شرح موانع المسؤولية الجنائية
انتفاء وعدم قيام المسؤولية الجزائية بسبب انعدام الأهلية
انتفاء المسؤولية الجزائية بسبب انعدام الإرادة
المادة 47 قانون العقوبات { لا عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة و ذلك دون الإخلال بأحكام الفقرة 2 من المادة 21 } .
المادة 48 قانون العقوبات { لا عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة لا قبل له بدفعها }.
مقدمة :
ابرز دور للقانون أنه يسعى إلى تحقيق العدل و المساواة في المجتمــــع و لحماية المجتمع يسعى إلى تحديد المسؤوليات حيث أنه كل شخص ارتكب فعل اضر به الغير ليحمله لمسؤولية ، إلا أن هناك بعض الحالات التي يرتكب فيها الشخص أفعالا إلا أن القانون ينبغي عليه المسؤولية و الحالات المشابهة و هذا لمعالجة الفصل نتطرق إلى دراسة موانع المسؤولية الجزائية في مبحث الأول من حيث إنعدام الأهلية و الثاني من حيث إنعدام الإرادة.
المسؤولية الجنائية يقصد منها التزام الشخص بتحمل النتائج القانونية المترتبة على أفعاله وقت صدورها منه، وهو في تلك الحالة يتمتع بكامل أهليته الشرعية والقانونية، فيتحمل تبعة الجريمة بالخضوع للجزاء الجنائي المقرر لها شرعا أو قانونا، فالمسؤولية الجنائية بهذا الاعتبار ليست ركنا للجرمة، أو عنصرا من عناصر قيامها، إنما هي أمر لاحق لقيام الجريمة بكافة أركانها على حسب درجتها الشرعية.
لا سبيل لمحاكمة الجاني الذي ارتكب جريمة إلا إذا كان متمتعا بحرية الاختيار و العقل و الإدراك و عليه فلا يتحمل المسؤولية المكره و المضطر و الصغير و المجنون، فهذه الأوصاف كلها تجعل الجاني عديم المسؤولية ، و قد تعرض المشرع الجزائري لعوارض المسؤولية الجزائية في المادة 47 و 48 ق ع و تتمثل في : الإكراه و حالة الضرورة ، الجنون و صغر السن والسكر.
أولا : انتفاء المسؤولية الجزائية بسبب انعدام الأهلية :
وتكون الأهلية منعدمة في حالتين هما الجنون و صغر السن .
أ- الجنون :
و يقصد بالجنون اضطراب في القوى العقلية يفقد المرء القدرة على التمييز أو على السيطرة على أعماله . و في معناه الطبي هو خلل يصيب القوى الذهنية بعد اكتمال نموها فيؤدي إلى انحراف نشاطها عن النحو الطبيعي المألوف .
و الجنون ليس اسما لمرض واحد بل يتعدد، فمنه ما هو عام و يشمل كل نقص في الملكات الذهنية كالعته و البله سواء كان وراثيا أم مكتسبا إثر مرض ، و قد يكون الجنون مستمرا أو متقطعا يأتي في فترات مختلفة تعقبها فترات إفاقة ، كما يدخل ضمن الجنون صور أخرى من الأمراض العصبية و النفسية التي قد تجرد الإنسان من الإدراك و أهمها الصرع أين تأتي للمريض نوبات يفقد فيها رشده وهو عكس الهستيريا التي لا تعدم الشعور كلية و هي الصور التي يتعقد فيها الأمر . ولم يعرف المشرع الجزائري الجنون ، لكن نص عليه كمانع من موانع المسؤولية الجزائية في المادة47 من ق ع " لا عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة ، وذلك دون الإخلال بنص المادة 21 فقرة" 02 و المتعلقة الحجز القضائي في مؤسسة نفسية أو طبية قصد العلاج .
شروط الجنون المانع من المسؤولية :
لا ترفع المسؤولية عن المجنون إلا إذا ثبت فقدان وعيه أو فقدان الاختيار كلية ومعاصرة الجنون وقت ارتكاب الجريمة و هي مسألة يرجع تقديرها إلى قضاة الموضوع إثر خبرة طبية .
