تستوجب بالضرورة البحث عن صفة واضع اليد، بمعنى هل يحوز لحساب نفسه أم يحوز لحساب لغيره، ثم البحث في عناصر الحيازة وشروطها ،وأيضا مدة وضع اليد ، وكل هذه المسائل هي مسائل تحقيق موضوعية تمس الحق موضوع النزاع فلقد استقر قضاء المحكمة العليا على أن هذه الدعوى لا تدخل في اختصاص القضاء المستعجل.
ثالثا : شروط قبول دعوى منع التعرض :
بالرجوع إلى نص المادة 820 ق م ج «من حاز عقارا واستمر حائزا له مدة سنة كاملة ثم وقع له التعرض في حيازته جاز له أن يرفع خلال السنة دعوى منع التعرض» يستشف من خلالها شروط قبول دعوى منع التعرض التي تتمثل في ثبوت الحيازة القانونية للمدعي بعنصريها المادي والمعنوي باستثناء المستأجر طبقا لأحكام المادة 487 ق م ج بالإضافة إلى شروط الحيازة من هدوء وعلانية ووضوح واستمرار، ووقوع تعرض للمدعى في حيازته، ورفع المدعي لدعواه في خلال سنة من حصول التعرض ويما أنه قد سبق لنا الكلام عن المقصود بالحيازة القانونية وبعنصريها وشروطها الأربعة، فإننا في هذا المقام سنقتصر على شروط وقوع التعرض للمدعي في حيازته.
أ- شرط التعرض :
يقصد بالتعرض كل عمل مادي أو إجراء قانوني يتضمن بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إدعاءا بحق في منازعة للمدعي في حيازته أو إنكارا لها، ومن خلال هذا التعريف يصلح لأن يكون سببا وأساسا لرفع دعوى منع التعرض تعرضا ماديا وقد يكون تعرضا قانونيا.
1 التعرض المادي : هو الذي لا يستند فيه المتعرض إلى حق قانوني ، كإقامة المدعى عليه جدارا أو بناءا على الأرض أو زراعة الأرض إذا كانت أرض زراعية .
والتعرض المادي قد يكون مباشرا إذا قام المدعى عليه اعمالا مادية على العقار الذي يحوزه الحائز ، وقد يكون غير مباشر إذا قام شخص بأعمال مادية على عقار يحوزه هو ويعتبر اعتداءا على حيازة عقار آخر ، مثلا كأن يكون العقار حق ارتفاق على عقار مجاور فيقوم حائز العقار بأعمال تمنع جاره بمباشرة حقه في الارتفاق.
وقد يكون التعرض المادي إيجابيا إذا قام الغير بأي عمل من أعمال الحيازة دون اذن الحائز، كزراعة الأرض التي يحوزها المدعي، ويكون سلبيا إذا قام الغير في منع الحائز من ممارسة حيازته كمنعه من زراعة الأرض أو المرور بها.
ولا يشترط في التعرض المادي أن يصاحبه عنف أو أكراه، وعلى ذلك لا يعد تعرضا قيام الغير من سرقة الثمار خلسة، كما لا يعد تعرضا الذي تم بطريق مشروع كوضع الغير أدواته في الأرض الحائز بناءا على رضاه ، كما لا يعتبر تعرضا لأعمال التي تأتي تنفيذا لحكم قضائي صادر في مواجهة الحائز.
2 تعرض قانوني : هو الذي يستند فيه المتعرض إلى حق قانوني كرفع دعوى ضد الحائز أو هو التعرض القائم على تصرف قانوني يصدر من المدعى عليه يعلن فيه نيته أو رغبته في معارضته للمدعى في حيازتها والذي يتخذ صورتين :
أ-التعرض القضائي : كرفع دعوى استرداد الحيازة من طرف الحائز كما يعتبر تعرض قضائيا أيضا تنفيذ حكم على شخص لم يكن طرفا في الخصومة .
ب - التعرض غير القضائي: ليس من الضروري أن يتخذ التعرض القانوني شكل الخصومة القضائية ،كأن يوجه للمتعرض إنذارا للمستأجر لعدم دفع الأجرة للمؤجر وجوب دفع إليه شخصيا ، فهذا الإجراء ليس موجه للحائز القانوني يعتبر تعرضا قانونيا له، أو كأن يوجه له إنذار لعدم البناء في العقار الذي يحوزه، وفي بعض الحالات لا يصلح أساسا لرفع دعوى منع التعرض، التعرض المستند الى قرار إداري اقتضته المصلحة العامة أو قيام الإدارة بأشغال عامة لان هذا تعطيل لتنفيذ قرار إداري المشمول بالتنفيذ، مما يجعل القضاء العادي غير مختص ،وعلى الحائز اللجوء الى القضاء الإداري طالبا وقف تنفيذ القرار الإداري إذا ما توافرت شروط دعواه . كما أن التعرض الناجم عن عدم تنفيذ العقد لا يعتبر أساسا لمنع رفع دعوى التعرض لان مجاله دعوى شخصية ناشئة عن العقد.
ب - يجب أن يكون هذا التعرض متقطعا ولا يؤدي إلى سلب الحيازة تماما :
لأنه في هذه الحالة الدعوى المناسبة هي دعوى استرداد الحيازة. فان وقع التعرض عن طريق أكثر من واقعة، يرى بعض الفقه في هذه الحالة أن للحائز حق رفع الدعوى بناءا الفعل الأخير إذا لم يكن قد مضت عليه سنة ،ويرى بعض الاخر ان ميعاد السنة يحسب من أول فعل من أفعال التعرض، وتبريرهم في ذالك أن الفعل الأول هو الذي ينشأ للحائر الحق في رفع هذه الدعوى شريطة أن تكون هذه الوقائع مرتبطة وهو عكس الحال في حالة تباعد أعمال التعرض واستقلالها عن بعضهما البعض، أو صدورها على أشخاص مختلفين ، حيث يعتبر كل عمل منها تعرضا قائما بذاته ينشئ دعوى مستقله.
إذا ما توافرت شروط دعوة منع التعرض على النحو المذكور أعلاه ، فإن القاضي يصدر حكما حسب نوع التعرض، فإذا كان التعرض ماديا حكم القاضي بمنع لصالح المدعي لكن مضمونه يختلف التعرض وتأكيد الحيازة للمدعي، و ازالت مظاهر التعرض (أثار الأعمال المادية)، ويكون الحكم قابل للتنفيذ الجبري متى صار نهائيا أو مشمول بالنفاذ المعجل.
أما إذا كان التعرض قانونيا فإنه يكفي لحماية الحيازة مجرد صدور حكم نمنع التعرض، وهو حكم موضوعيا يرتب حجية الأمر مقرر يؤكد الحيازة للحائز، والحكم الصادر في دعوى منع التعرض يعد حكما المقضي فيه بالنسبة لمسألة الحيازة القانونية التي فضل فيها وان لم تكن له حجية بالنسبة لدعوى الحق.