فيترتب على الجنون انعدام المسؤولية فيعفى المجنون من العقوبة ، ولا تتخذ بشأنه إلا تدابير علاجية تتمثل في وضعه في مؤسسة نفسية متخصصة .
ب- صغر السن:
لقد تناول القانون الجزائري مسؤولية الأحداث في المواد من 49 إلى 51 ق ع في الفصل الثاني المتعلق بالمسؤولية الجزائية ، حيث ورد في المادة 49 ق ع " أن لا يكون محلا للمتابعة الجزائية القاصر الذي لم يكمل 10 سنوات "
الملاحظ هنا أن المشرع الجزائري قد حدد حد أقصى لانعدام المسؤولية الجزائية للقاصر و هو سن 10 سنوات، أي أنه لا يمكن متابعة شخص أقل من 10 سنوات إذا ارتكب جريمة ما .
-لكن الحدث الذي يبلغ سنه من 10 إلى 13 سنة فتوقع عليه إما تدابير الحماية أو التهذيب و في مواد المخالفات فلا يكون إلا محلا للتوبيخ.
و المقصود هنا أيضا امتناع المسؤولية الجزائية لأنه يوقع على القاصر مجرد تدابير الحماية و التربية و التوبيخ في المخالفات خشية عليه من التعود على الإجرام .
- لكن القاصر الذي يبلغ من العمر مابين 13 إلى 18 سنة فيعتبر مسؤول و لكن مسؤولية ناقصة لأن رشده لم يكتمل، فإذا ارتكب الحدث في هذه المرحلة جريمة فإن القانون يسمح بإخضاعه لتدابير الحماية أو التهذيب أو لعقوبات مخففة كما يلي :
-إذا ارتكب الحدث جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد فإنه يحكم عليه بعقوبة الحبس من 10إلى 20 سنة .
-إذا ارتكب حدث جريمة عقوبتها هي السجن أو الحبس المؤقت فإنه يحكم عليه بالحبس لمدة تساوي نصف المدة التي كان يتعين الحكم عليه بها إذا كان بالغا.
ثانيا : انتفاء المسؤولية الجزائية بسبب انعدام الإرادة :
يتفق الفقه و القانون على عدم العقاب في حالة وجود إكراه أو حالة ضرورة لأنهما يؤثران في حرية الاختيار
الفرع الأول : الإكراه :
يقصد بالإكراه تلك القوة التي يستحيل على الشخص مقاومتها فتدفعه إلى ارتكاب الجريمة و قد تكون هذه القوة مادية كما قد تكون معنوية ، و قد تعرض المشرع الجزائري إلى الإكراه كمانع من موانع المسؤولية في المادة 48 ق ع كما يلي " : لا عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة لا قبل له بدفعها "
1- الإكراه المادي : وفيه أن تقع قوة مادية على إنسان لا يقدر على مقاومتها فيأتي بفعل يمنعه القانون
2-الإكراه المعنوي : وهو ضغط على الإرادة يدفعها إلى ارتكاب الجريمة ويتحقق بتهديد الفاعل بخطر جسيم لا سبيل إلى دفعه بوسيلة أخرى فيقدم على ارتكاب جريمته ليدفع عن نفسه خطر هذا التهديد ، و الإكراه المعنوي بخلاف الإكراه المادي لا يعدم إرادة المكره ، بل يجردها من حريتها في الاختيار .
الفرع الثاني : حالة الضرورة و رضا المجني عليه :
حالة الضرورة هي ذلك الخطر الذي يتهدد شخص أو يتهدد غيره ، فيضطر من أجل الخلاص من هذا الخطر إلى ارتكاب جريمة تصيب شخصا آخر .و الغالب في حالة الضرورة أن يكون الخطر ليس ثمرة عمل إنسان و إنما وليد قوى طبيعية ، كما أن إرادة الشخص هنا لا تمحى بل تتجرد من حرية الاختيار. كأن يتعلق شخصان أثناء غرق سفينة بقطعة خشب طافية ثم تبين أنها لا تقوى على حملهما معا ، فيبعد أحدهما الآخر فينجو لنفسه و يهلك زميله.
الفرع الاول : حالة الضرورة :
هي حالة لا يكون فيها مرتكب الجريمة مكرها على ارتكابها وإنما يكون أمام خيارين :
-إما أن يتحمل أذى معتبرا أصابه في شخصه أو في ماله أو أصاب غيره في شخصه.
-إما يرتكب الجريمة.
مثال : الشخص الذي يختلس خبزا حتى لا يموت جوعا.
بالنسبة للمشرع الجزائري لم يأخذ بحالة الضرورة كسبب عام للإباحة أو انتفاء المسؤولية ومع ذلك فقد نصت المادة 308 من قانون العقوبات على إباحة إجهاض المرأة الحامل إذا كان ضروريا لإنقاذ حياة الأم من الخطر.
أ- شروط حالة الضرورة :
1- الشروط المتعلقة بالخطر مثلما هو الحال في الدفاع المشروع أي أن يجد الشخص نفسه أمام خطر حال أو على وشك الوقوع يهدد شخص غيره وجسامة الخطر تقدرها محكمة الموضوع.
2- الشروط المتعلقة بالعمل المرتكب يجب أن يكون العمل المرتكب في مواجهة الخطر الحال ضروريا للحفاظ على سلامة الشخص أو المال
-3أن يكون الخطر جسيما بأن يكون غير قابل للإصلاح .
-4 أن يكون الخطر حالا ، أي أن تكون هناك ضرورة فعلية لوجود خطر حال فالخطر المستقبل لا يعتد به .
-5أن لا يكون لإرادة الفاعل دخل في حدوث الخطر إذ يقترض القانون للاحتجاج بحالة الضرورة أن يكون المتهم قد فوجئ بحلول الخطر، لأن عنصر المفاجئة هو الذي يجعل المضطر
يقوم بفعله دون تدبر و تروي .
-6لا بد أن يكون رد فعل المضطر هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من الخطر .
ب- آثار حالة الضرورة :
تتفق الأنظمة القانونية التي أخذت بحالة الضرورة على :
- عدم العقاب على العمل المرتكب.
- عدم مساءلة مرتكبه مدنيا.
ملاحضة :
إن حالة الضرورة كإحدى حالات امتناع المسئولية الجنائية ، والتي تأخذ بها غالبية التشريعات الجنائية ، وتجد لها صدى قضائي في العديد من الأحكام القضائية ، إنما تشكل أمرا واقعيا ، يتعرض لها الإنسان بصورة طبيعية ، حينما يجد نفسه تحت إكراه معنوي يجبره على الخروج عما يفرضه القانون سواء بصورة القيام بفعل غير مشروع قانونيًا ، أو بصورة الامتناع عما يفرضه القانون ، وانطلاقًا من هذه الأهمية نعتقد أن الأساس القانوني لهذه الحالة إنما يوجد في إنتفاء حرية الأختيار التي تشكل أساس المسئولية الجنائية ، وصيرورة ارتكاب الجريمة في هذه الحالة أمرًا حتميًا تمليه ظروف واقعية لا قدر للطبيعة البشرية لمرتكب جريمة الضرورة درئها أو التخلص منها .
الفرع الثاني : رضا المجني عليه :
الأصل أن رضا المجني عليه لا أثر له على المسؤولية الجزائية، كون أن القانون الجزائي من النظام العام ومن ثم فلا يجوز للمجني عليه أن يعطل تطبيقه بإرادته.
مثال : لا أثر لرضا المجني عليه على تجريم فعل الطبيب الذي ينهي ألم مريض ميؤوس شفاؤه.
وفي هذا السياق جرم المشرع الجزائري مساعدة الغير على الانتحار المادة 273 ق ع ج.
وبعض التشريعات أخذت برضا المجني عليه كسب من أسباب الإباحة، خاصة في حالة مساعدة مريض ميؤوس شفاؤه، على الموت إذا طلب منه ذلك مثال : هو لهذا في مسألة القتل بدافع الرحمة.
.(EUTHANASIE القتل الرحيم)